في قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

السؤال :

{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة آل عمران: 37]

س: ما معنى: {مِنْ عِنْدِ اللهِ}؟ العِندية جاءت كثير في الآيات لماذا يقول: من عند الله، ولم يقل: من الله؟

س: وما هو الرزق الذي وُجد عندها؟ إذا كان طعاماً، لماذا طعام وكان زكريا كافلها؟



الجواب :

معلوم أنّ (العندية) ونسبتها له تعالى ليست مكانيّة ـ لتعاليه سبحانه عن المكان والجهة ـ فتكون نسبة تشريف وكرامة، أو قدرة، أو غير ذلك ممّا يناسب المقام، فلها أغراض عديدة.

ففي قوله تعالى: {وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ} [آل عمران: 195] يمكن أن تكون بمعنى تشريف الثواب وتعظيمه أو اقتداره سبحانه عليه وسعة كرمه في عطائه. [انظر: مناهج البيان في تفسير القرآن، ج‏4، ص: 223]

وهكذا في الآية الكريمة محل البحث يمكن أن تكون بمعنى القربة والكرامة  أو إكرام وتشريف.

خصوصاً أن السؤال ورد بصيغة: {أَنَّى لَكِ هَذَا} ـ أي: من أين لك هذا الرزق ـ وليس: (ممَّن لكِ هذا)، فجاء الجواب: {مِنْ عِنْدِ اللهِ} موافقاً للسؤال. وهو أيضاً أدقّ دلالةً على المعنى، فطبقاً للمرويّ في تفسيرها أنّ هذا الرزق هو من الجنة، فأنزل بأمره تعالى >{قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي: من الجنة<. [مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏2، ص: 740].

وأما عن هذا الرزق ما هو؟ ولماذا كان طعاماً وكان زكريا (عليه السلام) كافلها؟

فبعض الأحاديث الواردة في تفسير الآية كتفسير العياشي وغيره من كتب الشيعة والسنّة تفيد أنّه كان فاكهة من الجنة في غير فصلها تحضر بأمر الله إلى المحراب. [انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏2، ص: 482]

وهذا الرزق ـ كما يتّضح من الآيات ـ ليس مرتبطاً بالكفالة أو عدمها باعتباره مجرّد طعام أو كونه قضية إطعام فحسب، بل هو كرامة ومنزلة لوليّ من أولياء الله تبارك وتعالى قبل كل شيء، فمقام الآيات مقام اصطفاء وتشريف لهذه الذرية المباركة {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ...}.

مضافاً إلى ما يترتّب على هذا الرزق الإلهي من ثمرات روحية وجسدية جمّة، لذا نجد زكريا (عليه السلام) تضرّع بالدعاء حينها لمّا رأى حال مريم (عليها السلام) من الكرامة والمنزلة {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]. فالأمر أكبر من كونه إطعاماً أو شيئاً مادّياً يقاس بمتاعٍ دنيويّ.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=963