00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة البقرة من آية 188 ـ 196 ( من ص 1 ـ 49 ) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثاني)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

الأَمْثَلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل

طبعة جديدة منقّحة مع إضافات

تَأليف

العلاّمة الفقيه المفسّر آية الله العظمى

الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي

المجَلّد الثّاني

( 5 )

 

الآيات

وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَآ إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأكُلُواْ فَرِيقاً أَمْوَالِ النَّاسِ بِالاْثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188)

التّفسير

المباديء الأوليّة للإقتصاد الإسلامي :

هذه الآية الكريمة تشير إلى أحد الاُصول المهمّة والكليّة للإقتصاد الإسلامي الحاكمة على مجمل المسائل الإقتصاديّة، بل يمكن القول إنّ جميع أبواب الفقه الإسلامي في دائرة الإقتصاد تدخل تحت هذه القاعدة ولذا نلاحظ أنّ الفقهاء العظام تمسّكوا بهذه الآية في مواضع كثيرة في الفقه الإسلامي وهو قوله تعالى (ولا تأكلوا أَموالكم بينكم بالباطل).

أمّا المراد من «الباطل» في هذه الآية الشريفة فقد ذكر له عدّة تفاسير، ذهب أحدها إلى أنّ معناه الأموال الّتي يستولي عليها الإنسان من طريق الغصب والعدوان، وذهب آخرون أنّ المراد هو الأموال الّتي يحصل عليها الشّخص من القمار وأمثاله.

ويرى ثالث أنّها إشارة إلى الأموال الّتي يكتسبها الشخص بواسطة القَسَم

( 6 )

الكاذب (وأشكال الحيل في المعاملات والعقود التّجاريّة).

ولكنّ الظاهر أنّ مفهوم الآية عام يستوعب جميع ما ذكرنا من المعاني للباطل لأنّ الباطل يعني الزّائل وهو شامل لما ذكر من المعاني، فلو ورد في بعض الرّوايات ـ كما عن الإمام الباقر (عليه السلام)أنّ معناه (القسم الكاذب) أو ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)في تفسيره بـ (القمار) فهو في الواقع من قبيل المصاديق الواضحة له.

فعلى هذا يكون كلّ تصرّف في أموال الآخرين من غير الطريق المشروع مشمولاً لهذا النهي الإلهي. وكذلك فهكذا أنّ جميع المعاملات الّتي لا تتضمّن هدفاً سليماً ولا ترتكز على أساس عقلائي فهي مشمولة لهذه الآية.

ونفس هذا المضمون ورد في سورة النساء الآية 29 مع توضيح أكثر حيث تخاطب المؤمنين (يا أيُّها الَّذينَ آمَنوُا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُم بَينكُمْ بِالبِاطِلِ إلاّ تكونَ تجارةً عَن تراض مِنْكُمْ).

إنّ إستثناء التّجارة المقترنة مع التراضي هو في الواقع بيان لمصداق بارز للمعاملات المشروعة والمبّاحة، فلا تنفي الهبة والميراث والهديّة والوصيّة وأمثالها، لأنّها تحققّت عن طريق مشروع وعقلائي.

والملفت للنظر أنّ بعض المفسّرين قالوا : أنّ جعل هذه الآية مورد البحث بعد آيات الصوم (آيات 182 ـ 187) علامة على وجود نوع من الإرتباط بينهما، فهناك نهيٌ عن الأكل والشرب من أجل أداء عبادة إلهيّة، وهنا نهيٌ عن أكل أموال الناس بالباطل الّذي يعتبر أيضاً نوع من الصوم ورياضة النفوس، فهما في الواقع فرعان لأصل التقوى. ذلك التقوى الَّذي ورد في الآية بعنوان الهدف النّهائي للصوم(1).

ولابدّ من ذكر هذه الحقيقة وهي أنّ التعبير بـ (الأكل) يُعطي معناً واسعاً حيث

_____________________________

1 ـ اقتباس من تفسير في ظلال القرآن، ج 1، ص 252

( 7 )

يشمل كلّ أنواع التصرّفات ، أي أنه تعبير كنائي عن أنواع التصرّفات، و (الأكل) هو أحد المصاديق البارزة له.

ثمّ يشير في ذيل الآية إلى نموذج بارز لأكل المال بالباطل والّذي يتصوّر بعض الناس أنّه حقّ وصحيح لأنّهم أخذوه بحكم الحاكم فيقول : (وتُدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)(1).

(تدلوا) من مادّة (إدلاء)، وهي في الأصل بمعنى إنزال الدلو في البئر لإخراج الماء، وهو تعبير جميل للموارد الّتي يقوم الإنسان فيها بتسبيب الأسباب لنيل بعض الأهداف الخاصّة.

وهناك إحتمالان في تفسير هذه الجملة :

الأول : هو أن يكون المراد أن يقوم الإنسان بإعطاء قسماً من ماله إلى القضاة على شكل هديّة أو رشوة (وكليهما هنا بمعنىً واحد) ليتملّك البقيّة، فالقرآن يقول : إنّكم بالرّغم من حصولكم على المال بحكم الحاكم أو القاضي ظاهراً، ولكنّ هذا العمل يعني أكلٌ للمال بالباطل، وهو حرام.

الثّاني : أن يكون المراد أنّكم لا ينبغي أن تتحاكموا إلى القضاة في المسائل الماليّة بهدف وغرض غير سليم، كأن يقوم أحد الأشخاص بإيداع أمانة أو مال ليتيم لدى شخص آخر من دون شاهد، وعندما يطالبه بالمال يقوم ذلك الشخص بشكايته لدى القاضي، وبما أنّ المودع يفتقد إلى الشاهد فسوف يحكم القاضي لصالح الطرف الآخر، فهذا العمل حرام أيضاً وأكلٌ للمال بالباطل.

ولا مانع من أن يكون لمفهوم الآية هذه معناً واسعاً يشمل كلا المعنيين في جملة (لا تدلوا)، بالرغم من أنّ كلّ واحد من المفسرين ارتضى أحد هذين الإحتمالين.

_____________________________

1 ـ جمله «تدلوا» عطف على تأكلوا، فعلى هذا يكون مفهومها «لا تدلوا».

( 8 )

والملفت للنظر أنّه ورد حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «إنّما أنا بشر وإنّما يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له فإن قضيت له بحق مُسلّم فإنّما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها»(1) أي لا تتصوروا أنه من أمواله ويحل له أكله لأن رسول الله حكم له بهذا المال، بل هي قطعة من نار.

* * *

بحث

وباء الرشوة :

من الأوبئة الإجتماعية التي ابتلي بها البشر منذ أقدم العصور وباء الإرتشاء، وكانت هذه الظاهرة المرضيّة دوماً من موانع إقامة العدالة الإجتماعية ومن عوامل جرّ القوانين لصالح الطبقات المقتدرة، بينما سُنّت القوانين لصيانة مصالح الفئات الضعيفة من تطاول الفئات القوية عليهم. الأقوياء قادرون بما يمتلكونه من قوّة أن يدافعوا عن مصالحهم، بينما لا يملك الضعفاء إلاَّ أن يلوذوا بالقانون ليحميهم، ولا تتحقّق هذه الحماية في جوّ الإرتشاء، لأنّ القوانين ستصبح أُلعوبةً بيد القادرين على دفع الرشوة، وسيستمر الضعفاء يعانون من الظلم والإعتداء على حقوقهم.

ولهذا شدّد الإسلام على مسألة الرشوة وأدانها وقبّحها واعتبرها من الكبائر، فهي تفتّت الكيان الإجتماعي، وتؤدي إلى تفشّي الظلم والفساد والتمييز بين الأفراد في المجتمع الإنساني، وتصادر العدالة من جميع مؤسّساته.

جدير بالذكر أنّ قبح الرشوة قد يدفع بالراشين إلى أن يغطّوا رشوتهم بقناع من الأسماء الأُخرى كالهدية ونظائرها، ولكن هذه التغطية لا تغيّر من ماهيّة العمل شيئاً، والأموال المستحصلة عن هذا الطريق محرّمة غير مشروعة.

وهذا «الأشعث بن قيس» يتوسّل بهذه الطريقة، فيبعث حلوى لذيذة إلى بيت

_____________________________

1 ـ في ظلال القرآن، ج 1، ص 252.

( 9 )

أميرالمؤمنين علي (عليه السلام)أملاً في أن يستعطف الإمام تجاه قضية رفعها إليه، ويسمّي ما قدّمه هديّة، فيأتيه جواب الإمام صارماً قاطعاً، قال :

«هبَلتك الهُبول، أعَنْ دين الله أتيتني لتخدعني ؟... والله لو اُعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصِيَ الله في نملة أسلبُها جَلبَ شعيرة ما فعلته، وأنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمُها. ما لِعليّ ونعيم يفنى ولذّة لا تبقى ؟ !...»

الإسلام أدان الرشوة بكلّ أشكالها، وفي السيرة أنّ واحداً ممّن ولاَّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قَبِلَ رشوة قدِّمت إليه بشكل هدية، فقال له الرسول : «كيف تأخذ ما ليس لك بحق ؟ !» قال : كانت هدية يا رسول الله. قال : «أرايت لو قعد أحدكم في داره ولم نولّه عَمَلاً أكان الناسُ يهدونه شيئاً ؟ !»(1).

ومن أجل أن يصون الإسلام القضاة من الرشوة بكلّ أشكالها الخفيّة وغير المباشرة، أمر أن لا يذهب القاضي بنفسه إلى السوق للشراء، كي لا يؤثّر فيه بائع من الباعة فيبيعه بضاعة بثمن أقل، ويكسب على أثرها تأييد القاضي في المرافعة.

أين المسلمون اليوم من هذه التعاليم الدقيقة الصارمة الهادفة إلى تحقيق العدالة الإجتماعية بشكل حقيقيّ عمليّ في الحياة ؟ !

إن مسألة الرشوة مهمّة في الإسلام إلى درجة أن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول عنها : «وأمّا الرشا في الحكم فهو الكفر بالله العظيم»(2).

وورد في الحديث النبوي المعروف : «لعن الله الراشي والمرتشي والماشي بينهما»(3).

* * *

_____________________________

1 ـ نهج البلاغة، الخطبة 224.

2 ـ وسائل الشيعة : ج 12 باب 5 من أبواب ما يكستسب به ح 2

3 ـ بحار الأنوار : ج 101 ص 274 و ج 11 باب الرشا في الحكم.

( 10 )

الآيـة

يَسْـَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجِ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)

سبب النّزول

روي أنّ معاذ بن جبل قال : يا رسول الله إنّ اليهود يُكثرون مسألتنا عن الأهلّة فأنزل الله هذه الآية. وقيل : إنَّ اليهود سألوا رسول الله : لِمَ خُلِقَتْ هذه الأهلّة ؟ فنزلت هذه الآية، لتقول إنّ للأهلّة فوائد مادّية ومعنوية في نظام الحياة الإنسانية.

التّفسير

التقويم الطبيعي :

كما اتّضح من سبب نزول هذه الآية الشريفة من أنّ جماعة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عن الهلال وما يحصل عليه من تغييرات متدرّجة وعن أسبابها ونتائجها،

( 11 )

فيجيب القرآن الكريم على سؤالهم بقوله (يَسْألونَكَ عَنِ الأهَلّةِ).

(أهلّة) جمع «هلال» ويعني القمر في اللّيلة الاُولى والثانية من الشهر، وقال بعضهم أنّ التسمية تطلق عليه لثلاث ليالي من أوّل الشّهر وبعد ذلك يُسمّى (قمر)، وذهب بعضهم إلى أكثر من هذا المقدار.

ويرى المرحوم (الطبرسي) في مجمع البيان وآخرون من المفسّرين أنّ مفردة «الهلال» هي في الأصل من (استهلال الصبي) ويعني بكاء الطفل من بداية تولّده، ثمّ استُعمل للقمر في بداية الشهر، وكذلك اسُتعمل أيضاً في قول الحجّاج في بداية مناسكهم : «لبيّك لبيّك». بصوت عال، فيقال (أهلّ القوم بالحج) ولكن يُستفاد من كلمات الرّاغب في المفردات عكس هذا المطلب وأنّ أصل هذه المفردة هو الهلال في بداية الشهر وقد استفيد منه (استهلال الصبي) أي بكائه عند ولادته.

وعلى كلّ حال يُستفاد من جملة (يسألونك) الّتي هي فعل مضارع يدل على التكرار أنّ هذا السؤال قد تكرّر مرّات عديدة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثمّ تقول الآية (قل هي مواقيت للنّاس والحجّ).

فما يحصل عليها من تغييرات منتظمة تدريجيّة ، يجعل منها تقويماً طبيعياً يساعد الناس على تنظيم اُمورهم الحياتية القائمة على التوقيت وتحديد الزمن، وكذلك على تنظيم اُمور عباداتهم المحدّدة بزمان معيّن كالحجّ والصوم، والهلال هو المرجع في تعيين هذا الزمان، وبالإستهلال ينظّم الناس اُمور عبادتهم وشؤون دنياهم.

هذا التقويم الطبيعي ميسور لجميع البشر متعلّمهم وأمّيّهم، في جميع بقاع الأرض،وبموجبه يمكن تعيين أوّل الشهرووسطه وآخره،بل كلّ يوم من أيّامه بدقّة.

وواضح أنّ نظام الحياة الإجتماعية يحتاج إلى تقويم، أيْ إلى وسيلة تعيّن التاريخ الدقيق، ومن هنا وضع الله سبحانه هذا التقويم الطبيعي للناس في كلِّ

( 12 )

زمان ومكان.

من امتيازات قوانين الإسلام أنّ أحكامه قائمة عادةً على المقاييس الطبيعية لأنّ هذه المقاييس متوفّرة لدى جميع الناس، ولا يؤثّر عليها مرور الزمان شيئاً.

أمّا المقاييس غير الطبيعية فليست في متناول يد الجميع ولم يستطع جميع البشر حتّى في زماننا هذا أن يستفيدوا من مقاييس عالمية موحّدة.

لذلك نرى أنّ المقياس في الأحكام الإسلامية يقوم في الأطوال على أساس الشبر والخطوة والذراع والقامة، وفي الزمان على غروب الشمس وطلوع الفجر وزوال الشمس ورؤية الهلال.

وهنا يتّضح امتياز الأشهر القمريّة عن الشمسيّة، فالبرغم من أنّ كلاً منهما يترتّب على حركات الكواكب السماويّة، ولكنّ الأشهر القمريّة قابلة للمشاهدة من الجميع، في حين أنّ الأشهر الشمسيّة لايمكن تشخيصها إلاّ بواسطة المنجميّن وبالوسائل الخاصّة لديهم، فيعرفون مثلاً أنّ الشمس في هذا الشهر سوف تقع في مقابل أيّ صورة فلكيّة وأيّ برج سماوي.

وَ هنا يُطرح هذا السؤال : هل أنّ الأشخاص الّذين سألوا عن الأهلّة كان هدفهم هو الإستفسار عن فائدة هذه التغيّرات، أو السؤال عن كيفيّة ظهور الهلال وتكامله إلى مرحلة البدر الكامل ؟

ذهب بعض المفسّرين إلى الإحتمال الأوّل، والبعض الآخر ذهب إلى الثاني وأضاف : بما أنّ السؤال عن الأسباب وعلل التغييرات ليست ذات فائدة لهم ولعلّ فهم الجواب أيضاً سيكون عسيراً على أذهانهم، فلهذا بيّن القرآن النتائج المترتبّة على تغييرات الهلال لكي يتعلّم الناس أن يتوجّهوا دوماً صوب النتائج.

ثمّ أنّ القرآن أشار في ذيل هذه الآية وبمناسبة الحديث عن الحجّ وتعيين موسمه بواسطة الهلال الّذي ورد في أوّل الآيه إلى إحدى عادات الجاهليّين

( 13 )

الخرافيّة في مورد الحجّ ونهت الآية الناس عن ذلك، حيث تقول : (وَ لَيسَ البرُّ بأنْ تُؤْتوا البُيوتَ مِنْ ظُهورها ولكنَّ البِرَّ مَنِ اتّقى وأتوا البُيوتَ مِن أبْوابِها واتّقُوا الله لَعلّكُمْ تُفْلِحوُن).

ذهب كثير من المفسّرين إلى أن الناس في زمن الجاهليّة كانوا يمتنعون لدى لبسهم ثياب الإحرام من الدخول في بيوتهم من أبوابها ويعتقدون بحرمة هذا العمل، ولهذا السبب فإنّهم كانوا يفتحون كُوّه وثقب خلف البيوت لكي يدخلوا بيوتهم منها عند إحرامهم، وكانوا يعتقدون أنّ هذا العمل صحيح وجيّد، لأنّه بمعنى ترك العادة(1) والإحرام يعني مجموعة من تروك العادات فيكتمل كذلك بترك هذه العادة.

ويرى بعضهم أنّ هذا العمل كان بسبب أنّهم لا يستظلّون بسقف في حال الإحرام، ولذلك فإنّ المرور من خلال ثقب الحائط بالقياس مع دخول الدار من الباب يكون أفضل، ولكنّ القرآن يصرّح لهم أنّ الخير والبر في التقوى لا في العادات والرّسوم الخرافيّة، ويأمر بعد ذلك فوراً بأن يدخلوا بيوتهم من أبوابها.

وهذه الآية لها معنىً أوسع وأشمل، وذلك أنّ الإنسان لابدّ له عندما يقدم على أيّ عمل من الأعمال سواء كان دينياً أو دنيوياً لابدّ له من أن يرده من طريق الصحيح لا من الطرق المنحرفة، كما ورد هذا المعنى في رواية جابر عندما سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك(2).

وهكذا يكون بامكاننا العثور على ارتباط جديد بين بداية الآية ونهايتها، وذلك أنّ كلّ عمل لابدّ أن يرده الإنسان من الطريق الصحيح، فالعبادة في الحجّ أيضاً لابدّ أن يبتدأ الإنسان بها في الوقت المقرّر وتعيينه بواسطة الهلال.

_____________________________

1 ـ تفسير البيضاوي : ذيل الآية المذكورة.

2 ـ مجمع البيان، المجلد الأوّل، ص 284 في تفسير الآية.

( 14 )

التفسير الثالث المذكور لهذه الآية هو أنّ الإنسان عندما يبحث عن الخيرات والبر لابدّ أن يتوجّه صوب أهله ولا يطلبه من غير أهله، ولكنّ هذا التفسير يمكن إدراجه في التفسير الثاني حيث ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام)عن الإمام الباقر (عليه السلام) (آل محمّد أبواب الله وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاّء عليها إلى يوم القيامة)(1).

هذا الحديث قد يشير إلى أحد مصاديق المفهوم الكلّي للآية لأنّه يقول أنّ عليكم أن تردوا في جميع اُموركم الدينيّة عن الطريق الصحيح لها، يعني أهل بيت النبوّة الّذين هم طبقاً لحديث الثقلين قرين القرآن، ولذلك يمكنكم أن تأخذوا معارفكم الدينيّة منهم، لأنّ الوحي الإلهي نزل في بيوتهم، فهم أهل بيت الوحي وصنائع القرآن وثمار تربيته.

جملة (ليس البرّ) يمكنها أن تكون إشارة إلى نكتة لطيفة اُخرى أيضاً، وهي أنّ سؤالكم عن الأهلّة بدل سؤالكم عن المعارف الدينيّة بمثابة مَن يترك الدخول إلى داره من الباب الأصلي ثمّ يرده من ظهر البيت فهو عمل مستقبح ومستهجن.

ضمناً يجب الإلتفات إلى هذه النكتة في قوله تعالى (لكنّ البرّ من اتّقى)أنّ وجود المتقّين بمثابة الينابيع المستفيضة بالخيرات، بحيث أنّهم قد يطلق عليهم كلمة (البر) نفسه(2).

* * *

بحوث

1 ـ أسئلة مختلفة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

وردت في 15 مورد من الآيات القرآنية جملة (يسألونك) وهذه علامة على

_____________________________

1 ـ مجمع البيان : في تفسير الآية.

2 ـ وذهب البعض إلى وجود حذف في الجملة وتقديره : لكن البر من اتقى ذلك.

( 15 )

أنّ الناس يسألون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسائل مختلفة كراراً ومراراً، والملفت للنظر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مضافاً إلى أنّه لا ينزعج من هذه الأسئلة، فإنّه يستقبلهم بصدر رحب، ويجيب على أسئلتهم من خلال الآيات القرآنية.

وأساساً فإنّ السؤال هو أحد حقوق الناس في مقابل القادة، وهذا الحقّ مشروع حتّى للأعداء أيضاً، فبإمكانهم طرح اسئلتهم بشكل معقول. فالسؤال مفتاح حل المشكلات. والسؤال بوّابة العلوم. والسؤال وسيلة انتقال المعارف المختلفة.

وأساساً فإنّ طرح الأسئلة المختلفة في كلّ مجتمع علامة على التحرك الفكري والحضاري والثقافي للنّاس، ووجود كلّ هذه الأسئلة في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)هو علامة على تحرّك أفكار الناس في ذلك المحيط ضمن تعليمات القرآن الكريم والدين الإسلامي.

فمن هنا يتّضح أنّ الأشخاص الّذين يعارضون طرح الأسئلة المنطقيّة في المجتمع يخالفون بذلك روح تعاليم الإسلام، وعملهم هذا مخالف لروح تعاليم الإسلام.

2 ـ التقويم ونظام الحياة

أنّ الحياة الفرديّة والإجتماعية لايمكن لها أن تقوم من دون نظم صحيح، نظم في التخطيط، ونظم في المديريّة والإجراء، فمن خلال نظرة سريعة إلى عالم الخلق من المنظومات الشمسيّة في السماء إلى بدن الإنسان وبناء هيكله وأعضائه المختلفة ندرك جيداً هذا الأصل الشامل والحاكم على جميع المخلوقات.

وعلى هذا الأساس جعل الله سبحانه وتعالى هذا النظم تحت اختيار الإنسان وقرّر أن تكون الحركات المنظّمة للكرة الأرضيّة حول نفسها وحول الشمس

( 16 )

وكذلك دوران القمر حول الأرض بانتظام وسيلة لتنظيم حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة وترتيبها وفق برنامج معيّن.

ولنفترض أنّ هذا النظم في الكون لم يكن موجوداً ولم يكن لدينا مقياس معيّن لقياس الزّمان، فماذا سيحصل من اضطراب في حياتنا اليوميّة ؟ ! ولهذا فإنّ الله تعالى ذكر هذا النظم الزماني في الأجرام السماويّة بعنوان أحد المواهب المهمّة الإلهيّة للإنسان، ففي سورة يونس في الآية الخامسة يقول (هُو الّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ القَمرَ نوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَموُا عَدَدَ السّنينَ والحِساب ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إلاّ بِالحَقّ يُفصّلُ الآياتِ لِقوم يَعْلَمونَ).

ومثل ذلك ما ورد في سورة الإسراء الآية (12) حول النظام الحاكم على اللّيل والنهار(1).

* * *

_____________________________

1 ـ بحثنا في هذا الموضوع ذيل الآية (12) من سورة الاسراء، وكذلك ذيل الآية (5) من سورة يونس.

( 17 )

الآيات

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإنِ انتَهُوْاْ فَإنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192)  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكوُنَّ الدِّينُ للهِ فَإنِ انتَهَوْاْ فَلاَ عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)

سبب النّزول

ذكر بعض المفسرين سببين لنزول الآية الاُولى من هذه الآيات محل البحث :

الأوّل : إنّ هذه الآية هي أوّل آية نزلت في جهاد أعداء الإسلامِ وبعد نزول هذه الآية شرع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قتالهم إلاّ الكفّار الّذين لم يكونوا في حرب مع المسلمين، واستمرّ هذا الحال حتّى نزل الأمر (اقتلوا المشركين) الّذي أجاز جهاد

( 18 )

وقتال جميع المشركين(1).

الثاني : من أسباب النزول ما ورد عن ابن عباس أنّ هذه الآية نزلت في صلح الحديبيّة، وذلك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة، فساروا حتّى نزلوا الحديبيّة فصدّهم المشركون عن البيت الحرام، فنحروا الهدي بالحديبيّة، ثمَّ صالحهم المشركون على أن يرجع النبي من عامه ويعود العام المقبل، ويخلوا له مكّة ثلاثة أيّام، فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء، فرجع إلى المدينة من فوره. فلمّا كان العام المقبل تجهّز النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم، وكره رسول الله قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل الله هذه الآية لتبيح للمسلمين القتال إن بدأهم المشركون به(2).

والظاهر أن شأن النزول الأوّل يناسب الآية الاُولى، والثاني يناسب الآيات التالية،وعلى أية حال فإن مفهوم الآيات يدلّ على أنهانزلت جميعاً بفاصلة قصيرة.

التّفسير

القرآن أمر في هذه الآية الكريمة بمقاتلة الذين يشهرون السلاح بوجه المسلمين، وأجازهم أن يواجهوا السلاح بالسلاح، بعد أن انتهت مرحلة صبر المسلمين على الأذى، وحلّت مرحلة الدفاع الدامي عن الحقوق المشروعة.

تقول الآية : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم).

عبارة (فِي سَبِيلِ الله) توضّح الهدف الأساسي من الحرب في المفهوم الإسلامي، فالحرب ليست للإنتقام ولا للعلوّ في الأرض والتزعم، ولا للإستيلاء

_____________________________

1 ـ تفسير الفخر الرازي، المجلد 5، ص 127.

2 ـ مجمع البيان، ج 1، ص 284 (ذيل الآية مورد البحث) وورد مثلها في تفاسير اُخرى.

( 19 )

على الأراضي، ولا للحصول على الغنائم... فهذا كلّه مرفوض في نظر الإسلام. حمل السلاح إنّما يصحّ حينما يكون في سبيل الله وفي سبيل نشر أحكام الله، أي نشر الحقّ والعدالة والتوحيد واقتلاع جذور الظلم والفساد والإنحراف.

وهذه هي الميزة التي تميّز الحروب الإسلامية عن ساير الحروب في العالم، وهذا الهدف المقدّس يضع بصماته على جميع أبعاد الحرب في الإسلام ويصبغ كيفيّة الحرب وكميّتها ونوع السلاح والتعامل مع الاسرى وأمثال ذلك بصبغة «في سبيل الله».

«سبيل» كما يقول الراغب في مفرداته أنها في الأصل تعني الطريق السهل، ويرى بعض أنه ينحصر في طريق الحقّ. ولكن مع الالتفات إلى أن هذه المفردة جاءت في القرآن الكريم تارة بمعنى طريق الحقّ، واُخرى طريق الباطل، فإن مرادهم قد يكون إطلاقها على طريق الحقّ مع القرائن.

ولا شكّ أن سلوك طريق الحقّ «سبيل الله» أي طريق الدين الإلهي مع احتوائه على مشاكل ومصاعب كثيرة إلاّ أنه سهل يسير لتوافقه مع الفطرة والروح الإنسانية للاشخاص المؤمنين، ولهذا السبب نجد المؤمنين يستقبلون تلك الصعوبات برحابة صدر حتّى لو ادّى بهم إلى القتل والشهادة.

وعبارة (الذين يقاتلونكم) تدلّ بصراحة أن هذا الحكم الشرعي يختّص بمن شهروا السلاح ضد المسلمين، فلا تجوز مقاتلة العدو ما لم يشهر سيفاً ولم يبدأ بقتال باستثناء موارد خاصّة سيأتي ذكرها في آيات الجهاد.

وذهب جمع من المفسرين إلى أن مفهوم (الذين يقاتلونكم) محدود بدائرة خاصّة، في حين أن مفهوم الآية عام وواسع. ويشمل جميع الذين يقاتلون المسلمين بنحو من الإنحاء.

ويستفاد من الآية أيضاً أن المدنيين ـ خاصّةً النساء والأطفال ـ لا يجوز أن

( 20 )

يتعرّضوا لهجوم، فهم مصونون لأنّهم لا يقاتلون ولا يحملون السلاح.

ثمّ توصي الآية الشريفة بضرورة رعاية العدالة حتّى في ميدان القتال وفي مقابل الأعداء، وتقول : (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).

أجل، فالحرب في الإسلام لله وفي سبيل الله، ولا يجوز أن يكون في سبيل الله اعتداء ولا عدوان. لذلك يوصي الإسلام برعاية كثير من الأُصول الخلقية في الحرب، وهو ما تفتقر إليه حروب عصرنا أشدّ الإفتقار. يوصي مثلاً بعدم الإعتداء على المستسلمين وعلى من فقدوا القدرة على الحرب، أوليست لديهم أصلاً قدرة على الحرب كالشيوخ والنساء والأطفال، وهكذا يجب عدم التعرّض للمزارع والبساتين، وعدم اللجوء إلى المواد السامة لتسميم مياه شرب العدوّ كالسائد اليوم في الحروب الكيمياوية والجرثوميّة.

الإمام عليّ (عليه السلام) يقول لافراد جيشه ـ كما ورد في نهج البلاغة ـ وذلك قبل شروع القتال في صفين :

«لا تقاتلوهم حتّى يبدؤوكم فإنكم بجهد الله على حجّة، وترككم إيّاهم حتّى يبدؤوكم حجّة اُخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولا تُصيبوا مُعوراً ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذىً وإن شتمن أعراضكم وسببن أُمراءكم»(1).

والجدير بالذكر أن بعض المفسّرين ذهب طبقاً لبعض الروايات أن هذه الآية ناسخة للآية التي تنهى عن القتال من قبيل (كفوا أيديكم)(2). وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بالآية (وقاتلوا المشركين كافة)(3). ولكن الصحيح أن هذه الآية لا

_____________________________

1 ـ نهج البلاغة ـ الكتب والرسائل ـ رقم 14.

2 ـ سورة النساء، 77.

3 ـ التوبة، 36.

( 21 )

ناسخة ولا منسوخة، لأن منع المسلمين من قتال الكفّار كان في زمن لم يكن للمسلمين القوّة الكافية، ومع تغيّر الظروف صدر الأمر لهم بالدفاع عن أنفسهم، وكذلك قتال المشركين فهو في الواقع استثناء من الآية، فعلى هذا يكون تغيير الحكم بسبب تغيير الظروف لا من قبيل النسخ ولا الاستثناء، ولكن القرائن تدلّ على أن النسخ في الروايات وفي كلمات القدماء له مفهوم غير مفهومه في العصر الحاضر، أي له معنىً واسع يشمل هذه الموارد أيضاً.

* * *

في الآية التالية الّتي تعتبر مكملّة للأمر الصادر في الآية السابقة تتحدّث هذه الآية بصراحة أكثر وتقول : إنّ هؤلاء المشركين هم الّذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وصبّوا عليهم ألوان الأذى والعذاب، فيجب على المسلمين أن يقتلوهم أينما وجدوهم، وأنّ هذا الحكم هو بمثابة دفاع عادل ومقابلة بالمثل، لأنّهم قاتلوكم وأخرجوكم من مكّة (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم). ثمّ يضيف الله تعالى (والفتنة أشدُّ من القتل).

أمّا المراد من (الفتنة) ما هو ؟ فهناك أبحاث عديدة بين المفسرين و أرباب اللّغة، فهذه المفردة في الأصل من (فَتْن) على وزن مَتْن، ويقول الراغب في مفرداته أنّها تعني وضع الذهب في النار للكشف عن درجة جودته وإصالته، وقال البعض أنّ المعنى هو وضع الذهب في النار لتطهيره من الشوائب(1)، وقد وردت مفردة الفتنة ومشتقاتها في القرآن الكريم عشرات المرّات وبمعان مختلفة.

فتارة جاءت بمعنى الإمتحان مثل (أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون)(2).

_____________________________

1 ـ روح المعاني، المجلد الثاني، ص 65.

2 ـ العنكبوت : 2.

( 22 )

وتارةً وردت بمعنى المكر والخديعة في قوله تعالى (يا بني آدم لا يَفْتَتِنَنّكُم الشّيطان)(1).

وتارةً بمعنى البلاء والعذاب مثل قوله (يوم هم على النّار يُفتنون ذوقوا فتنتكم)(2).

وتارةً وردت بمعنى الضّلال مثل قوله (ومن يُرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً)(3).

وتارةً بمعنى الشرك وعبادة الأوثان أو سد طريق الإيمان أمام الناس كما في الآية مورد البحث وبعض الآيات الواردة بعدها فيقول تعالى : (وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله).

ولكنّ الظاهر أنّ جميع هذه المعاني المذكورة للفتنة تعود إلى أصل واحد (كما في أغلب الألفاظ المشتركة)، لأنه مع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ معنى الأصل هو وضع الذهب في النار لتخليصه من الشوائب فلهذا استعملت في كلّ مورد يكون فيه نوع من الشّدة، مثل الإمتحان الّذي يقترن عادةً بالشّدة ويتزامن مع المشكلات، والعذاب أيضاً نوع آخر من الشّدة، وكذلك المكر والخديعة التي تُتّخذ عادةً بسبب أنواع الضغوط والشدائد، وكذلك الشرك وايجاد المانع في طريق ايمان الناس حيث يتضمّن كلّ ذلك نوع من الشّدة والضغط.

والخلاصة أنّ عبادة الأوثان وما يتولّد منها من أنواع الفساد الفردي والإجتماعي كانت سائدة في أرض مكّة المكرّمة حيث لوّثت بذلك الحرم الإلهي الآمن، فكان فسادها ااشد من القتل فلذلك تقول هذه الآية مورد البحث مخاطب

_____________________________

1 ـ الأعراف : 27.

2 ـ الذاريات : 13 ، 14.

3 ـ المائدة : 41.

( 23 )

المسلمين : أنّه لا ينبغي لكم ترك قتال المشركين خوفاً من سفك الدماء فإنّ عبادة الأوثان أشد من القتل.

وقد أورد بعض المفسّرين احتمالاً آخر، وهو أن يكون المراد من الفتنة هنا الفساد الإجتماعي من قبيل تبعيد المؤمنين من أوطانهم حيث تكون هذه الاُمور أحياناً أشد من القتل أو سبباً في قتل الأنفس والأفراد في المجتمع، فنقرأ في الآية (73) من سورة الأنفال قوله تعالى (إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)أي إذا لم تقطعوا الرابطة مع الكفّار فسوف تقع فتنة كبيرة في الأرض وفساد عظيم.

ثمّ تشير الآية إلى مسألة اُخرى في هذا الصدد فتقول : إنّ على المسلمين أن يحترموا المسجد الحرام دائماً وأبداً، ولذلك لا ينبغي قتال الكفّار عند المسجد الحرام،إلاّ أن يبدئوكم بالقتال (ولاتقاتلوهم عندالمسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه).

(فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) لأنّهم عندما كسروا حرمة هذا الحرم الإلهي الآمن فلا معنى للسكوت حينئذ ويجب مقابلتهم بشدّة لكي لا يسيئوا الاستفادة من قداسة الحرم وإحترامه.

ولكن بما أنّ الإسلام في منهجه التربوي للناس يقرن دائماً الإندار والبشارة معاً، والثواب والعقاب كذلك، لكي يؤثّر في المسلمين تأثيراً سليماً، فلذلك فسح المجال في الآية التالية للعودة والتوبة فقال (فإن انتهوا فإنّ الله غفور رحيم).

أجل فلو أنّهم تركوا الشرك وأطفؤوا نيران الفتنة والفساد فسوف يكونون من إخوانكم، وحتّى بالنّسبة إلى الغرامة والتعوضيات الّتي تجب على سائر المجرمين بعد قيامهم للجريمة فإنّ هؤلاء المشركون معفون من ذلك ولا يشملهم هذا الحكم.

وذهب البعض إلى أنّ جملة (فإن انتهوا) بمعنى ترك الشرك والكفر (كما ذكرناأعلاه).

( 24 )

وذهب البعض إلى أنّ المعنى هو ترك الحرب والقتال في المسجد الحرام أو أطرافه.

ولكنّ الجمع بين هذين المعنيين ممكنٌ أيضاً.

الآية التالية تشير إلى هدف الجهاد في الإسلام وتقول : (وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين لله).

ثمّ تضيف : فإن ترك هؤلاء المشركون عقائدهم الباطلة وأعمالهم الفاسدة فلا تتعرّضوا لهم (فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين).

وحسب الظاهر ذُكر في هذه الآية ثلاثة أهداف للجهاد وهي :

1 ـ إزالة الفتنة.

2 ـ محو الشرك وعبادة الأوثان.

3 ـ التصدّي للظلم والعدوان.

ويُحتمل أن يكون المراد من الفتنة هو الشرك أيضاً وعلى هذا يكون الهدف الأوّل والثاني واحداً، وهناك أيضاً احتمال آخر وهو أنّ المراد من الظلم هنا هو الشرك أيضاً كما ورد في الآية (16) من سورة لقمان (إنَّ الشركَ لظُلمٌ عظيم).

وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الأهداف الثلاثة تعود إلى هدف واحد وهو التصدي للشرك وعبادة الأوثان والّذي يمثّل المصدر الأساس لكلّ أنواع الفتن والمظالم والعدوان.

وذهب البعض إلى أنّ الظلم في هذه الآية بمعنى الإبتداء بالحرب أو القتال في الحرم الإلهي الآمن، ولكنّ الإحتمال الأوّل وهو أنّ المراد من الآية هو الأهداف الثلاثة المتقدّمة أقوى، فصحيح أنّ الشرك هو أحد مصاديق الفتنة، ولكنّ الفتنة لها مفهوم أوسع من الشرك، وصحيح أيضاً أنّ الشرك أحد مصاديق الظلم، ولكنّ الظلم له مفهوم أوسع أيضاً، فعندما نرى تفسيره بالشرك أحياناً فهو لبيان المصداق.

( 25 )

وعلى هذا الأساس لا يكون الجهاد في الإسلام لغرض التسلّط على البلدان والفتوحات، وليس لغرض تحصيل الغنائم، ولا بهدف تملّك الأسواق للتّجارة أو السيطرة على ثروات ومعادن البلدان الاُخرى، أو من أجل غلبة العنصر القومي على آخر.

فالهدف هو أحد الثلاثة المتقدّمة : إزالة الفتن والفوضى الّتي تؤدّي إلى سلب حريّة الناس وأمنهم، وكذلك محو آثار الشرك وعبادة الأوثان، وأيضاً التصدّي للظّالمين والمعتدين والدفاع عن المظلومين.

* * *

بحوث

1 ـ مسألة الجهاد في الإسلام

نلاحظ في الكثير من المذاهب الوضعيّة المنحرفة أنّه لا وجود للجهاد لديهم إطلاقاً، فكلّ ما فيه يدور حول محور النصائح والمواعظ الأخلاقية، حتّى أنّ البعض عندما يسمع بوجود مقالة الجهاد واستعمال القوّة كأحد الأركان المهمّة في التعاليم الإسلاميّة يتعجّب كثيراً على إقتران الدين بالحرب.

ولكن مع ملاحظة أنّ الحكّام الطواغيت والفراعنة وأمثالهم من النمروديّين والقارونييّن الّذين يعترضون دائماً على دعوة الأنبياء الإصلاحيّة ويقفون بوجهها ولا يرضون إلاّ بإزالة الدين الإلهي من الوجود يتّضح أنّ على المؤمنين والمتديّنين في الوقت الّذي يعتمدون على العقل والمنطق والأخلاق في تفاعلهم الإجتماعي مع الآخرين عليهم أن يتصدّوا لهؤلاء الظالمين والطّواغيت ويشقّوا طريقهم بالجهاد وتحطيم هذه الموانع والعوائق الّتي يقيمها حكّام الجور في طريقهم.

( 26 )

وأساساً فإنّ الجهاد هو من علامات الحياة لكلّ موجود ويمثّل قانوناً عامّاً في عالم الأحياء، فجميع الكائنات الحيّة أعم من الإنسان والحيوان والنبات تجاهد عوامل الفناء من أجل بقائها، وسيأتي مزيد من التوضيح في هذا المجال في سورة النساء ذيل الآية 95 و 96.

وعلى كلّ حال فإنّ من افتخاراتنا نحن المسلمين أنّ ديننا يقرن المسائل الدينيّة بالحكومة ويعتمد على الجهاد كأحد أركان المنظومة العقائديّة لهذا الدين، غاية الأمر يجب ملاحظة أهداف هذا الجهاد الإسلامي، وهذا هو الّذي يفصل بيننا وبين الآخرين.

2 ـ أهداف الجهاد في الإسلام

يصرّ البعض من المتغرّبين أنّ الجهاد الإسلامي منحصر في الجهاد الدفاعي ويحاولون توجيه جميع غزوات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الحروب الّتي حدثت بعده في هذه الدائرة، في حين أنّه لا يوجد دليل على هذه المسألة، ولم تكن جميع غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دفاعيّة، فمن الأفضل العودة إلى القرآن الكريم بدل هذه الإستنباطات الخاطئة لإستجلاء أهداف الجهاد من القرآن الكريم، تلك الأهداف المنطقيّة القابلة للعرض على الصّديق والعدو.

وكما تقدّم في الآيات أعلاه أنّ الجهاد في الإسلام يتعقّب عدّة أهداف مباحة :

الف ـ الجهاد من أجل إطفاء الفتن

وبعبارة اُخرى الجهاد الإبتدائي من أجل التحرير، فنحن نعلم أنّ الله عزّوجلّ قد أنزل على البشريّة شرائع وبرامج لسعادة البشر وتحريرهم وتكاملهم وإيصالهم إلى السعادة والرفاه، وأوجب على الأنبياء (عليهم السلام) أن يبلّغوا هذه الشرائع والإرشادات إلى الناس، فلو تصوّر أحد الأفراد أو طائفة من الناس أنّ إبلاغ هذه

( 27 )

الشرائع للناس سوف يعيقه عن نيل منافعه الشخصيّة وسعى لإيجاد الموانع ووضع العصي في عجلات الدعوة الإلهيّة، فللأنبياء الحقّ في إزالة هذه الموانع بطريقة المسالمة أوّلاً وإلاّ فعليهم استخدام القوّة في إزالة هذه الموانع عن طريق الدّعوة لنيل الحريّة في التبليغ.

وبعباره اُخرى : أنّ الناس في جميع المجتمعات البشريّة لهم الحقّ في أن يسمعوا مقالة منادي الحقّ وهم أحرار في قبول دعوة الأنبياء، فلو تصدّى فرد أو جماعة لسلب هذا الحقّ المشروع للناس وحرمانهم منه ومنعوا صوت الحقّ من الوصول إلى الناس ليحرّرهم من قيود الأسر والعبوديّة الفكريّة والإجتماعيّة، فلأتباع الدين الحقّ في الإستفادة من جميع الوسائل لتهيئة هذه الحريّة، ومن هنا كان (الجهاد الإبتدائي) في الإسلام وسائر الأديان السماويّة ضروريّاً.

وكذلك إذا استخدم البعض القوّة والإرهاب في حمل جماعة من المؤمنين على ترك دينهم والعودة إلى الدين السابق لهم، فللمؤمنين الحقّ في الإستفادة من جميع الوسائل لرفع هذا الإكراه والإرهاب.

ب ـ الجهاد الدفاعي

هل من الصحيح أن يواجه الإنسان هجوماً وعدواناً عليه ولا يدافع عن نفسه ؟ أو أن يقوم جيش معتدي بالهجوم على بعض الشعوب الاُخرى ولا تقوم تلك الشعوب بالدفاع عن نفسها وعن بلدها بل تقف موقف المتفرّج ؟

هنا نجد أنّ جميع القوانين السماويّة والبشريّة تبيح للفرد أو الجماعة الدّفاع عن النفس والإستفادة ممّا وسعهم من قوّة في هذا السبيل، ويسمّى مثل هذا الجهاد بـ (الجهاد الدفاعي) ومن ذلك غزوة الأحزاب واُحد ومؤتة وتبوك وحنين ونظائرها من الحروب الإسلاميّة الّتي لها جنبة دفاعيّة.

وفي هذا الزمان نجد أنّ الكثير من أعداء الإسلام يعتدون على المسلمين

( 28 )

ويشعلون نيران الحروب للسّيطرة على البلاد الإسلاميّة ونهب ثرواتها، فكيف يُبيح الإسلام السكوت أمام هذا العدوان ؟

ج ـ الجهاد لحماية المظلومين

ونلاحظ فرعاً آخر من فروع الجهاد في الآيات القرآنية الكريمة، وهو الجهاد لحماية المظلومين، فتقرأ في الآية (75) من سورة النساء (وَ ما لكم لا تُقاتلوُنَ في سَبيلِ اللهِ وَ المُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرّجالِ والنّساء والوِلْدان الّذين يقولون ربَّنا أخْرِجْنا مِنْ هذه الْقَريَة الظّالمِ أهلها وأجْعَلْ لَّنا مِن لّدُنك وَليّاً وأجْعَلْ لّنا مِنْ لَدُنك نَصيراً).

وعلى هذا الأساس فالقرآن يطلب من المسلمين الجهاد في سبيل الله وكذلك في سبيل المستضعفين المظلومين، وأساساً إنّ هاتين الغايتين متحدّتان، ومع الأخذ بنظر الإعتبار عدم وجود قيد أو شرط في الآية أعلاه نفهم من ذلك وجوب الدفاع عن جميع المظلومين والمستضعفين في كلّ نقطة من العالم القريبة منها أو البعيدة، وفي الداخل أو الخارج.

وبعبارة اُخرى : أنّ حماية المظلومين في مقابل عدوان الظّالمين هو أصل في الإسلام يجب مراعاته، حتّى لو أدّى الأمر إلى الجهاد واستخدام القوّة، فالإسلام لا يرضى للمسلمين الوقوف متفرّجين على ما يرد على المظلومين في العالم، وهذا الأمر من الأوامر المهمّة في الشريعة الإسلاميّة المقدّسة الّتي تحكي عن حقانيّة هذا الدّين.

د ـ الجهاد من أجل دحر الشرك وعبادة الأوثان

الإسلام يدعوا البشريّة إلى اعتناق الدّين الخاتم الأكمل وهو يحترم مع ذلك حريّة العقيدة، وبذلك يُعطي أهل الكتاب الفرصة الكافية للتّفكير في أمر إعتناق الرّسالة الخاتمة، فإن لم يقبلوا بذلك فإنّه يعاملهم معاملة الأقليّة المعاهدة (أهل الذّمة) ويتعايش معهم تعايشاً سلميّاً ضمن شروط خاصّة بسيطة وميسورة، لكنّ

( 29 )

الشرك والوثنيّة ليسا بدين ولا عقيدة ولا يستحقّان الإحترام، بل هما نوع من الخرافة والحمق والإنحراف ونوع من المرض الفكري والأخلاقي الّذي ينبغي أن يستأصل مهما كلّف الثمن.

كلمة حريّة العقيدة واحترام أفكار الآخرين تصدق في مواقع يكون لهذه العقيدة والأفكار على أقلّ تقدير أساس من الصحّة، أما الإنحراف والخرافة والضلال فليست بأشياء تستحق الإحترام، ولذلك يأمر الإسلام بضرورة إقتلاع جذور الوثنيّة من المجتمع ولو كلّف ذلك خوض الحرب، وضرورة هدم آثار الشرك والوثنيّة بالطرق السلميّة أوّلاً، فإن تعذّرت الطرق السلميّة فبالقوّة.

أجل فالإسلام يرى ضرورة تطهير الأرض من أدران الشرك والوثنيّة ويعدالمسلمين بمستقبل مشرق للبشريّة في العالم تحت ظل حكومة التوحيد وزوال كلّ أنواع الشرك والوثنيّة.

وممّا تقدّم من ذكر أهداف الجهاد يتّضح أنّ الإسلام أقام الجهاد على اُسس منطقية وعقلية، فلم يجعله وسيلة للتّسلّط والسيطرة على البلدان الاُخرى وغصب حقوق الآخرين و تحميل العقيدة واستعمار واستثمار الشعوب الاُخرى، ولكنّنا نعلم أنّ أعداء الإسلام وخاصّة القائمون على الكنيسة والمستشرقين المغرضين سعوا كثيراً لتحريف الحقائق ضد مسألة الجهاد الإسلامي، واتّهموا الإسلام باستعمال الشدّة والقوّة والسيف من أجل تحميل الإيمان به وتهجمّوا كثيراً على هذا القانون الإسلامي.

والظّاهر أنّ خوفهم وهلعهم إنّما هو من تقدّم الإسلام المضطرد في العالم بسبب معارفه السّاميّة وبرنامجه السّليم، ولهذا سعوا لإعطاء الإسلام صبغة موحشة كيما يتمكنّوا من الوقوف أمام انتشار الإسلام.

( 30 )

3 ـ لماذا شرّع الجهاد في المدينة

نعلم أنّ الجهاد وجب على المسلمين في السنّة الثانية بعد الهجرة، ولم يكن قد شُرّع قبلها، والسبب واضح فهو يعود من جهة إلى قلّة عدد المسلمين في مكّة بحيث يكون الأمر بالكفاح المسلّح في مثل هذه الحالة هو الإنتحار بعينه، ومن جهة اُخرى كان العدو في مكّة قويّاً جدّاً، فمكّة في الواقع كانت مركز القوى المعادية للإسلام، ولم يكن بالإمكان حمل السّلاح فيها.

أمّا حين قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة إزداد عدد المؤمنين واتسع نطاق الدّعوة داخل المدينة وخارجها، وتأسّست الحكومة الإسلاميّة الصالحة، وتهيّأت وسائل الجهاد ضدّ العدو على صعيد العدّة والعدد، وبما أنّ المدينة المنوّرة كانت بعيدة عن مكّة استطاع المسلمون في حالة من الأمن والطمأنينة أن يبنوا وجودهم ويعدّوا أنفسهم لمواجهة العدو والدفاع عن رسالتهم.

* * *

( 31 )

الآيـة

الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)

التّفسير

احترام الأشهر الحُرم والمقابلة بالمِثل :

هذه الآية الشريفة تكمّل البحث الوارد في الآيات السّابقة عن الجهاد بشكل عام، فهي في الواقع إجابة على من يتصوّر أنّه لا يمكن القتال في الأشهر الحُرُم، فكيف أمر الإسلام بالقتال فيها.

ولتوضيح الأمر : كان المشركون على علم بأنّ الإسلام يحضر الحرب في الأشهر الحرم (ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب) خاصّة في حرم مكّة والمسجد الحرام، وبعبارة اُخرى أنّ الإسلام أمضى هذه السنّة التي كانت موجودة من قبل، فكان نبي الإسلام ملتزم بهذا الحضر، لذلك أرادوا أن يشنّوا هجوماً مباغتاً على المسلمين في هذه الأشهر الحُرم متجاهلين حرمتها ضانيّن أنّ المسلمين ممنوعون من المواجهة، وفي هذه الحالة يستطيعون أن يحقّقوا هدفهم.

( 32 )

الآية الكريمة تكشف مؤامرة المشركين وتحمّل المسلمين مسؤوليّة مواجهة العدوان حتّى في الأشهر الحُرم فتقول الآية (الشّهر الحرام بالشهر الحرام)أي أنّ الأعداء لو كسروا حرمة واحترام هذه الأشهر الحُرم وقاتلوكم فيها فلكم الحقّ أيضاً في المقابلة بالمِثل، لأن (والحُرُمات قصاص).

(حُرُمات) جمع «حُرمة» وتعني الشيء الّذي يجب حفظه واحترامه، وقيل للحرم : حرم لأنّه مكان محترم ولا يجوز هتكه. ويقال الأعمال الممنوعة والقبيحة حرام لهذا السبب، ولهذا أيضاً كانت بعض الأعمال محرّمة في الشهر الحرام والأرض الحَرم.

وهذه العبارة (والحُرمات قصاص) تتضمّن جواباً رابعاً لاُولئك الّذين اعترضوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لإباحته الحرب في الأشهر الحُرم، أو أرض مكّة المكرّمة الحرم الإلهي الآمن، وتعني أنّ احترام الأشهر الحُرم ضروري أمام العدو الّذي يراعي حرمة هذه الأشهر، أمّا العدو الّذي يهتك هذه الحرمة فلا تجب معه رعاية الإحترام وتجوز محاربته حتّى في هذه الأشهر، واُمر المسلمون أن يهبّوا للجهاد عند اشتعال نار الحرب كي لا تخامر أذهان المشركين فكرة انتهاك حرمة هذه الشّهور.

ثمّ تشرّع الآية حكماً عامّاً يشمل ما نحن فيه وتقول : (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتقين).

فالإسلام ـ وخلافاً للمسيحيّة الحاليّة الّتي تقول (إذا لطمك شخص على خدّك الأيمن فأدِر له الأيسر)(1) ـ لايقول بمثل هذا الحكم المنحرف الّذي يبعث على جرأة المعتدي وتطاول الظّالم، وحتّى المسسيحيّون في هذا الزّمان لا يلتزمون مطلقاً بهذا الحكم أيضاً، ويردّون على كلّ عدوان مهما كان قليلاً بعدوان أشد، وهذا أيضاً مخالف لدستور الإسلام في الرّد، فالإسلام يقول : يجب التصدّي للظّالم

_____________________________

1 ـ انجيل متّى ـ الباب 5 ـ الرقم 39.

( 33 )

والمعتدي، ويُعطي الحقّ للمظلوم والمُعتدى عليه المقابلة بالمِثل، فالإستسلام في منطق الإسلام يعني الموت، والمقاومة والتصدّي هي الحياة.

والجدير بالذكر أنّ مفهوم الآية يشمل دائرة وسيعة ولا ينحصر بمسألة القصاص في مقابل القتل أو الجنايات الاُخرى، بل يشمل حتّى الاُمور الماليّة وسائر الحقوق الاُخرى.

وهذا طبعاً لايتعارض مع مسألة العفو والصفح عن الإخوان والأصدقاء النادمين.

أحياناً يتصوّر بعض العوام أنّ معنى الآية هو أنّه لو قتلَ شخصٌ شخصاً آخر فإنّ معنى المقابلة بالمثل تبيح لأب المقتول أن يقتل ابن القاتل، وإذا ضرب أخاه فيجوز له أن يضرب أخا الضّارب، ولكن هذا اشتباه كبير، لأنّ القرآن يقول (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) لا الأفراد الأبرياء.

وأيضاً لا ينبغي أن يتصوّر أنّ مفهوم الآية هو أنّه أن أقام شخص بإحراق بيت آخر فيجوز للمُعتدى عليه أن يقوم بحرق بيت المعتدي، بل مفهومه أن يؤدّي المعتدي ما يُعادل قيمة البيت المحترق إلى المُعتدى عليه.

وعبارة (واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتّقين) تأكيد آخر على ضرورة عدم تجاوز الحدّ في الدّفاع والمقابلة، لأنّ الإفراط في المقابلة يُبعد المواجهة عن إطار التقوى.

وقوله تعالى (واعلموا أن الله مع المتّقين) إشارة إلى أنّ الله لا يهمل المتقي في خِضمّ المشكلات، بل يعينه ويرعاه، لأنّ من كان مع شخص آخر فمفهومه أنّه يعينه في مشكلاته ويحميه مقابل الأعداء.

* * *

( 34 )

الآيـة

وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ (195)

التّفسير

الإنفاق والخلاص من المآزق :

هذه الآية تكمّل ما مرّ من آيات الجهاد فكما أنّ الجهاد بحاجة إلى الرجال المخلصين والمجرّبين كذلك بحاجة إلى المال والثروة أي بحاجة إلى الإستعداد البدني والمعنوي والمعدّات الحربيّة، صحيح أن العامل الحاسم في تقرير مصير الحرب هو الرجال بالدّرجة الاُولى، ولكنّ الجندي بحاجة إلى أدوات الحرب (أعمّ من السلاح والأدوات ووسائل النقل والغذاء والوسائل الصحيّة) فإنّه بدونها لا يمكنه أن يفعل شيئاً.

من هنا أوجب الإسلام تأمين وسائل الجهاد مع الأعداء، ومن ذلك ما ورد في الآية أعلاه حيث تأمر بصراحة (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة).

( 35 )

وهذا المعنى يتأكّد خاصّة في عصر نزول هذه الآيات حيث كان المسلمون في شوق شديد إلى الجهاد كما يحدّثنا القرآن عن اُولئك الّذين أتوا النبي يطلبون منه السلاح ليشاركوا في ساحة الجهاد وإذ لم يجدوا ذلك عادوا مهمومين محزونين (تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزناً ألاّ يجدوا ما ينفقون)(1).

فعبارة (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) بالرّغم من أنّها واردة في ترك الإنفاق في الجهاد الإسلامي، ولكنّ مفهومها واسع يشمل موارد اُخرى كثيرة، منها أنّ الإنسان ليس له الحقّ في اتّخاذ الطرق الخطرة للسّفر (سواء من الناحية الأمنيّة أو بسبب العوامل الجويّة أو غير ذلك) دون أن يتّخذ لنفسه الإحتياطات اللاّزمة لذلك، كما لايجوز له تناول الغذاء الّذي يحتمل قويّاً أن يكون مسموماً وحتّى أن يرد ميدان القتال والجهاد دون تخطيط مدروس، ففي جميع هذه الموارد الإنسان مسؤول عن نفسه في ما لو ألقى بها في الخطر بدون عذر مقبول.

وتصوّر بعض الجهلاء من أنّ كلّ ألوان الجهاد الإبتدائي هو إلقاء النفس في التّهلكة وحتّى أنهم أحياناً يعتبرون قيام سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء مصداق لهذه الآية، وهذا ناشىء من الجهل المطبق وعدم درك مفهوم الآية الشريفة، لأنّ إلقاء النفس بالتّهلكة يتعلّق بالموارد الّتي لا يكون فيها الهدف أثمن من النفس وإلاّ فلابدّ من التضحية بالنفس حفاظاً على ذلك الهدف المقدّس كما صنع الإمام الحسين وجميع الشهداء في سبيل الله كذلك.

فهل يتصوّر أحد أنّ الشّخص الّذي يرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطر فيحميه بنفسه ويذبّ عنه معرّضاً نفسه للخطر فداءً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (كما صنع علي (عليه السلام) في حرب اُحد أو في ليلة المبيت) فهل يعني هذا إلقاء للنفس بالتّهلكة وإنّه صنع حراماً ؟ وهل

_____________________________

1 ـ التوبة : 92.

( 36 )

يعني ذلك أن يقف موقف المتفرّج حتّى يُقتل رسول الله ويقول أنّ إلقاء النفس في التّهلكة حرام ؟

والحقّ أنّ مفهوم الآية واضح والتمسّك بها في مثل هذه الموارد نوع من الجهل والحِمق.

أجل، إذا لم يكن الهدف مهمّاً ولايستحق أن يضحّي الإنسان بنفسه في سبيله، أو أنّه يكون مهمّاً ولكن بإمكانه تحقيقه بوسائل وطرق اُخرى أفضل، ففي هذه الموارد لا ينبغي إلقاء النفس في الخطر (كموارد التقيّة مثلاً من هذا القبيل).

وفي آخر الآية أمر بالإحسان ويقول (أحسنوا إنّ الله يحبّ المحسنين).

أمّا ما هو المراد بالإحسان هنا ؟ فهناك عدّة احتمالات في كلمات المفسّرين، منها : أنّ المراد هو حسن الظن بالله (فلا تظنّوا أنّ إنفاقكم هذا يؤدي إلى الإختلال في معاشكم)، والآخر هو الإقتصاد والإعتدال في مسألة الإنفاق، وإحتمال ثالث هو دمج الإنفاق مع حسن الخلق للمحتاجين بحيث يتزامن مع البشاشة وإظهار المحبّة و تجنّب أي لون من ألوان المنّة والأذى للشخص المحتاج، ولا مانع من أن يكون المراد في مفهوم الآية جميع هذه المعاني الثلاث.

* * *

بحوث

1 ـ الإنفاق مانع عن انهيار المجتمع

هناك إرتباط معنوي بين جملة (وأنفقوا في سبيل الله) و (لا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة) بملاحظة أنّ عبارات الآيات القرآنية مترابطة ومتلازمة، والظّاهر أنّ الرّابطة بين هاتين العبارتين هو أنّكم لو لم تنفقوا في سبيل الله وفي مسار الجهاد فقد ألقيتم أنفسكم في التّهلكة.

( 37 )

ويمكن أن يكون الإرتباط أكثر من ذلك وهو أن نقول : إنّ هذه الآية بالرّغم من أنّها وردت في ذيل آيات الجهاد، ولكنّها تبيّن حقيقة كليّة واجتماعيّة، وهي أنّ الإنفاق بشكل عام سبب لنزاهة المجتمع من المفاسد المدمّرة، لأنه حينما يترك أفراد المجتمع الإنفاق وتتراكم الثروة في أحد أقطاب المجتمع تنشأ طبقة محرومة بائسة، ولا يلبث أن يحدث انفجار عظيم فيه يحرق الأثرياء وثروتهم ويتّضح من ذلك إرتباط الإنفاق بابعاد التهلكة.

ومن هنا فالإنفاق يعود بالخير على الأثرياء قبل أن يصيب خيره المحرومين، لأنّ تعديل الثروة يصون الثروة كما قال الإمام علي (عليه السلام) (حصّنوا أموالكم بالزّكاة)(1).

وبتعبير بعض المفسّرين أنّ الإمتناع من الإنفاق في سبيل الله يؤدّي إلى موت الرّوح الإنسانيّة في الفرد بسبب البخل، وكذلك يؤدّي إلى موت المجتمع بسبب الضعف الإقتصادي وخاصّةً في النظام الإسلامي المبتني على أساس الإحسان والخير(2).

2 ـ سوء الإستفادة من مضمون الآية

تقدّم أنّ بعض أهل الدنيا من طلاّب العافية تمسّكوا في هذه الجملة من هذه الآية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة) للفرار من الجهاد في سبيل الله حتّى أنّهم وسموا ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء الّتي كانت سبب نجاة الإسلام وبقائه أمام الأعداء كبني اُميّة أنّها مصداق لهذه الآية، وغفلوا عن أنه لو كان الأمر كما يقولون لانسدَّ باب الجهاد تماماً.

_____________________________

1 ـ نهج البلاغة، الحكمة 146.

2 ـ تفسير في ظلال القرآن، ج 1، ص 276.

( 38 )

وأساساً هناك تباين بين مفهومي التهلكة والشّهادة، فالتّهلكة تعني الموت بدون دليل موجّه، في حين أنّ الشهادة تعني تضحية الفرد في سبيل هدف مقدّس ونيل الحياة الأبديّة الخالدة.

ويجب الإلتفات إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ نفس الإنسان ليست أثمن شيء في وجوده، فهناك حقائق أثمن للنفس مثل الإيمان بالله والإعتقاد بالإسلام وحفظ القرآن وأهدافه المقدّسة، بل حفظ حيثيّة وعزّة المجتمع الإسلامي، فهذه أهداف أسمى من التّهلكة، ولم ينهَ عنها الشرع المقدّس إطلاقاً. وقد ورد في الحديث أنّ مجموعة من المسلمين توجّهوا إلى القسطنطنيّة للجهاد، فهجم أحد المسلمين الشجعان على جيش الرّوم و في صفوفهم فقال الحاضرين (القى بيده إلى التّهلكة) فقال أبو أيّوب الأنصاري :

3 ـ ما هو المنظور من الإحسان

المراد من الإحسان عادةً هو الإنفاق وبذل الخير إلى الآخرين ولكن تارةً يأتي بمعنىً أوسع ويشمل بذلك كلّ عمل صالح بل حتّى الدوافع في العلم الصالح أيضاً كما ورد في الحديث النبوي الشريف في تفسير الإحسان (أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك).

ومن البديهي أنّه لو كان إيمان الفرد بحيث كأنّه يرى الله سبحانه تعالى ويعتقد بأنّه حاضرٌ وناظرٌ في كلّ الأحوال فسوف يهتم بالإتيان بالأعمال الصالحة ويتجنّب كلّ ذنب ومعصية.

* * *

( 39 )

الآيـة

وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَام أَو صَدَقَة أَوْ نُسُك فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ واتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)

التّفسير

بعض أحكام الحجّ المهمّة :

لايُعلم بدقّة تاريخ نزول الآيات المتعلّقة بالحجّ في القرآن الكريم، ولكن يرى بعض المفسّرين العظام أنّها نزلت في حجّة الوداع(1)، في حين يرى بعضهم أنّ

_____________________________

1 ـ الميزان، المجلد 2، ص 75 (ذيل الآية مورد البحث).

( 40 )

جملة (فإن اُحصرتم فما استيسر من الهدي) ناظرة إلى حادثة (الحديبيّة) الواقعة في السنّة السادسة للهجرة حيث منع المسلمون من زيارة بيت الله الحرام(1).

ففي هذه الآية ذُكرت أحكام كثيرة :

1 ـ في مطلع الآية تأكيداً على أنّ أعمال العمرة والحجّ ينبغي أن تكون لله وطلب مرضاته فقط (وأتمّوا الحجّ والعمرة لله) من هنا لاينبغي أن يشوب أعمال الحجّ نيّة اُخرى غير الدافع الإلهي وكذلك الإتيان بالعمل العبادي هذا كاملاً وتامّاً بمقتضى جملة (وأتمّوا).

2 ـ ثمّ أنّ الآية تشير إلى الأشخاص الّذين لا يحالفهم التوفيق لأداء مناسك الحجّ والعمرة بعد لبس ثياب الاحرام بسبب المرض الشديد أو خوف العدو وأمثال ذلك، فتقول (فإن اُحصرتم فما استيسر من الهدي) فمثل هذا الشخص عليه أن يذبح ما تيّسر له من الهدي ويخرج بذلك من احرامه(2).

وعلى كلّ حال فإنّ الأشخاص الّذين منعهم مانع ولم يتمكنّوا من أداء مراسم الحجّ والعمرة فيمكنهم بالإستفادة من هذه المسألة أن يحلّوا من إحرامهم.

ونعلم أيضاً أنّ الهدي يمكن أن يكون بعيراً أو بقرة أو خروفاً، وهذا الأخير أقلّ الهدي مؤنةً، ولهذا كانت جملة (فما استيسر من الهدي)تشير غالباً إلى الغنم.

3 ـ ثمّ أنّ الآية الشريفة تشير إلى أمر آخر من مناسك الحجّ فتقول : (ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه).

فهل أنّ هذا الأمر يتعلّق بالأشخاص المحصورين الممنوعين من أداء مراسم

_____________________________

1 ـ تفسير في ظلال القرآن، ج 1، ص 277.

2 ـ ذكر احتمالان في تفسير الآية، أحدهما أن «ما» في «ما استيسر» مبتدأ، وخبرها محذوف بتقدير «عليكم» فتكون الجملة «فعليكم ما استيسر من الهدي» والثاني أن «ما» مفعول لفعل مقدّر تقديره  : «فاهدوا ما استيسر من الهدي».

( 41 )

الحجّ، فهو بمثابة تكميل للأوامر السابقة، أو أنّه يشمل جميع الحجّاج ؟ اختار بعض المفسّرين الرأي الأوّل وقالوا أنّ المراد من محل الهدي أي محل الأضحية هو الحرم.

وقال آخرون أنّ المراد هو المكان الّذي حصل فيه المانع والمزاحم ويستدلّ بفعل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في واقعة الحديبيّة الّتي هي مكان خارج الحرم المكّي، حيث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد منع المشركين له ذبح هديه في ذلك المكان وأمر أصحابه أن يفعلوا ذلك أيضاً.

يقول المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي : (ذهب علمائنا إلى أنّ المحصور إذا كان بسبب المرض فيجب عليه ذبح الأضحية في الحرم، وإذا كان بسبب منع الأعداء فيجب الذبح في نفس ذلك المكان الّذي مُنع به).

ولكنّ ذهب مفسرون آخرون إلى أنّ هذه الجملة ناظرة إلى جميع الحجّاج وتقول : لا يحقّ لأحد التقصير (حلق الرأس والخروج من الإحرام) إلاّ أن يذبح هديه في محلّه (ذبح الهدي في الحجّ يكون في منى وفي العمرة يكون في مكّة).

وعلى كلّ حال، فالمراد من بلوغ الهدي محلّه هو أن يصل الهدي إلى محل الذبح فيُذبح، وهذا التعبير كناية عن الذبح.

ومع الأخذ بنظر الاعتبار عموميّة التعبير الوارد في الآية الشريفة فالتفسير الثاني يكون أنسب ظاهراً بحيث يشمل المحصور وغير المحصور.

4 ـ ثمّ تقول الآية (فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيام أو صدقة أو نُسُك).

(نُسُك) في الأصل جمع (نسيكة) بمعنى حيوان مذبوح، وهذه المفردة جاءت بمعنى العبادة أيضاً(1) ولهذا يقول الراغب في المفردات بعد أن فسّر النُسُك

_____________________________

1 ـ مجمع البيان، ج 1، ص 290.

( 42 )

بالعبادة : هذا الإصطلاح يأتي في أعمال الحجّ و (نسيكة) بمعنى (ذبيحة).

ويرى بعض المفسّرين أيضاً أنّ الأصل في هذه الكلمة هو سبائك الفضّة، وقيل للعبادة (نُسُك) بسبب أنّها تطهّر الإنسان وتخلّصه من الشوائب(1).

وعلى أيّ حال فإنّ ظاهر الآية أنّ مثل هذا الشخص مخيّراً بين ثلاث اُمور (الصوم والصدقة أو ذبح شاة). والوارد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنّ الصوم في هذا المورد يجب أن يكون ثلاثة أيّام والصّدقة على ستّة مساكين، وفي رواية اُخرى على عشرة مساكين، وكلمة (نُسُك) تعني شاة(2).

5 ـ ثمّ تضيف الآية (فإذا آمنتم فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي)وهذه إشارة إلى أنّه يجب الذبح في حجّ التمتّع ويكون المكلّف في هذا الحجّ قد أتى بالعمرة قبله، ولا فرق في هذا الهدي بين أن يكون من الابل أو من البقر أو من الضّأن دون أن يخرج من الإحرام.

وحول الأصل في كلمة (الهدي) فهناك قولان حسب ما أورده المرحوم الطبرسي : الأوّل أنّه مأخوذ من (الهدية) وبما أنّ الأضحية هي في الواقع هديّة إلى بيت الله الحرام فقد اطلق عليها هذه الكلمة، والآخر أنها من مادّة (الهداية) لأن الحيوان المقرّر للذّبح يؤتى به مع الحاج إلى بيت الله الحرام، أو يكون هدايته إلى بيت الله.

ولكنّ ظاهر كلام الراغب في المفردات أنّه مأخوذ من الهديّة فقط فيقول : (هَدْي) جمع ومفرده (هديّة).

وقد أورد في معجم مقاييس اللغة أنّ لهذه الكلمة أصلان : الهداية والهديّة،

_____________________________

1 ـ التفسير الكبير، ج 5، ص 152.

2 ـ مجمع البيان، ج 1، ص 291 (ومثل هذا المعنى ورد في تفسير القرطبي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حول الصوم وإطعام المسكين ذيل هذه الآية).

( 43 )

ولكنّ لا يبعد أن تعود كليهما إلى الهداية، لأنّ الهديّة تعني الشيء الّذي يهدى إلى الشخص الآخر، أي يساق إليه هديّة (فتأمّل بدّقة).

6 ـ ثمّ أنّ الآية تبيّن حكم الأشخاص الغير قادرين على ذبح الهدي في حجّ التمتع فتقول : (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة).

فعلى هذا فلو لم يجد الإنسان أضحيةً أو أنّ وضعه المالي لا يطيق ذلك فيجب عليه جبران ذلك بصيام عشرة أيّام، يصوم ثلاثة أيّام منها (يوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة) في أيّام الحجّ ـ وهذه هي من الأيّام الّتي يجوز فيها الصوم في السفر ـ ويأتي بصيام سبعة أيّام بعد ذلك حين العودة إلى الوطن.

واضح أن مجموع ثلاثة أيّام في الحج وسبعة بعدالرجوع يساوي عشرة، لكنّ القرآن عاد فأكّد بأنّها عشرة كاملة.

بعض المفسّرين قال في تفسير هذه الجملة أن الواو تأتي للجمع وتأتي أحياناً للتخيير بمعنى (أو)، ومن أجل رفع توهّم التخيير أكّدت الآية على رقم عشرة، ويُحتمل أيضاً أن التعبير بكلمة (كاملة) إشارة إلى أنّ صوم الأيّام العشرة يحلّ محل الهدي بشكل كامل، ولهذا ينبغي للحجاج أن يطمأنّوا لذلك وأنّ جميع ما يترتّب على الأضحية من ثواب وبركة سوف يكون من نصيبهم أيضاً.

وقال بعضهم : إنّ هذا التعبير إشارة إلى نكتة لطيفة في العدد (عشرة) لأنّه من جانب أكمل الأعداد، لأنّ الأعداد تتصاعد من واحد يتصل إلى عشرة بشكل تكاملي، ثمّ بعد ذلك تترتّب من عشرة وأحد الأعداد الاُخرى لتكون أحد عشر وإثنى(1) عشر... حتّى تصل إلى عشرين أي ضعف العدد عشرة ثمّ ثلاثين وهكذا.

_____________________________

1 ـ «عشرون» و «عشرين» وإن كان على شكل الجمع، ولكن يطلق الجمع أحياناً على الاثنين وما علا.

( 44 )

7 ـ ثمّ أنّ الآية الشريفة تتعرّض إلى بيان حكم آخر وتقول (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) فعلى هذا لا يكون لأهل مكّة أو الساكنين في أطرافها حجّ التمتّع، لأنّه يختصّ بالمسلمين خارج هذه المنطقة، فالمشهور بين الفقهاء أنّ كلّ شخص يبعد عن مكّة 48 ميلاً فإنّ وظيفته حجّ التمتّع، وأمّا إذا كان دون هذه المسافة فوظيفته حجّ القِران أو الإفراد والّذي تكون عمرته بعد الإتيان بمراسم الحجّ (وتفصيل هذا الموضوع وبيان مراتبه مذكور في الكتب الفقهيّة).

وبعد بيان هذه الأحكام السبعة تأمر الآية في ختامها بالتقوى وتقول (واتّقوا الله وأعلموا أنّ الله شديد العقاب) ولعلّ هذا التأكيد يعود إلى أنّ الحجّ عبادة إسلاميّة هامّة ولا ينبغي للمسلمين التّساهل في أداء مناسكه وأنّ ذلك سيؤدّي إلى اضرار كثيرة، وأحياناً يسبّب فساد الحجّ وزوال بركاته المهمّة.

* * *

بحوث

1 ـ أهميّة الحجّ بين الواجبات الإسلاميّة

يُعتبر الحجّ من أهم العبادات التي شُرّعت في الإسلام ولها آثار وبركات كثيرة جدّاً، فهو مصدر عظمة الإسلام وقوّة الدّين واتّحاد المسلمين، والحجّ هو الشعيرة العباديّة التي ترعب الأعداء وتضخ في كلّ عام دماً جديداً في شرايين المسلمين.

والحجّ هو تلك العبادة الّتي أسماها أميرالمؤمنين (عليه السلام) بـ (علم الإسلام وشعاره) وقال عنها في وصيته في الساعات الأخيرة من حياته (الله الله في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا)(1) أي أنّ البلاء الإلهي سيشملكم

_____________________________

1 ـ نهج البلاغة، الكتاب 47، وصية الإمام لابنيه الحسن والحسين.

( 45 )

دون إمهال. وقد فهم أعداء الإسلام أهميّة الحجّ أيضاً إذ صرّح أحدهم :

(نحن لانستطيع أن نحقّق نصراً على المسلمين ما دام الحجّ قائماً بينهم)(1).

وقال أحد العلماء (الويل للمسلمين إن لم يفهموا معنى الحجّ، والويل لأعدائهم إذا عرفوا معناه).

وفي الحديث المعروف عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) في بيان توصفة الأحكام كما ورد في نهج البلاغة الحكمة 252 أنّه أشار (عليه السلام) إلى أهميّة الحجّ الكبيرة وقال (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك... والحجّ تقوية للدّين)(2).

ونختتم هذه الفقرة بحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) وسيأتي شرحه بالتفصيل في ذيل الآية 26 إلى 28 من سورة الحجّ وبيان أهميّة وفلسفة وأسرار الحجّ هناك) فقال (عليه السلام) : (لا يزال الدّين قائماً ما قامت الكعبة)(3).

2 ـ أقسام الحجّ وبيان أعمال حجّ التمتّع

لقد قسّم الفقهاء العظام وبإلهام من الآيات والأحاديث الشريفة عن النبي وآله (عليهم السلام) الحجّ إلى ثلاثة أقسام : حجّ التمتّع، حجّ القِران، وحجّ الإفراد.

أمّا حجّ التمتّع فيختص بمن كان على مسافة 48 ميلاً فصاعداً من مكّة (16 فرسخ وما يعادل 96 كيلومتر تقريباً، وأمّا حجّ القِران والإفراد فيتعلّقان بمن كان أدنى من هذه الفاصلة. ففي حجّ التمتّع يأتي الحاج بالعمرة أوّلاً ثمّ يحلّ من إحرامه وبعد ذلك يأتي بمراسم الحجّ في أيّامه المخصوصة، ولكن في حجّ القِران

_____________________________

1 ـ شبهات حول الإسلام.

2 ـ في بعض النسخ (تقربة للدين) ـ متن ابن أبي الحديد ـ ومفهومها أنه سبب وحدة الاُمّة الإسلاميه وتقريب الصفوف.

3 ـ وسائل الشيعة، ج 8، ص 14، باب عدم جواز تعطيل الكعبة عن الحج، ح 5.

( 46 )

والإفراد يبدأ أوّلاً بأداء مراسم الحجّ ثمّ بعد الإنتهاء منها يشرع بمناسك العمرة مع تفاوت أنّ الحاج في حجّ القِران يأتي ومعه هديه، أمّا في حجّ الإفراد فلا هدي فيه ولكن بعقيدة أهل السّنة أنّ حجّ القِران هو أن يقصد بالحجّ والعمرة بإحرام واحد.

أمّا أعمال حجّ التمتّع فكما يلي :

في البداية يُحرم الحاج للحجّ من الأماكن الخاصّة به وتسمّى الميقات، أي أنّ الحاج يتعهد بالإحرام أن يترك ويتجنّب سلسلة من المحرّمات على المُحرم، ويرتدي ثوبي الإحرام غير المخيطة، ويبدأ بالتلبية وهو متّجه إلى بيت الله الحرام، ثمّ يشرع بالطّواف حول الكعبة سبعة مرّات، وبعد ذلك يصلّي ركعتين صلاة الطواف في المحل المعروف بمقام إبراهيم، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعة مرّات، ثمّ بعد الإنتهاء من السعي يقصّر، أي يقص مقداراً من شعره أو أظافره، وبذلك يخرج من الإحرام ويحلّ منه.

ثمّ يحرم مرّة اُخرى من مكّة لأداء مناسك الحجّ ويذهب مع الحجاج في اليوم السابع من ذي الحجّة إلى «عرفات» وهي صحراء على بعد 4 فراسخ من مكّة، ويبقى في ذلك اليوم من الظهر إلى غروب الشمس في ذلك المكان حيث يشتغل بالعبادة والمناجاة والدّعاء، ثمّ بعد غروب الشمس يتّجه إلى (مشعر الحرام) ويقع على بعد فرسخين ونصف من مكّة تقريباً ويبقى هناك إلى الصباح، وحين طلوع الشمس يتوجّه إلى «منى» الواقعة على مقربة من ذلك المكان، وفي ذلك اليوم الّذي هو يوم «عيد الأضحى» يرمي الحاج (جمرة العقبة) بسبعة أحجار صغيرة (وجمرة العقبة على شكل اُسطوانة حجريّة خاصّة) ثمّ يذبح الهدي ويحلق رأسه، وبذلك يخرج من إحرامه.

ثمّ أنّه يعود إلى مكّة في نفس ذلك اليوم أو في اليوم القادم، ويطوف حول الكعبة ويؤدّي صلاة الطواف والسعي بين الصفا والمروة ثمّ طواف النساء وصلاة

( 47 )

الطواف أيضاً، وفي اليوم الحادي عشر والثاني عشر يرمي في منى الجمرات الثلاثة واحدة بعد الاُخرى بسبعة أحجار صغيرة، ويبقى في ليلة الحادي عشر والثاني عشر في أرض منى، وبهذا الترتيب تكون مناسك الحجّ إحياءً لذكرى تاريخيّة وعبارة عن كنايات وإشارات لمسائل تتعلّق بتهذيب النفس ولها أغراض إجتماعيّة كثيرة، وسوف نستعرض كلّ واحدة منها في الآيات المناسبة له.

3 ـ لماذا نسخ البعض حجّ التمتّع ؟

إنّ ظاهر الآية محل البحث هو أنّ وظيفة الأشخاص البعيدين عن مكّة هي حجّ التمتّع (الحجّ الّذي يبتدأ بالعمرة وبعد الإنتهاء منها يخرج من الإحرام ثمّ يجدّد الإحرام للحجّ ويأتي بمناسك الحجّ) وليس لدينا دليل إطلاقاً على نسخ هذه الآية، بل إنّ الروايات الكثيرة في كتب الشيعة وأهل السنّة وردت في هذا الصدد، ومن جملة المحدّثين المعروفين من أهل السنّة (النسائي في كتاب السنن) و (أحمد في كتاب المسند) و (ابن ماجة في كتابه السنن) و (البيهقي في السنن الكبرى) و (الترمذي في صحيحه) و (مسلم أيضاً في كتابه المعروف بصحيح مسلم) فهناك وردت روايات كثيرة في حجّ التمتّع وأن هذا الحكم لم ينسخ وهو باق إلى يوم القيامة. والكثير من فقهاء أهل السنّة أيضاً ذهبوا إلى أنّ أفضل أنواع الحجّ هو حجّ التمتع بالرّغم من أنّهم أجازوا إلى جانبه حجّ القِران والإفراد (بذلك المعنى الّذي تقدّم آنفاً من الفقهاء).

ولكنّ هناك حديث معروف نقل عن عمر بن الخطاب حيث قال (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ويعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحجّ).

يقول «الفخر الرازي» في ذيل الآية مورد البحث بعد نقل هذا الحديث عن عمر : إنّ المراد من متعة الحجّ هو أن يجمع بين الإحرامين (إحرام الحجّ وإحرام

( 48 )

العمرة) ثمّ يفسخ نيّة الحجّ ويأتي بالعمرة المفردة وبعد ذلك يأتي بالحجّ(1).

فمن البديهي أنّه لا يحق لأحد نسخ الحكم الشرعي إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأساساً أنّ هذا التعبير وهو أنّ رسول الله قال كذا وأنا أقول كذا هو تعبير غير مقبول من أي شخص، فهل يصحّ إهمال أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطرحه والإلتزام بأوامر الآخرين ؟

وعلى كلّ حال، فإنّ الكثير من علماء أهل السنّة في هذا الزمان تركوا الخبر المذكور، وذهبوا إلى أنّ حجّ التمتع أفضل أنواع الحجّ وعملوا على وفقه.

* * *

_____________________________

1 ـ التفسير الكبير، ج 5، ص 153.

( 49 )




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335458

  • التاريخ : 28/03/2024 - 15:23

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net