• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : القاسم بن الحسن السبط في مواجهة الأعداء * .

القاسم بن الحسن السبط في مواجهة الأعداء *

تهوى افئدة الملايين من البشر هذا الفتى الهاشمي، وتذرف الدموع الساخنة عليه كلما مرت مناسبة عاشوراء على المسلمين، مما يثير التساؤل التالي: لماذا؟

هل لأنه كان فتى وسيماً جميـلاً في ريعان الشباب واقتحم غمار الموت دون ان يأبه لشيء؟ بلى؛ واكثر من ذلك.

هل لأنه ابن السبط الشهيد الامام الحسن الذي يكنّ المسلمون والموالون احتراماً بالغاً له كما يكنّـون ولاءً حقيقيـاً لمقام امامتـه، لأنه سبط الرسالة وسيد شباب اهل الجنة؟ بلى؛ واكثر من ذلك.

ان الانسان قـد فطـر على حب البطولة، ولولا ذلك لما كانت بطولة ولما كانت هذه المآثر للأبطال. وحين نستعرض سيرة القاسم ابن الحسن نجد نمطاً رائعاً من البطولة الفائقة، ولذلك يستهوينا هذا النمط، لان هذا الفتى لما سمع عمه الحسين سلام اللـه عليه في ليلة العاشر من شهر محرم ينعى نفسه وينعى اصحابه ويخبر الحاضرين بأنهم لمقتولون غداً جميعاً، هنالك انبرى سائلاً: يا عماه هل اكون انا ايضاً ممن يقتل غداً؟

وقبل ان يجيبه سلام الله عليه، سأله كيف الموت عندك؟

قال بكل عفوية: يا عمـاه في نصرتك احلى من العسـل. ثم اخبره بانه ممن يقتل، واضاف بأنه حتى ابنه الرضيـع عبد اللـه ممن يقتل. فانتفض الفتى وسألـه:

يا عماه هل يصل العدو إلى المخيم؟

انظروا إلى هذين الموقفين؛ اولاً: طلبه للشهادة ولمّا تقع الواقعة، وكلمته الرائعة بأنه في نصرة الحسين الموت أحلى من العسل. الموت مرٌّ وأشدّ مرارة من أي شيء آخر، ولكن نصرة الحسين (عليه السلام) والدفاع عن القيم تجعل مرارة هذا الحدث ليست فقط مقبولة، وانما تجعلها مطلوبة حتى تصبح أحلى من العسل.

ثانياً: انتفاضته امام الخبر الذي وصل إليه بأن عبد اللـه الرضيع يقتل. إنه لم يتأثر فقط لشهادة ابن عمه الصغير، بالرغم من ان ذلك حدث كبير ويثيـر ألماً شديداً. ولكن انتفض غيرة على النساء، وانه كيف يصلون إلى المخيم. وهكذا كانت نفسية هذا الفتى الهاشمي تتلخص في كلمتيـن؛ في نصـرة الحق، وفي الغيرة على الحق.

وفي يوم عاشوراء أذن ابو عبد اللـه (سلام اللـه عليه) ـ حسب بعض الروايات ـ لإخوة القاسم، وبالذات لأبي بكر الذي يبدو انه استشهد قبل القاسم، وكان شقيقاً للقاسم من امه. ولكن تباطأ الامام الحسين (عليه السلام) في الاذن للقاسم، لا نعرف لماذا؟ انما حسـب هذه الرواية انه قال له: لأتسلّى بك.

ولعل الحسين كان يكن لهذا الفتى حباً عميقاً، وكان يتسلّى به ويراه علامة اخيه الحسن، لأنه كان للحسن المجتبى (عليه السلام) عظيم الحب في قلوب المسلمين، فكيف بقلب الحسين (سلام الله عليه)؟ وكان الامام الحسين يقول عن أخيه بأنه خير منه. ومعروف ان الامام الحسن (عليه السلام) استشهد غيلة بعد ما اضطر الى الصلح مـع معاوية، وذلك في الاربعينات من عمره. ورافق شهادته بعض الحوادث المرة، كمنع جسده من الطواف حول قبر النبي (صلّى اللـه عليه وآله)، ورمي جثمانه المبارك بالسهام.. كل ذلك عمّق الحزن في قلب أبي عبد اللـه الحسين (عليه السلام) على أخيه، وعبّر عن ذلك الحزن العميق في بيتين من الشعر بعد ان وارى اخاه الثرى قال:

أأدهـن رأسـي ام تطيـب مجالسي *** ووجهك مدفون وانت تــريـب

وليس حريبــاً مـن اصيـب بمالــه *** ولكـن من وارى اخاه حريـب

وهكذا لما نظر الى القاسم تداعت في نفسه علائم الحسن (سلام اللـه عليه)، فكيف يأذن للقاسم بأن تقطعه حراب بني امية أمام عينيه. ولعله لذلك قال للقاسم حسب الرواية: يا ابن الاخ؛ انت من أخي علامة، واريد ان تبقى لي لأتسلّى بك.

اما القاسم الذي كان من جهة متعبداً بولاية عمه وامامه الحسين (سلام اللـه عليه)، ومن جهة ثانية كان متحفزاً للبراز والجهاد بين يديه وطالباً للشهادة في سبيل اللـه ونصرة عمه الحسين (سلام اللـه عليه)؛ فقد انتحى جانباً وجلس مهموماً مغموماً، باكي العين، حزين القلب، ووضع رأسه على رجليه ثم تذكر ان أباه قد ربط له عوذةً في كتفه الايمن، وقال له اذا اصابك ألماً وهماً، فعليك بحل العوذة وقراءتها وفهم معناها، واعمل بكل ما تراه مكتوباً فيها. فقال القاسم في نفسه: مضت سنون ولم يصبني من مثل هذا الالم، فحلّ العوذة وفضّها ونظر إلى كتابتها واذا فيها: يا ولدي اوصيك انك اذا رأيت عمك الحسين (عليه السلام) في كربلاء وقد احاطت به الاعداء فلا تترك الجهاد والبراز لأعداء اللـه واعداء رسول اللـه، ولا تبخل عليه من روحك ومن دمك، وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك للبراز لتحظى بالسعادة الابدية. فقام القاسم من ساعته وأتى الحسين وعرض ما كتب الحسن على عمه الحسين (عليهما السلام)، فلما قرأ الحسين العوذة بكى بكاءً شديداً، وقال: يا ولدي أتمشي برجلك الى الموت؟

قال: فكيف لا يا عم، وانت بين الاعداء بقيت وحيداً فريداً لم تجد حامياً ولا صديقاً. روحي لروحك الفداء، ونفسي لنفسك الوقاء.

ثم ان الحسين (سلام اللـه عليه) قطع عمامة القاسم نصفين ثم ادلاها على وجهه كأنه اراد ان يصون وجه القاسم، ثم البسه ثيابه وشد سيفه وسط القاسم، ثم أركبه على فرسه وارسله.

وقد جاء في رواية ان الحسين (سلام الله عليه) اعتنق القاسم وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما، ثم انحدر القاسم الى المعركة وهو يرتجز قائلاً:

ان تنكـروني فأنـا ابـن الحـسن *** سبـط النبي المصطفى المؤتمـن

هذا حـسين كالأسـير المرتهن *** بين أناس لا سقوا صوب المـزن

وكان وجهه كفلقة قمر، فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل على صغر سنه خمسة وثلاثين رجلاً. قال ابو مخنف الذي روى حوادث يوم الطف؛ قتل سبعين فارساً. وقال حميد بن مسلم: كنت في عسكر ابن سعد (أعداء أبي عبد اللـه الحسين عليه السلام) فكنت انظر الى هذا الغلام عليه ازار وقميص ونعلان قد انقطع شسـع احداهمـا، ما انسى كان الايسر، فقال لي عمر بن سعد الأزدي: واللـه لأشدنّ عليه، فقلت سبحان اللـه ما تريد بذلك، واللـه لو ضربني ما بسطت إليه يدي. يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه.

قال: واللـه لا فعلنّ. فشدّ عليه فما ولّى حتى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه.

وقال ابـو مخنـف: وكمن له ملعون فضربه على أم رأسه ففجر هامته وخر صريعاً ونادى: يا عماه أدركني. وجاء في الرواية: فجاءه الحسين كالصقر المنقضّ فتخلّل الصفوف، وشدّ شدّة الليث المغضب، فضرب عمر (قاتله) بالسيف فاتقاه بيده فأطناهـا من لدن المرفق، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحـى عنـه. وحملت خيل اهل الكوفة لتستنقذ عمر قاتل القاسم من الحسين (سلام اللـه عليه)، فاستقبلته الخيل بصدورها وجرحته بحوافرها ووطأته حتى مات. فأنجلـت الغبرة فإذا بالحسين (عليه السلام) قائم على رأس الغلام وهو يفحـص برجليه، فقال الحسين: يعزّ واللـه على عمك ان تدعوه فلا يجيبك، او يجيبك فلا يعينك، او يعينك فلا يغني عنك. بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وابوك، هذا يوم كثر واللـه واتره وقل ناصره.

ثم احتمله على صدره، وكما يقول حميـد بن مسلم: فكأني انظر الى رجلي الغلام يخطان في الارض، فقد وضع صدره على صدره، فقلت في نفسي ما يصنع به، فجاء به فألقاه بين القتلى مـن اهل بيتـه مع ولده علي الاكبر، ثم قال: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم احداً، ولا تغفر لهم ابداً. صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا اهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم ابداً.

واستشهد القاسم بن الحسن وطارت روحه الى الملكوت، ولكن بقيت مآثره وبطولته تحفز الفتيان من موالي اهل البيت ومن المسلميـن جميعاً على ضرورة التحدي للطغيان ونصرة الحق. ولذلك تجد احد العلماء الكبار وهو السيد الشريف المرتضـى علم الهدى يزور القاسم بهذه الكلمات العطـرة، يقول: السلام على القاسم بن الحسن بن علي ورحمة اللـه بركاته، السلام عليك يا ابن حبيب اللـه، السلام عليك يا ابن ريحانة رسول اللـه، السلام عليك من حبيب ما قضى من الدنيا وطراً ولم يشف من اعداء اللـه صدراً حتى عاجله الاجل وفاته الامل، فهنيئاً لك يا حبيب رسول اللـه، ما اسعد جدك، وافخر مجدك، واحسن منقلبك.

________________

 (*) موقع مكتب آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرّسي. https://www.almodarresi.com. بتصرّف يسير.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2405
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16