• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : الإمام الصادق والحفاظ على الهويّة الإسلاميّة .

الإمام الصادق والحفاظ على الهويّة الإسلاميّة

سماحة الشيخ عبدالجليل المكراني

إنّ تاريخ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) مليء بالمواقف والأحداث  المهمّة والملحّة في تاريخ المجتمع الإسلامي، وإنّ مراجعةً قليلةً تُنبئ بوضوح عن عظمة دور آل النبيّ (صلى الله عليه وآله) في بناء كيان هذه الأُمّة والحفاظ على هويّتها الدينيّة والحضاريّة.

وغير خفي على الجميع أنّه لم يكن آل محمّد (صلى الله عليه وآله) طلاب سلطة ليشغلهم ما يتنافس فيه الناس من أوهام وركام الدنيا وحطامها، وإنّما ما يتجلّى في منهجهم وسياستهم المحمّديّة العلويّة أن يبقى الإسلام نابضاً وفاعلاً ومتوهّجاً في عقول أبنائه.

وقد تجلّى هذا الدور العظيم في عصر إمامنا الصادق (عليه السلام) بوضوح، بعدما أخذ على عاتقه الدفاع بشتّى الوسائل عن العقيدة الإسلاميّة بشكلها الصحيح في ضوء الكتاب والسنّة.

لقد عاش الإمام الصادق (عليه السلام) معلّماً للإنسانيّة، تنطوي روحه العظيمة على ذات الأسرار التي انطوت عليها روح محمّد وعليّ والحسن والحسين(عليهم السلام)، فكان في طليعة الذين صنعوا التاريخ للإنسانيّة في تلك الحقبة الحسّاسة من الحضارة الإسلاميّة، متألّقاً بالقاعدة القرآنيّة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد، الآية 11).

واتّخذ الإمام (عليه السلام) نهج آبائه الكرام في الدعوة لله وترسيخ الأُسس الإسلاميّة في الحياة الاجتماعيّة والفرديّة.

وفي كلمة موجزة نستعرض في المقام دورين بارزين حرص الإمام (عليه السلام) على معالجتهما:

الأوّل: دوره في بيان الشريعة

1ـ بعد انفتاح المسلمين على الثقافات والمجتمعات الإنسانيّة المختلفة، وبداية حركة الترجمة ونقل الأخبار والأفكار, نشأت المذاهب والفِرق، وشاعت الأفكار والعقائد المنحرفة آنذاك، الأمر الذي ساعد على فكّ الفكر من عقاله، فأصبحت المناقشات العلميّة عامّةً في كلّ حاضرة من حواضر العالم الإسلامي، وهنا تجلّى الدور الرائد الذي قام به الإمام (عليه السلام) في بيان التشريع الإسلامي الصحيح من مصدريه العظيمين: كتاب الله القرآن الكريم، وسنّة النبيّ المصطفى (صلى الله عليه وآله). فكانت داره ومسجده يعجّان بالعلماء والفقهاء ورواة الحديث، حتى لقد سارت الركبان بعلوم وأحاديث الإمام في كلّ حدب وصوب، حتى قال أبو حنيفة: (لولا السنتان لهلك النعمان) (الإمام الصادق (عليه السلام) (المظفر) 1: 147).

2ـ ولكي يرسم الإمام (عليه السلام) للأُمّة طريقها الطويل نحو المجد والحفاظ على التوجّه الصحيح، فقد أسّس للمأتم والرثاء الحسيني، مبيّنا تفاصيل الرزيّة العظمى في تاريخ الأمّة، ودور سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (عليه السلام) في الدفاع عن الأُمّة الإسلاميّة وقيمها ومبادئها أمام الانحرافات والتشويهات. فكان عصر الإمام الصادق (عليه السلام)، عصر انطلاق الرثاء وربط الأُمّة عاطفيّاً مع كربلاء.

3ـ لم يجمد دور الإمام (عليه السلام) على الجانبين الثقافي  والعلمي فقط، وإنّما كان ناهجاً نهج بناء الحياة الاجتماعيّة، وعلاقاتها، وملابساتها، وفق الحقّ وفي إطار الإخوّة الإيمانيّة والإنسانيّة. فكان يحثّ على بناء الوشائج والعلاقات الصادقة في المجتمع، قائلاً: (تزاوروا؛ فإنّ في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا. وأحاديثنا تعطَّف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ظللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم) ( وسائل الشيعة 16: 346/ 21724).

ثانياً: دوره في النزاعات الاجتماعيّة

يظهر بوضوح أنّ الإمام كان يعالج كثيراً من الأزمات والهنات الاجتماعيّة بتدخّله المباشر أو غير المباشر، فهو الإمام القدوة، وهو الأب لهذا المجتمع.

ففي حديث عن أبي حنيفة (سابق)، قال (عليه السلام): (مرَّ بنا المفضّل، وأنا وخَتَني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل. فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم، فدفعها إلينا من عنده، حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكنْ أبو عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أُصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا مال أبي عبد الله (عليه السلام) ( الكافي 2: 209/ 4).

وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (صدقةٌ يُحبّها الله تعالى: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقاربٌ بينهم إذا تباعدوا) ( الوافي 5: 539/ 2530).

هذا ما نتعلّمه من الإمام الصادق (عليه السلام)، نتعلّم إحساسه بالمسؤوليّة الثقافيّة والمسؤوليّة الاجتماعيّة؛ إذ بهما تُحفظ الهويّة الإسلاميّة وتبلغ الإنسانيّة قمّتها وذروتها.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2569
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 06 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20