00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (133 - 144) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 133 - 144

[ وسار عوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموت والارض أعدت للمتقين(133) الذين ينفقون في السرآء والضرآء والكظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين(134) ]

وسارعوا: بادروا.

وقرأ ابن عامر ونافع " سارعوا " بلا واو.

إلى مغفرة من ربكم: بارتكات أسبابها، كالاسلام والتوبة والاخلاص.

وفي مجمع البيان: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) إلى اداء الفرائض(1).

وجنة عرضها السماوات والارض: أي عرضها كعرضهما.

وفي تفسير اليعاشي: عن داود بن سرحان، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:: إذا وضعوهما كذا، وبسط يديه إحداهما على الاخرى(2).

وفي مجمع البيان: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه سئل إذا كانت الجنة عرضها السماوات والارض فأين تكون النار؟ فقال: سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل(3).

ومعناه أن القادر على أن يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء.

أعدت للمتقين: هيئت لهم.

وفي كتاب الخصال: فيما علم أميرالمؤمنين (عليه السلام) أصحابه مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 2 ص 503 في نقل المعنى لقوله تعالى: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ".

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 198 ح 142.

(3) مجمع البيان: ج 2 ص 504 في نقل المعنى لقوله تعالى: " وجنة عرضها السماوات والارض ". (*)

[226]

والارض اعدت للمتقين فإنكم لن تنالوها إلا بالتقوى(1).

وفي الآية دلالة على أن الجنة مخلوقة خارجة عن هذا العالم.

الذين ينفقون: صفة مادحة للمتقين، أو منصوب، أو مرفوع على المدح.

في السرآء والضرآء: في حالتي الرخاء والشدة، أو الاحوال كلها، إذ الانسان لا يخلو عن مسرة أو مضرة، أي لا يخلون في حال ماعن إنفاق ما من قليل أو كثير.

والكظمين الغيظ: الممسكين عليه، الكافين عن إمضائه مع القدرة، من كظمت القربة، إذا ملاتها وشددت رأسها.

وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السكوني قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): مامن عبد كظم غيظا إلا زاده الله (عزوجل) عزا في الدنيا ولآخرة، وقد قال الله (عزوجل): " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله ويحب المحسنين " وأثابه الله مكان غيظه ذلك(2).

عدة من أصحابنا: عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة قال: حدثني من سمع أبا عبدالله يقول: من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، وأملا الله قلبه يوم القيامة رضاه(3)(4).

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الايمان، من صبر على الظلم وكظم غيظه واحتسب وعفى وغفر كان ممن يدخله الله تعالى الجنة بغير حساب ويشفعه في مثل ربيعة ومضر(5).

عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنا أهل بيت مروء‌تنا

___________________________________

(1) الخصال: ص 633، حديث أربعمائة س 20.

(2) الكافي: ج 2 ص 110، كتاب الايمان والكفر، باب كظم الغيظ، ح 5.

قوله: أملا الله قلبه يوم القيامة رضاه.

كناية عن كثرة أفضاله وإحسانه إليه في ذلك اليوم، فلا يرهقه قتر ولاذلة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 306).

(4) الكافي: ج 2 ص 110، كتاب الايمان والكفر، باب كظم الغيظ، ح 6.

(5) الخصال: ص 104 باب الثلاثة، ثلاث خصال من كن فيه فقد استكمل الايمان ح 63. (*)

[227]

العفو عمن ظلمنا(1).

عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام): ماتجرعت جرعة أحب إلى من جرعة غيظ لا اكافي صاحبها(2). والعافين عن الناس: التاركين عقوبة من استحقوا مؤاخذته.

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا، فتعافوا يعزكم الله(3)(4).

وفي مجمع البيان: روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن ؤلاء في امتي قليل إلا من عصمه الله، وقد كانوا كثيرا في الامم الماضية(5).

والله يحب المحسنين: يحتمل الجنس، ويدخل تحته هؤلاء، والعهد فيكون الاشارة إليهم.

وفي مجمع البيان: روي أن جارية لعلي بن الحسين (عليهما السلام) جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الابريق من يدها فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت له الجارية: إن الله تعالى يقول: " والكاظمين الغيظ " فقال لها: كظمت غيظي، قالت: " والعافين عن الناس " قال: عفى الله عنك، قالت: " والله يحب المحسنين " قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله(6).

___________________________________

(1) الخصال: ص 10 باب الواحد، مروء‌ة أهل البيت (عليهم السلام) خصلة ح 33.

(2) الخصال: ص 23 باب الواحد، خصلة لا يتجب بها حمر النعم، ح 81 وصدر الحديث (ما أحب أن لي بذل نفسي حمر النعم، وما تجرعت إلخ).

(3) قوله: فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا في الدنيا: لان من عرف بالعفو ساد وعظم في القلوب، فيزيده عزة، أوفي الاخرة لانه يوجب زيادة الاجر، ورفع الدرجة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 302).

(4) الكافي: ج 2 ص 108 كتاب الايمان والكفر، باب العفو، ح 5.

(5) مجمع البيان: ج 2 ص 505 فصل في ذيل آية 134 من سورة آل عمران " والعافين عن الناس ".

(6) مجمع البيان: ج 2 ص 505 فصل في ذيل آية 134 من سورة آل عمران: " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ". (*)

[228]

[ والذين إذا فعلوا فحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم هذا يمدد ما فعلوا وهم يعلمون(135) ]

والذين إذا فعلوا فحشة: فعلة بالغة في القبح، كالزنا.

أو ظلموا أنفسهم: بأن أذنبوا أي ذنب كان.

وقيل: الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة ولعل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك(1).

ذكروا الله: تذكروا وعيده، أو حكمه، أو حقه العظيم.

فاستغفروا لذنوبهم: بالندم والتوبة.

ومن يغفر الذنوب إلا الله: استفهام بمعنى النفي، معترض بين المعطوفين.

والمراد به وصفه تعالى بصفة الرحمة وعموم المغفرة، والحث على الاستغفار، والوعد بقبول التوبة.

ولم يصروا على ما فعلوا: أي لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين.

وفي اصول الكافي: أبوعلي الاشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر(2)، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال:

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 182 في تفسيره لقوله تعالى: " والذين إذا فعلوا فاحشة " الآية.

(2) قوله: (الاصرار هو أن يذهب الذنب فلا يستغفر الله إلخ) دل على أن الاصرار يتحقق بالذنب مع عدم الاستغفار والتوبة، سواء أذنب ذنبا آخر من نوع ذلك الذنب أو من غير نوعه، أو عزم على ذنب آخر أم لا.

أما تحققه في غير الاخير فظاهر، وأما في الاخير فلان التوبة واجبة في كل آن فتركها ذنب منضاف إلى الذنب الاول فيتحقق الاصرار. وقسم الشهيد في قواعده الاصرار إلى فعلي وحكمي، وقال الفعلي: هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة، والاكثار من جنس الصغائر بلا توبة. والحكمي: هو العزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها. أما لو فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها، فالظاهر أنه غير مصر.

وقال الشيخ في الاربعين: تخصيصه الاصرار الحكمي بالعزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها، يعطي أنه لو كان عازما على صغيرة اخرى بعد الفراغ مما هو فيه لا يكون مصرا، والظاهر أنه مصر أيضا.

وتقييده ببعد الفراغ منها يقتضي بظاهره أن من كان عازما مدة سنة على لبس الحرير مثلا، لكن لم يلبسه أصلا لعدم تمكنه، لا يكون في تلك المدة مصرا، وهو محل نظر.

وقال بعضهم: الاصرار هو إدامة الفعل والعزم على إدامته يصح معها إطلاق وصف العزم عليه.

وقال بعضهم: هو تكرار الصغيرة تكرارا يشعر بقلة المبالاة إشعار الكبيرة بذلك، أو فعل صغائر من أنواع مختلفة بحيث يشعر بذلك. (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 267).

[229]

الاصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة، فذلك الاصرار(1).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شئ من معاصيه(2)(3).

عدة من أصحابنا: عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عبدالله بن محمد النهيكي، عن عمار بن مروان القندي، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار(4).

___________________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 288 كتاب الايمان والكفر، باب الاصرار على الذنب، ح 2.

(2) قوله: (لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شئ من معاصيه) لعل السرفيه أن سبب قبول الطاعة هو دلالتها على تعظيم الرب، والاصرار على المعصية وإن كانت صغيرة يستلزم تحقيره وإن لم يقصده العاصي، والتحقير ينافي التعظيم، أو أن قبول الطاعة عبارة عن تقريب المطيع إلى ذاته المقدسة، والاصرار على المعصية يوجب تبعيده عنه، وحمل عدم القبول على وجه الكمال محتمل (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 267).

(3) الكافي: ج 2 ص 288 كتاب الايمان والكفر، باب الاصرار على الذنب، ح 3.

(4) قوله (لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار) ظاهره أن الكبيرة تصير صغيرة، أو تزول بالكلية مع الاستغفار، والصغيرة تصير كبيرة مع الاصرار، وهو مع ذلك يستلزم الجرأة على الكبيرة غالبا، ولذلك ألحق العلماء بالكبائر الاصرار على الصغائر، واستدلوا بهذا الحديث.

وتوضيحه أنه (عليه السلام) دعا إلى الاستغفار عن كبائر الذنوب وصغائرها، وبين أن الصغيرة مع الاصرار لا تبقى صغيرة على حالها، لان الاصرار عليها معصية اخرى تنضم إلى الاولى، فإذا دام على الاصرار توالت المعاصي وتكاثرت وتراكمت حتى تعد كبيرة، لا سيما إذا كان الاصرار يتضمن الاستهانة والاحتقار.

وقد قيل في تفسير قوله تعالى: " يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء " يعذب من يشاء على الصغيرة للاصرار بها، ويغفر لمن يشاء الكبيرة لاستعظامه إياها وخوفه من الله.

وقوله (عليه السلام): (ولا كبيرة مع الاستغفار) معناه: أن الكبيرة لا تبقى كبيرة، بل تذوب وتصغر بأمرالله تعالى إذا قارنها الاستغفار، وهو طلب المغفرة من الغفار، وذلك لان الاستغفار يتضمن التوبة مع طلب المغفرة، والمستغفر يشاهد قبح فعه وشناعة ذنبه واستحقاقه للعقوبة، فيندم بقلبه، والندم توبة، ثم يسأل بصدق النية المغفرة منه مستعظما له، فتصغر بذلك كبيرته عندالله تعالى، بل ربما تزول عن أصلها.

ويوافق الفقرتين قول بعض العارفين: متى عظمت المعصية في قلب العاصي صغرت عندالله تعالى، ومتى صغرت في قلبه عظمت عنده تعالى (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 266). الكافي: ج 2 ص 288 كتاب الايمان والكفر، باب الاصرار على الذنب، ح 1.

[230]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إنه والله ما خرج عبد من ذنب بإصرار، وما خرج عبد من ذنب إلا بإقرار(1).

محمد بن يحيى، عن علي بن الحسين الدقاق، عن عبدالله بن محمد، عن أحمد بن عمر، عن زيد القتات، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر(2) وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف أنها من عندالله إلا غفر الله له قبل أن يحمده(3).

___________________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 426 كتاب الايمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها، ح 4.

(2) قوله: (ما من عبد أذنب ذنبا الخ) الندم فعل القلب، والاستغفار فعل اللسان، والاول أشرف، فلذا له تأثير بدون الثاني، ولا تأثير للثاني بدونه (شرح اصول الكافي للعلامد المازندراني: ج 10 ص 143).

(3) قوله: (وما من عبد أنعم الله عليه نعمة الخ) إيصال كل مرغوب ورفع كل مكروه نعمة.

ويفهم منه أن الحمد القلبي أشرف من الحمد اللساني، وان الحمد وغيره من العبادات القلبية والبدنية سبب للمغفرة، كما يدل عليه أيضا قوله: (إن الحسنات يذهبن السيئات) (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 10 ص 143). الكافي، ج 2 ص 427 كتاب الايمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها، ح 8.

[231]

وفي مجمع البيان: وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار(1).

وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله): ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة(2).

وهم يعلمون: حال من فاعل " يصروا " أي لم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به.

وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): بإسناده إلى الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما نزلت هذه الآية صعد إبليس جبلا بمكة يقال له ثور(3)، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيدنا لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخناس: أنا لها، فقال: مما ذا؟ قال: أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة(4).

وفي تفسير العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رحم الله عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه، وفي كتاب

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 2 ص 506 في نقل المعنى لقوله تعالى: " والذين إذا فعلوا فاحشة " الآية.

(2) تفسير الصافي: ج 1 ص 352 في تفسيره لقوله تعالى: و " ولم يصروا على ما فعلوا " ورواه في الكشاف: ج 1 ص 416 في تفسيره للآية، وسنن الترمذي: ج 5 ص 558 كتاب الدعوات باب 107 ح 3559.

(3) اسم جبل بمكة فيه الغار الذي اختفى فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال الجوهري: ثور جبل بمكة وفيه الغار المذكور في القرآن يقال له: أطحل، وقال الزمخشري: ثور أطحل من جبال مكة بالمفجر من خلف مكة على طريق اليمن (تلخيص من معجم البلدان: ج 2 ص 86 باب الثاء والواو وما يليهما، في لغة ثور).

(4) الامالي للصدوق: ص 376 المجلس الحادي والسبعون، ح 5. (*)

[232]

[ أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها ونعم أجر العملين(136) ]

الله نجاة من الردى، وبصيرة عن العمى، ودليل إلى الهدى، وشفاء لما في الصدور فيما أمركم الله به من الاستغفار مع التوبة، قال الله: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون.

ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما "(1) فهذا ما أمر الله به من الاستغفار واشترط معه التوبة والاقلاع عما حرم الله، فانه يقول: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه "(2) فهذه الآية تدل على أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله إلا العمل الصالح والتوبة(3).

وفي روضة الكافي: بإسناده إلى ابي عبدالله (عليه السلام) قال: وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال: " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون "(4).

أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها ونعم أجر العملين: خبر للذين إن ابتدأت به، وجملة مستأنفة مبينة لما قبلها إن عطفته على " المتقين " أو على " الذين ينفقون ".

وتنكير " جنات " على الاول يدل على أن ما لهم أدون مما للمتقين الموصوفين بتلك الصفات المذكورة في الآية المتقدمة، وكفاك فارقا بين القبيلين أنه فصل آيتهم، بأن بين أنهم محسنون مستوجبون لمحبة الله

___________________________________

(1) النساء: 110.

(2) فاطر: 10.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 198 ح 143.

(4) الكافي: ج 8 ص 9 قطعة من ح 1. (*)

[233]

تعالى، وذلك لانهم حافظوا على حدود الشرع، وتخطوا إلى التخصيص بمكارمه، وفصل آية هؤلاء بقوله: " ونعم أجر العاملين " لان المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل بعض ما فوت على نفسه، وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والاجير. ولعل تبديل لفظ الجزاء بالاجر لهذه النكتة.

والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: ونعم أجر العاملين ذلك، يعني المغفرة والجنات.

وفي أمالي الصدوق (رحمه الله): محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رحمه الله) قال: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال: أخبرنا احمد بن صالح بن سعد التميمي، قال: حدثنا موسى بن داود قال: حدثنا الوليد بن هشام قال: حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبدالرحمن بن غنم الدوسي قال: دخل معاذ بن جبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) باكيا، فسلم فرد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله، إن بالباب شابا طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ادخل علي الشاب يا معاذ، فأدخله عليه فسلم، فرد (عليه السلام)، ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟ قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله (عزوجل) ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل أشركت بالله شيئا؟ قال: أعوذ بالله أن اشرك به شيئا، قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟ قال: لا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يغفر الله ذنوبك وإن كانت مثل الارضين السبع وبحارها ورما لها وأشجارها وما فيها من الخلق، قال: فإنها أعظم من الارضين السبع وبحارها ورما لها وأشجارها وما فيها من الخلق، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يغفر لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي، قال: فإنها أعظم من ذلك، قال:

[234]

فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كهيئة الغضبان، ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك؟ فخر الشاب لوجهه، وهو يقول: سبحان الله ربي ما من شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم؟ قال الشاب: لا والله يا رسول الله، ثم سكت الشاب فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟ قال: بلى اخبرك، إني كنت أنبش القبور سبع سنين، اخرج الاموات، وأنزع الاكفان، فماتت جارية من بعض بنات الانصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل، أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من الاكفان وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا، فأثاني الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبية إلى حسابي، فويل لشبابك من النار.

فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا فما ترى يا رسول الله.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار.

ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه.

فذهب فأتى المدينة فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها، فتعبد فيها، ولبس مسحا، وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى يارب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يارب أنت الذي تعرفني، وزل منى ما تعلم يا سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظم سلطانك أن لا تخيب رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما

[235]

وليلة، رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب دعائي ولم تغفر خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني، أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة.

فأنزل الله (تبارك وتعالى) على نبيه (صلى الله عليه وآله): " والذين إذا فعلوا فاحشته " يعني الزنا " أو ظلموا أنفسهم " يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبر وأخذ الاكفان " ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة " ومن يغفر الذنوب إلا الله " يقول (عزوجل): أتاك عبدي يا محمد تائبا، فطردته، فأين يذهب؟ وإلى من يقصد؟ ومن يسأل أن يغفر له ذنبه غيري، ثم قال (عزوجل): " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الاكفان، " اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ".

فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، خرج وهو يتلوها وهو يبتسم، فقال لاصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي، أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي فأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري إلى الجنة تزفني أم إلى النار تسوقني، اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والارض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة، فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول أبشر فإنك

[236]

[ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين(137) هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين(138) ]

عتيق الله من النار، ثم قال (صلى الله عليه وآله) لاصحابنه: هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثم تلا عليه ما أنزل (عزوجل) فيه وبشره بالجنة(1).

قد خلت من قبلكم سنن: وقائع سننها الله في الامم المكذبة.

وقيل: امم، قال: ما عاين الناس من فضل كفصلكموا * ولا أرى مثله في سالف السنن(2).

فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين: لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم.

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: " سيروا في الارض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين " من قبلكم، قال: عنى بذلك انظروا في القرآن فاعلموا كيف كانت عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه(3). هذا: أي القرآن. بيان للناس: عامة.

وهدى ومو عظة للمتقين: خاصة.

وقيل: " هذا " إشارة إلى قوله: " قد خلت " أو مفهوم قوله: " فانظروا " أي إنه

___________________________________

(1) الامالي للصدوق: ص 45 المجلس الحادي عشر، ح 3.

(2) لم يسم قائله: قوله (وقيل: امم) أي قيل المراد بالسنن الامم، استشهادا بقوله: ما عاين الناس إلخ (حاشية محيي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي: ج 1 ص 672).

(3) الكافي: ج 8 ص 249 قطعه من ح 349. (*)

[237]

[ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين(139) إن يمسسكم قرح فقدمس القوم قرح مثله وتلك الايام ندا ولها بين الناس وليعلم الله الذين ء‌امنوا ويتخذ منكم شهدآء والله لا يحب الظلمين(140) ]

مع كونه بيانا للمكذبين، فهو زيادة بصيرة وموعظة للمتقين، أو إلى ما لخص من أمر المتقين والتائبين.

وقوله: " قد خلت " للبعث على الايمان والتوبة(1).

ولا تهنوا: ولا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم احد.

ولا تحزنوا: على من قتل منكم، تسلية لهم عما أصابهم.

وأنتم الاعلون: والحال أنكم أعلى شأنا، فإنكم على الحق وإنهم على الباطل، وقتالكم لله وقتالهم للشيطان، وقتلا كم في الجنة وقتلاهم في النار.

أو لانكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم أو أنتم الاعلون في العاقبة، فيكون بشارة لهم لانصر والغلبة(2).

إن كنتم مؤمنين: متعلق بالنهي، أي لا تهنوا إن صح إيمانكم، فإنه يقتضي قوة القلب بالوثوق على الله، أو بالاعلون.

إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله: قيل: يعني إن أصابوا منكم يوم احد، فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله، ثم إنهم لم يضعفوا ولم يجبنوا، فأنم أولى بأن لا تضعفوا، فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون.

وقيل: كلا المسين كان يوم احد، فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر

___________________________________

(1 و 2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 183 في تفسيره لقوله تعالى: " هذا بيان للناس " إلى قوله " وتلك الايام ". (*)

[238]

الرسول(1).

وقرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم بضم القاف والباقون بالفتح وهما لغتان.

وقيل: هو بالفتح: الجراح، وبالضم: ألمها(2).

وتلك الايام ندا ولها بين الناس: نصرفها، نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء اخرى.

والمداولة كالمعاودة يقال: داولت الشئ بينهم، فتداولوه.

والايام يحتمل الوصف والبدل وعطف البيان والخبر، و (نداولها) الخبر على الاحتمالات الثلاث الاول، والحال على الاحتمال الاخير. والمراد بها أو قات النصر والغلبة.

في تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله تعالى " وتلك الايام نداولها بين الناس " قال: ما زال منذ خلق الله آدم، دولة لله ودولة لابليس، فأين دولة الله ما هو إلا مع قائم واحد(3).

وليعلم الله الذين ء‌امنوا: عطف على علة محذوفة، أي نداولها ليكون كيت وكيت، وليعلم، إذانا بأن العلة فيه غير واحدة، وإن ما يصيب المؤمن فيه من المصالح مالا يعلم، أو الفعل المعلل به محذوف، تقديره، واليتميز الثابتون على الايمان من الذين على حرف، فعلنا ذلك.

والقصد في أمثاله ليس إلى إثبات علمه تعالى، بل إلى إثبات المعلوم على طريقة البرهان.

وقيل: معناه ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء، وهو العلم بالشئ موجودا(4)، وهو تكلف.

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 183 في تفسيره لقوله تعالى " هذا بيان للناس " إلى قوله " وتلك الايام ".

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 199 ح 145.

(4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 184 في تفسيره لقوله تعالى: " وليعلم الله الذين آمنوا ". (*)

[239]

[ وليمحص الله الذين ء‌امنوا ويمحق الكفرين(141) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصبرين(142) ]

ويتخذ منكم شهداء: ويكرم منكم بالشهادة يريد شهداء احد أو يتخذ منكم شهودا معدلين بما صودف منهم من الثبات والصبر على الشدائد.

أو شهودا وعلماء بما ينعم على المؤمنين ويمددهم.

والله لا يحب الظلمين: الذين يضمرون خلاف ما يظهرون، أو الكافرين. وهو اعتراض.

وفيه تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة، وإنما يديل لهم أحيانا استدارجا وابتلاء للمؤمنين.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما رجع من احد فلما دخل المدينة نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين والانصار من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويشدونها فأنزل الله على نبيه " ولا تنهنوا في إبتغاء القوم ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون "(1) وقال (عزوجل): " إن يمسسكم قرح فقدمس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها ين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " فخرجوا على ما بهم من الالم والجراح(2).

وليمحص الله الذين ء‌امنوا: ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب إن كانت الدولة عليهم.

___________________________________

(1) النساء: 104.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 12. (*)

[240]

ويمحق الكفرين: ويهلكهم إن كانت عليهم. والمحق نقص الشئ قليلا قليلا.

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) إمام امتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملا الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لاعز من الكبريت الاحمر، فقام إليه جابرين عبدالله الانصاري فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: اي وربي " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " يا جابر إن هذا الامر من الله وسر من سرالله، مطوي عن عبادالله، فإياك والشك فيه، فإن الشك في أمر الله (عزوجل) كفر(1).

واعلم أن هذا الخبر يدل بصريحه على كفر أهل السنة، فإنهم شاكون في غيبة صاحب الامر ووجوده، وقد صرح في الخبر بأن الشك فيه كفر، فتبصر.

أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم: بل أحسبتم، ومعناه الانكار، أي لا تحسبوا أن تدخلوها ولما يعلم الله المجاهدين منكم ولما يجاهد بعضكم.

وفيه دلالة على أن الجهاد فرض على الكفار.

والفرق بين " لما " و " لم " أن فيها توقعا في المستقبل، بخلاف " لم ".

وقرئ " يعلم " بفتح الميم على أن أصله يعلمن، فحذفت النون.

ويعلم الصبرين: نصب بإضمار (ان) على أن الواو للجمع.

وقرئ بالرفع على أن الواو للحال، كأنه قال: ولما تجاهدوا وأنتم صابرون.

وفي تفسير العياشي: عن داود الرقي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن

___________________________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 286، الباب الخامس والعشرون، ما أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من وقوع الغيبة بالقائم (عليه السلام) ح 7. (*)

[241]

[ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون(143) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشكرين(144) ]

قول الله تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم " قال: إن الله هو أعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه وهم ذر، وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد، كما أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم، ولم يرهم موتهم وهو أحياء(1).

ولقد كنتم تمنون الموت: بالشهادة أو الحرب، فإنها من أسباب الموت.

من قبل أن تلقوه: من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا ثبوته.

فقد رأيتموه وأنتم تنظرون: أي رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم.

وهو توبيخ لهم على أنهم تمنوا وتسببوا لها، ثم جبنوا وانهزموا عنها.

أو على تمني الشهادة، فإن في تمنيها تمني غلبة الكفار.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية، أن المؤمنين لما أخبرهم الله تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنة، رغبوا في ذلك فقالوا: اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه، فأراهم الله إياه يوم احد، فلم يثبتوا إلا ما شاء الله منهم، فذلك قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت " الآية(2).

وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل: فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل.

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 199 ح 147.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 119 في تفسيره لقوله تعالى: " ولقد كنتم تمنون الموت " الآية. (*)

[242]

أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم: إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين، لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به.

وقيل: الفاء للسببية والهمزة للانكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته(1).

وفي روضة الكافي: حنان عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلاثلاثة قلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي (رحمة الله وبركاته عليهم "(2)، ثم عرف اناس بعد يسير(3)، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا، وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع، وذلك قول الله (عزوجل): " ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرالله شيئا وسيجزي الله الشاكرين "(4).

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 184 في تفسيره لقوله تعالى: " أفإن مات أو قتل " الآية.

(2) قال الشيخ القرطبي في شرح مسلم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله أمرني أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم علي وأبوذر والمقداد وسلمان (شرح الروضة للعلامة المازندراني: ج 12 ص 322).

(3) قوله: (ثم عرف اناس بعد يسير) يسير بالجز على الاضافة، أي بعد زمان قليل، أو بالرفع صفة لاناس، ولفظة (بعد) على الاول للتقييد وعلى الثاني للتأكيد، وقال: (هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا) أي رحا الاسلام، شبههم بقطب الرحا في توقف نظام الاسلام وجريانه عليهم، (وذلك قول الله عزوجل) ذلك إشارة إلى ارتداد الامة وبقاء قليل على الاسلام، وهم المقرون بنعمة الله التي هي الولاية الشاكرون عليها (شرح روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 322 في شرحه لحديث 341).

(4) الكافي: ج 8 ص 245 ح 341. (*)

[243]

ابن أبي العلاء الخفاف، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لما انهزم الناس يوم احد(1) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انصرف إلهيم بوجهه وهو يقول: أنا محمد أنا رسول الله لم اقتل، ولم أمت، فالتفت إليه فلان وفلان فقالا: الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا، وبقي معه علي وسماك بن خرشة أبودجانة(2) فدعاه النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ياأبا دجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك، فأما علي فهو أنا وأنا هو، فتحول وجلس بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكى، وقال: لاوالله ورفع رأسه إلى السماء وقال: لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك(3) فإلى من انصرف يا رسول الله إلى زوجة تموت، أو

___________________________________

(1) احد: بضم أوله وثانيه معا: اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة احد، وهو مرتجل لهذا الجبل، وهو جبل أحمر، ليس بذي شناخيب، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها، وعنده كانت الوقعة الفظيعة التي قتل فيها حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسبعون من المسلمين، وكسرت رباعية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشج وجهه الشريف وكلمت شفته، وكان يوم بلاء وتمحيص، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو في سنة ثلاث.

وفي الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: احد جبل يحبنا ونحبه، وهو على باب من أبواب الجنة، وعبر جبل يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار (معجم البلدان: ج 1 ص 144 لغة احد).

(2) باب سماك: بالسين المهملة المكسورة، والميم المخففة المفتوحة، والالف والكاف كما عن تقريب ابن حجر: سماك بن خرشة: أبودجانة الانصاري الخزرجي الساعدي، عده ابن عبدالبرو ابن مندة وأبو نعيم من الصحابة، وقالوا: إنه مشهور بكنيته، يعني أبا دجانة، شهد بدرا واحدا وجميع المشاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعطاه رسول الله سيفه يوم احد وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) من يأخذ هذ السيف بحقه فأحجم القوم، فقال أبودجانة: أنا آخذه بحقه، فدفعه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ففلق به هام المشركين، وكان من الشجعان المشهورين بالشجاعة، وكانت له عصابة حمراء يعرف بها في الحرب، والاكثر على أنه قتل يوم اليمامة بعد ما أبلى فيهابلاء وعظيما، وقيل: بل عاش حتى شهد صفين مع أميرالمؤمنين (عليه السلام) (تلخيصا من تنقيح المقال: ج 2 ص 68 تحت رقم 5274).

(3) إني بايعتك: بايعت مفاعلة من البيع، وكانوا إذا بايعوا أحد قبضوا على يده اليمنى توكيدا للامر، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فجاء‌ت المفاعلة في بايعت من ذلك. وأما البيعة فهي عرفا معاهدته على تسليم النظر في كل الامور إليه على وجه لا ينازع ولا ينصرف عنه ولو قتل: (شرح روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 425).

[244]

ولد يموت، أو دار تخرب، أو مال يفنى، وأجل قد اقترب، فرق له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة، وهو في وجه وعلي (عليه السلام) في وجه، فلما سقط احتمله علي (عليه السلام) فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أو فيت ببيعتي؟ قال: نعم، وقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خيرا، وكان الناس يحملون على النبي (صلى الله عليه وآله) الميمنة فيكشفهم علي (عليه السلام) فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فطرحه بين يديه فقال: هذا سيفي تقطع، فيومئذ أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذوالفقار، ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) اختلاج ساقيه(1) من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي، وقال: يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك، فأقبل على (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله: أسمع دويا شديدا، وأسمع (اقدم حيزوم)(2) وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه؟ فقال: هذا جبرئيل (عليه السلام) وميكائيل وإسرافيل في الملائكة.

ثم جاء‌ه جبرئيل (عليه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمد إن هذه لهي المواساة(3)، فقال (صلى الله عليه وآله

___________________________________

(1) خلج الشئ خلجا وخلوجا وخلجانا، تحرك واضطرب (المعجم الوسيط: ج 1 ص 248 لغة خلج).

(2) وأسمع: أقدم حيزوم: في حديث بدر (أقدم حيزوم) جاء في التفسير: إنه اسم فرس جبرئيل (عليه السلام)، أراد أقدم يا حيزوم، فحذف حرف النداء والياء فيه زائدة (النهاية لا بن الاثير: ج 1 ص 467 (باب الحاء مع الياء).

(3) (لهي المواساء) في النهاية: المواساة، المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق، وأصلها الهمز فقلبت واوا تخفيفا. ولعل المراد بها هنا، مواساته بنفسه وماله، من قولهم: واساه بماله مواساة، أنا له منه (شرح روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 427).

[245]

وسلم): إن عليا مني وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما(1)، ثم انهزم الناس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم(2)، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل(3) فإنهم يريدون مكة، وإن رأيتهم قدر كبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة.

فأتاهم علي (عليه السلام) فكانوا على القلاص، فقال أبوسفيان لعلي (عليه السلام): ما تريد؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة، فانصرف إلى صاحبك.

فاتبعهم جبرئيل (عليه السلام)، فكلما سمعوا وقع حافر فرسه، جدوا في السير، وكان يتلوهم، فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمد (صلى الله عليه وآله) قد أقبل.

فدخل أبوسفيان مكة فأخبرهم الخبر، فجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة، فقالوا: رأينا عسكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كلما رحل أبوسفيان نزلوا، يقدمهم فارس على فرس أشقر(4) يطلب آثارهم، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان

___________________________________

(1) (وأنا منكما): قال في الفائق: يقال: هو مني، أي هو بعضي.

والغرض الدلالة على شدة الاتصال وتمازج الاهواء واتحاد المذاهب، ومثله قوله تعالى: " فمن تبعني فإنه مني " وقال الصدوق في العلل: قول جبرئيل: (وأنا منكما) تمنى منه لان يكون منهما، فلو كان أفضل منهم لم يقل ذلك ولم يتمن أن ينحط عن درجته إلى أن يكون ممن دونه، وإنما قال: وأنا منكما ليصير من هو أفضل منه، فيزداد محلا إلى محله وفضلا إلى فضله نفس المصدر السابق.

(2) (حتى تعارضهم) أي حتى تأتيهم، من عارضه إذا أتاه معرضا من بعض الطريق، أو حتى تظهر لهم ويظهروا لك، من أعرض الشئ يعرض، إذا ظهر له، أو حتى تقابلهم من عارض إذا قاتله.

نفس المصدر السابق.

(3) (فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل) في القاموس: القلوص من الابل الشابة، أوالباقية على السير، أو أول ما يركب من إناثها إلى أن تثنى ثم هي ناقة، والناقة الطويلة القوائم، خاص بالاناث، والجمع قلاص وقلص وجمع الجمع قلاص.

والجنيبة فرس تقاد إلى جنب الراكب أو قدامه، ليتحول إليها ويركبها إذا فتر مركوبه، يقال: جنبه جنبا محركة، ومجنبا، فاده إلى جنبه، فهو جنيب ومجنوب. نفس المصدر السابق.

(4) (يقدمهم فارس على فرس أشقر) الاشقر من الدواب، الاحمر في مغرة حمرة تحمر منه العرف والذنب، والمغر محركة والمغرة بالضم لون ليس بناصع الحمرة، أو شقرة بكدرة نفس المصدر السابق. (*)

[246]

يوبخونه.

ثم رحل النبي (صلى الله عليه وآله) والراية مع علي (عليه السلام) وهو بين يديه، فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي (عليه السلام) أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل، فقال صاحب الكلام الذي قال (الآن يسخر بنا وقد هزمنا) هذا علي والراية بيده، حتى هجم عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونساء الانصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال اليه يلوذون به ويثوبون إليه(1)، والنساء، نساء الانصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور، وجززن النواصي، وخرقن الجيوب، وخرمن البطون(2) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما رأينه قال لهن خيرا، وأمر هن أن يستترن ويدخلن منازلهن، وقال: إن الله (عزوجل) وعدني أن يظهر دينه على الاديان كلها، وأنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله) " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا "(3).

وفي روضة الكافي: خطبة مسندة إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام).

وهي خطبة الوسيلة يقول فيها (عليه السلام): حتى إذا دعا الله عزوجل: نبيه ورفعه إليه(4)، لم يك ذلك(5).

___________________________________

(1) ويثوبون إليه) في أكثر النسخ بالثاء المثلثة، أي يرجعون، وفي بعضها بالتاء المثناة أي يتوبون ويعتذرون من الهزيمة وترك القتال.

(2) (وحر من البطون) في أكثر النسخ بالحاء والزاي المعجمة، أي كن شددن بطونهن لئلا تبدوا عوراتهن لشق الجيوب، من قولهم حرمت الشئ أي شددته.

وفي بعضها حرص بالحاء والصاد المهملتين أي شققن وخرقن، يقال: حرص القصار الثوب أي خرقه بالدق، وفي بعضها بالحاء والضاد المعجمة على وزن التفعيل، يقال: احرضه المرض إذا أفسد بدنه وأشفا على الهلاك (مرآت العقول في بيان ما جرى في غزوة احد) ص 404.

(3) الكافي: ج 8 ص 318 ح 502.

(4) (حتى إذا دعا الله نبيه (صلى الله عليه وآله) أي إلى رحمته ورضوانه).

(5) (لم يك ذلك) أي المذكور من أحوالهم الدالة على استقامتهم ظاهر نفس المصدر السابق (شرح روضة الكافي العلامة المازندراني: ج 11 ص 261). (*)

[247]

بعده إلا كلمحة من خفقة(1)، أو وميض من برقة(2)، إلى أن رجعوا على الاعقاب(3)، وانتكصوا على الادبار(4)، وطلبوا بالاوتار(5)، وأظهروا الكتائب(6)، وردموا الباب(7)، وفلوا الديار(8)، وغيروا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بمستخلفه بديلا، اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا(9) من آل أبي قحافة أولى

___________________________________

(1) (إلا كلمحة من حفقة) الخفقة تحريك الناعس رأسه، والتاء للوحدة، والتنكير للتقليل، واللمحة زمان رؤية واحدة وكثيرا ما يعبر بها عن الزمان القليل جدا، ولذلك فسرها بمقدار زمان النعاس القليل، أو زمان اختلاس النظر منه. وهذا من أحسن العبارات في إفادة قلة الزمان، مع إشارة لطيفة إلى دخولهم حينئذ في غفلة النعاس نفس المصدر السابق.

(2) (أو وميض من برقة) أي لمعانها، يقال: ومض البرق بمضي ومضا وميضا وومضانا، إذا لمع خفيفا، ولم يعترض في نواحي الغيم.

وهذه أيضا من أحسن البيان لافادة قلة الزمان، مع إشارة خفيفة إلى اضطرابهم نفس المصدر السابق.

(3) (إلى أن رجعوا على الاعقاب) الرجوع إلى الاعقاب كناية عن الرجوع عما كانوا عليه ظاهرا من الانقياد للشريعة وأمر الله تعالى ورسوله ووصية بأهل بيته.

وقد صح من طرق العامة والخاصة أنهم لم يشتغلوا، بعد رجوعه (صلى الله وآله وسلم) إلى الحق، بدفنه واشتغلوا بنصب الخليفة، وعللوا ذلك بأنه لا يجوز بقاء الامة بعده بلا إمام طرفة عين، ولم يعلموا لجهلهم، أنه يلزمهم ذلك لبقاء الامة عندهم بلا إمام أكثر، وأنه يلزم أن يكونوا أعلم منه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لم يعلم أنه لا يجوز ذلك، ومضى بلا نصب إمام نفس المصدر السابق.

(4) (وانتكصوا على الادبار) النكوص الرجوع إلى وراء، هو القهقري، وبذلك قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخير وصلاح أهلها، وأقبل منها ما كان مدبرا من الشرور التي أدبرت فيه وظهور الاسلام نفس المصدر السابق.

(5) (وطلبوا بالاوتار) كأنه إشارة إلى سبب انحرافهم عنه (عليه السلام)، وهو أنه جنى من كل قوم من العرب جنايات، وقتل منهم جماعة في الحرب، ذلك سببا لميلهم عنه نفس المصدر السابق.

(6) (وأظهروا الكتائب) جمع الكتيبة، وهي القطعة العظيمة من الجيش نفس المصدر السابق.

(7) (وردموا الباب) سدوه، وأراد به ذاته المقدسة، لانه باب الله، وباب الشريعة، وباب مدينة العلم، والمراد بسده منع الناس من الرجوع إليه نفس المصدر السابق.

(8) (وفلوا الديار) أي كسروا دار الاسلام والشريعة وغلبوا على أهلها قهرا وعنوة.

(9) (وزعموا أن من اختاروا) اعلم أن الاحايث المشتركة بين العامة والخاصة، وصريح كلام علمائهم المشهورين، دلت على أنهم غصبوا الخلافة منه (عليه السلام) وظلموه، قال ابوعبدالله الابي في شرح مسلم: ونقل عن بعض أصحابه أيضا: أنه لم يكن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد يماثله أو يدانيه ويقاربه في صفات كماله، وأنه كان في كل واحدة من صفات الكمال فائقا على جميع الامة، وأنه كان أولى باستحقاق الخلافة والامامة من الجميع، إلا أنه أجمعت الصحابة على أبي بكر، مع أنه ذكر في الشرح المذكور: أن كثيرا من الصحابة لم يبايعوا صاحبهم، وعدهم بأسمائهم.

[248]

بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن اختاره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمقامه، وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجر الانصاري الرباني، ناموس هاشم بن عبدمناف(1)(2).

علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وقال: لاعداء الله أولياء الشيطان، أهل التكذيب والانكار " قل ما أسألكم عليه من أجروما أنا من المتكلفين "(3)(4) يقول: متكلفا أن أسألكم مالستم بأهله، فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: أما يكفي محمدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا، فقالوا: ما أنزل الله هذا، وما هو إلا شئ يتقوله، يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا، ولئن قتل محمد أو مات لننز عنها من أهل بيته، ثم لا نعيدها فيهم أبدا(5).

___________________________________

(1) (وأن مهاجر آل أبي قحافة إلى قوله: ناموس هاشم بن عبد مناف) المراد به ذاته المقدسة، الناموس صاحب سر الملك، والحاذق، وقيل: صاحب سرالخير. وفيه إشارة إلى مفاخر هاشم، وقد كان في حسن الظاهر والباطن والكرم والاخلاق والعلم والعفاف مشهورا في العرب نفس المصدر السابق .

(2) الكافي: ج 8 ص 29، خطبة لاميرالمؤمنين (عليه السلام)، وهي خطبة الوسيلة.

(3) ص: 86.

(4) (قل ما أسألكم عليه من أجر) مطلقا حتى أجر المودة، لعدم قبولكم إياه.

وهذا من باب نفي الشئ لانتفاء ثمرته (وما أنا من المتكلفين) الذين يتصنعون وينتحلون ماليس لهم، (يقول: ما أنا متكلفا أن أسألكم مالستم بأهله) من أجر المودة، وإذا لم يكونوا من أهله، لم يكن (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل سؤاله عنهم، لانتفاء فائدته (فقالوا: وما هو إلا شئ يتقوله) في القاموس: تقول قولا: ابتدعه كذبا (من شرح روضة الكافي للعلامة المازندراني: ج 12 ص 521 ح 574).

(5) الكافي: ج 8 ص 379 قطعة من ح 574. (*)

[249]

واعلم أن فلانا وفلانا من أهل الانقلاب على الاعقاب بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - لما رواه محمد بن يعقوب (رحمه الله)، عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عنهما؟ فقال: يا أبا الفضل لا تسألني عنهما، فوالله ما مات منا ميت إلا ساخط عليهما، وما منا اليوم إلا ساخط عليهما يوصي بذلك الكبير منا الصغير، لانهما ظلمانا حقنا وضيعانا فيئنا، وكانا أول من ركب أعناقنا(1)، وفتقا علينا فتقا في الاسلام لا يسد أبدا حتى يفوم قائمنا ثم قال: أما والله لوقد قام قائمنا أو يتكلم(2) متكلمنا، لابديا من امورهما ما كان يكتم(3)، ولكتما من امورهما(4) ما كان يظهر، والله ما أمست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما سببا أولها، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(5).

وفي تفسير العياشي: عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل عمن قتل، أمات؟ قال: لا، الموت موت والقتل قتل، قيل: ما أحد يقتل إلا وقد مات، فقال: قول الله أصدق من قولك، فرق بينهما في القرآن، قال: " أفإن مات أو قتل " وقال " لئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون "(6) وليس كما قلت: الموت والقتل قتل، قيل: فإن الله يقول: " كل نفس ذائقة الموت "(7) قال: من قتل لم يذق الموت، ثم قال: لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت(8).

___________________________________

(1) كناية عن التسلط والغلبة عليهم، وإيصال المكروه والشدة إليهم: مرآة العقول، شرح روضة الكافي: ص 329 ح 340.

(2) قوله: (أو يتكلم) لعل كلمة (أو) بمعنى الواو كما يدل عليه ذكره ثانيا بالواو. ويحتمل أن يكون الترديد من الراوي. أو يكون المراد بالقائم، الامام الثاني عشر (عليه السلام) كما هو المتبادر، وبالمتكلم من تصدى لذلك قبله (عليه السلام) منهم (عليهم السلام) نفس المصدر السابق .

(3) قوله: (ما كان يكتم) على البناء للمفعول، أي من فسقهما وكفر هما وبدعهما نفس المصدر السابق.

(4) قوله: (ويكتم من امور هما) أي أظهر بطلان ما كان العامة من عدلهما وخلافتهما.

أو أن بعض المنافقين إذا اعتقدوا ذلك كمتوها ولم يظهروها، خوفا منه نفس المصدر السابق.

(5) الكافي: ج 8 ص 245 ح 340.

(6 و 7) آل عمران: 158 و 185 .

(8) لم نعثر على حديث مرسل عن أبي جعفر (عليه السلام) بهذه الالفاظ في تفسير العياشي المطبوع، والاحاديث المنقولة فيه عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) بتفاوت في العبارات، لا حظ

تفسير العياشي: ج 1 ص 202 ح 161 وص 210 ح 170.

[250]

وعن زرارة قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجعة، واستخفيت ذلك، قلت: لاسألن مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي فقلت: أخبرني عمن قتل، أمات؟ قال: لا، الموت موت والقتل قتل، قلت: ما أحد يقتل إلا وقد مات، فقال: قول الله أصدق من قولك، فرق بينهما في القرآن، فقال: " أفان مات أو قتل " وقال: " ولئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون " وليس كما قلت يا زرارة: الموت موت والقتل قتل، قلت: فإن الله يقول: " كل نفس ذائقة الموت " قال: من قتل لم يذق الموت، قال: لابد من أن يرجع حتى يذوق الموت(1).

ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرالله شيئا: من الضرر يسيرا بارتداده، بل يضر نفسه.

وسيجزى الله الشكرين: كأميرالمؤمنين (عليه السلام)، ومن يحذو حذوه، شكروا الله على نعمة الاسلام وتثبتوا عليها.

في كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): بإسناده إلى الامام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث طويل، وفيه خطبة الغدير.

وفيها: معاشر الناس انذركم إني رسول الله إليكم قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزى الله الشاكرين، ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من صلبه(2).

وفيه: بإسناده قال علي (عليه السلام) في خطبة له: إن الله ذا الجلال والاكرام لما خلق الخلق واختار خيرة من خلقه، واصطفى صفوة من عباده وأرسل رسولا منهم، وأنزل عليه كتابه وشرع له دينه وفرض فرائضه، فكانت الجملة قول الله (جل

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 202 ح 160.

(2) الاحتجاج: ج 1 ص 62 س 3، احتجاج النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الايام بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن بعده من ولده من الائمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين). (*)

[251]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21339362

  • التاريخ : 29/03/2024 - 15:25

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net