00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة طه 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير شبر   ||   تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

سورة طه

 (20) سورة طه مائة وخمسة وثلاثون آية (135) مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

(طه) روي هو اسم من أسماء النبي معناه يا طالب الحق الهادي إليه وقيل معناه يا رجل.

(ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) لتتعب بالعبادة وقيام الليل على ساق أو بالحزن على كفر قومك وقيل هو رد لقول الكفرة إنك لتشقى بترك ديننا .

(إلا تذكرة) استثناء منقطع أي لكن تذكيرا (لمن يخشى) الله فإنه المنتفع به .

(تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى) اقتصر عليها لأن الحس لا يتجاوزها بعد الأرض .

(الرحمن على العرش استوى) من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء أو استقام أمره واستولى أو قصده أي أقبل على خلق .

(له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما) من المخلوقات ملكا وتدبيرا (وما تحت الثرى) هو التراب الندي وهو ما جاور البحر من الأرض فما تحته هو سائر طبقاتها وما فيها من المعادن وغيرها .

(وإن تجهر بالقول) بذكر الله ودعائه فهو غني عن جهرك (فإنه يعلم السر) ما أسررته إلى غيرك (وأخفى) منه ما خطر ببالك أو السر هذا وأخفى الغيب الذي لا يخطر ببال، وعنهم (عليهم السلام) السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته .

(الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى).

(وهل أتاك حديث موسى).

(إذ رءا نارا) حين استأذن شعيبا في المسير إلى أمه فخرج بأهله فأضل الطريق في ليلة مظلمة مثلجة وتفرقت ماشيته فلاحت له النار من بعيد (فقال لأهله امكثوا إني ءانست نارا) أبصرتها (لعلي ءاتيكم منها بقبس) بشعلة أقتبسها بعود ونحوه (أو أجد على النار هدى) هاديا يهدي الطريق .

(فلما أتاها نودي يا موسى).

(إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس) المطهر والمبارك (طوى) عطف بيان للوادي أو كثنى مصدر، المقدس أي قدس مرتين .

(وأنا اخترتك) للرسالة (فاستمع لما يوحى) إليك .

(إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلوة لذكري) لتذكرني فيها أو لأذكرك بالثناء أو لأني ذكرتها وأمرت بها أو لذكري خاصة لا تشوبها بغيره أو لأوقات ذكري أي لمواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي وهو مروي .

(إن الساعة ءاتية) لا محالة (أكاد أخفيها) أريد إخفاءها لتأتي

[307]

بغتة أو أكاد أظهرها من أخفاه أزال خفاءه (لتجزى كل نفس بما تسعى) متعلق بآتية أو أخفيها.

(فلا يصدنك عنها) عن الإيمان بالساعة أو عن الصلاة (من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) فتهلك .

(وما تلك) سؤال تقرير ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها (بيمينك) حال معنى تلك أو صلتها (يا موسى).

(قال هي عصاي أتوكؤا) أعتمد (عليها) إذا مشيت أو أثبت (وأهش) أخبط ورق الشجر (بها) ليسقط (على غنمي) فترعاه (ولي فيها مآرب) جمع مأربة مثلث الراء أي حاجات (أخرى) كحمل الزاد والأدوات في السفر بها وإلقاء الكساء عليها للاستظلال به ووصل الرشاء بها إذا قصر وطرد السبأع بها.

(قال ألقها يا موسى).

(فألقاها فإذا هي حية تسعى) اسم يعم الصغير وهو الجان والعظيم وهو الثعبان، قيل صارت حية صفراء دقيقة ثم كبرت فالتعبير عنها بالجان والثعبان نظرا إلى الحالين، وقيل كانت في شخص الثعبان وسرعة الجان.

(قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) حالتها السابقة .

(واضمم يدك إلى جناحك) تحت العضد (تخرج بيضاء) تضيء كشعاع الشمس على خلاف لونها من الأدمة (من غير سوء) مرض وقبح كناية عن البرص (آية أخرى) معجزة ثانية .

(لنريك من ءاياتنا الكبرى).

(اذهب إلى فرعون) وادعه إلي (إنه طغى) تجبر في كفره .

(قال رب اشرح لي صدري) وسعه لتحمل أعباء الرسالة وذكر لي إبهاما للمشروح أولا ثم بينه يذكر الصدر تأكيدا .

(ويسر لي أمري) للقيام بهذا الخطب العظيم .

(واحلل عقدة من لساني) حصلت من جمرة أدخلها فاه وهو طفل لما أمر فرعون بقتله لأنه حمله فأخذ لحيته فشقها فقالت آسية إنه صبي لا يميز بين الدرة والجمرة فأحضرتا لديه فأخذ الجمرة ووضعها في فمه .

(يفقهوا قولي).

(واجعل لي وزيرا من أهلى).

(هرون أخي) يعاضدني في التبليغ وكان أسن منه وأفصح وألين .

(اشدد به أزري) ظهري على الدعاء.

(وأشركه في أمري) أي الرسالة .

(كي نسبحك) تسبيحا (كثيرا).

(ونذكرك) ذكرا (كثيرا) فإن التعاون يتزايد به الخير .

(إنك كنت بنا بصيرا) بأحوالنا عالما فإليك فوضنا أمرنا .

(قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) أي مسئولك .

(ولقد مننا) أنعمنا (عليك مرة أخرى).

(إذ أوحينا إلى أمك) إلهاما أو مناما أو على لسان ملك أو نبي في عصره لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون في جملة من يولد (ما يوحى) ما يجب أن يوحى لعظم شأنه أو ما لا يعلم إلا بالوحي .

(أن اقذفيه) ضعيه (في التابوت فاقذفيه في اليم) البحر يعني النيل (فليلقه اليم بالساحل) أي بشاطئه أمر معناه الخبر (يأخذه) جواب فليلقه (عدو لي) في الحال (وعدو له) في المال وهو فرعون وكرر عدو مبالغة (وألقيت عليك محبة مني) يحبك من رآك حتى أحبك فرعون (ولتصنع على عيني) تربي وأنا راعيك وحافظك .

(إذ تمشي أختك) مريم لتعرف خبرك فرأتهم يطلبون له مرضعة (فتقول هل أدلكم على من يكفله) فقالوا نعم فجاءت بأمه فقبل ثديها (فرجعناك إلى أمك) لما وعدنا إنا رادوه إليك (كي تقر عينها) برؤيتك (ولا تحزن) بفراقك (وقتلت نفسا)

[308]

هو القبطي وخفت القصاص (فنجيناك من الغم) بالأمن منه (وفتناك فتونا) واختبرناك اختبارات متعددة على أنه جمع فتن (فلبثت سنين) عشرا (في أهل مدين) عند شعيب بعد هجرتك إليها وهي على ثمان مراحل من مصر (ثم جئت على قدر يا موسى) على وقت قدرته لإرسالك أو نوحي إلى الأنبياء وهو ابن أربعين سنة .

(واصطنعتك لنفسي) اخترتك لرسالتي وإقامة حجتي .

(اذهب أنت وأخوك بآياتي) التسع أو التي في العصا واليد (ولا تنيا) تفترا أو تقصرا (في ذكري) بتسبيح ونحوه أو في تبليغ رسالتي .

(اذهبا إلى فرعون) أمر لهما والأول لموسى فلا تكرار (إنه طغى) بكفره .

(فقولا له قولا لينا لعله يتذكر) يتعظ (أو يخشى) العقاب .

(قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) أي يعجل عقوبتنا قبل إظهار الحجة من فرط تقدم (أو أن يطغى) يتكبر علينا أو يزداد كفرا .

(قال لا تخافا إنني معكما) بالحفظ والنصرة (أسمع) قوله (وأرى) فعله فأدفع شره عنكما .

(فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل) أطلقهم (ولا تعذبهم) باستعمالهم الأعمال الشاقة وقتل ولدانهم (قد جئناك بآية من ربك) بحجة تصدق دعوانا والمراد جنسها فلا ينافي تعددها (والسلام على من اتبع الهدى).

(إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب) بما جئنا به (وتولى) أعرض عنه فأتياه وقالا له ما أمرا به .

(قال فمن ربكما يا موسى) خصه بالنداء لأنه الأصل ولتربيته له .

(قال ربنا الذي أعطى كل شيء) من المخلوقات (خلقه) صورته التي هو عليها المطابقة لكماله الممكن له أو أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه (ثم هدى) دله على جلب النفع ودفع الضر اختيارا أو طبعا .

(قال فما بال القرون الأولى) ما حال الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود من السعادة والشقاوة تهب بالحجة فصرف الكلام عنها .

(قال) موسى (علمها) أي علم حالهم مثبت (عند ربي في كتاب) هو اللوح المحفوظ (لا يصل ربي) لا يخطىء شيئا (ولا ينسى) لا يذهل عن شيء .

(الذي جعل لكم الأرض مهدا) فراشا وقرىء مهادا (وسلك) جعل (لكم فيها سبلا) طرقا تسلكونها (وأنزل من السماء ماء) مطرا (فأخرجنا به) التفت إلى التكلم على الحكاية لقول الله إيذانا باختصاصه بانقياد الأشياء المختلفة لأمره (أزواجا) أصنافا (من نبات شتى) جمع شتيت كمرضى لمريض أي متفرقات في الألوان والطعوم والمنافع .

(كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك) المذكور (لآيات) لعبرا (لأولي النهى) لذوي العقول جمع نهيه سمي بها العقل لنهيه عن القبيح .

(منها) أي الأرض (خلقناكم) فإنها أصل خلقة أبيكم آدم والنطف التي خلقتم منها (وفيها نعيدكم) إذا أمتناكم (ومنها نخرجكم) إذا بعثناكم (تارة أخرى) كما أخرجناكم حين ابتدأنا خلقكم .

(ولقد أريناه) بصرنا فرعون (ءاياتنا كلها) التسع (فكذب بها) عنادا (وأبى) قبولها .

(قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا) مصر وتستولي عليها (بسحرك يا موسى) نسبه إلى السحر تلبيسا على قومه .

(فلنأتينك بسحر

[309]

مثله) يقابله (فاجعل بيننا وبينك موعدا) وعدا (لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) وسطا تستوي مسافته إلينا وإليك .

(قال موعدكم يوم الزينة) وكان يوم عيد يتزينون فيه ويجتمعون وإنما عينه ليعلم الحق من الباطل على رءوس الأشهاد (وأن يحشر الناس) أي يجتمع أهل مصر (ضحى) فينظرون في أمرنا .

(فتولى فرعون) انصرف (فجمع كيده) أي أسبأب كيده من السحرة وآلاتهم (ثم أتى) الموعد .

(قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) بإشراك أحد معه (فيسحتكم بعذاب) فيستأصلكم به (وقد خاب) خسر (من افترى) على الله كذبا كفرعون .

(فتنازعوا أمرهم بينهم) أي السحرة في أمر موسى حين قال ويلكم الآية فقالوا ما هذا بقول ساحر (وأسروا النجوى) الكلام بينهم بأن موسى إن غلبنا اتبعناه والضمير لفرعون وقومه ويفسر النجوى .

(قالوا إن هذان لساحران) على لغة جعل المثنى كالمقصور أو الاسم ضمير الشأن محذوف أو إن بمعنى نعم أو إن مخففة واللام بمعنى إلا (يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) بدينكم الأفضل كإظهارهما دينهما وقيل الطريقة أشراف القوم أي بأشرافكم بصرف وجوههم إليهما .

(فأجمعوا كيدكم) أحكموه واجعلوه مجمعا عليه (ثم ائتوا صفا) مصطفين (وقد أفلح اليوم من استعلى) فاز من غلب .

(قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى) راعوا الأدب في التخيير .

(قال بل ألقوا) مقابلة لأدبهم وعدم احتفال بكيدهم وجودا بما مالوا إليه من البدء (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) قيل لطخوها بالزئبق فلما حميت الشمس تحرك بحرها فخيل إليه أنها تسعى .

(فأوجس) فأضمر (في نفسه خيفة موسى) من أن يشك الناس فلا يتبعوه أو للطبع البشري .

(قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى) الغالب .

(وألق ما في يمينك) أبهم تصغيرا للعصا وتهوينا لأمر السحرة أي ألق العويد الذي معك أو تعظيما لها (تلقف) تتلقف (ما صنعوا إنما صنعوا) إن الذي افتعلوه (كيد ساحر) أفرد لقصد الجنس ونكر لتنكير الكيد (ولا يفلح الساحر) أي جنسه (حيث أتى) أين كان فألقاها فتلقفت فحققوا أنه ليس سحرا.

(فألقي السحرة سجدا) لله تعالى، ألقاهم تحقق الحق لهم (قالوا ءامنا برب هرون وموسى) أخر للفاصلة قيل رأوا في سجودهم منازلهم في الجنة .

(قال) فرعون (ءامنتم له) أي لموسى (قبل أن ءاذن لكم) في ذلك (إنه لكبيركم) رئيسكم أو أستاذكم (الذي علمكم السحر) وتواطأتم على ما فعلتم (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) حال أي مختلفات الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف (ولتعلمن أينا) يعني نفسه وموسى أو رب موسى (أشد عذابا وأبقى) وأدوم .

(قالوا لن نؤثرك) نختارك (على ما جاءنا

[310]

من البينات) المعجزات الظاهرة (والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض) أي صانع أو حاكم به (إنما تقضي) تصنع أو تحكم لسلطانك (هذه الحيوة الدنيا) أي فيها ونصير إلى النعيم الباقي في الآخرة .

(إنا ءامنا بربنا ليغفر لنا خطايانا) من الشرك والمعاصي (وما أكرهتنا عليه من السحر) أي تعلمه وعمله في معارضة المعجزة (والله خير) منك ثوابا للمطيع (وأبقى) عقابا للعاصي .

(إنه) أي الشأن (من يأت ربه مجرما) كافرا (فإن له جهنم لا يموت فيها) فيستريح (ولا يحيى) حياة ممتعة .

(ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات) الفرائض قيل والنوافل (فأولئك لهم الدرجات العلى).

(جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) تطهر من الذنوب .

(ولقد أوحينا إلى موسى) يعد سنين أقامها بينهم يدعوهم إلى الله ولا يجيبوه (أن أسر بعبادي) ليلا من مصر (فاضرب) اجعل أو تبن (لهم) بالضرب بعصاك (طريقا في البحر يبسا) يابسا (لا تخاف دركا) أي آمنا أن يدرككم فرعون (ولا تخشى) غرقا .

(فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم) أي علاهم (من اليم) من البحر (ما غشيهم) إيجاز بليغ أي غشيهم ما سمعته ولا يعلم كنهه إلا الله.

(وأضل فرعون قومه) عن الحق (وما هدى) رد لقوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .

(يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم) فرعون (وواعدناكم جانب الطور الأيمن) لنؤتي موسى التوراة بيانا لما تحتاجون إليه (ونزلنا عليكم) في التيه (المن والسلوى) أي الترنجبين والطير السماني .

(كلوا) بتقدير القول (من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه) بترك شكره وتعدي حدود الله فيه (فيحل عليكم غضبي) بكسر الحاء أي يجب (ومن يحلل عليه غضبي) بكسر اللام أي يجب وضمها الكسائي من حل يحل نزل (فقد هوى) هلك أو سقط في النار .

(وإني لغفار لمن تاب) من الكفر (وءامن) بالله ورسله (وعمل صالحا) أدى الفرائض (ثم اهتدى) استمر على ما ذكر، وعن الباقر (عليه السلام) ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت .

(وما أعجلك عن قومك يا موسى) سؤال عن سبب عجلته عنهم إلى ميعاد أخذ التوراة فيه إنكار لها فقدم جواب الإنكار لأهميته .

(قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى) طلبا لزيادة رضاك .

(قال) تعالى (فإنا قد فتنا قومك) امتحناهم بتشديد التكليف لما أخرج لهم العجل فألزمناهم النظر ليعلموا أنه ليس بإله (من بعدك) بعد انطلاقك منهم (وأضلهم السامري) بالدعاء إلى عبادة العجل فعبدوه.

[311]

(فرجع موسى إلى قومه) بعد أخذ التوراة (غضبان) عليهم (أسفا) حزينا لضلالهم (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) أي صدقا أن يعطيكم التوراة (أفطال عليكم العهد) زمان مفارقتي إياكم (أم أردتم أن يحل) يجب (عليكم غضب من ربكم) بعبادتكم العجل (فأخلفتم موعدي) وعدكم إياي بالإقامة على ديني وباللحاق لي .

(قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا) بالفتح والكسر والضم لغات من مصدر ملك أي بأن ملكنا رأينا إذ لو ملكناه ولم بغلبنا كيد السامري لما أخلفناه (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم) أثقالا من حلي القبط استعاروها منهم لأجل عيد لهم فبقيت عندهم وقبل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه (فقذفناها) ألقينا في النار بأمر السامري قال وهي حرام فألقوها (فكذلك) كما ألقينا (ألقى السامري) ما منعه منها .

(فأخرج لهم عجلا) صاغه من الحلي المذابة (جسدا) بدل منه لحما وذنبا أو جسما بلا روح (له خوار) صوت العجل (فقالوا) أي السامري ومن تبعه (هذا إلهكم وإله موسى فنسي) أي فتركه موسى هنا وذهب يطلبه أو ترك السامري الإيمان .

(أفلا يرون) يعلمون (أن) أنه (لا يرجع إليهم قولا) لا يرد عليهم جوابا (ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا).

(ولقد قال لهم هرون من قبل) قبل عود موسى (يا قوم إنما فتنتم) امتحنكم الله أو أضلكم السامري (به وإن ربكم الرحمن) لا غيره (فاتبعوني) في عبادته (وأطيعوا أمري) بلزومها .

(قالوا لن نبرح عليه عاكفين) على عبادته مقيمين (حتى يرجع إلينا موسى).

(قال) موسى لما رجع (يا هرون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا) بعبادة العجل .

(ألا تتبعن) أن تلحقني أو تتبعني في قتالهم بمن أطاعك إذ لو كنت فيهم لقاتلتهم ولا زائدة (أفعصيت أمري) إقامتك فيهم أو ترك مجاهدتهم .

(قال يبنؤم) بالكسر والفتح وكانا لأب وأم (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) أخذ بلحيته وذؤابته يجره فعل الغضبان بنفسه (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) لو فارقت أو قاتلت بعضهم ببعض (ولم ترقب قولي) لك اخلفني في قومي وأصلح فإن الإصلاح كان فيما فعلت .

(قال فما خطبك) شأنك الذي حملك على ما صنعت (يا سامري).

(قال بصرت بما لم يبصروا به) علمت ما لم يعلموه أو رأيت ما لم يروه (فقبضت قبضة من أثر الرسول) من تراب موطىء جبرائيل أو موقع حافر فرسه (فنبذتها) ألقيتها في جوف العجل والحلي (وكذلك سولت) زينت (لي نفسي) وحدثتني أن آخذ القبضة وألقاها فيه .

(قال فاذهب) طريدا (فإن لك في الحيوة) أي ما دمت حيا (أن تقول) لمن لقيته (لا مساس) أي لا تمسني وكان إذا مسه أحدهم ومن مسه أخذته الحمى فصار يهيم في البرية وحيدا يتحامى الناس ويتحامونه (وإن لك موعدا) بعذابك (لن تخلفه) لن يخلف الله إياه في الآخرة وقرىء بكسر اللام أي لن تخلف الوعد إياه (وانظر إلى إلهك الذي ظلت

[312]

عليه عاكفا) ظللت على عبادته مقيما (لنحرقنه) بالنار (ثم لننسفنه في اليم نسفا) نذريه في البحر .

(إنما إلهكم) المستحق للعبادة (الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما) تمييز محول عن الفاعل أي وسع علمه كل شيء .

(كذلك) كما قصصنا عليك قصة موسى (نقص عليك من أنباء) أخبار (ما قد سبق) مضى من الأمور والأمم تبصرة لك وتكثيرا لمعجزاتك (وقد ءاتيناك من لدنا ذكرا) أعطيناك من عندنا قرآنا فيه ذكر ما يحتاج إليه في الدنيا والدين .

(من أعرض عنه) عن الذكر (فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) حملا ثقيلا من الإثم أي عقوبته .

(خالدين فيه) في الوزر (وساء لهم يوم القيامة حملا) تمييز يفسر المضمر المبهم في ساء والمخصوص بالذم محذوف أي ساء حملا وزرهم .

(يوم ينفخ في الصور) قرن مخصوص (ونحشر المجرمين) المشركين (يومئذ زرقا) عيونهم والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب أو عميا إذ الأعمى تزرق عينه .

(يتخافتون) يتسارون من شدة الهول (بينهم إن لبثتم إلا عشرا) ليالي في الدنيا استقصارا لمدة لبثهم فيها لزوالها ودوام عذابهم أو في القبور .

(نحن أعلم بما يقولون) فيه ذلك ومدة لبثهم في النار أقرب من العشر (إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما).

(ويسئلونك عن الجبال) ما حالها في القيامة (فقل ينسفها ربي نسفا) يجعلها كالرمل ثم يطيرها بالرياح .

(فيذرها) فيدع أماكنها أو الأرض المعلومة من الجبال (قاعا) أملس (صفصفا) مستويا .

(لا ترى فيها عوجا) انخفاضا (ولا أمتا) ارتفاعا .

(يومئذ) يوم إذ نسفت الجبال (يتبعون الداعي) إلى المحشر وهو إسرافيل بالنفخ أو بقوله هلموا إلى العرض على الرحمن (لا عوج له) لا يميل عنه أحد (وخشعت الأصوات للرحمن) سكنت لعظمته (فلا تسمع إلا همسا) صوتا خفيا وهو صوت وطإ الأقدام .

(يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن) إلا شفاعة من أذن له أو لا ينفع أحدا إلا من أذن أن يشفع له (ورضي له قولا) في الشفاعة لمكانه عند الله أو أرضى لأجله قول الشافع له في حقه .

(يعلم ما بين أيديهم) ما كان في حياتهم (وما خلفهم) بعد مماتهم (ولا يحيطون به علما) لا يحيط علمهم بمعلوماته وبذاته .

(وعنت الوجوه للحي القيوم) خضعت له خضوع العاني أي الأسير في يد من قهره (وقد خاب) خسر (من حمل ظلما) أي شركا .

(ومن يعمل من الصالحات) بعض الطاعات (وهو مؤمن) إذ لا يصح طاعة غيره (فلا يخاف ظلما) بزيادة سيئاته (ولا هضما) ينقص من حسناته .

(وكذلك) كما أنزلنا ما ذكر (أنزلناه) أي القرآن (قرءانا عربيا) كله (وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون) المعاصي (أو يحدث) القرآن (لهم ذكرا) عظة بعقوبات الأمم الماضية فيتعظون .

(فتعالى الله) ارتفع عن مماثلة المخلوقين

[313]

(الملك) النافذ تصرفه في ملكوته (الحق) الذي يحق له الملك أو الثابت (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه) لا تعجل بقراءته قبل أن يفرغ جبرئيل من إبلاغه، كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يساوقه في القراءة حرصا عليه أو في تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتيك بيانه (وقل رب زدني علما) إلى ما علمتني أو قرآنا فإنه كلما نزل عليه شيء منه زاد به علمه .

(ولقد عهدنا إلى ءادم) أمرناه بالكف عن الأكل بالشجرة (من قبل) قبل زمانك يا محمد (فنسي) ما أمر به من الكف (ولم نجد له عزما) ثباتا وتصلبا فيما أمر به أو عزما في العود إلى الذنب أو على الذنب لأنه لم يتعمده .

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى) فسر في البقرة .

(فقلنا يا ءادم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) تتعب في كسب المعاش وخص بإسناد الشقاء إليه لأن الاكتساب وظيفة الرجل ولرعاية الفاصلة .

(إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى).

(وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى) ألا تعطش ولا يصيبك حر الشمس إذ لا شمس في الجنة .

(فوسوس إليه الشيطان) أنهى إليه وسوسة وبيانها (قال يا ءادم هل أدلك على شجرة الخلد) أي التي من أكل منها خلد ولم يمت (وملك لا يبلى) لا ينقطع .

(فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) فسر في الأعراف (وعصى ءادم ربه) خالف أمره الندبي فإن تارك النفل والإرشاد يسمى عاصيا (فغوى) خاب من ثوابه أو مما رجاه من الخلد .

(ثم اجتباه ربه) اختاره للرسالة (فتاب عليه) قبل توبته (وهدى) إلى حفظ أسبأب العصمة .

(قال اهبطا منها جميعا) خطاب لآدم وحواء بما اشتملا عليه من الذرية (بعضكم لبعض عدو) للتظالم في أمر المعاش (فإما يأتينكم مني هدى) شريعة وبيان (فمن اتبع هداي فلا يضل) في الدنيا (ولا يشقى) في الآخرة .

(ومن أعرض عن ذكري) أي القرآن وسائر كتب الله (فإن له معيشة ضنكا) ضيقة (ونحشرهم يوم القيامة أعمى) القلب أو البصر .

(قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) في الدنيا أو عند البعث قيل يخرج من قبره بصيرا فيعمى في حشره .

(قال كذلك أتتك ءاياتنا) دلائلنا (فنسيتها) تركتها وأعرضت عنها (وكذلك) كما تركتها (اليوم تنسى) تترك في العذاب أو العمى .

(وكذلك) الجزاء (نجزي من أسرف) أشرك (ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد) من عذاب الدنيا وعذاب القبر (وأبقى) وأدوم .

(أفلم يهد لهم) يبين لهم لقريش الله أو الرسول أو ما دل عليه (كم أهلكنا قبلهم من القرون) أي إهلاكنا كثيرا من الأمم الماضية المكذبة للرسل كعاد وثمود (يمشون) حال من ضمير لهم (في مساكنهم) ويرون آثار هلاكهم فيعتبروا

[314]

 

(إن في ذلك لآيات) لعبرا (لأولي النهى) لذوي العقول .

(ولو لا كلمة سبقت من ربك) بتأخير عذابهم إلى الآخرة (لكان) الأخذ العاجل (لزاما) لازمهم (وأجل مسمى) عطف على كلمة أي لو لا العدة بتأخير عذابهم وأجل مضروب لهم وهو الآخرة أو يوم بدر للزمهم الأخذ العاجل أو على مستكين كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم .

(فاصبر على ما يقولون) من تكذيبك (وسبح بحمد ربك) صل متلبسا بحمده (قبل طلوع الشمس) صلاة الفجر (وقبل غروبها) صلاة العصر والظهرين (ومن ءاناء الليل) أي ساعاته (فسبح) صل العشاءين وقدم الظرف اهتماما للصلاة فيه لأنها أشوق والبال فيه أجمع (وأطراف النهار) صلاة الظهر لأن أول وقتها نهاية النصف الأول وبداية النصف الثاني وجمع لأمن اللبس أو تكرير صلاتي الصبح والعصر اعتناء بهما (لعلك ترضى) بما يعطيك ربك في الدارين .

(ولا تمدن عينيك) لا تنظرن (إلى ما متعنا به أزواجا منهم) أصنافا من الكفار (زهرة الحيوة الدنيا) زينتها وبهجتها (لنفتنهم فيه) لنختبرهم أو لنعذبهم به (ورزق ربك) ما وعدك به في الآخرة أو ما رزقك من العلم والنبوة (خير) مما متعهم به في الدنيا (وأبقى) وأدوم .

(وأمر أهلك) أهل بيتك (بالصلوة واصطبر عليها) حافظ عليها (لا نسئلك) لا نكلف (رزقا) لنفسك ولا لأهلك (نحن نرزقك) وإياهم (والعاقبة) المحمودة (للتقوى) لأهلها .

(وقالوا لو لا) هلا (يأتينا) محمد (بآية من ربه) مقترحة لم يعتدوا بما أتى به من الآيات (أولم يأتهم) بالياء والتاء (بينة ما في الصحف الأولى) بيان ما في سائر الكتب المنزلة يعني القرآن لتضمنه أصول ما فيها من العقائد والأحكام .

(ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله) قبل محمد أو القرآن (لقالوا) يوم القيامة (ربنا لو لا) هلا (أرسلت إلينا رسولا فنتبع ءاياتك) المرسل بها (من قبل أن نذل) في المحشر أو في الدنيا بالقتل والأسر (ونخزى) في جهنم .

(قل كل) منا ومنكم (متربص) منتظر عاقبة الأمر (فتربصوا) تهديد (فستعلمون من أصحاب الصراط السوي) الدين المستقيم (ومن اهتدى) لطريق الحق نحن أم أنتم.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335191

  • التاريخ : 28/03/2024 - 14:33

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net