كيف لنا أن نوفق بين ما يذكر في القرآن ومجريات هذا العصر وتغيرات الزمن؟

السؤال :

كيف لنا أن نوفق بين ما يذكر في القرآن ومجريات هذا العصر وتغيرات الزمن؟



الجواب :

القرآن الكريم كتاب هداية، وبما انه كتاب هداية فهو يتضمن الطرق التربوية والطرق القانونية التي تؤدي إلى تحقيق الهداية، وهذه الطرق التي طرحها القران الكريم في مجال الهداية طرق ثابتة وليس متغيرة.
والقول بأن القرآن جاء ليحاكي فكر زمانه غير صحيح، بل القرآن جاء ليطرح طرقاً لهداية الإنسان وتهذيب شخصيته، وتهذيب سلوكه إلى يوم القيامة، لا أنه خصوص فكر زمانه خاصة والفكر المعاصر له، فإن آيات القرآن لا تختص بزمن صدوره، فقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} هو آية عامة، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ
 مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} فهذه الآيات كلها تتحدث عن المجتمع البشري في كل زمان وفي كل مكان، لا أنها تتحدث عن فكرٍ معاصر لزمان نزول القرآن حتى يختص القران بذلك الفكر.
والقول بأن العلم في تطور فإن القرآن لا يمنع من تطور العلم، ولم يتضمّن القرآن نظريّات في علم الطبيعة وعلم الفلك كذّبها العلم إلى الآن، بل هذا القول خطأ واضح فإن القرآن لم يطرح أيّ نظرية في أيِّ مجال قام العلم بتكذيبها أو بيان خطئها أو فشلها، لأن القرآن أساساً ليس كتاباً في الفلك، ولا في الطبيعة ولا في الطب، إنما هو كتاب هداية، فوظيفته أن يتحدث عن الطرق التي تؤدي إلى تحقيق الهداية، وهذه الطرق على قسمين:
«1» طرق ثابتة لأنها تعالج حاجة ثابتة لدى الإنسان، كحاجة الإنسان إلى العبادة التي هي حاجة ثابتة ناشئة من حاجته إلى الاطمئنان والاستقرار النفسين والعبادة توفّر له هذه الحاجة، فالطرق العبادية التي طرحها القرآن الكريم لكونها تعالج حاجة ثابتة فهي طرق ثابتة إلى يوم القيامة، ولا تقبل التغيّر ولم يكتشف العلم خطأها وفشلها.
«2» طرق متغيرة، تتغير بتغير الزمن، كما في قوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، فإن هذه الآية تتضمن عنصرين، عنصراً ثابتاً وعنصراً متغيراً، والعنصر الثابت قوله {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، فإن هذا مبدأ ثابت إلى يوم القيامة، ولا معنى أن يقال اكتشف العلم خطأه؛ فإن هذا المبدأ ـ أي: حاجة المجتمع الإسلامي إلى القوة التي تنهض بحضارته ودولته ـ لا يقبل الخطأ. والعنصر الثاني عنصر متغيّر وهو قوله {مِنْ رِبَاطِ
 الْخَيْلِ} فإن الحاجة إلى رباط الخيل حاجة متغيرة وغير ثابتة.
إذن، بما أن القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتاباً في الطبيعة أو الفلك أو الطب كي يقال اكتشف العلم خطأ نظرياته، فلذلك وظيفة القرآن هي ذكر طُرق تؤدي إلى الهداية، وهذه الطرق على قسمين ثابتة ومتغيرة بحسب حاجات الإنسان التي هي بحد ذاتها تنقسم إلى قسمين حاجات ثابتة وحاجات متغيرة.
السيد منير الخباز
المصدر: موقع (www.almoneer.org) على الانترنت، بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=775