00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة يس 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير القمي ج 2   ||   تأليف : علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله)

سورة يس

مكية آياتها ثلاث وثمانون

(بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم) قال الصادق عليه السلام: يس اسم رسول الله صلى الله عليه وآله والدليل عليه قوله: (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) قال: على الطريق الواضح (تنزيل العزيز الرحيم) قال: القرآن (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون - إلى قوله - على اكثرهم) يعني نزل به العذاب

 

[212]


(فهم لا يؤمنون) وقوله: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الاذقان - إلى قوله - فهم مقمحون) قال: قد رفعوا رؤسهم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم) يقول: فاعميناهم (فهم لا يبصرون) الهدى، أخذ الله سمعهم وأبصارهم وقلوبهم فاعماهم عن الهدى، نزلت في أبي جهل بن هشام ونفر من أهل بيته، وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله قام يصلي وقد حلف أبوجهل لئن رآه يصلي ليدمغنه(1)، فجاء ومعه حجر والنبي قائم يصلي، فجعل كلما رفع الحجر ليرميه أثبت الله يده إلى عنقه ولا يدور الحجر بيده، فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده، ثم قام رجل آخر وهو من رهطه أيضا فقال: أنا أقتله فلما دنا منه فجعل يسمع قراء‌ة رسول الله صلى الله عليه وآله فارعب فرجع إلى أصحابه فقال: حال بيني وبينه كهيئة العجل يخطر بذنبه(2) فخفت ان اتقدم، وقوله: (سواء عليهم ء‌أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) فلم يؤمن من اولئك الرهط من بني مخزوم أحد يعني ابن المغيرة.
وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وسواء عليهم ء‌أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون - إلى قوله - وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) اي في كتاب مبين وهو محكم، وذكر ابن عباس عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: أنا والله الامام المبين ابين الحق من الباطل وورثته من رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهو محكم وقوله: (واضرب لهم مثلا اصحاب القرية إذ جاء‌ها المرسلون إذ أرسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا انا اليكم مرسلون) قال: فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام

___________________________________
(1) دمغه: شجه حتى بلغت الشجة دماغه.
(2) خطر العجل بذنبه: رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه.ج.ز.

[213]


قال: سألته عن تفسير هذه الآية فقال: بعث الله رجلين إلى اهل مدينة انطاكية فجاء‌هم بما لا يعرفون فغلظوا عليهما فاخذوهما وحبسوهما في بيت الاصنام، فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال: ارشدوني إلى باب الملك، قال: فلما وقف على باب الملك قال: أنا رجل كنت اتعبد في فلاة من الارض وقد احببت ان اعبد إله الملك فأبلغوا كلامه الملك، فقال: ادخلوه إلى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه، فقال بهذا ينقل قوم من دين إلى دين بالحذق (بالحرف ط) أفلا رفقتما ثم قال لهما: لا تقران بمعرفتي ثم ادخل على الملك، فقال له الملك بلغني انك كنت تعبد إلهي فلم ازل وانت اخي فاسألني حاجتك ! قال: ما لي حاجة ايها الملك ولكن رأيت رجلين في بيت الآلهة فما بالهما؟ قال الملك: هذان رجلان اتياني ببطلان ديني ويدعواني إلى إله سماوي، فقال ايها الملك فمناظرة جميلة فان يكن الحق لهما اتبعناهما وان يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا، فكان لهما ما لنا وما عليهما ما علينا قال فبعث الملك اليهما فلما دخلا اليه قال لهما صاحبهما ما الذي جئتما به؟ قالا جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والارض ويخلق في الارحام ما يشاء ويصور كيف يشاء وانبت الاشجار والاثمار وانزل القطر من السماء.
قال فقال لهماء إلهكما هذا الذي تدعوان اليه والى عبادته ان جئنا بأعمى يقدر ان يرده صحيحا؟ قالا ان سألناه ان يفعل فعل ان شاء، قال ايها الملك علي باعمى لم يبصر قط قال فاتي به، فقال لهما ادعوا إلهكما ان يرد بصر هذا، فقاما وصليا ركعتين فاذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء، فقال ايها الملك علي باعمى آخر، قال فاتي به قال فسجد سجدة ثم رفع رأسه فاذا الاعمى الآخر بصير، فقال ايها الملك حجة بحجة علي بمقعد، فاتي به فقال لهما مثل ذلك فصليا ودعوا الله فاذا المقعد قد اطلقت رجلاه وقام يمشي، فقال ايها الملك علي بمقعد آخر فاتي به فصنع به كما صنع اول مرة فانطلق المقعد، فقال ايها الملك قد اوتينا

[214]


بحجتين وأتينا بمثله ولكن بقي شئ واحد فان هما فعلاه دخلت معهما في دينهما ثم قال: ايها الملك بلغني انه كان للملك ابن واحد ومات فان أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا ايضا معك، ثم قال لهما قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك فادعوا إلهكما فيحييه، قال فخرا إلى الارض ساجدين لله وأطالا السجود ثم رفعا رأسيهما وقالا للملك ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله، قال فخرج الناس ينظرون فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب، قال فأتي به الملك فعرف انه ابنه، فقال له ما حالك يا بني؟ قال كنت ميتا فرأيت رجلين من بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه ان يحييني فأحياني، قال تعرفهما إذا رأيتهما قال نعم، قال: فاخرج الناس جملة إلى الصحراء فكان يمر عليه رجل رجل فيقول له أبوه انظر فيقول لا لا ثم مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير، فقال هذا أحدهما وأشار بيده اليه ثم مروا أيضا بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر فقال وهذا الآخر، قال فقال النبي صاحب الرجلين اما أنا فقد آمنت بالهكما وعلمت ان ما جئتما به هو الحق قال فقال الملك وأنا ايضا آمنت بالهكما ذلك وآمن اهل مملكته كلهم.
وفي رواية أبي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) يقول الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل لا ينبغي للشمس ان تكون مع ضوء القمر بالليل ولا يسبق الليل النهار يقول لا يذهب الليل حتى يدركه النهار " وكل في فلك يسبحون " يقول يجئ (يجري ط) وراء الفكل الاستدارة وقوله (إنا تطيرنا بكم) قال باسمائكم وقوله (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين) قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله (وجعلني من المكرمين) وقوله (إن كانت إلا صيحة واحدة فاذا هم خامدون) أي ميتون.

[215]


وقوله: (سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون) قال فانه حدثني أبي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن ابي عبدالله عليه السلام قال: إن النطفة تقع من السماء إلى الارض على النبات والثمر والشجر فتأكل الناس منه والبهائم فتجري فيهم وقوله: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون) أي نخرج وقوله (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم - إلى قوله - كالعرجون القديم) قال: العرجون طلع النخل وهو مثل الهلال في اول طلوعه.
قال: وحدثني أبي عن داود بن محمد الفهدي قال دخل ابوسعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له أبلغ من قدرك ان تدعي ما ادعى أبوك؟ فقال له الرضا عليه السلام مالك أطفأ الله نورك وأدخل الفقر بيتك أما علمت ان الله اوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا فوهب له مريم ووهب لمريم عيسى فعيسى ابن مريم من مريم، ومريم من عيسى، ومريم وعيسى شئ واحد وأنا من أبي وأبي مني وأنا وأبي شئ واحد، فقال له ابوسعيد فأسألك عن مسألة ! قال: سل ولا اخالك تقبل منى ولست من غنمي ولكن هاتها، فقال له ما تقول في رجل قال عند موته كل مملوك له قديم فهو حر لوجه الله، قال نعم، ما كان له ستة اشهر فهو قديم وهو حر لان الله يقول والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم فما كان لستة اشهر فهو قديم حر، قال: فخرج من عنده وافتقر وذهب بصره ثم مات لعنه الله وليس عنده مبيت ليلة وقوله: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) قال السفن الملية (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) يعنى الدواب والانعام وقوله (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون) قال ذلك في آخر الزمان يصاح فيهم صيحة وهم في اسواقهم يتخاصمون فيموتون كلهم في مكانهم لا يرجع أحد منهم إلى منزله

[216]


ولا يوصي بوصية وذلك قوله (فلا يستطيعون توصية ولا إلى اهلهم يرجعون) وقوله (ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث إلى ربهم ينسلون) قال من القبور وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله (يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) فان القوم كانوا في القبور فلما قاموا حسبوا انهم كانوا نياما (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) قالت الملائكة (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).
قال علي بن ابراهيم: ثم ذكر النفخة الثانية فقال (إن كانت إلا صيحة واحدة فاذا هم جميع لدينا محضرون) وقوله (إن اصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) قال في افتضاض العذارى فاكهون، قال يفاكهون النساء ويلاعبونهن وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر عليه السلام في قوله: (في ظلال على الارائك متكئون) الارائك السرر عليها الحجال، وقال علي بن ابراهيم في قوله (سلام قولا من رب رحيم) قال السلام منه تعالى هو الامان وقوله (وامتازوا اليوم ايها المجرمون) قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتى يلجمهم العرق فينادوا يا رب حاسبنا ولو إلى النار فيبعث الله رياحا فتضرب بينهم وينادي مناد وامتازوا اليوم ايها المجرمون فيميز بينهم فصار المجرمون إلى النار ومن كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة وقوله (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) يعنى خلقا كثيرا قد هلك وقوله: (اليوم نختم على افواهم - إلى قوله - بما كانوا يكسبون) قال: إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون انهم عملوا من ذلك شيئا فتشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون انهم لم يعملوا من ذلك شيئا وهو قوله " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم " فاذا فعلوا ذلك ختم الله على ألسنتهم وتنطق جوارحهم (بما كانوا يكسبون) وقوله (ولو نشاء لطمسنا على اعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) يقول كيف يبصرون (ولو نشاء لمسخناهم

[217]


على مكانتهم) يعني في الدنيا (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) وقوله (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) فانه رد على الزنادقة الذين يبطلون التوحيد ويقولون ان الرجل إذا نكح المرأة وصارت النطفة في رحمها تلقته الاشكال من الغذاء ودار عليه الفلك ومر عليه الليل والنهار فيولد الانسان بالطبائع من الغذاء ومرور الليل والنهار فنقض الله عليهم قولهم في حرف واحد فقال: (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) قال لو كان هذا كما يقولون لكان ينبغي ان يزيد الانسان ابدا ما دامت الاشكال قائمة والليل والنهار قائمين والفلك يدور فكيف صار يرجع إلى النقصان كلما ازداد في الكبر إلى حد الطفولية ونقصان السمع والبصر والقوة والعلم والمنطق حتى ينتكس ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره.
وقوله: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) قال: كانت قريش تقول إن هذا الذي يقول محمد شعر فرد الله عليهم فقال (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله شعرا قط وقوله: (لينذر من كان حيا) يعني مؤمنا حي القلب وقوله: (ويحق القول على الكافرين) يعني العذاب وقوله: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا انعاما) أي خلقناها بقوتنا وقوله (وذللناها لهم) يعني الابل مع قوتها وعظمها يسوقها الطفل وقوله (ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) يعني ما يكسبون بها وما يركبونها وقوله ومشارب يعني ألبانها وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون) يقول لا يستطيعون الآلهة لهم نصرا وهم لهم أي للآلهة جند محضرون.
وقال علي بن ابراهيم: ثم خاطب الله نبيه فقال (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم

[218]


ما يسرون وما يعلنون) وقوله (فاذا هو خصيم مبين) اى ناطق عالم بليغ وقوله: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم) فقال الله عزوجل قل يا محمد (يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) قال فلو ان الانسان تفكر في خلقة نفسه لدله ذلك على خالقه لانه يعلم كل إنسان انه ليس بقديم لانه يرى نفسه وغيره مخلوقا محدثا ويعلم انه لم يخلق نفسه لان كل خالق قبل خلقه ولو خلق نفسه لدفع عنها الآفات والاوجاع والامراض والموت فيثبت عند ذلك ان لها خالقا مدبرا هو الله الواحد القهار قوله (الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون) وهو المرخ والعفار(1) ويكون في ناحية بلاد الغرب فاذا أرادوا ان يستوقدوا اخذوا من ذلك الشجر ثم اخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار ثم قال عزوجل (أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر - إلى قوله - كن فيكون) قال خزائنه في كاف ونون (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون).

___________________________________
(1) شجران يتخذ منهما الزناد.



 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21398739

  • التاريخ : 18/04/2024 - 07:10

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net