00989338131045
 
 
 
 
 
 

 الدرس السابع والأربعون 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : دروس منهجية في علوم القرآن ( الجزء الثاني)   ||   تأليف : السيد رياض الحكيم

"الدرس السابع والأربعون"

 

المكي والمدني

 من الأبحاث المرتبطة بعلوم القرآن والتي اهتمَّ بها المفسّرون والباحثون البحث عن الآيات المكيّة والمدنية وتمييز كل منهما عن الأخرى، ودراسة خصائص كل من القسمين.

 

معنى المكي والمدني:

وقبل أن ندخل في صلب الموضوع لابدّ أن نحدد المقصود من المكي والمدني، حيث ذكرت ثلاثة معان لهما.

أ: ان المقصود بالمكي ما نزل بمكة أو ضواحيها. وبالمدني ما نزل في المدينة أو ضواحيها.

ب: ان المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة، والمدني ما وقع خطاباً لأهل المدينة، قيل: وعليه يحمل قول من قال: "انّ ما صدر في القرآن بلفظ (يا أيّها الناس) فهو مكي، وما صدر فيه بلفظ (يا أيّها الذين آمنوا) فهو مدني"(6).

ج: انّ المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها وإن كان نزوله بمكة.

ويترجح المعنى الثالث على المعنيين الآخرين من ناحيتين:

الأولى: ان المكي والمدني بالمعنى الثالث يشكل كل آيات القرآن ـ كما جرى عليه المفسّرون ـ بخلاف المعنيين الآخرين لهما، فالآيات النازلة في غير مكة والمدينة وضواحيهما لا تدخل تحت المكي والمدني بالمعنى الأول، كما ان الآيات التي لا تتضمن خطاباً مثل آيات تمجيد الله سبحانه، وكذلك الآيات التي لا تختص بأهل مكة والمدينة ـ وما أكثرها ـ لا تدخل تحت المكي والمدني بالمعنى الثاني، بل حتى الآيات التي تخاطب أهل مكّة أو أهل المدينة لا تختص بهم، حيث "انّ القرآن حي لم يمت وأنّه يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر..." كما جاء عن الإمام الصادق(عليه السلام).

الثانية: ان تمييز الآيات على أساس بقعة نزولها أو المخاطبين بها ليس بالأمر المهم بحيث تترتب على كل من القسمين خصائص تختلف عن خصائص القسم الآخر، بينما تمييز الآيات النازلة قبل الهجرة عن الآيات النازلة بعدها ـ وهو الأساس المعتمد في المعنى الثالث للمكي والمدني ـ ربّما تترتب عليه آثار هامّة، حيث يمكن استكشاف خصائص لكل من القسمين تُميّزه عن القسم الآخر، باعتبار ان حدث الهجرة المائز بين القسمين ليس قضية هامشية عابرة في مسيرة الرسالة الإسلامية وإنّما هو حدث فاصل وحاسم فيها، إذ كان الإسلام قبلها مجرد تعاليم قيّمة جذبت حولها مجموعة من المؤمنين، بينما تحوّل بعد الهجرة الى كيان متكامل قائم حيث تصدى لبناء دولة وقيادة المجتمع بكل مستلزماته، فمن الطبيعي أن تكون للآيات النازلة بعد الهجرة خصائص تختلف عن تلك التي نزلت قبلها، فيستحق ذلك الدراسة الدقيقة والمتأنية لمعرفة طبيعة النقلة الحاسمة للرسالة الإسلامية بعد الهجرة، وما وفّره الدين الجديد من مستلزمات لهذا التحوّل الحاسم فيزيدنا بصيرة بالإسلام. وبشموليّته.

وقد ذكر الباحثون خصائص لكل من المكي والمدني نلخّصها فيما يلي:

 

1 ـ خصائص القسم المكي

أ: قِصَر الآيات والسور وإيجازها وتجانسها الصوتي.

لكنّا نلاحظ انّ هذه ليست حالة مطردة حيث نجد أنّ مجموعة من السور والآيات الطوال مكية مثل الشعراء، الاعراف، الفرقان، الإسراء، يونس، يوسف، الأنعام، الشورى، الكهف، الأنبياء، المؤمنون، وغيرها.

كما انّ مجموعة من الآيات والسور القصار مدنية مثل النصر، البيّنة، الجمعة، التغابن، الصف، الرحمن ـ آياتها قصار ـ وغيرها.

نعم، أكثر السور القصار والسور ذوات الآيات القصار مكية، كما انّ نسبة السور الطوال المدنية أكثر من نسبة السور الطوال المكية.

ب: الدعوة الى أصول الإيمان بالله واليوم الآخر وتصوير الجنّة والنار.

ونلاحظ أيضاً انّ كثيراً من الآيات الكريمة التي تتحدث عن هذه الأصول والمفاهيم آيات مدنية، نعم أكثر الآيات والسور المتضمنة لذلك آيات وسور مكية.

ج: الحث على مكارم الأخلاق والاستقامة في السلوك، وذمّ الممارسات والعادات المنبوذة كسفك الدماء ووأد البنات وغيرهما.

ونلاحظ أنّ هذه حالة غالبية أيضاً، ولا تختص بالسور المكية.

د: مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم.

هـ: الحديث عن الأنبياء والأمم السابقة.

ونلاحظ انّ هاتين الخاصتين لا تختص بهما السور المكية أيضاً، وانّما ذلك غالبي أيضاً.

و: مخاطبة كل الناس (يا أيّها الناس) وعدم الاقتصار على المؤمنين (يا أيها الذين آمنوا).

وعند مراجعة دليل آيات القرآن الكريم نلاحظ ورود (يا أيّها الناس) تسع مرّات في أربع سورة مدنية ـ البقرة والنساء والحج والحجرات ـ.

كما انّ مخاطبة المؤمنين وردت في الآيات المكية ثلاث مرات ـ لكن بغير لفظة يا أيها الذين آمنوا ـ وذلك في قوله تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) (7). وقوله تعالى: (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربّكم) (8). وقوله تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا انّ أرضي واسعة فإيّاي فاعبدون) (9).

وممّا لاحظناه انّ لفظة "كَلاّ" رغم ورودها ثلاثاً وثلاثين مرة في القرآن فإنّها لم ترد في آية مدنية، لكنه لا يبدو فارقاً مهماً.

 

2 ـ خصائص القسم المدني

قيل: أهم ما يشيع في القسم المدني من خصائص عامة هي:

أ: طول السورة والآية المدنيتين.

ب: تفصيل البراهين والأدلة على المفاهيم الدينية. واُسس العقيدة الإسلامية.

ج: مجادلة أهل الكتاب ودعوتهم الى عدم الغلوفي دينهم.

د: التحدث عن المنافقين ومشاكلهم.

هـ: تفصيل أحكام الرسالة الإسلامية في الحدود والفرائض والجهاد والحقوق والقوانين المتنوّعة الأخرى.

ولكن الملاحظ أن بعض هذه الخصائص المدعاة غالبية وليست عامة.

وعلى كل حال، فاختلاف خصائص القسمين المكي والمدني يرجع الى اختلاف طبيعة المرحلة والظروف التي كانت تحيط بالإسلام والمسلمين أثناء نزول كلٍّ من القسمين ـ كما سنوضحه في مناقشة الشبهات ـ.

 

ــــــــــــــــ

(6) مناهل العرفان: 1 / 196.

(7) سورة إبراهيم: 31.

(8) سورة الزمر: 10.

(9) سورة العنكبوت: 56.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21398218

  • التاريخ : 18/04/2024 - 02:00

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net