الابتلاء بالشرّ

السؤال :

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [سورة الأنبياء: ٣٥]

لماذا قدم الشر؟

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة الأنعام: ٥٤].

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة البقرة: 143]

س: لماذا الابتلاء بالشر وقد كتب على نفسه الرحمة وهو بالناس رؤوف رحيم؟



الجواب :

إن الله تعالى بما أنه رؤوف رحيم فإنه لا يبتلي عبده المؤمن ـ حتماً ـ إلا بما هو خير له عاقبةً ـ وإن كان هذا الابتلاء في الظاهر صعباً ومؤلماً ـ فهو يحمل في طياته ثماراً دنيوية وأخروية عظيمة للعبد المؤمن.

والابتلاء ـ بشكل عام ـ سنة من سنن الحياة، ففي كل مجال تجد هناك امتحاناً واختباراً، ومَن يجتازه بنجاح يحصل على ما قرر له ازاء ذلك الامتحان.

قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179]، فليس كلّ من يدّعي الإيمان ويجد مكاناً في صفوف المسلمين يترك لشأنه، بل ستبلى سرائره، وتنكشف حقيقته في الآخرة بعد الاختبارات الإلهية المتتابعة له.

وأيضاً، كما أن الله تعالى رحيمٌ بعباده فهو أيضاً حكيمٌ في أفعاله، وأفعاله ناشئة من الحكمة، والحكيم لا يضع الشيء إلا في مكانه المناسب، فلا يُعقل ـ إذاً ـ أن يَنال أيّ أحد جنته والدرجات والمنازل العُليا إلا مَن كان صالحاً ومناسباً لذلك المكان والناس فيهم: المؤمن، وفيهم: الكافر، وفيهم: المنافق ...، ولا طريق لمعرفة معدن الإنسان إلا بالابتلاء والغربلة، كتمييز المعادن الثمينة عن غيرها، فيجب الابتلاء والتمحيص لبقاء كُلٍّ في مكانه المقرَّر. قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: 132]. 

وقد يكون الامتحان والابتلاء لغايات أخرى كتنبيه العبد وإيقاظه من الغفلة التي هو فيها أو لتأهيله للرقيّ إلى المنازل الرفيعة، فالنفس الإنسانية لكي تصل إلى مراتبها الكمالية، عليها أن تصبر على جميع المصائب والآلام التي تلمّ بها، فالصبر رأس الإيمان، أو كُلّ الإيمان.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: >إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً ابْتَلاهُ وَتَعَهَّدَهُ بِالْبَلاءِ كَمَا يَتَعَهَّدُ الْمَرِيضَ أَهْلُهُ بِالطُّرَفِ‏ ...< [بحار الأنوار (ط - بيروت)، ج‏90، ص: 371].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=914