00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة المائدة من ( آية 1 ـ 6 ) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن (الجزء الثالث)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

سورة المائدة

هي مدنية في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة.

وقال جعفر بن مبشر: هي - مدينة إلا آية منهما نزلت في حجة الوداع وهي قوله: " اليوم اكملت لكم دينكم " وهي كلهامدنية بمعنى انها نزلت بعد الهجرة.

وقال الشعبي: نزل قوله: " اليوم اكملت " والنبي (صلى الله عليه وآله) واقف على راحلته في حجة الوداع.

وقال عبدالله بن عمر آخر سورة نزلت المائدة.

وهي مائة وعشرون آية كوفي واثنتان وعشرون في المدينتين. وثلاثة وعشرون بصرى.

الآية: 1 - 9

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: (ياايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود احلت لكم بهيمة الانعام الا مايتلى عليكم غير محلي الصيد وانتم حرم ان الله يحكم ما يريد(1))

آية بلاخلاف.

[414]

هذا خطاب من الله (تعالى) للمؤمنين المعترفين بوحدانيته تعالى المقرين له بالعبودية المصدقين لرسوله صلى الله عليه وآله في نبوته، وفيما جاء به من عند الله من شريعة الاسلام، أمرهم الله بايفاء العقود وهي العهود التي عاهدوها مع الله وأوجبوا على انفسهم حقوقا، والزموا نفوسهم بها فروضا امرهم الله تعالى بالاتمام بالوفاء والكمال لما لزمهم يقال: أوفى بالعهدو وفى به وأوفى به لغة أهل الحجاز. وهي لغة القرآن، واختلف اهل التأويل في العقود التي امرالله " تعالى " بالوفاء بها في هذه الآية بعد اجماعهم على ان المراد بالعقود العهود، فقال قوم: هي العقود التي كان اهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة. والمظاهرة على من حاول ظلمهم اوبغاهم سوء وذلك هو معنى الحلف.

ذهب اليه ابن عباس ومجاهد، والربيع ابن أنس والضحاك وقتادة والسدي وسفيان الثوري.

والعقود جمع عقد.

وأصله عقد الشئ بغيره.

وهو وصله به، كما يعقد الحبل إذا وصل به شيئا.

يقال منه: عقد فلان بينه وبين فلان عقدا فهو يعقده.

قال الحطيئة:

قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم *** شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا(1)

وذلك إذا واثقه على امر عاهده علي عهد بالوفاء له بما عاقده عليه من امان، أو ذمة أو نصرة، أونكاح أوغيره ذلك.

قال قتادة: هي عقود الجاهلية الحلف.

ويقال: اعقدت العسل فهو عقيد ومعقد وروى بعضهم عقدت، العسل والكلام وأعقدت.

وقال آخرون: هي العهود التي أخذ الله على عباده بالابان به، وطاعته فيما احل لهم أو حرم عليهم.

روي ذلك عن ابن عباس وقال: هو ما أحل وحرم وما فرض، وما حد في القرآن كله، فلا تعدوا أو لاتنكثوا، ثم سدد فقال:

___________________________________

(1) ديوانه: 6 القرآن لابي عبيدة 1: 145 اللسان (كرب) من قصيدته التي قالها في الزبرقان بن بدر وبغيض بن عامر من بني أنف الناقة.

العناج: خيط يشد في اسفل الدلو.

الكرب: الحبل.

[415]

" والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه إلى قوله: سوء الدار ".

وبه قال ايضا مجاهد: وقال قوم: بل العقود التي يتعاقدها الناس بينهم ويعقدها المرء على نفسه كعقد الايمان، وعقد النكاح، وعقد العهد، وعقد البيع، وعقد الحلف. ذهب اليه عبدالله بن عبيدة وابن زيد، وهو عبدالرحمن بن زيد بن اسلم عن ابيه.

وقال اخرون: ذلك امر من الله لاهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في التوراة والانجيل في تصديق محمد (صلى الله عليه واله) وما جاء به من عند الله. ذكر ذلك ابن جريج وأبوصالح.

وقال الجبائي: أراد به الوفاء بالايمان فيما يجوز الوفاء به. فاما ما كان يمينا بالمعصية، فعليه حنثه وعليه الكفارة. وعندنا ان اليمين في معصية لاتنعقد، ولاكفارة في خلافها.

وأقوى هذه الاقوال ما حكيناه عن ابن عباس أن معناه أوفوا بعقود الله التي اوجبها عليكم، وعقدها فيما أحل لكم وحرم، وألزمكم فرضه. وبين لكم حدوده. ويدخل في جميع ذلك ما قالوه إلاما كان عقدا على المعاونة على أمر قبيح. فان ذلك محظور بلاخلاف.

وقوله: " احلت لكم بهيمة الانعام " اختلفوا في تأويل بهيمة الانعام في هذه الآية فقال قوم: هي الانعام كلها: الابل والبقر، والغنم. ذهب اليه الحسن وقتادة والسدي والربيع والضحاك، وقال اخرون: أراد بذلك اجنة الانعام التي توجد في بطون امهاتها إذا ذكيت الامهات. وهي ميتة.

ذهب اليه ابن عمر وابن عباس.

وهو المروي عن ابي عبدالله.

والاولى حمل الآية على عمومها في الجميع.

والانعام جمع نعم، وهو اسم للابل، والبقر والغنم خاصة عند العرب كما قال تعالى: " والانعام خلقها لكم فيها دف‌ء ومنافع ومنها تأكلون " ثم قال: " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة " ففضل جنس النعم من غيرها من اجناس الحيوان وأما بهائمها فانها أولادها.

وقال الفراء بهيمة الانعام: وحشها كالظباء، وبقر الوحش، والحمر الوحشية. وانما سميت بهيمة الانعام، لان كل حي لايميز، فهو بهيمة الانعام، لانه ابهم عن ان يميز.

[416]

وقوله: " الاما يتلى عليكم " اختلفوا في المراد بقوله " الاما يتلى عليكم " فقال بعضهم: أراد بذلك أحلت لكم أولاد الابل، والبقر والغنم إلا ما بين الله تعالى فيما يتلى عليكم بقوله: " حرمت عليكم الميته والدم... الآية " ذهب اليه مجاهد وقتادة وقال: الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه. وبه قال السدي وابن عباس. وقال اخرون: استثنى من ذلك الخنزير روي ذلك أيضا عن ان عباس، والضحاك. والاول أقوى، لان قوله: " إلا ما يتلى عليكم " يجب حمله على عمومه في جميع ما حرم الله (تعالى) في كتابه. والذي حرمه هو ما ذكره في قوله: " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به... إلى آخر الآية " والخنزير وإن كان محرما، فليس من بهيمة الانعام، فمتى حملناه عليه كان الاستثناء منقطعا، ومتى خصصنا بالميتة والدم، كان الاستثناء متصلا.

وإن حملناه على الكل نكون غلينا حكم الميتة وما ذكر بعده، فيكون الاستثناء أيضا حقيقة ومتصلا. واختار الطبري تخصيصه بالميتة والدم، وما أهل لغير الله به.

قال الحسين ابن علي المغربي إلا ما يتلى معناه من البحيرة والسائبة والوصيلة فلا تكون المحرم، واستثنى هاهنا ما حرمه (تعالى) فلا يليق بذلك.

وقوله: " غير محلي الصيد وانتم حرم " اختلفوا في تأويله فقال بعضهم: معناه أوفوا بالعقود غير محلين الصيد وانتم حرم أحلت لكم بهيمة الانعام. ويكون فيه التقديم والتاخير، فغير يكون منصوبا على هذا الحال مما في قوله: " اوفوا بالعقود " من ذكر الذين آمنوا. وتقدير الكلام أوفوا أيها الذين آمنوا بعقود الله التي عقدها عليكم في كتابه لامحلين الصيد، وانتم حرم.

وقال اخرون: معنى ذلك احلت لكم بهيمة الانعام الوحشية من الظباء، والبقر والحمر غير محلي الصيد غير مستحلين اصطيادهم، وانتم حرم، وإلامايتلى عليكم (فغير) على هذا منصوب على الحال من الكاف، والميم اللين في قوله: " أحلت لكم بهيمة الانعام " والتقدير أحلت لكم ياأيها الذين آمنوا بهيمة الانعام، لامستحلي اصطيادها في حال إحرامكم وقال اخرون: معناه أحلت لكم بهيمة الانعام كلها إلا ما يتلى عليكم.

[417]

بمعنى إلا ما كان منها وحشيا، فانه صيد، ولايحل لكم وانتم حرم. والتقدير على هذا أحلت لكم بهيمة الانعام كلها إلا ما بين لكم من وحشها غير مستحلي اصطيادها في حال إحرامكم، فتكون (غير) منصوبة علي الحال في الكاف والميم في قوله: إلا ما يتلى عليكم. ذهب إلى ذلك الربيع، والحرم جمع حرام.

وهو المحرم قال الشاعر:

فقلت لها حثي اليك فانني *** حرام وإني بعد ذاك لبيب

أي واني ملب.

وقوله: " إن الله يحكم ما يريد " معناه إن الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما يريد تحليله، وتحريم ما يريد تحريمه، وايجاب ما يريد ايجابه. وغير ذلك من احكامه وقضاياه، فافعلوا ما أمركم به، وانتهوا عما نهاكم عنه.

[ الاعراب ]: (وما) في قوله: " إلا ما يتلى عليكم " في موضع نصب بالاستثناء.

وقال الفراء يجوز ان يكون موضعها الرفع. كما تقول جاء‌ني القوم، إلا زيدا وإلا زيد قال الزجاج: وهذا لايجوز إلا أن تكون إلا بمعنى غير، فتكون صفة. فاما بمعنى الاستثناء، فلايجوز.

وقوله عليه السلام: (ذكاة الجنين ذكاة امه عندنا) معناه انه إذا ذكيت الام وخرج الولد ميتا، قداشعرا واوبر، جاز أكله.

وبه قال الشافعي وأهل المدينة وقال ابوحنيفة: معناه انه يذكى كما تذكى امه وهو اختيار البلخي.

[418]

قوله تعالى: (ياايها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله ولاالشهر الحرام ولا الهدي ولاالقلآئد ولاآمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولايجرمنكم شنآن قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب(2))

آية.

[ القراء‌ة ]: قرأأبوبكر عن عاصم، وابوجعفر واسماعيل المسيبي (شنئآن) بسكون النون الاولى في الموضعين.

الباقون بفتحها وقرأ ابن كثير وأبوعمر (وان صدوكم) بكسر الهمزة الباقون بفتحها.

[ المعنى ]: هذا خطاب من الله (تعالى) للمؤمنين ينهاهم ان يحلوا شعائر الله.

واختلفوا في معنى شعائر الله على سبعة اقوال: فقال بعضهم: معناه لاتحلوا حرمات الله، ولاتعدوا حدوده، وحملوا الشعائر على المعالم. وارادوا بذلك معالم حدود الله وأمره ونهيه، وفرائضه ذهب اليه عطا وغيره.

وقال قوم: معناه لاتحلوا حرم الله وحملوا شعائر الله على معالم حرم الله من البلاد.

ذهب اليه السدي.

وقال اخرون: معنى شعائر الله مناسك الحج.

والمعنى لاتحلوا مناسك الحج، فتضيعوها. ذهب اليه ابن جريج، ورواه عن ابن عباس.

وقال ابن عباس: كان المشركون يحجون البيت، ويهدون الهدايا، ويعظمون حرمة المشاعر، ويتجرون في حججهم، فاراد المسلمون ان يغيروا عليهم، فنهاهم الله عن ذلك.

وقال مجاهد: شعائر الله الصفا والمروة والهدي من البدن، وغيرها. كل هذا من شعائرالله.

[419]

وقال الفراء كانت عامة العرب لاترى الصفا والمروة من الشعائر، ولايطوفون بهما، فنهاهم الله عن ذلك وهو قول ابي جعفر (عليه السلام).

وقال قوم: معناه لاتحلوا ما حرم الله عليكم في إحرامكم. روي ذلك عن ابن عباس في رواية اخرى.

وقال الجبائي الشعائر: العلامات المنصوبة للفرق بين الحل، والحرم نهاهم الله أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام.

وقال الحسين بن علي المغربي: المعنى لاتحلوا الهدايا المشعرة. وهوقول الزجاج واختاره البلخي.

وأقوى الاقوال قول عطا من أن معناه، لاتحلوا حرمات الله، ولاتضيعوا فرائضه لان الشعائر جمع شعيرة وهي. على وزن فعيلة، واشتقاقها من قولهم: شعر فلان بهذا الامر: إذا علم به، فالشعائر المعالم من ذلك، وإذا كان كذلك، وجب حمل الآية على عمومها، فيدخل فيه مناسك الحج، وتحريم ما حرم في الاحرام، وتضييع ما نهى عن تضييعه واستحلال حرمات الله، وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه، لان كل ذلك من معالمه، فكان حمل الآية على العموم اولى.

وقوله: " ولاالشهر الحرام " معناه ولاتستحلوا الشهر الحرام بقتالكم فيه اعداء‌كم من المشركين، كما قال: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " وهوقول ابن عباس وقتادة. والشهر الحرام الذي عناه الله هاهنا قال قوم: هو رجب، وهوشهر كانت مضر تحرم فيه القتال.

وقال قوم: هو ذو العقدة. ذكره عكرمة.

وقال ابوعلي الجبائي: هواشهر الحرام كلها، نهاهم الله عن القتال فيها. وهواليق بالعموم. وبه قال البلخي.

وقوله: " ولاالهدي ولاالقلائد " فالهدي جمع واحده هدية واصله هدية وهو ما هداه الانسان من بعير او بقرة أو شاة أو غير ذلك إلى بيت الله تقربا به إلى الله (تعالى) وطلبا لثوابه يقول الله: لاتستحلوا ذلك فتغصبوه أهله عليه، ولا تحولوا بينهم وبين ما اهدوا من ذلك إلى بيت الله ان يبلغوه محله من الحرم، ولكن

[420]

خلوهم حتى يبلغوا به المحل الذي جعله عزوجل له. وهوكعبته.

قال ابن عباس: والهدي يكون هديا قبل ان يقلد ما جعله على نفسه أن يهديه ويقلده.

وقوله: " ولا القلائد " معناه ولاتحلوا القلائد. واختلفوا في معناه فقال بعضهم: عنى بالقلائد الهدي. وانما كرر، لانه أراد المنع من حل الهدي الذي لم يقلد، والهدى الذي قلد. وهو قول ابن عباس.

وقال آخرون: يعني بذلك القلائد التي كان المشركون يتقلدونها إذا أرادوا الحج مقبلين إلى مكة من لحاء السمر، وإذا خرجوا منها إلى منازلهم منصرفين منها إلى المشعر. ذهب اليه قتادة وقال كان في الجاهلية إذا خرج الرجل من أهله يريد الحج تقلد من السمر، فلا يعرض له أحد وإذا رجع تقلد قلادة شعر، فلا يعرض له احد.

وقال عطا: كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم يأمنون به إذا خرجوا من الحرم.

وقال الفراء: كان اهل الحرم يتقلدون بلحاء الشجر، واهل غير الحرم يتقلدون بالصوف والشعر وغيرهما، فنزلت " لاتحلوا شعائر الله.. "

وقال مجاهد: وهو اللحافي رقاب الناس. والبهائم امن لهم. وهوقول السدي.

وقال ابن زيد: إنما عنى بالمؤمنين نهاهم أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم يتقلدون به، كما كان المشركون يفعلونه في جاهليتهم. ذهب اليه عطا في رواية والربيع بن أنس.

وقال ابوعلي الجبائي: القلائد هوما قلده الهدي، نهاهم عن حلها، لانه كان يحب أن يتصدق بها. قال: ويحتمل أن تكون عبارة عن الهدي المقلد. والاقوى ان يكون المراد بذلك النهي عن حل القلائد، فيدخل فيه الانسان والبهيمة إذ هو نهي عن استحلال حرمة المقلد، هو هديا كان ذلك أو انسانا.

قوله: " ولاآمين البيت الحرام " معناه، ولاتحلوا قاصدين البيت الحرام.

يقال: أممت كذا: إذا قصدته وعمدته.

وبعضهم يقول يممته قال الشاعر:

إني كذاك إذا ما ساء‌ني بلد *** يممت صدر بعيرى غيره بلدا(1)

والبيت الحرام بيت الله بمكة، وهوالكعبة.

___________________________________

(1) مجاز القرآن لابي عبيدة 1: 146.

[421]

وقوله: " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " معناه يلتمسون أرباحا في تجارتهم من الله " ورضوانا " يعني وان ترضى عنهم منسكهم. نهى الله تعالى أن يحل ويمنع من هذه صورته. فاما من قصد البيت ظلما لاهله، وجب منعه ودفعه عنهم.

[ النزول ]: وقال ابوجعفر (عليه السلام): نزلت هذه الآية في رجل من بني ربيعة يقال له: الحطم.

قال السدي: أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النبي (صلى الله عليه وآله) وحده، وخلف خيله خارجة من المدينة، فدعاه فقال: الام تدعو فاخبره وقد كان النبي صلى الله عليه وآله قال: لاصحابه: يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان، فلما أخبره النبي (صلى الله عليه وآله) قال: انظروا لعلي اسلم ولي من اشاوره، فخرج من عنده فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد دخل بوجه كافر، وخرج بعقب غادر، فمر بسرج من سرج المدينة فساقه وانطلق به، وهو يرتجز ويقول:

قد لفها الليل بسواق حطم *** ليس براعي ابل ولاغنم

ولابجزار على ظهر وضم *** باتوا نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم *** خدلج الساقين ممسوح القدم(1)

ثم اقبل من عام قابل حاجا قد قلد هديا، فاراد رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يبعث اليه، فنزلت هذه الآية " ولاآمين البيت الحرام " هذا قول ابن جريج، وعكرمة والسدي وقال ابن زيد: نزلت يوم الفتح في ناس يأمون البيت من المشركين بهلون بعمرة.

___________________________________

(1) البيان والتبيين 2: 308 الاغاني 14: 44 اللسان (حطم) وقبل هذا الرجز قوله هذا أوان الشد فاشتدي زيم.

حطم السائق الذي يسير بأقصى سرعة: الوضم: خشبة القصاب التي يقطع عليك اللحم الزلم: قدح الميسر.

خدلج الساقين: ممتلئ الساقين.

ممسوح القدم: قدمه مستو.

وقد جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وآله: مسيح القدمين.

[422]

فقال المسلمون: يارسول الله صلى الله عليه وآله إنما هؤلاء مشركون، مثل هؤلاء دعنا نغير عليهم، فانزل الله تعالى الآية قال ابن عباس: ذلك في كل من توجه حاجا. وبه قال الضحاك والربيع بن انس.

[ النسخ ]: واجمعوا على انه نسخ من حكم هذه الآية شئ إلاابن جريج فانه قال: لم ينسخ منها شئ، لانه لايجوز أن يبتدأ المشركون في أشهر الحرم بالقتال إلا إذا قاتلوا. وهو المروي عن ابي جعفر (ع) وقال الشعبي: لم ينسخ من المائدة غير هذه الآية وقال أبوميسرة: في المائدة ثمانية عشر فريضة ليس منها شئ منسوخ.

واختلفوا فيما نسخ منه فقال بعضهم: نسخ جميعها ذهب إليه الشعبي وقال: لم ينسخ من المائدة غير هذه الآية لاتحلوا شعائر الله ولاالشهر الحرام، ولاالهدي، ولا القلائد. وبه قال مجاهد: قال: نسخها قوله: " اقتلوا المشركين حيث وجد تموهم " وبه قال قتادة والضحاك وحبيب بن ابي ثابت وابن زيد.

وقال اخرون: نسخ منها قوله: " ولاالشهر الحرام، امين البيت الحرام " ذكر ذلك عن ابن ابي عروبة عن قتادة وقال: نسخها قوله: " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وقوله: " ماكان للمشركين أن يعمروا مساجد الله " وقوله: " انما المشركون نجس فلايقربوا المسجد الحرام... الآية " في السنة التي نادى علي (عليه السلام) فيها بالاذان. وبه قال ابن عباس وقال قوم: لم ينسخ منه إلا القلائد. وروي ذلك عن ابن ابى بحيح عن مجاهد.

وأقوى الاقوال قول من قال: نسخ منها " ولاالشهر الحرام ولا القلائد ولاامين البيت الحرام " لاجماع الامة على أنه (تعالى) احل قتال أهل الشرك في أشهر الحرام وغيرها من شهور السنة. واجمعوا ايضا على ان مشركا لو قلد لحا جميع اشجار الحرم عنقه او ذراعه، لم يكن ذلك أمانا له من القتل إذا لم يتقدم له امان.

[423]

[ المعنى ]: وقوله: " ولاآمين البيت " ظاهره يحتمل المسلم والمشرك لعموم اللفظ، لكن خصصنا المشركين بقوله: " اقتلوا المشركين.. الآية " ويحتمل أيضا أن يكون مخصوصا بأهل الشرك. وعليه اكثر المفسرين. فان كان مخصوصا بهم، فلا شك أيضا أنه منسوخ بما قدمناه من الآية والاجماع.

وقوله: " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " معناه يلتمسون ويطلبون الزيادة، والارباح في التجارة ورضوان الله عنهم وألا يحل بهم ما حل بغيرهم من الامم بالعقوبة في غالب دنياهم. وهو قول قتادة وقال: هي للمشركين يلتمسون فضل الله، ورضوانه بمايصلح لهم دنياهم. وبه قال ابن عباس والربيع بن انس ومجاهد وفي الآية دلالة على جواز حمل المتاع للتجارة في الحج.

وقوله: إذا حللتم، فاصطادوا فأهل الحجاز يقولون: حللت من الاحرام أحل، والرجل حلال. وكذلك سعد بن بكر وكذا يقولون: حرم الرجل فهو حرام: إذا صار محرما، وقوم حرم واسد وقيس وتميم يقولون: أحل من احرامه، فهو محل وأحرم فهو محرم. معناه إذا حللتم من إحرامكم، فاصطادوا الصيد الذي نهيتكم ان تحلوه، وأنتم حرم. وهو بصورة الامر. ومعناه الاباحة. وتقديره لاحرج عليكم في اصطياده فاصطادوه ان شئتم حينئذ لان السبب المحرم قدزال. وهوقول جميع المفسرين: مجاهد وعطا، وابن جريج وغيرهم.

وقوله: " ولايجرمنكم " قال ابن عباس: ولايحملنكم شنآن قوم. وهو قول قتادة. واختلف اهل اللغة في تأويلها، فقال الاخفش، وجماعة من البصريين، لايحقن لكم، مثل قوله: " لاجرم ان لهم النار " ومعناه حق ان لهم النار.

وقال الكسائي والزجاج معناه: لايحملنكم وقال بعض: الكوفيين معناه لايحملنكم. قال: يقال: جرمني فلان على ان صنعت كذا أي حملني عليه.

وقال الفراء: معناه لايكسبنكم شنآن قوم.

واستشهد الجميع بقول الشاعر:

ولقد طعنت ابا عيينة طعنة *** جرمت فزارة بعدها ان يغضبوا(1)

___________________________________

(1) قائله أبوأسم‌ء‌بن الضريبة.

مجاز القرآن لابي عبيدة 1: 147 اللسان: (جرم)

[424]

فمنهم من حمل قوله: جرمت على ان معناه حملت. ومنهم من حمله على أن معناه أحقت الطعنة، لفزارة الغضب.

ومنهم من قال: معناه كسبت فزارة أن يغضبوا وقال المغربي: معناه قطعت فزارة وليس من هذافي شئ. وسمع الفراء من العرب من يقول: فلان جريمة أهله أي كاسبهم. وخرج يجرمهم أي يكسبهم. والاقاويل متقاربة المعاني.

وقراء‌ة القراء المعروفين " لايجرمنكم " - بفتح الياء من جرمته.

وقرأ يحيى بن وثاب، والاعمش " يجرمنكم " بضم الياء من أجرمته فهو يجرمني.

وقيل: هما لغتان. والاولى أفصح، وأعرف، وأجاز أبوعلي الفارسي معنى جرم كسب.

قال: وهو فعل يتعدى الي مفعولين مثل كسب يدل على ذلك قول الشاعرفي صفة عقاب:

جريمة ناهض في رأسه نيق *** يرى لعظام ماجمعت صليبا

معناه تكسب لفرخها.

جريمة ناهض يحتمل تقريرين: احدهما - جريمه قوت ناهض اي كاسب قوته، كما قالوا ضارب قداح، وضريب قداح وعريف وعارف. والآخر - ان تقدر حذف المضاف، وتضيف جريمة إلى ناهض.

والمعنى كاسب ناهض، فجرم يستعمل في الكسب وما يريد من سعي الانسان عليه.

واما جرم فمعناه اكتسب الاثم قال الله تعالى: " إنا من المجرمين منتقمون " وقال: " فعلي إجرامي " ومعناه فعلي عقوبة إجرامي أو اثم إجرامي ومعنى " لايجرمنكم شنئآن قوم " لا تكتسبوا لبغض قوم عدوانا، ولاتفتنوه، فمن فتح أن أوقع النهي في اللفظ على الشنئآن.

والمعنى بالنهي المخاطبون، كماقالوا: لاأريتك هاهنا ولا تموتن إلا وانتم مسلمون.

الاعراب: وكذلك قوله: لايجرمنكم شقاقي يصيبكم المفعول الثاني واسماء المخاطبين المفعول الاول، كما أن المفعول الاول في الآية الاخرى المخاطبون.

والثاني قوله: " أن تعتدوا " ولفظ النهي واقع على الشقاق.

[425]

والمعني بالنهي المخاطبون.

قال الزجاج: موضع (ان) الاولى نصب بانه مفعول له. وتقديره لايحملنكم بغض قوم لان صدودكم عن المسجد يعني النبي صلى الله عليه وآله واصحابه، لما صدوهم عن مكة. وموضع ان الثانية مفعول به ومعناه لايكسبنكم بغض قوم أي بغضكم قوما الاعتداء عليهم، لصدهم عن المسجد الحرام.

وقوله: " شنئآن قوم " معناه بغض قوم في قول ابن عباس، وقتادة وابن زيد، وغيرهم يقول: شنئت الرجل اشناه شنئا وشنأنا وشنا ومنشأة: إذا أبغضته وذهب سيبويه إلى أن ماكان من المصادر على فعلان لم يتعد فعله إلا أن يشد شئ نحو شنيته شنأ ولايجوز أن يكون شنيته يراد به حذف الجر، كقول سيبويه في فرقته وحذرته أن اصله حذرت منه لان اسم الفاعل منه على فاعل، نحو شاني و " ان شانئك هوالابتر " وقال الشاعر: بشانيك الضراعة والكلول.

قال ابوعلي: هذا يقوي انه مثل علم يعلم، فهو عالم، ونحوه من المتعدي وأيضا، فان شنيت في المعنى بمنزلة أبغضت، فلما كان معناه عدي كماعدي أبغضت كما أن الرفث لما كان بمعنى الافضاء عدي بالجار، كما عدى الافضاء به.

وقال سيبويه: قالوا: لويته حقه ليانا على فعلان، فيجوز ان يكون شنان فيمن اسكن النون مصدرا كالليان فيكون المعنى لايحملنكم بغض قوم، لو فتح النون.

قال ابوعبيدة: " شنأن قوم " بغضاء وهي متحركة الحروف مصدر شنيت، وبعضهم يسكنون النون الاولى وانشد للاحوص:

وما العيش الاما تلذ وتشتهي *** وان عاب فيه ذوالشنان وفندا

فحذف الهمزة قال أبوعلي: ويجوز ان يكون خففها.

وقال أبوعبيدة: وشنيت أيضا بمعنى أقررت به، وبؤت به وانشد للعجاج.

زل بنو العوام عن آل الحكم *** وشنؤا الملك لملك ذوقدم

[426]

وقال الفرزدق:

ولو كان هذا الامر في جاهلية *** شنئت به أوغص بالماء شاربه

قال ابوعلي: وقدجاء فعلان مصدرا ووصفا وهما جميعا قليلان. فمما حل مصدرا ما حكاه سيبويه من قولهم: خصمان وندمان.

وانشد ابوزيد ما ظاهره أن يكون فعلان منه صفة وهو:

لما استمر بها شيحان منبجح *** بالبين عنك بها مولاك شنأنا

[ اللغة ]: حكي أبوزيد في مؤنث شنآن شنآنى. ويقرب أن يكون شيحان فعلان. وفي الحديث (ثم اعرض وأشاح) قال ابوعلي: وترك صرف شيحان في البيت مع أنه لافعلى له. ويجوز ان يكون، لانه اسم علم. ويجوز ان يكون على قول من يجوز ترك صرف ما يتصرف في الشعر.

فاما الشنان قال ابوعلي: فعلان يجئ على ضربين: احدهما - اسم، والاخر - صفة فالاسم على ضربين: احدهما ان يكون مصدرا، كالنقر ان والغليان، والطوفان والغثيان. وعامة ذلك يكون معناه التحرك والتقلب. والاسم الذي ليس بمصدر نحو الورشان والعلجان. وأما مجيئه فنحو الزفيان والقطوان والصميان، وكبش اليان ونعجة اليانة، وكباش الي، ومثله حمار قطوان واتان قطوانة من قطا يقطوقطوا وقطوا: إذا قارب بين خطوه. ومن خفف النون ذهب إلى انه مصدر، مثل ليان.

ومعنى الاية لايحملنكم بغض قوم أي بغضكم قوما لصدهم إياكم ومن اجل صدهم اياكم ان تعتدوا فاضيف المصدر الي المفعول وحذف الفاعل كقوله: من دعاء الخير وسؤال نعجتك وقوله: ان صدوكم من كسر الهمزة الي ان (ان) للجزاء يقوي ذلك ان في قراء‌ة ابن مسعود ان يصدوكم فمتى؟ قيل كيف تكون للجزاء والصد ماض، لانه كان سنة الحديبية من المشركين للمسلمين، وما يكون ماضيا لايكون شرطا؟ قيل:

[427]

ذكر ابوعلي ان الماضي قد يقع في الجزاء لا ان المراد بالماضي الجزاء، لكن على انه إن كان مثل هذا الفعل، فيكون اللفظ على ما مضى والمعنى على مثله، كانه يقول: إن وقع مثل هذا الفعل يقع منكم كذا.

وعلى ذلك حمل قول الشاعر:

إذا ما انتسبنا لم تلدنى لئيمة *** ولم تجدي من أن تقري به بدا(1)

إن قد أغنى عنه ما تقدم من قوله: " لايجر منكم " والمعنى إن صدوكم قوم عن المسجد الحرام، فلا تكسبوا عدوانا.

ومن فتح الهمزة، فلانه مفعول له والتقدير لايجرمنكم شنأن قوم، لان صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، فان الثانية في موضع نصب بانه المفعول الثاني. والاولى منصوبة، لانه مفعول له وقوله: " ان تعتدوا " معناه إن تجاوزوا حكم الله فيهم إلى مانهاكم عنه. وذكر انها نزلت في النهي عن الطلب بدخول الجاهلية. ذهب اليه مجاهد وقال: هذاغير منسوخ. وهو الاولى. وقال غيره هو منسوخ ذهب اليه ابن زيد. وإنما قلنا: إنه غير منسوخ، لان معناه لاتتعدوا الحق فيما امرتكم به. وإذا احتمل ذلك، لم يخبر أن يقال هو منسوخ إلا بحجة.

وقوله: وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان ليس بعطف على أن تعتدوا، فيكون في موضع نصب، بل هو استئناف كلام أمر الله تعالى الخلق بان يعين بعضهم بعضا على البر وهوالعمل بما امرهم الله به، واتقاء ما نهاهم عنه، ونهاهم ان يعين بعضهم بعضا على الاثم. وهو ترك ما أمرهم به، وارتكاب ما نهاهم عنه من العدوان، ونهاهم ان يجاوزوا ما حد الله لهم في دينهم، وفرض لهم في أنفسهم وبه قال ابن عباس وابوالعالية وغيرهما من المفسرين.

وقوله: " واتقوا الله ان الله شديد العقاب " أمر من الله، ووعيد وتهديد لمن اعتدى حدوده، وتجاوز أمره يقول الله:. ومعناه احذروا معاصيه وتعدي حدوده فيما امركم به ونهاكم عنه، فتستوجبوا عقابه متى خالفتم وتستحقوا

___________________________________

(1) انظر 1: 289 - 352.

[428]

اليم عقابه، ثم وصف عقابه بالشدة فقال: إن الله شديد العقاب لمن يعاقبه من خلقه، لانه نار لايطفى حرها، ولايخمد جمرها، ولايسكن لهيبا (نعوذ بالله منها).

قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالازلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشونى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم(3))

آية بلاخلاف.

[ اللغة ]: بين الله (تعالى) في هذا الآية ما استثناه في قوله: " احلت لكم بهيمة الانعام إلاما يتلى عليكم " فهذا مما تلاه علينا فقال مخاطبا للمكلفين: " حرمت عليكم الميتة " وأصله الميتة مشدد غير انه خفف، ولو قرئ، على الاصل كان جائزا إلا انه لم يقرأ به احد هاهنا إلا أبا جعفر المدني يقال: ميت بمعنى واحد.

وقال بعضهم الميت لما لم يمت والميت لما قد مات وهذا ليس بشئ لان ميت يصلح لما قد مات، ولما سيموت.

قال الله (تعالى): " انك ميت وانهم ميتون " وقال الشاعر في الجمع بين اللغتين:

ليس من مات فاستراح بميت *** انما الميت ميت الاحياء

فجعل الميت مخففا من الميت وقال بعضهم: الميتة كلما له نفس سائلة من دواب

[429]

البر، وطيره مما اباح الله اكلها أهليها ووحشيها فارقتها روحها بغير تذكية.

وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه سمى الجراد والسمك ميتا فقال: ميتتان مباحان: الجراد، والسمك.

وقوله: " والدم " تقديره، وحرم عليكم الدم.

وقيل: إنهم كانوا يجعلون في المباعر يشوونها وياكلونها، فاعلم الله تعالى ان الدم المسفوح أي المصبوب حرام، فاما المتلطخ باللحم، فهو كاللحم، وما كان منه كاللحم مثل الكبد فهو مباح. وأما الطحال، فهو محرم عندنا.

وقد روي كراهته عن " علي عليه السلام، وابن مسعود واصحابهما " وعند جميع الفقهاء أنه مباح.

وانما شرطنا في الدم المحرم ما كان مسفوحا، لانه (تعالى) بين ذلك في آخرى فقال: " او دما مسفوحا ".

وقوله: " ولحم الخنزير " معناه وحرم عليكم لحم الخنزير اهليه وبريه، فالميتة والدم مخرجهما في الظاهر مخرج العموم. والمراد بهما الخصوص. ولحم الخنزير على ظاهره في العموم. وكذلك كل ما كان من الخنزير حرام كلحمه من الشحم والجلد، وغير ذلك.

وقوله ": وما اهل لغير الله به " موضع ما رفع وتقديره وحرم عليكم ما اهل لغير الله به. ومعنى اهل لغير الله به ما ذبح للاصنام والاوثان أي ذكر اسم غير الله عليه، لان الاهلال رفع الصوت بالشئ. ومنه استهلال الصبي وهو صياحه إذا سقط من بطن امه. ومنه إهلال المحرم بالحج أو العمرة: إذا لي به.

قال ابن احمر:

يهل بالفر قد ركباننا *** كما يهل الراكب المعتمر

فما تقرب به من الذبح لغيرالله اوذكر عليه غير اسمه حرام، وكل ما حرم اكله مما عددناه يحرم بيعه وملكه، والتصرف فيه. والخنزير يقع على الذكر والانثى. وفي الاية دلالة على ان ذبائح من خالف الاسلام، لايجوز اكله، لانهم يذكرون عليه اسم غير الله لانهم يعنون بذلك من ابد شرع موسى، أو اتخذ عيسى ابنا، وكذب محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وذلك غير الله، فيجب ان لايجوزا أكل ذبيحته. فاما من اظهر الاسلام، ودان بالتجسيم،

[430]

والصورة وقال بالجبر والتشبيه أو خالف الحق، فعندنا لايجوز اكل ذبيحته. فاما الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين وموارثته، فانه يجري عليه، لان هذه الاحكام تابعة في الشرع لاظهار الشهادتين. واما مناكحته فلاتجوز عندنا.

وقال البلخي حاكيا عن قوم: إنه لايجوز أجراء شئ من ذلك عليهم. وحكى عن آخرين أنه يجري جميع ذلك عليهم، لانهاتجري على من اظهر الشهادتين دون المؤمنين على الحقيقة، وكذلك أجريت على المجانين، والاطفال.

فاما التسمية على الذبيحة، فعندنا واجبة من تركها متعمدا، لايجوز اكل ذبيحته، وان تركها ناسيا، لم يكن به يأس. وكذلك إن ترك استقبال القبلة متعمدا لم يحل أكل ذبيحته، وان تركه ناسيا، لم يحرم.. وفي ذلك خلاف بين الفقهاء ذكرناه في الخلاف.

والمنخنقة قال السدي: هي التي تدخل رأسها بين شعبتين من شجرة فتختنق وتموت.

وقال الضحاك: هي التي تخنق وتموت.

وقال قتادة: هي التي تموت في خناقها.

وقال ابن عباس: هي التي تختنق، فتموت.

وحكي عن قتادة ان أهل الجاهلية كانوا يخنقونها، ثم يأكلونها.

والاولى حمل الآية على عمومها في جميع ذلك وهي التي تختنق حتى تموت، سواء كان في وثاقها أوبادخال رأسها في موضع لاتقدر على التخلص أو غير ذلك، لان الله (تعالى) وصفها بأنها المنخنقة، ولوكان الامر على ماحكي عن قتادة، لقال: " والمخنوقة ".

وقوله: " والموقوذة " يعني التي تضرب حتى تموت: يقال: وقذتها أقذها وقذا وأوقذها يوقذها إيقاذا: إذا اثخنتها ضربا.

قال الفرزدق:

شفارة تقذ الفصيل برجلها *** فطارة لقوادم الابكار

وهو قول ابن عباس، وقتادة والضحاك والسدي: وقوله: " والمتردية يعني التي تقع من جبل، أو تقع في بئر أو من مكان عال، فتموت. وهو قول ابن عباس. وقتادة والسدي، والضحاك ومتى وقع في بئر ولايقدر على موضع ذكاته، جاز أن يطعن ويضرب بالسكين في غير المذبح حتى يبرد، ثم يؤكل.

[431]

وقوله: " والنطيحة " يعني التي تنطح أوتنطح، فتموت والنطيحة بمعنى المنطوحة، فنقل من مفعول الي فعيل، فان قيل: كيف تثبت فيها الهاء، وفعيل إذاكان بمعنى مفعول مثل لحية دهين، وعين كحيل وكف خضيب، بلاهاء، التأنيث في شئ من ذلك؟ قيل: اختلف في ذلك فقال: بعض البصريين اثبت فيها الهاء أعني في النطيحة، لانها جعلت كالاسم، مثل الطويلة والظريفة فوجه. هذا تأويل النطيحة الي معنى الناطحة. ويكون المعنى حرمت عليكم الناطحة التي تموت من نطاحها.

وقال بعض الكوفيين: إنما يحذف الهاء من فعيلة بمعنى مفعولة إذا كانت صفة لاسم قد تقدمها، مثل كف خضيب، وعين كحيل، فاما إذا حذف الكف والعين والاسم الذي يكون فقيل نعتا له واجتزوا بفعيل أثبتوا فيه هاء التأنيث، ليعلم بثبوتها فيه أنها صفة للمؤنث دون المذكر فيقول: راينا كحيلة وخضيبة واكيلة السبع، فلذلك دخلت الهاء في النطيحة، لانها صفة المؤنث. والقول بأن النطيحة بمعنى المنطوحة هو قول اكثر المفسرين: ابن عباس، وابوميسرة والضحاك، والسدي وقتادة، لانهم اجمعوا على تحريم الناطحة والمنطوحة إذاماتا.

وقوله: " وما اكل السبع " موضع (ما) رفع وتقديره وحرم عليكم ما اكل السبع بمعنى ما قتله السبع. وهوقول ابن عباس، والضحاك وقتادة، وهو فريسة السبع.

وقوله: " إلا ما ذكيتم " معناه إلا ما ادركتم ذكاته، فذكيتموه من هذه الاشياء التي وصفها. وموضع (ما) نصب بالاستثناء. واختلفوا في الاستثناء إلى ماذا يرجع فقال قوم: يرجع إلى جميع ما تقدم ذكره من قوله: " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وماأهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع " الاما لايقبل الذكاة من الخنزير والدم. وهوالاقوى. ذهب اليه علي (عليه السلام) وابن عباس قال: وهو أن تدركه تتحرك أذنه او ذنبه، أو تطرف عينه.

[432]

وهوالمروى عن ابي جعفر وابي عبدالله (ع) وبه قال الحسن وقتادة وإبراهيم وطاووس، وعبيد بن عمير والضحاك، وابن زيد وقال اخرون: هواستثناء من التحريم، لا من المحرمات، لان الميتة لاذكاة لها، ولاالخنزير قالوا: والمعنى حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ماذكر إلاما ذكيتم مما احله الله لكم بالتذكية، فانه حلال لكم.

ذهب اليه مالك وجماعة من أهل المدينة، والجبائي وسئل مالك من الشاة يخرق جوفها السبع حتى يخرج أمعاء‌ها فقال لا أرى ان تذكى ولايؤكل أي شئ يذكى منها. وقال كثيرمن الفقهاء إنه يراعي أن يلحق فيه حياة مستقرة، فيذكى ويجوز أن يؤكل وما يعلم أنه لاحياة فيه مستقرة، فلا يجوز بحال.

واختار الطبري الاقل. وقال: كل ما أدرك ذكاته مما ذكر من طير أو بهيمة قبل خروج نفسه ومفارقة روحه جسده، فحلال اكله إذا كان مما أحله الله لعباده واختار البلخي، والجبائي الاول، فان قيل: فما وجه تكرير قوله: " وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة " وجميع ما عدد تحريمه في هذه الآية وقد افتتح الآية بقوله: " حرمت عليكم الميتة " والميتة تعم جميع ذلك وان اختلفت أسباب موته من خنق أو ترد أو نطح أواهلال لغير الله به أوا كيل سبع. وانما يكون لذلك معنى على قول من يقول: إنها، وان كانت فيها حياة إذا كانت غير مستقرة، فلا يجوز أكلها.

قيل: الفائدة في ذلك ان الذين خوطبوا بذلك لم يكونوا يعدون الميت إلا مامات حتف انفه من دون شئ من هذه الاسباب، فاعلمهم الله ان حكم الجميع واحد، وان وجه الاستباحة هوالتذكية المشروعة.

وقال السدي إن ناسا من العرب كانوا يأكلون جميع ذلك، ولايعدونه ميتا. انما يعدون الميت الذي يموت من الوجع.

والتذكية: هوفري الاوداج والحلقوم إذا كانت فيه حياة، ولايكون بحكم الميت. واصل الذكاء في اللغة تمام الشئ فمن ذلك الذكاء في السن، والفهم وهو تمام السن.

قال الخليل: الذكاء أن تأتي في السن على قروحه، وهوسن في ذات الحافر، هي البزولة في ذات الخف، وهي الصلوغه في ذات الظلف. وذلك تمام استكمال القوة.

[433]

قال الشاعر:

يفضله اذا اجتهدا عليها *** تمام السن منه والذكاء

وقيل جرى المذكيات غلاب اي جرى المسار التي قد أسنت ومعنى تمام السن النهاية في الشباب، فاذا نقص عن ذك أوزاد، فلا يقال له الذكاء. والذكاء في الفهم أن يكون فهما تاما سريع القبول وذكيت النار إنما هو من هذا تأويله أتممت اشعالها فالمعنى على هذاما ذكيتم أي ما ادركتم ذبحه على التمام.

وقوله: " وما ذبح على النصب " فالنصب: الحجارة التي كانوا يعبدونها وهي الاوثان. واحدها نصب، ويجوز أن يكون واحدا، وجمعه أنصاب. (وما) موضعه رفع عطفا على ما تقدم. وتقديره وحرم عليكم ما ذبح على النصب. وبه قال مجاهدو ابن جريج، وقتادة.

وقال ابن جريج: النصب ليست اصناما الصنم يصور وينقش، وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجرا.

ومنهم من يقول ثلثمائة منها لخزاعه، فكانوا إذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت، وشرحوا اللحم، وجعلوه على الحجارة. فقال المسلمون: كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم فنحن أحق أن نعظمه، فانزل الله " لن ينال الله لحومها ولادماؤها... الاية "

وقوله: " وان تستقسموا بالازلام ذلكم فسق " موضع (ان) رفع. وتقديره. وحرم عليكم الاستقسام بالازلام. وواحد الازلام زلم وزلم قال الراجز: بات يراعيها غلام كالزلم وهي سهام كانت للجاهلية مكتوب على بعضها أمرني ربي، وعلى بعضها نهاني ربي، فاذا أرادوا سفرا أو أمرايهتم به. ضربوا تلك القداح فان خرج السهم الذي عليه أمرني ربي، مضى لحاجته وإن خرج الذي عليه نهاني ربي، لم يمض، وإن خرج ماليس عليه شئ أعادوها فبين الله (تعالى) أن ذلك حرام العمل به. والاستقسام الاستفعال من قسمت أمري أي قلبته ودبرته قال الراعي:

وتركت قومي يقسمون امورهم *** اليك أم يتلبثون قليلا

[434]

وقيل: معناه طلب قسم الارزاق بالقداح التي كانوا يتفاء‌لون بها في اسفارهم وابتداء‌ات أمورهم قال الشاعر يفتخر بقوة عزيمته وانه لايلتفت إلى ذلك. أولم اقسم فترثبني القسوم(1) وبه قال ابن عباس، وقتادة وسعيد بن جبير، ومجاهد والسدي قال مجاهد: هي سهام العرب، وكعاب فارس والروم كانوا يتقامرون بها.

وقوله: " ذلكم فسق " معنى هذه الاشياء التي ذكرها فسق يعني خروج من طاعة الله إلى معصيتة وهو قول ابن عباس، وأصله من فسقت الرطبة: إذا خرجت من قشرها.

قال الزجاج: ولوكان بعض هذه المرفوعات نصبا بتقدير وحرم الله الدم ولحم الخنزير، لكان جائزا إلا انه لم يقرأ به احد والقراء‌ة متبعة، لايجوز خلاف ما قرئ به.

وقوله: " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " نصب اليوم على الظرف. والعامل فيه يئس ذو والفسق اليوم. وليس يراد به يوما بعينه ومعناه الآن يئس الذين كفروامن دينكم، كما يقول القائل: أنا اليوم قد كبرت، وهذا لايصلح إلى اليوم يريد الآن. وبئس على وزن فعل ييأس على وزن يفعل - بفتح العين، وروي بكسرها - وقيل: يئس على وزن لعب بكسر اللام، والعين - وذكر يأيس.

والمعنى ان الله قد حول الخوف الذي كان يلحقكم منكم اليهم، ويئسوا من بطلان الاسلام، وجاء كم ما كنتم توعدون به من قوله، ليظهره على الدين كله. والدين اسم لجميع ما تعبدالله به خلقه وأمرهم بالقيام به. ومعنى يئس انقطع طمعهم من دينكم أن تتركوه، وترجعوا منه إلى الشرك.

وبه قال ابن عباس والسدي وعطا. وقيل: إن اليوم الذي ذكر هو يوم عرفة من حجة الوداع بعد دخول العرب كلها في الاسلام. ذهب اليه مجاهد، وابن جريج وابن زيد.

___________________________________

(1) في المطبوعة " فتوثبني " بدل " فترثبني ".

الطبري 9 - 510 مجاز القرآن لابي عبيدة 1: 152.

قسوم جمع قسم: الحظ الربث حبسك الانسان عن حاجته.

[435]

وقيل: يوم جمعة، لما نظر النبي (صلى الله عليه واله) فلم ير الا مسلما موحدا، أو لم يرمشركا.

وقوله " فلا تخشوهم " هذا خطاب للمؤمين نهاهم الله ان يخشوا ويخافوا من الكفار أن يظهروا على دين الاسلام، ويقهر والمسلمين ويرد وهم عن دينهم، ولكن اخشوني وخافوني إن خالفتم امري وارتكبتم معصيتي ان احل بكم عقابي وأنزل عليكم عذابي وهوقول ابن جريج، وغيره.

وقوله: " اليوم اكملت لكم دينكم " في تأويله ثلاثة اقوال: احدها - قال ابن عباس، والسدي واكثر المفسرين إن معناه أكملت لكم فرائضي وحدودي وأمري ونهيي وحلالي وحرامي بتنزيلي ما انزلت، وتبياني ما بينت لكم، فلا زيادة في ذلك، ولانقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم. وكان ذلك اليوم عام حجة الوداع قالوا: ولم ينزل بعد هذا على النبي صلى الله عليه وآله شئ من الفرائض في تحليل شئ، ولاتحريمة وأنه (عليه السلام) مضى بعد ذلك بأحدى وثمانين ليلة. وهواختيار الجبائي والبلخي، فان قيل: أكان دين الله ناقصا في حال حتى أتمه ذلك اليوم؟ قيل: لم يكن دين الله ناقصا في حال، ولاكان إلا كاملا، لكن لما كان معرضا للنسخ، والزيادة فيه. وذلك يجري مجرى وصف العشرة بانها كاملة العدد، ولايلزم أن توصيف بانها ناقصة، لماكان عددالمئة اكثر منها، واكمل. فكذلك ما قلناه.

وقال الحكم وسعيد بن جبير وقتادة معناه أكملت لكم حجكم وأفردتكم بالبلد الحرام تحجون دون المشركين، ولايخالطكم مشرك وهوالذي اختاره الطبري قال لان الله قد انزل بعد ذلك قوله: " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " وقال الفراء هي آخر آية نزلت. وهذا الذي ذكره لوصح لكان ترجيحا لكن فيه خلاف.

وقال الزجاج: معنى اكملت لكم الدين كفيتكم خوف عدوكم وأظهرتكم عليهم، كما تقول: الآن كمل لنا الملك. وكمل لنا ما نريد أي كفينا ما كنا تخافة.

وروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) أن الآية نزلت بعد أن نصب النبي صلى الله عليه وآله عليا علما للامة يوم غدير خم منصرفه عن حجة الوداع، فانزل الله يومئذ " اليوم اكملت لكم دينكم ".

[436]

وقوله: " واتممت عليكم نعمتي " خاطب الله (تعالى) جميع المؤمنين بأنه أتم نعمته عليهم باظهارهم على عدوهم المشركين، ونفيهم إياهم عن بلادهم، وقطعه طمعهم من رجوع المؤمنين، وعودهم إلى ملة الكفر، وانفراد المؤمنين بالحج البلد الحرام. و: قال ابن عباس وقتادة والشعبي.

وقوله: " ورضيت لكم الاسلام دينا " معناه رضيت لكم الاستسلام لامري والانقياد لطاعتي على ما شرعت لكم من حدوده، وفرائضه ومعالمه دينا يعني بذلك طاعة منكم لي.

فان قيل: أوما كان الله راضيا الاسلام دينا لعباده الايوم أنزلت هذه الاية؟ قيل: لم يزل الله راضيا لخلقه الاسلام دينا، لكنه لم يزل يصف نبيه محمد (صلى الله عليه واله) واصحابه في درجات الاسلام، ومراتبه درجة بعد درجة، ومرتبة بعد مرتبة، وحالا بعد حال حتى اكمل لهم شرائعه وبلغ بهم أقصى درجاته، ومراتبه، ثم قال: حين أنزلت هذه الآية " ورضيت لكم الاسلام دينا " فالصفة التي لها اليوم والحال التي انتم عليها، فالزموه، ولاتفارقوه.

قال ابن عباس وعمر وعامر الشعبي وقتادة، كان ذلك يوم الجمعة.

وقال الطاووس بن شهاب، وشهر ابن خوشب، واكثر المفسرين نزلت هذه الآية يوم عرفة حجة الوداع.

وروى حنش عن ابن عباس، قال: ولد النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وأنزلت المائدة يوم الاثنين، وانزلت " اليوم اكملت لكم دينكم يوم الاثنين " ورفع الذكر يوم الاثنين.

وقال الربيع بن أنس: نزلت في المسير من حجة الوداع.

وقوله: " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم " معناه من دعته الضرورة في مجاعة لان المخمصة شدة ضمور البطن. لاثم أي غير مائل إلى إثم. والمخمصة مفعلة، مثل المجنبة والمنجلة من خمص البطن وهوطيه، واضطماره من الجوع، وشدة السغب هاهنا دون أن يكون مخلوقا كذلك.

قال النابغة الدنباني

[437]

في صفة امرأة بخمص البطن:

والبطن ذوعكن خميص لين *** والنحر ينفجه بثدي مقعد(1)

ولم يرد بذلك وصفها بالجوع، لكن أراد وصفها بلطافة طي ما علا الاوراك والافخاذ من جسدها، لان ذلك المحمود من النساء.

فاما الاضطمار من الضر فكقول أعشى ثعلبة:

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم *** وجاراتكم غبر تبن خماصا(2)

يعني يبتن مضطرات البطن من الجوع.

وقال بعض نحوي البصريين: المخمصة المصدر من خمصه الجوع.

وغيره يقول: هو اسم للمصدر، وكذلك تقع المفعلة اسما في المصادر للتأنيث، والتذكير: والذي قلناه هو قول ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد.

وقوله: " غير متجانف لاثم " نصب على الحال. والمتجانف المتمايل للاثم المنحرف اليه. ومعناه في هذا الموضع المعتمد له القاصد اليه من جنف القوم: إذا مالوا. وكل اعوج، فهو اجنف.

والمعنى فمن اضطر إلى أكل الميتة، وما عدد الله تحريمه عند المجاعة الشديدة غير متعمد إلى ذلك، ولامختار له، ولامستحل له على كل حال، فان الله أباحه له. تناول ذلك مقدار ما يمسك رمقه، لازيادة عليه. وهو قول أهل العراق.

وقال أهل المدينة: يجوز أن يشبع منه عند الضرورة. وماقلناه قول ابن عباس، ومجاهد وقتادة.

قال قتادة: " غير متجانف لاثم " أي غير عاص بان يكون باغيا أو محاربا أو خارجا في معصيتة.

وقال ابن زيد: لاتأكل ذلك ابتغاء الاثم ولاجرأة عليه.

وقوله: " فان الله غفور رحيم " في الكلام متروك دل ماذكر عليه، لان المعنى فمن اضطر في مخمصة إلى ما حرمت عليه مما ذكرت في هذه الآية غير متجانف لاثم، فاكله لدلالة الكلام عليه.

ومعنى " فان الله غفور رحيم " ان الله لمن أكل ما حرمت عليه بهذه الآية

___________________________________

(1) - ديوانه: 66 واللسان: (قعد).

العكن: اطواء البطن. تنفجه: ترفعه.

(2) ديوانه: 109. ومجاز القرآن 1: 153.

عنوان

[438]

أكله في مخمصة متجانف، لاثم غفور لذنوبه أي ساترعليه أكله، ويعفو عن مؤاخذته به، وليس يريد أن يغفر له عقاب ذلك، لانه اباحه له، فلا يستحق عليه العقاب وهورحيم أي رفيق بعباده. لان رحمته ورفقه أنه أباح لهم أكل ما حرم عليهم في حال الخوف على النفس وروى المثنى قال: قلنا يارسول الله صلى الله عليه وآله إنا بارض يصيبنا فيها مخمصة، فما يصلح لنامن الميتة؟ قال: اذا لم تصطبحوا أو تعتبقوا أو تختفؤا بها بقلا، فشأنكم بها.

وقال الحسن: يأكل منها مسكته. وذكر في تختفئوا خمس لغات: تختفئوا بالهمزة وتختفوا - بحذفها - وتختفيوا - بقلبها ياء - وتختفوا وتخفوا - بالتخفيف - والخفاأصل البردي كانوا يقشرونه ويأكلونه في المجاعة، فمع وجود ذلك لايجوز اكل الميتة.

وقوله: " فان الله غفور رحيم " عقيب قوله: " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم " لايدل على ان له أن يعاقبهم على فعل المباح، لان الوجه في ذلك أنه أراد أن يصف نفسه بمغفرة الذنوب وسترها، والصفح عنها ليدل بذلك على أنه أحرى ألا يؤخذ بفعل المباحات التي ليست بذنوب، كما قال: " إن تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم " فدل على أن ما يفعله من المغفرة أو العقوبة صواب وحكمة، ليكون أعم في الدلالة على استحقاقه الاوصاف المحمودة. واجاز بعضهم أن يكون ذلك ثوابا لبعض المكلفين قدمه، كما انه يجوز ان تكون الحدود عقابا لهم قدمه فلا شبهة في ذلك.

قوله تعالى: (يسئلونك ماذا احل لهم قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما امسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله ان الله سريع الحساب(4))

آية بلاخلاف.

[439]

موضع (ما) رفع ويحتمل أن يكون وحدها اسما وخبرها قوله: (ذا) واحل من صلة ذا. وتقديره اي شئ الذي احل لهم؟ ويحتمل أن يكون ما وذا اسما واحدا، ورفع بالابتداء وتقديره أي شئ احل لهم؟ واحل لهم خبر الابتداء. فمعنى الآية يسألك يامحمد اصحابك ما الذي احل لهم اكله من المطاعم، فقل لهم: احل لكم الطيبات منها وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح على قول الطبري والجبائي، وغيرهما وقال البلخي: الطيبات هو ما يستلذبه.

قال قوم: واحل لكم ايضا مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح وهي الكواسب من سباع الطير، والبهائم ولايجوز أن يستباح عندنا أكل شئ مما اصطاده الجوارح من السباع سوى الكلب إلا ما ادرك ذكاته. وسميت الطير جوارح، لجرحها أربابها وكسبها اياهم أقواتهم من الصيد يقال منه: جرح فلان أهله خيرا إذا كسبهم خيرا. وفلان جارحة أهله يعني كاسبهم، ولاجارحة لفلانة أي لاكاسب لها قال اعشى بني ثعلبة:

ذات خد منضج ميسمها *** تذكر الجارح ما كان اجترح

يعني اكتسب.

وقوله: " وما علمتم " تقديره وصيدما علمتم من الجوارح وحذف لدلالة الكلام عليه، لان القوم على ما روي كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحل لهم اتخاذه منها، وصيده. فانزل الله (تعالى) فيما سألوا عنه هذه الآية، فاستثنى (عليه السلام) مماكان حرم اتخاذه منها، وأمر بقتله كلاب الصيد، وكلاب الماشية، وكلاب الحرث وأذن في اتخاذ ذلك ذكرت ذلك سلمى ام رافع عن أبي رافع.

قال جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله يستأذن عليه، فاذن له فقال: قداذنا لك يارسول الله فقال: اجل ولكنا لاندخل بيتا فيه كلب.

قال ابورافع: فأمرني رسول الله (صلى الله عليه واله) أن أقتل كل كلب بالمدينة، فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمة لها. وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبرته، فأمرني فرجعت، وقتلت الكلب، فجاؤا فقالوا: يارسول الله ما يحل لنا من هذه الامة التي أمرت بقتلها، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله

[440]

فانزل الله " يسألونك ماذااحل لهم قل احل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين " وبه قال عكرمة ومحمد بن كعب القرطي واختلفوا في الجوارح التي ذكر الي الاية: بقوله: " وما علمتم من الجوارح مكلبين " فقال قوم: هو كل ما علم فصبد فيتعلمه بهيمة كانت او طائرا. ذهب ليه الحسن، ومجاهد وحثيمة بن عبدالرحمن.

ورووه عن ابن عباس، وطاووس وعلي بن الحسين وابي جعفر (ع) وقالوا: الفهد والبازي من الجوارح.

وقال قوم: عنى بذلك الكلاب خاصة دون غيرها من السباع. ذهب اليه الضحاك والسدي وابن عمر وابن جريج. وهوالذي رواه أصحابنا عن ابي عبدالله (عليهما السلام) فاما ما عدا الكلاب، فما ادرك ذكاته، فهو مباح، وإلا فلايحل أكله.

ويقوي قولنا قوله تعالى: " مكلبين " وذلك مشتق من الكلب ومن صاد بالباز والصقر لايكون مكلبا.

وقوله: " مكلبين " نصب على الحال وتقديره وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح مكلبين أي في هذة الحال.

يقال: رجل مكلب وكلاب إذا كان صاحب صيد بالكلاب. وفي ذلك دليل على أن صيد الكلب الذي لم يعلم، حرام إذا [ لم ](1) تدرك ذكاته.

وقوله: " تعلمونهن مما علمكم الله " معناه تؤدبون الجوارح، فتعلمونهن طلب الصيد لكم بما علمكم الله من التأديب الذي أدبكم به.

وقال بعضهم: معناه كما علمكم الله. ذهب اليه السدي. وهذا ضعيف لان من المعنى الكاف لايعرب في اللغة، ولابينهما تقارب، لان الكاف للتشبيه ومن للتبعيض واختلفوا في صفة التعليم للكلب فقال بعضهم: هوان يستشلى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه، ويمسك عليه إذا أخذه، فلا يأكل منه ويستجيب له إذا دعاه. فاذا توالي منه ذلك كان معلما. ذهب إليه ابن عباس وعط وابن عمرو الشعبي وطاووس وابراهيم والسدي.

قال عطا: إذا أكل منه فهو ميتة.

وقال ابن عباس: إذا اكل الكلب من الصيد، فلا تأكل منه فانما امسك على نفسه. وهوالذي دلت عليه أخبارنا. غير أنهم اعتبروا ان يكون

___________________________________

(1) - (لم) - ساقطة من المطبوعة.

[441]

اكل الكلب للصيد دائما. فاما إذا كان نادرا، فلا بأس ما أكل منه.

وقال ابويوسف، ومحمد: حد التعليم أن يفعل ذلك ثلاث مرات.

وقال قوم: لاحد لتعليم الكلاب، فاذا فعل ما قلناه، فهو معلم.

وقد دل على ذلك رواية اصحابنا، لانهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال، فاصطاد به، جاز أكل ما يقتله. وقد بينا أن صيد غير الكلب، لايحل أكله الاما أدرك ذكاته. فلايحتاج أن تراعي كيف تعلمه، ولااكله منه. ومن أجاز ذلك أجازأكل ما اكل منه البازي والصقر. ذهب اليه عطا وابن عباس والشعبي وابراهيم، وقالوا: تعلم البازي هو أن يرجع إلى صاحبه.

وقال قوم: جوارح الطير والسباع سواء‌في ذلك ما أكل منه، وما لايؤكل. روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله والشعبي وعكرمة، وابن جريج.

وقال قوم: تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد وهو أن يشلى على الصيد، فيستشلى، ويأخذ الصيد، ويدعوه صاحبه، فيجيب، فاذا كان كذلك كان معلما اكل منه أو لم يأكل. روي ذلك عن سلمان رواه قتادة عن ابي وقاص. وقال لولم يبق إلا جذية، جاز أكلها وبه قال ابوهريرة، وابن عمر. وقد بينا مذهبنا في ذلك وهوالذي رواه عدي بن حاتم عن النبي (صلى الله عليه واله).

وقوله: " فكلوا مما امسكن عليكم " يقوي قول من قال: ما أكل منه الكب لايجوز أكله، لانه أمسك على نفسه. ومن شرط استباحة ما يقتله الكلب ان يكون صاحبه سمى عند إرساله، فان لم يسم لم يجزله اكله إلا إذا ادرك ذكاته وحده أن يجده يتحرك: عينه أو أذنه أو ذنبه، فيذكيه حينئذ بفري الحلقوم والاوداج، واختلفوا في (من) [ من ] قوله: " مما امسكن عليكم " فقال قوم: هي زائدة، لان جميع ما يمسكه، فهو مباح. وتقديره فكلوا ما امسكن عليكم. وجرى ذلك مجرى قوله: " يكفرعنكم من سيئاتكم " وقوله: " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " وتقديره وينزل من السماء جبالا فيها برد.

[442]

وقال بعضهم: وينزل من السماء من جبال فيها من برد أي من السماء من برد يجعل الجبال من برد في السماء ويجعل الانزال منها وانكر قوم ذلك وقالوا (من) للتبعيض ويقوي قولهم: قد كان من مطر وكان من حديث. يقول هل كان من مطر، وهل كان من حديث عندكم ونكفرعنكم من سيئاتكم ما يشآؤه ويريده.

وقوله: " وينزل من السماء من جبال فيها من برد " يجيز حذف (من) برد ولايجيز حذفها من الجبال.

ويقول: المعنى وينزل من السماء من امثال جبال بردا، ثم أدخلت في من البرد مفسر عنده عن أمثال الجبال. وقد أقيمت الجبال مقام الامثال. والجبال هي جبال فلايجيز حذف (من) من الجبال، لانها دالة على أن في السماء الذي أنزل منه البرد أمثال جبال برد، لاجبال برد. واجاز حذف (من) من برد، لان البرد مفسر من الامثال، كما يقال: عندي رطلان زيتا، ومن زيت. وليس عندك الرطلان وانما عندك المقدار، فمن تدخل في المفسر وتخرج منه، وكذلك عند هذا القائل من السماء من امثال جبال، وليس بجبال.

وقال: فان كان أنزل من جبال في السماء من برد جبالا ، ثم حذف الجبال الثانية فالجبال الاولى في السماء جاز كما يقال: أكلت من الطعام يريدا كلت من الطعام طعاما، ثم يحذف الطعام، ولايحذف (من). والاقوى أن تكون من في الآية للتبعيض، لان مايمسكه الكلب من الصيد، لايجوز أكل جميعه لان في جملته ما هو حرام من الدم، والفرث والغدد، وغير ذلك مما لايجوز أكله، فاذا قال: فكلوا مما امسكن عليكم، أفاد ذلك بعض ما أمسكن، وهوالذي أباح الله أكله من اللحم، وغيره.

وقوله: " ونكفر عنكم من سيئاتكم " قدبينا الوجه فيه وسنبين الوجه في قوله: " من السماء جبال فيها من برد " إذا انتهينا اليه ان شاء الله.

وقوله: " واذكروا اسم الله عليه " صريح في وجوب التسمية عند الارسال. وهوقول ابن عباس والسدي وغيرهما.

وقوله: " واتقوا الله " معناه واجتنبوا مانهاكم عنه، فلا تقربوه، واحذروا معاصيه في ارتكاب مانهاكم عنه في أن تأكلوا من صيد الكلب غير المعلم، أو مما لم يمسكه عليكم، أو تأكلوا مما لم يسم

[443]

الله عليه من الصيد، والذبائح مما صاده اهل الاوثان والاصنام " ان الله سريع الحساب " معناه التخويف بأنه سريع حسابه لمن حاسبه على نعمه، لايشغله حساب بعض عن بعض. ومتى غاب الكلب والصيد عن العين، ثم رآه ميتالايجوز أن يأكله، لانه يجوز أن يكون مات من غير قتل الصيد.

وفي الحديث: (كل ما أصميت ولاتأكل ما أنميت) فمعنى اصميت أن تصطاد بكلب أو غيره، فمات وأنث تراه مات بصيدك. واصل الصميان السرعة والخفة: ومعناه هاهناما أسرع فيه الموت وأنت تراه.

ومعنى ما أنميت ما غاب عنك فلاتدري مات بصيدك أو بعارض آخر يقال نمت الرمية: إذا مضت والسهم فيها. وأنميت الرمية: إذا رميتها، فمضيت، والسهم فيها قال امرؤ القيس:

فهولاتنمى رميته *** ماله لاعد من نفره

وقال الحارث بن وعلة الشيباني: قالت سليمى فد غنيت فتى فالان لاتصمى ولاتنمى أي عشت ومتى اخذالكلب الصيد ومات في يده من غير أن يجرحه، لم يجز أكله. واجاز قوم ذلك. والاول أحوط. وكل من لاتؤكل ذبيحته من أجناس الكفار، لايؤكل صيده أيضا. فأما الاصطياد بكلابه المتعلمه فجائز إذا صاده المسلم.

[444]

قوله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين اتوا الكتاب من قبلكم إذا اتيمتوهن اجورهن محصنين غير مسافحين ولامتخذي اخدان ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين(5))

آية بلاخلاف.

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه أحل للمؤمنين الطيبات، وهي الحلال على ما بينا القول فيه في الآية الاولى، دون ماحرم في الآية المتقدمة.

وقيل: معنى الطيبات ما يستلذ ويستطاب.

وظاهر الآية على هذا يقتضي تحليل كل مستطاب إلا ما قال دليل على تحريمه.

وقوله: " وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم " رفع بالابتداء " وحل لكم " خبره وذلك يختص عند اكثر اصحابنا بالحبوب، لانها المباحة من أطعمة أهل الكتاب، فاما ذبائحم وكل مائع يباشرونه بايديهم فانه تحبس ولايحل استعماله وتذكيتهم لاتصح لان من شرط صحتها التسمية لقوله: ولاتأكلوا ممالم يذكر اسم الله عليه وهؤلاء لايذكرون اسم الله. وإذا ذكروه قصدوا بذلك اسم من ابد شرع موسى أو عيسى أواتخذ عيسى ابنا. وكذب محمدا (صلى الله عليه وآله) وذلك غير الله. وقد حرم الله ذلك بقوله: " ومااهل لغير الله به " على ما مضى القول فيه واكثر المفسرين على أن قوله ": وطعام الذين اوتوا الكتاب " المراد به ذبائحهم وبه قال قوم من اصحابنا: فممن ذهب اليه الطبري والبلخي والجبائي واكثر الفقهاء، ثم اختلفوا، فمنهم من قال: أراد بذلك ذباحة كل كتابي ممن أنزل عليه التوراة والانجيل، أو ممن دخل في ملتهم ودان بدينهم، وحرم ما حرموا، وحلل ما حللوا.

ذهب اليه ابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن المسيب، والشعبي وابن جريج، وعطا والحكم وقتادة. واجازوا ذبائح نصارى بني تغلب وقال آخرون: إنما عنى به الذين أنزلت التوراة والانجيل عليهم، ومن كان دخيلا فيهم من سائر الامم، ودان بدينهم، فلاتحل ذبائحهم.

حكى ذلك الربيع عن الشافعي من الفقهاء.

وروي تحريم ذبائح نصارى تغلب عن علي (عليه السلام) ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

وقال مجاهد، وابراهيم وابن عباس وقتادة والسدي والضحاك، وابن زيد وابوالدرداء إن اطعام الذين اوتوا الكتاب ذبائحهم وغيرها من الاطعمة.

[445]

وبه قال الطبري والجبائي والبلخي وغيرهم.

وقوله: " وطعامكم حل لهم " فيه بيان إن طعامنا ايضا حل لهم، فان قيل فما معنى ذلك، وهم لايستحلون طعامنا بتحليلنا لهم ذلك؟ قلنا عنه جوابان: احدهما - ان الله بين بذلك أنه حلال لهم ذلك سواء قبلوه، أو لم يقبلوه. والثاني - أن يكون حلال للمسلمين بذله لهم، ولوكان محرما عليهم، لما جاز لمسلم بذله اياه.

وقوله: " والمحصنات من المؤمنات " معناه واحل لكم العقد على المحصنات يعني العفائف من المؤمنات. وقيل هن الحرائر منهن، ولايدل ذلك على تحريم من ليس بعفيفة، لان ذلك دليل خطاب يترك لدليل يقوم على خلافه، ولاخلاف أنه لو عقد على من ليس بعفيفة، ولا امة كان عقده صحيحا غير مفسوخ، وان كان الاولى تجنبه. وكذلك لو عقد على أمة بشرط جواز العقد على الامة على مامضى القول فيه. واختلف المفسرون في المحصنات التي عنا هن هاهنا فقال بعضهم عنى بذلك الحرائر خاصة: فاجرة كانت أوعفيفة وحرموا إماء اهل الكتاب بكل حال لقوله: " ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات فمما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات ". ذهب اليه مجاهد وطارق بن شهاب، وعامر الشعبي والحسن وقتادة.

وقال اخرون: أراد بذلك العفائف من الفريقين: حرائر كن او إماء، وأجازوا العقد على الامة الكتابية.

روى ذلك أيضا عن مجاهد، وعامر الشعبي وسفين وابراهيم والحسن بن ابي الحسن وقتادة في رواية، ثم اختلفوا في المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، فقال قوم: هو عام في العفائف منهن: حرة كانت أو أمة، حربية كانت او ذمية. وهوقول من قال المراد بالمحصنات العفائف.

وقال اخرون: أراد الحرائر منهن: حربيات كن أوذميات. وعلى قول الشافعي المراد بذلك من كان من نساء بني اسرائيل دون من دخل فيهن من سائر الملل.

وقال قوم: أراد بذلك الذميات منهن. ذهب اليه ابن عباس. واختار الطبري أن يكون المراد بذلك الحرائر من المسلمات والكتابيات.

[446]

وعندنا لايجوز العقد على الكتابية نكاح الدوام، لقوله تعالى: " ولاتنكح المشركات حتى يؤمن، " ولقوله: " ولاتمسكوا بعصم الكوافر " فاذا ثبت ذلك، قلنا في قوله ": والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب " تأويلان.

احدهما - ان يكون المراد بذلك اللائي أسلمن منهن.

والمراد بقوله: " والمحصنات من المؤمنات " من كن في الاصل مؤمنات. ولدن على الاسلام قيل: إن قوما كانوا يتحرجون من العقد على الكافرة إذا اسلمت فبين الله بذلك انه لاحرج في ذلك، فلذلك أفردهن بالذكر حكى ذلك البلخي.

والثانى - أن يخص ذلك بنكاح المتعة أو ملك اليمين، لانه يجوز عندنا وطؤهن بعقد المتعة، وملك اليمين على أنه روى أبوالجارود عن أبي جعفر (ع) أن ذلك منسوخ بقوله: " ولاتنكح المشركات حتى يؤمن " روى عن ابي عبدالله (ع) انه قال: هو منسوخ بقوله: " ولاتمسكوا بعصم الكوافر " وقوله: " وإذا اتيتموهن اجورهن " يعني مهورهن. وهو عوض الاستمتاع بهن. وهوقول ابن عباس، وجيمع المفسرين.

وقوله: " محصنين غير مسافحين ولامتخذي اخذ ان " نصب على الحال وتقديره أحل لكم المحصنات من الفريقين، وانتم محصنون غير مسافحين، ولامتخذي أخدان يعني اعفاء غير مسافحين بكل فاجرة، وهو الزنا، ولامتخذي اخذ ان يعني اعنا غير مسافحين، ولامتخذي أخدان، ولامتفردين ببغية واحدة، خادنها وخادنته اتخذها لنفسه صديقة يفجربها. وقد بينا معنى الاحصان ووجوهه، ومعنى السفاح والخدن في سورة النساء، فلاوجه لاعادته وبذلك قال ابن عباس وقتادة والحسن.

وقوله: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين " يعني من يجحد ما أمر الله الاقرار به، والتصديق به من توحيد الله، ونبوة نبيه،

[447]

والاقرار بما جاء به فقد حبط عمله يعني الاعمال التي يعملها، ويعتقدها قربات إلى الله، فانها تنحبط، ولايستحق عليها ثوابا، بل يستحق عليها العقاب، " وهو في الآخرة من الخاسرين " يعني الهالكين الذين غبنوا نفوسهم حظها من ثواب الله بكفرهم، واستحقاقهم العقاب على جحدهم التوحيد، والاسلام.

وقال قوم: إن قوله: " ومن يكفر بالايمان " عنى به اهل الكتاب، لان قوما تحرجوا من نكاح نساء أهل الكتاب، واكل طعامهم وما بين الله في هذه الآية. ذهب اليه قتادة وابن جريج ومجاهد وابن عباس.

فان قيل ما معنى " ومن يكفر بالايمان " قيل: الايمان هوالاقرار بتوحيد الله، وصفاته، وعدله، والاقرا بالنبي (صلى الله عليه واله) وماجاء به من عند الله. فمن جحد ذلك أو شيئا منه كان كافرا بالايمان. وقد حبط عمله الذي يرجو به الفوز والنجاة. وهو في الاخرة من الخاسرين.

وقال مجاهد: معناه من يكفر بالله.

قال البلخي لايعرف تأويل مجاهد في اللغة.

قوله تعالى: (ياايها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى او على سفر أو جاء احد منكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون(6))

آية بلاخلاف

[ القراء‌ة ] قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص ويعقوب، والاعشى إلا النقار " وارجلكم " - بالنصب - الباقون بالجر وقرأ لمستم بلاالف حمزة والكسائي

[448]

وخلف الباقون لامستم بالف هاهنا وفي النساء هذا خطاب للمؤمنين أمرهم الله إذا أرادوا القيام إلى الصلاة، وهم على غير طهر، أن يغسلوا وجوههم، ويفعلوا ما أمرهم الله به فيها. وحذف الارادة، لان في الكلام دلالة عليه، ومثله " فاذا قرأت القران فاستعذ بالله " ومعناه وإذا اردت قراء‌ة القرآن فاستعذ، وإذا قمت فيهم فاقمت لهم الصلاة ومعناه فاردت أن تقيم لهم الصلاة. ثم اختلفوا هل يجب ذلك كلما أراد القيام إلى الصلاة او بعضها او في اي حال هي؟ فقال قوم: المراد به إذا اراد القيام اليها، وهو على غير طهر. وهو الذي اختاره الطبري والبلخي والجبائي والزجاج وغيرهم. وهو المروي عن ابن عباس، وسعد بن ابي وقاص، وابي موسى الاشعري وأبي العالية، وسعيد بن المسيب وجابر بن عبدالله، وابراهيم والحسن والضحاك، والاسود والسدي، وغيرهم.

وقال آخرون: معناه إذا قمتم من نومكم إلي الصلاة ذهب اليه زيد ابن اسلم والسدي وقال آخرون: المراد به كل حال قيام الانسان إلى الصلاة، فعليه ان يجدد طهر الصلاة. ذهب اليه عكرمة.

وقال: كان علي يتوضأ عند كل صلاة، ويقرأهذه الآية.

وقال ابن سيرين إن الخلفاء كانوا يتوضؤن لكل صلاة، والاول هوالصحيح عندنا.

وما روي عن علي (عليه السلام) في تجديد الوضوء عند كل صلاة محمول على الندب.

وقال قوم: كان الفرض أن يتوضأ لكل صلاة، ثم نسخ ذلك بالتخفيف، وهوالمروي عن ابن عمر انه حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبدالله بن حنظلة بن ابي عامر الغسيل حدثها أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالوضوء عند كل صلاة، فشق ذلك عليه فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلا من حدث، فكان عبدالله يرى أن فرضه عليه، فكان يتوضأ وروى سليمان بن بريدة عن ابيه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد.

فقال عمر: يارسول الله صنعت شيئا ما كنت تصنعه ! قال: عمدا فعلته ياعمر.

وقال الحسين بن علي المغربي: معنى إذا قمتم إذا عزمتم عليها وهممتم بها.

[449]

قال الراجز للرشيد:

ما قاسم دون الفتى ابن امه *** وقد رضيناه فقم فسمه

فقال: يا أعرابي، ما رضيت ان تدعونا إلى عقد الامر له قعودا حتى أمرتنا بالقيام، فقال: قيام عزم لاقيام جسم.

وقال حريم الهمداني:

فحدثت نفسي أنها أو خيالها *** اتانا عشاء حين قمنا لنهجعا

أي حين عزمنا للهجوع.

وأقوى الاقوال ما حكيناه أولا من ان الفرض بالوضوء يتوجه إلى من اراد الصلاة وهوعلى غير طهر، فاما من كان متطهرا، فعليه ذلك استحبابا.

وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة في تجديد الوضوء، فهو محمول على الاستحباب في جميع الاحوال، لاجماع أهل العصر على أن الفرض في الوضوء كان في كل صلاة، ثم نسخ، فعلمنا بذلك أن ما روي من تجديد الوضوء، كان على وجه الاستحباب.

وقال قوم: إن الله (تعالى) أنزل هذه الآية اعلاما للنبي (صلى الله عليه واله) أنه لاوضوء عليه إلا إذا قام إلى الصلاة دون غيرها من الاعمال، لانه كان إذا أحدث امتنع من الاعمال حتى يتوضأ فاباح الله له بهذه الآية أن يفعل ما بداله من الاعمال بعد الحدث إلى عمل الصلاة، توضأ أولم يتوضأ. وأمره بالوضوء للصلاة.

روى ذلك عبدالله بن أبي بكر بن عمروبن حزم عن عبدالله بن علقمة عن ابيه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا بال لم يرد جواب السلام حتى يتطهر للصلاة، ثم يجيب حتى نزلت هذه الآية.

وقوله: " فاغسلوا وجوهكم " امر من الله بغسل الوجه واختلفوا في حد الوجه الذي يجب غسله، فحده عندنامن قصاص شعر الرأس إلى محاذي شعر الذقن طولا وما دخل بين الوسطى والابهام عرضا، وما خرج عن ذلك فلا يجب غسله. وما نزل من الشعر عن المحادر، فلايجب غسله.

وقال بعضهم: ما ظهر من بشرة الانسان من قصاص شعر رأسه منحدرا إلى منقطع ذقنه طولا، وما بين الاذنين عرضا. قالوا والاذنان وما بطن من داخل الفم والانف والعين، فليس من الوجه، ولايجب غسل ذلك، ولاغسل شئ منه. واما ما غطاه الشعر كالذقن، والصدغين،

[450]

فان امرار الماء على ما علا الشعر عليه يجزي من غسل ما بطن منه من بشرة الوجه، لان الوجه عندهم ما ظهر لعين الناظر من ذلك يقابلها دون غيره. وهذا بعينه مذهبنا. إلا ما خرج عن الابهام والوسطى إلى الاذن، فانه لايجب غسله. ذهب إلى ما حكيناه إبراهيم، ومغيرة والحسن وابن سيرين، وشعبة والزهري وربعية وقتادة، والقاسم بن محمد وابن عباس، وابن عمر.

قال ابن عمر: الاذنان من الرأس.

وبه قال قتادة والحسن، ورواه أبوهريرة عن النبي (صلى الله عليه واله) وقال آخرون: الوجه كل ما دون منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن طولا، ومن الاذن إلى الاذن الاخرى عرضا ما ظهر من ذلك لعين الناظر، وما بطن منه من منابت شعر اللحية، والعارضين، وما كان منه داخل الفم والانف، وما أقبل من الاذنين على الوجه.

وقالوا: يجب غسل جميع ذلك ومن ترك شيئا منه لم تجزه الصلاة.

ذهب اليه ابن عمر في رواية نافع عنه، وابوموسى الاشعري. ومجاهد وعطا والحكم، وسعيد بن جبير وطاووس، وابن شيرين والضحاك، وانس بن مالك وام سلمة، وابوايوب وابوامامة، وعمار بن ياسر وقتادة كلهم قالوا بتخليل اللحية، فاما غسل باطن الفم، فذهب اليه مجاهد، وحماد وقتادة.

واما من قال: ما أقبل من الاذنين يحب غسله، وما أدبر يجب مسحه فالشعبي. وقد بينا مذهبنا في ذلك. والذي يدل على صحة ذلك أن ما قلناه مجمع على انه من الوجه. ومن ادعى الزيادة فعليه الادلة. واستوفينا. ذلك في مسائل الخلاف وتهذيب الاحكام.

وقوله: " وايديكم إلى المرافق " منصوب بالعطف على الوجوه الواجب غسلها. ويجب عندنا غسل الايدي من المرافق، وغسل المرافق معها إلى رؤوس الاصابع، ولا يجوز غسلها من الاصابع إلى المرافق (وإلي) في الآية بمعنى مع كقوله: " تاكلوا اموالهم إلى اموالكم " وقوله: " من انصاري إلى الله " وأراد بذلك (مع) قال امرؤ القيس:

له كفل كالدعص لبده الندى *** الي حارك مثل الرتاج المضبب

[451]

وقال النابغة الجعدي:

ولوح ذراعين في بركة *** إلى جؤجؤ رهل المنكب

اراد مع حارك ومع رهل.

وطعن الزجاج على ذلك فقال: لوكان المراد بالى مع، لوجب غسل اليد إلى الكتف، لتناول الاسم له. وانما المراد بالى الغاية والانتهاء، لكن المرافق يجب غسلها مع اليدين. وهذا الذي ذكره ليس بصحيح، لانالو خلينا وذلك، لقلنا بما قاله. لكن خرجنا بدليل.

ودليلنا على صحة ما قلناه: اجماع الامة على أنه متى بدأمن المرافق كان وضوء‌ه صحيحا وإذا جعلت غاية ففيه الخلاف. واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال مالك بن أنس: يجب غسل اليدين إلى المرفقين، ولايجب غسل المرفقين. وهو قول زفر.

وقال الشافعي: لاأعلم خلافا في ان المرافق يجب غسلها.

وقال الطبري: غسل المرفقين، وما فوقهما مندوب اليه غير واجب.

وانما. اعتبرنا غسل المرافق، لاجماع الامة على أن من غسلهما صحت صلاته. ومن لم يغسلهما، ففيه الخلاف. والمرافق جمع مرفق. وهو المكان الذي يرتفق به، ويتكأ عليه على المرفقة وغيرها.

وقوله: " وامسحوا برؤسكم " اختلفوا في صفة المسح، فقال قوم: يمسح منه ما يقع عليه اسم المسح، وهو مذهبنا. وبه قال ابن عمر، والقاسم بن محمد، وعبد الرحمن بن ابي ليلي، وابراهيم والشعبي وسفيان. واختاره الشافعي واصحابه والطبري. وذهب قوم إلى انه يجب مسح جميع الرأس ذهب اليه مالك.

وقال ابو حنيفة، وابويوسف ومحمد: لايجوز مسح الرأس باقل من ثلاثة أصابع. وعنه روايتان فيهما خلاف، ذكرناهما في الخلاف. وعندنا لايجوز المسح إلا على مقدم الرأس. وهوالمروي عن ابن عمر والقاسم بن محمد، واختاره الطبري. ولم يعتبر احد من الفقهاء ذلك.

وقالوا: أي موضع مسح أجزاه وإنما اعتبرنا المسح ببعض الرأس، لدخول الباء الموجبة، للتبعيض لان دخولها في الموضع الذي يتعدى الفعل فيه بنفسه لاوجه له غير التبعض وإلاكان لغوا. وحملها على الزيادة لايجوز مع

[452]

إمكان حملها على فائدة مجددة، فان قيل: يلزم على ذلك المسح ببعض الوجه في التيمم قلنا كذلك نقول، لانانقول بمسح الوجه من قصاص الشعر إلى طرف الانف ومن غسل الرأس، فانه لايجزيه عن المسح عندنا وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا يجزيه لانه يشتمل عليه. وهذا غير صحيح، لان حد المسح هو إمرار العضو الذي فيه نداوة على العضو الممسوح من غير أن يجري عليه الماء. والغسل لايكون الا بجريان الماء عليه، فمعناهما مختلف، وليس إذا دخل المسح في الغسل يسمى الغسل مسحا، كما أن العمامة لاتسمى خرقة، وان كانت تشتمل على خرق كثيرة.

وقوله: " وارجلكم إلى الكعبين " عطف على الرؤوس فمن قرأ بالجر ذهب إلى انه يجب مسحهما كما وجب مسح الرأس، ومن نصبهما ذهب إلى انه معطوف على موضع الرؤوس، لان موضعها نصب لوقوع المسح عليها، وانماجر الرؤوس لدخول الباء الموجبة للتعبيض على ما بيناه فالقراء‌تان جميعا تفيدان المسح على مانذهب اليه. وممن قال بالمسح ابن عباس والحسن البصري وابوعلى الجبائي ومحمد بن جرير الطبري، وغيرهم ممن ذكرناهم في الخلاف، غير أنهم أوجبوا الجمع بين المسح والغسل المسح بالكتاب، والغسل بالسنة وخيرة الطبري في ذلك. وأوجبوا كلهم استيعاب جميع الرجل ظاهرا وباطنا. وعندنا أن المسح على ظاهرهما من رؤوس الاصابع إلى الكعبين. وهما الناتئان في وسط القدم على ما استدل عليه.

وقال عكرمة عن ابن عباس: الرضوء غسلتان ومسحتان.

وبه قال أنس بن مالك.

وقال عكرمة ليس على الرجلين غسل إنما فيهما المسح.

وبه قال الشعبي: ألا ترى أن التيمم يمسح ماكان غسلا ويلغي ما كان مسحا.

وقال قتادة افترض الله مسحتين وغسلتين.

روى أوس ابن أبي أوس قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) توضأ ومسح على نعليه، ثم قام فصلي.

وروى حذيفة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله سباطة قوم، فبال عليها فائما، ثم دعا بماء، فتوضأومسح على نعليه.

وروى حبة الغربي قال: رأيت علي ابن ابي طالب (عليه السلام) شرب في الرحبة قائما، ثم توضأ ومسح علي نعليه.

وروي عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمسح على رجليه.

[453]

وعنه أنه قال: إن كتاب الله المسح ويأبى الناس الا الغسل.

وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال ما نزل القرآن إلا بالمسح.

فان قيل: القراء‌ة بالجر ليست على العطف على الرؤوس في المعنى. وانما عطف عليها على طريق المجاورة، كما قالوا: حجر ضب خرب، وخرب، من صفات الحجر لا الضب وكما قال الشاعر:

كان بثيرا في عرانين وبله *** كبير اناس في بجاد مزمل

والمزمل من صفة الكبير لاالبجاد.

وقال الاعشى:

لقد كان في حول ثواء ثويته *** تقضى لبانات ويسام سائم

قلنا: هذا لايجوز من وجوه: احدها - ما قال الزجاج أن الاعراب بالمجاورة، لايجوز في القرآن، وانما يجوز ذلك في ضرورة الكلام والشعر.

والثاني - أن الاعراب بالمجاورة لايكون مع حرف العطف فاما قول الشاعر:

فهل انت ان ماتت اتانك راحل *** إلى آل بسطام بن قيس فخاطب

قالوا: جر مع حرف العطف الذي هوالفاء، فانه يمكن أن يكون أراد الرفع وانما جر الراوي وهما. ويكون عطفا على راحل يكون قد أقوى لان القصيدة مجرورة. وقال قوم: أراد بذلك الامر وإنما جر لاطلاق الشعر.

والثالث - أن الاعراب بالمجاورة إنما يجوز مع ارتفاع اللبس. فاما مع حصول اللبس، فلايجوز، ولايشتبه على احد أن خرب من صفة حجر، لاالضب.

وكذلك قوله: مزمل من صفة الكبير لاالبجاد. وليس كذلك في الآية، لان الارجل يمكن أن تكون ممسوحة ومغسولة، فاما قول الشاعر: ثواء ثويته، فانما جره بالبدل من الحول والمعنى لقد كان في ثواء ثويته تقضى لبانات. وهو من بدل الاشتمال، كقوله: " قتل اصحاب الاخدود النار ".

وقول الشاعر:

لم يبق الا اسير غير منفلت *** وموثق في عقال الاسر مكبول

فليس خفض موثق على المجاورة، لان معنى البيت لم يبق غير اسير قالا بمعنى غير وهي تعاقبها في الاستثناء.

[454]

فقوله غير موثق عطف المعنى على موضع اسير. وتقديره لم يبق غيراسير وغير منفلت.

واما قوله: " وحورعين " في قراء‌ة من جرهما، فليس بمجرور على المجاورة، بل يحتمل امرين: احدهما - أن يكون عطفا على قوله: " يطوف عليهم ولدان مخلدون باكواب واباريق وكأس من معين " إلى قوله: " وحورعين " عطف على اكواب. وقولهم: انه لايطاف إلا بالكاس غير مسلم، بل لايمتنع أن يطاف بالحور العين كما يطاف بالكاس وقدذكر في جملة ما يطاف به الفاكهة واللحم.

والثاني - أنه لما قال: " اولئك المقربون في جنات النعيم " عطف بحورعين على جنات النعيم فكانه قال: هم في جنات النعيم. وفي مقاربة أو معاشرة حورعين. ذكره أبوعلي الفارسي، فاما من قال: الرجلان ممسوحان ويراد بالمسح الغسل، فقوله: يبطل بما قلناه من أن المسح غير الغسل. واستشهادهم بقولهم: تمسحت للصلاة وأنهم سموا الغسل مسحا.

وقوله: " فطفق مسحا بالسوق والاعناق "، وانه أراد غسلها باطل بما قدمناه، ولانه لوكان ذلك محتملا لغة، لما احتمل شرعا، لان الشرع فرق بين الغسل والمسح، ولذلك قالوا بعض اعضاء الطهارة مغسولة، وبعضها ممسوحة. وفلان يرى غسل الرجلين، وفلان يرى مسحهما، ولانه لاخلاف أن الرأس ممسوح مسحا ليس بغسل، فلا بد ان يكون حكم الرجلين حكمه، لكونهما معطوفتين عليه، وقولهم: تمسحت للصلاة، فلانهم لما أرادوا أن يخبروا بلفظ مختصر عن جميع أفعال الصلاة، لم يخز أن يقولوا اغتسلت للصلاة، لان في الطهارة ما ليس بغسل. واستطالوا أن يقولوا أغتسلت وتمسحت للصلاة قالوا: بدلا من ذلك تمسحت توسعا، ومجازا.

وقوله: " فطفق مسحا بالسوق " فاكثر المفسرين على ان المراد به فطفق ضربا. ذهب اليه الفراء وأبوعبيدة.

وقال آخرون: أراد المسح في الحقيقة، وأنه كان مسح أعراقها وسوقها. وانما حمل على الغسل شاذمنهم ومن قال القراء‌ة تقتضي المسح غير أنه المسح على الخفين، فقوله باطل، لان الخف

[455]

لايسمى رجلا في لغة ولاشرع. والله (تعالى) أمر بايقاع الفرض علي ما يسمى رجلا في الحقيقة. واما لقراء‌ة بالنصب، فقد بينا أنها معطوفة علي موضع الرؤوس لان موضعها النصب، والحكم فيها المسح والعطف على الموضع جائز، لانهم يقولون: لست بقائم ولاقاعدا. ويقولون حسبت بصدره وصدر زيد وان زيدا في الدار وعمرو، فيرفع عمرو بالعطف على الموضع.

وقال الشاعر:

معاوي اننا بشر فاسجح *** فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وقال اخر:

هل انت باعث دينار لحاجتنا *** او عبد رب اخاعون بن مخراق

وانما نصب عبد رب، لان التقدير باعث دينارا، فحمله على الموضع، وقد سوغوا العطف على المعنى، وان كان اللفظ لايقتضيه قال الشاعر:

جئني بمثل بني عمرو لقومهم *** أو مثل اسرة منظور بن سبار

لما كان معنى جئني هات مثلهم، أو اعطني مثلهم.

قال: أو مثل بالنصب عطفا على المعنى، وعطف الارجل على الايدي لايجوز، لان الكلام متى حصل فيه عاملان: قريب وبعيد لا يجوز إعمال البعيد دون القريب مع صحة حمله، عليه. لايجوز أن يقول القائل: ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبكرا. ويريد بنصب بكر العطف على زيد أو عمرو المضروبين، لان ذلك خروج عن فصاحة الكلام، ودخول في معنى اللغو وبمثل ما قلناه ورد القران واكثر الشعر قال الله تعالى: " وانهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله احدا " ولو اعمل الاول، لقال: كما ظنتموه.

وقال " آتوني افرغ عليه قطرا " ولو أعمل الاول، لقال أفرغه.

وقال: " هاؤم اقرأوا كتابيه " ولو اعمل الاول لقال: هاؤم اقرأوه.

وقال الشاعر:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه *** وعزة ممطول معنى غريمها

ولو أعمل الاول، لقال: فوفاه غريمه.

فاما قول أمرئ القيس:

فلوانما أسعى لادنى معيشة *** كفاني ولم اطلب قليل من المال

[456]

فانما أعمل الاول للضرورة، لانه لم يجعل القليل مطلوبا وانما كان المطلوب عنده الملك. وجعل القليل كافيا. ولولم يرد هذا ونصب، لفسد المعنى. فاما من نصب بتقدير واغسلوا أرجلكم، كما قالوا: متقلدا سيفا ورمحا وعلفها تبنا وماء باردا فقد اخطأ، لان ذلك إنما يجوز إذا استحال حمله على اللفظ. فاما إذا جاز حمله علي ما في اللفظ، فلايجوز هذا التقدير.

ومن قال يجب غسل الرجلين، لانها محدودتان كاليدين، فقوله ليس بصحيح، لانا لانسلم ان العلة في كون اليدين مغسولتين كونهما محدودتين. وانما وجب غسلهما، لانهما عطفا على عضو مغسول. وهوالوجه. فكذلك إذا عطف الرجلين على ممسوح هوالرأس، وجب أن يكونا ممسوحين. والكعبان عندنا هما الناتئان في وسط القدم.

وبه قال محمد بن الحسن وإن أوجب الغسل.

وقال اكثر المفسرين والفقهاء: الكعبان هما عظما الساقين يدل على ماقلناه أنه لو أراد ما قالوا، لقال إلى الكعاب، لان في الرجلين منها أربعة.

وايضا فكل من قال: يجب مسح الرجلين، ولايجوز الغسل قال الكعب هوما قلناه، لان من خالف في أن الكعب ما قلناه على قولين: قائل يقول بوجوب الغسل، وآخر يقول يالتخيير.

قال الزجاج: كل مفصل للعظام فهو كعب.

وفي الآية دلالة على وجوب الترتيب في الوضوء من وجهين: احدهما - ان الواو يوجب الترتيب لغة على قول الفراء وأبي عبيد وشرعا على قول كثير من الفقهاء، ولقوله (عليه السلام): ابدأوا بما بدأ الله به. والثاني - ان الله أوجب على من يريد القيام إلى الصلاة إذاكان محدثا أن يغسل وجهه أولا، لقوله: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " والفاء توجب التعقيب والترتيب بلاخلاف، فاذا ثبت أن البداء‌ة بالوجه هوالواجب، ثبت في باقي الاعضاء، لان أحدا لايفرق ويقويه قوله (عليه السلام) للاعرابي - حين علمه الوضوء، فقال: هذا وضوء لايقبل الله الصلاة إلابه، فان كان رتب فقد بين انه الواجب الذى لايقبل الله الصلاة إلا به، وان لم يرتب لزم أن يكون من رتب، لايجزيه وقد اجتمعت الامة على خلافه.

[457]

وفي الآية دلالة على أن من مسح على العمامة أو الخفين لايجزيه، لان العمامة لاتسمى رأسا. والخف لايسمى رجلا كمالا يسمى البرقع وما يستر اليدين وجهاولا يدا. وما روي من المسح على الخفين أخبار احاد لايترك لها ظاهر القرآن. على أنه روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: نسخ ذلك بهذه الآية وكذلك قال لمن قال: اقبل المائدة أو بعدها. وفي الآية دلالة على وجوب النية في الوضوء، لانه قال: إذاقمتم إلى الصلاة فاغسلوا. وتقديره فاغسلوا للصلاة كما يقول القائل: إذا أردت لقاء عدوك، فخذ سلاحك بمعنى فخذ سلاحك للقائه ولا يمكن أن يكون غاسلا هذه الاعضاء للصلاة إلا بنية.

وقوله: ". ان كنتم جنبا فاطهروا " معناه وإن أصابتكم جنابة وأردتم القيام إلى الصلاة فاطهروا بالاغتسال. والجنابة تكون بشيئين: احدهما - بانزال الماء الدافق في النوم أو اليقظة. وعلى كل حال بشهوة كان أو بغير شهوة. والآخر - بالتقاء الختانتين وحده غيبوبة الحشفة أنزل أو لم ينزل، والجنب يقع على الواحد والجماعة والاثنين، والمذكر والمؤنث مثل رجل عدل، وقوم عدل، ورجل زور وقوم زور، ونحو ذلك وهوبمنزلة المصدر قال الزجاج: تقديره ذو جنب.

ويقال أجنب الرجل وجنب واجتنب والفعل الجنابة وقدحكي في جمعه أجناب والاول أظهر.

واصل الجنابة البعد قال علقمة:

فلا تحرمني نائلا عن جنابة *** فاني امرؤ وسط القباب غريب

وقوله: " وان كنتم مرضى او على سفر أو جاء احدمنكم من الغائط او لامستم النساء " معناه وان كنتم مرضى يعني ان كنتم جرحى أو مجدرين أو مرضى يضربكم استعمال الماء وكنتم جنبا أو على غير وضوء قدبينا ذلك في سورة النساء وقوله: " أو على سفر " معناه وإن كنتم مسافرين وأنتم جنبا وجاء أحد منكم من الغائط معناه أو جاء أحد منكم من الغائط قدقضى حاجته فيه، وهو مسافر أو لامستم النساء معناه أو جامعتم النساء، وانتم مسافرون. وقد بينا اختلاف الفقهاء في اللمس، وبينا أصح الاقوال في ذلك، فلاوجه لاعادته، فان قيل: ما معنى

[458]

تكرير قوله: لامستم النساء إن كان معنى اللمس الجماع مع انه قد تقدم ذكر الواجب عليه لقوله: " وان كنتم جنبا فاطهروا " قلنا وجه ذلك أن المعني في قوله: " وان كنتم جنبا " غير المعني الذي الزمه الله بقوله: او لامستم النساء، لانه (تعالى) بين الحكم بقوله: " وان كنتم جنبا فاطهروا " معناه إذا كنتم واجدين للماء ممكنين لاستعماله، ثم بين حكمه إذا عدم الماء، أو لايتمكن من استعماله أو هو مسافر غير مريض مقيم، فاعلمه أن التيمم هو فرضه، وهو طهارته. وقد بينا حكم التيمم ومعناه وكيفيته فيما مضى.

وقوله: " فلم تجدواماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه " قد بينا جميع ذلك فيما مضى.

جملته أنه يقول: أيها المؤمنون إذا قمتم إلى الصلاة، وانتم على غير طهر، ولم تجدوا ماء، ولاتتمكنون من استعماله، فاقصدوا وجه الارض طاهرا نظيفا غير نجس، ولاقذر " فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه " يعني مما يعلق بايديكم منه يعني من الصعيد وقد بينا كيفية التيمم، وأنه من قصاص الشعر إلى طرف الانف، ومن الزند الي اطراف الاصابع في اليدين. وقد بينا اختلاف المفسرين والفقهاء في ذلك، فلا معنى لاعادته.

وقوله: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " معناه ما يريد الله مما فرض عليكم من الوضوء إذا قمتم إلى الصلاة والغسل من الجنابة والتيمم صعيدا طيبا عند عدم الماء أو تعذر استعماله، ليلزمكم في دينكم من ضيق، ولالتفتنكم فيه، وهوقول علي (عليه السلام) ومجاهد وجميع المفسرين.

وقوله: " ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " معناه لكن يريد الله ليطهركم بما فرض عليكم من الوضوء والغسل من الاحداث والجنابة أن ينظف بذلك اجسامكم من الذنوب. واللام في قوله: " ليطهركم " دخلت لتبيين الارادة والمعنى ارادته لتطهيركم كما قال الشاعر:

اريد لانسى ذكرها فكانما *** تمثل لي ليلى بكل سبيل

روي ما قلناه عن قتادة عن شهربن حوشب عن أبي امامة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الوضوء يكفر ما قبله وقوله: " وليتم نعمته

[459]

عليكم " معناه ويريد الله مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم اياه فيما فرض عليكم من الوضوء والغسل إذا قمتم إلى الصلاة مع وجود الماء، والتيمم مع عدمه، أن يتم نعمته باباحته لكم التيمم، وتصييره لكم الصعيد الطيب طهورا رخصة منه لكم في ذلك مع سوابغ نعمه التي أنتم بها عليكم " لعلكم تشكرون " معناه ولتشكروا الله على نعمه التي أنعم بها عليكم بطاعتكم اياه فيما امركم به ونهاكم عنه.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336026

  • التاريخ : 28/03/2024 - 19:43

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net