00989338131045
 
 
 
 
 
 

 القسم السادس 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التفسير البنائي للقرآن الكريم ـ الجزء الاول   ||   تأليف : الدكتور محمود البستاني

                                   القسم السادس

 

هذا القسم من السورة مخصص لبيان الأحكام الشرعية من: قصاص، وإنفاق، وصوم، ووصية، وحج، وجهاد، ونكاح، وطلاق...الخ. حيث مهّدت له الآية الأخيرة من القسم الخامس (ليس البر...). إلا أن تخصيصه بها لا يعني انحصاره فيها بقدر ما هو الغالب فيها، ولذلك فإن موضوعات أخرى ومن مقدمتها سلوك الكتابيين ـ اليهود بخاصة ـ يظل متخللاً هذا القسم بمثابة عنصر رابط بينه وبين الأقسام السابقة. وإذا كان القسم الثالث من السورة

 

______________________________________________________

الصفحة 95

 

قد تخصص للحديث عن الإسرائيليين مع تطعيمه بالأحكام، فإن القسم السادس يظل على عكس ذلك، فيما يكشف هذا التقابل بينهما عن أحد أبعاد التجانس في هيكل السورة. وأما العناصر الأخرى الرابطة بين هذا القسم وسابقه، فإن (الأحكام) تظل بمثابة مفردات تفصيلية لما تضمّنه القسم الخامس من موضوعات تتصل بسلوك المؤمنين، كما أن القسم الرابع من السورة (وهو مخصص لشخصية إبراهيم عليه السلام) سيجد له صدىً في القسم السادس، متمثلاً في ظاهرة (الإحياء والإماتة) التي تشكّل أحد محاور السورة الكريمة.

وبهذا نتبين كيفية تشابك الأقسام في هذه السورة بحيث تجسّد شبكة من الشخوص والموضوعات والأفكار التي يرتبط أحدها بالآخر، فتجد أفكاراً مثل (الاتقاء) تمتد من أول السورة إلى آخرها في جميع أقسامها مع التركيز عليها في القسم الأخير وتتويجه بظاهرة (الأحكام) التي تعد محكّاً للاتقاء. وهذا التركيز في القسم الأخير يتناسب مع صلة الختام بالمقدمة التي أثارت هذا الموضوع، ونجد أفكاراً مثل (الإحياء والإماتة) تتخلل الأقسام جميعاً مع ملاحظة أن العنصر القصصي يظل ميداناً لإثارة هذه الفكرة: حيث أن تجسيدها في قصص حيّة يظل أكثر إثارة وأشدّ إقناعاً للقارئ، وهكذا تتآزر الخطوط المختلفة فيما بينها على نحو ما سنلحظه عند حديثنا عن القسم السادس، فيما قلنا أنه يغلب عليه عنصر (الأحكام الشرعية)، وفيما قلنا أن طرح هذه الأحكام قد خضع لصياغة هندسية ممتعة هي تذييل كل حكم منها بفكرة (الاتقاء) بحيث يشكّل مفهوم (الاتقاء)، محطة توقّفٍ عند كل رحلة من الرحلات التي يقطعها النص لبيان هذا الحكم أو ذاك، سواء أكانت المحطة في وسط الرحلة أو في آخرها.

وإليك سلسلة الأحكام التي بدأ كل واحدٍ منها ببيان نوعه، وانتهى بعبارة

 

______________________________________________________

الصفحة 96

 

(الاتقاء)، أو توقف في وسط ذلك:

ـ القصاص: (يا أيها الذين آمنوا: كُتب عليكم القصاص... لعلكم تتقون).

ـ الوصية: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية... حقاً على المتقين).

ـ الصوم: (يا أيها الذين آمنوا: كتب عليكم الصيام... لعلّكم تتّقون).

ـ الأهلة: (يسألونك عن الأهلة... ولكن البرّ من اتقى... واتقوا الله...).

 

ـ الجهاد: (وقاتلوا في سبيل الله..... أن الله مع المتقين).

 

ـ الحج: (واتموا الحج.......... واتقوا الله...).

 

(الحج أشهر معلومات... وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون..).

 

(واذكروا الله في أيام معدودات.......... واتقوا الله...).

 

ـ النكاح: (نساءكم حرث لكم............ واتقوا الله....).

 

ـ الطلاق: (للذين يؤلون......... واتقوا الله......).

 

(وإن طلقتموهن........ وأن تعفو أقرب للتقوى).

 

(وللمطلقات متاع بالمعروف، حقاً على المتقين).

 

إن فكرة (الاتقاء) وصياغتها بهذا النحو الهندسي يكشف دون أدنى شك عن جمالية فائقة في عمارة هذا القسم من السورة... كما أن هناك خطوطاً فرعية تشكل بدورها نسقاً هندسياً في صياغة الأحكام، وهذا من نحو النسق التعبيري في نماذج من نحو:

 

ـ القصاص: (كتب عليكم القصاص..).

 

ـ الوصية: (كتب عليكم...الوصية...).

 

______________________________________________________

الصفحة 97

 

ـ الصوم: (كتب عليكم الصيام).

 

ومن نماذج من نحو:

 

ـ الأهلة: (يسألونك عن الأهلة...).

 

ـ الإنفاق: (يسألونك ماذا ينفقون..).

 

ـ الخمر والميسر: (يسألونك عن الخمر والميسر...).

 

ـ اليتامى: (يسألونك عن الشهر الحرام...).

 

ـ الإنفاق أيضاً: (يسألونك ماذا ينفقون...).

 

ـ المحيض: (يسألونك عن المحيض..).

 

ومن نماذج من نحو:

 

ـ الافتراق: (فلا جناح عليهما فيما افتدت...).

 

ـ الافتراق: (فلا جناح عليهما أن يتراجعا).

 

ـ الافتراق: (فلا جناح عليهما، وإن أردتم أن تسترضعوا...).

 

ـ الافتراق: (فلا جناح عليكم إذا سلمتم...).

 

ـ الافتراق: (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف...).

 

ـ الافتراق: (ولا جناح عليكم فيما عرّضتم....).

 

ـ الافتراق: (لا جناح عليكم إن طلقتم...).

 

ـ الافتراق: (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف).

 

هذه النماذج وسواها من الأنساق الهندسية، تخضع لجملة سمات:

ـ الاستهلال: حيث تُستهل العبارات المتماثلة في أول الحكم أو أول الآية... مثل (كتب...) و(يسألونك) الخ...

ـ الاختتام: حيث يختم بها الحكم أو الآية مثل (الاتقاء).

 

______________________________________________________

الصفحة 98

 

ـ التكرار الجزئي: حيث تتكرر العبارة مع كل جزئية من أجزاء الحكم كما هو ملاحظ في (الطلاق) (أي عبارة: لا جناح).

ـ التكرار البنيوي: ونقصد به ما يتكرر من العبارات: حسب خضوع الأحكام لوحدة مشتركة بينها مثل أفعال الحج حيث أن بعضها ينتسب إلى ممارسات حركية أو مادية مثل الحلق والهدي حيث ذيلت بمطالبة الاتقاء (وأتموا الحج.... واتقوا الله)، وبعضها ينتسب إلى ممارسات أخلاقية مثل عدم الكذب والحلف حيث ذيلت بالاتقاء (الحج أشهر معلومات.... فلا رفث ولا فسوق ولا جدال..... واتقون...) وبعضها ينتسب إلى ممارسات وجدانية كالدعاء حيث ذيّلت بالاتقاء (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله... واذكروه كما هداكم... واستغفروا الله.... فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله.... واذكروا الله في أيام معدودات.... واتقوا الله).

فالملاحظ هنا أن أفعال الحج الثلاثة، أي: ما يتطلّب ممارسة حركية وأخلاقية ووجدانية قد ذُيّل كل واحدٍ منها بعبارة (الاتقاء). وهذا التذييل ينطوي على جملة حقائق فنية تتصل بعمارة النص، منها: أن الاتقاء الذي يشكل أحد محاور النص في أقسامه جميعاً قد تمّت صياغته في القسم السادس وفق نسق هندسي يُختم به حيناً حكم مستقل (كالقصاص والوصية والصوم)، ويُختم به حينا حكم جزئي داخل الحكم الشكلي مثل أفعال الحج، حيث يكشف هذا النمط من التكرار للاتقاء عن أهمية الممارسات الثلاث من جانب كونها متميزة في خطوطها الحركية أو الأخلاقية أو الوجدانية من جانب آخر.

 

* * *

 

والآن، إذا تركنا هذا البُعد الفني من أبعاد التناسق الهندسي للنص، متمثلة من خطوط (التماثل) بينها، حينئذٍ نواجه نسقاً هندسياً آخر، يتمثل من خطوط (التقابل) بينها:

 

______________________________________________________

الصفحة 99

 

وهذا ما نلحظه في نموذج (عن أحكام الجهاد) مثل:

 

(قاتلوا الذين ـ يقاتلونكم).

 

(أخرجوهم ـ من حيث أخرجوكم).

 

(لا تقاتلوهم ـ حتى يقاتلوكم).

 

(فإن قاتلوكم ـ فاقتلوهم).

 

(الشهر الحرام ـ بالشهر الحرام).

 

(فمن اعتدى ـ فاعتدوا عليه).

 

وما نلحظه في نموذج (عن أحكام الزواج) مثل:

ـ لا تنكحوا المشركات ـ لا تنكحوا المشركين.

ـ ولو أعجبتكم ـ ولو أعجبكم.

ـ أمة مؤمنة ـ عبد مؤمن.

ـ أولئك يدعون إلى النار ـ والله يدعو إلى الجنة.

وتلاحظ جملة من السمات العضوية التي تحكم البناء العماري في صعيد (التقابل) بين خطوطه المشار إليها، منها:

ـ الارتباط العضوي بين أول الأحكام (القصاص) وبين انعكاساته على بعض المفردات مثل (القتال) حيث أشار النص عند حديثه عن مفردات القتال إلى عبارة (والحرمات قصاص) وأورد نموذجاً للقصاص هو (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه...الخ) كما أورد نماذج للتقابل بين المقاتلة والإخراج...الخ.

ومنها: انعكاس أول الأحكام أيضاً (وهو القصاص) على أحكام الزواج، حيث اكتفى النص من نماذج القصاص بسرد ما يلي (الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى). وهذه النماذج قد (قابل) النص فيما بينها بالنسبة إلى الزواج ـ كما لحظنا.

 

______________________________________________________

الصفحة 100

 

ومنها: إن هناك تناسقاً بين الموضوع ذاته وبين (التقابل) بين خطوطه، فالزواج بصفته اتحاداً بين كائنين: ذكر وأنثى ـ وهما متقابلان ـ قد فرض عملية (التقابل الهندسي) بين المشرك والمشركة، بين المؤمن والمؤمنة، بين العبد والأمة، بين الحر والعبد.

 

* * *

 

وإذ ندع هذه الجوانب المرتبطة بأبعاد (التماثل) و(التقابل) بين الخطوط التي تنتظم موضوعات القسم السادس، واتجهنا إلى الموضوعات ذاتها من حيث تسلسلها، وجدنا أن الرابط العضوي بينها يتخذ طرائق متنوعة، حيث يتم الانتقال من حكم إلى آخر وفق آليات قد تأتي على شكل (تمهيد) أو (طابع مشترك) أو محطات للتوقف. أو يتم الانتقال من موضوع إلى آخر (بغض النظر عن كونه حكماً شرعياً أو سواه) وفقاً للآليات المتقدمة، وآليات أخرى مثل (الموضوعات المعترضة) التي تقطع سلسلة الموضوع لتكشف عن أهمية ما اعترض من الموضوعات، ومثل: تقطيع الموضوع إلى جزئيات يتناول كل مقطع واحداً منها ثم تُستكمل وفق توزيع هندسي على المقاطع التي تنظم هذا القسم من السورة.

ويمكننا ملاحظة هذه المستويات حينما نبدأ مع أول الموضوعات لهذا القسم وهو (القصاص) حيث نجده قد (مُهد) له بما طُرح في نهاية القسم الخامس... ثم نجد هذا الحكم (القصاص) قد طرح بعض المفهومات التي تنعكس على الأحكام اللاحقة كالجهاد والزواج ونحوهما، ثم نواجه حكمين آخرين هما (الوصية) و(الصوم)، حيث شكل مفهوم (الاتقاء) ـ أي تذييل كل واحد من هذه الأحكام المتسلسلة الثلاثة لعبارة (الاتقاء) ـ تشكل (محطة توقف) تربط بين الموضوعات الثلاثة. ويجيء الموضوع الرابع من الأحكام (وهو الرشوة في الحكم) غير مذيّل بعبارة (الاتقاء) أي يجيء بمثابة جملة

 

______________________________________________________

الصفحة 101

 

معترضة تكشف عن أهمية هذا الحكم واستهداف النص توصيله إلى القارئ للفت نظره: علماً بأن الموضوعات المرتبطة بما هو (تعامل مالي) تظل متوزعة في مقاطع متباعدة ومتقاربة في هذا القسم من السورة، حيث يذيّل بعضها بعبارة (الاتقاء)، مما يكشف أن عدم تذييل هذا الحكم أو ذاك بالعبارة المذكورة: إنما هو بصفته جزءاً من ظاهرة (عامة) تتطلّب حيناً أن يُديل بعضها بالعبارة المذكورة وحيناً آخر لا يتطلب ذلك: حسب السياق. وقد سبق أن لحظنا كيف أن مقاطع ثلاثة من الحج (الممارسات الحركية والأخلاقية والوجدانية) قد ذُيّل كل واحد منها بعبارة (الاتقاء) مع أنها جميعاً تنسب إلى أحكام الحج، مما يعني أن السياق هو الذي يحدد ذلك.

بعد ذلك نواجه موضوعاً جديداً هو الأهلة: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها، واتقوا الله لعلكم تفلحون) [البقرة: 189].

وهذا الموضوع (من حيث صلته العضوية بما سبقه وبما يلحقه) يظل من جانب محكوماً بآلية عضوية هي كونه محطة توقف حيث ذيّل بعبارة (الاتقاء) وهي قوله تعالى (واتقوا الله لعلكم تفلحون) وبهذا يكون الموضوع امتداداً لكل من القصاص والوصية والصوم، كما أنه من حيث صلته بالأقسام السابقة من السورة يظل مرتبطاً بقسمها الخامس أي (التمهيد) القائل (ليس البر...) الخ حيث أن عبارة (ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى) هي صدىً للآية (ليس البر أن تولوا وجوهكم... ولكن البر مَن آمن...) ومن جانب ثالث يظل هذا الموضوع (استكمالاً) لما طرح من موضوعات الحج في الأقسام السابقة من السورة، و(تمهيداً) أو جزءاً جديداً من الأجزاء التي ستتوزع على القسم السادس من السورة، حيث سنجد أن الحج يجسد واحداً من الموضوعات التي تتوزع أجزاؤه في مقاطع متنوعة، كل

 

______________________________________________________

الصفحة 102

 

مقطع منها يتناول جزءاً من ممارسات الحج. ومن جانب رابع نجد أنّ (الأهلة) تظل على صلة بموضوعات (الصوم) وما طرحه من ظاهرة (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، ثمّ ما نلحظه لاحقاً من موضوعات (الجهاد) وصلته بالأشهر الحرم، فضلاً عن أشهر الحجّ، وفضلاً عن موضوعات الطلاق وسواها مما ترتبط جميعاً بعنصر (الزمن).

إذن، أمكننا ملاحظة هذا الموضوع الذي طرحه النص وتشابكه العضوي المدهش مع موضوعات هذا القسم من السورة وأقسامها السابقة.

بعد ذلك نواجه موضوعاً جديداً هو (الجهاد)، حيث ذيّل بعبارة (الاتقاء) (وقاتلوا في سبيل الله... واتقوا الله، واعلموا أنّ الله مع المتقين) ولا حاجة بنا إلى تبيين الموقع العضوي لهذا الحكم وعلاقته بعبارة النص، حيث أن تذييله بعبارة (الاتقاء) ـ فضلاً عن سبقها بعبارة الاتقاء أيضاً ـ يكشف عن كونه محطّة توقّف مشتركة بين القصاص والوصية والصوم والأهلّة والجهاد، كما أن الخطوط العضوية الأخرى تظل واضحة في هذا المقطع، منها: الصلة العضوية بين ما طرحه أول الأحكام (أي القصاص) وبين انعكاسات بعض مفرداته في هذا المقطع مثل قوله تعالى: (والحرمات قصاص)... ومنها: الطابع المشترك بين هذا المقطع في قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله) وبين المقطع اللاحق له وهو (الإنفاق) حيث صيغ بالعبارة ذاتها:

(وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إنّ الله يحب المحسنين)... وبهذا نتبيّن موضوعاً جديداً هو (الإنفاق) حيث لم يذيل بعبارة (الاتقاء)، إلا أن مجيئه في سياق (الجهاد) وكونه متجانساً مع القتال في سبيل الله، حيث أنّ الجهاد بالنفس والمال هما التجسيد الحي لمفهوم الجهاد، يكشف عن أحد محاور البناء العضوي بين الموضوعات، مضافاً إلى كونه (أي الإنفاق) يجسد واحداً من الموضوعات التي (تتوزع) أجزاؤه على مقاطع

 

______________________________________________________

الصفحة 103

 

متنوعة من هذا القسم السادس من السورة الكريمة.

 

ثم نواجه بعد ذلك موضوعاً جديداً هو (الحج) حيث ذُيّل بعبارات الاتقاء ثلاث مرات بالنحو الذي عرضنا له في حينه، مما لا يحتاج إلى توضيح الصلة العضوية بينه وبين موضوعات النص.

هنا يقطع النص سلسلة الأحكام بشرائح من سلوك الفئات المتنوعة التي عرض لها في الأقسام السابقة، حيث يطرحها في سياق جديد ليعود بعدها إلى وصل سلسلة الأحكام.

فما هي هذه الموضوعات الطارئة أو المعترضة، وما هو موقعها الهندسي من هذا القسم من السورة الكريمة.

أول الموضوعات هو: عرض الشريحة من سلوك المنافقين الذين استهل الحديث عنهم في القسم الأول من السورة. بيد أن السياق الجديد الذي ورد فيه رسمُ المنافق جاء في صعيد تذييله بعبارة (الاتقاء) التي تشكل رابطاً عضوياً بين موضوعات القسم السادس (فضلاً عن كونها أحد محاور السورة الكريمة: كما هو واضح) يقول النص (ومن الناس من يعجبك قوله.... وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم...) إذن: (الاتقاء) هو الرابط أو السياق الجديد لموضوع المنافقين. أما الموضوع الذي يليه فيشكل مقابلاً لسلوك المنافقين وهو قوله تعالى (ومن الناس من يشري...) الخ حيث أن اشتراء مرضات الله تعالى تقف (مقابلاً) لأخذ العزة بالإثم، فيعدّ استكمالاً للموضوع السابق.

بعد ذلك نواجه موضوعاً جديداً هو: عرض لشريحة من سلوك الإسرائيليين، وهذا الموضوع بدوره يظل من جانب على صلة بالأقسام السابقة من السورة حيث يشكّل سلوكهم غالبية السورة كما رأينا، ويظل من جانب آخر على صلة بالسياق الذي ورد فيه الحديث، ونعني به: ظاهرة (الاتقاء) يقول النص (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بيّنة ومن يبدّل نعمة الله من بعد ما

 

______________________________________________________

الصفحة 104

 

جاءته، فإن الله شديد العقاب * زُيّن للذين كفروا الحياة الدنيا، ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة...) [البقرة: 211 ـ 212]. لنلاحظ كيف أن الآية الأولى لخّصت حصيلة القسم الثالث من السورة فيما تمحض للحديث عن الإسرائيليين، وفيما كان التركيز على نعم الله تعالى عليهم وكفرانهم بها، وهو ما لخّصته الآية التي نحن في صددها (كم آتيناهم من آية... ومن يبدل نعمة الله...). وأما الآية الثانية فلا تحتاج إلى التعقيب ما دام ورودها في سياق (الاتقاء) يكشف عن موقعها الهندسي من عمارة هذا القسم الذي نتحدث عنه.

أخيراً، نواجه موضوعاً هو: نشأة المجتمع البشري والإشارة إلى تراثه الاجتماعي (كان الناس أمة واحدة...) ثم نواجه موضوعاً آخر هو (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهُمُ البأساء والضراء...) الخ. وهذان الموضوعان هما امتداد للموضوعات السابقة من حيث المقارنة بين مطلق الكفار ومطلق المؤمنين: الكفار الذين آثروا الحياة الدنيا وسخروا من المؤمنين، والمؤمنين الذين (اتقوا) الله تعالى حيث كانت الآية التي سبقت هذين الموضوعين (... ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) تفرز بين نمطي البشر: المؤمن والكافر، وتشير إلى موقع المؤمنين في اليوم الآخر، وحيث جاء الموضوعان (نشأة المجتمع البشري وكونه قد اختلف فيما بينه وإهداء الله تعالى للمؤمنين) وكون المؤمنين الذين يحتلون موقعاً أخروياً لابدّ أن يدفعوا عن ذلك وهو الموضوع الأخير (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة...) أولئك جميعاً يوضح صلة الموضوعين الأخيرين بما سبقهما، فضلاً عن صلة الموضوع الأخير (مستهم البأساء والضراء) بالتمهيد الذي خُتِم به القسم الخامس من السورة حيث جاءت الإشارة إلى (والصابرين في البأساء والضراء) ملقية بإنارتها على الموضوع الأخير الذي نتحدث عنه.

 

______________________________________________________

الصفحة 105

 

والآن، بعد أن لحظنا الموقع الهندسي لهذه الموضوعات الطارئة وصلتها بموضوعات القسم السادس، فضلاً عن صلتها بموضوعات الأقسام الأخرى، نواجه عوداً إلى متابعة سلسلة (الأحكام) التي اضطلع القسم السادس من السورة برسمها، حيث تطالعنا أحكام تتصل بالإنفاق والجهاد والخمر والميسر واليتم، أما الموضوعان الأولان (أي الإنفاق والجهاد) فقد سبق طرحهما في هذا القسم، إلا أنهما ـ كما سبق القول ـ يتكرران في سياق جديد، حتى أن الانفاق يتكرر مرتين في السياق الجديد، ومعهما الموضوعات الثلاثة الأخرى: الخمر، الميسر، اليتم ـ وتخضع جميعاً إلى نسق هندسي سبقت الإشارة إليه وهو العبارة الاستهلالية (يسألونك):

(يسألونك ماذا ينفقون: قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل)...

 

(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)...

 

(يسألونك عن الخمر والميسر)...

 

(ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)...

 

(ويسألونك عن اليتامى)...

 

طبيعياً، أن إخضاع هذه الموضوعات لمحطّة حركة أي الاستهلال لها بعبارة (يسألونك) (مقابل التذييل الذي يعد محطة توقّف: مثل عبارة الاتقاء). يظل تعبيراً عن أحد أشكال الوحدة العضوية بين الموضوعات. فإذا كانت موضوعات القصاص والوصية والصوم والأهلّة والحج والجهاد...الخ قد خضعت لنسق هندسي هو التذييل لها بعبارة (الاتقاء) فإنّ الأحكام الخمسة عن الإنفاق والقتال والخمر والميسر واليتم قد خضعت لنسق هندسي يقوم على عنصر (التقابل) من جانب و(التنوع) من جانب آخر. أما التقابل فيتمثل في كون الأولى خاضعة لوحدة عضوية: من حيث (الختام) لكل حكم، وكون

 

______________________________________________________

الصفحة 106

 

الثانية خاضعة لوحدة عضوية: من حيث (الاستهلال) لكل حكم، حيث أن (الاستهلال) يقابل (الاختتام)، وأما (التنوّع) فيتمثل في كون كل منهما يرد في سياق مختلف عن الآخر، إلا أنهما يخضعان (لوحدة) هي: عرض الأحكام ذاتها، وهو ما يطلق عليه مصطلح (التباين من خلال الوحدة) مقابل مصطلح (الوحدة من خلال التباين)، حيث تجسّد هذه القاعدة الفنية واحدةً من أهمّ القواعد المرتبطة بالبناء الهندسي للنص.

 

* * *

 

نواجه بعد ذلك ـ في سلسلة الأحكام ـ ظواهر جديدة هي: الزواج والطلاق...الخ. وقد خضع رسم هذه الظاهرة لنفس الربط العضوي بين الأحكام ونعني به تذييلها بمفهوم (الاتقاء) حيث بدأ الرسم بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات... ويسألونك عن المحيض.... واتقوا الله...) فجاء (الاتقاء) رابطاً عضوياً بين موضوعات هذا القسم: كما هو ملاحظ. بيد أن الربط العضوي لا يقف عند هذه المحطة، بل يتشابك مع خطوط هندسية أخرى تسهم جميعاً في الإحكام الهندسي للنص، منها: ما سبقت الإشارة إليه من سمة (التقابل) التي اشتركت فيها موضوعات القصاص والجهاد والزواج ومنها: سمة الاشتراك في عبارة (ويسألونك) حيث أشرنا إلى أن ظواهر الخمر والميسر واليتم والإنفاق...الخ قد خضعت لبناء هندسي هو الاستهلال لها بعبارة (ويسألونك...) حيث استهل أحد الموضوعات المتصلة بالزواج وممارساته ومنها الحيض بالعبارة ذاتها (ويسألونك عن المحيض...).

إذن: جاءت الخطوط العامة (التذييل بعبارة (الاتقاء)) والخطوط الجزئية (التقابل والاستهلال)، معبّرة عن مزيد من الإحكام الهندسي للنص.

بعد ذلك: نواجه ظاهرة (الافتراق بين الزوجين أو الطلاق)،... ومن الواضح أنّ الرابط العضوي بين الزواج والطلاق يظلّ أمراً لا يحتاج إلى

 

______________________________________________________

الصفحة 107

 

التعقيب، إلاّ أن النص ـ مضافاً إلى ذلك ـ قد أخضع رَسْمَ موضوعاته إلى خطوط أخرى من الترابط العضوي فيما بينها، ومنها: التذييل بظاهرة (الاتقاء) التي تشكّل محطة توقّف لجميع الموضوعات كما كررنا، حيث جاءت هذه العبارة (متكررة) في جملة من المواقع تماثل ما لحظناه من تكرارها في موضوعات الحجّ فيما أوضحنا سببها الفني في عملية التكرار، وفيما نلحظ أسباباً مماثلة هنا في تكرار العبارة (الاتقاء) في جملة مواقع هي: استرضاع الأولاد حيث ذُيّلت بقوله تعالى (واتقوا الله...) وإمتاع المطلقة قبل الدخول بها حيث ذيلت بعبارة (وأن تعفوا أقرب للتقوى)، وأمتاعها بنحو مطلق حيث صيغت العبارة بهذا النحو (وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين) وبها خُتِم الحديث عن ظاهرة الطلاق. ولا حاجة بنا إلى توضيح السياقات المتنوعة التي فرضت مثل هذا التكرار، حيث أن الاختتام لموضوع الطلاق بالعبارة المتقدمة يشكّل تناسقاً مع سائر الموضوعات التي ختمت بالعبارة المذكورة، وحيث أن تخصيصها لموضوع مثل استرضاع الأولاد وموضوع مثل إمتاع المطلقة يفصح عن أهمية ذينك الموضوعين، فضلاً عن أن طبيعة الموضوع تفرض صياغة خاصة لمفهوم (الاتقاء) حيث لحظنا ـ على سبيل المثال ـ أن صياغتها بالنسبة إلى إمتاع المطلقة قبل الدخول بها جاء في سياق العفو عن ذلك، ولذا جاءت العبارة مصحوبة بالعفو الذي هو أقرب للتقوى (وأن تعفوا أقرب للتقوى).

وهذا فيما يتصل بالرابط العضوي العام لهذا القسم من السورة. أمّا ما يتصل بخطوطه الجزئية وترابطها العضوي، فنلحظ نمطاً من الربط العضوي بين الطلاق وبين أحد أشكال الافتراق الذي يُطلق عليه مصطلح (الإيلاء) حيث يقترن هذا الحكم بظاهرة الحلف على عدم الممارسة الجنسية، وهو ما بدأ به موضوع الطلاق حيث استهل بقوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق...الخ)

 

______________________________________________________

الصفحة 108

 

[البقرة: 226 ـ 227]، فالملاحظ أن النص بدأ بالحديث عن الطلاق وأحكامه من خلال أحد أشكال الافتراق الموقت (الإيلاء) ثم ربط به موضوعات الطلاق الأخرى. بيد أن الملفت للنظر هو: أن النص قبل أن يتحدث عن الطلاق، أي بعد أن انتهى من موضوع الزواج، قطع سلسلة الموضوعين المرتبط أحدهما بالآخر (الزواج والطلاق) قطعها من خلال إدراجه حكماً جديداً هو (اليمين) حيث بدأه بهذا النحو (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم...الخ) [البقرة: 224] ثم وصله بالإيلاء ثم بالطلاق.

والأهمية الفنية لمثل هذه الصياغة المدهشة عضوياً هي: أن النص ـ وهذا نكرّره دوماً ـ عندما يقطع سلسلة الحديث عن موضوع ما، ثم يعود إليه بعد ذلك، إنما يستهدف لفت النظر إلى أهمية الموضوع الذي اعترض السلسلة وهو (اليمين)، إلا أن النص سلك منحى هندسياً بالغ الإثارة والجمال حينما (جَانَسَ) بين الموضوع المعترض (اليمين) وبين سلسلة الأحكام المتصلة بالزواج والإيلاء والطلاق، حيث استثمر الحديث عن أهمية (اليمين) وضرورة التحفظ حياله، ليربط بين اليمين وبين أحد أشكال الافتراق الموقت الذي يتم من خلال (اليمين) أيضاً وهو (الإيلاء) أي: اليمين على عدم الممارسة، ثم استثمر الحديث عن (الإيلاء) الذي هو أحد أشكال الافتراق الموقت ليتحدث عن الافتراق في شتى مستوياته وهو (الطلاق).

إذن: أمكننا ملاحظة هذا المنحى الهندسي الممتع في صياغة الموضوعات صياغة تعتمد الربط العضوي بنحوه المحكم الذي لحظناه.

 

* * *

 

ومن الموضوعات التي طرحها النص في سياق حديثه عن الطلاق، نواجه من جديد موضوعات طارئة يعترض بها النص حديثه عن الطلاق ويقطع سلسلته ليحدثنا عنها، وهي الآيتان المرتبطتان بالمحافظة على الصلاة،

 

______________________________________________________

الصفحة 109

 

وبالصلاة الوسطى خاصة (أي الظهر)، وبصلاة الخوف (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين * فإن خفتم فرجالاً أو رُكباناً فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) [البقرة: 238]. إنّ إدراج الصلاة ضمن أحد الأحكام (الطلاق) وقطع سلسلته يعني لفت النظر لأهميتها حيث جاءت لتطرح موضوعات جديدة عن الصلاة من حيث المحافظة على أوقاتها، ومن حيث أهمية صلاة الظهر ومن حيث أهمية صلاة الخوف. جاء ذلك بين موضوعين، أولهما في الطلاق، والآخر في الوفاة، وكلاهما يتداعيان بالذهن إلى قطع أهم العلاقات الدنيوية بأهم محاورها عاطفياً، لذلك فإن التذكير بأهم المحاور أخروياً ـ وهو الصلاة ـ سيتداعى بأذهاننا إلى استحضار وظيفتنا العبادية في غمرة العلاقات الدنيوية وتفككها بالطلاق وبالموت...

ويلاحظ أن النص عندما قطع سلسلة الحديث عن الطلاق وأدرج الصلاة في هذا الموقع وإنما أنهى حديثه عن الطلاق من خلال تذييله بظاهرة (ـ الاتقاء ـ وإن تعفوا أقرب للتقوى)، وهذا هو أحد محاور البناء العضوي الذي يفسّر لنا سببية التكرار لمفهوم الاتقاء، مع أنه يتحدث عن موضوع واحد هو الطلاق. ويلاحظ أيضاً أن النص عندما عاد إلى الحديث عن الطلاق إنما اكتفى منه بعرض ظاهرتين هما: الإمتاع المرتبط بالوفاة، والإمتاع مطلقاً، وذيّل ذلك بمفهوم (الاتقاء) أيضاً ليشكل بذلك ختاماً للموضوع، أي الطلاق، والاتجاه من ثم إلى طرح موضوعات جديدة. ولعل ما ينبغي الوقوف عنده هو ملاحظة أن الحديث عن الطلاق قد خُتم بعبارة هي (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) [البقرة: 242].

وهذه العبارة تحتل موقعاً عضوياً بالغ الأهمية من هذا القسم من السورة، حيث تربط بين أهم محاور السورة الكريمة من جانب، وتربط بينها وبين الموضوعات اللاحقة من جانب آخر. إن القارئ ليتذكر تماماً بأن

 

______________________________________________________

الصفحة 110

 

(الإحياء والإماتة) تشكّل واحداً من المحاور الرئيسة التي تحوم عليها سورة البقرة (المحاور الرئيسة هي: ظاهرة الاتقاء، ظاهرة الإماتة والإحياء، ظاهرة السلوك الإسرائيلي)، ويتذكر تماماً بأن أول قصص الإسرائيليين (وهي ذبح البقرة وإحياؤها) قد ختم بعبارة (ويريكم آياته لعلكم تعقلون)[البقرة: 73] أي: إن النص قد ذكر هذه الظاهرة في ختام حديثه عن الإماتة والإحياء (في القسم الثالث من السورة)، وها هو يذكرها أيضاً في القسم السادس من السورة لتشكّل (تمهيداً) وليس (ختاماً) لموضوع الإماتة والإحياء، لكن في سياق جديد من سلوك الإسرائيليين، أي: أن التمهيد بعبارة (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) إنما جاء ليربط بين قصة سابقة تحدثت عن الإماتة والإحياء من خلال السلوك الإسرائيلي، وبين قصة لاحقة عن السلوك الإسرائيلي أيضاً وهي قصة: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) [البقرة: 243]. وبهذا الربط بين القصتين هيّأ النصُ الأذهان إلى السلوك الإسرائيلي الذي شكّل محوراً ثالثاً من محاور السورة، ليحدثنا من جديد عن شريحة جديدة من سلوك الإسرائيليين تتصل بموقفهم من القتال، حيث يتقدم النص بعرض قصصي ممتع عن سلوكهم الملتوي: رابطاً بين القصتين (قصة الذين أماتهما الله وأحياهم) فيما عقّب على ذلك بقوله (إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، وهذا التعقيب هو امتدادٌ لمواقفهم السابقة التي تقترن بعدم الشكر لنعم الله عليهم، وبين القصة الجديدة التي سنرى أنها تعرض لنا مدى فضل الله تعالى على الإسرائيليين وعدم شكرهم على ذلك، مما يكشف مثل هذا البناء للقصتين الإسرائيليتين عن مدى الإحكام العضوي لهما من جانب، فضلاً عن صلتهما بالأقسام السابقة من السورة من جانب آخر، بالنحو الذي عرضنا له.

لكن قبل أن نتحدث عن الأسرار الفنية لهذه القصة وموقعها العضوي من

 

______________________________________________________

الصفحة 111

 

النص، ينبغي أن نشير أيضاً إلى أن النص قد فَصَل بين القصتين بطرح موضوعين: أحدهما القتال والآخر الإنفاق.

أمّا ظاهرة (القتال) فترتبط بالقصة الثانية التي تتحدث عن سلوك الإسرائيليين حيال القتال وأما ظاهرة (الإنفاق) ـ ففضلاً عن كونها أحد وجهي الجهاد بالنفس والمال ـ تظل تمهيداً لطرح مفصل يتصل بهذا الحكم الذي يخصص له النص موقعاً كبيراً من مساحته في ختام السورة الكريمة، مما نوضح بناءه العضوي في حينه.

والآن، إذا أمكننا أن نبيّن المستويات المتنوعة للبناء العضوي الذي طبع هذه الجزئية من النص، يحسن بنا أن نعرض للبناء الفني للقصتين المشار إليهما، وهما قصة (الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) وقصة (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى، إذ قالوا لنبيّ لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله...الخ) [البقرة: 246].

ونقف مع:

القصة الاولى




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21403829

  • التاريخ : 20/04/2024 - 02:11

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net