ما هو عالَمُ الذَّرّ ؟

السؤال : ما هو عالَمُ الذَّرّ ؟

الجواب : وَرَدت في القرآن الكريم عدّةُ آياتٍ فُسِّرت بعالم الدرّ، يدلّ ظاهرها على وجود نشأةٍ خاصّة للإنسان تَسبِق نشأتَه في هذه الدنيا.
ومن الآيات التي فُسرّت بعالم الذرّ، الآية الكريمة وإذْ أَخَذَ ربُّكَ مِن بَني آدمَ مِن ظُهُورِهِم ذَرِّيَّتَهم وأَشْهَدَهُم على أنفُسِهم: أَلَسْتُ بِربِّكم ؟ قالوا: بَلى شَهِذْنا؛ أَنْ تَقُولوا يومَ القيامةِ إنّا كُنّا عَن هذا غافِلينَ (23).
وقد وردت آراء متفاوتة في تفسير هذه الآية، حتّى أنّ البعض فسّرها بشهادة خلقة الإنسان على وجود الخالق، مثل شهادة كلِّ بِناء ومصنوع على بانيه وصانعه، أو بشهادةِ فطرة الإنسان على وجود الله تعالى، فتركوا ظاهر الآية وتمسّكوا بالقرينة العقليّة.
وحافَظَ البعض الآخر من العلماء على ظاهر الآية، وقالوا بوجود عالَمٍ ونشأةٍ سابقةٍ للإنسان، على الرغم من اختلاف هؤلاء الأعلام في بيان المطلب بلحاظِ عبارات الآية ومواقعها من الأعراب، ومن تحرّزهم عن إظهار وجهة نظر صريحة في تفاصيل تلك النشأة وحقيقتها.
وعلى أيّة حال، فإنّ الرأي السائد بين المحدّثين وطائفة من علماء التفسير هو إقرارهم بعالم الذَّرّ واعترافهم به.
ومن الآيات التي يمكن حملُها على معاني عالم الذرّ، الآيات الواردة في سورة البقرة، في قوله عزّ من قائل: وعَلَّمَ آدَمَ الأسماءَ كُلَّها ثمّ عَرضَهَمُ علَى الملائكةِ فقالَ أنبِؤني بأسماء هؤلاءِ إن كُنتُم صادقين * قالوا سُبحانَك لا عِلْمَ لنا إلاّ ما عَلَّمتنا إنّك أنتَ العَليمُ الحكيم * قال يا آدمُ أنبِئْهُم بأسمائِهم فلمّا أنبأهم بأسمائهم قالَ ألَمْ اقل لكم إنّي أعلمُ غَيْبَ السماواتِ والأرضِ وأعلمُ ما تُبْدُونَ وما كنتم تَكتُمونَ .
وفي هذه الآيات دلالة على وجود مُسَمَّيات لها أسماء علّمها اللهُ تعالى آدمَ عليه السّلام، ثمّ عَرَض تلك المسمّيات على الملائكة. وفي الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام أنّ تلك المسمّيات كانت أشباحَ رسول اللهِ صلّى الله عليه وآله والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام .
ومن جملة الآيات قولُه تعالى وإذْ أخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبيِّينَ لَما آتَيتُكُم مِن كتابٍ وحِكمَةٍ ثمّ جاءكُم رسولٌ مُصدِّقٌ لِما مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بهِ ولَتَنصُرُنَّهُ قالَ ءَأقْرَرتُم وأخَذتُم على ذلِكُم إصْري قالُوا أقْرَرْنا فاشهَدوا وأنا مَعَكُم مِن الشاهِدينَ . ويستفاد من هذه الآية أيضاً أن مسألة أخذ الميثاق على نبوّة خاتم الأنبياء محمّد صلّى الله عليه وآله جرى في جوّ خاصّ، على الرغم من أنّ تصوّر ذلك عسير علينا.
ومن جملتها قولُه تعالى: وإذْ أَخَذْنا مِن النَّبيِّينَ ميثاقَهُم ومِنكَ ومِن نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى ابنِ مريمَ وأخَذْنا مِنهُم مِيثاقاً غَليظاً ، وهي ذات دلالة على أخذ الميثاق من الأنبياء عليهم السّلام. وهذه الآيات التي ذكرناها قد فُسّرت بعالم الذرّ وأَخْذ الميثاق.
وإضافة إلى هذه الآيات، هناك روايات تبلغ حدّ التواتر تدلّ على وجود عالم الذرّ وعالم الإشهاد وأخْذِ المِيثاق .
ويلزمنا أن نذكرّ أنّ المقصود بالتواتر الذي ذكرناه ليس التواتر اللفظي التفصيلي، بل التواتر اللفظي الإجمالي، حيث يحصل العلم ـ من خلال كثرة الروايات ـ بصدور أحدها؛ والتواتر المعنوي الذي يحصل العلم من خلاله بعالم الذرّ لجميع بني آدم.

* * *


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=554