00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من ص ( 283 ـ 346 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الميزان في تفسير القرآن ( الجزء الرابع )   ||   تأليف : العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قده)

[ 283 ]

( بحث روائي )

 عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: الرضاع لحمة كلحمة النسب وفي الدر المنثور أخرج مالك و عبد الرزاق عن عائشة قالت ": كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات - فنسخن بخمس معلومات - فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن أقول وروى فيه عنها ما يقرب منه بطرق اخرى وهى من روايات التحريف مطروحة بمخالفة الكتاب. وفيه أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نكح الرجل المرأة - فلا يحل له أن يتزوج امها دخل بالابنة أو لم يدخل - وإذا تزوج الام فلم يدخل بها - ثم طلقها فإن شاء تزوج الابنة أقول وهذا المعنى مروى من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وهو مذهبهم وهو المستفاد من الكتاب كما مر في البيان المتقدم وقد روى من طرق أهل السنة عن علي عليه السلام: أن ام الزوجة لا بأس بنكاحها قبل الدخول بالبنت - وأنها بمنزلة الربيبة - وأن الربيبة إذا لم تكن في حجر زوج امها - لم تحرم عليه نكاحها وهذه امور يدفعها المروي عنهم عليهم السلام من طرق الشيعة. وفي الكافي بإسناده عن منصور بن حازم قال: كنت عند أبى عبد الله عليه السلام - فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة - فماتت قبل أن يدخل بها أ يتزوج بامها - فقال أبو عبد الله عليه السلام قد فعله رجل منا فلم ير به بأسا - فقلت جعلت فداك ما تفتخر الشيعة إلا بقضاء علي عليه السلام - في هذا في المشيخة (1) التي أفتاه ابن مسعود أنه لا بأس به بذلك

_________________________________

(1) لعل الصحيح: الشمخي لما في بعض أخبار أهل السنة أنه كان رجلا من بني شمخ أو الصحيح في الشمخية التي أفتى ابن مسعود.

[ 284 ]

ثم أتى عليا عليه السلام فسأله فقال له على عليه السلام - من أين يأخذها ؟ (1) فقال من قول الله عز وجل - وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن - فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم - فقال على عليه السلام إن هذه مستثناة وهذه مرسلة - فقال أبو عبد الله عليه السلام للرجل - أما تسمع ما يروى هذا عن على عليه السلام ؟ فلما قمت ندمت وقلت أي شئ صنعت - يقول قد فعله رجل منا ولم ير به بأسا - وأقول أنا قضى على عليه السلام فيها فلقيته بعد ذلك وقلت جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذى قلت كان زلة مني فما تقول فيها - فقال يا شيخ تخبرني أن عليا عليه السلام قضى فيها - وتسألني ما تقول فيها أقول وقصة قضائه عليه السلام في فتوى ابن مسعود على ما رواه في الدر المنثور عن سنن البيهقي وغيره: أن رجلا من بني شمخ تزوج امرأة ولم يدخل بها - ثم رأى امها فأعجبته - فاستفتي ابن مسعود فأمره أن يفارقها - ثم يتزوج امها ففعل وولدت له أولادا - ثم أتى ابن مسعود المدينة فقيل له لا تصلح - فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل إنها عليك حرام ففارقها. لكن لم ينسب القول فيه إلى على عليه السلام بل ذكر أنه سأل عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي لفظ أنه سأل عنه عمر وفي بعض الروايات فاخبر أنه ليس كما قال وأن الشرط في الربائب. وفي الاستبصار بإسناده عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: أن عليا عليه السلام كان يقول - الربائب عليكم حرام مع الامهات اللاتي دخلتم بهن - في الحجور وغير الحجور سواء - والامهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل - فحرموا وأبهموا ما أبهم الله أقول وقد عزى إليه عليه السلام في بعض الروايات من طرق أهل السنة اشتراط الحجور في حرمة الربائب لكن الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تدفعه وهو الموافق لما يستفاد من الآية كما تقدم. والمبهمات من البهمة وهي كون الشئ ذا لون واحد لا يختلط به لون آخر ولا

_________________________________

(1) نسخة الوافي: من أين اخذ بها.

[ 285 ]

يختلف في لونه سمى به من طبقات النساء المحرمة من كانت حرمة نكاحها مرسلة غير مشروطة وهي الامهات والبنات والاخوات والعمات والخالات وبنات الاخ وبنات الاخت وما كان من الرضاعة وامهات النساء وحلائل الابناء. وفيه بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل تكون له الجارية فيصيب منها - أ له أن ينكح ابنتها قال لا هي كما قال الله تعالى - وربائبكم اللاتى في حجوركم وفي تفسير العياشي عن أبي عون قال سمعت أبا صالح الحنفي قال قال علي عليه السلام ذات يوم: سلوني - فقال ابن الكوا أخبرني عن بنت الاخت من الرضاعة - وعن المملوكتين الاختين فقال إنك لذاهب في التيه سل عما يعنيك أو ينفعك - فقال ابن الكوا إنما نسألك عما لا نعلم - وأما ما نعلم فلا نسألك عنه - ثم قال أما الاختان المملوكتان أحلتهما آية وحرمتهما آية - ولا احله ولا احرمه - ولا أفعله أنا ولا واحد من أهل بيتي وفي التهذيب بإسناده عن معمر بن يحيى بن سالم قال: سألنا أبا جعفر عليه السلام - عما يروى الناس عن أمير المؤمنين عليه السلام عن أشياء - لم يكن يأمر بها ولا ينهى إلا نفسه وولده - فقلت كيف يكون ذلك - قال قد أحلتها آية وحرمتها آية اخرى - فقلنا الاول أن يكون إحديهما نسخت الاخرى - أم هما محكمتان ينبغى أن يعمل بهما - فقال قد بين لهم إذ نهى نفسه وولده - قلنا ما منعه أن يبين ذلك للناس - قال خشى أن لا يطاع - فلو أن أمير المؤمنين ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله والحق كله أقول والرواية المنقولة عنه عليه السلام هي التى نقلت عنه عليه السلام من طرق أهل السنة كما رواه في الدر المنثورعن البيهقي وغيره عن على بن أبي طالب قال في الاختين المملوكتين أحلتهما آية وحرمتهما آية ولا آمر ولا أنهى ولا احل ولا احرم ولا أفعله أنا ولا أهل بيتى. وروى فيه أيضا عن قبيصة بن ذؤيب: أن رجلا سأله عليه السلام عن ذلك فقال لو كان إلى من الامر شئ - ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا وفي التهذيب بإسناده عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

[ 286 ]

إذا كانت عند الانسان الاختان المملوكتان فنكح إحداهما - ثم بدا له في الثانية فليس ينبغى له أن ينكح الاخرى - حتى تخرج الاولى من ملكه يهبها أو يبيعها - فإن وهبها لولده يجزيه وفي الكافي وتفسير العياشي عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله عز وجل - والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم - قال هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته - فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها - ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها - فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح وفي تفسير العياشي عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام: في قول الله والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال - هن ذوات الازواج إلا ما ملكت أيمانكم - إن كنت زوجت أمتك غلامك نزعتها منه إذا شئت - فقلت أرأيت إن زوج غير غلامه - قال ليس له أن ينزع حتى تباع - فإن باعها صار بضعها في يد غيره فإن شاء المشتري فرق وإن شاء أقر. وفي الدر المنثور أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة عن فيروز الديلمي: أنه أدركه الاسلام وتحته اختان - فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلق أيتهما شئت. وفيه أخرج ابن عبد البر في الاستذكار عن أياس بن عامر قال: سألت علي بن أبي طالب فقلت إن لي اختين مما ملكت يميني اتخذت إحديهما سرية وولدت لي أولادا ثم رغبت في الاخرى فما أصنع ؟ قال تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الاخرى. ثم قال إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا العدد أو قال إلا الاربع ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب. اقول ورواه بطرق أخر غير هذا الطريق عنه. وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يجمع بين المرأة وعمتها - ولا بين المرأة وخالتها.

[ 287 ]

اقول وهذا المعنى مروي بغير الطريقين من طرق أهل السنة لكن المروي من طرق أئمة أهل البيت خلاف ذلك والكتاب يساعده. وفي الدر المنثور أخرج الطيالسي وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطحاوي وابن حيان والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث يوم حنين جيشا إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم يقول - إلا ما أفاء الله عليكم فاستحللنا بذلك فروجهن. أقول وروي ذلك عن الطبراني عن ابن عباس. وفيه أخرج عبد بن حميد عن عكرمة: أن هذه الآية التي في سورة النساء والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم - نزلت في امرأة يقال لها معاذة وكانت تحت شيخ من بني سدوس - يقال له شجاع بن الحارث وكان معها ضرة لها قد ولدت لشجاع أولادا رجالا - وإن شجاعا انطلق يمير أهله من هجر - فمر بمعاذة ابن عم لها فقالت له - احملني إلى اهلي فإنه ليس عند هذا الشيخ خير فاحتملها فانطلق بها فوافق ذلك جيئة الشيخ - فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال - يا رسول الله وأفضل العرب إني خرجت أبغيها الطعام في رجب - فتولت وألطت بالذنب وهي شر غالب لمن غلب رأت غلاما واركا على قتب لها وله أرب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي علي فإن كان الرجل كشف بها ثوبا فارجموها - وإلا فردوا إلى الشيخ امرأته - فانطلق مالك بن شجاع وابن ضرتها فطلبها فجاء بها - ونزلت بيتها. اقول وقد مر مرارا أن أمثال هذه الاسباب المروية للنزول وخاصة فيما كانت متعلقة بأبعاض الآيات وأجزائها تطبيقات من الرواة وليست بأسباب حقيقية. في الفقيه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل والمحصنات من النساء قال هن ذوات الازواج فقيل: والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم - قال هن العفائف.

[ 288 ]

أقول ورواه العياشي أيضا عنه عليه السلام. وفي المجمع في قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا أي من لم يجد منكم غنى قال: وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال: لا ينبغي أن يتزوج الحر المملوكة اليوم إنما كان ذلك حيث قال الله عز وجل ومن لم يستطع منكم طولا - والطول المهر - ومهر الحرة اليوم مهر الامة أو أقل. اقول الغنى أحد مصاديق الطول كما تقدم والرواية لا تدل على أزيد من الكراهة. وفي التهذيب بإسناده عن أبي العباس البقباق قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: يتزوج الرجل الامة بغير علم أهلها ؟ قال هو زنا - إن الله تعالى يقول فانكحوهن بإذن أهلهن. وفيه بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا عليه السلام يتمتع بالامة بإذن أهلها ؟ قال نعم إن الله عز وجل يقول: فانكحوهن بإذن أهلهن. وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن قول الله في الاماء - فإذا أحصن ما إحصانهن قال يدخل بهن - قلت فإن لم يدخل بهن ما عليهن حد ؟ قال بلى. وفيه عن حريز قال: سألته عن المحصن فقال الذي عنده ما يغنيه. وفي الكافي بإسناده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في العبيد والاماء - إذا زنا أحدهم أن يجلد خمسين جلده - إن كان مسلما أو كافرا أو نصرانيا - ولا يرجم ولا ينفى. وفيه بإسناده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام: عن عبد مملوك قذف حرا - قال يجلد ثمانين هذا من حقوق الناس - فأما ما كان من حقوق الله عز وجل - فإنه يضرب نصف الحد. قلت الذي من حقوق الله عز وجل ما هو ؟ قال إذا زنا أو شرب خمرا

[ 289 ]

فهذا من الحقوق التي يضرب عليها نصف الحد. وفي التهذيب بإسناده عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام: في الامة تزني قال: تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن. وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: المسافحات المعلنات بالزنا المتخذات أخدان ذات الخليل الواحد قال كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا - ويستحلون ما خفي يقولون أما ما ظهر منه فهو لؤم - وأما ما خفي فلا بأس بذلك - فأنزل الله ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. أقول والروايات فيما تقدم من المعاني كثيرة اقتصرنا منها على انموذج يسير.

(بحث آخر روائي)

 في الكافي بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المتعة - فقال: نزلت في القرآن - فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة. وفيه بإسناده عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما نزلت فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى - فآتوهن اجورهن فريضة. أقول وروى هذه القراءة العياشي عن أبي جعفر عليه السلام ورواها الجمهور بطرق عديدة عن أبي بن كعب وعبد الله بن عباس كما سيأتي ولعل المراد بأمثال هذه الروايات الدلالة على المعنى المراد من الآية دون النزول اللفظي. وفيه بإسناده عن زرارة قال: جاء عبد الله بن عمير الليثى إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: ما تقول في متعة النساء ؟ فقال أحلها الله في كتابه وعلى لسان نبيه - فهي حلال إلى يوم القيامة - فقال يا أبا جعفر مثلك يقول هذا - وقد حرمها عمر ونهى عنها ؟ فقال وإن كان فعل - فقال إني اعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئا حرمه عمر. قال فقال له فأنت على قول صاحبك - وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،

[ 290 ]

فهلم ألاعنك أن القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وان الباطل ما قال صاحبك فأقبل عبد الله بن عمير فقال: أيسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن ؟ قال فأعرض عنه أبو جعفر عليه السلام حين ذكر نساءه وبنات عمه. وفيه بإسناده عن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفيه بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة فقال أي المتعتين تسأل - قال سألتك عن متعة الحج فأنبئني عن متعة النساء أحق هي ؟ فقال سبحان الله أما قرأت كتاب الله عز وجل فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة فقال والله كأنها آية لم أقراها قط. وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنهم غزوا معه فأحل لهم المتعة ولم يحرمها وكان علي يقول - لو لا ما سبقني به ابن الخطاب يعني عمر ما زنى إلا شقي (1) وكان ابن عباس يقول - فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن اجورهن فريضة وهؤلاء يكفرون بها ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحلها ولم يحرمها. وفيه عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه عليه السلام في المتعة قال نزلت هذه الآية - فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الاجل فيما بينكما - يقول استحللتك بأجل آخر برضى منها - ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها وعدتها حيضتان. وعن الشيباني في قوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما والسلام أنهما قالا: هو أن يزيدها في الاجرة وتزيده في الاجل.

_________________________________

(1) وفي نسخة: الا الاشقى. (*)

[ 291 ]

أقول والروايات في المعاني السابقة مستفيضة أو متواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وإنما أوردنا طرفا منها وعلى من يريد الاطلاع عليها جميعا أن يراجع جوامع الحديث. * وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان متعة النساء في أول الاسلام - كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته - ولا يحفظ متاعه فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته فتنظر له متاعه وتصلح له ضيعته وكان يقرأ - فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى نسختها محصنين غير مسافحين وكان الاحصان بيد الرجل يمسك متى شاء - ويطلق متى شاء. وفي مستدرك الحاكم بإسناده عن أبي نضرة قال ": قرات على ابن عباس - فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة - قال ابن عباس فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فقلت ما نقرؤها كذلك فقال ابن عباس - والله لانزلها الله كذلك. أقول ورواه في الدر المنثور عنه وعن عبد بن حميد وابن جرير وابن الانباري في المصاحف. وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال ": في قراءة أبي ابن كعب فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وفي صحيح الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال ": إنما كانت المتعة في أول الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فيحفظ له متاعه ويصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية - إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم - قال ابن عباس فكل فرج سوى هذين فهو حرام. أقول ولازم الخبر أنها نسخت بمكة لان الآية مكية. وفي مستدرك الحاكم عن عبد الله بن أبي مليكة: سألت عائشة رضي الله عنها عن متعه النساء - فقالت بيني وبينكم كتاب الله قال وقرأت هذه الآية - والذين

_________________________________

(*) أخبار في قراءة: إلى أجل مسمى. (*)

[ 292 ]

هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم - أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا. وفي الدر المنثور (1) أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة قال نسختها يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر. وفيه أخرج اأو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال ": نسخت آية الميراث المتعة. وفيه أخرج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: المتعة منسوخة نسخها الطلاق والصدقة والعدة والميراث. وفيه أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن علي قال: نسخ رمضان كل صوم - ونسخت الزكاة كل صدقة - ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث - ونسخت الضحية كل ذبيحة. وفيه أخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني (2) قال: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام فتح مكة في متعة النساء - فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منا برد - أما بردي فخلق وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض حتى إذا كنا بأعلى مكة تلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا هل لك أن يستمتع منك أحدنا ؟ قالت وما تبذلان ؟ فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر إلى الرجلين - فإذا رآها صاحبي قال إن برد هذا خلق - وبردي جديد غض فتقول وبرد هذا لا بأس به - ثم استمتعت منها - فلم نخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفيه أخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي

_________________________________

(1) جملة من الاخبار الدالة على نسخ آية المتعة بالكتاب. (2) جملة من الاخبار الدالة على نسخ المتعة بالسنة. (*)

[ 293 ]

والنسائي وابن ماجة عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر - وعن أكل لحوم الحمر الانسية وفيه أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن سلمة بن الاكوع قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام - ثم نهى عنها بعدها. وفي شرح ابن العربي لصحيح الترمذي عن إسماعيل عن أبيه عن الزهري: أن سبرة روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها في حجة الوداع خرجه أبو داود قال وقد رواه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه فذكر فيه أنه كان في حجة الوداع بعد الاحلال وأنه كان بأجل معلوم وقد قال الحسن إنها في عمرة القضاء. وفيه عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع المتعة في غزوة تبوك. أقول والروايات كما ترى تختلف في تشخيص زمان نهيه صلى الله عليه وآله وسلم بين قائلة أنه كان قبل الهجرة وقائلة بأنه بعد الهجرة بنزول آيات النكاح والطلاق والعدد والميراث أو بنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر أو زمن عمرة القضاء أو عام أوطاس أو عام الفتح أو عام تبوك أو بعد حجة الوداع ولذا حمل على تكرر النهي عنها مرات عديدة وأن كلا من الروايات تحدث عن مرة منها لكن جلالة بعض رواتها كعلي وجابر وابن مسعود مع ملازمتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وخبرتهم بالخطير واليسير من سيرته تأبى أن يخفى عليهم نواهيه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الدر المنثور أخرج البيهقي عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المتعة وإنما كانت لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت. وفيه أخرج النحاس عن علي بن أبي طالب: أنه قال لابن عباس - إنك رجل تائه إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة. وفيه أخرج البيهقي عن أبي ذر قال ": إنما أحلت لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتعة ثلاثة أيام - ثم نهى عنه رسول الله صلى اللله عليه وآله وسلم. وفي صحيح البخاري عن أبي جمرة قال: سئل ابن عباس عن متعة النساء فرخص فيها - فقال له مولى له إنما كان ذلك وفي النساء قلة والحال شديد - فقال ابن عباس نعم

[ 294 ]

وفي الدر المنثور أخرج البيهقي عن عمر أنه خطب فقال ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنها لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته. وفيه أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن سبرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول - يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شي فليخل سبيلها - ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا. وفيه أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: والله ما كانت المتعة إلا ثلاثة أيام أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وآ له وسلم فيها - ما كانت قبل ذلك ولا بعد. * وفي تفسير الطبري عن مجاهد ": فما استمتعتم به منهن قال يعني نكاح المتعة. وفيه عن السدي في الآية قال هذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه بريئة وعليها أن تستبرئ ما في رحمها وليس بينهما ميراث ليس يرث واحد منهما صاحبه. وفي صحيحي البخاري ومسلم ورواه في الدر المنثور عن عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال ": كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس معنا نساؤنا - فقلنا ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك - ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم. وفي الدر المنثور أخرج ابن أبي شيبة عن نافع أن ابن عمر سئل عن المتعة فقال حرام - فقيل له إن ابن عباس يفتي بها قال فهلا ترمرم بها في زمان عمر. وفي الدر المنثور أخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ماذا صنعت ؟ ذهب الركاب بفتياك - وقالت فيه الشعراء قال وما قالوا قلت قالوا –

أقول للشيخ لما طال مجلسه * * يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس ؟

هل لك في رخصة الاطراف آنسة * * تكون مثواك حتى مصدر الناس ؟

_________________________________

(*) جملة من الاخبار الدالة على قول بعض الصحابة والتابعين عن المفسرين بجواز المتعة.

[ 295 ]

فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لا والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت - ولا أحللتها إلا للمضطر - ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير. وفيه أخرج ابن المنذر من طريق عمار مولى الشريد قال: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح ؟ فقال لا سفاح ولا نكاح قلت فما هي ؟ قال هي المتعة كما قال الله - قلت هل لها من عدة ؟ قال عدتها حيضة قلت هل يتوارثان قال لا. وفيه أخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال ": يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها امة محمد - ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي - قال وهي التي في سورة النساء - فما استمتعتم به منهن إلى كذا وكذا من الاجل على كذا وكذا - قال وليس بينهما وراثة فإن بدا لهما أن يتراضيا ؟ ؟ بعد الاجل فنعم - وإن تفرقا فنعم وليس بينهما نكاح - وأخبر أنه سمع ابن عباس أنه يراها الآن حلالا. وفي تفسير الطبري ورواه في الدر المنثور عن عبد الرزاق وأبي داود في ناسخه عن الحكم أنه سئل عن هذه الآية أمنسوخة ؟ قال لا - وقال علي لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

* وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الايام - على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر - حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث أقول ونقل عن جامع الاصول لابن الاثير وزاد المعاد لابن القيم وفتح الباري لابن حجر وكنز العمال. وفي الدر المنثور أخرج مالك وعبد الرزاق عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت إن ربيعة بن امية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه - فخرج عمر بن الخطاب يجر رداءه فزعا - فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت. أقول ونقل عن الشافعي في كتاب الام والبيهقي في السنن الكبرى.

_________________________________

(*) جملة من الاخبار الدالة على نهى عمر عن المتعة. (*)

[ 296 ]

وعن كنز العمال عن سليمان بن يسار عن ام عبد الله ابنه أبي خيثمة أن رجلا قدم من الشام فنزل عليها - فقال إن العزبة قد اشتدت علي فابغيني امرأة أتمتع معها قالت فدللته على امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولا - فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ثم إنه خرج فاخبر عن ذلك عمر بن الخطاب - فارسل إلي فسألني أحق ما حدثت ؟ قلت نعم قال فإذا قدم فآذنيني فلما قدم أخبرته فأرسل إليه فقال ما حملك على الذي فعلته ؟ قال فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ثم مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله - ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهيا فقال عمر أما والذي نفسي بيده - لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك - بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح. وفي صحيح مسلم ومسند أحمد عن عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله - فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر - وفي لفظ أحمد حتى إذا كان في آخر خلافة عمر رضي الله عنه. وعن سنن البيهقي عن نافع عن عبد الله بن عمر ": أنه سئل عن متعة النساء فقال: حرام أما إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو أخذ فيها أحدا لرجمه بالحجارة. وعن مرآة الزمان لابن الجوزي: كان عمر رضي الله عنه يقول - والله لا اوتى برجل أباح المتعة إلا رجمته. وفي بداية المجتهد لابن رشد عن جابر بن عبد الله ": تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ونصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر الناس. وفي الاصابة أخرج ابن الكلبي: أن سلمة بن امية بن خلف الجمحي استمتع من سلمى مولاة حكيم بن امية بن الاوقص الاسلمي فولدت له فجحد ولدها - فبلغ ذلك عمر فنهى المتعة. وعن زاد المعاد عن أيوب ": قال عروة لابن عباس ألا تتقي الله ترخص في المتعة ؟ فقال ابن عباس سل امك يا عرية فقال عروة أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا - فقال ابن عباس - والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله - نحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتحدثونا عن أبي بكر وعمر.

[ 297 ]

اقول وام عروة أسماء بنت أبي بكر تمتع منها الزبير بن العوام فولدت له عبد الله بن الزبير وعروة. وفي المحاضرات للراغب ": عير عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة فقال له سل امك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك ؟ فسألها فقالت ما ولدتك إلا في المتعة. وفي صحيح مسلم عن مسلم القري قال ": سألت ابن عباس عن المتعة فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال هذه ام ابن الزبير تحدث أن رسول الله رخص فيها - فادخلوا عليها فاسألوها - قال فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت قد رخص رسول الله فيها. اقول وشاهد الحال المحكي يشهد أن السؤال عنها كان في متعة النساء وتفسره الروايات الاخر أيضا. وفي صحيح مسلم عن أبي نضرة قال كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. اقول ورواه البيهقي في السنن على ما نقل وروي هذا المعنى في صحيح مسلم في مواضع ثلاث بألفاظ مختلفة وفي بعضها قال جابر: فلما قام عمر قال - إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء - فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله وانتهوا عن نكاح هذه النساء لا اوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته. وروى هذا المعنى البيهقي في سننه وفي أحكام القرآن للجصاص وفي كنز العمال وفي الدر المنثور وفي تفسير الرازي ومسند الطيالسي. وفي تفسير القرطبي عن عمر: أنه قال في خطبة متعتان كانتا على عهد رسول الله عليه السلام وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء. اقول: وخطبته هذه مما تسالم عليه أهل النقل وأرسلوه إرسال المسلمات كما عن تفسير الرازي والبيان والتبيين وزاد المعاد وأحكام القرآن والطبري وابن عساكر وغيرهم.

[ 298 ]

وعن المستبين للطبري عن عمر أنه قال ": ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا محرمهن ومعاقب عليهن متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل في الاذان. وفي تاريخ الطبري عن عمران بن سوادة قال ": صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها - ثم انصرف وقمت معه - فقال أحاجة ؟ قلت حاجة قال فالحق قال فلحقت فلما دخل أذن لي فإذا هو على سرير ليس فوقه شئ فقلت نصيحة فقال مرحبا بالناصح غدوا وعشيا - قلت عابت أمتك أربعا - قال فوضع رأس درته في ذقنه - ووضع أسفلها في فخذه ثم قال هات - قلت ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه وهي حلال قال هي حلال ؟ لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجهم - وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت. قلت وذكروا أنك حرمت متعة النساء - وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت. قال قلت واعتقت الامة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها - قال ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلا الخير - واستغفر الله قلت وتشكو منك نهر الرعية وعنف السياق قال فشرع الدرة ثم مسحها حتى أتى على آخرها - ثم قال أنا زميل محمد - وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر - فوالله إني لارتع فاشبع وأسقي فاروي - وأنهز اللفوث وأزجر العروض - وأذب قدري وأسوق خطوي وأضم العنود وألحق القطوف - وأكثر الزجر وأقل الضرب وأشهر العصا وأدفع باليد لولا ذلك لاعذرت. قال فبلغ ذلك معاوية فقال كان والله عالما برعيتهم. أقول ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن ابن قتيبة. هذه عدة من الروايات الواردة في أمر متعة النساء والناظر المتأمل الباحث يرى ما فيها من التباين والتضارب ولا يتحصل للباحث في مضامينها غير أن عمر بن

[ 299 ]

الخطاب أيام خلافته حرمها ونهى عنها لرأي رآه في قصص عمرو بن حريث وربيعة ابن امية بن خلف الجمحي وأما حديث النسخ بالكتاب أو السنة فقد عرفت عدم رجوعه إلى محصل على أن بعض الروايات يدفع البعض في جميع مضامينها إلا في أن عمر بن الخطاب هو الناهي عنها المجري للمنع المقرر حرمة العمل وحد الرجم لمن فعل هذا أولا. وأنها كانت سنة معمولا بها في زمن النبي في الجملة بتجويز منه صلى الله عليه وآله وسلم إما إمضاء وإما تأسيسا وقد عمل بها من أصحابه من لا يتوهم في حقه السفاح كجابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود والزبير بن العوام وأسماء بنت أبي بكر وقد ولدت بها عبد الله بن الزبير وهذا ثانيا. وأن في الصحابة والتابعين من كان يرى إباحتها كابن مسعود وجابر وعمرو بن حريث وغيرهم ومجاهد والسدي وسعيد بن جبير وغيرهم وهذا ثالثا. وهذا الاختلاف الفاحش بين الروايات هو المفضي للعلماء من الجمهور بعد الخلاف فيها من حيث أصل الجواز والحرمة أولا إلى الخلاف في نحو حرمتها وكيفية منعها ثانيا وذهابهم فيها إلى أقوال مختلفة عجيبة ربما أنهي إلى خمسة عشر قولا. وإن للمسألة جهات من البحث لا يهمنا إلا الورود من بعضها فهناك بحث كلامي دائر بين الطائفتين أهل السنة والشيعة وبحث آخر فقهي فرعي ينظر فيها إلى حكم المسألة من حيث الجواز والحرمة وبحث آخر تفسيري من حيث النظر في قوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة الآية هل مفاده تشريع نكاح المتعة ؟ وهل هو بعد الفراغ عن دلالته على ذلك منسوخ بشئ من الآيات كآية المؤمنون أو آيات النكاح والتحريم والطلاق والعدة والميراث ؟ وهل هو منسوخ بسنة نبوية ؟ وهل هو على تقدير تشريعه يشرع حكما ابتدائيا أو حكما إمضائيا إلى غير ذلك. وهذا النحو الثالث من البحث هو الذي نعقبه في هذا الكتاب وقد تقدم خلاصة القول في ذلك فيما تقدم من البيان ونزيده الآن توضيحا بإلفات النظر إلى بعض ما قيل في المقام على دلالة الآية على نكاح المتعة وتسنينها ذلك بما ينافي ما مر في البيان المتقدم.

[ 300 ]

قال بعضهم بعد إصراره على أن الآية إنما سيقت لبيان إيفاء المهر في النكاح الدائم وذهبت الشيعة إلى أن المراد بالآية نكاح المتعة وهو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو اسبوع أو شهر مثلا واستدلوا على ذلك بقراءة شاذة رويت عن أبى وابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهم وبالاخبار والآثار التى رويت في المتعة قال فأما القراءة فهى شاذة لم تثبت قرآنا وقد تقدم أن ما صحت فيه الرواية من مثل هذا آحادا فالزيادة فيه من قبيل التفسير وهو فهم لصاحبه وفهم الصحابي ليس حجة في الدين لا سيما إذا كان النظم والاسلوب يأباه كما هنا فإن المتمتع بالنكاح الموقت لا يقصد الاحصان دون المسافحة بل يكون قصده الاول المسافحة فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه ومنعها من التنقل في زمن الزنا فإنه لا يكون فيه شئ ما من إحصان المرأة التى توجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل

كرة حذفت بصوالجة * فتلقاها رجل رجل

 أقول أما قوله إنهم استدلوا على ذلك بقراءة ابن مسعود وغيره فكل مراجع يراجع كلامهم يرى أنهم لم يستدلوا بها استدلالهم بحجة معتبرة قاطعة كيف وهم لا يرون حجية القراءات الشاذة حتى الشواذ المنقولة عن أئمتهم فكيف يمكن أن يستدلوا بما لا يرونه حجة على من لا يراه حجة ؟ فهل هذا إلا اضحوكة ؟ ! بل إنما هو استدلال بقول من قرأ بها من الصحابة بما أنه قول منهم بكون المراد بالآية ذلك سواء كان ذلك منهم قراءة مصطلحة أو تفسيرا دالا على أنهم فهموا من لفظ الآية ذلك. وذلك ينفعهم من جهتين إحديهما أن عدة من الصحابة قالوا بما قال به هؤلاء المستدلون وقد قال به على ما نقل جم غفير من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين ويمكن المراجع في الحصول على صحة ذلك أن يراجع مظانه. والثانية أن الآية دالة على ذلك ويدل على ذلك قراءة هؤلاء من الصحابة كما يدل ما ورد عنهم في نسخ الآية أيضا أنهم تسلموا دلالتها على نكاح المتعة حتى رأوا نسخها أو رووا نسخها وهى روايات كثيرة تقدمت عدة منها فالشيعة يستفيدون من روايات النسخ كما يستفيدون من القراءة الشاذة المذكورة على حد سواء من دون أن

[ 301 ]

يقولوا بحجية القراءة الشاذة كما لا يلزمهم القول بوقوع النسخ وإنما يستفيدون من الجميع من جهة الدلالة على أن هؤلاء القراء والرواة كانوا يرون دلالة الآية على نكاح المتعة. وأما قوله لا سيما إذا كان النظم والاسلوب يأباه كما هنا فكلامه يعطي أنه جعل المراد من المسافحة مجرد سفح الماء وصبه - أخذا بالاصل اللغوي المشتق منه ثم جعله أمرا منوطا بالقصد ولزمه أن الازدواج الموقت بقصد قضاء الشهوة وصب الماء سفاح لا نكاح، وقد غفل عن أن الاصل اللغوي في النكاح أيضا هو الوقاع ففي لسان العرب: قال الازهري أصل النكاح في كلام العرب الوطئ ولازم ما سلكه أن يكون النكاح أيضا سفاحا ويختل به المقابلة بين النكاح والسفاح. على أن لازم القول بأن قصد صب الماء يجعل الازدواج الموقت سفاحا أن يكون النكاح الدائم بقصد قضاء الشهوة وصب الماء سفاحا وهل يرضى رجل مسلم أن يفتي بذلك ؟ فإن قال: بين النكاح الدائم والمؤجل في ذلك فرق فإن النكاح الدائم موضوع بطبعه على قصد الاحصان بالازدواج وإيجاد النسل وتشكيل البيت بخلاف النكاح المؤجل فهذا منه مكابرة فإن جميع ما يترتب على النكاح الدائم من الفوائد كصون النفس عن الزنا والتوقي عن اختلال الانساب وإيجاد النسل والولد وتأسيس البيت يمكن أن يترتب على النكاح المؤجل ويختص بأن فيه نوع تسهيل وتخفيف على هذه الامة يصون به نفسه من لا يقدر على النكاح الدائم لفقره أو لعدم قدرته على نفقة الزوجة أو لغربة أو لعوامل مختلفة اخر تمنعه عن النكاح الدائم. وكذا كل ما يترتب على النكاح المؤجل - مما عده ملاكا للسفاح - كقصد صب الماء وقضاء الشهوة فإنه جائز الترتب على النكاح الدائم ودعوى أن النكاح الدائم بالطبع موضوع للفوائد السابقة ونكاح المتعة موضوع بالطبع لهذه المضار اللاحقة - على أن تكون مضارا - دعوى واضحة الفساد. وإن قال إن نكاح المتعة لما كان سفاحا كان زنا يقابل النكاح رد عليه: بأن السفاح الذي فسره بصب الماء أعم من الزنا وربما شمل النكاح الدائم ولا سيما إذا كان بقصد صب الماء. وأما قوله فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه الخ فمن عجيب الكلام

[ 302 ]

وليت شعري ما الفرق الفارق بين الرجل والمرأة في ذلك حتى يكون الرجل المتمتع يمكنه أن يحصن نفسه بنكاح المتعة من الزنا وتكون المرأة لا يصح منها هذا القصد وهل هذا إلا مجازفة. وأما ما أنشده من الشعر في بحث حقيقي يتعرض لكشف حقيقة من الحقائق الدينية التي تتفرع عليها آثار هامة حيوية دنيوية واخروية لا يستهان بها سواء كان نكاح المتعة محرما أو مباحا. فماذا ينفع الشعر وهو نسيج خيالي الباطل أعرف عنده من الحق والغواية أمس به من الهداية. وهلا أنشده في ذيل ما مر من الروايات ولا سيما في ذيل قول عمر في رواية الطبري المتقدم فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق. وهل لهذا الطعن غرض يتوجه إليه إلا الله ورسوله في أصل تشريع هذا النوع من النكاح تأسيسا أو إمضاء وقد كان دائرا بين المسلمين في أول الاسلام بمرئى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومسمع بلا شك فإن قال إنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أذن فيه لقيام الضرورة عليه من شمول الفقر وإكباب الفاقة على عامة المسلمين وعروض الغزوات كما يظهر من بعض الروايات المتقدمة. قلنا مع فرض تداوله في أول الاسلام بين الناس وشهرته باسم نكاح المتعة والاستمتاع لا مناص من الاعتراف بدلالة الآية على جوازه مع إطلاقها وعدم صلاحية شئ من الآيات و الروايات على نسخها فالقول بارتفاع إباحته تأول في دلالة الآية من غير دليل. سلمنا أن إباحته كانت بإذن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمصلحة الضرورة لكنا نسأل أن هذه الضرورة هل كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد وأعظم منها بعده ولا سيما في زمن الراشدين وقد كان يسير جيوش المسلمين إلى مشارق الارض ومغاربها بالالوف بعد الالوف من الغزاة ؟ وأي فرق بين أوائل خلافة عمر وأواخره من حيث تحول هذه الضرورة من فقر وغزوة واغتراب في الارض وغير ذلك وما هو الفرق بين الضرورة والضرورة. وهل الضرورة المبيحة اليوم وفي جو الاسلام الحاضر أشد وأعظم أو في زمن

[ 303 ]

النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنصف الاول من عهد الراشدين وقد أظل الفقر العام على بلاد المسلمين وقد مضت حكومات الاستعمار والدول القاهرة المستعلية والفراعنة من أولياء امور المسلمين كل لبن في ضرعهم وحصدوا الرطب من زرعهم واليابس. وقد ظهرت الشهوات في مظاهرها وازينت بأحسن زينتها وأجملها ودعت إلى اقترافها بأبلغ دعوتها ولا يزال الامر يشتد والبلية تعم البلاد والنفوس وشاعت الفحشاء بين طبقات الشبان من المتعلمين والجنديين وعملة المعامل وهم الذين يكونون المعظم من سواد الانسانية ونفوس المعمورة. ولا يشك شاك ولن يشك في أن الضرورة الموقعة لهم في فحشاء الزنا واللواط وكل انخلاع شهواني عمدتها العجز من تهيئة نفقة البيت والمشاغل المؤقتة المؤجلة المانعة من إتخاذ المنزل والنكاح الدائم بغربة أو خدمة أو دراسة ونحو ذلك فما بال هذه الضرورات تبيح في صدر الاسلام وهي أقل وأهون عند القياس نكاح المتعة لكنها لا تقوم للاباحة في غير ذلك العهد وقد أحاطت البلية وعظمت الفتنة. ثم قال ثم إنه ينافى ما تقرر في القرآن بمعنى هذا كقوله عزو جل في صفة المؤمنين والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون: المؤمنون - 7 أي المتجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حرمه عليهم وهذه الآيات لا تعارض الآية التي نفسرها يعني قوله فما استمتعتم به الآية بل هي بمعناها فلا نسخ والمرأة المتمتع بها ليست زوجة فيكون لها على الرجل مثل الذي عليها بالمعروف كما قال الله تعالى وقد نقل عن الشيعة أنفسهم أنهم لا يعطونها أحكام الزوجة ولوازمها فلا يعدونها من الاربع اللواتي يحل للرجل أن يجمع بينها مع عدم الخوف من الجور بل يجوزون للرجل أن يتمتع بالكثير من النساء ولا يقولون برجم الزاني المتمتع إذ لا يعدونه محصنا وذلك قطع منهم بأنه لا يصدق عليه قوله تعالى في المستمتعين محصنين غير مسافحين وهذا تناقض صريح منهم. ونقل عنهم بعض المفسرين أن المرأة المتمتع بها ليس لها إرث ولا نفقة ولا طلاق ولا عدة والحاصل أن القرآن بعيد من هذا القول ولا دليل في هذه الآية ولا شبه دليل عليه البتة.

[ 304 ]

أقول أما قوله ثم إنه ينافى ما تقرر في القرآن بمعنى هذا الخ محصله أن آيات المؤمنون والذين هم لفروجهم حافظون الآيات تقصر الحل في الازواج والمتمتع بها ليست زوجة فالآيات مانعة من حلية المتعة اولا ومانعة من شمول قوله فما استمتعتم به منهن الآية لها ثانيا. فأما أن الآيات تحرم المتعة فقد أغمض فيه عن كون الآيات مكية والمتعة كانت دائرة بعد الهجرة في الجملة فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبيح ما حرمه القرآن بإجازته المتعة وقوله صلى الله عليه وآله وسلم حجة بنص القرآن فيعود ذلك إلى التناقض في نفس القرآن أو أن إباحته كانت ناسخة لآيات الحرمة والذين هم الآيات ثم منع عنها القرآن أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحييت بذلك الآيات بعد موتها واستحكمت بعد نسخها وهذا أمر لا يقول به ولا قال به أحد من المسلمين ولا يمكن أن يقال به. وهذا في نفسه نعم الشاهد على أن المتمتع بها زوجة وأن المتعة نكاح وأن هذه الآيات تدل على كون التمتع تزوجا وإلا لزم أن تنتسخ بترخيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالآيات حجة على جواز التمتع دون حرمته. وبتقرير آخر آيات المؤمنون والمعارج والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم الآيات أقوى دلالة على حلية المتعة من سائر الآيات فمن المتفق عليه بينهم أن هذه الآيات محكمة غير منسوخة وهى مكية ومن الضرورى بحسب النقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في المتعة ولو لا كون المتمتع بها زوجة كان الترخيص بالضرورة ناسخا للآيات وهى غير منسوخة فالتمتع زوجية مشرعة فإذا تمت دلالة الآيات على تشريعه فما يدعى من نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها فاسد أيضا لمنافاته الآيات واستلزامه نسخها وقد عرفت أنها غير منسوخة بالاتفاق. وكيف كان فالمتمتع بها على خلاف ما ذكره زوجة والمتعة نكاح وناهيك في ذلك ما وقع فيما نقلناه من الروايات من تسميته في لسان الصحابة والتابعين بنكاح المتعة حتى في لسان عمر بن الخطاب في الروايات المشتملة على نهيه كرواية البيهقى عن عمر في خطبته ورواية مسلم عن أبى نضرة حتى ما وقع من لفظه في رواية كنز العمال عن سليمان بن يسار بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح فإن معناه أن المتعة نكاح

[ 305 ]

لا يتبين من السفاح وأنه يجب عليكم أن تبينوه منه فأتوا بنكاح يبين ويتميز منه والدليل على ذلك قوله بينوا. وبالجملة كون المتعة نكاحا وكون المتمتع بها زوجة في عرف القرآن ولسان السلف من الصحابة ومن تلاهم من التابعين مما لا ينبغى الارتياب فيه وإنما تعين اللفظان النكاح والتزويج في النكاح الدائم بعد نهى عمر وانتساخ العمل به بين الناس فلم يبق مورد لصدق اللفظين إلا النكاح الدائم فصار هو المتبادر من اللفظ إلى الذهن كسائر الحقائق المتشرعة. ومن هنا يظهر سقوط ما ذكره بعد ذلك فإن قوله وقد نقل عن الشيعة أنفسهم أنهم لا يعطونها أحكام الزوجة ولوازمها الخ يسأل عنه فيه ما هو المراد بالزوجة أما الزوجة في عرف القرآن فإنهم يعطونها أحكامها من غير استثناء وأما الزوجة في عرف المتشرعة كما ذكر المعروفة في الفقه فإنهم لا يعطونها أحكامها ولا محذور. وأما قوله وذلك قطع منهم بأنه لا يصدق عليه أي على الزانى المتمتع قوله تعالى محصنين غير مسافحين وهذا تناقض صريح منهم ففيه أنا ذكرنا في ذيل الآية فيما تقدم أن ظاهرها من جهة شمولها ملك اليمين أن المراد بالاحصان إحصان التعفف دون الازدواج ولو سلم أن المراد بالاحصان إحصان الازدواج فالآية شاملة لنكاح المتعة وأما عدم رجم الزانى المتمتع مع أن الرجم ليس حكما قرآنيا فإنما هو لبيان أو لتخصيص من السنة كسائر أحكام الزوجية من الميراث والنفقة والطلاق والعدد. وتوضيح ذلك أن آيات الاحكام إن كانت مسوقة على الاهمال لكونها واردة مورد أصل التشريع فما يطرأ عليها من القيود بيانات من غير تخصيص ولا تقييد وإن كانت عمومات أو إطلاقات كانت البيانات الواردة في السنة مخصصات أو مقيدات من غير محذور التناقض والمرجع في ذلك علم اصول الفقه. وهذه الآيات أعنى آيات الارث والطلاق والنفقة كسائر الآيات لا تخلو من التخصيص والتقييد كالارث والطلاق في المرتدة والطلاق عند ظهور العيوب المجوزة

[ 306 ]

لفسخ العقد والنفقة عند النشوز فلتخصص بالمتعة فالبيانات المخرجة للمتعة عن حكم الميراث والطلاق والنفقة مخصصات أو مقيدات وتعين ألفاظ التزويج والنكاح والاحصان ونحو ذلك في الدوام من جهة الحقيقة المتشرعة دون الحقيقة الشرعية فلا محذور أصلا كما نوهمه فإذا قال الفقيه مثلا الزانى المحصن يجب رجمه ولا رجم في الزانى المتمتع لعدم إحصانه فإنما ذلك لكونه يصطلح بالاحصان على دوام النكاح ذي الآثار الكذائية ولا ينافي ذلك كون الاحصان في عرف القرآن موجودا في الدائمة والمنقطعة معا وله في كل منهما آثار خاصة. وأما نقله عن بعضهم أن الشيعة لا تقول في المتعة بالعدة ففرية بينة فهذه جوامع الشيعة وهذه كتبهم الفقهية مملوءة بأن عدة المتمتع بها حيضتان وقد تقدم بعض الروايات في ذلك بطرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ثم قال وأما الاحاديث والآثار المروية في ذلك فمجموعها يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرخص لاصحابه فيها في بعض الغزوات ثم نهاهم عنها ثم رخص فيها مرة أو مرتين ثم نهاهم عنها نهيا مؤبدا. وأن الرخصة كانت للعلم بمشقة اجتناب الزنا مع البعد من نسائهم فكانت من قبيل ارتكاب أخف الضررين فإن الرجل إذا عقد على امرأة خلية نكاحا موقتا وأقام معها ذلك الزمن الذى عينه فذلك أهون من تصديه للزنا بأية امرأة يمكنه أن يستميلها. اقول ما ذكره أن مجموع الروايات تدل على الترخيص في بعض الغزوات ثم النهى ثم الترخيص فيها مرة أو مرتين ثم النهى المؤبد لا ينطبق على ما تقدم من الروايات على ما فيها من التدافع والتطارد فعليك بالرجوع إليها وقد تقدم أكثرها حتى ترى أن مجموعها يكذب ما ذكره من وجه الجمع حرفا حرفا. ثم قال ويرى أهل السنة أن الرخصة في المتعة مرة أو مرتين يقرب من التدريج في منع الزنا منعا باتا كما وقع التدريج في تحريم الخمر وكلتا الفاحشتين كانتا فاشيتين في الجاهلية ولكن فشو الزنا كان في الاماء دون الحرائر. اقول أما قوله إن الرخصة في المتعة نوع من التدرج في منع الزنا فمحصله أن المتعة كانت عندهم من أنواع الزنا وقد كانت كسائر الزنا فاشية في الجاهلية فتدرج

[ 307 ]

النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنع عن الزنا بالرفق ليقع موقع القبول من الناس فمنع عن غير المتعة من أقسامه وأبقى زنا المتعة فرخص فيه ثم منع ثم رخص حتى تمكن من المنع البات فمنعه منعا مؤبدا. ولعمري إنه من فضيح اللعب بالتشريعات الدينية الطاهرة التى لم يرد الله بها إلا تطهير هذه الامة وإتمام النعمة عليهم. ففيه اولا ما تقدم أن نسبة المنع ثم الترخيص ثم المنع ثم الترخيص في المتعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع فرض دلالة آيات سورتي المعارج والمؤمنون والذين هم لفروجهم حافظون الآيات وهى مكية على حرمة المتعة على ما أصر عليه هذا القائل ليس إلا نسبة نسخ الآيات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالترخيص ثم نسخ هذا النسخ وإحكام الآيات ثم نسخ الآيات ثم إحكامها وهكذا وهل هذا إلا نسبة اللعب بكتاب الله إليه صلى الله عليه وآله وسلم. وثانيا أن الآيات الناهية عن الزنا في كتاب الله تعالى هي قوله في سورة الاسراء ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا: أسرى - 32 وأي لسان أصرح من هذا اللسان والآية مكية واقعة بين آيات المناهى وكذا قوله قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى أن قال ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن: الانعام - 151 كلمة الفواحش جمع محلى باللام واقعة في سياق النهى مفيدة لاستغراق النهى كل فاحشة وزنا والآية مكية وكذا قوله قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن: الاعراف - 33 والآية أيضا مكية وكذا قوله والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون المؤمنون - 7 المعارج - 31 والسورتان مكيتان والآيات تحرم المتعة على قول هذا القائل كما تحرم سائر أقسام الزنا. فهذه جل الآيات الناهية عن الزنا المحرمة للفاحشة وجميعها مكية صريحة في التحريم فأين ما ذكره من التدرج في التحريم والمنع أو أنه يقول كما هو اللازم الصريح لقوله بدلالة آيات المؤمنون على الحرمة إن الله سبحانه حرمها تحريما باتا ثم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدرج في المنع عملا بالرخصة بعد الرخصة مداهنة لمصلحة الايقاع موقع القبول وقد شدد الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الخلة بعينها قال تعالى وإن كادوا

[ 308 ]

ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا: أسرى - 75. وثالثا أن هذا الترخيص المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة بعد مرة إن كان ترخيصا من غير تشريع للحل والفرض كون المتعة زنا وفاحشة كان ذلك مخالفة صريحة منه صلى الله عليه وآله وسلم لربه لو كان من عند نفسه وهو معصوم بعصمة الله تعالى ولو كان من عند ربه كان ذلك أمرا منه تعالى بالفحشاء وقد رده تعالى بصريح قوله خطابا لنبيه قل إن الله لا يأمر بالفحشاء الآية: الاعراف - 28. وإن كان ترخيصا مع تشريع للحل لم تكن زنا وفاحشة فإنها سنة مشروعة محدودة بحدود محكمة لا تجامع الطبقات المحرمة كالنكاح الدائم ومعها فريضة المهر كالنكاح الدائم والعدة المانعة عن اختلاط المياه واختلال الانساب ومعها ضرورة حاجة الناس إليها فما معنى كونها فاحشة وليست الفاحشة إلا العمل المنكر الذي يستقبحه المجتمع لخلاعته من الحدود وإخلاله بالمصلحة العامة ومنعه عن القيام بحاجة المجتمع الضرورية في حياتهم. ورابعا أن القول بكون التمتع من أنواع الزنا الدائرة في الجاهلية اختلاق في التاريخ واصطناع لا يرجع إلى مدرك تاريخي إذ لا عين منه في كتب التاريخ ولا أثر بل هو سنة مبتكرة إسلامية وتسهيل من الله تعالى على هذه الامة لاقامة أودهم ووقايتهم من انتشار الزنا وسائر الفواحش بينهم لو أنهم كانوا وفقوا لاقامة هذه السنة وإذا لم تكن الحكومات الاسلامية تغمض في أمر الزنا وسائر الفواحش هذا الاغماض الذي ألحقها تدريجيا بالسنن القانونية وامتلات بها الدنيا فسادا ووبالا. وأما قوله وكلتا الفاحشتين كانتا فاشيتين في الجاهلية ولكن فشو الزنا كان في الاماء دون الحرائر ظاهره أن مراده بالفاحشتين الزنا وشرب الخمر وهو كذلك إلا أن كون الزنا فاشيا في الاماء دون الحرائر مما لا أصل له يركن إليه فإن الشواهد التاريخية المختلفة المتفرقة تؤيد خلاف ذلك كالاشعار التي قيلت في ذلك وقد تقدم في رواية ابن عباس أن أهل الجاهلية لم تكن ترى بالزنا بأسا إذا لم يكن علنيا.

[ 309 ]

ويدل عليه أيضا مسألة الادعاء والتبني الدائر في الجاهلية فإن الادعاء لم يكن بينهم مجرد تسمية ونسبة بل كان ذلك أمرا دائرا بينهم يبتغي به أقوياؤهم تكثير العدة والقوة بالالحاق ويستندون فيه إلى زنا ارتكبوه مع الحرائر حتى ذوات الازواج منهم وأما الاماء فهم ولا سيما أقوياؤهم يعيبون الاختلاط بهن والمعاشقة والمغازلة معهن وإنما كانت شأن الاماء في ذلك أن مواليهن يقيمونهن ذلك المقام اكتسابا واسترباحا. ومن الدليل على ما ذكرناه ما ورد من قصص الالحاق في السير والآثار كقصة إلحاق معاوية بن أبي سفيان زياد بن أبيه لابيه أبي سفيان وما شهد به شاهد الامر عند ذلك وغيرها من القصص المنقولة نعم ربما يستشهد على عدم فشو الزنا بين الحرائر في الجاهلية بقول هند للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيعة وهل الحرة تزني ؟ لكن الرجوع إلى ديوان حسان والتأمل فيما هجا به هندا بعد وقعتي بدر وأحد يرفع اللبس ويكشف ما هو حقيقة الامر. ثم قال بعد كلام له في تنقيح معنى الاحاديث ورفعه التدافع الواقع بينها على زعمه والعمدة عند أهل السنة في تحريمها وجوه أولها ما علمت من منافاتها لظاهر القرآن في أحكام النكاح والطلاق والعدة إن لم نقل لنصوصه وثانيها الاحاديث المصرحة بتحريمها تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة إلى أن قال وثالثها نهى عمر عنها وإشارته بتحريمها على المنبر وإقرار الصحابة له على ذلك وقد علم أنهم ما كانوا يقرون على منكر وأنهم كانوا يرجعونه إذا أخطأ. ثم اختار أن تحريمه لها لم يكن عن اجتهاد منه وإنما كان استنادا إلى التحريم الثابت بنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما يسند إليه التحريم من جهة أنه مبين للحرمة أو منفذ لها كما يقال حرم الشافعي النبيذ وأحله أبو حنيفة. أقول أما الوجه الاول والثانى فقد عرفت آنفا وفي البيان المتقدم حقيقة القول فيهما بما لا مزيد عليه وأما الوجه الثالث فتحريم عمر لها سواء كان ذلك باجتهاد منه أو باستناده إلى تحريم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدعيه هذا القائل وسواء كان سكوت الصحابة عنه هيبة له وخوفا من تهديده أو إقرارا له في تحريمه كما ذكره أو لعدم

[ 310 ]

وقوعه موقع قبول الناس منهم كما يدل عليه الروايات عن على وجابر وابن مسعود وابن عباس فتحريمه وحلفه على رجم مستحلها وفاعلها لا يؤثر في دلالة الآية عليها وعدم انثلام هذه الحلية بكتاب أو سنة فدلالة الآيات وإحكامها مما لا غبار عليه. وقد أغرب بعض الكتاب حيث ذكر أن المتعة سنة جاهلية لم تدخل في الاسلام قط حتى يحتاج إلى إخراجها منه وفي نسخها إلى كتاب أو سنة وما كان يعرفها المسلمون ولا وقعت إلا في كتب الشيعة. أقول وهذا الكلام المبنى على الصفح عما يدل عليه الكتاب والحديث والاجماع والتاريخ يتم به تحول الاقوال في هذه المسألة تحولها العجيب فقد كانت سنة قائمة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهى عنها في عهد عمر ونفذ النهى عند عامة الناس ووجه النهى بانتساخ آية الاستمتاع بآيات اخرى أو بنهي النبي عنها وخالف في ذلك عدة من الاصحاب (1) وجم غفير ممن تبعهم من فقهاء الحجاز واليمن وغيرهم حتى مثل ابن جريح من أئمة الحديث وكان يبالغ في التمتع حتى تمتع بسبعين امرأة (2) ومثل مالك أحد أئمة الفقه الاربعة (3) هذا ثم أعرض المتأخرون من أهل التفسير عن دلالة آية الاستمتاع على المتعة وراموا تفسيرها بالنكاح الدائم وذكروا أن المتعة كانت سنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم نسخت بالحديث ثم راموا في هذه الاواخر أنها كانت من أنواع الزنا في الجاهلية رخص فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخصة بعد رخصة ثم نهى عنها نهيا مؤبدا إلى يوم القيامة ثم ذكر هذا القائل الاخير أنها زنا جاهلي محض لا خبر عنها في الاسلام قط إلا ما وقع في كتب الشيعة والله أعلم بما يصير إليه حال المسألة في مستقبل الزمان

_________________________________

(1) ومن عجيب الكلام ما ذكره الزجاج في هذه الآية: أن هذه آية غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة وذلك أنهم ذكروا أن قوله: " فما استمتعتم به منهن " من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام ثم ذكر أن معنى الاستمتاع هو النكاح وليتني أدرى أن أي فصل من كلامه يقبل الاصلاح أرميه امثال ابن عباس وابي وغيره بالجهل باللغة ؟ أم دعواه إجماع أهل العلم على الحرمة ؟ أم دعواه الخبرة باللغة وقد جعل الاستمتاع بمعنى النكاح ؟ (2) راجع ترجمة ابن جريح في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال. (3) راجع للحصول على هذه الاقوال الكتب الفقهية وفي تفصيل أبحاثها الفقهية والكلامية ما ألفه أساتذة الفن من القدماء والمتأخرين وخاصة أعلام العصر الحاضر من نظار باحثي الحجج. (*)

[ 311 ]

( بحث علمي )

 رابطة النسب وهي الرابطة التي تربط الفرد من الانسان بالفرد الآخر من جهة الولادة وجامع الرحم هي في الاصل رابطة طبيعية تكوينية تكون الشعوب والقبائل وتحمل الخصال المنبعثة عن الدم فتسريها حسب تسرية الدم وهي المبدأ للآداب والرسوم والسنن القوميه بما تختلط وتمتزج بسائر الاسباب والعلل المؤثرة. وللمجتمعات الانسانية المترقية وغير المترقية نوع اعتناء بها في السنن والقوانين الاجتماعية في الجملة في نكاح وإرث وغير ذلك وهم مع ذلك لا يزالون يتصرفون في هذه الرابطة النسبية توسعة وتضييقا بحسب المصالح المنبعثة عن خصوصيات مجتمعهم كما سمعت في المباحث السابقة أن غالب الامم السالفة كانوا لا يرون للمرأة قرابة رسما وكانوا يرون قرابة الدعي وبنوته وكما أن الاسلام ينفي القرابة بين الكافر المحارب والمسلم ويلحق الولد للفراش وغير ذلك. ولما اعتبر الاسلام للنساء القرابة بما أعطاهن من الشركة التامة في الاموال والحرية التامة في الارادة والعمل على ما سمعت في المباحث السابقة وصار بذلك الابن والبنت في درجة واحدة من القرابة والرحم الرسمي وكذلك الاب والام والاخ والاخت والجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة صار عمود النسب الرسمي متنزلا من ناحية البنات كما كان يتنزل من ناحية البنين فصار ابن البنت ابنا للانسان كبنوة ابن الابن وهكذا ما نزل وكذا صار بنت الابن وبنت البنت بنتين للاإسان على حد سواء وعلى ذلك جرت الاحكام في المناكح والمواريث وقد عرفت فيما تقدم أن آية التحريم " حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم " الآية دالة على ذلك. وقد قصر السلف من باحثينا في هذه المسألة وأشباهها (وهي مسألة اجتماعية وحقوقية) فحسبوها مسألة لغوية يستراح فيها إلى قضاء اللغة فاشتد النزاع بينهم فيما وضع له لفظ الابن مثلا فمن معمم ومن مخصص وكل ذلك من الخطاء. وقد ذكر بعضهم أن الذي تعرفه اللغة من البنوة ما يجرى من ناحية الابن وأما ابن البنت وكل ما يجري من ناحيتها فللحوق هؤلاء بآبائهم لا بجدهم الامي

[ 312 ]

لا يعدهم العرب أبناءا للانسان وأما قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسنين: ابناى هذان إمامان قاما أو قعدا وغير ذلك فهذا الاطلاق إطلاق تشريفي وأنشد في ذلك قول القائل.

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * * بنوهن أبناء الرجال الاباعد.

 ونظيره قول الآخر:

وإنما امهات الناس أوعية * * مستودعات وللانساب آباء

 أقول وقد اختلط عليه طريق البحث فحسبه بحثا لغويا زعم فيه أن العرب لو وضعت لفظ الابن لما يشمل ابن البنت تغيرت بذلك نتيجة البحث وهو غفلة عن أن الآثار والاحكام المترتبة في المجتمعات المختلفة البشرية على الابوة والبنوة ونحوهما لا تتبع اللغات وإنما تتبع نوع بنية المجتمع والسنن الدائرة فيها وربما تغيرت هذه الاحكام والآثار بتغيير السنة الاجتماعية في المجتمع مع بقاء اللغة على حالها وهذا يكشف عن كون البحث اجتماعيا أو عائدا إليه لا لفظيا لغويا. وأما ما أنشد من الشعر فليس يسوي الشعر في سوق الحقائق شيئا وليس إلا زخرفة خيالية وتزويقا وهميا حتى يستدل بكل ما تقوله شاعر لاغ ولا سيما فيما يداخله القرآن الذي هو قول فصل وليس بالهزل. وأما مسألة لحوق الابناء بآبائهم دون الاجداد من جانب الامهات فهي على أنها ليست مسألة لفظية لغوية ليست من فروع النسب حتى يستلزم لحوق الابن والبنت بالاب انقطاع نسبهما من جهة الام بل من فروع قيمومة الرجل على البيت من حيث الانفاق وتربية الاولاد ونحوها. وبالجملة فالام تنقل رابطة النسب إلى أولادها من ذكور أو إناث كما ينقلها الاب ومن آثاره البارزة في الاسلام الميراث وحرمة النكاح نعم هناك أحكام ومسائل أخر لها ملاكات خاصة كلحوق الولد والنفقة ومسألة سهم اولي القربى من السادات وكل تتبع ملاكها الخاص بها.

(بحث علمي آخر)

 النكاح والازدواج من السنن الاجتماعية التي لم تزل دائرة في المجتمعات الانسانية

[ 313 ]

أي مجتمع كان على ما بيدنا من تاريخ هذا النوع إلى هذا اليوم وهو في نفسه دليل على كونه سنة فطرية. على أن من أقوى الدليل على ذلك كون الذكر والانثى مجهزين بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد كما ذكرناه مرارا والطائفتان الذكر والانثى في ابتغاء ذلك شرع سواء وإن زيدت الانثى بجهاز الارضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الاولاد. ثم إن هناك غرائز إنسانية تنعطف إلى محبة الاولاد وتقبل قضاء الطبيعة بكون الانسان باقيا ببقاء نسله وتذعن بكون المرأة سكنا للرجل وبالعكس وتحترم أصل الوراثة بعد احترامها لاصل الملك والاختصاص وتحترم لزوم تأسيس البيت. والمجتمعات التى تحترم هذه الاصول والاحكام الفطرية في الجملة لا مناص لها من الاذعان بسنة النكاح على نحو الاختصاص بوجه بمعنى أن لا يختلط الرجال والنساء على نحو يبطل الانساب وإن فرض التحفظ عن فساد الصحة العامة وقوة التوالد الذى يوجبه شيوع الزنا والفحشاء. هذه اصول معتبرة عند جميع الامم الجارية على سنة النكاح في الجملة سواء خصوا الواحد بالواحد أو جوزوا الكثير من النساء للواحد من الرجال أو بالعكس أو الكثير منهم للكثير منهن على اختلاف هذه السنن بين الامم فإنهم مع ذلك يعتبرون النكاح بخاصته التى هي نوع ملازمة ومصاحبة بين الزوجين. فالفحشاء والسفاح الذى يقطع النسل ويفسد الانساب أول ما تبغضه الفطرة الانسانية القاضية بالنكاح ولا تزال ترى لهذه المباغضة آثارا بين الامم المختلفة والمجتمعات المتنوعة حتى الامم التى تعيش على الحرية التامة في الرجال والنساء في المواصلات والمخالطات الشهوية فإنهم متوحشون من هذه الخلاعات المسترسلة وتراهم يعيشون بقوانين تحفظ لهم أحكام الانساب بوجه. والانسان مع إذعانه بسنة النكاح لا يتقيد فيه بحسب الطبع ولا يحرم على نفسه ذا قرابة أو أجنبيا ولا يجتنب الذكر من الانسان اما ولا اختا ولا بنتا ولا

[ 314 ]

غيرهن ولا الانثى منه أبا ولا أخا ولا ابنا بحسب الداعية الشهوية فالتاريخ والنقل يثبت نكاح الامهات و الاخوات والبنات وغيرهن في الامم العظيمة الراقية والمنحطة والاخبار تحقق الزنا الفاشى في الملل المتمدنة اليوم بين الاخوة والاخوات والآباء والبنات وغيرهن فطاغية الشهوة لا يقوم لها شئ وما كان بين هذه الامم من اجتناب نكاح الامهات والاخوات والبنات وما يلحق بهن فإنما هو سنة موروثة ربما انتهت إلى بعض الآداب والرسوم القومية. وإنك إذا قايست القوانين المشرعة في الاسلام لتنظيم أمر الازدواج بسائر القوانين والسنن الدائرة في الدنيا وتأملت فيها منصفا وجدتها أدق وأضمن لجميع شؤون الاحتياط في حفظ الانساب وسائر المصالح الانسانية الفطرية وجميع ما شرعه من الاحكام في أمر النكاح وما يلحق به يرجع إلى حفظ الانساب وسد سبيل الزنا. فالذي روعى فيه مصلحة حفظ الانساب من غير واسطة هو تحريم نكاح المحصنات من النساء وبذلك يتم إلغاء ازدواج المرأة بأكثر من زوج واحد في زمان واحد فإن فيه فساد الانساب كما أنه هو الملاك في وضع عدة الطلاق بتربص المرأة بنفسها ثلاثة قروء تحرزا من اختلاط المياه. وأما سائر أصناف النساء المحرم نكاحها وهى أربعة عشر صنفا المعدودة في آيات التحريم فإن الملاك في تحريم نكاحهن سد باب الزنا فإن الانسان وهو في المجتمع المنزلى أكثر ما يعاشر ويختلط ويسترسل ويديم في المصاحبة إنما هو مع هذه الاصناف الاربعة عشر ودوام المصاحبة ومساس الاسترسال يوجب كمال توجه النفس وركوز الفكر فيهن بما يهدى إلى تنبه الميول والعواطف الحيوانية وهيجان دواعى الشهوة وبعثها الانسان إلى ما يستلذه طبعه وتتوق له نفسه ومن يحم حول الحمى أوشك أن يقع فيه. فكان من الواجب أن لا يقتصر على مجرد تحريم الزنا في هذه الموارد فإن دوام المصاحبة وتكرر هجوم الوساوس النفسانية وورود الهم بعد الهم لا يدع للانسان مجال التحفظ على نهى واحد من الزنا. بل كان يجب أن تحرم هؤلاء تحريما مؤبدا وتقع عليه التربية الدينية حتى

[ 315 ]

يستقر في القلوب اليأس التام من بلوغهن والنيل منهن ويميت ذلك تعلق الشهوة بهن ويقطع منبتها ويقلعها من أصلها وهذا هو الذى نرى من كثير من المسلمين حتى في المتوغلين في الفحشاء المسترسلين في المنكرات منهم أنهم لا يخطر ببالهم الفحشاء بالمحارم وهتك ستر الامهات والبنات ولو لا ذلك لم يكد يخلو بيت من البيوت من فاحشة الزنا ونحوه وهذا كما أن الاسلام سد باب الزنا في غير المحارم بإيجاب الحجاب والمنع عن اختلاط الرجال بالنساء والنساء بالرجال ولو لا ذلك لم ينجح النهى عن الزنا في الحجز بين الانسان وبين هذا الفعال الشنيع فهناك أحد أمرين إما أن يمنع الاختلاط كما في طائفة وإما أن يستقر اليأس من النيل بالمرة بحرمة مؤبدة يتربى عليها الانسان حتى يستوى على هذه العقيدة لا يبصر مثاله فيما يبصر ولا يسمعه فيما يسمع فلا يخطر بباله أبدا. وتصديق ذلك ما نجده من حال الامم الغربيه فإن هؤلاء معاشر النصارى كانت ترى حرمة الزنا وتعد تعدد الزوجات في تلو الزنا أباحت اختلاط النساء بالرجال فلم تلبث حتى فشا الفحشاء فيها فشوا لا يكاد يوجد في الالف منهم واحد يسلم من هذا الداء ولا في ألف من رجالهم واحد يستيقن بكون من ينتسب إليه من أولاده من صلبه ثم لم يمكث هذا الداء حتى سرى إلى الرجال مع محارمهم من الاخوات والبنات والامهات ثم إلى ما بين الرجال والغلمان ثم الشبان أنفسهم ثم... وثم... آل الامر إلى أن صارت هذه الطائفة التى ما خلقها الله سبحانه إلا سكنا للبشر ونعمة يقيم بها صلب الانسانية ويطيب بها عيشة النوع مصيدة يصطاد بها في كل شأن سياسي واقتصادي واجتماعي ووسيلة للنيل إلى كل غرض يفسد حياة المجتمع والفرد وعادت الحياة الانسانية امنية تخيلية ولعبا ولهوا بتمام معنى الكلمة وقد اتسع الخرق على الراتق. هذا هو الذى بنى عليه الاسلام مسألة تحريم المحرمات من المبهمات وغيرها في باب النكاح إلا المحصنات من النساء على ما عرفت. وتأثير هذا الحكم في المنع عن فشو الزنا وتسربه في المجتمع المنزلي كتأثير حكم الحجاب في المنع عن ظهور الزنا وسريان الفساد في المجتمع المدني على ما عرفت. وقد تقدم أن قوله تعالى وربائبكم اللاتى في حجوركم الآية لا تخلو عن إشارة إلى هذه الحكمة ويمكن أن تكون الاشارة إليه بقوله تعالى في آخر آيات التحريم

[ 316 ]

يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا: النساء - 28 فإن تحريم هذه الاصناف الاربعة عشر من الله سبحانه تحريما باتا يرفع عن كاهل الانسان ثقل الصبر على هواهن والميل إليهن والنيل منهن على إمكان من الامر وقد خلق الانسان ضعيفا في قبال الميول النفسانية والدواعي الشهوانية وقد قال تعالى إن كيدكن عظيم: يوسف - 28 فإن من أمر الصبر أن يعيش الانسان مع واحدة أو أكثر من النساء الاجنبيات ويصاحبهن في الخلوة والجلوة ويتصل بهن ليلا ونهارا ويمتلئ سمعه وبصره من لطيف إشاراتهن وحلو حركاتهن حينا بعد حين ثم يصبر على ما يوسوسه نفسه في أمرهن ولا يجيبها في ما تتوق إليه والحاجة إحدى الحاجتين الغذاء والنكاح وما سواهما فضل يعود إليهما وكأنه هو الذى أشار إليه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: من تزوج أحرز نصف دينه - فليتق الله في النصف الآخر (1) = يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) - ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا (30))

( بيان )

 في الآية شبه اتصال بما سبقتها حيث إنها تتضمن النهى عن أكل المال بالباطل وكانت الآيات السابقة متضمنة للنهى عن أكل مهور النساء بالعضل والتعدى ففي الآية انتقال من الخصوص إلى العموم. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم إلى قوله منكم

_________________________________

(1) مروية في نكاح الوسائل

[ 317 ]

الاكل معروف وهو إنفاد ما يمكن أن يتغذى به بالتقامه وبلعه مثلا ولما فيه من معنى التسلط والانفاد يقال أكلت النار الحطب شبه فيه إعدام النار الحطب بإحراقه بإنفاد الآكل الغذاء بالتناول والبلع ويقال أيضا أكل فلان المال أي تصرف فيه بالتسلط عليه وذلك بعناية أن العمدة في تصرف الانسان في الاشياء هو التغذى بها لانه أشد ما يحتاج إليه الانسان في بقائه وأمسه منه ولذلك سمى التصرف أكلا لكن لا كل تصرف بل التصرف عن تسلط يقطع تسلط الغير على المال بالتملك ونحوه كأنه ينفده ببسط سلطته عليه والتصرف فيه كما ينفد الآكل الغذاء بالاكل. والباطل من الافعال ما لا يشتمل على غرض صحيح عقلائي والتجارة هي التصرف في رأس المال طلبا للربح على ما ذكره الراغب في مفرداته قال وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ انتهى فتنطبق على المعاملة بالبيع والشرى. وفي تقييد قوله لا تأكلوا أموالكم بقوله بينكم الدال على نوع تجمع منهم على المال ووقوعه في وسطهم إشعارا أو دلالة بكون الاكل المنهى عنه بنحو إدارته فيما بينهم ونقله من واحد إلى آخر بالتعاور والتداول فتفيد الجملة أعنى قوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بعد تقييدها بقوله بالباطل النهى عن المعاملات الناقلة التى لا تسوق المجتمع إلى سعادته ونجاحه بل تضرها وتجرها إلى الفساد والهلاك وهى المعاملات الباطلة في نظر الدين كالربا والقمار والبيوع الغررية كالبيع بالحصاة والنواة وما أشبه ذلك. وعلى هذا فالاستثناء الواقع في قوله إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم استثناء منقطع جئ به لدفع الدخل فإنه لما نهى عن أكل المال بالباطل ونوع المعاملات الدائرة في المجتمع الفاسد التى يتحقق بها النقل والانتقال المالى كالربويات والغرريات والقمار وأضرابها باطلة بنظر الشرع كان من الجائز أن يتوهم أن ذلك يوجب انهدام أركان المجتمع وتلاشى أجزائها وفيه هلاك الناس فاجيب عن ذلك بذكر نوع معاملة في وسعها أن تنظم شتات المجتمع وتقيم صلبه وتحفظه على استقامته وهى التجارة عن تراض ومعاملة صحيحة رافعة لحاجة المجتمع وذلك نظير قوله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم: الشعراء - 89 فإنه لما نفى النفع عن المال والبنين يوم القيامة أمكن أن يتوهم أن لا نجاح يومئذ ولا فلاح فإن معظم ما ينتفع به الانسان إنما هو المال والبنون فإذا سقطا عن التأثير لم يبق إلا اليأس والخيبة فاجيب أن هناك

[ 318 ]

أمرا آخر نافعا كل النفع وإن لم يكن من جنس المال والبنين وهو القلب السليم. وهذا الذي ذكرناه من انقطاع الاستثناء هو الاوفق بسياق الآية وكون قوله بالباطل قيدا أصليا في الكلام نظير قوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس الآية: البقرة - 188 وعلى هذا لا تخصص الآية بسائر المعاملات الصحيحة والامور المشروعة غير التجارة مما يوجب التملك ويبيح التصرف في المال كالهبة والصلح والجعالة وكالامهار والارث ونحوها. وربما يقال إن الاستثناء متصل وقوله بالباطل قيد توضيحي جئ به لبيان حال المستثنى منه بعد خروج المستثنى وتعلق النهي والتقدير لا تأكلوا أموالكم بينكم إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فإنكم إن أكلتموها من غير طريق التجارة كان أكلا بالباطل منهيا عنه كقولك لا تضرب اليتيم ظلما إلا تأديبا وهذا النحو من الاستعمال وإن كان جائزا معروفا عند أهل اللسان إلا أنك قد عرفت أن الاوفق لسياق الآية هو انقطاع الاستثناء. وربما قيل إن المراد بالنهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه الله وبالتجارة صرفه فيما يرضاه وربما قيل إن الآية كانت تنهى عن مطلق أكل مال الغير بغير عوض وإنه كان الرجل منهم يتحرج عن أن يأكل عند أحد من الناس بعدما نزلت هذه الآية حتى نسخ ذلك بقوله في سورة النور ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا: النور - 61 وقد عرفت أن الآية بمعزل عن الدلالة على أمثال هذه المعاني. ومن غريب التفسير ما رام به بعضهم توجيه اتصال الاستثناء مع أخذ قوله بالباطل قيدا احترازيا فقال ما حاصله إن المراد بالباطل أكل المال بغير عوض يعادله فالجمله المستثنى منها تدل على تحريم أخذ المال من الغير بالباطل ومن غير عوض ثم استثنى من ذلك التجارة مع كون غالب مصاديقها غير خالية عن الباطل فإن تقدير العوض بالقسطاس المستقيم بحيث يعادل المعوض عنه في القيمة حقيقة متعسر جدا لو لم يكن متعذرا. فالمراد بالاستثناء التسامح بما يكون فيه أحد العوضين أكبر من الآخر وما يكون سبب التعاوض فيه براعة التاجر في تزيين سلعته وترويجها بزخرف القول من غير

[ 319 ]

غش ولا خداع ولا تغرير كما يقع ذلك كثيرا إلى غير ذلك من الاسباب. وكل ذلك من باطل التجارة أباحته الشريعة مسامحة وتسهيلا لاهلها ولو لم يجوز ذلك في الدين بالاستثناء لما رغب أحد من أهله في التجارة واختل نظام المجتمع الديني انتهى ملخصا. وفساده ظاهر مما قدمناه فإن الباطل على ما يعرفه أهل اللغة ما لا يترتب عليه أثره المطلوب منه وأثر البيع والتجارة تبدل المالين وتغير محل الملكين لرفع حاجة كل واحد من البيعين إلى مال الآخر بأن يحصل كل منهما على ما يرغب فيه وينال إربه بالمعادلة وذلك كما يحصل بالتعادل في القيمتين كذلك يحصل بمقابلة القليل الكثير إذا انضم إلى القليل شئ من رغبة الطالب أو رهبته أو مصلحة اخرى يعادل بانضمامها الكثير والكاشف عن جميع ذلك وقوع الرضا من الطرفين ومع وقوع التراضي لا تعد المبادلة باطلة البتة. على أن المستأنس باسلوب القرآن الكريم في بياناته لا يرتاب في أن من المحال أن يعد القرآن أمرا من الامور باطلا ثم يأمر به ويهدي إليه وقد قال تعالى في وصفه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم: الاحقاف - 30 وكيف يهدي إلى الحق ما يهدي إلى الباطل ؟ على أن لازم هذا التوجيه أن يهتدي الانسان اهتداء حقا فطريا إلى حاجته إلى المبادلة في الاموال ثم يهتدي اهتداء حقا فطريا إلى المبادلة بالموازنة ثم لا يكون ما يهتدي إليه وافيا لرفع حاجته حقا حتى ينضم إليه شئ من الباطل وكيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى أمر لا يكفي في رفع حاجتها ولا يفي إلا ببعض شأنها ؟ وكيف يمكن أن تهتدي الفطرة إلى باطل وهل الفارق بين الحق والباطل في الاعمال إلا اهتداء الفطرة وعدم اهتدائها ؟ فلا مفر لمن يجعل الاستثناء متصلا من أن يجعل قوله بالباطل قيدا توضيحيا. وأعجب من هذا التوجيه ما نقل عن بعضهم أن النكتة في هذا الاستثناء المنقطع هي الاشارة إلى أن جميع ما في الدنيا من التجارة وما في معناها من قبيل الباطل لانه لا ثبات له ولا بقاء فينبغي أن لا يشتغل به العاقل عن الاستعداد للدار الآخرة التى هي خير وأبقى انتهى.

[ 320 ]

وهو خطأ فإنه على تقدير صحته نكتة للاستثناء المتصل لا الاستثناء المنقطع على أن هذه المعنويات من الحقائق إنما يصح أن يذكر لمثل قوله تعالى وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهى الحيوان: العنكبوت - 64 وقوله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق: النحل - 96 وقوله تعالى قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة: الجمعة - 11 وأما ما نحن فيه فجريان هذه النكتة توجب تشريع الباطل ويجل القرآن عن الترخيص في الباطل بأي وجه كان. قوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم ظاهر الجملة أنها نهى عن قتل الانسان نفسه لكن مقارنتها قوله لا تأكلوا أموالكم بينكم حيث إن ظاهره أخذ مجموع المؤمنين كنفس واحدة لها مال يجب أن تأكلها من غير طريق الباطل ربما أشعرت أو دلت على أن المراد بالانفس جميع نفوس المجتمع الدينى المأخوذة كنفس واحدة نفس كل بعض هي نفس الآخر فيكون في مثل هذا المجتمع نفس الانسان نفسه ونفس غيره أيضا نفسه فلو قتل نفسه أو غيره فقد قتل نفسه وبهذه العناية تكون الجملة أعنى قوله ولا تقتلوا أنفسكم مطلقة تشمل الانتحار الذى هو قتل الانسان نفسه وقتل الانسان غيره من المؤمنين. وربما أمكن أن يستفاد من ذيل الآية أعنى قوله إن الله كان بكم رحيما أن المراد من قتل النفس المنهى عنه ما يشمل إلقاء الانسان نفسه في مخاطرة القتل والتسبيب إلى هلاك نفسه المؤدى إلى قتله وذلك أن تعليل النهى عن قتل النفس بالرحمة لهذا المعنى أوفق وأنسب كما لا يخفى ويزيد على هذا معنى الآية عموما واتساعا وهذه الملائمة بعينها تؤيد كون قوله إن الله كان بكم رحيما تعليلا لقوله ولا تقتلوا أنفسكم فقط. قوله تعالى ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما الآية العدوان مطلق التجاوز سواء كان جائزا ممدوحا أو محظورا مذموما قال تعالى فلا عدوان إلا على الظالمين: البقرة - 193 وقال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان: المائدة - 2 فهو أعم موردا من الظلم ومعناه في الآية تعدى الحدود التى حدها الله تعالى والاصلاء بالنار الاحراق بها. وفي الآية من حيث اشتمالها على قوله ذلك التفات عن خطاب المؤمنين إلى

[ 321 ]

خطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلويحا إلى أن من فعل ذلك منهم وهم نفس واحدة والنفس الواحدة لا ينبغى لها أن تريد هلاك نفسها فليس من المؤمنين فلا يخاطب في مجازاته المؤمنون وإنما يخاطب فيها الرسول المخاطب في شأن المؤمنين وغيرهم ولذلك بنى الكلام على العموم فقيل ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه ولم يقل ومن يفعل ذلك منكم. وذيل الآية أعنى قوله وكان ذلك على الله يسيرا يؤيد أن يكون المشار إليه بقوله ذلك هو النهى عن قتل الانفس بناء على كون قوله إن الله كان بكم رحيما ناظرا إلى تعليل النهى عن القتل فقط لما من المناسبة التامة بين الذيلين فإن الظاهر أن المعنى هو أن الله تعالى إنما ينهاكم عن قتل أنفسكم رحمة بكم ورأفة وإلا فمجازاته لمن قتل النفس بإصلائه النار عليه يسير غير عسير ومع ذلك فعود التعليل وكذا التهديد إلى مجموع الفقرتين في الآية الاولى أعنى النهى عن أكل المال بالباطل والنهى عن قتل النفس لا ضير فيه. وأما قول بعضهم إن التعليل والتهديد أو التهديد فقط راجع إلى جميع ما ذكر من المناهى من أول السورة إلى هذه الآية وكذا قول آخرين إن ذلك إشارة إلى جميع ما ذكر من المناهى من قوله يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها الآية: آية - 19 من السورة إلى هنا لعدم ذكر جزاء للمناهى الواقعة في هذه الآيات فمما لا دليل على اعتباره. وتغيير السياق في قوله فسوف نصليه نارا بالخصوص عن سياق الغيبة الواقع في قوله إن الله كان بكم رحيما إلى سياق التكلم تابع للالتفات الواقع في قوله ذلك عن خطاب المؤمنين إلى خطاب الرسول ثم الرجوع إلى الغيبة في قوله وكان ذلك على الله يسيرا اشعار بالتعليل أي وذلك عليه يسير لانه هو الله عز اسمه.

( بحث روائي )

 في المجمع: في قوله تعالى بالباطل - قولان أحدهما أنه الربا والقمار والبخس والظلم - قال: وهو المروى عن الباقر عليه السلام

[ 322 ]

وفي نهج البيان عن الباقر والصادق عليه السلام: أنه القمار والسحت والربا والايمان وفي تفسير العياشي عن أسباط بن سالم قال: كنت عند أبى عبد الله عليه السلام فجاءه رجل - فقال له أخبرني عن قول الله - يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل - قال عنى بذلك القمار - وأما قوله ولا تقتلوا أنفسكم - عنى بذلك الرجل من المسلمين يشد على المشركين وحده - يجئ في منازلهم فيقتل فنهاهم الله عن ذلك أقول الآية عامة في الاكل بالباطل وذكر القمار وما أشبهه من قبيل عد المصاديق وكذا تفسير قتل النفس بما ذكر في الرواية تعميم للآية لا تخصيص بما ذكر. وفيه عن إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين قال حدثنى الحسن بن زيد عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجبائر تكون على الكسير - كيف يتوضأ صاحبها وكيف يغتسل إذا اجنب - قال يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة والوضوء - قلت فإن كان في برد يخاف على نفسه - إذا أفرغ الماء على جسده فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما وفي الفقيه قال الصادق عليه السلام: من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها - قال الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما - ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما - فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا أقول والروايات كما ترى تعمم معنى قوله ولا تقتلوا أنفسكم الآية كما استفدناه فيما تقدم وفي معنى ما تقدم روايات اخر. وفي الدر المنثور أخرج ابن ماجة وابن المنذر عن ابن سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما البيع عن تراض وفيه أخرج ابن جرير عن ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم باع رجلا ثم قال له - اختر فقال قد اخترت فقال هكذا البيع وفيه أخرج البخاري والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر اقول قوله البيعان بالخيار ما لم يتفرقا مروى من طرق الشيعة أيضا وقوله أو يقول أحدهما للآخر اختر لتحقيق معنى التراضي

[ 323 ]

= إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (31)

( بيان )

 الآية غير عادمة الارتباط بما قبلها فإن فيما قبلها ذكرا من المعاصي الكبيرة. قوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه إلى قوله سيئاتكم الاجتناب أصله من الجنب وهو الجارحة بنى منها الفعل على الاستعاره فإن الانسان إذا أراد شيئا استقبله بوجهه ومقاديم بدنه وإذا أعرض عنه وتركه وليه بجنبه فاجتنبه فالاجتناب هو الترك قال الراغب وهو أبلغ من الترك انتهى وليس إلا لانه مبنى على الاستعارة ومن هذا الباب الجانب والجنيبة والاجنبى. والتكفير من الكفر وهو الستر وقد شاع استعماله في القرآن في العفو عن السيئات والكبائر جمع كبيرة وصف وضع موضع الموصوف كالمعاصي ونحوها والكبر معنى إضافي لا يتحقق إلا بالقياس إلى صغر ومن هنا كان المستفاد من قوله كبائر ما تنهون عنه أن هناك من المعاصي المنهى عنها ما هي صغيرة فيتبين من الآية اولا أن المعاصي قسمان صغيرة وكبيرة وثانيا أن السيئات في الآية هي الصغائر لما فيها من دلالة المقابلة على ذلك. نعم العصيان والتمرد كيفما كان كبير وأمر عظيم بالنظر إلى ضعف المخلوق المربوب في جنب الله عظم سلطانه غير أن القياس في هذا الاعتبار إنما هو بين الانسان وربه لا بين معصية ومعصية فلا منافاة بين كون كل معصية كبيرة باعتبار وبين كون بعض المعاصي صغيرة باعتبار آخر. وكبر المعصية إنما يتحقق بأهمية النهى عنها إذا قيس إلى النهى المتعلق بغيرها ولا يخلو قوله تعالى ما تنهون عنه من إشعار أو دلالة على ذلك والدليل على أهمية النهى تشديد الخطاب بإصرار فيه أو تهديد بعذاب من النار ونحو ذلك.

[ 324 ]

قوله تعالى وندخلكم مدخلا كريما المدخل بضم الميم وفتح الخاء اسم مكان والمراد منه الجنة أو مقام القرب من الله سبحانه وإن كان مرجعهما واحدا.

( كلام في الكبائر والصغائر وتكفير السيئات )

 لا ريب في دلالة قوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية على انقسام المعاصي إلى كبائر وصغائر سميت في الآية بالسيئات ونظيرها في الدلالة قوله تعالى ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها الآية: الكهف - 49 إذ إشفاقهم مما في الكتاب يدل على أن المراد بالصغيرة والكبيرة صغائر الذنوب وكبائرها. وأما السيئة فهى بحسب ما تعطيه مادة اللفظ وهيئته هي الحادثة أو العمل الذى يحمل المساءة ولذلك ربما يطلق لفظها على الامور والمصائب التى يسوء الانسان وقوعها كقوله تعالى وما أصابك من سيئة فمن نفسك الآية: النساء - 79 وقوله تعالى ويستعجلونك بالسيئة الآية: الرعد - 6 وربما اطلق على نتائج المعاصي وآثارها الخارجية الدنيوية والاخروية كقوله تعالى فأصابهم سيئات ما عملوا الآية: النحل - 34 وقوله تعالى سيصيبهم سيئات ما كسبوا: الزمر - 51 وهذا بحسب الحقيقة يرجع إلى المعنى السابق وربما اطلق على نفس المعصية كقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها الآية: الشورى - 40 والسيئة بمعنى المعصية ربما اطلقت على مطلق المعاصي أعم من الصغائر والكبائر كقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون: الجاثية - 21 إلى غير ذلك من الآيات. وربما اطلقت على الصغائر خاصة كقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية إذ مع فرض اجتناب الكبائر لا تبقى للسيئات إلا الصغائر. و بالجملة دلالة الآية على انقسام المعاصي إلى الصغائر والكبائر بحسب القياس الدائر بين المعاصي أنفسها مما لا ينبغى أن يرتاب فيه. وكذا لا ريب أن الآية في مقام الامتنان وهى تقرع أسماع المؤمنين بعناية لطيفة

[ 325 ]

إلهية أنهم إن اجتنبوا البعض من المعاصي كفر عنهم البعض الآخر فليس إغراء على ارتكاب المعاصي الصغار فإن ذلك لا معنى له لان الآية تدعو إلى ترك الكبائر بلا شك وارتكاب الصغيرة من جهة أنها صغيرة لا يعبأ بها ويتهاون في أمرها يعود مصداقا من مصاديق الطغيان والاستهانة بأمر الله سبحانه وهذا من أكبر الكبائر بل الآية تعد تكفير السيئات من جهة أنها سيئات لا يخلو الانسان المخلوق على الضعف المبنى على الجهالة من ارتكابها بغلبة الجهل والهوى عليه فمساق هذه الآية مساق الآية الداعية إلى التوبة التى تعد غفران الذنوب كقوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم الآية: الزمر - 54 فكما لا يصح أن يقال هناك إن الآية تغرى إلى المعصية بفتح باب التوبة وتطييب النفوس بذلك فكذا ههنا بل أمثال هذه الخطابات إحياء للقلوب الآئسة بالرجاء. ومن هنا يعلم أن الآية لا تمنع عن معرفة الكبائر بمعنى أن يكون المراد بها اتقاء جميع المعاصي مخافة الوقوع في الكبائر والابتلاء بارتكابها فإن ذلك معنى بعيد عن مساق الآية بل المستفاد من الآية أن المخاطبين هم يعرفون الكبائر ويميزون هؤلاء الموبقات من النهى المتعلق بها ولا أقل من أن يقال إن الآية تدعو إلى معرفة الكبائر حتى يهتم المكلفون في الاتقاء منها كل الاهتمام من غير تهاون في جنب غيرها فإن ذلك التهاون كما عرفت إحدى الكبائر الموبقة. وذلك أن الانسان إذا عرف الكبائر وميزها وشخصها عرف أنها حرمات لا يغمض من هتكها بالتكفير إلا عن ندامة قاطعة وتوبة نصوح ونفس هذا العلم مما يوجب تنبه الانسان وانصرافه عن ارتكابها. وأما الشفاعة فإنها وإن كانت حقه إلا أنك قد عرفت فيما تقدم من مباحثها أنها لا تنفع من استهان بأمر الله سبحانه واستهزأ بالتوبة والندامة واقتراف المعصية بالاعتماد على الشفاعة تساهل وتهاون في أمر الله سبحانه وهو من الكبائر الموبقة القاطعة لسبيل الشفاعة قطعا. ومن هنا يتضح معنى ما تقدم أن كبر المعصية إنما يعلم من شدة النهى الواقع عنها بإصرار أو تهديد بالعذاب كما تقدم

[ 326 ]

ومما تقدم من الكلام يظهر حال سائر ما قيل في معنى الكبائر وهى كثيرة منها ما قيل إن الكبيرة كل ما أوعد الله عليه في الآخرة عقابا ووضع له في الدنيا حدا وفيه أن الاصرار على الصغيرة كبيرة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار رواه الفريقان مع عدم وضع حد فيه شرعا وكذا ولاية الكفار وأكل الربا مع أنهما من كبائر ما نهى عنه في القرآن. ومنها قول بعضهم إن الكبيرة كل ما أوعد الله عليه بالنار في القرآن وربما أضاف إليه بعضهم السنة وفيه أنه لا دليل على انعكاسه كليا. ومنها قول بعضهم إنها كل ما يشعر بالاستهانة بالدين وعدم الاكتراث به قال به إمام الحرمين واستحسنه الرازي وفيه أنه عنوان الطغيان والاعتداء وهى إحدى الكبائر وهناك ذنوب كبيرة موبقة وإن لم تقترف بهذا العنوان كأكل مال اليتيم وزنا المحارم وقتل النفس المؤمنة من غير حق. ومنها قول بعضهم إن الكبيرة ما حرمت لنفسها لا لعارض وهذا كالمقابل للقول السابق وفيه أن الطغيان والاستهانة ونحو ذلك من أكبر الكبائر وهى عناوين طارية وبطروها على معصية وعروضها لها تصير من الكبائر الموبقة. ومنها قول بعضهم إن الكبائر ما اشتملت عليه آيات سورة النساء من أول السورة إلى تمام ثلاثين آية وكأن المراد أن قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الآية إشارة إلى المعاصي المبينة في الآيات السابقة عليه كقطيعة الرحم وأكل مال اليتيم والزنا ونحو ذلك وفيه أنه ينافي إطلاق الآية. ومنها قول بعضهم وينسب إلى ابن عباس كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ولعله لكون مخالفته تعالى أمرا عظيما وفيه أنك قد عرفت أن انقسام المعصية إلى الكبيرة والصغيرة إنما هو بقياس بعضها إلى بعض وهذا الذى ذكره مبنى على قياس حال الانسان في مخالفته وهو عبد إلى الله سبحانه وهو رب كل شئ ومن الممكن أن يميل إلى هذا القول بعضهم بتوهم كون الاضافة في قوله تعالى كبائر ما تنهون عنه بيانية لكنه فاسد لرجوع معنى الآية حينئذ إلى قولنا إن تجتنبوا المعاصي جميعا نكفر عنكم سيئاتكم ولا سيئة مع اجتناب المعاصي وإن اريد تكفير

[ 327 ]

سيئات المؤمنين قبل نزول الآية اختصت الآية بأشخاص من حضر عند النزول وهو خلاف ظاهر الآية من العموم ولو عمت الآية عاد المعنى إلى أنكم إن عزمتم على اجتناب جميع المعاصي واجتنبتموها كفرنا عنكم سيئاتكم السابقة عليه وهذا أمر نادر شاذ المصداق أو عديمه لا يحمل عليه عموم الآية لان نوع الانسان لا يخلو عن السيئة واللمم إلا من عصمه الله بعصمته فافهم ذلك. ومنها أن الصغيرة ما نقص عقابه عن ثواب صاحبه والكبيرة ما يكبر عقابه عن ثوابه نسب إلى المعتزلة وفيه أن ذلك أمر لا يدل عليه هذه الآية ولا غيرها من آيات القرآن نعم من الثابت بالقرآن وجود الحبط في بعض المعاصي في الجملة لا في جميعها سواء كان على وفق ما ذكروه أو لا على وفقه وقد مر البحث عن معنى الحبط مستوفى في الجزء الثاني من هذا الكتاب. وقالوا أيضا يجب تكفير السيئات والصغائر عند اجتناب الكبائر ولا تحسن المؤاخذة عليها وهذا أيضا أمر لا تدل الآية عليه البتة. ومنها أن الكبر والصغر اعتباران يعرضان لكل معصية فالمعصية التى يقترفها الانسان استهانة بأمر الربوبية واستهزاء أو عدم مبالاة به كبيرة وهى بعينها لو اقترفت من جهة استشاطة غضب أو غلبة جبن أو ثورة شهوة كانت صغيرة مغفورة بشرط اجتناب الكبائر. ولما كان هذه العناوين الطارية المذكورة يجمعها العناد والاعتداء على الله أمكن أن يلخص الكلام بأن كل واحدة من المعاصي المنهى عنها في الدين إن اتى بها عنادا واعتداءا فهى كبيرة وإلا فهى صغيرة مغفورة بشرط اجتناب العناد والاعتداء. قال بعضهم إن في كل سيئة وفي كل نهى خاطب الله به كبيرة أو كبائر وصغيرة أو صغائر وأكبر الكبائر في كل ذنب عدم المبالاة بالنهي والامر واحترام التكليف ومنه الاصرار فإن المصر على الذنب لا يكون محترما ولا مباليا بالامر والنهى فالله تعالى يقول إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه أي الكبائر التى يتضمنها كل شئ تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم أي نكفر عنكم صغيره فلا نؤاخذكم عليه. وفيه أن استلزام اقتران كل معصية مقترفة بما يوجب كونها طغيانا واستعلاء

[ 328 ]

على الله سبحانه صيرورتها معصية كبيرة لا يوجب كون الكبر دائرا مدار هذا الاعتبار حتى لا يكون بعض المعاصي كبيرة في نفسها مع عدم عروض شئ من هذه العناوين عليه فإن زنا المحارم بالنسبة إلى النظر إلى الاجنبية وقتل النفس المحرمة ظلما بالنسبة إلى الضرب كبيرتان عرض لهما عارض من العناوين أم لم يعرض نعم كلما عرض شئ من هذه العناوين المهلكة اشتد النهى بحسبه وكبرت المعصية وعظم الذنب فما الزنا عن هوى النفس وغلبة الشهوة والجهالة كالزنا بالاستباحة. على أن هذا المعنى إن تجتنبوا في كل معصية كبائرها نكفر عنكم صغائرها معنى ردى لا يحتمله قوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية بحسب ما لها من السياق على ما لا يخفى لكل من استأنس قليل استيناس بأساليب الكلام. ومنها ما يتراءى من ظاهر كلام الغزالي على ما نقل عنه (1) من الجمع بين الاقوال وهو أن بين المعاصي بقياس بعضها إلى بعض كبيرة وصغيرة كزنا المحصنة من المحارم بالنسبة إلى النظر إلى الاجنبية وإن كانت بعض المعاصي يكبر بانطباق بعض العناوين المهلكة الموبقة عليه كالاصرار على الصغائر فبذلك تصير المعصية كبيرة بعد ما لم تكن. فبهذا يظهر أن المعاصي تنقسم إلى صغيرة وكبيرة بحسب قياس البعض إلى البعض بالنظر إلى نفس العمل وجرم الفعل ثم هي مع ذلك تنقسم إلى القسمين بالنظر إلى أثر الذنب ووباله في إحباطه للثواب بغلبته عليه أو نقصه منه إذا لم يغلبه فيزول الذنب بزوال مقدار يعادله من الثواب فإن لكل طاعة تأثيرا حسنا في النفس يوجب رفعة مقامها وتخلصها من قذارة البعد وظلمة الجهل كما أن لكل معصية تأثيرا سيئا فيها يوجب خلاف ذلك من انحطاط محلها وسقوطها في هاوية البعد وظلمة الجهل. فإذا اقترف الانسان شيئا من المعاصي وقد هيأ لنفسه شيئا من النور والصفاء بالطاعة فلا بد من أن يتصادم ظلمة المعصية ونور الطاعة فإن غلبت ظلمة المعصية ووبال الذنب نور الطاعة وظهرت عليه أحبطته وهذه هي المعصية الكبيرة وإن غلبت الطاعة بما لها من النور والصفاء أزالت ظلمة الجهل وقذارة الذنب ببطلان مقدار

_________________________________

(1) نقله الفخر الرازي في تفسير عن الغزالي في منتخبات كتاب الاحياء

[ 329 ]

يعادل ظلمة الذنب من نور الطاعة ويبقى الباقي من نورها وصفائها تتنور وتصفو به النفس وهذا معنى التحابط وهو بعينه معنى غفران الذنوب الصغيرة وتكفير السيئات وهذا النوع من المعاصي هي المعاصي الصغيرة. وأما تكافؤ السيئة والحسنة بما لهما من العقاب والثواب فهو وإن كان مما يحتمله العقل في بادى النظر ولازمه صحة فرض إنسان أعزل لا طاعة له ولا معصية ولا نور لنفسه ولا ظلمة لكن يبطله قوله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير انتهى ملخصا. وقد رده الرازي بأنه يبتنى على اصول المعتزلة الباطلة عندنا وشدد النكير على الرازي في المنار قائلا: وإذا كان هذا (يعني انقسام المعصية إلى الصغيرة والكبيرة في نفسها) صريحا في القرآن فهل يعقل أن يصح عن ابن عباس إنكاره ؟ لا بل روى عبد الرزاق عنه أنه قيل له: هل الكبائر سبع ؟ فقال: هي إلى السبعين أقرب وروى ابن جبير أنه قال: هي إلى السبعمائة أقرب وإنما عزي القول بإنكاره تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر إلى الاشعرية. وكأن القائلين بذلك منهم أرادوا أن يخالفوا به المعتزلة ولو بالتأويل كما يعلم من كلام ابن فورك فإنه صحح كلام الاشعرية وقال: معاصي الله كلها كبائر وإنما يقال لبعضها: صغيرة وكبيرة بإضافة (1) وقالت المعتزلة: الذنوب على ضربين: صغائر وكبائر وهذا ليس بصحيح انتهى وأول الآية تأويلا بعيدا. وهل يؤول الآيات والاحاديث لاجل أن يخالف المعتزلة ولو فيما أصابوا فيه ؟ لا يبعد ذلك فإن التعصب للمذاهب هو الذي صرف كثيرا من العلماء الازكياء عن إفادة أنفسهم وأمتهم بفطنتهم وجعل كتبهم فتنة للمسلمين اشتغلوا بالجدل فيها عن حقيقة الدين وستري ما ينقله الرازي عن الغزالي ويرده لاجل ذلك وأين الرازي من الغزالي وأين معاوية من علي انتهى ويشير في آخر كلامه إلى ما نقلناه عن الغزالي والرازي.

_________________________________

(1) أي الاضافة بحسب قصود المعاصي المختلفة لا اضافة بعض المعاصي إلى بعضها في نفسها.

[ 330 ]

وكيف كان فما ذكره الغزالي وإن كان وجيها في الجملة لكنه لا يخلو عن خلل من جهات. الاولى: أن ما ذكره من انقسام المعاصي إلى الصغائر والكبائر بحسب تحابط الثواب والعقاب لا ينطبق دائما على ما ذكره من الانقسام بحسب نفس المعاصي ومتون الذنوب في أول كلامه فإن غالب المعاصي الكبيرة المسلمة في نفسها يمكن أن يصادف في فاعله ثوابا كبيرا يغلب عليها وكذا يمكن أن تفرض معصية صغيرة تصادف من الثواب الباقي في النفس ما هو أصغر منها وأنقص وبذلك يختلف الصغيرة والكبيرة بحسب التقسيمين فمن المعاصي ما هي صغيرة على التقسيم الاول كبيرة بحسب التقسيم الثاني ومنها ما هي بالعكس فلا تطابق كليا بين التقسيمين. والثانية أن التصادم بين آثار المعاصي والطاعات وإن كان ثابتا في الجملة لكنه مما لم يثبت كليا من طريق الظواهر الدينية من الكتاب والسنة أبدا وأي دليل من طريق الكتاب والسنة يدل على تحقق التزايل والتحابط بنحو الكلية بين عقاب المعاصي وثواب الطاعات. والذى أجرى تفصيل البحث فيه من الحالات الشريفة النورية النفسانية والحالات الاخرى الخسيسة الظلمانية كذلك أيضا فإنها وإن كانت تتصادم بحسب الغالب وتتزايل وتتفانى لكن ذلك ليس على وجه كلى دائمي بل ربما يثبت كل من الفضيلة والرذيلة في مقامها وتتصالح على البقاء وتقتسم النفس كأن شيئا منها للفضيلة خاصة وشيئا منها للرذيلة خاصة فترى الرجل المسلم مثلا يأكل الربا ولا يلوى عن ابتلاع أموال الناس ولا يصغى إلى استغاثة المطلوب المستأصل المظلوم ويجتهد في الصلوات المفروضة ويبالغ في خضوعه وخشوعه أو أنه لا يبالى في إهراق الدماء وهتك الاعراض والافساد في الارض ويخلص لله أي إخلاص في امور من الطاعات والقربات وهذا هو الذى يسميه علماء النفس اليوم بازدواج الشخصية بعد تعددها وتنازعها وهو أن تتنازع الميول المختلفة النفسانية وتثور بعضها على بعض بالتزاحم والتعارض ولا يزال الانسان في تعب داخلي من ذلك حتى تستقر الملكتان فتزدوجان وتتصالحان ويغيب كل عند ظهور الاخرى وانتهاضها و إمساكها على فريستها كما عرفت من المثال المذكور آنفا

[ 331 ]

والثالثة أن لازم ما ذكره أن يلغو اعتبار الاجتناب في تكفير السيئات فإن من لا يأتي بالكبائر لا لانه يكف نفسه عنها مع القدرة والتمايل النفساني عليها بل لعدم قدرته عليها وعدم استطاعته منها فإن سيئاته تنحبط بالطاعات لغلبة ثوابه على الفرض على ما له من العقاب وهو تكفير السيئات فلا يبقى لاعتبار اجتناب الكبائر وجه مرضى. قال الغزالي في الاحياء اجتناب الكبيرة إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع القدرة والارادة كمن يتمكن من امرأة ومن مواقعتها فيكف نفسه عن الوقاع فيقتصر على نظر أو لمس فإن مجاهدة نفسه بالكف عن الوقاع أشد تأثيرا في تنوير قلبه من إقدامه على النظر في إظلامه فهذا معنى تكفيره فإن كان عنينا أو لم يكن امتناعه إلا بالضرورة للعجز أو كان قادرا ولكن امتنع لخوف أمر الآخرة فهذا لا يصلح للتكفير أصلا وكل من لا يشتهى الخمر بطبعه ولو أبيح له لما شربه فاجتنابه لا يكفر عنه الصغائر التى هي من مقدماته كسماع الملاهي والاوتار نعم من يشتهى الخمر وسماع الاوتار فيمسك نفسه بالمجاهدة عن الخمر ويطلقها في السماع فمجاهدته النفس بالكف ربما يمحو عن قلبه الظلمة التى ارتفعت إليه من معصية السماع فكل هذه أحكام اخروية انتهى. وقال أيضا في محل آخر كل ظلمة ارتفعت إلى القلب لا يمحوها إلا نور يرتفع إليها بحسنة تضادها والمتضادات هي المتناسبات فلذلك ينبغى أن تمحى كل سيئة بحسنة من جنسها لكى تضادها فإن البياض يزال بالسواد لا بالحرارة والبرودة وهذا التدريج والتحقيق من التلطف في طريقة المحو فالرجاء فيه أصدق والثقة به أكثر من أن يواظب على نوع واحد من العبادات وإن كان ذلك أيضا مؤثرا في المحو انتهى كلامه. وكلامه كما ترى يدل على أن المحبط للسيئات هو الاجتناب الذى هو الكف مع أنه غير لازم على هذا القول. والكلام الجامع الذى يمكن أن يقال في المقام مستظهرا بالآيات الكريمة هو أن الحسنات والسيئات متحابطة في الجملة غير أن تأثير كل سيئة في كل حسنة وبالعكس بنحو النقص منه أو إفنائه مما لا دليل عليه ويدل عليه اعتبار حال الاخلاق والحالات النفسانية التى هي نعم العون في فهم هذه الحقائق القرآنية في باب الثواب والعقاب. وأما الكبائر والصغائر من المعاصي فظاهر الآية كما عرفت هو أن المعاصي بقياس

[ 332 ]

بعضها إلى بعض كقتل النفس المحترمة ظلما بالقياس إلى النظر إلى الاجنبية وشرب الخمر بالاستحلال بالقياس إلى شربها بهوى النفس بعضها كبيرة وبعضها صغيرة من غير ظهور ارتباط ذلك بمسألة الاحباط والتكفير بالكلية. ثم إن الآية ظاهرة في أن الله سبحانه يعد لمن اجتنب الكبائر أن يكفر عنه سيئاته جميعا ما تقدم منها وما تأخر على ما هو ظاهر إطلاق الآية ومن المعلوم أن الظاهر من هذا الاجتناب أن يأتي كل مؤمن بما يمكنه من اجتناب الكبائر وما يصدق في مورده الاجتناب من الكبائر لا أن يجتنب كل كبيرة بالكف عنها فإن الملتفت أدنى التفات إلى سلسلة الكبائر لا يرتاب في أنه لا يتحقق في الوجود من يميل إلى جميعها ويقدر عليها عامة أو يندر ندرة ملحقة بالعدم وتنزيل الآية هذه المنزلة لا يرتضيها الطبع المستقيم. فالمراد أن من اجتنب ما يقدر عليه من الكبائر وتتوق نفسه إليه منها وهى الكبائر التى يمكنه أن يجتنبها كفر الله سيئاته سواء جانسها أو لم يجانسها. وأما أن هذا التكفير للاجتناب بأن يكون الاجتناب في نفسه طاعة مكفرة للسيئات كما أن التوبة كذلك أو أن الانسان إذا لم يقترف الكبائر خلى ما بينه وبين الصغائر والطاعات الحسنة فالحسنات يكفرن سيئاته وقد قال الله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات: هود - 114 ظاهر الآية إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية أن للاجتناب دخلا في التكفير وإلا كان الانسب بيان أن الطاعات يكفرن السيئات كما في قوله إن الحسنات الآية أو أن الله سبحانه يغفر الصغائر مهما كانت من غير حاجة إلى سرد الكلام جملة شرطية. والدليل على كبر المعصية هو شدة النهى الوارد عنها أو الايعاد عليها بالنار أو ما يقرب من ذلك سواء كان ذلك في كتاب أو سنة من غير دليل على الحصر.

( بحث روائي )

 في الكافي عن الصادق عليه السلام: الكبائر التي أوجب الله عليها النار وفي الفقيه وتفسير العياشي عن الباقر عليه السلام: في الكبائر قال كل ما أوعد الله عليها النار

[ 333 ]

وفي ثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام: من اجتنب ما أوعد الله عليه النار - إذا كان مؤمنا كفر الله عنه سيئاته ويدخله مدخلا كريما - والكبائر السبع الموجبات - قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين - وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة - وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم - والفرار من الزحف أقول و الروايات من طرق الشيعة وأهل السنة في عد الكبائر كثيرة سيمر بك بعضها وقد عد الشرك بالله فيما نذكر منها إحدى الكبائر السبع إلا في هذه الرواية ولعله عليه السلام أخرجه من بينها لكونه أكبر الكبائر ويشير إليه قوله إذا كان مؤمنا. وفي المجمع روى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن أبى جعفر محمد بن على عن أبيه على بن موسى الرضا عن موسى بن جعفر عليهم السلام قال: دخل عمرو بن عبيد البصري - على أبى عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام - فلما سلم وجلس تلا هذه الآية - الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش ثم أمسك - فقال أبو عبد الله ما أسكتك - قال احب أن أعرف الكبائر من كتاب الله - قال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الشرك بالله - لقول الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به - وقال من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار - وبعده اليأس من روح الله لان الله يقول - ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون - ثم الامن من مكر الله لان الله يقول - ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون - ومنها عقوق الوالدين لان الله تعالى جعل العاق جبارا شقيا - في قوله وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا - ومنها قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق لانه يقول - ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها الآية - وقذف المحصنات لان الله يقول - إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات - لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم - وأكل مال اليتيم لقوله - الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية - والفرار من الزحف لان الله يقول - ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة - فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير - وأكل الربا لان الله يقول - الذين يأكلون الربا لا يقومون - إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس - ويقول فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله - والسحر لان الله يقول - ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق - والزنا لان الله يقول - ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة - ويخلد فيه مهانا واليمين الغموس لان الله يقول - إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم

[ 334 ]

ثمنا قليلا - اولئك لا خلاق لهم في الآخرة الآية - والغلول قال الله ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة - ومنع الزكاة المفروضة لان الله يقول - يوم يحمى عليها في نار جهنم - فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم الآية - وشهادة الزور وكتمان الشهادة لان الله يقول - ومن يكتمها فإنه آثم قلبه - وشرب الخمر لان الله عدل بها عبادة الاوثان - وترك الصلاة متعمدا وشيئا مما فرض الله تعالى - لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول - من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله - ونقض العهد وقطيعة الرحم لان الله يقول - اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار - قال فخرج عمرو بن عبيد له صراخ من بكائه وهو يقول - هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم اقول قد روى من طرق أهل السنة ما يقرب منه عن ابن عباس ويتبين بالرواية أمران. الاول أن الكبيرة من المعاصي ما اشتد النهى عنها إما بالاصرار والبلوغ في النهى أو بالايعاد بالنار من الكتاب أو السنة كما يظهر من موارد استدلاله عليه السلام ومنه يظهر معنى ما مر في حديث الكافي أن الكبيرة ما أوجب الله عليها النار وما مر في حديث الفقيه وتفسير العياشي أن الكبيرة ما أوعد الله عليها النار فالمراد بإيجابها وإيعادها أعم من التصريح والتلويح في كلام الله أو حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأظن أن ما نقل في ذلك عن ابن عباس أيضا كذلك فمراده بالايعاد بالنار أعم من التصريح والتلويح في قرآن أو حديث ويشهد بذلك ما في تفسير الطبري عن ابن عباس قال الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب ويتبين بذلك أن ما نقل عنه أيضا في تفسير الطبري وغيره كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ليس خلافا في معنى الكبيرة وإنما هو تكبير للمعاصي جميعا بقياس حقارة الانسان إلى عظمة ربه كما مر. والثاني أن حصر المعاصي الكبيرة في بعض ما تقدم وما يأتي من الروايات أو في ثمانية أو في تسع كما في بعض الروايات النبوية المروية من طرق السنة أو في عشرين كما في هذه الرواية أو في سبعين كما في روايات اخرى كل ذلك باعتبار اختلاف

[ 335 ]

مراتب الكبر في المعصية كما يدل عليه ما في الرواية من قوله عند تعداد الكبائر وأكبر الكبائر الشرك بالله. وفي الدر المنثور أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يا رسول الله ؟ قال الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق - والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم - والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وفيه أخرج ابن حيان وابن مردويه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات - وبعث به مع عمرو بن حزم. قال وكان في الكتاب - أن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة إشراك بالله - وقتل النفس المؤمنة بغير حق - والفرار يوم الزحف وعقوق الوالدين - ورمي المحصنة وتعلم السحر - وأكل الربا وأكل مال اليتيم. وفيه أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ألا إن شفاعتي لاهل الكبائر من امتي ثم تلا هذه الآية - إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الآية. ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما (32) - ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شئ شهيدا (33) - الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات

[ 336 ]

حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا (34) - وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (35)):

(بيان)

 الآيات مرتبطة بما تقدم من أحكام المواريث وأحكام النكاح يؤكد بها أمر الاحكام السابقة ويستنتج منها بعض الاحكام الكلية التي تصلح بعض الخلال العارضة في المعاشرة بين الرجال والنساء. قوله تعالى " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " التمني قول الانسان ليت كذا كان كذا والظاهر أن تسمية القول بذلك من باب توصيف اللفظ بصفة المعنى وإنما التمني إنشاء نحو تعلق من النفس نظير تعلق الحب بما تراه متعذرا أو كالمتعذر سواء أظهر ذلك بلفظ أو لم يظهر. وظاهر الآية أنها مسوقة للنهي عن تمني فضل وزيادة موجودة ثابتة بين الناس وأنه ناش عن تلبس بعض طائفتي الرجال والنساء بهذا الفضل وأنه ينبغي الاعراض عن التعلق بمن له الفضل والتعلق بالله بالسؤال من الفضل الذي عنده تعالى وبهذا يتعين أن المراد بالفضل هو المزية التي رزقها الله تعالى كلا من طائفتي الرجال والنساء بتشريع الاحكام التي شرعت في خصوص ما يتعلق بالطائفتين كلتيهما كمزية الرجال على النساء في عدد الزوجات وزيادة السهم في الميراث ومزية النساء على الرجال في وجوب جعل المهر لهن ووجوب نفقتهن على الرجال. فالنهي عن تمني هذه المزية التي اختص بها صاحبها إنما هو لقطع شجرة الشر والفساد من أصلها فإن هذه المزايا مما تتعلق به النفس الانسانية لما أودعه الله في النفوس

[ 337 ]

من حبها والسعي لها لعمارة هذه الدار فيظهر الامر أولا في صورة التمني فإذا تكرر تبدل حسدا مستبطنا فإذا أديم عليه فاستقر في القلب سرى إلى مقام العمل والفعل الخارجي ثم إذا انضمت بعض هذه النفوس إلى بعض كان ذلك بلوى يفسد الارض ويهلك الحرث والنسل. ومن هنا يظهر أن النهي عن التمني نهي إرشادي يعود مصلحته إلى مصلحة حفظ الاحكام المشرعة المذكورة وليس بنهي مولوي. وفي نسبة الفضل إلى فعل الله سبحانه والتعبير بقوله بعضكم على بعض إيقاظ لصفة الخضوع لامر الله بإيمانهم به وغريزة الحب المثارة بالتنبه حتى يتنبه المفضل عليه أن المفضل بعض منه غير مبان. قوله تعالى للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ذكر الراغب أن الاكتساب إنما يستعمل فيما استفاده الانسان لنفسه والكسب أعم مما كان لنفسه أو لغيره والبيان المتقدم ينتج أن يكون هذه الجملة مبينة للنهي السابق عن التمني وبمنزلة التعليل له أي لا تتمنوا ذلك فإن هذه المزية إنما وجدت عند من يختص بها لانه اكتسبها بالنفسية التي له أو بعمل بدنه فإن الرجال إنما اختصوا بجواز اتخاذ أربع نسوة مثلا وحرم ذلك على النساء لان موقعهم في المجتمع الانساني موقع يستدعي ذلك دون موقع النساء وخصوا في الميراث بمثل حظ الانثيين لذلك أيضا وكذلك النساء خصصن بنصف سهم الرجال وجعل نفقتهن على الرجال وخصصن بالمهر لاستدعاء موقعهن ذلك وكذلك ما اكتسبته إحدى الطائفتين من المال بتجارة أو طريق آخر هو الموجب للاختصاص وما الله يريد ظلما للعباد. ومن هنا يظهر أن المراد بالاكتساب هو نوع من الحيازة والاختصاص أعم من أن يكون بعمل اختياري كالاكتساب بصنعة أو حرفة أو لا يكون بذلك لكنه ينتهي إلى تلبس صاحب الفضل بصفة توجب له ذلك كتلبس الانسان بذكورية أو أنوثية توجب له سهما ونصيبا كذا. وأئمة اللغة وإن ذكروا في الكسب والاكتساب أنهما يختصان بما يحوزه الانسان

[ 338 ]

بعمل اختياري كالطلب ونحوه لكنهم ذكروا أن الاصل في معنى الكسب هو الجمع وربما جاز أن يقال اكتسب فلان بجماله الشهرة ونحو ذلك وفسر الاكتساب في الآية بذلك بعض المفسرين وليس من البعيد أن يكون الاكتساب في الآية مستعملا فيما ذكر من المعنى على سبيل التشبيه والاستعارة. وأما كون المراد من الاكتساب في الآية ما يتحراه الانسان بعمله ويكون المعنى للرجال نصيب مما استفادوه لانفسهم من المال بعملهم وكذا النساء ويكون النهي عن التمني نهيا عن تمني ما بيد الناس من المال الذي استفادوه بصنعة أو حرفة فهو وإن كان معنى صحيحا في نفسه لكنه يوجب تضييق دائرة معنى الآية وانقطاع رابطتها مع ما تقدم من آيات الارث والنكاح. وكيف كان فمعنى الآية على ما تقدم من المعنى ولا تتمنوا الفضل والمزية المالي وغير المالي الذي خص الله تعالى به أحد القبيلين من الرجال والنساء ففضل به بعضكم على بعض فإن ذلك الفضل أمر خص به من خص به لانه أحرزه بنفسيته في المجتمع الانساني أو بعمل يده بتجارة ونحوها وله منه نصيب وإنما ينال كل نصيبه مما اكتسبه. قوله تعالى واسألوا الله من فضله الانعام على الغير بشئ مما عند المنعم لما كان غالبا بما هو زائد لا حاجة للمنعم إليه سمي فضلا ولما صرف الله تعالى وجوه الناس عن العناية بما أوتي أرباب الفضل من الفضل والرغبة فيه وكان حب المزايا الحيوية بل التفرد بها والتقدم فيها والاستعلاء من فطريات الانسان لا يسلب عنه حينا صرفهم تعالى إلى نفسه ووجه وجوههم نحو فضله وأمرهم أن يعرضوا عما في أيدي الناس ويقبلوا إلى جنابه ويسألوا من فضله فإن الفضل بيد الله وهو الذي أعطى كل ذي فضل فضله فله أن يعطيكم ما تزيدون به وتفضلون بذلك على غيركم ممن ترغبون فيما عنده وتتمنون ما أعطيه. وقد أبهم هذا الفضل الذي يجب أن يسأل منه بدخول لفظة من عليه وفيه من الفائدة أولا التعليم بأدب الدعاء والمسألة من جنابه تعالى فإن الاليق بالانسان المبني على الجهل بما ينفعه ويضره بحسب الواقع إذا سأل ربه العالم بحقيقة ما ينفع خلقه وما يضرهم القادر على كل شئ أن يسأله الخير فيما تتوق نفسه إليه ولا يطنب في تشخيص ما يسأله منه وتعيين الطريق إلى وصوله فكثيرا ما رأينا من كانت تتوق نفسه إلى حاجة من الحوائج الخاصة كمال أو ولد أو جاه ومنزلة أو صحة وعافية وكان

[ 339 ]

يلح في الدعاء والمسألة لاجلها لا يريد سواها ثم لما استجيب دعاؤه وأعطى مسألته كان في ذلك هلاكه وخيبة سعيه في الحياة. وثانيا الاشارة إلى أن يكون المسؤول ما لا يبطل به الحكمة الالهية في هذا الفضل الذي قرره الله تعالى بتشريع أو تكوين فمن الواجب أن يسألوا شيئا من فضل الله الذي اختص به غيرهم فلو سأل الرجال ما للنساء من الفضل أو بالعكس ثم أعطاهم الله ذلك بطلت الحكمة وفسدت الاحكام والقوانين المشرعة فافهم. فينبغي للانسان إذا دعا الله سبحانه عندما ضاقت نفسه لحاجة أن لا يسأله ما في أيدي الناس مما يرفع حاجته بل يسأله مما عنده وإذا سأله مما عنده أن لا يعلم لربه الخبير بحاله طريق الوصول إلى حاجته بل يسأله أن يرفع حاجته بما يعلمه خيرا من عنده. وأما قوله تعالى إن الله كان بكل شئ عليما فتعليل للنهي في صدر الآية أي لا تتمنوا ما أعطاه الله من فضله من أعطاه الله إن الله بكل شئ عليم لا يجهل طريق المصلحة ولا يخطئ في حكمه.

(كلام في حقيقية قرآنية)

 اختلاف القرائح والاستعدادات في اقتناء مزايا الحياة في أفراد الانسان مما ينتهي إلى اصول طبيعية تكوينية لا مناص عن تأثيرها في فعلية اختلاف درجات الحياة وعلى ذلك جرى الحال في المجتمعات الانسانية من أقدم عهودها إلى يومنا هذا فيما نعلم. فقد كانت الافراد القوية من الانسان يستعبدون الضعفاء ويستخدمونهم في سبيل مشتهياتهم وهوى نفوسهم من غير قيد أو شرط وكان لا يسع لاولئك الضعفاء المساكين إلا الانقياد لاوامرهم ولا يهتدون إلا إلى إجابتهم بما يشتهونه ويريدونه منهم لكن القلوب ممتلئة غيظا وحنقا والنفوس متربصة ولا يزال الناس على هذه السنة التي ابتدأت سنة شيوخية وانتهت إلى طريقة ملوكية وامبراطورية. حتى إذا وفق النوع الانساني بالنهضة بعد النهضة على هدم هذه البنية المتغلبة وإلزام أولياء الحكومة والملك على اتباع الدساتير والقوانين الموضوعة لصلاح المجتمع وسعادته فارتحلت بذلك حكومة الارادات الجزافية وسيطرة السنن الاستبدادية ظاهرا وارتفع

[ 340 ]

اختلاف طبقات الناس وانقسامهم إلى مالك حاكم مطلق العنان ومملوك محكوم مأخوذ بزمامه غير أن شجرة الفساد أخذت في النمو في أرض غير الارض ومنظر غير منظره السابق والثمرة هي الثمرة وهو تمايز الصفات باختلاف الثروة بتراكم المال عند بعض وصفارة الكف عند آخر وبعد ما بين القبيلين بعدا لا يتمالك به المثري الواجد من نفسه إلا أن ينفذ بثروته في جميع شؤون حياة المجتمع ولا المسكين المعدم إلا أن ينهض للبراز ويقاوم الاضطهاد. فاستتبع ذلك سنة الشيوعية القائلة بالاشتراك في مواد الحياة وإلغاء المالكية وإبطال رؤوس الاموال وإن لكل فرد من المجتمع أن يتمتع بما عملته يداه وهيأه كماله النفساني الذي اكتسبه فانقطع بذلك أصل الاختلاف بالثروة والجدة غير أنه أورث من وجود الفساد ما لا يكاد تصيبه رمية السنة السابقة وهو بطلان حرية إرادة الفرد وانسلاب اختياره والطبيعة تدفع ذلك والخلقة لا توافقه وهيهات أن يعيش ما يرغم الطبيعة ويضطهد الخلقة. على أن أصل الفساد مع ذلك مستقر على قراره فإن الطبيعة الانسانية لا تنشط إلا لعمل فيه إمكان التميز والسبق ورجاء التقدم والفخر ومع إلغاء التمايزات تبطل الاعمال و فيه هلاك الانسانية وقد احتالوا لذلك بصرف هذه التميزات إلى الغايات والمقاصد الافتخارية التشريفية غير المادية وعاد بذلك المحذور جذعا فإن الانسان إن لم يذعن بحقيقتها لم يخضع لها وإن أذعن بها كان حال التمايز بها حال التمايز المادي. وقد احتالت الديموقراطية لدفع ما تسرب إليها من الفساد بإيضاح مفاسد هذه السنة بتوسعة التبليغ وبضرب الضرائب الثقيلة التي تذهب بجانب عظيم من أرباح المكاسب والمتاجر ولما ينفعهم ذلك فظهور دبيب الفساد في سنة مخالفيهم لا يسد طريق هجوم الشر على سنتهم أنفسهم ولا ذهاب جل الربح إلى بيت المال يمنع المترفين عن إترافهم ومظالمهم وهم يحيلون مساعيهم لمقاصدهم من تملك المال إلى التسلط وتداول المال في أيديهم فالمال يستفاد من التسلط ووضع اليد عليه وإدارته ما يستفاد من ملكه. فلا هؤلاء عالجوا الداء ولا اولئك ولا دواء بعد الكي وليس إلا لان الذي جعله البشر غاية وبغية لمجتمعه وهو التمتع بالحياة المادية بوصلة تهدي إلى قطب الفساد ولن تنقلب عن شأنها أينما حولت ومهما نصبت

[ 341 ]

والذي يراه الاسلام لقطع منابت هذا الفساد أن حرر الناس في جميع ما يهديهم إليه الفطرة الانسانية ثم قرب ما بين الطبقتين برفع مستوى حياة الفقراء بما وضع من الضرائب المالية ونحوها وخفض مستوى حياة الاغنياء بالمنع عن الاسراف والتبذير والتظاهر بما يبعدهم من حاق الوسط وتعديل ذلك بالتوحيد والاخلاق وصرف الوجوه عن المزايا المادية إلى كرامة التقوى وابتغاء ما عند الله من الفضل. وهو الذي يشير إليه قوله تعالى واسألوا الله من فضله الآية وقوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم: الحجرات - 13 وقوله ففروا إلى الله: الذاريات - 50 وقد بينا فيما تقدم أن صرف وجوه الناس إلى الله سبحانه يستتبع اعتناءهم بأمر الاسباب الحقيقية الواقعية في تحري مقاصدهم الحيوية من غير أن يستتبع البطالة في اكتساب معيشة أو الكسل في ابتغاء سعادة فليس قول القائل إن الاسلام دين البطالة والخمود عن ابتغاء المقاصد الحيوية الانسانية إلا رمية من غير مرمى جهلا هذا ملخص القول في هذا المقصد وقد تكرر الكلام في أطرافه تفصيلا فيما تقدم من مختلف المباحث من هذا الكتاب. قوله تعالى ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون الآية الموالي جمع مولى وهو الولي وإن كثر استعماله في بعض المصاديق من الولاية كالمولى لسيد العبد لولايته عليه والمولى للناصر لولايته على أمر المنصور والمولى لابن العم لولايته على نكاح بنت عمه ولا يبعد أن يكون في الاصل مصدرا ميميا أو اسم مكان اريد به الشخص المتلبس به بوجه كما نطلق اليوم الحكومة والمحكمة ونريد بهما الحاكم. والعقد مقابل الحل واليمين مقابل اليسار واليمين اليد اليمنى واليمين الحلف وله غير ذلك من المعاني. ووقوع الآية مع قوله قبل ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض في سياق واحد واشتمالها على التوصية بإعطاء كل ذي نصيب نصيبه وأن الله جعل لكل موالي مما ترك الوالدان والاقربون يؤيد أن تكون الآية أعني قوله ولكل جعلنا الخ بضميمة الآية السابقة تلخيصا للاحكام والاوامر التي في آيات الارث ووصية إجمالية لما فيها من الشرائع التفصيلية كما كان قوله قبل آيات الارث للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون الآية تشريعا إجماليا كضرب القاعدة في باب الارث تعود إليه تفاصيل أحكام الارث.

[ 342 ]

ولازم ذلك أن ينطبق من اجمل ذكره من الوراث والمورثين على من ذكر منهم تفصيلا في آيات الارث فالمراد بالموالي جميع من ذكر وارثا فيها من الاولاد والابوين والاخوة والاخوات وغيرهم. والمراد بالاصناف الثلاث المذكورين في الآية بقوله الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم الاصناف المذكورة في آيات الارث وهم ثلاثه الوالدان والاقربون والزوجان فينطبق قوله الذين عقدت أيمانكم على الزوج والزوجة. فقوله ولكل أي ولكل واحد منكم ذكرا أو انثى جعلنا موالي أي أولياء في الوراثة يرثون ما تركتم من المال وقوله مما ترك من فيه للابتداء متعلق بالموالي كأن الولاية نشأت من المال أو متعلق بمحذوف أي يرثون أو يؤتون مما ترك وما ترك هو المال الذي تركه الميت المورث الذي هو الوالدان والاقربون نسبا والزوج والزوجة. وإطلاق الذين عقدت أيمانكم على الزوج والزوجة إطلاق كنائي فقد كان دأبهم في المعاقدات والمعاهدات أن يصافحوا فكأن أيمانهم التي يصافحون بها هي التي عقدت العقود وأبرمت العهود فالمراد الذين أوجدتم بالعقد سببية الازدواج بينكم وبينهم. وقوله فآتوهم نصيبهم الضمير للموالي والمراد بالنصيب ما بين في آيات الارث والفاء للتفريع والجملة متفرعة على قوله تعالى ولكل جعلنا موالي ثم أكد حكمه بإيتاء نصيبهم بقوله إن الله كان على كل شئ شهيدا. وهذا الذي ذكرناه من معنى الآية أقرب المعاني التي ذكروها في تفسيرها وربما ذكروا أن المراد بالموالي العصبة دون الورثة الذين هم أولى بالميراث ولا دليل عليه من جهة اللفظ بخلاف الورثة. وربما قيل إن من في قوله مما ترك الوالدان والاقربون بيانية والمراد بما الورثة الاولياء والمعنى ولكل منكم جعلنا أولياء يرثونه وهم الذين تركهم وخلفهم الوالدان والاقربون. وربما قيل إن المراد بالذين عقدت أيمانكم الحلفاء فقد كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتعقل عني وأعقل عنك فيكون للحليف السدس من مال الحليف.

[ 343 ]

وعلى هذا فالجملة مقطوعة عما قبلها والمعنى والحلفاء آتوهم سدسهم ثم نسخ ذلك بقوله واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض وقيل إن المراد آتوهم نصيبهم من النصر والعقل والرفد ولا ميراث وعلى هذه فلا نسخ في الآية. وربما قيل إن المراد بهم الذين آخا بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة وكانوا يتوارثون بذلك بينهم ثم نسخ ذلك بآية الميراث. وربما قيل اريد بهم الادعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية فأمروا في الاسلام أن يوصوا لهم بوصية وذلك قوله تعالى فآتوهم نصيبهم. وهذه معان لا يساعدها سياق الآية ولا لفظها على ما لا يخفي للباحث المتأمل ولذلك أضربنا عن الاطناب في البحث عما يرد عليها. قوله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم القيم هو الذي يقوم بأمر غيره والقوام والقيام مبالغة منه. والمراد بما فضل الله بعضهم على بعض هو ما يفضل ويزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء وهو زيادة قوة التعقل فيهم وما يتفرع عليه من شدة البأس والقوة والطاقة على الشدائد من الاعمال ونحوها فإن حياة النساء حياة إحساسية عاطفية مبنية على الرقة واللطافة والمراد بما أنفقوا من أموالهم ما أنفقوه في مهورهن ونفقاتهن. وعموم هذه العلة يعطي أن الحكم المبني عليها أعني قوله الرجال قوامون على النساء غير مقصور على الازواج بأن يختص القوامية بالرجل على زوجته بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعا فالجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء مثلا الذين يتوقف عليهما حياة المجتمع وإنما يقومان بالتعقل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء وكذا الدفاع الحربي الذي يرتبط بالشدة وقود التعقل كل ذلك مما يقوم به الرجال على النساء. وعلى هذا فقوله الرجال قوامون على النساء ذو إطلاق تام وأما قوله بعد فالصالحات قانتات الخ الظاهر في الاختصاص بما بين الرجل وزوجته على ما سيأتي فهو

[ 344 ]

فرع من فروع هذا الحكم المطلق وجزئي من جزئياته مستخرج منه من غير أن يتقيد به إطلاقه. قوله تعالى فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله المراد بالصلاح معناه اللغوي وهو ما يعبر عنه بلياقة النفس والقنوت هو دوام الطاعة والخضوع. ومقابلتها لقوله واللاتي تخافون نشوزهن الخ تفيد أن المراد بالصالحات الزوجات الصالحات وأن هذا الحكم مضروب على النساء في حال الازدواج لا مطلقا وأن قوله قانتات حافظات الذي هو إعطاء للامر في صورة التوصيف أي ليقنتن وليحفظن حكم مربوط بشؤون الزوجية والمعاشرة المنزلية وهذا مع ذلك حكم يتبع في سعته وضيقه علته أعني قيمومة الرجل على المرأة قيمومة زوجية فعليها أن تقنت له وتحفظه فيما يرجع إلى ما بينهما من شؤون الزوجية. وبعبارة اخرى كما أن قيمومة قبيل الرجال على قبيل النساء في المجتمع إنما تتعلق بالجهات العامة المشتركة بينهما المرتبطة بزيادة تعقل الرجل وشدته في البأس وهي جهات الحكومة والقضاء والحرب من غير أن يبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الارادة الفردية وعمل نفسها بأن تريد ما أحبت وتفعل ما شاءت من غير أن يحق للرجل أن يعارضها في شئ من ذلك في غير المنكر فلا جناح عليهم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تنفذ للمرأة في ما تملكه إرادة ولا تصرف ولا أن لا تستقل المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية والدفاع عنها والتوسل إليها بالمقدمات الموصلة إليها بل معناها أن الرجل إذ كان ينفق ما ينفق من ماله بإزاء الاستمتاع فعليها أن تطاوعه وتطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور وأن تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره وأن تمتع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتع منها بذلك ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال وسلطها عليه في ظرف الازدواج والاشتراك في الحياة المنزلية. فقوله فالصالحات قانتات أي ينبغي أن يتخذن لانفسهن وصف الصلاح وإذا كن صالحات فهن لا محاله قانتات أي يجب أن يقنتن ويطعن أزواجهن إطاعة دائمة فيما أرادوا منهن مما له مساس بالتمتع ويجب عليهن أن يحفظن جانبهم في جميع ما لهم من الحقوق إذا غابوا.

[ 345 ]

وأما قوله بما حفظ الله فالظاهر أن ما مصدرية والباء للآلة والمعنى إنهن قانتات لازواجهن حافظات للغيب بما حفظ الله لهم من الحقوق حيث شرع لهم القيمومة وأوجب عليهن الاطاعة وحفظ الغيب لهم. ويمكن أن يكون الباء للمقابلة والمعنى حينئذ أنه يجب عليهن القنوت وحفظ الغيب في مقابلة ما حفظ الله من حقوقهن حيث أحيا أمرهن في المجتمع البشري وأوجب على الرجال لهن المهر والنفقة والمعنى الاول أظهر. وهناك معان ذكروها في تفسير الآية أضربنا عن ذكرها لكون السياق لا يساعد شيئا منها. قوله تعالى واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن النشوز العصيان والاستكبار عن الطاعة والمراد بخوف النشوز ظهور آياته وعلائمه ولعل التفريع على خوف النشوز دون نفسه لمراعاة حال العظة من بين العلاجات الثلاث المذكورة فإن الوعظ كما أن له محلا مع تحقق العصيان كذلك له محل مع بدو آثار العصيان وعلائمه. والامور الثلاثة أعني ما يدل عليه قوله فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن وإن ذكرت معا وعطف بعضها على بعض بالواو فهي امور مترتبة تدريجية فالموعظة فإن لم تنجح فالهجرة فإن لم تنفع فالضرب ويدل على كون المراد بها التدرج فيها أنها بحسب الطبع وسائل للزجر مختلفة آخذه من الضعف إلى الشدة بحسب الترتيب المأخوذ في الكلام فالترتيب مفهوم من السياق دون الواو. وظاهر قوله واهجروهن في المضاجع أن تكون الهجرة مع حفظ المضاجعة كالاستدبار وترك الملاعبة ونحوها وإن أمكن أن يراد بمثل الكلام ترك المضاجعة لكنه بعيد وربما تأيد المعنى الاول بإتيان المضاجع بلفظ الجمع فإن المعنى الثاني لا حاجة فيه إلى إفادة كثرة المضجع ظاهرا. قوله تعالى فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إلخ أي لا تتخذوا عليهن علة تعتلون بها في إيذائهن مع إطاعتهن لكم ثم علل هذا النهي بقوله إن الله كان عليا كبيرا وهو إيذان لهم أن مقام ربهم على كبير فلا يغرنهم ما يجدونه من القوة والشدة في أنفسهم فيظلموهن بالاستعلاء والاستكبار عليهن.

[ 346 ]

قوله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا الشقاق البينونة والعداوة وقد قرر الله سبحانه بعث الحكمين ليكون أبعد من الجور والتحكم وقوله إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما أي إن يرد الزوجان نوعا من الاصلاح من غير عناد ولجاج في الاختلاف فإن سلب الاختيار من أنفسهما وإلقاء زمام الامر إلى الحكمين المرضيين يوجب وفاق البين. واسند التوفيق إلى الله مع وجود السبب العادي الذي هو إرادتهما الاصلاح والمطاوعة لما حكم به الحكمان لانه تعالى هو السبب الحقيقي الذي يربط الاسباب بالمسببات وهو المعطي لكل ذى حق حقه ثم تمم الكلام بقوله إن الله كان عليما خبيرا ومناسبته ظاهرة.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21398841

  • التاريخ : 18/04/2024 - 08:24

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net