00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (208 - 217) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الأول )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية 208 - 217

[ يأيها الذين ء_امنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوت الشيطن إنه لكم عدو مبين(208) ]

رسول الله صلى الله عليه وآله، فيقول علي عليه السلام: قد وهبت ذلك لكم، فيقول الله عزوجل فانظروا عبادي الآن إلى ما نلتموه من علي فداء لصاحبه من ظلاماتكم ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها، فيكون من ذلك ما يرضي الله عزوجل به خصماء أولئك المؤمنين ثم يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيقولون: يا رب هل بقي من جنتك شئ، إذا كان هذا كله لنا فأين محل سائر عبادك المؤمنين والانبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ويخيل إليهم عند ذلك أن الجنة بأسرها قد جعلت لهم، فيأتي النداء من قبل الله تعالى يا عبادي: هذا ثواب نفس من أنفاس علي الذي اقترحتموه عليه جعلته لكم، فخذوه وانظروا فيبصرونهم، وهذا المؤمن الذي عوض علي عليه السلام إلى تلك الجنان، ثم يرون ما يضيفه الله عزوجل إلى ممالك علي عليه السلام في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليه الموالي له مما شاء الله عزوجل من الاضعاف التي لا يعرفها غيره، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم "(1) المعدة لمخالفي أخي ووصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).

* * *

___________________________________

(1) سورة الصافات: الآية 63.

(2) تفسير الامام العسكري عليه السلام: ص 48، في تفسير قوله تعالى " اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ". (*)

[504]

يأيها الذين ء_امنوا ادخلوا في السلم كافة: بالكسر والفتح، الاستسلام والطاعة، ولذلك يطلق في الصلح والاسلام، فتحه ابن كثير والنافع والكسائي، والباقون كسروه(1).

و " كافة " اسم للجملة، لانها تكف الاجزاء عن التفرق، حال من الضمير، أو " السلم " لانها تؤنث كالحرب(2) والمراد بها ولاية أمير المؤمنين والائمة عليهم السلام كما سيجئ، والخطاب للمؤمنين بالله والرسول.

ولا تتبعوا خطوت الشيطن. بالتفرق والتفريق. إنه لكم عدو مبين: ظاهر العداوة.

في اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسين بن علي الوشاء، عن مثنى الحناط، عن عبدالله بن عجلان، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: " يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين " قال: في ولايتنا(3).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: ادخلوا في السلم كافة " قال: في ولاية أمير المؤمنين عليه السلام(4).

وفي أمالي شيخ الطائفة: باسناده إلى محمد بن إبراهيم قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول في قوله تعالى: " ادخلوا في السلم كافة " قال: في ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال: لا تتبعوا غيره(5).

وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: " يا ايها الذين آمنوا ادخلو في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال: أتدرى ما السلم؟ قال: قلت: لا أعلم قال: ولاية على والائمة الاوصياء من بعده، قال: و " خطوات

___________________________________

(1 و 2) تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 111.

(3) الكافي: ج 1، ص 417، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 29.

(4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 71.

(5) أمالي الشيخ الطوسي: ج 1، ص 306. (*)

[505]

الشيطان " والله ولاية فلان وفلان(1).

عن زرارة، وحمران، ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر، وأبي عبدالله عليهما السلام قالوا: سألناهما عن قول الله " يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة " قالوا: امروا بمعرفتنا(2).

عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال: السلم هم آل محمد صلى الله عليه وآله، أمر الله بالدخول فيه(3).

عن أبي بكر الكلبي، عن أبي جعفر، عن أبيه عليهما السلام في قوله: " ادخلوا في السلم كافة "، هو ولايتنا(4).

عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكر عترة خاتم النبيين والمرسلين، وهم باب السلم فادخلوا في السلم ولا تتبعوا خطوات الشيطان(5) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

روى الشيخ أبوجعفر بن بابويه في أماليه، عن محمد بن القطان بإسناده، عن علي بن بلال، عن الامام علي بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب، عن النبي عليهم السلام، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللوح، عن القلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: ولاية علي بن ابي طالب حصني ومن دخل حصني أمن من ناري(6).

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 102، ح 294.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 102، ح 295.

(3) تفسير العياشي: ج 1، ص 102، ح 296.

(4) تفسير العياشي: ج 1، ص 102، ح 297.

(5) تفسير العياشي: ج 1، ص 102، قطعة من حديث 300 .

(6) امالي الصدوق: ص 195، ح 9. وفيه احمد بن الحسن القطان. (*)

[506]

[ فإن زللتم من بعد ما جاء_تكم البينت فاعلموا أن الله عزيز حكيم(209) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملئكة وقضى الامر وإلى الله ترجع الامور(210) ]

فإن زللتم: عن الدخول في السلم.

من بعد ما جاء_تكم البينت: الآيات والحجج على أنه الحق.

فاعلموا أن الله عزيز: لا يعجزه الانتقام. حكيم: لا ينتقم إلا على الحق.

هل ينظرون: استفهام في معنى النفي، ولذلك جاء بعده.

إلا أن يأتيهم الله: أي يأتيهم أمره، أو بأسه، أو يأتيهم الله بأمره، أو بأسه، فحذف المأتي به للقرينة.

في ظلل من الغمام: السحاب الابيض، وانما يأتيهم العذاب فيه، لانه مظنة الرحمة، فإذا جاء منه العذاب كان أفظع، لان الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب، فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير.

والملئكة: فإنهم الواسطة في إتيان أمره والآتون على الحقيقة ببأسه وقرئ بالجر عطفا على ظلل، أو الغمام.

وفي عيون الاخبار: محمد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه قال: سألت الرضا عليه السلام، إلى أن قال: وسألته عن قول الله تعالى: " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة " قال: يقول: هل ينظرون

[507]

إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل الغمام، وهكذا نزلت(1).

وأما ما روي عن جابر قال: قال أبوجعفر عليه السلام في قوله تعالى: " في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر " قال: ينزل في سبع قباب من نور ولا يعلم في أيها هو، حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل(2).

فيمكن أن يكون المراد منه بيان كيفية نزول أمره حينئذ، ويكون فاعل ينزل الملك الموكل بالامر.

وقضى الامر: أتم أمر اهلاكهم وفرغ منه.

وضع الماضي موضع المستقبل، لدنوه وتيقن وقوعه وقرئ وقضاء الامر عطفا على الملائكة.

وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل، وفي آخره: وأما قضاء الامر، فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر(3).

وإلى الله ترجع الامور: قراء_ة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، على أنه من الرجع، وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتأنيث غير يعقوب على أنه من الرجوع، و قرئ أيضا بالتذكير وبناء المفعول(4).

علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمرو بن أبي شيبة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إبتداء منه، أن الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لابد منه، أمر مناديا ينادي، فاجتمع الجن والانس في أسرع من طرفة عين، ثم أذن لسماء الدنيا فتنزل وكان من وراء الناس، وأذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها، فاذا رآها أهل سماء الدنيا، قالوا: جاء ربنا؟ قالوا: لا، وهو آت يعني أمره حتى تنزل كل سماء يكون كل واحدة منها من وراء الاخرى وهي ضعف التي يليها، ثم ينزل أمر الله في ظلل من الغمام والملائكة

___________________________________

(1) عيون اخبار الرضا: ج 1، ص 125، باب 11، ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار: في التوحيد، قطعة من حديث 19.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 103، ح 301.

(3) تفسير العياشي: ج 1، ص 103، ح 303.

(4) تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 112. (*)

[508]

[ سل بنى إسرء_يل كم_ء_اتينهم من_ء_اية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جآء_ته فإن الله شديد العقاب(211) زين للذين كفروا الحيوة الدنيا ويسخرون من الذين ء_امنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة والله يرزق من يشاء بغير حساب(212) ]

وقضي الامر وإلى الله ترجع الامور، ثم يأمر الله مناديا ينادي " يا معشر الجن والانس إن إستطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان "(1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. سل بني إسرء_يل: أمر للرسول، أو لكل أحد، والمراد بهذا السؤال تقريعهم.

كم_ء_اتينهم من_ء_اية بينة: معجزة ظاهرة، أو آية في الكتب شاهدة على الحق والصواب، على أيدي الانبياء، و " كم " خبرية، أو إستفهامية مقررة، ومحلها النصب على المفعولية، أو الرفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر، وانه مميزها، و " من " للفصل.

ومن يبدل نعمة الله: أي آياته فإنها سبب الهدى الذي هو أجل النعم بجعلها سبب الضلالة وازدياد الرجس، أو بالتحريف والتأويل الزائغ، ومن جملة نعم الله العظمى ولاية أمير المؤمنين والائمة الاوصياء من بعده.

من بعد ما جآء_ته: من بعد ما وصلت إليه وتمكن من معرفتها.

فإن الله شديد العقاب: فيعاقبه أشد عقوبة، لانه ارتكب أشد جريمة.

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام: واتبعوا ما تتلوا الشياطين بولاية الشياطين على ملك سليمان.

ويقرء أيضا: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية

___________________________________

(1) تفسير البرهان: ج 1، ص 209، ذيل الآية 210، ح 5. (*)

[509]

بينة فمنهم من آمن ومنهم من جحد، ومنهم من اقر ومنهم من بدل، ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاء_ته فإن الله شديد العقاب(1).

زين للذين كفروا الحيوة الدنيا: حسنت في أعينهم وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها وأعرضوا عن غيرها، وفي وصفهم بالكفر إشعار بأن لذلك الوصف دخلا في التزيين، وهو كذلك، لانهم بسبب رين الكفر وقساوته صارت طبايعهم أميل إلى ما تشتهيه القوة الحيوانية وغفلوا عن المثوبات الاخروية.

ويسخرون من الذين ء_امنوا: يريد فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب، أي يسترذلونهم، أو يستهزؤن بهم على رفضهم الدنيا واقبالهم على العقبى. و " من " للابتداء، كأنهم جعلوا السخرية مبتدأة منهم.

والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة: لانهم في أعلى عليين، وهم في أسفل السافلين، أو لانهم في كرامة وهم في مذلة، أو لانهم يتطاولون عليهم فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا.

وإنما قال: " والذين اتقوا " بعد قوله: " والذين آمنوا " ليدل على أنهم متقون، وأن استعلامهم للتقوى.

والله يرزق من يشاء: في الدارين.

بغير حساب: بغير تقدير، فيوسع في الدنيا إستدراجا تارة، وإبتلاء اخرى.

* * *

___________________________________

(1) الكافي: ج 8، ص 290، ح 440. (*)

[510]

[ كان الناس أمة وحدة فبعث الله النبين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جآء_تهم البينت بغيا بينهم فهدى الله الذين ء_امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صرط مستقيم(213) ]

كان الناس أمة وحدة: كلهم ضلالا قبل نوح.

فبعث الله النبين مبشرين ومنذرين: عن كعب: الذي علمته من عدد الانبياء، مائة وأربعة وعشرون ألفا، والمرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، والمذكور في القرآن بإسم العلم ثمانية وعشرون(1).

وأنزل معهم الكتب: يريد به الجنس، ولا يريد به أنه أنزل مع كل واحد كتابا يخصه، فإن أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصهم وإنما يأخذون بكتاب من قبلهم.

بالحق: حال من الكتاب، أي متلبسا بالحق شاهرا به.

ليحكم بين الناس: أي الله، أو النبي المبعوث، أو الكتاب.

فيما اختلفوا فيه: أي فيما التبس عليهم وتخلفوا فيه عن الحق.

وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه: أي ما اختلف في الكتاب، أو الحق بعد إتيانه إلا الذين اوتوه، وصار مبدء الخلاف ناشئا عنهم وتبعهم فيه من بعدهم، أي عكسوا الامر فجعلوا ما أنزل مزيحا للالتباس، سببا لاستحكامه.

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 113. (*)

[511]

من بعد ما جآء_تهم البينت بغيا بينهم: حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدنيا فهدى الله الذين ء_امنوا لما اختلفوا فيه: أي للحق الذي اختلف فيه من اختلف من الحق: بيان لما أختلفوا فيه. بإذنه: بأمره ولطفه.

والله يهدى من يشاء إلى صرط مستقيم: لا يضل سالكه.

في روضة الكافي: حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن عديس، عن يعقوب بن شعيب أنه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: " كان الناس امة واحدة " فقال: كان قبل نوح امة ضلال فبدا لله، فبعث الله المرسلين، وليس كما يقولون، ولم يزل وكذبوا(1).

وفي تفسير العياشي: عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: " كان الناس امة واحدة " قال: كان هذا قبل نوح امة واحدة، فبدا لله، فأرسل الرسل قبل نوح، قلت: أعلى هدى كانوا أم على ضلالة؟ قال: بل كانوا ضلالا، لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين(2).

وعن مسعدة، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله: " كان الناس امة واحدة فبعث النبيين مبشرين ومنذرين " فقال: كان ذلك قبل نوح، قيل: فعلى هدى كانوا؟ قال: لا، كانوا ضلالا، وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته، بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته، و ذلك أن قابيل توعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل، فسار فيهم بالتقية والكتمان فازدادوا كل يوم ضلالا حتى لم يبق على الارض معهم إلا من هو سلف، ولحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله، فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الامر، وكذبوا، إنما هو شئ يحكم الله به في كل

___________________________________

(1) الكافي: ج 8، ص 82، ح 40، وتمام الحديث " يفرق الله في ليلة القدر ما كان من شدة أو رخاء أو مطر، بقدر ما يشاء الله عزوجل أن يقدر إلى مثلها من قابل ".

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 104، ح 306. (*)

[512]

[ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ء_امنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب(214) يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللولدين والاقربين واليتمى والمسكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم(215) ]

عام، ثم قرأ: " فيها يفرق كل أمر حكيم "(1) فيحكم الله تبارك وتعالى ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك، قلت: أعلى ضلال كانوا قبل النبيين أم على هدى؟ قال: لم يكونوا على هدى، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله، أما تسمع بقول إبراهيم: " لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين "(2) أي ناسيا للميثاق(3).

وأما ما رواه في مجمع البيان: عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: كانوا قبل نوح امة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضالين فبعث الله النبيين(4).

فالمراد من الضال: الكافر، والمراد به في الاخبار السابقة الذي على الفطرة لم يهتد إلى الحق بالبرهان فلا منافاة.

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة: خاطب به النبي والمؤمنين بعد ما ذكر ما ذكر اختلاف الامم على الانبياء بعد مجيئ الآيات تشجيعا لهم على الثبات مع مخالفيهم.

___________________________________

(1) سورة الدخان: الآية 4.

(2) سورة الانعام: الآية 78.

(3) تفسير العياشي: ج 1، ص 104، ح 309.

(4) مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 307، في ذيل الآية 213. (*)

[513]

و (ام) منقطعة، ومعناها الانكار.

ولما يأتكم: ولم يأتكم، قيل: وأصل " لما " لم، زيدت عليها " ما " وفيها توقع، و لذلك جعل مقابل " قد ".

مثل الذين خلوا من قبلكم: أي حالهم التي هي مثل في الشدة.

مستهم البأساء والضراء: بيان له على الاستيناف.

وزلزلوا: أي ازعجوا إزعاجا شديدا بما أصابهم من الشدائد.

حتى يقول الرسول والذين ء_امنوا معه: لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر.

وقرئ نافع (يقول) بالرفع على أنها حكاية حال ماضية، كقولك: مرض فلان حتى لا يرجونه(1).

متى نصر الله: استبطاء له، لتأخره.

ألا إن نصر الله قريب: استيناف على إرادة القول، أي فقيل لهم ذلك إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر.

في الخرائج والجرائح: عن زين العابدين، عن آبائه عليهم السلام قال: فبما تمدون أعينكم، ألستم آمنين؟ لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فتقطع يده ورجله ويصلب، ثم تلا " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم " الآية(2).

وفي روضة الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بكر بن محمد قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقرأ: " وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول "(3). يسئلونك ماذا ينفقون: عن ابن عباس أن عمرو بن الجموح الانصاري

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 114.

(2) الخرائج والجرائح: فصول في العلامات التي تكون قبل المهدي عليه السلام، ص 196، فصل عن زين العابدين عليه السلام.

(3) الكافي: ج 8، ص 290، ح 439. (*)

[514]

[ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون(216) ]

كان هما(1) ذا مال عظيم، فقال: يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت(2).

قل ما أنفقتم من خير فللولدين والاقربين واليتمى والمسكين وابن السبيل: سأل عن المنفق فاجيب ببيان المصرف، لانه أهم، فان إعتداد النفقة باعتباره، ولانه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكورا في الآية ذكر بعض المصارف، ثم عمم بقوله: وما تفعلوا من خير: " ما " شرطية.

فإن الله به عليم: جوابه، أي إن تفعلوا خيرا فإن الله يعلمه ويجازي عليه.

كتب عليكم القتال وهو كره لكم: مكروه طبعا، وهو مصدر، نعت به للمبالغة، أو فعل بمعنى المفعول، كالخبر وقرء بالفتح على أنه لغة فيه كالضعف، أو بمعنى الاكراه على المجاز.

وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم: حفت الجنة بالمكاره.

وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم: حفت النار بالشهوات.

والله يعلم: ما هو خير لكم.

وأنتم لا تعلمون: ذلك، أو لستم من أهل العلم.

___________________________________

(1) الهم بالكسر والتشديد: الشيخ الكبير، والمرأة همة. مجمع البحرين: ج 6، ص 189، في لغة همم.

(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 114. (*)

[515]

[ يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد - عن سبيل - الله - وكفر به - والمسجد - الحرام وإخراج - أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعملهم في الدنيا والاخرة وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون(217) ]

يسئلونك عن الشهر الحرام: قال البيضاوي: روي أنه عليه السلام بعث عبدالله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادي الآخرة قبل بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيهم عمرو بن عبدالله الحضرمي وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين و استاقوا العير وفيها تجارة الطائف وكان ذلك في غرة رجب وهم يظنونه من جمادي الآخرة، فقالت قريش إستحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويذعر فيه الناس إلى معايشهم وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا: ما نبرح حتى تنزل توبتنا ورد رسول الله صلى الله عليه وآله العير والاسارى(1).

وعن ابن عباس: لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الغنيمة، وهى أول غنيمة في الاسلام، والسائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعا وتعييرا، وقيل: أصحاب السرية(2).

قتال فيه: بدل اشتمال، وقرئ عن قتال.

قل قتال فيه كبير: أي كبير لو لم يكن يعارضه ما هو أكبر منه.

___________________________________

(1 و 2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 114. (*)

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336029

  • التاريخ : 28/03/2024 - 19:44

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net