00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الزخرف 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الثاني)   ||   تأليف : المولى محمد حسين الفيض الكاشاني

[ 1136 ]

سورة الزخرف [ مكية، إلا آية: (54) فمدنية، وآياتها تسع وثمانون آية ] (1)

 بسم الله الرحمن الرحيم (حم). (والكتاب المبين). (إنا جعلناه قرانا عربيا): أقسم بالقرآن على أنه جعله قرآنا عربيا. وهو من البدائع، لتناسب القسم والمقسم عليه. وفي الباطن الكتاب المبين أمير المؤمنين عليه السلام، كما يأتي في الدخان (2). (لعلكم تعقلون): لكي تفهموا معانيه. (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم): رفيع الشأن ذو حكمة بالغة. (أفنضرب عنكم الذكر صفحا): ندعكم مهملين، لا نحتج عليكم برسول أو إمام ؟ ! (أن كنتم قوما مسرفين): لأن كنتم. (وكم أرسلنا من نبي في الأولين). (وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون). تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله عن استهزاء قومه.

__________________________

(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).

(2) - ذيل الاية: 4.(*)

[ 1137 ]

(فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين): وسلف في القرآن قصتهم العجيبة، وفيه وعد لرسول الله صلى الله عليه وآله، ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين. (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) يعني: أقروا بعزي وعلمي، وما بعده استئناف. (الذي جعل لكم الأرض مهدا) تستقرون فيها (وجعل لكم فيها سبلا) تسلكونها (لعلكم تهتدون) إلى مقاصدكم، أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك. (والذي نزل من السماء ماء بقدر): بمقدار ينفع ولا يضر (فأنشرنا به بلدة ميتا): فأحيينا به أرضا لانبات فيها (كذلك تخرجون): تنشرون من قبوركم. (والذي خلق الأزواج كلها): أصناف المخلوقات (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) في البحر والبر. (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه): تذكروها بقلوبكم، معترفين بها حامدين عليها (وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين): مطيقين. يعني: لا طاقة لنا بالإبل ولا بالفلك ولا بالبحر، لولا أن الله سخره لنا. (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) أي: راجعون. واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل، والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله عزوجل، ولأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله. ورد: (ليس من عبد يقولها عند ركوبه فيقع من بعير أو دابة فيصيبه شئ بإذن الله) (1). (وجعلوا له من عباده جزءا): ولدا، فقالوا: الملائكة بنات الله. سماه جزءا، لأن الولد بضعة من والده. قيل: هو متصل بقوله:) ولئن سألتهم (2) أي: وجعلوا له بعد ذلك الاعتراف (3). (إن الإنسان لكفور مبين): ظاهر الكفران.

__________________________

(1) - الكافي 3: 472، الحديث: 5، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

(2) - الاية: 8، من نفس السورة.

(3) - الكشاف 3: 480، البيضاوي 5: 58.(*)

[ 1138 ]

(أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين) إنكار وتعجيب من شأنهم. (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا): بما جعل له شبها، فإن كل ولد من كل جنس شبهه وجنسه (ظل وجهه مسودا): صار وجهه أسود في الغاية، لما يعتريه من الكآبة (1) (وهو كظيم): مملو قلبه من الكرب. (أو من ينشؤا في الحلية): أو يجعلون له من يتربى في الزينة، يعني البنات. (وهو في الخصام): في المجادلة (غير مبين) للحجة. يقال: قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها. (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم): خلق الله إياهم، فشاهدوهم إناثا (ستكتب شهادتهم) التي شهدوا بها على الملائكة (ويسألون) عنها يوم القيمة. (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون). (أم اتيناهم كتابا من قبله) ينطق على صحة ما قالوه (فهم به مستمسكون). (بل قالوا إنا وجدنا اباءنا على أمة): طريقة تام (وإنا على اثارهم مهتدون) أي: لا حجة لهم على ذلك، وإنما جنحوا إلى تقليد آبائهم الجهلة. (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا اباءنا على أمة وإنا على اثارهم مقتدون) تسلية، ودلالة على أن التقليد في مثله ضلال قديم. وفي تخصيص المترفين إشعار بأن التنعم وحب البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد. (قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه اباءكم) يعني: أتتبعون آباءكم، ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم، وهو حكاية أمر ماض أوحى إلى النذير، أو خطاب لنبينا صلى الله عليه وآله. (قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) أي: وإن كان أهدى.

__________________________

(1) - كئب يكأب - من باب: تعب - كآبة وكأبا وكأبة: حزن أشد الحزن. المصباح المنير 2: 237(كأب).(*)

[ 1139 ]

(فانتقمنا منهم) بالاستئصال (فانظر كيف كان عاقبة المكذبين). (وإذ قال إبراهيم): واذكر وقت قوله هذا، ليروا كيف تبرأ عن التقليد وتمسك بالبرهان، أو ليقلدوه إن لم يكن لهم بد من التقليد، فإنه أشرف آبائهم.. (لابيه وقومه إنني برآء مما تعبدون). (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) هداية بعد هداية. (وجعلها) أي: كلمة التوحيد (كلمة باقية في عقبه): في ذريته، فيكون فيهم أبدا من يوحد الله ويدعو إلى توحيده، ويكون إماما للخلق وحجة عليهم. لعلهم يرجعون: يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحده. قال: (فينا نزلت هذه الاية، والإمامة في عقب الحسين إلى يوم القيامة) (1). (بل متعت هؤلاء واباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين). (ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون): ضموا إلى شركهم معاندة الحق. (وقالوا لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم) بالجاه والمال: إما الوليد بن المغيرة (2) بمكة، أو عروة بن مسعود الثقفي (3) بالطائف، فإن الرسالة

__________________________

(1) - كمال الدين 1: 323، الباب: 31، الحديث: 8، عن السجاد عليه السلام، علل الشرائع 1: 207، الباب: 156، الحديث: 6، عن أبي جعفر عليه السلام، معاني الاخبار: 132، مجمع البيان 9 - 10: 45، المناقب 4: 46، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو: من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش ومن زنادقتها. وأدرك الإسلام وهو شيخ هرم، فعاداه وقاوم دعوته، وهو الذي جمع قريشا وقال: إن الناس يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد، فتختلف أقوالكم فيه، فيقول هذا: كاهن، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، وليس يشبه واحدا مما يقولون، ولكن أصلح ما قيل فيه:(ساحر) لأنه يفرق بين المرء وأخيه، والزوج وزوجته. ولد في سنة 95 قبل الهجرة وهلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر. الأعلام(للزركلي) 8: 122.

(3) - عروة بن مسعود بن معتب الثقفي: صحابي مشهور. كان كبيرا في قومه بالطائف، ولما أسلم استأذن النبي صلى الله عليه وآله(*)

[ 1140 ]

منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم، ولم يعملوا أنها رتبة روحانية، تستدعي عظم (1) النفس، بالتحلي بالفضائل الأخروية، والكمالات القدسية، لا التزخرف بالزخارف الدنيوية. (أهم يقسمون رحمة ربك). إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم. والمراد بالرحمة: النبوة. (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا): ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم، فيحصل بينهم تألف وتضام، وينتظم بذلك النظام، لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف. (ليس للغني أن يقول: هلا أضيف إلى غناي جمال فلان، ولا للجميل أن يقول: هلا أضيف إلى جمالي مال فلان إلى غير ذلك). كذا ورد (2). (ورحمت ربك) هذه، أي: النبوة وما يتبعها (خير مما يجمعون): من حطام الدنيا، والعظيم من رزق منها لا منه. (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة): لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم، لحبهم الدنيا، فيجتمعوا عليه. قال: (عنى بذلك أمة محمد صلى الله عليه وآله، أن يكونوا على دين واحد، كفارا كلهم) (3). (لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج): ومصاعد (عليها يظهرون): يعلون السطوح. (ولبيوتهم أبوابا وسررا) أي: من فضة (عليها يتكئون).

__________________________

أن يرجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام. فقال: أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني. فأذن له، فرجع، فدعاهم إلى الإسلام، فخالفوه، ورماه أحدهم بسهم فقتله، وكان ذلك في سنة 9 من الهجرة. الأعلام(للزركلي) 4: 227.

(1) - في(ب):(عظيم النفس).

(2) - الاحتجاج 1: 31، عن العسكري، عن الهادي عليهما السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

(3) - الكافي 2: 265، الحديث: 23، علل الشرائع 2: 589، الباب: 385، الحديث: 33، عن علي بن الحسين عليهما السلام.(*)

[ 1141 ]

(وزخرفا): وزينة. قال: (لو فعل الله ذلك بهم لما آمن أحد، ولكنه جعل في المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء، وجعل في المؤمنين فقراء وفي الكافرين أغنياء، ثم امتحنهم بالأمر والنهي والصبر والرضا) (1). (وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) (لما) بمعنى (إلا)، و (إن) نافية. (والاخرة عند ربك للمتقين). ورد: (إن الله جل ثناؤه ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في الدنيا، كما يعتذر الأخ إلى أخيه، فيقول: وعزتي ما أحوجتك في الدنيا من هوان كان بك علي، فارفع هذا السجف (2)، فانظر إلى ما عوضتك من الدنيا. قال: فيرفع فيقول: ما ضرني ما منعتني مع ما عوضتني) (3). وورد: (يا معشر المساكين طيبوا نفسا، واعطوا الله الرضا من قلوبكم يثبكم الله على فقركم، فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم) (4). (ومن يعش عن ذكر الرحمن): يتعامى ويعرض عنه، لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات (نقيض): نسبب ونقدر (له شيطانا فهو له قرين): يوسوسه ويغويه دائما. ورد: (من تصدى بالإثم أعشى (5) عن ذكر الله، ومن ترك الأخذ عمن أمر الله بطاعته قيض له شيطان، فهو له قرين) (6).

__________________________

(1) - القمي 2: 284، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - السجف - ويكسر -: الستر، القاموس المحيط 3: 155(سجف).

(3) - الكافي 2: 264، الحديث: 18، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(4) - الكافي 2: 263، الحديث: 14، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(5) - أعشى عنه: صدر عنه إلى غيره وأعرض. أقرب الموارد 3: 787(عشو).

(6) - الخصال 2: 633، حديث أربعمائة، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام.(*)

[ 1142 ]

(وإنهم): وإن الشياطين (ليصدونهم) أي: العاشين (عن السبيل): سبيل الحق (ويحسبون أنهم مهتدون). (حتى إذا جاءنا) أي: العاشي (قال) أي: للشيطان (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين): بعد المشرق من المغرب (فبئس القرين) أنت. (ولن ينفعكم اليوم) ما أنتم عليه من التمني (إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون). قال: (نزلت هكذا: حتى إذا جاءانا، يعني فلانا وفلانا، يقول أحدهما لصاحبه حين يراه:) يا ليت (، الايتين. قال:) إذ ظلمتم (آل محمد حقهم) (1). (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين). إنكار تعجب (7) - القمي 2: 286، عن أبي جعفر عليه السلام. من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال، بحيث صار عشاهم عمى مقرونا بالصمم. (فإما نذهبن بك) فإن قبضناك قبل أن نريك عذابهم. و (ما) مزيدة للتأكيد. (فإنا منهم منتقمون) بعدك. (أو نرينك): أو إن أردنا أن نريك (الذي وعدناهم) من العذاب (فإنا عليهم مقتدرون): لا يفوتوننا. روي: (إنه أري ما يلقى ذريته من أمته بعده، فما زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا حتى لقى الله عزوجل) (2). وورد: إنه قال في حجة الوداع بمنى: (لألفينكم (3) ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم، ثم التفت إلى

__________________________

(1) - القمي 2: 286، عن أبي جعفر عليه السلام.

(2) - الجامع لأحكام القرآن(للقرطبي) 16: 92، تفسير القرآن العظيم(لابن كثير) 4: 44.

(3) - ألفيت الشئ: وجدته. الصحاح 6: 2484(لفا).(*)

[ 1143 ]

خلفه فقال: أو علي أو علي أو علي، فرأينا أن جبرئيل غمزه. فأنزل الله على أثر ذلك:) فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (بعلي بن أبي طالب) (1). أقول: يعني في الرجعة. وفي رواية قال: (فإما نذهبن بك يا محمد من مكة إلى المدينة، فإنا رادوك إليها، ومنتقمون منهم بعلي بن أبي طالب) (2). (فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم) قال: (على ولاية علي) (3). (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون). قال: (نحن قومه ونحن المسؤولون) (4). (وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون). (نزلت حين أسرى به إلى السماء وجمع له الأنبياء، فعلم منهم ما أرسلوا به وحملو. كذا ورد (5). (ولقد أرسلنا موسى باياتنا إلى فرعون وملاءه فقال إني رسول رب العالمين). (فلما جاءهم باياتنا إذا هم منها يضحكون): استهزؤوا بها أول ما رأوها، ولم يتأملوا فيها. (وما نريهم من اية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب) كالسنين والطوفان والجراد (لعلهم يرجعون). (وقالوا يا أيه الساحر) قيل: نادوه بذلك في تلك الحال لشدة شكيمتهم وفرط

__________________________

(1) - مجمع البيان 9 - 10: 49، جوامع الجامع: 434.

(2) - القمي 2: 284، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - المصدر: 286، عن أبي جعفر عليه السلام.

(4) - الكافي 1: 211، الحديث: 5، القمي 2: 286، عن أبي عبد الله عليه السلام، الكافي 1: 210، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.

(5) - الاحتجاج 1: 370، القمي 2: 285، عن أبي جعفر عليه السلام، بالمضمون.(*)

[ 1144 ]

حماقتهم، أو لأنهم كانوا يسمون العالم الباهر ساحرا (1)، والقمي: يا أيها العالم (2) (ادع لنا ربك بما عهد عندك) أن يكشف عنا العذاب (إننا لمهتدون). (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) عهدهم بالاهتداء. (ونادى فرعون في قومه) بعد كشف العذاب عنهم، مخافة أن يؤمن بعضهم. (قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار): أنهار النيل (تجري من تحتي أفلا تبصرون). (أم أنا خير) مع هذه المملكة والبسطة (من هذا الذي هو مهين): ضعيف حقير لا يصلح للرئاسة (ولا يكاد يبين) الكلام، لما به من الرتة (3). و (أم) إما منقطعة والهمزة فيها للتقرير، أو متصلة، والمعنى: أفلا تبصرون ؟ أم تبصرون فتعلمون أني خير منه ؟. (فلو لا ألقى عليه أسورة من ذهب) أي: فهلا ألقي إليه مقاليد الملك إن كان صادقا إذ كانوا إذا سودوا رجلا سوروه وطوقوه بطوق من ذهب. (أو جاء معه الملائكة مقترنين): مقارنين، يعينونه أو يصدقونه. (فاستخف قومه): استخف أحلامهم، أو طلب منهم الخفة في مطاوعته، ودعاهم (فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين). (فلما اسفونا): أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان. قال: (إن الله لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه، وسخطهم سخط نفسه) الحديث (4). (انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين في اليم).

__________________________

(1) - البيضاوي 5: 60.

(2) - القمي 2: 285.

(3) - الرتة: العجمة والكحلة في اللسان. القاموس المحيط 1: 153(رتت).

(4) - الكافي 1: 144، الحديث: 6، التوحيد: 168، الباب: 26، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 1145 ]

(فجعلناهم سلفا): قدوة لمن بعدهم من الكفار (ومثلا للاخرين): وعظة لهم. (ولما ضرب ابن مريم مثلا) أي: لعلي. قال عليه السلام: (جئت إلى النبي يوما (1)، فوجدته في ملإ من قريش، فنظر إلي، ثم قال: يا علي إنما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم عليه السلام، أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم وضحكوا وقالوا: يشبهه بالأنبياء والرسل، فنزلت هذه الاية) (2). وفي رواية قال: (إن فيك شبها من عيسى بن مريم، لو لا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك، البركة. قال: فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة (3) وعدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن مريم، فنزلت) (4). وفي رواية: (قالوا: والله لالهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه) (5). (إذا قومك منه يصدون). قال: (الصدود في العربية: الضحك) (6).

__________________________

(1) - الكافي 1: 144، الحديث: 6، التوحيد: 168، الباب: 26، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - مجمع البيان 9 - 10: 53، جوامع الجامع: 436، عن أهل البيت، عن علي عليه السلام.

(3) - المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله: أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم، صحابي. ولد في الطائف(بالحجاز). فلما ظهر الإسلام تردد في قبوله إلى أن كانت سنة: 5 ه‍، فأسلم، وشهد الحديبية واليمامة وفتوح الشام والقادسية ونهاوند وهمدان وغيرها. وولاه عمر بن الخطاب على البصرة، وعزله، ثم ولاه الكوفة، وأقره عثمان على الكوفة ثم عزله. ولما حدثت الحرب بين علي ومعاوية اعتزلها المغيرة. ثم ولاه معاوية الكوفة، فلم يزل فيها إلى أن مات سنة: 50 ه‍. الأعلام(للزركلي) 7: 277.

(4) - الكافي 8: 57، الحديث: 18، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(5) - القمي 2: 286، عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(6) - معاني الأخبار: 220، الحديث: 1، عن النبي صلى الله عليه وآله.(*)

[ 1146 ]

وفي رواية: (أنزل:) يضجون (فحرفوها) (1). (وقالوا أالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك) أي: هذا المثل (إلا جدلا بل هم قوم خصمون) شداد الخصومة، حراص على اللجاج. (إن هو) يعني الذي ضرب له المثل، أو ضرب به، والأول مروي (2). (إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل). (ولو نشاء لجعلنا منكم) قال: (يعنى من بني هاشم) (3). (ملائكة في الأرض يخلفون): يخلفونكم في الأرض، يعني أن الله قادر على أعجب من ذلك. (وإنه لعلم للساعة) أي: من أشراطها، يعلم بها قربها. القمي: يعني أمير المؤمنين عليه السلام (4). وقيل: يعني عيسى، أي: نزوله (5). (فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم). (ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين). (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولاءبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون) فيما أبلغه عنه. (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم). (فاختلف الأحزاب): الفرق المتحزبة (من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم). (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون).

__________________________

(1) - القمي 2: 286، عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(2) - الكافي 8: 57، الحديث: 18، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(3) - الكافي 8: 57، الحديث: 18، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(4) - لم نعثر عليه في تفسير القمي المطبوع، ولعله سقط من النساخ، لأنه بعينه موجود في النسخة المخطوطة من تفسير القمي، الموجودة في مكتبة الإعلام الإسلامي، تحت رقم: 26818.

(5) - مجمع البيان 9 - 10: 54، الكشاف 3: 494، البيضاوي 5: 62.(*)

[ 1147 ]

(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الاباد. قال: (والله ما أراد بهذا غيركم) (1). وورد: (ألا كل خلة في غير الله فإنها تصير عداوة يوم القيامة) (2). (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) حكاية لما ينادي به المتقون المتحابون في الله يومئذ. (الذين امنوا باياتنا وكانوا مسلمين). (أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) القمي: أي تكرمون (3). (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) الصحفة: القصعة. والكوب: كوز لاعروة له. (وفيها ما تشتهيه الأنفس). ورد: (فإذا اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله عز وجل بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد، كما خلق آدم عبرة) (4). وورد: (إن الرجل في الجنة يبقى على مائدته أيام الدنيا، ويأكل في أكلة واحدة بمقدار أكله في الدنيا) (5). (وتلذ الأعين) بمشاهدته (وأنتم فيها خالدون). (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون). (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون).

__________________________

(1) - الكافي 8: 35، ذيل الحديث: 6، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - القمي 2: 287، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - المصدر: 288.

(4) - الاحتجاج 2: 310، في توقيعات الناحية المقدسة، عن القائم عليه السلام.

(5) - القمي 2: 288، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 1148 ]

(إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون). (لا يفتر عنهم): لا يخفف عنهم (وهم فيه مبلسون): آئسون من الخير. (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين). (ونادوا يا مالك). وفي قراءتهم عليهم السلام: (يا مال) (1) بالترخيم. قيل: فلعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام (2). (ليقض علينا ربك) يعني: سل ربك ليقضي علينا، أي: يميتنا، من قضى عليه: إذا أماته. (قال إنكم ماكثون). (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون). (أم أبرموا أمرا) في تكذيب الحق ورده، ولم يقتصروا على كراهته. (فإنا مبرمون) أمرا في مجازاتهم. القمي: يعني ما تعاهدوا عليه في الكعبة: أن لا يردوا الأمر في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله (3). وورد: (إن هذه الايات نزلت فيهم) (4). (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى) نسمعها (ورسلنا): والحفظة مع ذلك (لديهم يكتبون) ذلك. (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين). قال: (أي: الجاحدين. قال: والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره) (5). والقمي: يعني أول الانفين لله أن يكون له ولد (6). (سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون): عن كونه ذا ولد، فإن

__________________________

(1) - مجمع البيان 9 - 10: 56، الكشاف 3: 496، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(2) - البيضاوي 5: 64، الكشاف 3: 496.

(3) - القمي 2: 288.

(4) - الكافي 8: 180، ذيل الحديث: 202، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - الاحتجاج 1: 372، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(6) - القمي 2: 289.(*)

[ 1149 ]

هذه المبدعات منزهة عن توليد المثل، فما ظنك بمبدعها وخالقها. (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون). (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله): مستحق لأن يعبد فيهما (وهو الحكيم العليم). (وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون). (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون بالتوحيد. (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) لتعذر المكابرة فيها، من فرط ظهوره (فأنى يؤفكون) من عبادته إلى عبادة غيره. (وقيله) وقوله:) قيل (عطف على) الساعة (، وعلى النصب أي: ويعلم قول الرسول صلى الله عليه وآله أو وقال: قوله. وقيل: الهاء زائدة (1). (يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون). (فاصفح عنهم): فأعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم (وقل سلام): تسلم منكم ومتاركة (فسوف يعلمون). تسلية له، وتهديد لهم.

__________________________

(1) - تفسير الكبير 27: 234.(*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21403559

  • التاريخ : 19/04/2024 - 23:39

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net