تعلّم موسى (عليه السلام) من العبد العالم

السؤال :

{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [سورة الكهف: 65-70]

س١: ماذا أراد موسى (عليه السلام) أن يتعلم من ذلك العبد الصالح؟

س٢: لماذا لم يصبر موسى (عليه السلام) وبعد التوكل على الله والوعد بأن لا يعصي أمراً؟

س٣: ماذا تعلّم موسى (عليه السلام) من تلك الصحبة؟



الجواب :

تبيّن الآيات الكريمة أنّ علم ذلك العالم لم يكن علماً عادياً، بل إنه كان يعرف جزءاً من أسرار هذا العالم، وأسرار الحوادث التي لا يعلمها سوى الله تعالى.

أمّا استخدام (علماً) بصيغة النكرة فهو للتعظيم، ويتبيّن منه أنّ ذلك الرجل العالم قد حصل من علمه على فوائد عظيمة.

في هذه الأثناء قال موسى للرجل العالم باستفهام وبأدب كبير: {قالَ لَهُ مُوسى‏ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}.

ونستفيد من عبارة «رشداً» أنّ العلم ليس هدفاً، بل هو وسيلة للعثور على طريق الخير والهداية والصلاح، وأنّ هذا العلم يجب أن يتعلّم، وأن يفتخر به.

في معرض الجواب نرى أنّ الرجل العالم مع كامل العجب لموسى عليه السّلام {قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}.

ثمّ بيّن سبب ذلك مباشرة وقال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى‏ ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً}.

فإنّ هذا الرجل العالم كان يحيط بأبواب من العلوم التي تخص أسرار وبواطن الأحداث، في حين أنّ موسى عليه السّلام لم يكن مأموراً بمعرفة البواطن، وبالتالي لم يكن يعرف عنها الكثير، وفي مثل هذه الموارد يحدث كثيراً أن يكون ظاهر الحوادث يختلف تمام الاختلاف عن باطنها، فقد يكون الظاهر قبيحاً أو غير هادف في حين أنّ الباطن مفيد ومقدّس وهادف لأقصى غاية.

في مثل هذه الحالة يفقد الشخص الذي ينظر إلى الظاهر صبره وتماسكه فيقوم بالاعتراض وحتى بالتشاجر.

ولكن الأستاذ العالم والخبير بالأسرار بقي ينظر إلى بواطن الأعمال، واستمر بعمله ببرود، ولم يعر أي أهمية إلى اعتراضات موسى (عليه السلام)، بل كان في انتظار الفرصة المناسبة ليكشف عن حقيقة الأمر، إلا أنّ التلميذ كان مستمراً في الإلحاح، و لكنّه ندم حين توضحت وانكشفت له الأسرار.

وقد يكون موسى عليه السّلام اضطرب عندما سمع هذا الكلام وخشي أن يحرم من فيض هذا العالم الكبير، لذا فقد تعهد بأن يصبر على جميع الحوادث وقال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً}.

مرّة أخرى كشف موسى عليه السّلام عن قمة أدبه في هذه العبارة، فقد اعتمد على خالقه حيث لم يقل للرجل العالم: إنّي صابر، بل قال: إن شاء الله ستجدني صابراً.

ولأنّ الصبر على حوادث غريبة وسيئة في الظاهر والتي لا يعرف الإنسان أسرارها، ليس بالأمر الهيّن، لذا فقد طلب الرجل العالم من موسى عليه السّلام أن يتعهد له مرّة أخرى، وحذّره: {قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً}. وقد أعطى موسى العهد مجدداً وانطلق مع العالم الأستاذ. [انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏9، ص:317- 318]

فكان موسى (عليه السلام) يأخذ الأمور على ظواهرها وأما الخضر (عليه السلام) فكان يحكم بما علّمه الله من بواطنها فلا يسهل على موسى مشاهدة ذلك ثم قال‏: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى‏ ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} أي: كيف تصبر على ما ظاهره عندك منكر وأنت لم تعرف باطنه ولم تعلم حقيقته‏. [مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏6، ص: 746]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=910