لماذا قال لعيسى (عليه السلام): فتكون طيراً باذني، ولم يقل ذلك لإبراهيم (عليه السلام)؟

السؤال :

قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة البقرة: ٢٦٠].

وقال تعالى عن عيسى (عليه السلام): {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} [سورة المائدة: ١١٠].

لماذا قال لعيسى (عليه السلام): فتكون طيراً باذني، ولم يقل ذلك لإبراهيم (عليه السلام)؟



الجواب :

ينبغي الالتفات أوّلاً إلى أن الله تعالى هو صاحب الإذن المطلق والمشيئة في كل شيء، ومنها قضية إبراهيم وقضية عيسى (عليهما السلام) سواء ذكر الاذن أو لم يذكر، فنقرأ في الآية الأولى: {فَخُذْ ... ادْعُهُنَّ} فهو تعالى صاحب القول والأمر، أما في الآية الثانية فقد تم التصريح بإذنه تعالى بشكل صريح فقال: {بِإِذْنِي ...}.

والذي يظهر من الآيتين الشريفتين أن إبراهيم (عليه السلام) حينما سأل الله تعالى فقال: {أَرِنِي... لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أراد الله تعالى إراءته كيفية إحياء الموتى ليطمئن قلبه بالمشاهدة بعد الاعتقاد النظري فالأنبياء (عليهم السلام) منزّهون من الاعتقاد بالبعث بلا حجة. وبالانضمام إلى قوله آخر الآية: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} يظهر أن  الأمر إنما هو مسوق لتثبيت عقيدة عزة الله وقدرته وحكمته في النفس إلى درجة الاطمئنان من خلال الاراءة والمشاهدة بالعيان، فهو عزيز وقادر في إفاضة الحياة ولا يتصرّف عبثاً.

أما بالنسبة إلى قضية عيسى (عليه السلام) فالأمر مختلف عن ذلك، فنسب تعالى إلى عيسى (عليه السلام) الخلق والنفخ فقال: {وإذ تخلق .. فتنفخ..} فيعطي معنى المباشرة في هذا الفعل العظيم من الخلق والتصوير ونفخ الروح (وليس مجرد الأخذ والدعوة، وليس مجرد الاراءة أيضاً)، فاستدعى الاشارة إلى صاحب المشيئة بالأصالة وهو الله تبارك وتعالى فقال: {... بِإِذْنِي}، وربما ورد لدفع شبهة مقدرة عند الناس أو لتذكيرهم والفات نظرهم إلى أن غيره لا يستقل بإفاضة الحياة خصوصاً وأن هذا الفعل كان آية لبني إسرائيل كما جاء في سورة آل عمران: 49: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فزاد التأكيد بأن هذا الفعل (الخلق والنفخ) إنما هو بإذنه سبحانه.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=891