00989338131045
 
 
 
 
 
 

 الدرس السابع والعشرون 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : دروس منهجية في علوم القرآن ( الجزء الأول)   ||   تأليف : السيد رياض الحكيم

"الدرس السابع والعشرون"

 

سلامة القرآن من التحريف

وهذا من أهم ما اهتم به الباحثون في علوم القرآن.

وقبل البحث في ذلك لابدّ أن نمرّ على معاني التحريف وتحديد الموقف من كل واحد منها..

المعنى الأول: التحريف في تفسير القرآن الكريم، بمعنى حمل الآيات الكريمة على غير معناها الحقيقي، كما يفعل الظالمون وأعوانهم، وأهل البدع والمنحرفون حيث يفسّرون الآيات القرآنية بغير معانيها تبعاً لأهوائهم أو آرائهم المنحرفة.

قال ابن منظور: والتحريف في القرآن والكلمة: تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه، كما كانت اليهود تغيّر معاني التوراة بالأشباه، فوصفهم الله بفعلهم، فقال تعالى:(يحرّفون الكلم عن مواضعه) (32)

وهذا المعنى من التحريف لا يشك أحد من المسلمين في تحققه قديماً وحديثاً، وقد ورد ذمّ هؤلاء المحرّفين والتحذير منهم، قال الإمام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة: "الى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً ويموتون ضلالاً، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه.."(33)، وقال(عليه السلام) في وصف أهالي بعض الأزمنة المستقبلة: "وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق (أي أروج) منه اذا حُرّف عن مواضعه..."(34).

وفي رسالة الإمام محمد الباقر(عليه السلام) الى سعد الخير: "وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه" (35).

 

المعنى الثاني: استبدال بعض الكلمات القرآنية بغيرها، بمعنى انّ بعض الكلمات الموجودة في المصحف الفعلي وُضعت بدلاً عن كلمات اُخرى في القرآن النازل على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم).

ورغم ورود بعض النصوص التي تضمنت ادعاء الاستبدال المزعوم إلاّ ان المسلمين لم يلتزموا بمضمونها، وسنشير هنا الى بعض النصوص المذكورة..

1 ـ ما حكاه البخاري وغيره عن عمر أنه كان يقرأ سورة الجمعة (فامضوا إلى ذكرالله) بدلاً من (فاسعوا إلى ذكر الله) (36).

2 - أخرج ابن شاهين في السنّة عن إسماعيل بن مسلم قال: "في حرف اُبي بن كعب (غير المغضوب عليهم وغير الضالين..) "(37).

 

المعنى الثالث: ادعاء الزيادة في القرآن.

وقد اتفق شيعة أهل البيت(عليهم السلام) على رفض التحريف المذكور، وأمّا علماء الجمهور فرغم ادعائهم الإجماع على رفضه أيضاً، إلاّ ان مراجعة آرائهم وما نسبوه لبعض الصحابة ينافي ذلك.

فمن ذلك البسملة فإنها رغم ثبوتها وكتابتها ـ في فواتح السور ـ إلاّ انهم اختلفوا في كونها من القرآن الكريم أو انّها زائدة فيه، وفصّل بعضهم بين بسملة سورة الفاتحة وغيرها، فزعم أنها جزء من الفاتحة دون غيرها، وقد منع مالك من قراءتها في الصلاة في الفاتحة وغيرها(38).

ومنها: ما نسبوه لابن مسعود من انّه اسقط سورة الفاتحة من مصحفه(39). وانّه كان لا يرى المعوّذتين من ضمن القرآن الكريم وأنه كان يقول: "لا تخلطوا بالقرآن ما ليس منه، انهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبي أن يتعوّذ بهما، وانّه كان لا يقرأ بهما في صلاته"(40).

وحكى ابن حجر ان الرازي وابن حزم انكرا صحة هذه النسبة الى ابن مسعود، لكنه أصرّ عليها قائلاً: "والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يُقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل"(41).

وقال الدكتور محمد حسين الصغير ـ متحدثاً عن رواية اسقاط سورة الفاتحة ـ: "ويبدو لي ان الرواية مكذوبة على ابن مسعود جملة وتفصيلاً، للايهام ـ بدافع سياسي ـ بأن عدم اشراكه عند جمع المصحف ـ كما يدعى ـ كان لهذا وأمثاله"(42).

 

المعنى الرابع: ادعاء نقصان المصحف الموجود عن القرآن النازل على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم).

والمشهور بين المسلمين انكار التحريف بهذا المعنى. ولكن قد تثار شبهات، تبعاً لمجاميع النصوص التي قد توهم وقوع التحريف، وهو ما سنعالجه هنا..

 

الشبهة الأولى:

مجموعة كبيرة من النصوص التي رواها علماء الجمهور ومحدّثوهم، نذكر منها:

1) ما رواه البخاري وغيره عن عمر بن الخطاب انّه قال.. "ان الله بعث محمداً(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل آية الرجم فعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق وعلى من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء.. ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لاترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ـ أو إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ـ..."(43).

2) ما رووه عن عائشة أنّها قالت: "كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرّمن، ثم نسخن بخمس معلومات يحرّمن، فتوفي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) وهن فيما يقرأ من القرآن"(44).

وقد رووا عن عائشة قولها: "لقد نزلت آية الرجم والرضاعة، فكانتا في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) تشاغلنا بموته فدخل داجن فأتلفها"(45).

3) ما رووه عن عبدالله بن عمر أنّه قال: "لا يقولن أحدكم أخذت القرآن كله، ما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر"(46).

4) ما رواه الطبراني عن عمر بن الخطاب: "القرآن ألف ألف حرف فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين"(47).

وهذا يعني ضياع اكثر من ثلثي القرآن ـ كما قيل ـ.

5) ما رووه عن أبي بن كعب ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال له: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك، فقرأ عليه (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) (48) فقرأ فيها: إن ذات الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية، من يعمل خيراً فلن يكفر هو. وقرأ عليه: ولو أنّ لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليها ثانياً، ولو كان له ثانياً لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب(49).

6) قراءة أبي بن كعب: " (إنّ الساعة آتية أكاد أخفيها) (50) من نفسي فكيف أظهركم عليها"(51).

وهناك نصوص أخرى في هذا الباب امتلأت بها صحاح الجمهور وكتبهم.

ورغم محاولة الكثير منهم تأويلها بأنّها من باب نسخ التلاوة في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ انّ العديد من هذه النصوص لا تتحمل هذا التأويل لظهورها، بل التصريح في بعضها بانّ هذه الآيات المزعومة كانت ضمن القرآن الى ما بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم).

 

ـــــــــــــــــ

(32) لسان العرب: 9 / 43.

(33) تصنيف نهج البلاغة: 207، الطبعة الثانية.

(34) المصدر: 209.

(35) اصول الكافي: 2 / 631، حديث 16.

(36) يراجع الجامع الصحيح: 4 / 308.

(37) الدر المنثور: 1 / 17.

(38) يراجع بداية المجتهد: 1/126.

(39) يراجع الاتقان في علوم القرآن: 1 / 224.

(40) يراجع فتح الباري لابن حجر: 8 / 571، والدر المنثور: 6 / 416.

(41) فتح الباري: 8 / 571.

(42) دراسات قرآنية: 160، الطبعة الثانية.

(43) الجامع الصحيح: 4 / 258 حديث 6830. ورواه غيره أيضاً.

(44) المحلى: 11 / 92 مسألة 1872.

(45) المحلى: 13 / 97 مسألة 2208.

(46) الإتقان: 3 / 72.

(47) الاتقان في علوم القرآن: 1 / 242 مطبعة أمير.

(48) سورة البيّنة: 1.

(49) صحيح الترمذي: 5/666. المناقب حديث: 3803. راجع صحيح مسلم بشرح النووي: 7/140 كتاب الزكاة. حيث روى قريباً من ذلك عن أبي موسى الأشعري. بينما روى البخاري مضمون النصف الثاني من النص عن النبي 9 من دون أن يذكر انه من القرآن، وهو يشهد بما سنذكره من اضطراب هذه الروايات ورفضها.

(50) سورة طه: 15.

(51) يراجع هامش تلخيص التمهيد نقلاً عن ابن خالويه: 1 / 301.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335189

  • التاريخ : 28/03/2024 - 14:31

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net