00989338131045
 
 
 
 
 
 

 نسخ التلاوة 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : سلامة القرآن من التحريف   ||   تأليف : مركز الرسالة

نسخ التلاوة

قسّموا النسخ في الكتاب العزيز إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ نسخ الحكم دون التلاوة، وهذا هو القسم الذي نطق به محكم التنزيل، وهو المشهور بين العلماء والمفسرين، وهو أمر معقولٌ مقبولٌ، حيثُ إنّ بعض الاَحكام لم ينزل دفعةً واحدةً، بل نزل تدريجياً لتألفه النفوس وتستسيغه العقول، فنسخت تلك الاَحكام وبقيت ألفاظها، لاَسرارٍ تربويةٍ وتشريعيةٍ يعلمها الله تعالى.

2 ـ نسخ التلاوة دون الحكم، وقد مثّلوا له بآية الرجم، فقالوا: إنّ هذه الآية كانت من القرآن ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها.

3 ـ نسخ التلاوة والحكم معاً، وقد مثّلوا له بآية الرضاع.

وقد تقدّم في ثنايا البحث السابق أنّ البعض حمل قسماً من الروايات الدالة على النقصان على أنّها آيات نسخت تلاوتها وبقيت أحكامها، أو نسخت تلاوةً وحكماً، وذلك تحاشياً من التسليم بها الذي يفضي إلى القول بتحريف القرآن، وفراراً من ردّها وتكذيبها الذي يؤول إلى الطعن في الكتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، أو الطعن في الاَعيان الذين نُقلت عنهم، ولا شكّ أنّ القول بالضربين الاَخيرين من النسخ هو عين القول بالتحريف: وهو باطل لما يلي:

1 ـ يستحيل عقلاً أن يرد النسخ على اللفظ دون الحكم، لاَنّ الحكم لابدّ له من لفظ يدلّ عليه، فإذا رفع اللفظ فما هو الدليل الذي يدلّ عليه ؟

الصفحة 72
فالحكم تابع للّفظ، ولا يمكن أن يرفع الاَصل ويبقى التابع.

2 ـ النسخ حكم، والحكم لابدّ أن يكون بالنصّ، ولا انفكاك بينهما، ولا دليل على نسخ النصوص التي حكتها الآثار المتقدّمة وسواها، إذ لم ينقل نسخها ولم يرد في حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في واحدٍ منها أنّها منسوخة، والواجب يقتضي أن يُبلّغ الاَُمة بالنسخ كما بلّغ بالنزول، وبما أنّ ذلك لم يحدث فالقول به باطل.

3 ـ الاَخبار التي زعم نسخ تلاوتها أخبار آحاد، ولا تقوى دليلاً وبرهاناً على حصوله، إذ صرحوا باتّفاق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد (1)، ونسبه القطّان إلى الجمهور (2)، وعلّله رحمة الله الهندي «بأنّ خبر الواحد إذا اقتضى عملاً ولم يوجد في الاَدلّة القاطعة مايدلّ عليه وجب ردّه» (3)، بل إنّ الشافعي وأصحابه وأكثر أهل الظاهر، قد قطعوا بامتناع نسخ القران بالسُنّة المتواترة، وبهذا صرّح أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل من قال بإمكان نسخ الكتاب بالسُنّة المتواترة منع وقوعه (4)، لذا لا تصحّ دعوى نسخ التلاوة مع بقاء الحكم أو بدونه، حتّى لو ادّعي التواتر في أخبار النسخ، فضلاً عن كونها أخبار آحاد ضعيفة الاسناد واهية المتن كما تقدّم.

4 ـ أنكر بعض المعتزلة وعامة علماء الاِمامية وأعلامهم الضربين

____________

(1) الموافقات للشاطبي 3: 106.

(2) مباحث في علوم القرآن: 237.

(3) إظهار الحق 2: 90.

(4) الاحكام للآمدي 3: 139، أُصول السرخسي 2: 67.


الصفحة 73
الاَخيرين من النسخ واعتبروهما نفس القول بالتحريف، وكذا أنكرهما أغلب علماء ومحققي أهل السنة المتقدمين منهم والمتأخرين، وحكى القاضي أبو بكر في (الانتصار) عن قومٍ انكار الضرب الثاني منه (1)، وأنكره أيضاً ابن ظفر في كتاب (الينبوع) (2)، ونُقِل عن أبي مسلم «أنّ نسخ التلاوة ممنوع شرعاً» (3) وفيما يلي بعض أقوال محققي أهل السنة في ابطال القول بنسخ التلاوة:

1 ـ قال الخضري: «أنا لا أفهم معنى لآيةٍ أنزلها الله تعالى لتفيد حكماً ثمّ يرفعها مع بقاء حكمها؛ لاَنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والاعجاز معاً بنظمه، فما هي المصلحة في رفع آية مع بقاء حكمها ؟ إنّ ذلك غير مفهوم، وقد أرى أنّه ليس هناك مايدعو إلى القول به» (4).

2 ـ وقال الدكتور صبحي الصالح: «أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معينة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأً مركباً، فتقسيم المسائل إلى أضرب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضربٍ شواهد كثيرةٍ أو كافيةٍ على الاَقل ليتيسّر استنباط قاعدةٍ منها، وما لعشّاق النسخ إلاّ شاهدٌ أو اثنان على كلّ من هذين الضربين، وجميع ماذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار

____________

(1) البرهان في علوم القرآن 2: 47.

(2) البرهان في علوم القرآن 2: 43.

(3) مناهل العرفان 2: 112.

(4) التحقيق في نفي التحريف: 279، صيانة القرآن من التحريف: 30.


الصفحة 74
آحاد لا حجّة فيها» (1)

3 ـ وقال الدكتور مصطفى زيد: «ومن ثمّ يبقى منسوخ التلاوة باقي الحكم مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعةٍ واحدةٍ، ولهذا نرفضه، ونرى أنّه غير معقولٍ ولا مقبول» (2).

4 ـ وقال عبد الرحمن الجزيري: «إنّ الاَخبار التي جاء فيها ذكر كلمةٍ (من كتاب الله) على أنّها كانت فيه ونسخت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذه لا يُطلق عليها أنّها قرآن، ولا تُعطى حكم القرآن باتّفاق، ثمّ ينظر إنّ كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإنّ الاِخبار بها يعطي حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنّها لا تصلح للدلالة على حكم شرعي؛ لاَنّ دلالتها موقوفةٌ على ثبوت صيغتها. وصيغتها يصحّ نفيها باتّفاقٍ، فكيف يمكن الاستدلال بها ؟! فالخير كلّ الخير في ترك مثل هذه الروايات» (3)

5 ـ وقال ابن الخطيب: «أمّا مايدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها، فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل، إذ ماهي الحكمة من نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها ؟ ماالحكمة من صدور قانون واجب التنفيذ ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه ؟ ويستدلّون على باطلهم هذا بإيراد آيةٍ من هذا النوع يدّعون نسخها، ويعلم الله تعالى أنّها ليست من القرآن، ولو كانت لما

____________

(1) مباحث في علوم القرآن: 265.

(2) فتح المنان: 229.

(3) الفقه على المذاهب الاَربعة 4: 260.


الصفحة 75

أغفلها الصحابة (رضوان الله عليهم) ولدونّها السلف الصالح في مصاحفهم»(1).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفرقان: 157.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21398916

  • التاريخ : 18/04/2024 - 09:07

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net