لماذا تكررت الاشارة الى بعض الآيات في القرآن الكريم، ولمَ أعيد ذكر عدد من القصص القرآنية في عدة مواضع، وما المتوخى من ذلك؟

السؤال :

لماذا تكررت الاشارة الى بعض الآيات في القرآن الكريم، ولمَ أعيد ذكر عدد من القصص القرآنية في عدة مواضع، وما المتوخى من ذلك؟




الجواب :

لا بد من الالتفات الى أن القرآن الكريم نزل على صدر النبي محمد (ص) على مدى ثلاث وعشرين سنة طبقاً للحوادث والظروف الزمنية المختلفة. ثم إن القرآن المجيد ليس كتاباً قانونياً أو كلاسيكياً ليذكر المسائل والقوانين المختلفة بصورة ممنهجة ومبوبة؛ وإنما هو كتاب تبليغ وإرشاد وهداية ويهدف الى بيان حقائق الحياة الانسانية والتعاليم اللازمة لبلوغ الكمال الانساني المنشود، ويرمي الى خلق مجتمع قد بلغ مرحلة الكمال المادي والمعنوي؛ ولأجل تحقيق هذا الأهدف تحدث القرآن الكريم عن كافة الموضوعات اللازمة. نزل القرآن كما أوضحنا تدريجياً في غضون ثلاثة وعشرين عاماً لتلبية احتياجات الناس وإيضاح رأي المولى بشأن الوقائع المختلفة. أما التكرار في القرآن فهو على نحوين:

1-      تكرار جزء من التاريخ وبرهة منه.

2-      تكرار بعض الآيات المبينة لواقعة خاصة.

أما بشأن القصص التاريخية فلا بد من الالتفات الى أن هدف القرآن من تكرار قصص الماضين هو لفت أنظار الناس الى قوانين الحياة المسلمة التي كانت تسود حياتهم إذ ذاك.

إن القرآن يروم الى تعريف الناس بتلك القوانين ويبغي لفت أنظارهم الى علل رقي وتقدم أو انحطاط المجتمعات السالفة على مر العصور وتعاقب الأزمان، وإعلامهم بخطورة مخالفتهم دعوات الأنبياء وتداعيات الظلم والجور المتفشي في أوساطهم، وتسليط الضوء على العوامل التي أدت الى أفول حضاراتهم وانقراضها، وبالتالي معرفة نقاط الضعف والقوة لديهم.

إن القرآن كشف للناس في تلك القصص عن تينك الحقائق والقوانين وأوضح مصير الجبابرة والطغاة. وهذه الحقيقة دفعت القرآن الى بحث سيرة المجتمعات الماضية ودراسة كافة أبعادها وجوانبها؛ وعلى هذا الأساس فان تحدث القرآن الكرم عن قصة بني إسرائيل مثلاً أو خلق آدم في بضعة مواضع منه فإنه في كل موضع يشير الى جانب منها ويسلط الضوء على أحد أبعادها، وهو يروم من ذلك لفت أنظار الناس الى ذلك البعد بخصوصه الذي لم يسبق له أن لفت أنظارهم إليه. وهذه الحقيقة تتأتى بالتمعن في قصص القرآن المختلفة.

*********

أما التكرار الحاصل في جملة من الآيات الأخرى كقوله تعالى: (فَبِاَىَّ آلاَءِ رَبَّكُمَا تُكَذِّبَانِ) في سورة الرحمن فهو  إنما جيء به لاستنتاج تأثير نفسي خاص من قرّاء القرآن أو مستمعيه. فلما يريد الله جل وعلا التحدث مع أفراد مجتمع ما لإيقاظ أفكارهم وأرواحهم يعول أحياناً على مواضيع ذات طابع عاطفي ونفسي خاص فيقوم بتكراراها؛ فعلى سبيل المثال في سورة الرحمن كان تعالى في صدد عدّ النعم الالهية الهامة التي تضطلع بدور أساس في تشكيل المجتمع وبلورة الحضارة الانسانية وما تلاها؛ كما تم في هذه السورة كشف النقاب عن النعم المهيئة للانسان في الدار الآخرة، فلما أراد الله تعالى عدّ تلك النعم كرر قوله: (فَبِاَىَّ آلاَءِ رَبَّكُمَا تُكَذِّبَانِ) لغرض إثارة عواطف الناس بغية إيقاظ حس معرفة الحق لديهم وإرغامهم على الخضوع الى هذه الحقيقة وإثارة عواطفهم الكامنة. بناء على ذلك فهذا النوع من التكرار لازم للارشاد والهداية ولا يخل بفصاحو وبلاغة القرآن، بل يعد من إيجابيات الكلام أيضاً؛ لأنه يوجب التأثير والتأكيد المضاعف.

وهناك ما يؤيد ذلك من الأدب العربي فكثيراً ما يكرر البيت أو المصراع أو الجملة في القصائد الشعرية وغيرها من أجل هذا الغرض، ومن جملة ذلك يمكن الاشارة الى قصيدة لعدي بن ربيعة خال الشاعر إمرؤ القيس المعروف التي نظمها رثاء لأخيه كُليب، حيث كرر فيها جملة: "عَلى أنْ لَيْسَ عِدْلا مِنْ كَليبْ"  عشرين مرة، الى غير ذلك من النماذج الكثيرة الموجودة في مختلف النصوص الأدبية.

 

منقول من موقع الشيخ مكارم الشيرازي

الرابط : http://www.makaremshirazi.org/arabic/


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=315