كيف تثبت المعجزة صدق مدّعي النبوّة؟

السؤال :

كيف تثبت المعجزة صدق مدّعي النبوّة؟



الجواب :

من طبيعة المعجزة أن تناسب ما يشتهر في عصر النبي من العلوم والفنون؛ ولأجل هذا وجدنا أنّ معجزة موسى (عليه السلام) هي العصا التي تلقف ما يقوم به السحرة؛ إذ كان السحر في عصره فنّاً شائعاً، فبمعجزة العصا أبطل (عليه السلام) ما كانوا يعملون، وعلموا أنّها فوق مقدورهم، وأعلى من فنّهم، وإنّها ممّا يعجز من مثلها البشر، ويتضاءل عندها الفنّ والعلم، وكذلك معجزة عيسى (عليه السلام) وهي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى؛ إذ جاءت في وقت كان فيه فنّ الطب هو السائد بين الناس، وكان فيه العلماء والأطبّاء لهم المكانة العليا فعجزوا عن مجاراة ما جاء به عيسى (عليه السلام)، ومعجزة نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) الخالدة هي القرآن الكريم، المعجز ببلاغته في وقت كان فنّ البلاغة معروفاً، وكان البلغاء هم المتقدّمون عند الناس، بحسن بيانهم، وسموّ فصاحتهم، فجاء القرآن كالصاعقة أذهلهم وأدهشهم وأفهمهم أنّهم لا قِبل لهم به. ويدلّ على عجزهم أنّه تحدّاهم بإتيان عشر سور مثله فلم يقدروا، ثمّ تحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله فنكصوا. ولمّا علمنا عجزهم عن مجاراته مع تحدّيه لهم وعلمنا لجوءهم إلى المقاومة بالسنان دون اللّسان، علمنا أنّ القرآن من نوع المعجز وقد جاء به محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) من عند الله عزّ وجلّ مقروناً بدعوى الرسالة. [انظر: عقائد الإمامية، الشيخ محمد رضا المظفر، ص 52]
فإن جاء مدّعي النبوّة بمعجز يصدّق دعواه بما لا يدع مجالاً للشكّ والريب، فقد تمّت الحجّة على الناس حينئذٍ، ولا يسعهم إلا تصديقه واتباعه بالقول والفعل، ومن كفر منهم بعد العلم والبرهان القاطع والحجّة التامّة، فلا طريق له سوى الضلالة والخسران المبين.
وتجدر الاشارة هنا إلى ملاحظة أخرى، وهي أنّه يمكن لنا القول بأنّ الله تعالى هو الفاعل لهذه الأعمال الخارقة للعادة، إضافة لفاعليته بالنسبة لكلّ المخلوقات ومنها الظواهر العادية؛ وذلك بملاحظة أنّ تحقّقها منوط بإذن خاصّ منه تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّٰهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ} [الرعد: ٢٧]، ويمكن أيضاً أن ننسبها إلى الوسائط كالملائكة والأنبياء بملاحظة دورهم فيها كوسطاء أو فاعلين قريبين، كما نسب القرآن الكريم لعيسى (عليه السلام) إحياء الموتى وشفاء المرضى وخلق الطير: {وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّٰهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران: 49]. ولا تعارض بين هاتين النسبتين، لأنّ فاعلية العباد هي في طول الفاعلية الإلهية وليست في عرضها.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=853