00989338131045
 
 
 
 
 
 

 الحديد 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الامثال في القرآن   ||   تأليف : العلامة المحقق جعفر سبحاني

( 257 )

الحديد
50

التمثيل الخمسون



(اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الاََمْوالِ وَالاََولادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلاّ مَتاعُ الغُرُور ). (1)
تفسير الآية
"الكفّار": جمع الكافر بمعنى الساتر، والمراد الزارع، ويطلق على الكافر بالله لستره الحق، والمراد في المقام الزارع، لاَنّه يستر حبّه تحت التراب ويغطّيها به، يقول سبحانه : (كَزَرْعٍ ... يُعْجِبُ الزُّرّاعَ ). (2)
"هيج": يقال: هاج البقل يهيج، أي أصفرّ، والمراد في قوله: (ثُمّ يهِيج ) أي ييبس (فتراه مصفرّاً ) أي إذا قارب اليبس .
و"الحطام" بمعنى كسر الشيء، قال سبحانه: (لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ ) . (3)

____________
1 ـ الحديد:20.
2 ـ الفتح:29.
3 ـ النمل:18.

===============

( 258 )

فالآية تتضمن أمرين:
الاَمر الاَوّل: ترسيم الحياة الدنيا والمراحل المختلفة التي تمر على الاِنسان:
أ: اللعب، ب: اللهو، ج: الزينة، د: التفاخر، هـ: التكاثر في الاَموال والاَولاد.
والاَمر الثاني: تشبيه الدنيا بداية ونهاية بالنبات الذي يعجب الزارع طراوته ونضارته، ثمّ سرعان ما يتحول إلى عشب يابس تذروه الرياح.
ثمّ استنتج من هذا التمثيل: انّ الحياة الدنيا متاع الغرور، أي وسيلة للغرور و المتعة، يغتر بها المخلدون إلى الاَرض يتصورونها غاية قصوى للحياة، ولكنّها في نظر الموَمنين قنطرة للحياة الاَُخرى لا يغترّون بها، بل يتزودّون منها إلى حياتهم الاَُخروية.
هذا هو ترسيم إجمالي لمفهوم الآية، والتمثيل إنّما هو في الشق الثاني منها، فلنرجع إلى تفسير كلّ من الاَمرين.
إنّ حياة الاِنسان من لدن ولادته إلى نهاية حياته تتشكل من مراحل خمس:
المرحلة الاَُولى: اللعب
واللعب هو محل منظوم لغرض خيالي كلعب الاَطفال، وهي تقارن حياة الاِنسان منذ نعومة أظفاره وطفولته، ويتخذ ألواناً مختلفة حسب تقدم عمره، وهو أمر محسوس عند الاَطفال.
المرحلة الثانية: اللهو
واللهو ما يشغل الاِنسان عمّا يهمه، وهذه المرحلة تبتديَ حينما يبلغ

===============

( 259 )

ويشتد عظمه، فتجد في نفسه ميلاً و نزوعاً إلى الملاهي وغيرها.
المرحلة الثالثة: حب الزينة.
والزينة نظير ارتداء الملابس الفاخرة والمراكب البهية والمنازل العالية، وجنوحه إلى كل جمال وحسن.
المرحلة الرابعة: التفاخر.
إذا تهيّأ للاِنسان أسباب الزينة يأخذ حينها بالمفاخرة بالاَحساب والاَنساب، وما تحت يديه من الزينة.
المرحلة الخامسة: التكاثر في الاَموال و الاَولاد.
وهذه المرحلة هي المرحلة الخامسة التي يصل فيها الاِنسان إلى مرحلة من العمر يفكر في تكثير الاَموال والاَولاد، ويشيب على ذلك الاِحساس.
ثمّ إنّ تقسيم المراحل التي تمر على الاِنسان إلى خمس، لا يعني انّ كلّ هذه المراحل تمر على الاِنسان بلا استثناء، بل يعني انّها تمر عليه على وجه الاِجمال، غير انّ بعض الناس تتوقف شخصيتهم عند المرحلتين الاَُوليين إلى آخر عمره، فيكون اللعب واللهو أهم مائز في سلوكهم، كما أنّ بعضهم تمر عليه المرحلة الثالثة والرابعة فيحرص على ارتداء الملابس الفاخرة والتفاخر بما لديه من أسباب.
روي عن الشيخ البهائى انّ الخصال الخمس المذكورة في الآية مترتبة بحسب سني عمر الاِنسان ومراحل حياته، فيتولّع أوّلاً باللعب وهو طفل أو مراهق، ثمّ إذا بلغ واشتد عظمه تعلّق باللهو و الملاهي، ثمّ إذا بلغ أشده اشتغل بالزينة من الملابس الفاخرة والمراكب البهية والمنازل العالية وتوله للحسن

===============

( 260 )

والجمال، ثمّ إذا اكتهل أخذ بالمفاخرة بالاَحساب والاَنساب، ثمّ إذا شاب سعى في تكثير المال والولد. (1)
هذا ما يرجع إلى بيان حال الدنيا من حيث المراحل التي تمر بها.
الاَمر الثاني: أي التمثيل الذي يجسد حال الدنيا ويشبهها بأرض خصبة يصيبها مطر غزير، فتزدهر نباتها على وجه يعجب الزرّاع، ولكن سرعان ما تذهب طراوتها وتفارقها فيصيبها الاِصفرار واليبس وتذروها الرياح في كلّ الاَطراف وتصبح كأنّها لم تكن شيئاً مذكوراً، و عند ذلك تتجلّى الحقيقة أمام الاِنسان وانّه اغتر بطراوة هذه الروضة .
وهكذا حال الدنيا فيغتر الاِنسان بها ويخلد إليها، ولكن سرعان ما تسفر له عن وجهها وتكشف عن لثامها ، وعلى أية حال فالآية تهدف إلى تحقير الدنيا وتعظيم الآخرة.

____________
1 ـ الميزان:19|164.

===============




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21741298

  • التاريخ : 27/07/2024 - 05:25

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net