الابتلاء بإبليس مع وجود النفس الأمارة بالسوء

السؤال :

الله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] وسوف يقول إبليس: {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}. ماذا يبغي الله عز وجل من هذا لعباده؟ إذا كان الجواب هو امتحان لماذا يمتحن عباده بإبليس ألا تكفي {النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [المائدة: 30] كما لقابيل {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}؟

{النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} هي قادرة بذاتها كما في الآيات {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53]، {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه : 96]، {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].



الجواب :

كان إبليس مختاراً ـ بأخذه طريق المعصية وتركه امتثال أوامر الله تعالى وإغوائه الناس ـ ولم يسلّطه الله عليهم، بل أسبغ عليهم الاسعدادات والطاقات الكبيرة لمواجهته، فقام إبليس بإعمال قدراته وتوجيهها نحو الاتجاه الخاطئ (سوء الاختيار)، كما هو يحدث عند الإنسان أحياناً من توجيه طاقاته للشر، ولكن، هل لإبليس زمام السيطرة على عموم الناس؟ -يجيبنا القرآن الكريم عن ذلك بقوله عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة ص: 82-83] فإبليس لا يستطيع إغواء (المخلَصين) من عباد الله الذين استخلصهم وعصمهم، وسلطة إبليس إنما تنصبّ على مَن يصغي إليه ويستجيب له، كما يحدث عند الناس فيما بينهم أيضاً.

ويجب أن لا يتصور أن الوساوس الشيطانية مهما بلغت، تسلب الإرادة والاختيار من الإنسان، بل يمكن للإنسان بقوّة العقل والإيمان أن يقف في وجه تلك الوساوس ويقاومها. وأن الشيطان لما يئس من الخلل في إيمان العبد يتعرض له بتلك الخواطر والوساوس، فهي تأثير من كائن ضعيف ويائس.

وكذلك يجب أن نعرف أن إمداده تعالى بالتيسير والتثبيت لا ينقطع عن عبده المؤمن المطيع،  قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}  [سورة الليل: 5-7]، {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...} [سورة إبراهيم : 27] وهكذا يشرق في قلب المؤمن نور الهداية حتى لا يخفى عنه كيد الشيطان أو تسويلات النفس، ولا تخفى عليه خافية أو شيء من مكائد الشيطان.

ومن جانب آخر، فإن النفس الأمارة بالسوء ستبقى عاجزة ـ أيضاً ـ أمام هذا الإنسان الذي أعطي من قدرات واستعدادات تفوق حدّ التصور والخيال، وسيتمكن من مواجهة جميع التحديات الظاهرية والباطنية بتعبيرٍ، وتبقى هذه مجرّد امتحانات واختبارات سهلة يسيرة إذا عرف قدر نفسه وسار على نهج الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) بقوّة إرادة وإيمان، فهو محل الخلافة الإلهية:

أتحسب أنك جرم صغير                 وفيك انطوى العالم الأكبر!


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=944