00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (30 - 41) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 30 - 41

[ ومن يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا(30) إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما(31) ]

المغارات، فيتمكن منهم عدوهم فيقتلهم كيف شاء، فناهم الله تعالى أن يدخلوا عليهم في المغارات(1).

قيل: جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث أنه سبب قوامها استبقاء لهم ريثما يستكمل النفوس ويستوفي فضائلها رأفة بهم ورحمة، كما أشار إليه بقوله: إن الله كان بكم رحيما: أي أمر ما أمر ونهى عما نهى لفرط رحمته عليكم(2).

معناه: أنه كان بكم يا امة محمد رحيما، لما أمر بني إسرائيل بقتل الانفس ونهاكم عنه.

وفي تفسير العياشي: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الجبائر تكون على الكسير، كيف يتوضأ صاحبها؟ وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: يجزيه المسح بالماء عليها في الجناية والوضوء قلت: وإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟ فقرا؟ فقرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما "(3).

ومن يفعل ذلك: إشارة إلى ما سبق من المنهيات.

___________________________________

(1 و 3) تفسير العياشي: ج 1 ص 237 و 236 قطعة من ح 103 و 102.

(2) مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 216، لا حظ تفسيره لآية 29 من سورة النساء. (*)

[430]

عدونا وظلما: إفراطا في التجاوز عن الحد وإتيانا بما لا يستحقه.

وقيل: أراد بالعدوان التعدي، وبالظلم ظلم النفس بتعريضها للعقاب.

فسوف نصليبه نارا: ندخله إياها.

وقرئ بالتشديد، من صلى، وبفتح النون من صلاه يصليه، ومنه شاة مصلية.

ويصليه بالياء، والضمير لله، أو ل‍ " ذلك " من حيث أنه سبب الصلي.

وكان ذلك على الله يسيرا: لا عسر فيه ولا صارف.

إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه: أي كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها. وقرأ كثير على إرادة الجنس.

نكفر عنكم سيئاتكم: نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم.

وندخلكم مدخلا كريما: الجنة وما وعدتم من الثواب. أو إدخالا مع كرامة.

وقرأ نافع هنا وفي الحج بفتح الميم، وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر.

وفي تفسير العياشي: عن ميسر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كنت أنا وعلقمة الحضرمي وابوحسان العجلي وعبدالله بن عجلان ننتظر أبا جعفر (عليه السلام) فخرج علينا، فقال: مرحبا وأهلا، والله لاحب ريحكم وأرواحكم وإنكم لعلى دين الله.

فقال علقمة: فمن كان على دين الله فتشهد أنه من أهل الجنة؟ قال: فمكث هنيئة، قال ونوروا أنفسكم، فإن لم تكونوا اقترفتم الكبائر، فأنا أشهد، قلنا: وما الكبائر؟ قال: هي في كتاب الله على سبع، قلنا: فعدها علينا جعلنا فداك؟ قال: الشرك بالله العظيم، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا بعد البينة، وعقوق الوالدين والفرار من الزحف، وقتل المؤمن، وقذف المحصنة، قال: مامنا أحد أصاب من هذا شيئا، قال: فأنتم إذا في الجنة(1).

وفي كتاب ثواب الاعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني سعد بن عبدالله، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عمر

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 237 ح 104. (*)

[431]

الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عزوجل): " إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم "؟ قال: من اجتنب ما أوعد الله عليه النار إذا كان مؤمنا كفر الله عنه سيئاته ويدخله مدخلا كريما.

والكبائر السبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف(1).

وبإسناده إلى محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية قال: من اجتنب ما أو عد الله عليه النار، إذا كان مؤمنا كفر عنه سيئاته(2).

وفي كتاب التوحيد: حدثنا أحمد بن زياد بن حفص الهمداني (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير قال: سمعت موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك.

ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر(3).

وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله اللله (عزوجل): " ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما " قال: الكبائر التي أوجب الله (عزوجل) عليها النار(4).

وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): ومباين بين محارمه من كبير أو عد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه(5).

وفي روضة الكافي: علي بن محمد، عن علي بن عباس، عن الحسن بن

___________________________________

(1) ثواب الاعمال: ص 129 (ثواب من اجتنب الكبائر).

(2) ثواب الاعمال: ص 130 (ثواب من اجتنب الكبائر).

(3) كتاب التوحيد: ص 407 باب 63 الامر والنهي والوعد والوعيد قطعة من ح 6.

(4) الكافي: ج 2 ص 276 كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 1.

(5) نهج البلاغة: ص 45 القرآن والاحكام الشرعية، س 3. (*)

[432]

عبدالرحمان، عن منصور، عن حريز، عن عبدالله، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: أما والله يا فضيل مالله (عزوجل) حاج غيركم ولا يغفر الذنوب إلا لكم، ولا يقبل إلا منكم، وإنكم لاهل هذه الآية: " ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ".

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(1).

وفي من لا يحضره الفقيه: وقال الصادق (عليه السلام): من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه، وفي ذلك قول الله (عزوجل): " أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما "(2).

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله زرارة عن الكبائر؟ فقال.

هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: قلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر، أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قال: قلت فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال: أي شئ أول ما قلت لك؟ قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر، يعني من غير علة(3)(4).

وفي معاني الاخبار: عن الصادق (عليه السلام) التعرب بعد الهجرة، التارك لهذا الامر بعد معرفته(5).

___________________________________

(1) الكافي: ج 8 ص 288، فضل الشيعة، ح 434 س 16.

(2) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 376 باب 179 معرفة الكبائر ح 37.

(3) قوله: " فإن تارك الصلاة كافر، يعني من غير علة) تاركها من غير علة مستخفا بها كافر جاحد، وغير مستخف بها كافر مخالف لاعظم الاوامر. وإطلاق الكفر على مخالفة الاوامر والنواهي شائع كما سيجئ.

والظاهر أن (يعني) كلام المصنف (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 249).

(4) الكافي: ج 2 ص 278 كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 8.

(5) معاني الاخبار: ص 265 باب معنى التعرب بعد الهجرة. ح 1. (*)

[433]

وفي بعض الاخبار عدة أشياء اخر غير ماذكر من الكبائر: كالاشراك بالله، واليأس من روح الله، والامن من مكرالله، والسحر، والزنا، واليمين الغموس الفاجرة، والغلول، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة وشرب الخمر، وترك الصلاة والزكاة المفروضتين، ونقض العهد، وقطيعة الرحم، واللواط، والسرقة، إلى غير ذلك(1).

وعن ابن عباس: ان الكبائر إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع(2).

وفي مجمع البيان: نسب إلى أصحابنا أن المعاصي كلها كبيرة، لكن بعضها أكبر من بعض، وليس في الذنوب صغيرة، وإنما يكون صغيرا بالاضافة إلى ما هو أكبر واستحقاق العقاب عليه أكثر(3).

قيل: وتوفيقه مع الآية أن يقال: من عن له أمران ودعت نفسه إليهما بحيث لا يتمالك، فكفها عن أكبرهما، كفر عنه ما ارتكبه، لما استحق من الثواب على اجتناب الاكبر.

كما اذا تيسر له النظر بشهوة والتقبيل فاكتفى بالنظر عن التقبيل.

ولعل هذا مما يتفاوت أيضا باعتبار الاشخاص والاحوال (فإن حسنات الابرار سيئات المقربين) ويؤاخذ المختار بما يعفى عن المضطرين.

ويرد على هذا التوفيق: إن من قدر على قتل أحد، فقطع أطرافه، كان قطع أطرافه مكفرا.

وما نسبه في مجمع البيان إلى أصحابنا لا مستند له.

وظاهر الآية والاخبار الواردة في تفسيرها وتفسير الكبائر يعطي تمايز كل من

___________________________________

(1) لا حظ الوسائل: ج 11 ص 252 كتاب الجهات، الجهاد، باب أبواب جهاد النفس وما يناسبه.

والكافي: ج 2 ص 278، كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر ح 4، والدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 148 في تفسيره لآية 31 من سورة النساء.

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 146 في تفسره لآية 31 من سورة النساء، وتمامه (غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار) وفيه (إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع) بدون الالف واللام.

(3) مجمع البيان: ج 3 ص 38 في نقله المعنى لآية 31 من سورة النساء ولفظه (وقيل: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة عن ابن عباس وإلى هذا ذهب أصحابنا: فإنهم قالوا: المعاصي كلها كبيرة من حيث كانت قبائح لكن بعضها. إلخ). (*)

[434]

[ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا واللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما(32) ] .

الصغائر والكبائر عن صاحبها.

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أكبر الكبائر سبع، الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل أموال اليتامى، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، وإنكار ما أنزل الله: فأما الشرك بالله (عزوجل) العظيم، فقد بلغكم ما أنزل الله فينا، وما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فردوا على الله وعلى رسوله.

وأما قتل النفس الحرام فقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وأصحابه (رحمهم الله).

وأما أكل أموال اليتامى، فقد ظلموا فينا وذهبوا به.

وأما عقوق الوالدين، فقد قال الله تعالى في كتابه: " النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجه امهاتهم " وهو أب لهم فعقوا في ذريته وفي قرابته.

وأما قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمة الزهراء بنت النبي وزوجة الولي (عليهم السلام) والتحية والاكرام على منابرهم.

وأما الفرار من الزحف فقد أعطوا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) البيعة طائعين غير كارهين، ثم فروا عنه وحذلوه. وأما إنكار ما أنزل إليه فقد أنكروا حقنا وجحدوا به.

هذا مالا يتعاجم فيه أحد إن الله تعالى يقول في كتابه: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما "(1).

ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض: من الامور الدنيوية كالجاه

___________________________________

(1) تفسير فرات بن إبراهيم: ص 33 مع تقديم وتأخير وزيادة ونقصان في بعض الكلمات مع المطبوع. (*)

[435]

والمال، لانه حسد يورث التعادي والتباغض.

في مجمع البيان: عن الصادق (عليه السلام): أي لا يقل أحد: ليت ما اعطى فلان من المال والنعمة والمرأة الحسناء، كان لي، فإن ذلك حسد، ولكن يجوز أن يقول: اللهم أعطني مثله(1).

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من تمنى شيئا وهو لله تعالى رضى لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه(2).

وفيما علم أميرالمؤمنين (عليه السلام) أصحابه: في كل امرئ واحد من الثلاث، الكبر، والطيرة، والتمني.

فإذا تطير أحد كم فليمض على طيرته وليذكر الله (عزوجل).

وإذا خشي الكبر فليأكل مع عبده وخادمه وليحلب الشاة.

وإذا تمنى فليسأل الله (عزوجل) وليبتهل إليه، ولا تنازعه نفسه إلى الاثم(3).

اللرجال نصيب مما اكتسبوا وللنسآء نصيب مما اكتسبن: بيان لذلك، أي لكل من الرجال والنساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله، فاطلبوا الفضل بالعمل، لا بالحسد والتمني.

وقيل: المراد نصيب الميراث وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه وجعل ما قسم لكل منهم على حسب ما عرف من حاله الموجب للزيادة والنقص كالمكتسب(4).

وسئلوا الله من فضله: أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا لله مثله من خزائنه التي لا تنفد(5).

قيل: أولا تتمنوا والسألوا الله من فضله بما يقربه ويسوقه إليهم(6).

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 3 ص 40 عند تفسيره لآية 32 من سورة النساء.

(2) الخصال: باب الواحد (خصلة بخصلة) ص 4 ح 7.

(3) الخصال: ص 624 علم أميرالمؤمنين (عليه السلام) أصحابه في مجلس واحد أربعه ائة باب مما يصلح للمسلم في دينه وديناه س 6.

(4 و 5 و 6) من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 217، لا حظ تفسيره لآية 32 من سورة النساء. (*)

[436]

وفي الحديث السالف مايرد هذا الاخير.

وفي اصول الكافي: حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح، عن معاذ، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من لم يسأل الله (عزوجل) من فضله افتقر(1).

أبوعلي الاشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان، عن ميسر(2) بن عبدالعزيز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال لي: يا ميسر ادع، ولا تقل الامر قد فرغ منه، إن عندالله (عزوجل) منزلة لا تنال إلا بمسألة، ولو أن عبدا سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئا، فسل تعط، يا ميسر ليس من باب يقرع ألا يوشك أن يفتح لصاحبه(3)(4).

وفي فروعه: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس من نفس إلا وقد فرض الله (عزوجل) لها رزقا حلالا يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئا من الحرام قاصها به من الحلال الذي فرض لها، وعندالله سواهما فضل كثير، وهو قوله (عزوجل): " واسألوا الله من فضله "(5).

وفي من لا يحضره الفقيه: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله (تبارك وتعالى) أحب شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض (عزوجل) المسألة، وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شئ أحب إليه من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن

___________________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 467 كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، ح 4.

(2) ميسر هذا بضم الميم الياء المثناة التحتانية وكسر العين المهملة، وربما يضبط بفتح الميم.

(3) لما أبي الله سبحانه أن يجري الاشياء إلا بالاسباب، ومن جملة الاسباب لبعض الامور الدعاء، فمن لم يدع لم يعط ذلك الشئ، وهذا معنى قوله (عليه السلام): إن عندالله منزلة إلى قوله: لم يعط شيئا (الوافي: ص 220 باب فضل الدعاء والحث عليه).

(4) الكافي: ج 2 ص 467 كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء، ح 3.

(5) الكافي: ج 5 ص 80 كتاب المعيشة باب الاجمال في الطلب، ح 2. (*)

[437]

يسأل الله (عزوجل) من فضله، ولو شسع نعل(1).

وفي تفسير العياشي: عن إسماعيل بن كثير رفع الحديث إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لما نزلت هذه الآية: " واسألوا الله من فضله " قال أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله وسلم): ما هذا الفضل؟ أبكم يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك؟ قال: فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): أنا أسأله عنه، فسأله عن ذلك الفضل ماهو؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله خلق خلقه وقسم لهم أرزاقهم من حلها، وعرض لهم بالحرام، فمن انتهك حراما نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام وحوسب به(2).

عن أبي الهذيل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن الله قسم الارزاق بين عباده، وأفضل فضلا كيرا لم يقسمه بين أحد، قال الله: " واسألوا الله من فضله "(3).

عن الحسين بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك أنهم يقولون: إن النوم بعد الفجر مكروه، لان الارزاق تقسم في ذلك الوقت، فقال: الارزاق مضمونة مقسومة، والله فضل يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وذلك قوله: " واسألوا الله من فضله " ثم قال: وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الارض(4).

إن الله كان بكل شئ عليما: فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان، فيفضل.

أو هو يعلم ما يسأله أحد من فضله، فيفضل.

ونقل في سبب نزول هذه الآية: إن ام سلمة قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغزوا الرجال ولا نغزوا، وإنما لنا نصف الميراث، ليتنا كنا رجالا، فنزلت(5).

___________________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 40 باب 19 فضل الصدقة ح 28.

(2 و 3) تفسير العياشي: ج 1 ص 239 ح 116 و 117.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 240 ح 119.

(5) رواه في مجمع البيان: ج 3 ص 40 في سبب نزول الآية. ورواه في التبيان ط بيروت ج 3 ص 184 في سبب نزول الآية. ورواه في الدر المنثور ط بيروت: ج 2 ص 507 في تفسيره للآية. (*)

[438]

[ ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالد والاقربون والذين عقدت أيمانكم فئا توهم نصيبهم إن الله كان على كل شئ شهيدا(33) ]

ولكل جعلنا موالى مما ترك الولدان والاقربون: أي لكل تركة جعلنا وارثا يلونها ويحرزونها.

و " مما ترك " بيان " لكل " مع الفصل بالعامل.

أو لكل ميت جعلنا وارثا مما ترك، على أن " من " صلة " موالي " لانه في معنى الوارث، وفي " ترك " ضمير " كل " و " الوالدان "، " والاقربون " مفسر لل‍ " موالي " وفيه خروج الاولاد، فإن الاقربون لا يتناولهم، كما لايتناول الوالدين.

أو لكل قوم جعلناهم موالي حظ مما ترك الوالدان والاقربون، على أن " جعلنا موالي " صفة " كل " والراجع إليه محذوف، وعلى هذا فالجملة من مبتدأ وخبر(1).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب قال: أخبرني ابن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون " قال: إنه عنى بذلك اولي الارحام في المواريث، ولم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها(2).

والذين عقدت أيمنكم: موالي الموالاة.

قيل: كان الرجل يعاقد الرجل، فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وحربي

___________________________________

(1) من قوله: (ومما ترك بيان) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 217، لا حظ تفسيره لآية 33 من سورة النساء.

(2) الكافي: ج 7 ص 76 كتاب المواريث، باب بلا عنوان، ح 2. (*)

[439]

حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتعقل مني وعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف، فنسخ بقوله: " واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض "(1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم أيضا: أنها منسوخة بقوله: " واولوا الارحام "(2).

وفي مجمع البيان: عن مجاهد: أن معناه فاعطوهم نصيبهم من النصر والعقل، والرفد ولا ميراث(3).

فعلى هذا تكون الآية غير منسوخة.

ويؤيده قوله تعالى: " أوفوا بالعقود "(4).

وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته يوم فتح مكة: ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، فإنه لم يزده الاسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الاسلام(5).

وروى عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه(6).

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته(7)، يعني دية (جناية خطأ)(8).

___________________________________

(1) لا حظ جامع البيان في تفسير القرآن لابي جرير الطبري: ج 5 ص 33 في تفسيره لآية 33 من سورة النساء. وتفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 510 في تفسيره للآية الشريفة.

ومجمع البيان: ج 3 ص 42 في تفسيره للآية الشريفة.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 137 ولفظه (وكان المواريث في الجاهلية على الاخوة لا على الرحم، وكانوا يورثون الحليف والموالي الذين أعتقوهم، ثم نزل بعد ذلك وأولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله " نخست هذه).

(3 و 4 و 5 و 6) مجمع البيان: ج 3 ص 41.

(7) الكافي: ج 7 ص 171، كتاب المواريث، باب ولاء السائيح؟ 3.

(8) في النسخة - أ -: جناية خطئه والصحيح ما أثبتناه من المصدر. (*)

[440]

وقيل: المراد الازواج على أن العقد عقد النكاح(1).

وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله (عزوجل): " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم "(2) قال: إنما عنى بذلك الائمة (عليهم السلام)، بهم عقد الله (عزوجل) أيمانكم(3).

وتوجيه هذا التأويل أن قوله (عزوجل): " ولكل جعلنا موالي " ولكل امة من الامم جعلنا موالي أولياء أنبياء وأوصياء، لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ألست أولى بكم من أنفسكم)؟ قالوا: بلى، فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وقوله: " مما ترك الوالدان " من العلوم والشريعة.

والوالدان، هم النبي والوصي (صلى الله عليهما) لقوله (صلى الله عليه وآله): يا علي أنا وأنت أبوا هذه الامة)، وقوله: " والاقربون " أي إليهما في النسب والعلوم والعصمة، وقوله: " والذين عقدت أيمانكم " وهن الائمة، أي والذين عقدت ولايتهم أيمانكم، وهو إيمان الدين، لا إيمان جمع يمين، ليصح التأويل، وقوله: " واتوهم نصيبهم " المفروض لهم من الولاية والطاعة.

___________________________________

(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 217 في تفسيره لآية 33 من سورة النساء، قال في بيان معنى الآية (أو الازواج على أن العقد عقد النكاح).

(2) قوله: " ولكل جعلنا موالي " يعني ولكل ميت جعلنا موالي، أي وراثا يرثونه مما تركه، فقوله: (من) صلة للموالي باعتبار أنهم الوارثون وفاعل (ترك) ضمير يعود إلى (كل)، وقوله: " الوالدان والاقربون " وما عطف عليهما وهو قوله: " والذين عقدت ايمانكم " استئناف مفسر للموالي والاقربون، يتناول الاولاد، كما أن الوالدين يتناول الاجداد والجدات أيضا، وقوله: (إنما عنى بذلك) أي بقوله: " والذين عقد ايمانكم " الائمة (عليهم السلام)، بهم عقد الله تعالى أيمانكم، يعني بيعتكم وعهدكم في الميثاق، وصريح في أن الامام وارث لمن مات من هذه الامة، إلا أنه وارث من لا وارث له.

هذا الذي ذكره (عليه السلام) أولى مما قيل، من أن المراد بذلك ضامن الجريرة، أو الازواج على أن المراد بالعقد عقد النكاح، لانه أعلم بالكتاب وها هوالمراد منه، والحديث صحيح (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 5 ص 335).

(3) الكافي: ج 1 ص 216 كتاب الحجة، باب أن القرآن يهدى للامام، ح 1. (*)

[441]

[ الرجال قومون على النسآء بما فضل الله بعضهم على بعض وبمآ أنفقوا من أمولهم فالصلحت قنتت حفظت للغيب بما حقظ الله والتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرو هن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا(34) ]

وعلى كل تقدير، وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط خبره.

فئاتوهم نصيبهم: أو منصوب بمضمر بفسره ما بعده كقولك: زيدا فاضربه، أو معطوف على " الوالدان " وقوله: " فاتوهم " جملة مسببية عن الجملة المتقدمة مؤكدة لها والضمير للموالي وقرأ الكوفيون " عقدت " بالتشديد والتخفيف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم فحذف العهود واقيم الضمير المضاف إليه مقامه ثم حذف كما حذف في القراء‌ة الاخرى.

إن الله كان على كل شئ شهيدا: تهديد على منع نصيبهم.

الرجال قومون على النساء: يقومون عليهم قيام الولاة على الرعية.

وعلل ذلك بأمرين، موهبي وكسبي، فقال: بما فضل الله بعضهم على بعض: بسبب تفضيله الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوة في الاعمال والطاعات.

ولذلك خصوا بالنبوة والامامة وإقامة الشعائر والشهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة وزيادة سهمهم في الميراث.

وبمآ أنفقوا من أمولهم: في نكاحهن كالمهر والنفقة.

وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، عن عمه، عن أحمد

[442]

ابن أبي عبدالله، عن أبي الحسن البرقي، عن عبدالله بن جبلة، عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبدالله، عن آبائه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله أن قال: ما فضل الرجال على النساء؟ " بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " وقال اليهودي: لاي شئ كان هكذا؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خلق الله (عزوجل) آدم من طين ومن فضلته وبقيته خلقت حواء وأول من أطاع النساء آدم فأنزله الله (عزوجل) من الجنة، وقد بين فضل الرجال على النساء في الدنيا، ألا ترى إلى النساء كيف يحضن ولا يمكنهن العبادة من القذارة، والرجال لا يصيبهم شئ من الطمث، فقال اليهودي: صدقت يا محمد(1).

قال البيضاوي: روي أن سعد بن الربيع أحد نقباء الانصار نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، فلطمها، فانطلق بها أبوها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فشكى، فقال (عليه السلام): لتقص منه، فنزلت، فقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير(2).

ويدل على كذب ما نقله: ما تواتر من أخبارنا على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يقدم على أمر لم يوح إليه، وفي هذا الخبر، أنه حكم برأيه ثم نزلت الآية على خلاف رأيه، وهو خلاف ما يجب أن يكون عليه (عليه السلام).

فالصلحت قنتت: مطيعات لله، قائمات بحقوق الازواج.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " قانتات " يقول: مطيعات(3).

___________________________________

(1) علل الشرائع: ج 2 ص 198 باب 286 العلة التي من أجلها فضل الرجال على النساء، ح 1.

(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء، ونقله في مجمع البيان أيضا لا حظ: ج 3 ص 43.

(3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 137 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء. (*)

[443]

حفظات للغيب: أي لمواجب الغيب، أي يحفظن في غيبة الازواج ما يجب حفظه في النفس والمال.

وقيل: لاسرارهم(1).

وفي تهذيب الاحكام: محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبدالله بن الميمون القداح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها. وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله(2).

بما حفظ الله: حفظ الله إيا هن، بالامر على حفظ الغيب والحث عليه بالوعد والوعيد، والتوفيق له، أو بالذي حفظ الله لهن عليهم من المهر والنفقة، والقيام بحفظهن، والذب عنهن.

وقرئ بالنصب على أن " ما " موصولة، فإنها لو كانت مصدرية لم يكن ل‍ " حفظ " فاعل(3).

والمعنى: بالامر الذي حفظ حق الله، أو طاعته، وهو التعفف والشفقة على الرجال.

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

(2) التهذيب: ج 7 ص 240 كتاب النكاح باب 22 السنة في النكاح ح 4.

(3) (ما) فيها وجهان. أحدهما: أن تكون مصدرية، وتقديره، بحفظ الله لهن.

والثاني: أن تكون بمعنى الذي أي، الشئ الذي حفظه الله.

وقرئ: (بما حفظ الله) بالنصب، و (ما) على هذه القراء‌ة بمعنى الذي، وتقديره، بالشئ، الذي حفظ طاعة الله تعالى وفي (حفظ) ضمير مرفوع هو فاعل يعود إلى (الذي) ولا يجوز أن تكون مصدرية على تقدير بحفظهن الله، وإن كان صحيحا في المعنى إلا أنه فاسد من جهة الصناعة اللفظية، لان (ما) المصدرية حرف وإذا كانت حرفا لم يكن في حفظ ضمير عائد إليها، لانه لا حظ للحرف في عود الضمير، فيبقى (حفظ) بلا فاعل، والفعل لا تدله من فاعل وذلك محال، فوجب أن تكون بمعنى الذي على ما بينا. (البيان في غريب إعراب القرآن لا بن الانباري: ص 252). (*)

[444]

[ وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا(35) ]

والاتى تخافون نشوزهن: أي عصيانهن، وترفعن عن مطاوعتكم، من النشز، وهو الارتفاع في مكان. فعظوهن: بالقول.

واهجروهن في المضاجع: أي لم ينجع القول.

قيل: فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن، فيكون كناية عن الجماع(1).

وقيل: المضاجع المبايت، أي لا تبايتوهن(2).

وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام)، يحول ظهره إليها(3).

واضربوهن: إن لم تنفع الهجرة، ضربا غير شديد، لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.

وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) إنه الضرب بالسواك(4).

فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا: بالتوبيخ والايذاء.

إن الله كان عليا كبيرا: فاحذروه، فإنه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم.

أو إنه على علو شأنه يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم، فأنتم أحق بالعفو عن أزواجكم، أو إنه يتعالى ويكبر أن يظلم أحدا، أو ينقص حقه.

وإن خفتم شقاق بينهما: خلافا ونزاعا بين المرء وزوجه لا يرجى معه الاجتماع على رأي، كان كل واحد في شق، أي جانب. وأضمرهما وإن لم يسبق

___________________________________

(1 و 2) نقلهما البيضاوي: ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

(3 و 4) مجمع البيان: ج 3 ص 44 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء. (*)

[445]

ذكرهما، لسبق ما يدل عليهما.

وأضاف الشقاق إلى الظرف، إما لاجرائه مجرى المفعول به، كقوله: يا سارق الليلة(1).

أو الفاعل. كقولهم: نهارك صائم، مجازا عقليا في الاضافة.

فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها: قيل: الخطاب للحكام، وقيل: للازواج والزوجات.

وفي مجمع البيان: واختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو؟ فقيل: هو السلطان الذي يترافع الزوجان إليه، وهوالظاهر في الاخبار عن الصادق (عليه السلام)(2).

والبعث، قيل: لتبيين الامر، والاظهر أنه لاصلاح ذات لبين.

وكونه من أهلهما على سبيل الوجوب، فإن الاقارب أعرف ببواطن الاحوال.

إن يريدا إصلحا يوفق الله بينهمآ: أما الضمير الاول للحكمين، والثاني للزوجين، أي إن قصدا الاصلاح أو قع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزوجين، أو كلاهما للحكمين، أي إن قصدا الاصلاح يوفق الله بينهما، ليتفق كلمتها ويحصل مقصود هما. أو للزوجين، أي إن أراد الاصلاح وزوال الشقاق أو قع الله بينهما الالفة والوفاق.

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن هذه الآية: قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة ويشترطا عليهما، إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرقنا، فإن جمعا فجائز، وإن فرقا فجائز(3).

___________________________________

(1) وتمامه (أهل الدار - يا آخذا مالي ومال جارى) لم يسم قائله.

السارق فاعل من سرق منه الشئ أي جاء مستترا إلى حرز فأخذ ما لغيره، وأهل الدار منصوب على التحذير، أي احذر أهل الدار، والاخذ فاعل من الاخذ بمعنى التناول، والجار بالجيم والراء المهملة الذي يجاور بيتك (جامع الشواهد: ص 370 باب الياء بعده الالف).

(2) مجمع البيان: ج 3 ص 44 في تفسيره لآية 35 من سورة النساء.

(3) الكافي: ج 6 ص 146 كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 2. (*)

[446]

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن هذه الآية؟ أرأيت إن استأذن الحكمان، فقالا للرجل والمرأة، أليس قد جعلتما أمر كما إلينا في الاصلاح والتفريق، فقال الرجل والمرأة نعم، فأشهدا بذلك شهودا عليهما، أيجوز تفريقهما عليهما؟ قال: نعم، ولكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع من الرجل، قيل له: أرأيت إن قال أحد الحكمين: قد فرقت بينهما، وقال الآخر: لم افرق بينهما؟ فقال: لا يكون تفريق حتى يجتمعا جميعا على التفريق، فإذا اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما(1).

وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة قال: سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن قول الله (تبارك وتعالى): " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " فقال: يشترط الحكمان إن شاء افرقا، وإن شاء اجمعا ففرقا أو جمعا جاز(2).

حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن عبدالله بن جبلة، عن على بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله (عزوجل): " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " قال الحكمان يشترطان إن شاء‌ا فرقا وإن شاء‌ا جمعا فإن جمعا فجائز وإن فرقا فجائز(3).

وعن محمد بن يحيى، عن عبدالله بن جبلة وغيره، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله (عزوجل): " فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها " قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا(4).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: وأتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) رجل وامرأة على هذه الحال فبعث حكما من أهله وحكما من أهلها وقال للحكمين هل

___________________________________

(1) الكافي: ج 6 ص 146 كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 4.

(2) الكافي: ج 6 ص 146، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 1.

(3) الكافي: ج 6 ص 146، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 3.

(4) الكافي: ج 6 ص 147، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 5. (*)

[447]

تدريان ما الحكمان احكمان إن شئتما فرقتما وإن شئتما جمعتما، فقال الزوج: لا أرضى بحكم فرقة ولا اطلقها فأوجب عليه نفقتها ومنعه أن يدخل عليها(1).

إن الله كان عليما خبيرا: بالظواهر والبواطن، فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق.

وفي كتاب الاحتجاج: وروي أن نافع بن الازرق جاء إلى محمد بن علي بن الحسين (عليهم صلوات الله) فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام، فقال له أبوجعفر (عليه السلام) في عرض كلامه: قل لهذه المارقة: بما استحللتم فراق أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقد سفكتم دماء‌كم بين يديه في طاعته والقربة إلى الله بنصرته؟ فيقولون لك: إنه حكم في دين الله، فقل لهم: قد حكم الله في شريعة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين رجلين من خلقه فقال جل اسمه: " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما "(2)(3). والحديث

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ص 138.

(2) الاحتجاج: ج 2 ص 324 س 5، احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في شئ مما يتعلق بالاصول والفروع، وتمام الحديث (وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد ابن معاذ في بني قريظة، فحكم بماأوصاه الله، أو ما علمتم أن أميرالمؤمنين (عليه السلام) إنما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدياه، واشترط رد ما خالف القرآن من أحكام الرجال، وقال حين قالوا له: حكمت على نفسك من حكم عليك، فقال: ما حكمت مخلوقا، إنما حكمت كتاب الله، فأين تجد المارقة تضليل من أمربالحكم بالقرآن واشترط رد ما خالفه، ولو لا ارتكابهم في بدعتهم البهتان.

فقال نافع بن الازرق: هذا والله ما طرق بسمعي قط ولا خطر مني ببال، هو الحق إن شاء الله تعالى).

(3) ويعجبني أن أثبت هنا بمناسبة المقام ما أثبته الصدوق (قدس سره) في الفقيه: ج 3 ص 337 باب الشقاق، بعد نقله الحديث الذي قدمناه على الحلبي، قال ما لفظه: (قال مصنف هذا الكتاب (رحمه الله) لما بلغت هذا الموضع ذكرت فضلا لهشام بن الحكم مع بعض المخالفين في الحكمين بصفين عمرو بن العاص وأبي موسى الاشعري، فأحببت إيراده، وإن لم يكن من جنس ما وضعت له الباب.

قال المخالف: إن الحكمين لقبولهما الحكم كانا مريدين للاصلاح بين الطائفتين، فقال هشام: بل كانا غير مريدين للاصلاح بين الطائفتين، فقال المخالف: من أين قلت هذا؟ قال هشام: من قول الله (عزوجل) في الحكمين، حيث يقول: " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " فلما اختلفا ولم يكن بينهما اتفاق على أمر واحد ولم يوفق الله بينهما، علمنا أنهما لم يريدا الاصلاح.

[448]

[ * واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالولدين إحسنا وبذى القربى واليتمى والمسكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمنكم إن الله لا يحب من كان مختا لا فخورا(36) ]

طويل أخذت منه موضع الحاجة.

واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا: صمنا وغيره، أو شيئا من الاشراك جليا أو خفيا.

وبالولدين إحسنا: وأحسنوا بهما إحسانا.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد الابوين وعلي الآخر، فقلت: أين موضع ذلك من كتاب الله؟ قال: اقرأ " اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا "(1).

عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " وبالوالدين إحسانا " قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد الابوين وعلي الآخر. وذكر أنها الآية التي في سورة النساء(2).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني سعيد بن الحسن بن مالك،

___________________________________

(1) لم نعثر عليه في تفسير علي بن إبراهيم ونقلناه عن تفسير العياشي: ج 1 ص 241 ح 128.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 241 ح 129. (*)

[449]

معنعنا عن أبي مريم الانصاري قال: كنا عند جعفر بن محمد (عليهما السلام)، فسأله أبان بن تغلب عن قول الله تعالى: " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا " قال: هذه الآية التي في النساء من الوالدين؟ قال جعفر: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهما الوالدان(1).

وبذى القربى: وبصاحب القرابة.

واليتمى والمسكين والجارذى القربى: الذي قرب جواره.

وقيل: الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين(2). وقرئ بالنصب على الاختصاص.

والجار الجنب: أي البعيد، أو الذي لا قرابة له.

في اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن عمرو بن مكرمة، وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل أربعين دارا جيران، من يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله(3).

وفيه: عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله(4)(5).

وفي معاني الاخبار: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن

___________________________________

(1) تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: ص 27 من سورة النساء س 25.

(2) قاله البيضاوي: ج 1 ص 219 في تفسير لآية 36 من سورة النساء.

(3) الكافي: ج 2 ص 669 كتاب العشرة، باب حد الجوار، ح 1.

(4) الكافي: ج 2 ص 669 كتاب العشرة، باب حد الجوار، ح 2.

(5) واعلم أن مادل عليه هذا الحديث من أن الجوار أربعون دارا من كل جانب مذهب طائفة من أصحابنا، وذهب جماعة منهم الشهيد الاول في اللمعة إلى أنه أربعون ذراعا، وقال الشهيد الثاني: الاقوى في الجيران الرجوع إلى العرف، لان مستند الاول رواية عامية روتها عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: الجار إلى أربعين دارا، والثاني وإن كان مشهورا مستنده ضعيف.

وكأنه غفل عن هاتين الروايتين وجعل مستند الاول رواية عائشة (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 11 ص 132). (*)

[450]

أبي عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك ما حد الجار؟ قال: أربعون ذراعا من كل جانب(1).

والتوفيق بين هذا الخبر والخبرين الاولين: إن المراد بالجار في هذا الخبر، الجار ذي القربى، وفي الاولين الجار الجنب.

وفي من لا يحضره الفقيه: في الحقوق المروية عن علي بن الحسين (عليهما السلام): وأما حق جارك فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، وإن علمت عليه سوء سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تلمه عند شديدة، وتقبل عثرته، وتغفر ذنوبه، وتعاشره معاشرة كريمة ولا قوة إلا بالله(2).

وعن الصادق (عليه السلام): حسن الجوار يزيد في الرزق(3).

وقال: حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الاعمار(4).

وعن الكاظم (عليه السلام): ليس حسن الجوار كف الاذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الاذى(5).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الجيران ثلاثة، فجار له ثلاثة حقوق، حق الجوار وحق القرابة وحق الاسلام. وجار له حقان، وحق الجوار وحق الاسلام. وجار له حق واحد، حق الجوار، وهو المشرك من أهل الكتاب. ذكر هذا الخبر البيضاوي والفاضل الكاشي في تفسيره(6).

___________________________________

(1) معاني الاخبار: ص 165 باب معنى الجار وحد المجاورة ح 1.

(2) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 379 باب 276 الحقوق، ح 1 س 17.

(3) الكافي: ج 2 ص 666 كتاب العشرة، باب حق الجوار، ح 3.

(4) الكافي: ج 2 ص 667 كتاب العشرة، باب حق الجوار، ح 8.

(5) الكافي: ج 2 ص 667 كتاب العشرة، باب الجوار، ح 9.

(6) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 219، في تفسيره لآية 36 من سورة النساء (والجار الجنب) ورواه أيضا في الصافي: ج 1 ص 416 في تفسيره للآية. (*)

[451]

والصاحب بالجنب: الرفيق في أمر حسن، كتعلم وتصرف وصناعة وسفر وتزوج، فإنه صحبك وحصل بجنبك. وقيل: المرأة(1).

وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله، عن آبائه (عليهم السلام): أن أميرالمؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلا ذميا، فقال له الذمي: أين تريد يا عبدالله؟ قال: أريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمي، عدل معه أميرالمؤمنين (عليه السلام)، فقال له الذمي: ألست زعمت أنك تريد الكوفة؟ قال: له: بلى، فقال له الذمي فقد تركت الطريق، فقال له: قد علمت، قال: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام): هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمر نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له الذمي: هكذا؟ قال: نعم، قال الذمي: لا جرم إنما تبعه من تبعه لافعاله الكريمة، فأنا أشهد أني على دينك ورجع الذمى مع أميرالمؤمنين (عليه السلام)، فلما عرفه أسلم(2).

وفي من لا يحضره الفقيه: وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالمودة والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبقك إلى معونة فإن سبق كافيته وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله(3).

وابن السبيل: المسافر، أو الضيف.

وما ملكت أيمنكم: العبيد والاماء.

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 219 في تفسيره لآية من سورة النساء، قال (وقيل: هي المرأة تكون معك إلى جنبك).

(2) الكافي: ج 2 ص 670، كتاب العشرة، باب حسن الصحابة وحق الصاحب في السفر، ح 5.

(3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 379، باب 226 الحقوق، ح 1 س 20. (*)

[452]

[ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون مآء‌اتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا(37) ]

إن الله لا يحب من كان مختالا: متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه، ولا يلتفت إليهم.

فخورا: يتفاخر عليهم.

الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل: بدل من قوله: " من كان " أو نصب على الذم، أو رفع عليه، أي هم الذين، أو مبتدأ خبره محذوف، أي الذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون الناس بالبخل به، أحقاء بكل ملامة.

في كتاب الخصال: عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال ما كان في شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء.

لا يكون فيهم من يسأل بكفه، ولا يكون فيهم بخيل، الحديث(1).

عن عبدالله بن غالب، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خصلتان لا يجتمعان في مسلم، البخل وسوء الخلق(2).

عن أحمد بن سليمان قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام)، وهو في الطواف، فقال له: أخبرني عن الجواد؟ فقال: إن لكلامك وجهين، فإن كنت تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله تعالى عليه، والبخيل من يبخل بما افترض الله عليه.

وإن كنت تعني الخالق، فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد

___________________________________

(1) الخصال: ص 131 باب الثلاثة ثلاث خصال لا تكون في الشيعة، ح 137 وتمام الحديث (ولا يكون فيهم من يؤتى في دبره).

(2) الخصال: ص 75 باب الاثنين خصلتان لا يجتمعان في مسلم، ح 117. (*)

[453]

إن منع، لانه إن أعطى عبدا أعطى ما ليس له، وإن منع، منع ما ليس له(1).

وفي من لا يحضره، الفقيه: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من ماله وأعطى البائنة في قومه(2)، إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد المفروضة من ماله ولم يعط في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك(3).

وروي عن المفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: قال لي أبوعبدالله (عليه السلام): أتدري من الشحيح؟ فقلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل، إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي [ الناس وعلى ما في يديه حتى لا يرى في إيدي ](4) الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله (عزوجل)(5).

وقال أميرالمؤمنين (عليه السلام): إذا لم يكن لله (عزوجل) في العبد حاجة ابتلاه بالبخل(6).

وقرأ حمزة والكسائي ههنا وفي الحديد بالبخل بفتح الحرفين، وهي لغة.

ويكتمون مآء‌اتهم الله من فضله: من الغنى والعلم حيث ينبغي الاظهار.

وأعتدنا للكفرين عذابا مهينا: وضع الظاهر فيه موضع المضمر، إشعارا بأن من هذا شأنه، فهو كافر لنعمة الله، ومن كافرا فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والاخفاء.

___________________________________

(1) الخصال: ص 43 باب الاثنين الجواد على وجهين، ح 36.

(2) البائتة: القطيعة، سميت بها، لانها أبينت من المال (الوافي: ص 69 كتاب الزكاة باب الجود والبخل.

(3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 34 باب 16 فضل السخاء والجود ح 8 وفيه (النائبة) بالنون والالف والهمزة والباء الموحدة، في المقامين.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة - أ - واثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق.

(5) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 34 باب 16 فضل السخاء والجود ح 9.

(6) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 35 باب 16 فضل السخاء والجود ح 11. (*)

[454]

[ والذين ينفقون أمولهم رئآء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر و من يكن الشيطن له قرينا فسآء قرينا(38) وما ذا عليهم لوء‌امنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما(39) إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما(40) ]

قيل: الآية نزلت في طائفة من اليهود، يقولون للانصار تنصيحا، لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر.

وقيل: في الذين كمتوا صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

والذين ينفقون أموالهم رئآء الناس: عطف على " الذين يبخلون " أو الكافرين، شاركهم مع البخلاء في الذم والوعيد، لان البخل والسرف الذي هو الانفاق لا على ما ينبغي، من حيث أنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم. أو مبتدأ خبره محذوف يدل عليه ما بعده، أي قرينهم الشيطان.

ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر: لتحروا بالانفاق مراضيه وثوابه.

قيل: هم مشركوا مكة.

وقيل: المنافقون.

ومن يكن الشيطان له قرينا فسآء قرينا: تنبيه على أن الشيطان قرينهم، فحملهم على ذلك وزينه لهم، كقوله: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين "(2) والمراد إبليس وأعوانه.

ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار.

___________________________________

(1) من قوله: (وقرأ حمزة والكسائي) إنى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 219، لا حظ تفسيره لآية 37 من سورة النساء.

(2) الاسراء: 27. (*)

[455]

وماذا عليهم لوء‌امنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا مما رزقهم الله: أي أي تبعة تحيق بهم بالايمان والانفاق في سبيل الله، وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة، ولاعتقاد في الشئ على خلاف ما هو عليه، وتحريض على الفكر لطلب الجواب، لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة، وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه إحتياطا، فكيف إذا تضمن المنافع.

وإنما قدم الايمان ههنا وأخره في الآية السابقة، لان القصد بذكره إلى التخصيص هنا والتعليل ثمة(1).

أو لان المقصود في السابق ذمهم وفي تأخير عدم الايمان سلوك مسلك الترقي، والمقصود ههنا إزالة الاوصاف الذميمة، وإزالة الكفر يستحق التقديم لان إزالة الانفاق رياء موقوفة على إزالته، ولان إزالة الاقبح أهم. وكان الله بهم عليما: وعيد لهم.

إن الله لا يظلم مثقال ذرة: لا ينقص من الاجر ولا يزيد في العقاب أصغر شئ كالذرة، وهي النملة الصغيرة.

ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء(2). والمثقال: مفعال من الثقل.

وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن ضغر قدره، عظم جزاؤه، حيث أثبت للذرة ثقلا، وإيماء إلى أن وضع الشئ في غير محله وإن كان حقيرا، فهو عظيم ثقيل في القبح.

وإن تك حسنة: وإن تك مثقال الذرة حسنة.

وأنث الضمير، لتأنيث الخبر، أولاضافة المثقال إلى المؤنث، وحذف النون من غير قياس، تشبيها بحروف العلة. وقرأ ابن كثير ونافع " حسنة " بالرفع على كان التامة.

يضعفها: أي ثوابها، أو الحسنة نفسها، بناء على تجسم الاعمال.

___________________________________

(1) من قوله: (عطف على الذين) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 219، لا حظ تفسيره 39 من سورة النساء.

(2) الهباء ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغبار (مجمع البحرين: ج 1 ص 469 الغة هبا). (*)

[456]

[ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلآء شهيدا(41) ]

وقرأ ابن كثيروا بن عامر ويعقوب " يضعفها " وكلاهما بمعنى.

يؤت من لدنه: ويؤت صاحبها من عنده على سبيل التفضل على ما وعد في مقابلة العمل.

أجرا عظيما: عطاء جزيلا، وإنما سماه أجرا، لانه تابع للاجر مزيد عليه.

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد: فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل امة بشهيد، يعنى نبيهم يشهد على فساد عقائد هم وقبح أعمالهم.

والفاء في " فكيف " للفضيحة، أي إذا عرفت حال هؤلاء.

والظرف، أعني " إذا " متعلق ب‍ " كيف " أي كيف حال هؤلاء في هذا الوقت(1). وجئنا بك: يا محمد.

على هؤلآء شهيدا: تشهد على صدق هؤلاء الشهداء، لعلمك بعقائدهم، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم.

وقيل: " هؤلاء " إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم، وقيل: إلى المؤمنين، لقوله تعالى: " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "(2).

___________________________________

(1) في هامش نسخة ما هذا لفظه (رد على البيضاوي حيث جعله متعلقا بمضون المبتدأ والخبر من هول الامر وتعظيم الشأن - منه دام عزه) ولفظ البيضاوي: ج 1 ص 220 هكذا (والعامل في الظرف مضمون المبتدأ والخبر من هول الامر وتعظيم الشأن) لا حظ تفسيره لآية 41 من سورة النساء.

(2) البقرة: 143. (*)

[457]

في كتاب التوحيد: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام)، حديث طويل وفيه يقول (عليه السلام) وقد ذكر أهل المحشر: ثم يجتمعون في مواطن اخر، فيستنطقون، فيفر بعصهم من بعض، فذلك قوله (عزوجل): " يوم يفر المرء من أخيه وامه وأبيه وصاحبيته وبنيه "(1) فيستنطقون، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل (عليهم السلام) فيشهدون في هذه المواطن، فذلك قوله: " فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا "(2).

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) في حديث يذكر فيه أحوال أهل الموقف وفيه: فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى اممهم، فيخبروا أنهم قد أدوا ذلك إلى اممهم، تسأل الامم فيجحدونه، كما قال الله: " فلنسئلن الذين أرسل إليهم والنسئلن المرسلين "(3) فيقولون " ماجاء‌نا من بشير ولا نذير "(4) فيستشهد الرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشهد بصدق الرسل ويكذب من جحدها من الامم، فيقول لكل امة منهم بلى " قد جاء كم بشير و نذير والله على كل شئ قدير "(5) أي يتقدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم، ولذلك قال الله تعالى لنبيه: " فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن يشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافقي قومه وامته وكفارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهوده وتغييرهم سنة واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم وارتدادهم على أدبارهم، واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الامم الظالمة الخائنة لانبيائها،

___________________________________

(1) عبس: 36.

(2) التوحيد: ص 261 باب 36 الرد على الثنوية والزنا دقة س 6.

(3) الاعراف: 6.

(4 و 5) المائدة: 19. (*)

[458]

فيقولون بأجمعهم " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ظالمين "(1)(2).

وفي اصول الكافي: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن سماعة قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): في هذه الآية، قال: نزلت في امة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة في كل قرن(3) منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد علينا(4).

وفي شرح الآيات الباهرة مثله سواء(5).

أقول: نزول الآية في هذه الامة، لا ينافي عموم حكمها، فلا تنافي بين الاخبار.

وفي مجمع البيان: وروي أن عبدالله بن مسعود قرأ هذه الآية ففاضت عيناه(6).

___________________________________

(1) المؤمنون: 106.

(2) الاحتجاج: ج 1 ص 242، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القران متشابهة س 21.

(3) قوله: (في كل قرن) في النهاية: ج 4 ص 51 القرن أهل كل زمان: وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران، فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم، وقيل: القرن أربعون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: هو مطلق الزمان.

قوله: (شاهد عليهم) يوم القيامة بما علم منهم من خير وشر، كما أن عليهم شاهدا من الملائكة والاعضاء لقوله تعالى: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ".

قوله: (شاهد علينا) الظاهر أن المراد بضمير المتكلم الائمة (عليهم السلام)، واحتمال إرادة جميع الامة بعيد.

وتحقق هذه الشهادة: أن النفس القدسية النبوية مع كونها متعلقة بالبدن كانت مطلعة على الامور الغائبة، فكيف إذا فارقه، فإنها إذن تكون مطلعة على جميع أفعال الامم من خير أو شر قطعا.

وأما فائدتها فلان الناس إذا علموا أن لهم شهيدا ورقيبا وكتابا لما يفعلون كان ذلك ادعى لهم إلى الطاعة والقربات وأمنع لهم عن المعصية والشهوات، لاحترازهم عن الافتضاح في محفل القيامة على رؤوس الاشهاد (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 5 ص 193).

(4) الكافي: ج 1 ص 190 كتاب الحجة باب في أن الائمة شهداء الله (عزوجل) على خلقه، ح 1.

(5) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الظاهرة: ص 135.

(6) مجمع البيان: ج 3 ص 49 في تفسيره لآية 41 من سورة النساء. (*)

[459]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336822

  • التاريخ : 29/03/2024 - 00:49

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net