سبب خوف موسى (عليه السلام)

السؤال :

{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * [...] قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 12، 15]، {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء: 14]، {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص : 33-35]، {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25]، {قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه: 21]، {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه: 67-68]، {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10]، {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه: 77]

...................

ما هو سبب خوف موسى (عليه السلام) ولماذا لم يطمئن بعد قوله {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]، لا تخاف دركاً ولا تخشى، لا يخاف لديّ المرسلون؟



الجواب :

للإجابة عن الشبهات بخصوص الأنبياء (عليهم السلام) بشكل عام يلزم التنبيه إلى ذكر مقدّمتين مهمّتين:

1- هناك قاعدة عُقلائية يأخذ بها جميع العقلاء ـ بغض النظر عن طبيعة دياناتهم ـ وهي أن الشكوك والشبهات لا يمكن أن تقف أمام العلم واليقين بحالٍ من الأحوال، فالشك درجته أقل بكثير من العلم، ولا يمكن إزالته إلا بعلم آخر مثله؛ فعلمنا بفضل الأنبياء (عليهم السلام) وأن الله تعالى قد اختارهم على علم سابق منه، وعلمنا بما يتحلّون به من صفات حميدة وخصال فريدة كما يشهد القرآن نفسه والتاريخ بذلك، لا يمكن أن يزول هذا العلم بمجرّد اختلاج شبهة في الذهن، قد يكون سببها عدم التدبّر في معاني الآيات الكريمة ـ وما أكثره ـ ، ومعرفة وافية بطبيعة الأحداث التي نزلت فيها تلك الآيات المباركات، كما هو شأن الكثير من الأحداث التاريخية والقضايا المعاصرة، كما في شؤون القضاء من طرق إثبات الدعوى، وغير ذلك مما نراه في حياتنا اليومية.

2- أنه إذا وردت آية كريمة فيها ما يحتمل أكثر من معنى، فينبغي استبعاد المعنى أو المعاني التي لا تنسجم مع ما ثبت لدينا بطريق العلم واليقين، وتفسيرها بما ينسجم مع العلم واليقين، وهذا أيضاً مما لا غبار عليه.

فبعد ثبوت ضرورة عصمة الأنبياء عقلاً ونقلاً، فلابد ـ طبقاً لما مر في المقدّمتين ـ أن نختار من المعاني ما يناسب عصمتهم (عليهم السلام).

فليس المراد من خوف موسى (عليه السلام) هنا الخوف على النفس بل على الرسالة، فقوله: {رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} أي: أخاف أن يكذبوني بالرسالة ولا يقبلوا مني، والخوف انزعاج النفس بتوقيع الضر ونقيضه الأمن وهو سكون النفس إلى خلوص النفع‏. وقوله: {فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} خاف أن يقتلوه بتلك النفس لا لإبلاغ الرسالة فإنه علم أن الله تعالى إذا بعث رسولاً تكفل بمعونته على تبليغ رسالته‏. [انظر: مجمع البيان في تفسير القرآن، الآيات الكريمة]

ونقرأ في خطبة الإمام علي عليه السّلام الرقم (6) من نهج البلاغة أنّه قال: «لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال»... وهكذا.

لذا، ينبغي علينا اختيار المعنى بما يناسب مقام الأنبياء والرسل (عليهم السلام) ونبذ ما ينافيه من المعاني، فالمتيقن أن الله تعالى اختارهم طبقاً لحكمته وسابق علمه فكيف نحمل عليهم ما لا يناسب علوّ مكانهم عند الله تعالى ولا يتّسق مع صفاتهم العظيمة؟!


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=901