ما هو الفرق بين مناهج التفسير، والموضوعات المختلفة للتفسير؟

السؤال :

ما هو الفرق بين مناهج التفسير، والموضوعات المختلفة للتفسير؟ 



الجواب :

  هناك فرق بين أساليب ومناهج التفسير، وبين الموضوعات المختلفة للتفسير، فيبحث في التفسير بخصوص الموضوعات المختلفة، فمثلاً يجعل البعض المسائل والموضوعات الأدبية في القرآن محوراً للبحث والبعض الآخر يهتم بالنكات الفقيهة للقرآن، ويكتب في آيات الأحكام، وآخرون يولون اهتماماً بالآيات المرتبطة بالمعارف، فاهتم الزمخشري مثلاً بالمسائل الأدبية، والخواجة عبدالله الأنصاري من أحصاب الرأي بالمباحث العرفانية، فإن مثل هذه الاختلافات لا ترتبط بالطرق التفسيرية. إن المنهج هو طريقة للتفسير وهناك فرق بين طريقة التفسير وبين موضوعات التفسير، والطرق وأساليب التفسير أنواع مختلفة، فتارة يكون التفسير في حدود ظواهر القرآن، كأن يختص بآية أو أكثر، أو بظواهر كل الآيات بقياس بعضها إلى الآخر، وتارة أخرى من طريق السير الباطني، وإظهار معاني القرآن، وكذلك المقيدات والمخصصات وماشابهها. إن طرق ومناهج التفسير تكون في طول بعضها الآخر، واصل جميع الطرق هو حجية الظواهر، وبهذا الدليل لابد أن نكون في خدمة القرآن بكيفية نجعل فيها الظواهر أصلاً مع مراعاة عدم نفي غير الظاهر. فلقد استفيد في الروايات الواصلة من النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لطائف كثيرة من الآيات القرآنية، كلها لاتنفي ظاهر القرآن، كما أنها وضعت ظواهره في طول بعضها الآخر، ونقل الصدوق (رحمه الله) في توحيده عن الإمام الصادق (عليه السلام) نموذجاً من هذه الروايات، حيث سأله أحد تلامذته حول (ابو القاسم) كنية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال لماذا كنّي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأبي القاسم؟ قال الإمام (عليه السلام) لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان له ولد أسمه قاسم، فقال له أعلم ذلك، وأريد أن تزيدني، فأجاب الإمام بجواب يحتاج الى تقديم ثلاث مقدمات. الأولى: ان الإمام علي (عليه السلام) كان تلميذ النبي، وأخذ منه علوماً كثيرة. الثانية: إن العلاقة بين التلميذ والأستاذ علاقة الأب والإبن، فيعني ذلك ان الطالب بمنزلة الإبن الروحاني للأستاذ، فتصبح النتيجة من خلال هاتين المقدمتين هي أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي هو تلميذ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان بمنزلة ولده، والنبي بمنزلة أبيه. وبعدها أشار الإمام (عليه السلام) إلى مقدمة ثالثة بهذا البيان، أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قسيم الجنة والنار، وهو يأمر بإذن الله الى جهنم لتأخذ أعدائه، وتمتنع عن أحبائه. وبعد أن أذعن السائل بهذه المقدمات الثلاث استنتج الإمام بأن علياً (عليه السلام) هو القاسم، والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمنزلة أبيه، فيكون أبو القاسم. إن هذا المعنى اللطيف قد نقله الصدوق (رحمه الله) في كتاب التوحيد، وهذا المعني لايمكن استنباطه من ظاهر لفظ ابو القاسم بتاتاً، لكن هذا المعنى‌الثاني ليس خلافاً للظاهر الذي كان في مراد الإمام (عليه السلام) في التفسير الأول، لأن التفسير الثاني في طول الأول ولا يزاحمه. يقول بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم): لو كان السائل قد تأنّى أكثر من ذلك وطلب بياناً وتوضيحاً أكثر، لبيّن الإمام معنى ثالثاً في طول المعنين السابقين. إن هذه التفاسير تكون في طول التفسير الأول وتفهم من ظاهر اللفظ، وتبتني على نهج يناله المفسر عن طريق تهذيب وتزكية النفس. فالذي حصل عليه المفسر من هذا الطريق يظهره عبر اللفظ ثانية، ويفهم ذلك المستمع. إن الله سبحانه يكلم البعض، ولا يكلم آخرين، فهو الذي بصير بكل شيء ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَي‏ءٍ بَصِيرٌ﴾(۱)، يمنع لطفه وعنايته بعضاً، كما أنه لا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يكلمهم ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِم﴾(۲). أما الخواص فهم ينالون التحدث مع الله، وهم يفهمون كلام الله، الذي يظهر في قلوبهم وباطنهم أثناء تلاوة آيات القرآن، مع اطلاعهم على أن هذا الكلام ليس من إلقاءات الشيطان، ولم يأتي من طريق آخر، فينقلون الإلقاءات الإلهية التي حصلوا عليها من هذا الطريق الى الآخرين عن طريق الألفاظ والمفاهيم. إن تجلّي الله سبحانه في القرآن، وعمى العباد عن الذي جاء في نهج البلاغة، هو إشارة الى طريقة تفسير أولئك الذين ينهلون من هذا التجلي حين تلاوة الآيات ويتمتعون بمواجهة الله وحواره، وبالطبع فإن هؤلاء الذين يشاهدون تجلّي الله في القرآن فهم يشاهدوه في مقام الفعل، وإلاّ فلابد من إبقاء هذا الأمر في الذهن وهو أنه لا يمكن لأي أحد من المخلوقين أن يصل الى كنه الذات الإلهية. فالحاصل لابد أن يجعل هناك فرق بين الطرق التفسيرية، وبين الموضوعات التفسيرية، فإن الموضوعات المختلفة في عرض بعضها الآخر، ويمكن أن تصب في قالب طريق أو طرق مختلفة، وبعض الطرق في دائرة الالفاظ والظهورات اللفظية، نظير الأخذ بمفاد الظاهر من إحدى الآيات، أو بتفسير الآيات بالآيات الأخرى، وبعضها الآخر ناظر الى باطن الآيات ويكون في طول الطريق الأول في مراتب متفاوته.

ـــــــــ

۱ ـ سورة الملك، الآية 19.

۲ ـ سورة آل‌عمران، الآية 77.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=603