متى رأى برهان ربّه؟ وهل المخلصون معرّضون للامتحان؟

السؤال :

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [سورة يوسف: 24]

متى رأى برهان ربه؛ قبل أن يهمّ بها أو بعده؟

هل أراد الله امتحان يوسف في قضية الهمّ والله يقول: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}؟ وهل (المخلصون) معرّضون للامتحان؟



الجواب :

كلمة (لولا) في اللّغة حرف شرط يدلّ على امتناع شيء لوجود غيره، مثال: لولا العدلُ لفسدت الرعيّة، وهنا: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}  "وعليه يكون المعنى ما هم بها إطلاقًا تمامًا كقولك: لولا فلان هلكت" [التفسير المبين، ص: 306].

وروي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) حينما سُئل عن تفسير الآية الكريمة: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ} أنّه قال: «لقد همّت به، ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت، لكنّه كان معصومًا والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه. فقال المأمون: لله درّك يا أبا الحسن". [تفسير نور الثقلين ج 2 ص 421].

وورد في تفسير قوله تعالى: {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}: أي: روح الايمان والتقوى وتربية النفس، أضف الى كلّ ذلك مقام العصمة الذي كان حائلًا دون هذا العمل، فكان قصد يوسف (عليه السلام) متوقّفًا على شرط لم يتحقّق، أي: (عدم وجود برهان ربّه).

فكان تصميم يوسف مشروطًا بشرط لم يتحقّق، وهذا الأمر لا ينافي مقام يوسف (عليه السلام) من العصمة والتقوى، بل يؤكّد له هذا المقام العظيم كذلك. وطبقًا لهذا التّفسير لم يبد من يوسف أيّ شيء يدلّ على التصميم على الذنب، بل لم يكن في قلبه حتّى هذا التصميم. [ينظر: تفسير الأمثل، ج‏7، ص: 179]

وأما مسألة هل المخلصون يعرّضون للامتحان؟

فالابتلاء ـ بشكل عام ـ سنّة إلهية لا يُستثنى منها أحد؛ بل إن العبد كلّما كان مقامه أرقى كان امتحانه أشدّ وأصعب، وطريق التكامل لا ينتهي مع درجة ومرتبة من المراتب، ولكلٍّ مراتب على حسب ما يستحقّونه جزاء أعمالهم {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: 132]. كما أن الامتحان والاختبار سنّة من سنن الحياة الطبيعية التي يعيشها الناس، ففي كل مجال تجد هناك امتحانًا واختبارًا؛ مَن يجتازه بنجاح يحصل على ما قرر له ازاء ذلك الامتحان، كما في الجامعات والمدارس وغيرها من المجالات المختلفة، ولا ينتهي ذلك إلى درجة معينة وحدّ معيّن، فالاختبار يسير مع الإنسان ويجري معه كلّما سار ومضى. 

والابتلاء، وإن كان مؤلماً أو صعباً، إلا أنه يحمل في طيّاته ثماراً عظيمة، كالتأهيل إلى المنازل الأرقى والأرفع أو الزيادة في الأجر والثواب، ثمّ إن النفس الإنسانية لكي تصل إلى مراتبها الكمالية، عليها أن تصبر على جميع المصائب والآلام التي تلمّ بها، فالصبر رأس الإيمان. وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: >إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً ابْتَلاهُ وَتَعَهَّدَهُ بِالْبَلاءِ كَمَا يَتَعَهَّدُ الْمَرِيضَ أَهْلُهُ بِالطُّرَفِ‏ ...< [بحار الأنوار، ج‏90، ص: 371].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=982