00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الفلق من أول السورة ـ آخر السورة من ( ص 563 ـ 574 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء العشرون)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[563]

 

سورة الفلق

مكّية

وَعَدَدُ آياتِها خَمسُ آيات

[565]

 

«سورة الفلق»

محتوى السّورة

قيل: أنّها مكّية، وبعض المفسّرين قال إنّها مدنية.

تتضمّن السّورة تعاليم للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصّة، وللناس عامّة تقضي أن يستعيذوا باللّه من شرّ كلّ الأشرار، وأن يوكلوا أمرهم إليه، ويأمنوا من كل شرّ في اللجوء إليه.

وبشأن نزول السّورة ذكرت الرّواية المنقولة في أغلب كتب التّفسير أنّ النّبي اُصيب بسحر بعض اليهود، ومرض على أثر ذلك فنزل جبرائيل وأخبره أنّ آلة السحر موجودة في بئر. فأرسل من يخرجها، ثمّ تلا هذه السّورة، وتحسنت صحته.

المرحوم الطبرسي ومحققون آخرون شككوا في هذه الرّواية التي ينتهي سندها إلى عائشة وابن عباس لما يلي:

أوّلاً: السّورة كما هو مشهور مكّية ولحنها مثل لحن السور المكّية، والنّبي جابه اليهود في المدينة وهذا يدل على عدم أصالة الرّواية.

ثانياً: لو كان اليهود بمقدورهم أن يفصلوا بسحرهم ما فعلوه بالنّبي حسب الرّواية لاستطاعوا أن يصدوه عن أهدافه بسهولة عن طريق السحر، واللّه سبحانه قد حفظ نبيّه كي يؤدي مهام النّبوة والرسالة.

ثالثاً: لو كان السحر يفعل بجسم النّبي ما فعله لأمكن أن يؤثر في روحه أيضاً، وتكون أفكاره بذلك لعبة بيد السحرة، وهذا يزلزل مبدأ الثقة بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والقرآن الكريم يردّ على اُولئك الذين اتهموا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه مسحور إذ قال: (وقال

[566]

الظالمون إن تتبعون إلاّ رجلاً مسحوراً انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا  فلا يستطيعون سبيلاً)(1).

«مسحور» في الآية تشمل من اُصيب بسحر في عقله أو في جسمه، وهي دليل على ما نذهب إليه.

على أي حال لا يجوز أن نمسّ من قداسة مقام النبوّة بهذه الرّوايات المشكوكة، أو أن نعتمد عليها في فهم الآيات.

فضيلة السّورة:

روي في فضيلة هذه السّورة عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «اُنزلت عليَّ آيات لم ينزل مثلهنّ: المعوذتان»(2).

وعن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) قال: «من أوتر بالمعوذتين وقل هو اللّه أحد قيل له: يا عبد اللّه أبشر فقد قبل اللّه وترك»(3).

وعن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأحد أصحابه: «ألا أعلمك سورتين هما أفضل سور القرآن، أو من أفضل القرآن؟ قلت: بلى يا رسول اللّه. فعلمني المعوذتين. ثمّ قرأ بهما في صلاة الغداة، وقال لي إقرأهما كلما قمت ونمت».(4)

واضح أنّ هذه الفضيلة نصيب من جعل روحه وعقيدته وعمله منسجماً مع محتوى السّورة.

* * *

_______________________________________

1 ـ الفرقان، الآيتان 8 و9 .

2 ـ نور الثقلين، ج5، ص716، ومجمع البيان، ج10، ص567.

3 ـ المصدر السابق.

4 ـ المصدر السابق.

[567]

الآيات

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1) مِن شَِرِّ مَا خَلَقَ(2) وَمِن شَرِّ غَاسِق إِذَا وَقَبَ(3) وَمِن شَرِّ النَّفَّـثَـتِ فِى الْعُقَدِ(4) وَمِن شَرِّ حَاسِد إِذَا حَسَدَ(5)

التّفسير

بربّ الفلق أعوذ:

يخاطب اللّه سبحانه نبيّه باعتباره الاُسوة والقدوة، ويقول له:

(قل أعوذ بربّ الفلق، من شرّ ما خلق)

«الفلق»: من فَلَقَ أي شقَّ وفَصَل; وسُمي طلوع الصبح بالفلق لأنّ ضوء الصبح يشق ظلمة الليل; ومثله الفجر، اطلق على طلوع الصبح لنفس المناسبة.

وقيل: إنّ الفلق يعني ولادة كلّ الموجودات الحيّة، بشرية كانت أم حيوانية أم نباتية. فولادة هذه الموجودات تقترن بفلق حبّتها أو بيضتها. والولادة من أعجب مراحل وجود هذه الأحياء، لأنّها تشكل طفرة في مراحل وجودها، وانتقالاً من عالم إلى عالم آخر. يقول سبحانه: (إنّ اللّه فالق الحبّ والنوى يخرج الحي من

[568]

الميت ويخرج الميت من الحي)(1).

وقيل: إنّ الفلق له معنى واسع يشمل كلّ خلق، لأنّ الخلق، هو شقّ ستار العدم ليسطع نور الوجود.

وكلّ واحد من هذه المعاني الثلاثة (طلوع الصبح ـ وولادة الموجودات الحيّة ـ وخلق كلّ موجود) ظاهرة عجيبة تدل على عظمة الباري والخالق والمدبّر، ووصف اللّه بذلك له مفهوم عميق.

في بعض الرّوايات جاء أنّ الفلق بئر عظيم في جهنّم تبدو وكأنّها شقّ في داخلها. وقد تكون الرّواية إشارة إلى أحد مصاديقها لا أن تحدّ المفهوم الواسع لكلمة «الفلق».

(من شرّ ما خلق)... من كلّ موجود شرّير من الإنس والجن والحيوان وحوادث الشرّ والنفس الأمارة بالسوء، وهذا لا يعني أنّ الخلق الإلهي ينطوي في ذاته على شرّ، لأنّ الخلق هو الإيجاد، والإيجاد خير محض. يقول سبحانه: (الذي أحسن كلّ شيء خلقه)(2).

بل الشرّ يعرض المخلوقات حين تنحرف عن قوانين الخلقة، وتنسلخ عن المسير المعين لها. على سبيل المثال، أنياب الحيوانات وسيلة دفاعية تستخدمها أمام الأعداء، كما نستخدم نحن السلاح للدفاع مقابل العدو. لو أنّ هذا السلاح استخدم في محله فهو خير، وإن لم يستعمل في محله كأن صوب تجاه صديق فهو شرّ.

جدير بالذكر أنّ كثيراً من الأُمور نحسبها شرّاً وفي باطنها خير كثير، مثل الحوادث والبلايا التي تنفض عن الإنسان غبار الغفلة وتدفعه إلى التوجه نحو اللّه هذه ليس من الشرّ حتماً.

_______________________________________

1 ـ الأنعام، الآية 95.

2 ـ ألم السجدة، الآية 7.

[569]

(ومن شرّ غاسق إذا وقب).

«غاسق»: من الغسق، وهو ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ شدّة ظلمة الليل في منتصفه. ولذلك يقول القرآن الكريم في إشارته إلى نهاية وقت صلاة المغرب: (... إلى غسق الليل...) وما قاله بعضهم في الغسق أنّه ظلمة أوّل الليل فبعيد خاصّة وأن أصل الكلمة يعني الإمتلاء والسيلان. وظلمة الليل تكون ممتلئة حين ينتصف الليل. وأحد المفاهيم الملازمة لهذا المعنى الهجوم، ولذلك استعملت الكلمة في هذا المعنى أيضاً.

«غاسق»: تعني إذن في الآية: الفرد المهاجم، أو الموجود الشرّير الذي يتستر بظلام الليل لشنّ هجومه. فليست الحيوانات الوحشية والزواحف اللاسعة وحدها تنشط في الليل وتؤذي الآخرين بل الأفراد الشرّيرين يتخذون من الليل أيضاً ستاراً لتنفيذ أهدافهم الخبيثة.

«وقب»: من الوَقب، وهو الحفرة، ثمّ استعمل الفعل «وَقَبَ» للدخول في الحفرة; وكأن هذه الموجودات الشريرة المضرة تستغل ظلام الليل، فتصنع الحفر الضارة لتحقق مقاصدها الخبيثة. وقد يكون الفعل يعني: نَفَذَ وتوغّل.

(من شرّ النفاثات في العقد).

«النفاثات»: من «النفث» وهو البصق القليل; ولما كان البصق مقروناً بالنفخ، فاستعملت نفث بمعنى نفخ أيضاً.

كثير من المفسّرين قالوا إنّ «النفاثات» هي النساء الساحرات. وهي صيغة جمع للمؤنث ومبالغة من نَفثَ. وهذه النسوة كن يقرأن الأوراد وينفخن في عقد، وبذلك يعملن السحر. وقيل: إنّها إشارة للنساء اللاتي كن يوسوسن في أذن الرجال وخاصّة الأزواج ليثنوهم عن عزمهم وليوهنوا إرادتهم في أداء المهام الكبرى. وما أكثر الحوادث المؤلمة التي أدت إليها وساوس أمثال هذه النسوة

[570]

طوال التاريخ! وما أكثر نيران الفتنة التي أشعلتها، والعزائم التي أرختها وأوهنتها! الفخر الرازي يقول النساء يتصرفن في قلوب الرجال لنفوذ محبّتهن في قلوبهم(1).

وهذا المعنى في عصرنا أظهر من أي وقت آخر، إذ إنّ إحدى أهم وسائل نفوذ الجواسيس في أجهزة السياسة العالمية استخدام النساء، اللائي ينفثن في العقد، فتنفتح مغاليق الأسرار في القلوب ويحصلن على أدقّ الأسرار.

وقيل: إنّ النفاثات هي النفوس الشريرة، أو الجماعات المشككة التي تبعث بوساوسها عن طريق وسائل إعلامها لتوهن عزيمة الجماعات والشعوب.

ولا يستبعد أن تكون الآية ذات مفهوم عام جامع يشمل كلّ اُولئك ويشمل أيضاً النمامين والذين يهدمون بنيان المحبّة بين الأفراد.

وينبغي التأكيد على أنّ السّورة لا تتضمّن أية دلالة على أن المقصود بآياتها سحر الساحرين. وعلى فرض أنّها تشير إلى سحر الساحرين، فإنّها لا تشكل دليلاً على صحة سبب النزول الذي ذكره المفسّرون للسورة، بل تدل على أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)استعاذ باللّه من شرّ الساحرين. تماماً مثل الفرد السالم الذي يستعيذ باللّه من السرطان وهو لم يُصب به أصلاً.

(ومن شرّ حاسد إذا حسد).

هذه الآية تبيّن أنّ الحسد أسوأ الصفات الرذيلة وأحطها، لأنّ القرآن وضعه في مستوى أعمال الحيوانات المتوحشة والثعابين اللاسعة والشياطين الماكرة.

* * *

_______________________________________

1 ـ تفسير الفخر الرازي، ج32، ص196.

[571]

بحوث

1 ـ أخطر مصادر الشرّ والفساد

السّورة تبدأ بأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستعيذ باللّه من شرّ ما خلق. ثمّ تبيّن ثلاثة أنواع من الشرور كتوضيح للآية:

شرّ المهاجمين القساة الذين يتسترون بالليل لشن هجومهم.

وشرّ الموسوسين الذين يوهنون بأحابيلهم إرادة الأفراد وإيمانهم وعقيدتهم وأواصر الحبّ والودّ بينهم.

وشرّ الحاسدين.

من هذه العبارات المجملة نستطيع أن نستنتج أن أخطر مصادر الشرّ والفساد هي هذه الثلاثة المذكورة في السّورة. وهذا يستدعي التأمل والتعمق.

2 ـ تناسب الآيات

يلاحظ أنّ أوّل آية في السّورة تأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستعيذ بربّ الفلق، من شرّ ما خلق. وانتخاب «ربّ الفلق» قد يعود إلى أنّ الموجودات الشريرة تطفيء نور السلامة والهداية. لكن اللّه سبحانه ربّ الفلق... ربّ فلق الظلمات.

3 ـ تأثير السحر

في تفسير الآيتين 102 و 103 من سورة البقرة، في الجزء الأوّل من هذا التّفسير تحدثنا بالتفصيل عن حقيقة السحر في الازمنة الغابرة، ورأي الإسلام في السحر، وكيفية تأثيره. وهناك ذكرنا قبولنا لتأثير السحر بشكل عام، ولكن لا بالصورة التي يتخيلها المتخيلون والخرافيون. ومن أراد مزيداً من التوضيح في هذا المجال فليراجع بحثنا المذكور.

ومن اللازم أن نذكر هنا أنّ آيات هذه السّورة لو كانت تستهدف أمر النّبي

[572]

بالاستعاذة من سحر الساحرين، فهذا لا يعني أن النّبي تعرض لتأثير السحر. بل إنّها تشبه استعاذة النّبي باللّه من كلّ خطأ وذنب. أي إنّه مصون من هذه العوارض بلطف اللّه وفضله، ولولا فضله لما سلم من تأثير السحر هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى، لا يوجد دليل كما قلنا على أن معنى، (النفاثات في العقد)هو السحرة أو الساحرات.

4 ـ شرّ الحاسدين

«الحسد» خصلة سيئة شيطانية تظهر في الإنسان نتيجة عوامل مختلفة مثل: ضعف الإيمان، وضيق النظر، والبخل. وهو يعني طلب وتمنّي زوال النعمة من شخص آخر.

الحسد منبع كثير من الذنوب الكبيرة.

عن الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) قال: «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب»(1).

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال: «أفة الدين الحسد والعجب والفخر»(2).

ذلك لأن الحسود يعترض في الواقع على حكمة اللّه وعلى ما آت اللّه من نعمة لهذا الفرد أو ذاك. كما يقول سبحانه: (أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله)(3).

وقد يبلغ الحسد بالحاسد إلى أن يوقع نفسه في كلّ تهلكة من أجل زوال النعمة من الشخص المحسود، كما هو معروف في حوادث التاريخ.

_______________________________________

1 ـ بحار الأنوار، ج73، ص237.

2 ـ المصدر السابق، ص248.

3 ـ النساء، الآية 54.

[573]

وفي ذم الحسد يكفي أن أوّل قتل حدث في العالم كان من قابيل على أثر حسده لأخيه هابيل.

«الحساد» كانوا دوماً عقبة على طريق الأنبياء والأولياء. ولذلك يأمر اللّه نبيّه أن يستعيذ بربّ الفلق من شرّ حاسد إذا حسد.

المخاطب في هذه السّورة والسّورة التالية شخص رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنّه خوطب لأنّه القدوة والنموذج، وكلّ المسلمين يجب أن يستعيذوا باللّه من شرّ الحاسدين.

اللّهمّ! إنّا نعوذ بك من شرّ الحاسدين

إلهنا! احفظنا من شرّ الوقوع في حسد الآخرين.

ربّنا! استرنا بسترك من شرّ النفاثات في العقد، ومن كلّ الموسوسين المشككين في مسيرتنا إليك.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الفلق

* * *




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21401139

  • التاريخ : 19/04/2024 - 05:01

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net