00989338131045
 
 
 
 
 
 

 القصة الأولى 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التفسير البنائي للقرآن الكريم ـ الجزء الاول   ||   تأليف : الدكتور محمود البستاني

                               القصة الأولى

هذه (الحكاية) تتحدث عن طائفة أو مجتمع من الإسرائيليين تتفاوت النصوص في تحديد الأسباب التي دفعتهم إلى الخروج من ديارهم حذر الموت، حيث تذكر بعض النصوص أنهم فرّوا من الطاعون، وبعضها يذكر أنهم فروا من الطاعون، وبعضها يذكر أنهم فروا من القتال الذي فرضه عليهم أحد أنبيائهم، والمهم أن الله امتحنهم بسببٍ من سلوكهم الملتوي ثم أحياهم بدعاء نبيّهم.

وفي تصورنا أن فرارهم من القتال يظل أكثر تجانساً مع سياق النص الذي فَصَل بين القصتين ـ كما أشرنا ـ بالحديث عن القتال (وقاتلوا في سبيل الله) [البقرة: 244]، كما يظلّ أكثر تجانساً مع القصة الثانية التي تتمحض للحديث

 

______________________________________________________

الصفحة 112

 

عن القتال أيضاً حيث وردت فيها أكثر من عبارة تتحدث عن القتال من نحو (ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله) ومن نحو (ومالنا ألاّ نقاتل في سبيل الله) [البقرة: 246] ومن نحو (فلما كُتِب عليهم القتال...الخ) [البقرة: 246]. فالقتال هنا يشكّل رابطاً عضوياً بين القصتين، فضلاً عن الفصل بينهما بآية القتال (وقاتلوا في سبيل الله)، حيث تتلاحم هذه الموضوعات المشتركة فيما بينها من خلال (عملية القتال)، كاشفة بذلك عن مدى الإحكام الهندسي في بناء النص الذي نحن في صدد الحديث عنه.

 

عنصر المحاورة

 

يلاحظ أنّ النص قد اعتمد عنصر المحاورة الفنية في صياغة هذه الحكاية أو الأقصوصية، وذلك من خلال قوله تعالى (فقال لهم الله موتوا) فالموت هنا جاء تعبيراً مجازياً من نحو قوله تعالى (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً)، أي: أن الله تعالى قد أماتهم، إلاّ أن النص صاغ ذلك وفق لغة المحاورة، محاورة الله تعالى للإسرائيليين. والأهمية الفنية لهذا العنصر تتمثل أولاً في كون (المحاورة) هي أحد عناصر النص، وتتمثل ثانياً في كونها تعبيراً عن إرادة الله تعالى في إماتة البشر وإحيائهم، فعندما يصوغ العبارة بقوله تعالى (موتوا) إنما يفصح بذلك عن إرادته تعالى بنحوها المطلق الذي لا يتخلّف الشيء عنه.

بيد أن التساؤل يُثار هنا حول هذا التفاوت بين كل من (الإماتة والإحياء) حيث جاءت الإماتة: في صيغة المحاورة (فقال لهم الله موتوا) بينا جاء التعبير عن ظاهرة الإحياء بعبارة سردية هي (ثم أحياهم)، فما هو السرّ الفني في ذلك؟ في تصورنا أن النص قد استهدف لفت النظر إلى أن الجزاء السلبي (وهو الإماتة بسبب من معصية الإسرائيليين) إنما جاء تعبيراً عن حقيقة الجزاء السلبي نفسه، حيث يقترن ذلك بطبيعة الاستجابة السلبية التي صدرت عن الإسرائيليين وهم يهربون من الموت، مما يتطلّب الموقف أن يميتهم الله تعالى

 

______________________________________________________

الصفحة 113

 

سريعاً ما داموا يتخوّفون من ذلك، وهذا على العكس من الإحياء الذي تمّ دون أن يقترن ذلك بسلوكهم، حيث أنه تعالى أحياهم (وهم موتى لا يمارسون أية فاعلية) مما استتبع صياغة سردية غير مقترنة بردود فعلهم التي تتطلب محاورتهم بهذا النحو أو ذاك.

المهم، ـ خارجاً عن العنصر المشار إليه ـ تظل هذه الحكاية من حيث علاقتها بالهيكل الهندسي للنص، مرتبطة من جانب بما سبقها من ظواهر الإماتة والإحياء (قصة البقرة) وغيرها، ومن جانبٍ ثانٍ تظل مرتبطة بما يلحقها من قصص الإماتة والإحياء كما سنرى عند مواجهتنا لقصص إبراهيم، وقصة القرية الخاوية وغيرهما من القصص والحكايات التي تحوم على فكرة الإماتة والإحياء، ومن جانب ثالث تظلّ على صلة بفكرة أخرى هي فكرة (القتال) الذي ستجسّده آية لاحقة (وقاتلوا في سبيل الله)، وستجسّده قصة ذات خطورة فنية وعضوية تتحدث عن الإسرائيليين وتخلّفهم عن القتال. وفي ضوء هذه الصلات العضوية للحكاية المشار إليها، نتبيّن سرّاً جديداً هو: ازدواجية السمة الفنية لهذه الحكاية من حيث كونها تتضمن شبكتين من الوصل، الأولى: هي فكرة الإماتة والإحياء، والأخرى هي: فكرة (القتال)، حيث تضطلع قصص لاحقة بتجسيد هاتين الفكرتين، فكرة الإماتة والإحياء التي ستجسدها قصة إبراهيم مع طاغية زمانه نمرود، وقصته مع الطيور الأربعة، وقصة الذي أماته الله تعالى مائة عام ثم أحياه، ثم فكرة (القتال) وصلته بسلوك الإسرائيليين الذي شكّل أحد المحاور الثلاثة للسورة الكريمة، فيما تضطلع قصة طالوت الآتية بتجسيد ذلك، وهذا ما نبدأ بالحديث عنه الآن:

 

* * *

 

______________________________________________________

الصفحة 114



 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21398445

  • التاريخ : 18/04/2024 - 03:43

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net