ما هو الوحي وما هي أقسامه في القرآن الكريم؟

السؤال :

ما هو الوحي وما هي أقسامه في القرآن الكريم؟



الجواب :

الوحي ـ لغةً ـ هو كلّ ما ألقيتَه إلى غيرك حتّى علِمه كالإشارة والكتاب والرسالة والإلهام والكلام الخفيّ. [انظر: الصحاح، ج6، ص٢5١٩ و ٢5٢٠؛ معجم مقاييس اللغة، ج6، ص93. مادة (وحي)].
وقد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريّا (عليه السلام): {فَخَرَجَ عَلىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرٰابِ فَأَوْحىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا} [مريم: ١١]، فقد قيل: رمَزَ. وقيل: أشارَ، وقيل: كتَبَ، وعلى هذه الوجوه قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ جَعَلْنٰا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيٰاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام: ١١٢]، وقوله عزّ وجلّ: {وَإِنَّ الشَّيٰاطِينَ لَيُوحُونَ إِلىٰ أَوْلِيٰائِهِمْ} [الأنعام: ١٢١]، فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوٰاسِ الْخَنّٰاسِ} [الناس: 4]. والإلهام، نحو قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنٰا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: ٧]، والتسخير، نحو قوله: {وَأَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 6٨]. وقوله عزّ وجلّ: {وَلاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: ١١4]، فحثّ على التّثبّت في السّماع، وعلى ترك الاستعجال في تلقّيه وتلقّنه. [انظر: مفردات ألفاظ القرآن، ص٨5٨ - ٨6٠، مادة (وحي)]
وأمّا الوحي في الاصطلاح، فقد عرّفه العلامة الطباطبائي(قدس سره) بقوله: «هو نوع تكليم إلهي تتوقف عليه النبوّة قال تعالى: {إِنّٰا أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ كَمٰا أَوْحَيْنٰا إِلىٰ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: ١6٢]» [انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج ٢، ص ١4٧].
ويقول العلامة السيّد مرتضى العسكري (قدس سره): «الوحي في المصطلح الاسلامي: كلمة الله - جل اسمه - التي يلقيها الى أنبيائه ورسله بسماع كلام الله - جل جلاله - دونما رؤية الله -سبحانه - مثل تكليمه موسى بن عمران(ع)، أو بنزول ملك يشاهده الرسول ويسمعه مثل تبليغ جبرائيل(ع) لخاتم الأنبياء(ص)، أو بالرؤيا في المنام مثل رؤيا إبراهيم(ع) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل(ع)، أو بأنواع اخرى لا يبلغ إدراكها علمنا» [القرآن الكريم وروايات المدرستين، السيد مرتضى العسكري، ج١، ص ٢5٩].
فعلى هذا يكون الوحي حالة من الاتصال الروحي للنبي بعالم الغيب لتلقّي وإدراك المعارف والتعاليم الإلهية الحقيقية، بالطرق التي بيّنها الله تعالى في كتابه المجيد، ويدرك النبي الوحي بالكلام والرؤية، أو من غير مشاركة للحواس الجسدية المادّية.
وأمّا أقسام الوحي فقد ذكر له العلامة (قدس سره) في تفسير قوله تعالى: {وَمٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مٰا يَشٰاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: ۵١] أقساماً ثلاثة وهي: أن يوحي وحياً، أو يكون من وراء حجاب، أو أن يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء.
وقال: إن ظاهر الترديد في الآية بـ «أو» هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام، وقد قيد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب والرسول الذي يوحي إلى النبي، ولم يقيد القسم الأول بشيء، فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينه تعالى وبين النبي أصلاً، وأما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد، وهو الحجاب أو الرسول الموحي وكل منهما واسطة، غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلى النبي بنفسه، والحجاب واسطة ليس بموح، وإنما الوحي من ورائه - إلى أن قال - : ولما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها، صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق، وبهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه، كما قال: {إِنّٰا أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ كَمٰا أَوْحَيْنٰا إِلىٰ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: ١6٣]
ثم قال: والحاصل أن الوحي بجميع أقسامه مختص بالنبي، وعليه أجمعت الأمة الإسلامية. نعم قد يطلق الوحي على الهداية التكوينية كقوله تعالى: {وَأَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبٰالِ بُيُوتاً} [النحل: 6٨] ولكنه بالعناية والمجاز لظهور الوحي في عرف المتدينين بالأديان الإلهية من بدو مجيء الأنبياء والرسل فيما ذكر من أنه نوع رابطة أو كلام خفي بين الله تعالى وبينهم بواسطة أو بدونها. [انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج٢، ص١4٠].
وقال المحقّق آية الله الشيخ محمد هادي معرفة (قدس سره) ما مفاده: وبما أنّ الوحي ظاهرة روحيّة، فإنّه بأيّ أقسامه اتفق فإنّما كان مهبطه قلب رسول الله(ص)، أي شخصيّته الباطنة - الروح -. قال عزَّ مِنْ قائل: {قُلْ مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّٰهِ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٩٧]. وقال جَلَ‌ّ جَلالُه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: ١٩٣و١٩4]. والقلب هو لبّ الشيء وحقيقته الأصلية [التمهيد في علوم القرآن، ج١، ص٣٠].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=847