• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : العقائد في القرآن .
                    • الموضوع : الوحي والفعل الكلامي .

الوحي والفعل الكلامي

الشيخ قائمي نيا – ايران

ترجمة : الشيخ فضيل الجزائري

يعدّ الوحي من المفاهيم الأساسيّة في المجال التداولي الإسلامي ،وعلى أساس هذه المفردة الدينيّة تقسّم الأديان الى أديان وحيانيّة وغير وحيانيّة ، تتمثل الأولى منهما في جملة حقائق أنزلها الله تعالى على قلب الإنسان ،فيما تفتقد الثانية منهما الى هذه الخاصيّة الأساسية، فالمذهب البودائي مثلاً يمثل ديناً غير وحياني ، إذلايوجد في هذا الدّين أثرٌ للاعتقاد بالله تعالى ولا لظاهرة غيبيّة تسمّى:الوحي بخلاف دين اليهودية والنصرانية والاسلام ، ومن خلال التقسيم السابق تتضح لنا المكانة الخطيرة التي تحتلّها ظاهرة الوحي في الثقافة الاسلامية.

هناك ثلاث قرائات متداولة في الدراسات الدينية لطبيعة الوحي :

1ـ النظرية القضوية : تمثل ظاهرة الوحي في ضوء هذه النظرية – التي تعد أقدم نظريّة أثيرت لتفسير طبيعة الوحي- انتقال حقائق من الله تعالى الى أنبيائه ، وهذا الإنتقال يشكل أساس ظاهرةالوحي ، وهذه العملية (عملية انتقال الحقائق) تتحقق على أساس علاقة خاصّة بين الله تعالى والنّبي الذي يتمتع بقدرة قدسيّة خاصّة تؤهّله لفهم ما يتلقاه عن الله تعالى ، ويطالب بعد ذلك بإيصاله الى الناس ، ويتمثل هذا الإلقاء في بلاغ أو حقائق صيغت في شكل قضايا ، يعني : أنّ هذا البلاغ الإلهي يشكل مجموعة من التعاليم تمّ بيانها في شكل قضايا، وهذه القضايا ليست مشروطة بأن تكون مصاغة في صورة لسان طبيعي خاص ، فعلى ضوء هذه النظريّة تضحي الحقائق الوحيانيّة التي ألقاها الله تعالى أو الملك على قلب الأنبياء عبارة عن قضايا مستقلّة عن الألسن الطبيعية ، وليس لها لغة خاصة تصاغ في قوالبها، بل تمثل مجرّد أخبار كساها النبي ثوباً لغوياً خاصاً، وهذه الحقائق الوحيانية التي تلقاها النبي من الله تعالى لايتيسّر لأي شخص أن ينفتح عليها ، فإنّ النبي الأعظم يعيش حين انفتاحه على الوحي وتلقيه له حالة صعود ونزول ، يتمثلان في عروج ٍ روحي إلى الملأ الأعلى يؤهله لاستقبال الحقائق الوحيانية ، ونزول الى الحياةالعادية يمكّنه من تبليغ ونقل هذه الحقائق إلى الناس بعدما يصيغها في قوالب لغوية خاصة. وهذه النظرية نلمسها لدى جملة من الفلاسفة الإسلاميين كالفارابي ، ابن سينا وأبي حامد الغزالي من المتكلمين، فإنهم إعتمدوا على جملة مباني أنطولوجية رأوها مناسبة لتبيين ظاهرة الوحي .

نعم : بعضهم يذعن بالطبيعة اللغوية لظاهرة الوحي .

2ـ نظرية التجربة الدينية :

تمثل ظاهرة الوحي على ضوء هذه النظرية "تجربة دينيّة " يعيشها النبي، إذ ترى هذه النظريّة أنّ طبيعة الوحي هي مشافهة بين الله تعالى والشخص الموحى له. وبعبارة ثانية : لا يشكّل الوحي على ضوء هذه النظرية بلاغاً ألقاه الله تعالى على قلب النبي الكريم. وما نعرفه بعنوان " البلاغ الالهي" يمثل تفسيراً من النبي لهذه التجربة التي عاشها مع أستاذه ، وهذه التجربة لاتحدث من خلال تبادل جمل وقضايا بين الله تعالى والشخص الملقى إليه ، بل هي عبارة عن تجربة فارغة ومجردة من أيّ صيغة من الصّيغ اللغويّة، وغاية ماتمثله الصياغة اللغويّة هو القالب الذي تمّ من خلاله نقل التفسير النبوي إلى الآخرين .

فالوحي –هنا- يمثل فعلا ً حاكياً عن عمل ٍ قام شخصٌ بإنجازه ، وما أبلغه النبي للناس من قضايا تحت عنوان " البلاغ الإلهي " لا يشكل وحياً إلهياً ، بل يشكل تقريراً لما جرّبه هونفسه أثناء مواجهته للحق تعالى . وبتعبير آخر: إنّ القضايا التي تمّ نقلها من طرف النّبي الى الآخرين ، ليست شيئاً حدث دفعة واحدة في قلبب النبي من خلال أخذ ورد أثناء تجربته مع الله تعالى ، بل تمثل تجربة وحيانية من طرف النبي لما عاشه من تجربة دينية وتفسيراً لها.

وفيما يلي بعض نقاط الضعف في هذه النظرية :

أولاً: هذه النظرية تجعل الناس بعيدين عن الحقائق الوحيانية، وتبيّن أننا لانملك طريقا ً يفضي بنا إلى التجربة الوحيانية. ويبقى السبيل الوحيد للوصول الى هذه التجارب هو ترجمات الأنبياء لمايعيشونه من تجارب وحيانية، فهذه الترجمات تمثل الحبل الوحيد الذي يربط الناس بالساحة الإلهية المقدسة ، وإذا تسلل إليها الخطأ والتناقض إنقطع هذا الحبل وانفصل بالتالي الخلق عن الحق تعالى .

ثانياً : هذا الحل يخالف مدّعى الأديان نفسه، ذلك لأنّ الأديان تدعي أنّ الحقائق الوحيانية تنتقل الى الناس عن طريق تقرير الانبياء لما عاشوه من تجارب دينية ، بتعبير آخر: أنّا إذا دققنا في المتون الدينيّة ندرك أنّ لتقريرات الأديان موضوعات خاصة، تقوم عليها سلوكات الناس وأتباعهم، ومن هنا يقع التركيز في المتون على أمثال هذه التقريرات أكثر من التركيز على تجارب الأنبياء نفسها. بناءً على هذا : فإنّ هذا الحل بدل أن يحل المسألة قام بمسحها من الأساس .

ثالثا ً: هذا الحل لاينسجم مع الواقع التاريخي للأديان أيضاً، لأنّ التاريخ ينقل لنا أنّ الأنبياء الكرام حين ادعائهم للنبوة كانوا يؤكدون كثيراً على تقريراتهم لظاهرة الوحي ، على معنى أنهم كانوا يدعون الناس إلى سماع البلاغ الإلهي (الوحي) وإطاعة أوامره ونواهيه ، ولم يدعوا الناس بتاتاً إلى أمثال مايمارسونه هم أنفسهم من تجارب دينية.

3ـ نظرية الأفعال الكلامية :

تمثل ظاهرة الوحي في منظورهذه النظرية مجموعة أفعال كلامية يقوم الله تعالى بأدائها، وقد استلهمها أصحابها من "نظرية الأفعال الكلامية " لفيلسوف اللغة المشهور جي.ال.آستين. وقد استقطبت هذه النظرية أنظار الكثير من فلاسفة القرن العشرين واعتبرها البعض انّها ثورة في  فلسفة اللغة.

وصل آستين خلال تحليلاته الدقيقة إلى أنّ الأفعال التي نقوم بأدائها أثناء ممارستنا لعملية التكلم هي على انواع ثلاثة ، أطلق عليها اسم " الأفعال الكلامية "

4ـ فعل التكلّم : تتمثل هذه الممارسة اللغوية في التكلّم بشيئ ٍ ما، وهو إيجاد صدىً خاص باللسان من خلال توظيفنا لألفاظٍ خاصة وفقاً لقواعد لغويّة خاصة ، يحمل معنىً معيناً ومدلولاً خاصاً .

5ـ الفعل ضمن التكلّم : يتمثّل "الفعل ضمن التكلم" في فعل ٍ ينجزه المتكلّم ضمن تكلّمه بشيئ ما، مثلاً: حينما ننبّه شخصاً ما أونعده ضمن التكلّم بكلامٍ ما فقد مارسنا عملاً يندرج تحت " الفعل ضمن التكلّم" فإنّ هذا الشخص قد يتحرّك نحو إنجاز هذا الفعل بطريقة مختلفة كما إذا ضغطنا عليه بشيئٍ كالعصا قصد تنبيهه وماشابه ذلك من الممارسات العملية غير الكلامية.

6ـ الفعل بعد التكلّم : تتمثّل هذه العمليّة الكلامية في فعل يقع بواسطة التكلّم ، فالافعال التي توجد في المخاطب من قبيل الاقناع أو التخويف أو إثارة التعجّب كلها تمثل أفعالاّ بعد التكلّم .

الوحي والفعل الكلامي :

تحتضن نظرية الفعل الكلامي في باب الوحي دعويين :

الأولى : هوأنّ لله تعالى إتصالاً لغوياً بشخص النبي الكريم .

الثانية : الله تعالى أنجز من خلال هذا الإتصال اللّغوي أفعالاّ كلامية، أي أنّ الله تعالى قد أبرز للنبي جملا ً ذات معنى في قوالب لغويّة خاصة ، تحمل هذه الجمل مضموناً خاصاً أوجد تأثيراً ما في النبي الكريم ودفعه نحو القيا م بأفعال معيّنة .

إنّ الجملة " الله تعالى أوحى لنبيّه" طبقاً لهذه النظريّة ، تعني أنّ الله تعالى أنجز أفعالاً كلاميّة . وبالتالي أنّ ظاهرة الوحي في نظريّة الفعل الكلامي فعل حاكي عن عمل الله تعالى ، فيما يمثل في التجربة الدينية فعلاً حاكياً عن عمل النبي ، ونحن نقصد بمصطلح " الوحي الكلامي " هذا المعنى أي أنّ الله تعالى قد قام بإنجاز جملة من الأفعال الكلامية ذات طبيعة لغويّة .

تلخيص مجلة رضوان


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1264
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 04 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29