الإنسان وغريزة الشعور الديني

السؤال :

إذا استعرضنا حياة الإنسان وتاريخه تظهر أمامنا حقيقة جليّة، وهي أنّنا نجد الإنسان يسعى وبكلّ جهد للتحقيق والبحث عن الله والدين والمسائل الميتافيزيقية «ما وراء الطبيعة»، وهنا يطرح التساؤل التالي نفسه: ما هو السبب الذي يدعو الإنسان لذلك، ولماذا كلّ هذا البحث والاهتمام؟



الجواب :

انّ الشعور الديني أو الغريزة الدينية لدى الإنسان هي کباقي الغرائز النفسية، إذ يستيقظ هذا الشعور الديني وينطلق في باطن کلّ إنسان کبقية الأحاسيس الباطنية من دون حاجة إلى معلم ومن دون إرشاد أو توصية من أحد.

فکما يحسّ الإنسان  باطنياً وذاتياً في فترة من فترات حياته بميل شديد ورغبة ملحة إلى أُمور، کالجاه أو الثروة أو الجمال أو الجنس، وذلك تلقائياً ودون تعليم معلم،کذلك يستيقظ في باطنه «ميل إلى الله» وإحساس تلقائي يدفعه بدون إرادته إلى التفتيش عنه، وهو إحساس يتعاظم ويتزايد ويظهر ويتجلّى أکثر فأکثر أثناء البلوغ، حتّى أنّ علماء النفس يتّفقون في أنّ بين «أزمة البلوغ» و «القفزة المفاجئة في المشاعر الدينية» في الفرد ارتباطاً وتلازماً لا ينکر.

ففي هذه الأوقات نشاهد نهضة قوية، وقفزة نوعية، واندفاعة شديدة في الشعور الديني حتّى عند أُولئك الذين کانوا قبل تلك الفترة غير مکترثين بالدين وقضايا الإيمان.

ويبلغ الشعور الديني  ذروته في سن السادسة عشرة حسب نظرية «استانلي هال».

وإذا ما أردنا أن نطرح هذا الموضوع بصورة مضغوطة ومختصرة نرى أنّ هذا الشعور ينطلق من شخصية الشاب الذي يخضع لمجموعة من المؤثرات المختلفة، والتي تسمح له لکشف علّة وجوده وحصرها في الله تعالى.

إنّ ظهور «الميل المفاجئ» إلى الدين وإلى الله ومسائل الإيمان دون تعليم أو توجيه لهو أحد الدلائل القاطعة على فطرية هذا الأمر، وکون هذا الإحساس يظهر فطرياً شأن بقية الأحاسيس الإنسانية الفطرية الأُخرى، وانّ هذه الأحاسيس تظهر في سنين خاصة من عمر الشباب، ولکن علينا أن لا نغفل عن نقطة مهمة جدّاً، وهي: انّ هذا الإحساس، وکذا بقية الأحساسيس والمشاعر الإنسانية لو لم تحظَ بالمراقبة الصحيحة والرعاية اللازمة يمکن ـ بل من المحتم ـ أن تعتريها سلسلة من الانحرافات والتقلّبات.

وعندما نجد «الشعور الديني»  منتشراً  وسائداً في کلّ مکان  من العالم، وفي کلّ عصر من عصور التاريخ البشري، فمن البديهي أنّنا نستنتج أنّ هذا الشعور نداء باطني فطري لا محرک له سوى الفطرة، لأنّه لو کان للظروف الجغرافية أو العوامل الأُخرى دخل في انتشار هذا الشعور، لوجب أن يوجد في مکان دون مکان، ولدى شعب دون شعب، ولدى طبقة خاصة من الناس ممّن تتوفّر لديهم الظروف الجغرافية أو السياسية أو الاقتصادية الخاصة، في حين

نرى أنّ الأمر على العکس من هذا تماماً حيث شمول الظاهرة لجميع الأعصار والأزمان وجميع الأماکن والمجتمعات.

وعلى هذا الأساس يمکن أن يکون لعوامل الدعاية المضادة والخاطئة أثرها في عرقلة نمو الکثير من النداءات والغرائز الإنسانية، ولکنّها لا تستطيع القضاء عليها وإلغاءها بالکامل.

وإذا کان  القرآن الکريم وأحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) تعتبر الشعور الديني أمراً نابعاً من الفطرة، وراجعاً إليها، فإنّ علماء الغرب وخاصة علماء النفس منهم يصفون هذا الشعور بأنّه البعد الرابع للروح الإنسانية.

ومع اکتشاف الشعور الديني لدى الإنسان، وإنّ غريزة الشعور الديني تعدّ إحدى العناصر الأوّلية والثابتة والطبيعية للروح الإنسانية، تهافتت نظرية الأبعاد الثلاثة وانکسر سورها، وثبت انّه إضافة للأبعاد والغرائز الثلاث الموجودة في الإنسان يوجد بعد وشعور آخر هو «الشعور الديني» والذي لا يقل أصالة عن الغرائز الأُخرى.

وها نحن نشير هنا بصورة مختصرة إلى کلّ من هذه الأبعاد الأربعة:

۱- غريزة حبّ الاستطلاع (أو غريزة الصداقة)

وهذه الغريزة هي التي دفعت وتدفع الفکر الإنساني ـ منذ البداية ـ إلى البحث وإلى دراسة المسائل والمشاکل والسعي لاکتشاف المجهولات وفك الرموز واستکناه الحقائق...، وهي الغريزة التي نشأت في ظلها العلوم والصناعات وتوّسعت المعارف وتطوّرت وتقدّمت...، وهي الغريزة التي ساعدت المکتشفين والمخترعين منذ القدم وکانت عوناً ومشجعاً لهم، على مواصلة البحث المضني لاکتشاف ألغاز الطبيعة وأسرار الحياة وکشف القناع عنها وإزاحة الستار عن الحقائق المجهولة، وتحمّل کلّ الصعوبات والمتاعب في ذلك الطريق الوعر والشائك.

۲- غريزة حب الخير:

وهي منشأ ظهور الأخلاق، ومعتمد الفضائل والسجايا الإنسانية والصفات النفسانية المتعالية.

وهي الغريزة التي تدفع الإنسان إلى أن يحب بني نوعه ويطلب العدل، والحقّ، والسلام.

وهي التي توجد في المرء نوعاً من الميل الفطري الباطني إلى الأخلاق النبيلة والسجايا الحميدة، ونفوراً من الرذائل والصفات الذميمة.

۳- غريزة حب الجمال

وهي منشأ الفنون الجميلة قديماً وحديثاً، وسبب ظهور الأعمال الفنّية في شتّى مجالات الحياة.

4- غريزة التدين

وتعني أنّ  کلّ فرد من أبناء الإنسان يميل بنحوٍ ذاتيٍّ وفطريٍّ، وبحکم غريزته إلى (الله) ويميل إلى التدين، وينجذب عفوياً إلى معرفة ما وراء الطبيعة والقوّة الحاکمة على هذا الکون الذي يعيش ضمنه ويکون وجود الإنسان فرعاً من وجوده وجزءاً من أجزائه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الفكر الخالد في بيان العقائد، لآية الله العظمى الشيخ السبحاني/ ج1 ، ص18- 21، (موقع مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام)، بتصرّف يسير.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=945