00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الانبياء من بداية السورة ـ آية 33 من ( ص 115 ـ 161 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء العاشر)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[ 115  ]

سورة الأنبياء

مكّيّة

وعددُ آياتِها مائة وإثنتا عشرة آية

[ 117  ]

 

سورة الأنبياء

فضل سورة الأنبياء:

روي عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضل تلاوة هذه السورة أنّه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأ سورة الأنبياء حاسبه الله حساباً يسيراً، وصافحه وسلّم عليه كلّ نبي ذكر إسمه في القرآن»(1).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «من قرأ سورة الأنبياء حبّاً لها كان كمن رافق النبيّين أجمعين في جنّات النعيم، وكان مهيباً في أعين الناس حياة الدنيا»(2).

إنّ جملة «حبّاً لها» مفتاح في الواقع لفهم معنى الرّوايات التي وصلتنا في مجال فضل سورة القرآن، وهي تعني أنّ الهدف ليس هو التلاوة وتلفّظ الكلمات فقط، بل عشق المحتوى، ومن المسلّم أنّ عشق المحتوى بلا عمل لا معنى له، وإذا ما ادّعى شخص أنّه يعشق السورة الفلانيّة، ويخالف عمله مفاهيمها، فإنّه يكذب.

وقد قلنا مراراً: إنّ القرآن كتاب عقيدة وعمل، والقراءة مقدّمة للتفكير والتدبّر، وهو مقدّمة للإيمان والعمل!.

محتوى السورة:

1 ـ إنّ هذه السورة كما تدلّ عليها تسميتها هي سورة الأنبياء، لأنّ إسم ستّة

___________________________

1 ـ تفسير نور الثقلين ج3 ص412.

2 ـ المصدر السابق.

[ 118  ]

عشر نبيّاً قد جاء في هذه السورة، بعضهم بذكر نماذج وصور من حالاتهم، والبعض كإشارة، وهم:

موسى ـ هارون ـ إبراهيم ـ لوط ـ إسحاق ـ يعقوب ـ نوح ـ داود ـ سليمان ـ أيّوب ـ إسماعيل ـ إدريس ـ ذو الكفل ـ ذو النون (يونس) ـ زكريا ـ يحيى (عليهم السلام)، وبناءً على هذا فإنّ عمدة البحوث المهمّة في هذه السورة تدور حول مناهج الأنبياء.

وإضافة إلى هؤلاء الأنبياء، فإنّ هناك أنبياء آخرين لم تذكر أسماؤهم صريحاً في هذه السورة، لكن قد ورد الكلام حولهم، كرسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)والمسيح عيسى بن مريم(عليهما السلام).

2 ـ إضافة إلى ما مرّ، فإنّ خاصية السور المكّية التي تتحدّث عن العقائد الدينيّة، وبالأخصّ المبدأ والمعاد، منعكسة تماماً في هذه السورة.

3 ـ بحثت هذه السورة كذلك عن توحيد الخالق، وأنّه لا خالق ولا معبود سواه، وكذلك عن خلق العالم على أساس الهدف والتخطيط، ووحدة القوانين الحاكمة على هذا العالم، وكذلك وحدة مصدر ومنبع الحياة والوجود، وكذلك إشتراك الموجودات في مسألة الفناء والموت.

4 ـ وتحدث جانب آخر من هذه السورة عن إنتصار الحقّ على الباطل، والتوحيد على الشرك، وجنود الحقّ على جنود إبليس.

5 ـ والذي يلفت النظر هنا أنّ هذه السورة تبتدىء بتهديد الناس الغافلين الجاهلين بالحساب الشديد، وتنتهي بتهديدات أُخرى في هذا المجال أيضاً.

إنّ الأنبياء الذين وردت أسماؤهم في هذه السورة، ذُكر تفصيل حياة ونشاطات بعضهم في سورة أُخرى، إلاّ أنّ التأكيد في هذه السورة كان أغلبه على أنّ هؤلاء العظام عندما كانوا يبتلون بالضائقات والمواقف الصعبة، كانوا يمدّون يد التوسّل والإستعانة نحو لطف الله وعونه، وكيف أنّ الله سبحانه كان يفتح أمامهم

[ 119  ]

الطرق المغلقة، وينجّيهم من الدوامات وتلاطم أمواج البلايا.

فإبراهيم حين اُبتلي بنار نمرود.

ويونس حينما حلّ في بطن الحوت.

وزكريا عندما رأى أنّ شمس عمره قد أوشكت على الغروب ولا خليفة له يكمل مسيره.

كما أنّها تتكلّم على سائر الأنبياء عند وقوعهم في المشاكل الصعبة العسيرة.

* * *

[ 120  ]

الآيات

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَة مُّعْرِضُونَ(1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْر مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَث إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ(2) لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ(3)قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(4) بَلْ قَالُوا أَضْغَـثُ أَحْلـمِ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَة كَمَا أُرْسِلَ الاَْوَّلُونَ(5)

التّفسير

أعذار متنوّعة:

تبدأ هذه السورة ـ كما أشرنا ـ بتحذير قوي شديد موجّه لعموم الناس، تحذير يهزّ الوجدان ويوقظ الغافلين، فتقول: (إقترب للناس حسابهم وهم في غفلة

[ 121  ]

معرضون).

إنّ عمل هؤلاء يدلّ على أنّ هذه الغفلة عمّت كلّ وجودهم، وإلاّ فكيف يمكن للإنسان أن يؤمن بإقتراب الحساب .. الحساب الدقيق المتناهي في الدقّة، ومع كلّ ذلك لا يكترث بالاُمور ويرتكب أنواع الذنوب!!

كلمة (إقترب) لها دلالة على التأكيد أكثر من (قرب) وهي إشارة إلى أنّ هذا الحساب قد أصبح قريباً جدّاً.

والتعبير بـ(الناس) وإن كان يشمل عموم الناس ظاهراً، وهو يدلّ على أنّ الجميع في غفلة، إلاّ أنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ الذين لهم قلوب واعية يقظة على الدوام، ويفكّرون بالحساب ويعملون له فهم مستثنون من هذا العموم.

والجميل في الأمر أنّه يقول: إقترب الحساب للناس، لا أنّ الناس إقتربوا للحساب، فكأنّ الحساب يسرع لإستقبال الناس.

ثمّ إنّ الفرق بين «الغفلة» و «الإعراض» يمكن أن يكون من جهة أنّ هؤلاء غافلون عن إقتراب الحساب، وهذه الغفلة هي تسبّب الإعراض عن آيات الله سبحانه، فـ«الغفلة عن الحساب» علّة في الحقيقة، و «الإعراض عن الحقّ» معلول لتلك العلّة. أو أنّ المراد هو الإعراض عن نفس الحساب، وعن الإستعداد للإجابة في تلك المحكمة الكبرى، أي إنّهم لمّا كانوا غافلين، فإنّهم لا يهيّؤون أنفسهم لذلك ويعرضون عنه.

وهنا يأتي سؤال، وهو: ما معنى إقتراب الحساب والقيامة؟

لقد قال البعض: إنّ المراد منه هو أنّ ما بقي من الدنيا قليل في مقابل ما مضى منها، ولهذا فإنّ القيامة ستكون قريبة ـ قرباً نسبيّاً ـ خاصة وأنّه قد روي عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين»(1) وأشار إلى السبابة

___________________________

1 ـ مجمع البيان. ذيل الآيات مورد البحث.

[ 122  ]

والوسطى اللتين تقع إحداهما إلى جنب الاُخرى.

وقال البعض الآخر: إنّ هذا التعبير لكون القيامة موجودة، كما نرى ذلك في المثل السائر كلّ ما هو آت قريب.

ولا منافاة بين هذين التّفسيرين ويمكن أن تكون الآية إشارة إلى كلا الأمرين.

وإحتمل بعض المفسّرين ـ كالقرطبي ـ أن يكون الحساب هنا إشارة إلى «القيامة الصغرى»، أي الموت، لأنّ جزءاً من المحاسبة وجزاء الأعمال يصل إلى الإنسان حين الموت(1). إلاّ أنّ ظاهر الآية ناظر إلى القيامة الكبرى.

ثمّ تبيّن الآية التالية علامة من علامات إعراض هؤلاء بهذه الصورة: (ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث إلاّ استمعوه وهم يلعبون) فلم يتّفق لهم أن يتدبّروا ساعة في كلام الله المجيد، ويتأمّلوا في آياته بجدّية، ويحتملوا ـ على الأقل ـ أن تكون مؤثّرة في حياتهم وعاقبة أمرهم ومصيرهم. فهم لا يفكّرون في الحساب الإلهي، ولا في تحذيرات الله سبحانه.

وأساساً فإنّ أحد أسباب شقاء الجهلة والمتكبّرين هو إتّخاذهم النصائح ومواعظ الأخيار لهواً ولعباً دائماً، وهذا هو السبب في عدم تنبّههم من غفلتهم، في حين أنّهم لو تعاملوا بصورة جديّة مع تلك النصائح ولو مرّة واحدة، فربّما تغيّر مسير حياتهم في تلك اللحظة!

كلمة «ذكر» في الآية إشارة إلى كلّ كلام منبّه يوقظ الغافلين، والتعبير بـ(محدث) إشارة إلى أنّ الكتب السماوية كانت تنزل الواحد تلو الآخر، وتحتوي كلّ سورة من سور القرآن، وكلّ آية من آياته محتوى جديداً ينفذ إلى قلوب الغافلين بطرق مختلفة، لكن أي فائدة مع مَن يتّخذ كلّ ذلك هزواً؟

___________________________

1 ـ تفسير القرطبي. الجزء6 ص4307.

[ 123  ]

وأساساً، فإنّ هؤلاء يفرقون من كلّ جديد، ويتمسكّون ويفرحون لكلّ الخرافات القديمة التي ورثوها من الآباء والأجداد، وكأنّهم قد تعاهدوا عهداً دائماً على أن يخالفوا كلّ حقيقة جديدة، مع أنّ أساس تكامل الإنسان مبتن على أن يواجه الإنسان كلّ يوم مسائل جديدة.

ثمّ تقول من أجل زيادة التأكيد: (لاهيةً قلوبهم) لأنّهم في الظاهر يتّخذون كلّ المسائل الجديّة لهواً ولعباً ـ كما تشير جملة «يلعبون» إلى ذلك، حيث وردت بصيغة فعل مضارع مطلق ـ وهم في الباطن مشغولون باللهو والمسائل التي لا قيمة لها، والتي تجعلهم في غفلة عن الواقع. ومن الطبيعي أنّ مثل هؤلاء الأشخاص سوف لا يجدون طريق السعادة، ولا يوفّقون إليه.

ثمّ تشير إلى جانب من الخطط الشيطانيّة فتقول: (وأسّروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلاّ بشر مثلكم)(1) وإذا لم يكن سوى بشر إعتيادي، فلابدّ أن تكون أعماله الخارقة ونفوذ كلامه سحراً، ولا يمكن أن يكون شيئاً آخر: (أفتأتون السحر وأنتم تبصرون)؟

قلنا: إنّ هذه السورة نزلت في مكّة، وفي تلك الأيّام التي كان فيها أعداء الإسلام في غاية القوّة والمنعة، فأي داع يدعوهم لإخفاء كلامهم، بل وحتّى نجواهم؟ (وينبغي الإلتفات إلى أنّ القرآن يقول إنّهم كانوا يخفون حتّى مناجاتهم).

قد يكون ذلك من أجل أنّ هؤلاء كانوا يتشاورون في المسائل التي تتّصف بالتخطيط والتآمر، حتّى يظهروا أمام عامّة الناس موقفاً واحداً ضدّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم). إضافة إلى أنّ هؤلاء كانوا من ناحية القوّة متفوقّين حتماً، إلاّ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والمسلمين كانوا من ناحية المنطق والقوّة ونفوذ الكلام أكثر تفوّقاً، وهذا التفوّق هو الذي دفع هؤلاء إلى أن يتشاوروا في الخفاء لإنتخاب الأجوبة المصطنعة في

___________________________

1 ـ في لغة العرب إذا كان الفعل إسماً ظاهراً فيؤتى عادةً بفعل مفرد، إلاّ أنّ هذه ليست قاعدة عامّة وثابتة، بل يأتون ـ لعلل خاصّة ـ بالفعل بصيغة الجمع وبالفاعل إسماً ظاهراً وجملة (وأسّروا النجوى الذين ظلموا) من هذا القبيل أيضاً.

[ 124  ]

مقابل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

على كلّ حال، فإنّ هؤلاء قد أكّدوا على مسألتين في أقوالهم: إحداهما: كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشراً، والاُخرى: تهمة السحر، وستأتي الإتّهامات الاُخرى في الآيات التالية أيضاً، ويتصدّى القرآن الكريم لجوابها.

إلاّ أنّ القرآن يجيبهم بصورة عامّه على لسان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: (قال ربّي يعلم القول في السّماء والأرض) فلا تتصوّروا أنّ نجواكم ومؤامراتكم المخفيّة تخفى عليه (وهو السميع العليم) فهو يعلم كلّ شيء، ومطّلع على كلّ شيء، فلا يسمع كلامكم وحسب، بل هو مطّلع حتى على الأفكار التي تمرّ في أذهانكم، والقرارات التي في صدوركم.

بعد ذكر نوعين من تذرّعات المخالفين، يتطرّق القرآن إلى ذكر أربعة أنواع أُخرى منها، فيقول: (بل قالوا أضغاث أحلام)(1) وهم يعتقدون أنّها حقيقة.

وقد يغيّرون كلامهم هذا أحياناً فيقولون: (بل إفتراه) ونسبه إلى الله.

ويقولون أحياناً: (بل هو شاعر)، وهذه الآيات مجموعة من خيالاته الشعرية.

وفي المرحلة الرّابعة يقولون: إنّا نتجاوز عن كلّ ذلك فإذا كان مرسلا من الله حقّاً (فليأتنا بآية كما أُرسل الأوّلون).

إنّ التحقيق في هذه الإدّعاءات المتضادّة المتناقضة في حقّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)سيوضّح أنّها بنفسها دليل على أنّهم لم يكونوا طلاّب حقّ، بل كان هدفهم خلق الأعذار، وإخراج خصمهم من الحلبة بأيّة قيمة وثمن، وبأي صورة كانت.

فهم يعتبرونه ساحراً تارةً، وأُخرى شاعراً، وثالثة مفترياً، وأُخرى إنساناً

___________________________

1 ـ «أضغاث» جمع ضِغْث، وهو حزمة الحطب أو الأعشاب اليابسة وما شاكل ذلك، و «الأحلام» جمع حُلم وهو المنام والرؤية، ولمّا كان جمع حزمة حطب يحتاج أن يجمعوا عدّة أشياء متفرّقة إلى بعضها، فإنّ هذا التعبير اُطلق على المنامات المضطربة المتفرّقة.

[ 125  ]

يختلط الأمر عليه ويهجر ـ والعياذ بالله ـ فهو يحسب مناماته المضطربة وحياً! ويقولون حيناً: لماذا أنت بشر؟ ويتذرّعون أحياناً بطلب معجزة جديدة مع كلّ تلك المعاجز.

إذا لم يكن لدينا دليل على بطلان كلامهم إلاّ هذا الإضطراب والتمزّق، فإنّه كاف لوحده، ولكنّنا سنرى في الآيات التالية أنّ القرآن سيجيبهم جواباً حاسماً من طرق أُخرى أيضاً.

* * *

ملاحظة

هل القرآن محدث؟

لقد أورد جمع من المفسّرين في ذيل الآيات ـ لوجود كلمة (محدث) في الآية الثّانية من الآيات محلّ البحث ـ بحوثاً جمّة حول كون كلام الله حادثاً أم قديماً؟ وهي نفس المسألة التي اُثيرت في زمن خلفاء بني العبّاس وصارت مثاراً للجدل لسنين طويلة، وكانت قد لفتت إنتباه وأفكار جماعة من العلماء.

إلاّ أنّنا نعلم اليوم جيداً أنّ معظم هذا الموضوع كان يراد منه الإشغال السياسي ليهتمّ به علماء الإسلام، وينصرفوا عن المسائل الضروريّة والأساسيّة التي تتعلّق بشؤون الحكومة وكيفيّة حياة الناس، وحقائق الإسلام الأصيلة.

واليوم اتّضح لنا تماماً أنّ المراد من كلام الله محتواه ومضمونه، وهو قديم قطعاً، أي إنّه كان دائماً في علم الله، وإنّ علم الله الواسع كان محيطاً بالقرآن على الدوام. وإذا كان المراد منه هذه الألفاظ والكلمات، وهذا الوحي الذي نزل على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا شكّ في أنّه حادث.

أي عاقل يقول: إنّ ألفاظ القرآن وكلماته أزليّة؟ أو أنّ نزول الوحي على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن من بداية أمر الرسالة؟ وبناءً على هذا فأنتم تلاحظون بأنّ

[ 126  ]

المسألة واضحة وضوح الشمس في جميع أبعادها.

وبتعبير آخر فإنّ القرآن يحتوي على ألفاظ ومعان، فألفاظه حادثة قطعاً، ومعانيه قديمة قطعاً، وعلى هذا فلا مجال للبحث والمناقشة.

ثمّ إنّ أيّ مشكلة علميّة وإجتماعية وسياسيّة وأخلاقية في المجتمع الإسلامي يحلّها هذا البحث آنذاك؟ ولماذا خدع بعض العلماء السابقين بأساليب الحكّام المكَرَةِ المتآمرين الخدّاعة؟

ولهذا نرى أنّ بعض أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بعد بيان هذه المسألة، قد حذّروا هؤلاء من هذه البحوث، ودعوهم إلى الإبتعاد والإمتناع عنها(1).

* * *

___________________________

1 ـ نور الثقلين الجزء3 ص412.

[ 127  ]

الآيات

مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَة أَهْلَكْنَـهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ(6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(7) وَمَا جَعَلْنَـهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَـلِدِينَ(8) ثُمَّ صَدَقْنَـهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَـهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ(9) لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ  أَفَلاَ تَعْقِلُون(10)

التّفسير

كلّ الأنبياء كانوا بشراً:

قلنا: إنّ ستّة إشكالات وإيرادات قد أُعيد ذكرها في الآيات السابقة، وهذه الآيات التي نبحثها تجيب عنها، تارةً بصورة عامّة جامعة، وأُخرى تجيب عن بعضها بالخصوص.

أشارت الآية الأُولى إلى المعجزات المقترحة لاُولئك، ونقصد منها: المعجزات المقترحة حسب أهوائهم تذرّعاً، فنقول: إنّ جميع المدن والقرى التي

[ 128  ]

أهلكناها سابقاً كانت قد طلبت مثل هذه المعاجز، ولكن لمّا استجيب طلبهم كذّبوا بها، فهل يؤمن هؤلاء؟: (ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون)؟ وهي تنذرهم بصورة ضمنيّة بأنّ الآيات لو تحقّقت على ما إقترحتم ثمّ لم تؤمنوا، فإنّ فناءكم حتمي!

ويحتمل أيضاً في تفسير هذه الآية أنّ القرآن يشير ـ في هذه الآية ـ إلى كلّ إشكالات هؤلاء المتناقضة ويقول: إنّ هذا التعامل مع دعوة الأنبياء الحقيقيين ليس جديداً، فإنّ الأفراد العنودين كانوا يتوسّلون دائماً بهذه الأساليب، ولم تكن عاقبة عملهم وأمرهم إلاّ الكفر، ثمّ الهلاك والعذاب الأليم.

ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى جواب الإشكال الأوّل ـ خاصةً ـ حول كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشراً، فتقول: إنّك لست الوحيد في كونك نبيّاً، وفي نفس الوقت أنت بشر (وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم) فإنّ هذه حقيقة تاريخيّة يعرفها الجميع (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).

من هم أهل الذكر؟

لا شكّ أنّ (أهل الذكر) تشمل من الناحية اللغوية كلّ العلماء والمطّلعين، والآية أعلاه تبيّن قانوناً عقلائيّاً عامّاً في مسألة (رجوع الجاهل إلى العالم) فإنّ مورد ومصداق الآية وإن كان علماء أهل الكتاب، إلاّ أنّ هذا لا يمنع من عمومية القانون. ولهذه العلّة إستدلّ علماء وفقهاء الإسلام بهذه الآية في مسألة «جواز تقليد المجتهدين المسلمين».

وإذا رأينا في بعض الرّوايات التي وصلتنا عن أهل البيت(عليهم السلام) بأنّ (أهل الذكر) قد فسّرت بعلي (عليه السلام) أو سائر الأئمّة (عليهم السلام)، فلا يعني ذلك الحصر، بل هو بيان لأوضح مصاديق هذا القانون الكلّي. ولزيادة الإيضاح حول هذا الموضوع، اقرأ تفسير الآية (43) من سورة النحل من هذا الكتاب.

[ 129  ]

ثمّ تعطي الآية التالية توضيحاً أكثر حول كون الأنبياء بشراً، فتقول: (وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين). وجملة (لا يأكلون الطعام)إشارة إلى ما جاء في موضع آخر من القرآن في نفس هذا الموضوع: (وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق).(1)

وجملة (ما كانوا خالدين) أيضاً تكملة لنفس هذا المعنى، لأنّ المشركين كانوا يقولون: كان من الأفضل أن يُرسل ملك مكان البشر، ملك له الخلود،  ولا تمتدّ إليه يد الموت! فأجابهم القرآن بأنّ أيّاً من الأنبياء السابقين لم يُكتب له الخلود حتّى يُكتب لرسول الله (محمّد) الخلود و «البقاء في هذه الدنيا».

على كلّ حال، فلا شكّ ـ كما قلنا ذلك مراراً ـ في أنّه يجب أن يكون قائد البشر ومرشدهم من جنسهم، بنفس تلك الغرائز والعواطف والأحاسيس والحاجات والعلاقات حتّى يحسّ بآلامهم وعذابهم، ولينتخب أفضل طرق العلاج باستلهامه من معلوماته ليكون قدوة واُسوة لكلّ البشر، ويقيم الحجّة على الجميع.

ثمّ تحذّر الآية وتهدّد المنكرين المتعصّبين العنودين، فتقول: إنّا كنّا قد وعدنا رسلنا بل ننقذهم من قبضة الأعداء، ونبطل كيد اُولئك الأشرار (ثمّ صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين).

أجل، فكما أنّ سنّتنا كانت إختيار قادة البشر من بين أفراد البشر، كذلك كانت سنّتنا أن نحميهم من مكائد المخالفين، وإذا لم تؤثّر المواعظ والنصائح المتلاحقة أثرها في المخالفين، فإنّنا سنطهّر الأرض من وجودهم القذر.

ومن المعلوم أنّ المراد من «ومن نشاء»: الإرادة التي تدور حول معيار الإيمان والعمل الصالح، كما أنّ من الواضح أيضاً أنّ المراد من «المسرفين» هنا هم الذين أسرفوا في حقّ أنفسهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه عن طريق إنكار

___________________________

1 ـ الفرقان، 7.

[ 130  ]

الآيات الإلهيّة وتكذيب الأنبياء، ولهذا نرى القرآن في موضع آخر يقول: (كذلك حقّاً علينا ننجي المؤمنين).(1)

أمّا آخر آية من الآيات مورد البحث، فتجيب ـ مرّة أُخرى ـ في جملة قصيرة عميقة المعنى عن أكثر إشكالات المشركين، فتقول: (ولقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون) فإنّ كلّ من يتدبّر آيات هذا الكتاب الذي هو أساس التذكّر وحياة القلب، وحركة الفكر، وطهارة المجتمع، سيعلم جيداً أنّه معجزة واضحة وخالدة، ومع وجود هذه المعجزة البيّنة التي تظهر فيها آثار الإعجاز من جهات مختلفة .. من جهة الجاذبيّة الخارقة، ومن جهة المحتوى، الأحكام والقوانين، العقائد والمعارف، وو.. فهل لا زلتم بإنتظار معجزة أُخرى؟ أي معجزة تقدر أن تثبت أحقّية دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحسن من هذه المعجزة؟

وفضلا عمّا مرّ، فإنّ آيات هذا الكتاب تصرخ بأنّها ليست سحراً، بل هي حقائق وتعليمات غنيّة المحتوى وجذّابة، أتقولون بعد ذلك أنّها سحر؟

هل يمكن أن توصف هذه الآيات بأنّها أضغاث أحلام؟ فأين هي الأحلام المضطربة التي لا معنى لها من هذا الكلام المنسجم الموزون؟ وأين الثرى من الثريّا؟

هل يمكن أن تعتبر تلك الآيات كذباً وإفتراءً مع أنّ آثار الصدق بادية في كلّ مكان منها؟

أم أنّ من جاء بها كان شاعراً، في حين أنّ الشعر يدور حول محور الخيال، وآيات هذا الكتاب تدور كلّها حول محور الواقعيّات والحقائق؟

وبكلمة قصيرة، إنّ الدقّة والبحث في هذا الكتاب يثبت أنّ هذه الإدّعاءات متضادّة متناقضة غير منسجمة، وهي كلام المغرضين الجهلة.

___________________________

1 ـ يونس، 103.

[ 131  ]

وإختلف المفسّرون في معنى كلمة «ذكركم» في الآية آنفة الذكر، وذكروا لها تفاسير مختلفة.

فذهب بعضهم: إنّ المراد هو أنّ آيات القرآن منبع الوعي والتذكّر بين أفراد المجتمع، كما يقول القرآن في موضع آخر: (فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد).(1)

وقال آخرون: إنّ المراد أنّ هذا القرآن سيرفع إسمكم ومكانتكم في الدنيا، أي إنّه أساس عزّكم وشرفكم أيّها المؤمنون والمسلمون، أو أنتم أيّها العرب الذين نزل القرآن بلسانكم، وإذا اُخذ منكم فسوف لا يكون لكم اسم ولا رسم في العالم.

والبعض الآخر قالوا: إنّ المقصود هو أنّه قد ذكر في هذا القرآن كلّ ما تحتاجون إليه في اُمور الدين والدنيا، أو في مجال مكارم الأخلاق.

وبالرغم من أنّ هذه التفاسير لا ينافي بعضها بعضاً، ويمكن أن تكون مجتمعة في تعبير «ذكركم»، إلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأظهر.

فإن قيل: كيف يكون هذا القرآن أساس الوعي واليقظة، في حين أنّ كثيراً من المشركين قد سمعوه فلم ينتبهوا؟

قلنا: إنّ كون القرآن موقظاً ومنبّهاً لا يعني إجباره الناس على هذا الوعي، بل إنّ الوعي مشروط بأن يريد الإنسان ويصمّم، وأن يفتح نوافذ قلبه أمام القرآن.

* * *

___________________________

1 ـ سورة ق، 45.

[ 132  ]

الآيات

وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَة كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَأُخريـنَ(11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ(12) لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَـكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ(13) قَالُوا يَـوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَـلِمِينَ(14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَـهُمْ حَصِيداً خَـمِدِينَ(15)

التّفسير

كيف وقع الظّالمون في قبضة العذاب؟

تبيّن هذه الآيات مصير المشركين والكافرين مع مقارنته بمصير الأقوام الماضين، وذلك بعد البحث الذي مرّ حول هؤلاء. فتقول الآية الاُولى: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين).

فمع ملاحظة أنّ «القصم» يعني الكسر المقترن بالشدّة، بل ورد أحياناً بمعنى التفتيت والتقطيع، ومع ملاحظة التأكيد على ظلم هذه الأقوام وجورها، فإنّها توحي بأنّ الله سبحانه قد أعدّ أشدّ العقاب والإنتقام للأقوام الظالمين الجائرين.

وتشير الآية ضمناً إلى أنّكم إذا درستم تاريخ السابقين وبحثتم فيه فستعلمون

[ 133  ]

بأنّ تهديدات نبي الإسلام لم تكن مزاحاً أو إعتباطاً، بل هي حقيقة مُرّة يجب أن تفكّروا فيها.

عند ذلك توضّح الآية حال هؤلاء عندما تتّسع دائرة العذاب لتشمل ديارهم العامرة، وعجزهم أمام العقاب الإلهي، فتقول: (فلمّا أحسّوا بأسنا إذا هم منها يركضون)(1) تماماً كفلول جيش منهزم يرون سيوف العدو مسلولة وراءهم فيتفرقّون في كلّ جانب.

إلاّ أنّه يقال لهؤلاء من باب التوبيخ والتقريع: (لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلّكم تُسألون).

إنّ هذه العبارة قد تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء حينما كانوا غارقين في تلك النعمة الوفيرة، كان السائلون وطالبو الحاجات يتردّدون دائماً إلى أبوابهم، يأتون والأمل يقدمهم، ويرجعون بالخيبة والحرمان، فالآية تقول لهم: إرجعوا وأعيدوا ذلك المشهد اللعين. وهذا في الحقيقة نوع من الإستهزاء والملامة.

وإحتمل بعض المفسّرين أن تكون جملة (لعلّكم تُسألون) إشارة إلى قدرة وثروة هؤلاء في الدنيا، حيث كانوا يجلسون في زاوية وعلائم الاُبّهة والكبرياء بادية عليهم، وكان الخدم يأتون إليهم ويحضرون عندهم بصورة متوالية ويسألون إن كان لديهم أمر أو عمل يقومون به.

أمّا من هو قائل هذا الكلام؟ فلم تُصرّح الآية به، فمن الممكن أن يكون نداء بواسطة ملائكة الله، أو أنبيائه ورسله، أو نداء صادر من داخل ضميرهم الخفي ووجدانهم.

في الحقيقة إنّه نداء إلهي يقول لهؤلاء: لا تفرّوا وارجعوا، وكان يصل إليهم بإحدى هذه الطرق الثلاث.

___________________________

1 ـ «الركض» يأتي بمعنى ركض الإنسان بنفسه، أو بمعنى إركاض المركب والدابّة، ويأتي أحياناً بمعنى ضرب الرجل على الأرض مثل (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) سورة ص ـ 42.

[ 134  ]

والجميل هنا أنّه قد رُكّز على المسكن خاصّة من بين كلّ النعم الماديّة، وربّما كان ذلك بسبب أنّ أوّل وسائل إستقرار الإنسان هو وجود سكن مناسب. أو أنّ الإنسان يصرف أكثر مورد حياته في بيته، وكذلك فإنّ أشدّ تعلّقه إنّما يكون بمسكنه.

على كلّ حال، فإنّ هؤلاء يعون في هذا الوقت حقيقة الأمر، ويرون ما كانوا يظنّونه مزاحاً من قبل قد تجلّى أمامهم بصورة جديّة تماماً، فتعلو صرختهم: (قالوا ياويلنا إنّا كنّا ظالمين).

إلاّ أنّ هذا الوعي الإضطراري للإنسان عندما يواجه مشاهد العذاب لا قيمة له، ولا يؤثّر في تغيير مصير هؤلاء، ولذلك فإنّ القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث يضيف: (وما زالت تلك دعواهم حتّى جعلناهم حصيداً) فيلقونهم على الأرض كالزرع المحصود، وتبدّل مدينتهم التي غمرتها الحياة والحركة والعمران إلى قبور مهدّمة مظلمة، فيصبحوا (خامدين)(1).

* * *

___________________________

1 ـ خامد من مادّة الخمود، بمعنى إنطفاء النّار، ثُمّ اُطلقت على كلّ شيء يفقد حركته وفاعليّته ونشاطه.

[ 135  ]

الآيات

وَمَا خِلَقْنَا السَّمَاءَ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَـهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَـعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَـطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)

التّفسير

خلق السّماء والأرض ليس لهواً:

لمّا كانت الآيات السابقة قد عكست هذه الحقيقة وهي: إنّ الظالمين الذين  لا إيمان لهم لا يعتقدون بوجود هدف وغاية من خلقهم إلاّ الأكل والشرب والملذّات، ويظنّون أنّ العالم بلا هدف، القرآن الكريم يقول في الآيات التي نبحثها من أجل إبطال هذا النوع من التفكير، وإثبات وجود هدف عال وسام من وراء خلق كلّ العالم، وخاصّة البشر: (وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما لاعبين).

إنّ هذه الأرض الواسعة، وهذه السّماء المترامية الأطراف، وكلّ هذه الموجودات المتنوعة البديعة التي توجد في ساحتها تبيّن أنّ هدفاً مهمّاً في خلقها

[ 136  ]

.. نعم، إنّ الهدف هو بيان قدرة الخالق الجليل، وإبراز جانب من عظمته من جهة، ومن جهة أُخرى ليكون دليلا على المعاد، وإلاّ فإنّ كلّ هذه الضجّة والغوغاء إن كانت لبضعة أيّام فلا معنى لها.

هل يمكن أن يبني الإنسان قصراً في وسط صحراء، ويجهّزه بكلّ الوسائل، وذلك من أجل أن يستريح فيه ساعة واحدة ـ طول عمره ـ عند مروره عليه؟

بعبارة موجزة: إذا نظرنا إلى هذا العالم العظيم من منظار الكفّار، فسنراه  لا فائدة فيه ولا هدف منه، والإيمان بالمبدأ والمعاد هو الذي يجعل له معنىً وغاية.

ثمّ تقول الآية التالية: الآن وقد ثبت أنّ العالم له هدف فإنّه لا ريب في أنّ الهدف من هذا الخلق لم يكن أن يلهو الله سبحانه وتعالى عن ذلك، فإنّ هذا اللهو غير معقول، فـ(لو أردنا أن نتّخذ لهواً لأتّخذناه من لدنا إن كنّا غافلين).

«اللعب» يعني العمل الغير هادف، و «اللهو» إشارة إلى الأهداف غير المعقولة والملاهي.

هذه الآية تبيّن حقيقتين:

الأُولى: أنّه بملاحظة كلمة (لو)، وهي في لغة العرب للإمتناع، فهي تشير إلى أنّ من المحال أن يكون هدف الله هو اللهو.

والاُخرى: إنّه على فرض أنّ الهدف هو اللهو، فيجب أن يكون لهواً مناسباً لذاته، كأن يكون من عالم المجردات وأمثال ذلك، لا من عالم المادّة المحدود(1).

ثمّ تقول بلهجة قاطعة من أجل إبطال أوهام الجاهلين الذين يظنّون عدم

___________________________

1 ـ إعتبر بعض المفسّرين الآيات أعلاه إشارة إلى نفي عقائد المسيحيين، أي اعتقدوا أنّ اللهو بمعنى الزوج والزوجة والولد. وقالوا: إنّ الآية تجيب هؤلاء وتقول: إنّنا إذا كنّا نريد أن نختار الصاحبة والولد فلم نكن ننتخبهما من جنس البشر.

إلاّ أنّ هذا التّفسير لا يبدو مناسباً من عدّة جهات، ومن جملتها أنّ إرتباط الآيات أعلاه بالآيات السابقة سينقطع. والاُخرى أنّ كلمة «اللهو» وخاصة إذا كانت بعد كلمة اللعب، تعني التسلّي لا المرأة والولد.

[ 137  ]

هدفيّة الدنيا، بل هي للهو واللعب فقط: إنّ هذا العالم مجموعة من الحقّ والواقع، ولم يقم أساسه على الباطل (بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). وتقول في النهاية: (ولكم الويل ممّا تصفون) وتتحدّثون عن عدم هدفية الخلق.

أي إنّنا نجعل الأدلّة العقليّة والإستدلالات الواضحة والمعجزات البيّنة إلى جانب ظنون وأوهام اللاهدفيين، لتتبخّر وتتلاشى هذه الأوهام في نظر العلماء وأصحاب الفكر والرأي.

إنّ أدلّة معرفة الله واضحة، وأدلّة وجود المعاد بيّنة، وبراهين أحقّية الأنبياء جليّة، والحقّ يمكن تمييزه عن الباطل تماماً إذا لم يكن الشخص من المعاندين.

وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ جملة «نقذف» من مادّة (قذف) بمعنى الإلقاء، وخاصّةً الإلقاء من طريق بعيد، ولمّا كان للقذف من بعيد سرعة وقوّة أكثر، فإنّ هذا التعبير يبيّن قدرة إنتصار الحقّ على الباطل. وكلمة «على» أيضاً مؤيّدة لهذا المعنى.

وجملة «يدمغه» على قول الراغب كسر «الجمجمة والدماغ»، وتعتبر أكثر نقطة في بدن الإنسان حساسّية، وهو تعبير بليغ عن غلبة جند الحقّ غلبة واضحة قاطعة.

والتعبير بـ (إذا) توحي بأنّا حتّى في الموارد التي لا يُنتظر ولا يُتوقّع إنتصار الحقّ فيها، فإنّنا سنجري هذه السنّة. والتعبير بـ «زاهق» والذي يعني الشيء المضمحل، تأكيد على هذا المقصود.

وأمّا أنّ جملتي (نقذف) و (يدمغ) قد جاءتا بصيغة الفعل المضارع، فهو دليل على إستمرار هذه السنّة.

* * *

[ 138  ]

بحث

الهدف من الخلق:

في الوقت الذي لا يعترف المادّيون بهدف للخلق، لأنّهم يعتقدون أنّ الطبيعة الفاقدة للعقل والشعور والهدف هي التي إبتدأت الخلق، ولهذا فإنّهم يؤيّدون اللغوية وعدم الفائدة في مجموعة الوجود، فإنّ الفلاسفة الإلهيين وإتباع الأديان جميعاً يعتقدون بوجود هدف سام للمخلوقات، لأنّ المبدىء للخلق قادر وحكيم وعالم، فمن المستحيل أن يقوم بعمل لا فائدة فيه.

وهنا ينقدح هذا السؤال: ما هو الهدف؟

قد نتوهّم أحياناً نتيجة قياس الله سبحانه على ذواتنا وأنفسنا ونتساءل: هل كان الله محتاجاً وينقصه شيء، وكان يريد بخلق الوجود، ومن جملته الإنسان، أن يسدّ ذلك النقص ويرفع تلك الحاجة؟

هل هو محتاج لعبادتنا ودعائنا ومناجاتنا؟ هل كان يريد أن يُعرف فخلق الخلق ليُعرف؟

إلاّ أنّ هذا كما قلنا خطأ كبير ناشىء من المقارنة بين الله وخلقه، في حين أنّ هذه المقارنة والقياس غير الصحيح هو أكبر سدّ ومانع في بحث معرفة صفات الله، ولذلك فإنّ أوّل أصل في هذا البحث هو أن نعلم أنّ الله سبحانه لا يشبهنا في أي شيء.

فالإنسان موجود محدود من كلّ النواحي، ولذلك فإنّ كلّ مساعينا هي من أجل رفع نواقصنا وإحتياجاتنا، ندرس لنتعلّم فنمحو نقص جهلنا، ونسعى للعمل والكسب لدفع الفقر ونكسب الثروة، نهيىء الجيوش والقوى لنسدّ النقص في قوانا أمام العدوّ، وحتّى في الاُمور المعنوية أو تهذيب النفس أو التكامل المعنوي والروحي، فإنّ السعي والجدّ في كلّ ذلك من أجل رفع النواقص ..

ولكن، هل من المعقول أن يقوم الوجود المطلق غير المتناهي في كلّ الجهات

[ 139  ]

(فعلمه وقدرته وقوّته غير محدودة، ولا يعاني أي نقص في الوجود) بعمل لرفع حاجته؟

يتّضح من هذا التحليل أنّ الخلق ليس عبثاً من جهة، ومن جهة أُخرى فإنّ الهدف من الخلق لا يعود إلى الخالق. وهنا يمكن أن نصل ببساطة إلى نتيجة، وهي: أنّ الهدف، حتماً وبلا شكّ، أمرٌ يرتبط بنا.

ومع ملاحظة هذه المقدّمة يمكن التوصّل إلى أنّ هدف الخلقة هو تكاملنا وإرتقاؤنا ولا شيء سواه.

وبتعبير آخر فإنّ عالم الوجود بمثابة مدرسة لتكاملنا في مجال العلم.

ودار حضانة لتربية وتهذيب نفوسنا.

ومتجر لكسب الموارد المعنوية، وأرض زراعية غنيّة صالحة لإنتاج أنواع المحصولات الإنسانية.

أجل «الدنيا مزرعة الآخرة .. الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها»(1).

إنّ هذه القافلة قد تحركت من عالم العدم، وهي تسير دائماً إلى ما لا نهاية له.

ويشير القرآن المجيد إشارات قصيرة عميقة المعنى جدّاً في آيات مختلفة إلى وجود هدف معيّن من الخلق من جهة، ومن جهة أُخرى فإنّه يشخّص هذا الهدف ويوضّحه.

فيقول في الجانب الأوّل: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى).(2)

(أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون).(3)

___________________________

1 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 131.

2 ـ القيامة، 36.

3 ـ المؤمنون، 115.

[ 140  ]

(وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا).(1)

وفي الجانب الآخر، فإنّه جعل هدف الخلق في بعض الآيات عبودية الله وعبادته: (وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون)(2)، ومن البديهي أنّ العبادة منهج لتربية الإنسان في الأبعاد المختلفة .. العبادة بمعناها الشمولي التي هي التسليم لأمر الله ستهب روح الإنسان تكاملا في الأبعاد المختلفة، وقد بيّنا تفصيله في ذيل الآيات المرتبطة بالعبادات المختلفة.

ويقول: أحياناً إنّ الهدف من الخلقة هو إيقاظكم وتوعيتكم وتقوية إيمانكم وإعتقادكم: (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ يتنزّل الأمر بينهن لتعلموا أنّ الله على كلّ شيء قدير)(3).

ويقول تارةً: إنّ الهدف من الخلق هو إختبار حسن عملكم: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا).(4)

إنّ الآيات الثلاث آنفة الذكر والتي يشير كلّ منها إلى بعد من أبعاد وجود الإنسان الثلاث ـ بعد الوعي والإيمان، وبعد الأخلاق، وبعد العمل ـ تبيّن هدف الخلق التكاملي الذي يعود على الإنسان نفسه.

ويجدر أن نشير إلى هذه «اللطيفة»، وهي أنّه لمّا كانت آيات القرآن غير حاوية لكلمة التكامل، فإنّ بعضاً يتصوّر أنّها من الأفكار المستوردة; إلاّ أنّ الردّ على مثل هذا التصوّر أو الإشكال واضح، لأنّنا لسنا في صدد الألفاظ الخاصّة، فمفهوم التكامل ومصاديقه جليّة في الآيات آنفة الذكر، تُرى ألم يكن العلم مصداقه الواضح .. أم لم يكن الإرتقاء في العبودية وحسن العمل من مصاديقه!

___________________________

1 ـ سورة ص، 27.

2 ـ الذاريات، 56.

3 ـ الطلاق، 12.

4 ـ الملك، 2.

[ 141  ]

فنحن نقرأ في الآية (17) من سورة محمّد قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) فهل يدلّ التعبير بالزيادة إلاّ على التكامل؟

وهنا ينقدح سؤال، وهو: إذا كان الهدف هو التكامل، فلماذا لم يخلق الله الإنسان كاملا منذ البداية حتّى لا يكون محتاجاً إلى طيّ مراحل التكامل؟

إنّ أساس هذا الإشكال هو الغفلة عن هذه النقطة، وهي أنّ العنصر الأصلي للتكامل هو التكامل الإختياري، وبتعبير آخر فإنّ التكامل يعني أن يطوي الإنسان الطريق بنفسه وإرادته وتصميمه، فإذا أخذوا بيده وأوصلوه بالقوّة والجبر فليس هذا إفتخاراً ولا تكاملا.

فمثلا: لو أنفق الإنسان فلساً واحداً من ماله بإرادته وتصميمه، فقد طوى من طريق الكمال الأخلاقي بتلك النسبة، في حين أنّه لو أُجبر على إنفاق الملايين من ثروته، فإنّه لم يتقدّم خطوة واحدة في ذلك الطريق، ولذلك صرّح القرآن بهذه الحقيقة في الآيات المختلفة، وهي أنّ الله سبحانه لو شاء لأجبر الناس على أن يؤمنوا، إلاّ أنّ هذا الإيمان لا نفع فيه لهؤلاء: (ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعاً).(1)

* * *

___________________________

1 ـ يونس، 99.

[ 142  ]

الآيات

وَلَهُ مَن فِى السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ(19) يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ  لاَ يَفْتُرُونَ(20) أَمِ اتَّخَذُوا ءَالِهَةً مِّنَ الاَْرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ(21)لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَـنَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22) لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ(23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَنَكُم هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ(24)وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُول إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ(25)

التّفسير

الشرك ينبع من الظنّ:

كان الكلام في الآيات السابقة عن أنّ عالم الوجود ليس عبثيّاً لا هدف من ورائه، فلا مزاح ولا عبث، ولا لهو ولا لعب، بل له هدف تكاملي دقيق للبشر.

[ 143  ]

ولمّا كان من الممكن أن يوجد هذا التوهّم، وهو: ما حاجة الله إلى إيماننا وعبادتنا؟

فإنّ الآيات التي نبحثها تجيب أوّلا عن هذا التوهّم، وتقول: (وله من في السماوات والأرض، ومن عنده (أي الملائكة) لا يستكبرون عن عبادته  ولا يستحسرون(1) يسبّحون الليل والنهار لا يفترون).

ومع هذا الحال فأي حاجة لطاعتكم وعبادتكم؟ فكلّ هؤلاء الملائكة المقرّبين مشغولون بالتسبيح ليلا ونهاراً، وهو تعالى لا يحتاج حتّى لعبادة هؤلاء، فإذا كنتم قد أُمرتم بالإيمان والعمل الصالح والعبودية فإنّ كلّ ذلك سيعود بالنفع عليكم.

وهنا نقطة تلفت الإنتباه أيضاً، وهي أنّه في نظام العبيد والموالي الظاهري، كلّما تقرّب العبد من مولاه يقلّ خضوعه أمامه، لأن يختصّ به أكثر، فيحتاجه المولى أكثر. أمّا في نظام عبوديّة الخلق والخالق فالأمر على العكس، فكلّما إقتربت الملائكة وأولياء الله من الله سبحانه زادت عبوديتهم(2).

وبعد أن نفت في الآيات السابقة عبثيّة ولا هدفيّة عالم الوجود، وأصبح من المسلّم أنّ لهذا العالم هدفاً مقدّساً، فإنّ هذه الآيات تتطرّق إلى بحث مسألة وحدة المعبود ومدبّر هذا العالم، فتقول: (أم اتّخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون)(3).

وهذه الجملة في الحقيقة إشارة إلى أنّ المعبود يجب أن يكون خالقاً، وخاصّة خلق الحياة، لأنّها أوضح مظاهر الخلق ومصاديقه. وهذا في الحقيقة يشبه ما نقرؤه

___________________________

1 ـ «يستحسرون» في الأصل من مادّة حسر، وفي الأصل تعني رفع النقاب والستار عن الشيء المغطّى، ثمّ إستعملت بمعنى التعب والضعف، فكأنّ كلّ قوى الإنسان تصرف في مثل هذه الحالة، ولا يبقى منها شيء مخفي في بدنه.

2 ـ الميزان، ذيل الآيات محلّ البحث.

3 ـ «ينشرون» من مادّة نشر، أي فكّ الشيء المعقّد الملفوف، وهو كناية عن الخلق وإنتشار المخلوقات في أرجاء الأرض والسّماء. ويصرّ بعض المفسّرين على إعتبار هذه الجملة إشارة إلى المعاد ورجوع الأموات إلى الحياة من جديد، في حين أنّه بملاحظة الآيات التالية سيتّضح أنّ الكلام عن توحيد الله وأنّه المعبود الحقيقي، وليس عن المعاد والحياة بعد الموت.

[ 144  ]

في الآية (73) من سورة الحجّ: (إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو إجتمعوا له) ومع هذا الحال كيف يكون هؤلاء أهلا للعبادة؟

التعبير بـ(آلهة من الأرض) إشارة إلى الأصنام والمعبودات التي كانوا يصنعونها من الحجارة والخشب، وكانوا يظنّونها حاكمة على السماوات.

وتبيّن الآية التالية أحد الأدلّة الواضحة على نفي آلهة وأرباب المشركين، فتقول: (لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا فسبحان الله ربّ العرش عمّا يصفون).

هذه الإدّعاءات غير الصحيحة وهذه الأرباب المصنوعة والآلهة المظنونة ليست إلاّ أوهاماً، وساحة كبرياء ذاته المقدّسة لا تتلوّث بهذه النسب المغلوطة.

برهان التمانع:

إنّ الدليل الوارد في الآية آنفة الذكر ولإثبات التوحيد ونفي الآلهة، في الوقت الذي هو بسيط وواضح، فإنّه من البراهين الفلسفيّة الدقيقة في هذا الباب، ويذكره العلماء تحت عنوان (برهان التمانع). ويمكن إيضاح خلاصة هذا البرهان بما يلي:

إنّنا نرى ـ بدون شكّ ـ نظاماً واحداً حاكماً في هذا العالم، ذلك النظام المتناسق من جميع جهاته، فقوانينه ثابتة تجري في الأرض والسّماء، ومناهجه متطابقة بعضها مع بعضها، وأجزاؤه متناسبة.

إنّ إنسجام القوانين وأنظمة الخلقة هذا يحكي أنّها تنبع من عين واحدة، لأنّ البدايات إن كانت متعدّدة، والإرادات مختلفة، لم يكن يوجد هذا الإنسجام مطلقاً، وهذا الشيء الذي يعبّر عنه القرآن بـ (الفساد) يلاحظ في العالم بوضوح.

إذا كنّا من أهل التحقيق والمطالعة ـ ولو قليلا ـ فإنّا نستطيع أن نفهم جيداً من خلال تحقيق كتاب ما، أنّ كاتبه شخص واحد أم عدّة أشخاص؟ فإنّ الكتاب الذي يؤلّفه شخص واحد يوجد إنسجام خاص بين عباراته، ترتيب جمله، تعبيراته المختلفة، كناياته وإشاراته، عناوينه ورؤوس مطالبه، طريقة الدخول في البحوث

[ 145  ]

والخروج منها، والخلاصة: إنّ كلّ أقسامه متحدّة متناسقة لأنّها وليدة فكر واحد، وترشّح قلم واحد.

أمّا إذا تعهّد شخصان أو عدّة أشخاص بأن يؤلّف كلّ منهم جزءاً من  الكتاب ـ وإن كان الجميع علماء متقاربين في الروح والتفكير ـ فستظهر آثار هذه الإزدواجية أو الكثرة في العبارات والألفاظ، وطريقة الأبحاث. وسبب ذلك واضح، لأنّ الفردين مهما كانا منسجمين في الفكر والذوق، فإنّهما في النتيجة فردان، فلو كانت كلّ أشيائهما واحدة لأصبحا فرداً واحداً، فبناء على هذا فيجب أن يكون هناك تفاوت فيما بينهما قطعاً ليتمكّنا أن يكونا فردين، وهذا الإختلاف سيؤثّر أثره في النتيجة، وسيُبدي آثاره في كتاباتهما.

وكلّما كان هذا الكتاب أكبر وأكثر تفصيلا، ويبحث مواضيع متنوّعة، فإنّ عدم الإنسجام يُلمس فيه أوضح. وكتاب عالم الخلقة الكبير، الذي نضيّع بكلّ وجودنا في طيّات عباراته لعظمته يشمله هذا القانون أيضاً.

حقّاً إنّنا لا نستطيع مطالعة كلّ هذا الكتاب حتّى لو صرفنا كلّ عمرنا في مطالعته، إلاّ أنّ هذا القدر الذي وُفّقنا نحن ـ وجميع العلماء ـ لمطالعته منسجم إلى الحدّ الذي يدلّ تماماً على وحدة مؤلّفه .. إنّنا كلّما تصفّحنا هذا الكتاب العجيب فستظهر بين كلماته وسطوره وصفحاته آثار تنظيم عال وإنسجام منقطع النظير. فإذا كانت هناك إرادات وبدايات متعدّدة تتدخّل في إدارة هذا العالم وتنظيمه، فهل كان بالإمكان أن يوجد مثل هذا الإنسجام؟

ولو فكّرنا: لماذا يستطيع علماء الفضاء أن يرسلوا السفن الفضائية إلى الفضاء بدقّة كاملة، وينزلوا العربة على القمر في المحلّ الذي قدروه من الناحية العلمية بدقّة متناهية، ثمّ يحرّكونها من هناك وينزلونها إلى الأرض في المحل الذي توقّعوه؟

ألم تكن هذه الدقّة في الحسابات لكون النظام الحاكم على كلّ الوجود الذي

[ 146  ]

هو أساس حسابات هؤلاء العلماء ـ دقيقاً ومنسجماً، بحيث إذا كان هناك شيء من عدم الإنسجام ـ ومن الناحية الزمنيّة جزء من مائة من الثّانية ـ فستضطرب جميع حساباتهم؟

ونقول بإختصار: إذا كانت هناك إرادتان أو عدّة إرادات حاكمة في العالم، فإنّ لكلّ واحدة قضاء، وكانت الاُخرى تمحو أثر الأُولى، وسيؤول العالم إلى الفساد عندئذ.

سؤال:

وهنا يُثار سؤال يمكن إستلهام جوابه من التوضيحات السابقة، وهو: إنّ تعدّد الآلهة يكون منشأ للفساد عندما يحارب أحدها الآخر، أمّا إذا اعتقدنا بأنّ هؤلاء أفراد حكماء عالمون، فإنّهم يتعاونون فيما بينهم ويديرون العالم.

وجواب هذا السؤال لا لَبْسَ فيه: فإنّ كونهم حكماء لا يزيل تعدّدهم، فعندما نقول: إنّهم متعدّدون، فإنّ معناه إنّهم ليسوا متحدّين من جميع الجهات، لأنّهم إن اتّحدوا من كلّ الجوانب أصبحوا إلهاً واحداً، وبناءً على ذلك فأينما وجد التعدّد وجد الإختلاف الذي يؤثّر في الإدارة والعمل شئنا أم أبينا، وهذا سيجرّ عالم الوجود إلى الهرج والمرج.

وقد استُنِد في بعض هذه الإستدلالات إلى أنّه لو كان هناك إرادتان حاكمتان على الخلق، لما كان هناك عالم أصلا. في حين أنّ هذه الآية تتحدّث عن فساد العالم وإختلال النظام، لا عن عدم وجود العالم.

ومن اللطيف أن نقرأ في حديث يرويه هشام بن الحكم عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب الرجل الملحد الذي كان يتحدّث عن تعدّد الآلهة، أنّه قال:  «لا يخلو قولك أنّهما إثنان من أن يكونا قويين أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً، فإن كانا قويّين فلِمَ لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه

[ 147  ]

وينفرد بالتدبير، وإن زعمت أنّ أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنّه واحد كما تقول، للعجز الظاهر في الثّاني، وإن قلت: إنّهما إثنان، لا يخلو من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو متفرّقين من كلّ جهة، فلمّا رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، وإختلاف الليل والنهار، والشمس والقمر، دلّ صحّة الأمر والتدبير وإئتلاف الأمر أنّ المدبّر واحد.

ثمّ يلزمك إن ادّعيت إثنين فلابدّ من فرجة بينهما حتّى يكونا إثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما فيلزمك ثلاثة، فإن ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الإثنين حتّى يكون بينهما فرجتان فيكون خمساً، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما  لا نهاية في الكثرة»(1).

إنّ بداية هذا الحديث إشارة إلى برهان التمانع، ونهايته إشارة إلى برهان آخر يسمّى بـ (برهان الفرجة).

وفي حديث آخر: إنّ هشام بن الحكم سأل الإمام الصادق (عليه السلام): ما الدليل على أنّ الله واحد؟ قال: «اتّصال التدبير، وتمام الصنع، كما قال الله عزّوجلّ: لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا»(2).

وبعد أن ثبت بالإستدلال الذي ورد في الآية توحيد مدبّر ومدير هذا العالم، فتقول الآية التالية: إنّه قد نظّم العالم بحكمة لا مجال فيها للإشكال والإنتقاص ولا أحد يعترض عليه في خلقه: (لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون).

وبالرغم من أنّ المفسّرين قد تكلّموا كثيراً حول تفسير هذه الآية، إلاّ أنّ ما ذكرناه أعلاه يبدو هو الأقرب.

وتوضيح ذلك: أنّ لدينا نوعين من الأسئلة:

الأوّل: السؤال التوضيحي، وهو أن يكون الإنسان جاهلا ببعض المسائل،

___________________________

1 ـ التوحيد، «للصدوق» كما ورد في تفسير نور الثقلين، الجزء3، ص417 ـ 418.

2 ـ المصدر السابق.

[ 148  ]

ويرغب في أن يدرك حقيقتها، وحتى إذا علم وآمن بأنّ هذا العمل الذي تمّ كان صحيحاً، فإنّه يريد أن يعلم النقطة الأصليّة والهدف الحقيقي منه، ومثل هذا السؤال جائز حتّى حول أفعال الله، بل إنّ هذا السؤال يعتبر أساس ومصدر الفحص والتحقيق في عالم الخلقة والمسائل العلميّة، وقد كان لأصحاب النّبي والأئمّة كثير من هذه الأسئلة سواء فيما يتعلّق بعالم التكوين أو التشريع.

أمّا النوع الثّاني: فهو السؤال الإعتراضي، والذي يعني أنّ العمل الذي تمّ كان خطأً، كأن ينقض إنسان عهده بلا سبب، فنقول: لماذا نقضت عهدك؟ فليس الهدف طلب التوضيح، بل الهدف الإعتراض والتخطئة.

من المسلّم أنّ هذا النوع من السؤال لا معنى له حول أفعال الله الحكيم، وإذا ما اعترض أحد أحياناً فلجهله، إلاّ أنّ مجال هذا السؤال حول أفعال الآخرين واسع.

وفي حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) في جواب سؤال جابر الجعفي عن هذه الآية أنّه قال: «لأنّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة وصواباً»(1).

ويمكن أن تُستخلص نتيجة من هذا الكلام، وهي: إنّ أحداً إذا سأل سؤالا من النوع الثّاني، فهو دليل على أنّه لم يعرف الله معرفة صحيحة لحدّ الآن، وهو جاهل بكونه حكيماً.

وتشتمل الآية التالية على دليلين آخرين في مجال نفي الشرك، فمضافاً إلى الدليل السابق يصبح مجموعها ثلاثة أدلّة.

تقول الآية أوّلا: (أم اتّخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم) وهو إشارة إلى أنّكم إذا صرفتم النظر عن الدليل السابق القائم على أنّ نظام عالم الوجود دليل على التوحيد، فإنّه لا يوجد أي دليل ـ على الأقل ـ على إثبات الشرك واُلوهيّة

___________________________

1 ـ توحيد الصدوق، حسب نقل تفسير نور الثقلين، الجزء3، ص419.

[ 149  ]

هذه الآلهة، فكيف يتقبّل إنسان عاقل مطلباً لا دليل عليه؟

ثمّ تشير إلى الدليل الأخير فتقول: (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) وهذا هو الدليل الذي ذكره علماء العقائد تحت عنوان (إجماع وإتّفاق الأنبياء على التوحيد).

ولمّا كانت كثرة المشركين (وخاصّةً في ظروف حياة المسلمين في مكّة، والتي نزلت فيها هذه السورة) مانعاً أحياناً من قبول التوحيد من قبل بعض الأفراد، فهي تضيف: (بل أكثرهم لا يعلمون الحقّ فهم معرضون).

لقد كانت مخالفة الأكثرية الجاهلة في كثير من المجتمعات دليلا وحجّة لإعراض الغافلين الجاهلين دائماً، وقد إنتقد القرآن الإستناد إلى هذه الأكثرية بشدّة في كثير من الآيات، سواء التي نزلت في مكّة أو المدينة، ولم يعرها أيّة أهميّة، بل إعتبر المعيار هو الدليل والمنطق.

ولمّا كان من المحتمل أن يقول بعض الجهلة الغافلين أنّ لدينا أنبياء كعيسى مثلا دعوا إلى آلهة متعدّدة، فإنّ القرآن الكريم يقول في آخر آية من الآيات محلّ البحث بصراحة تامّة: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون) وبهذا يثبت أنّه لا عيسى ولا غيره قد دعا إلى الشرك، ومثل هذه النسبة إليه تهمة وإفتراء.

* * *

[ 150  ]

الآيات

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـنُ وَلَداً سُبْحَـنَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظَّـلِمِينَ (29)

التّفسير

الملائكة عباد مُكْرَمُون مطيعون:

لمّا كان الكلام في آخر آية عن الأنبياء، ونفي كلّ أنواع الشرك، ونفي كون المسيح (عليه السلام) ولداً، فإنّ كلّ الآيات محلّ البحث تتحدّث حول نفي كون الملائكة أولاداً.

وتوضيح ذلك أنّ كثيراً من مشركي العرب كانوا يعتقدون أنّ الملائكة بنات الله سبحانه، ولهذا السبب كانوا يعبدونها أحياناً، والقرآن الكريم إنتقد هذه العقيدة الخرافية التي لا أساس لها، وبيّن بطلانها بالأدلّة المختلفة.

يقول أوّلا: (وقالوا اتّخذ الرحمن ولداً) فإن كان مرادهم الولد الحقيقي، فإنّه

[ 151  ]

يلزم من هذا الجسميّة، وإن كان المراد التبنّي ـ والذي كان إعتيادياً ومتداولا بين العرب ـ فإنّ ذلك أيضاً دليل على الضعف والإحتياج، وفوق كلّ ذلك فإنّ الذي يحتاج إلى الولد هو الذي يفنى، ويجب أن يديم إبنه حياته على المدى البعيد، وكذلك ليبقى نسله وكيانه وآثاره، أو لإبعاد الإحساس بالوحدة والحاجة إلى المؤنس، أو ليكتسب القدرة والقوّة. إلاّ أنّ الوجود الأزلي الأبدي وغير الجسماني، وغير المحتاج من جميع الجهات، لا معنى لوجود الولد له. ولذلك فإنّ القرآن يقول مباشرةً: (سبحانه).

ثمّ تُبيّن أوصاف الملائكة في ستّة أقسام تشكّل بمجموعها دليلا واضحاً على نفي كونهم أولاداً:

1 ـ بل عباد.

2 ـ مكرمون.

فليس هؤلاء عباداً هاربين خضعوا للخدمة تحت ضغط المولى، بل هم عباد لائقون يعرفون طريق العبودية واُصولها ويفتخرون بها، ولذلك فإنّ الله سبحانه قد أحبّهم، وأفاض عليهم من مواهبه نتيجة لإخلاصهم في العبودية.

3 ـ إنّ هؤلاء على درجة من الأدب والخضوع والطاعة لله بحيث (لا يسبقونه بالقول).

4 ـ وكذلك من ناحية العمل أيضاً فهم مطيعون (وهم بأمره يعملون).

فهل هذه صفات الأولاد، أم صفات العبيد؟

ثمّ أشارت إلى إحاطة علم الله بهؤلاء فتقول: إنّ الله تعالى يعلم أعمالهم الحاضرة وفي المستقبل، وكذلك أعمالهم السالفة، وأيضاً يعلم دنياهم وآخرتهم وقبل وجودهم وبعده: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)(1) ومن المسلّم أنّ

___________________________

1 ـ للمفسّرين في هذه الجملة ثلاثة تفاسير أوردناها معاً في العبارات أعلاه لعدم المنافاة فيما بينها.

[ 152  ]

الملائكة مطّلعون على هذا الموضوع، وهو أنّ لله إحاطة علمية بهم، وهذا العرفان هو السبب في أنّهم لا يسبقونه بالقول، ولا يعصون أمره، ولهذا فإنّ هذه الجملة يمكن أن تكون بمثابة تعليل للآية السابقة.

5 ـ ولا شكّ أنّ هؤلاء الذين هم عباد الله المكرمون المحترمون يشفعون للمحتاجين، لكن ينبغي الإلتفات إلى أنّ هؤلاء (ولا يشفعون إلاّ لمن إرتضى)ومن المسلّم أنّ رضى الله وإذنه في الشفاعة لا يمكن أن يكون أي منهما إعتباطياً، بل لابدّ أن يكون من أجل الإيمان الحقيقي، أو الأعمال التي تحفظ علاقة الإنسان بالله.

وبتعبير آخر، فإنّ من الممكن أن يتلوّث الإنسان بالمعصية، إلاّ أنّه إذا لم يقطع علاقته بالله وأوليائه تماماً، فإنّ الشفاعة تؤمّل في حقّه. أمّا إذا قطع علاقته تماماً من ناحية الإتّجاه الفكري والعقائدي، أو أنّه غرق في المعاصي والإنحراف من الناحية العملية، إلى الحدّ الذي يفقد معه لياقة الشفاعة أو إستحقاقها، ففي هذه الحال سوف لا يشفع له أي نبي مرسل أو ملك مقرّب.

إنّ هذا هو نفس المطلب الذي أوردناه في بحث فلسفة الشفاعة ضمن البحوث السابقة، بأنّ الشفاعة هي طريق لتهذيب الإنسان، ووسيلة لإرجاع المذنبين إلى الصراط المستقيم، والمنع من اليأس أو القنوط، والذي هو بنفسه عامل للإنزلاق والغرق في الإنحراف والمعصية.

إنّ الإيمان بمثل هذه الشفاعة يبعث على بقاء إرتباط المذنبين بالله ورسله والأئمّة، ولا يهدموا كلّ الجسور خلفهم، ويحفظوا خطّ الرجعة(1).

ثمّ إنّ هذه الجملة تجيب ضمناً اُولئك الذين يقولون: إنّنا نعبد الملائكة لتشفع لنا عند الله، فيقول القرآن لهم: إنّ هؤلاء لا يقدرون على فعل شيء من تلقاء

___________________________

1 ـ بحثنا في مجال الشفاعة بصورة مفصّلة في ذيل الآيتين (48 و254) من سورة البقرة، فراجع.

[ 153  ]

أنفسهم، وكلّ ما تريدونه يجب أن تطلبوه من الله مباشرةً، وحتّى إذن شفاعة الشافعين.

6 ـ ونتيجة لهذه المعرفة والوعي (وهم من خشيته مشفقون) فهم لا يخشون من أن يكونوا قد أذنبوا، بل يخافون من التقصير في العبادة أو ترك الأُولى.

ومن بديع اللغة العربية، أنّ «الخشية» من ناحية الأصل اللغوي لا تعني كلّ خوف، بل الخوف المقترن بالتعظيم والإحترام.

وكلمة «مشفق» من مادّة الإشفاق، بمعنى التوجّه الممتزج بالخوف، لأنّها في الأصل مأخوذة من الشفق، وهو الضياء الممتزج بالظلمة.

فبناءً على هذا، فإنّ خوف الملائكة ليس كخوف الإنسان من حادثة مرعبة مخيفة، وكذلك إشفاقهم فإنّه لا يشبه خوف الإنسان من موجود خطر، بل إنّ خوفهم وإشفاقهم ممزوجان بالإحترام، والعناية والتوجّه، والمعرفة والإحساس بالمسؤولية(1).

من الواضح أنّ الملائكة مع هذه الصفات البارزة والممتازة، ومقام العبودية الخالصة لا يدّعون الاُلوهية مطلقاً، أمّا إذا فرضنا ذلك (ومن يقل منهم إنّي إله من دونه فذلك نجزيه جهنّم).

إنّ إدّعاء الاُلوهية في الحقيقة مصداق واضح على ظلم النفس والمجتمع، ويندرج في القانون العامّ (كذلك نجزي الظالمين).

* * *

___________________________

1 ـ مفردات الراغب مادّة خشية وشفق، وتفسير الصافي ذيل الآيات مورد البحث.

[ 154  ]

الآيات

أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَـهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْء حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ(30)وَجَعَلْنَا فِي الاَْرْضِ رَوَسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ ءَايَـتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَك يَسْبَحُونَ (33)

التّفسير

علامات أُخرى للهِ في عالم الوجود:

تعقيباً على البحوث السابقة حول عقائد المشركين الخرافية، والأدلّة التي ذكرت على التوحيد، فإنّ في هذه الآيات سلسلة من براهين الله في عالم الوجود، وتدبيره المنظّم، وتأكيداً على هذه البحوث تقول أوّلا: (أو لم ير الذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كلّ شيء حي  أفلا  يؤمنون).

لقد ذكر المفسّرون أقوالا كثيرة فيما هو المراد من «الرتق» و «الفتق»

[ 155  ]

المذكورين هنا في شأن السماوات والأرض؟ ويبدو أنّ الأقرب من بينها ثلاثة تفاسير، ويحتمل أن تكون جميعاً داخلة في مفهوم الآية(1):

1 ـ إنّ رتق السّماء والأرض إشارة إلى بداية الخلقة، حيث يرى العلماء أنّ كلّ هذا العالم كان كتلة واحدة عظيمة من البخار المحترق، وتجزّأ تدريجيّا نتيجة الإنفجارات الداخلية والحركة، فتولّدت الكواكب والنجوم، ومن جملتها المنظومة الشمسية والكرة الأرضية، ولا يزال العالم في توسّع دائب.

2 ـ المراد من الرتق هو كون مواد العالم متّحدة، بحيث تداخلت فيما بينها وكانت تبدو وكأنّها مادّة واحدة، إلاّ أنّها إنفصلت عن بعضها بمرور الزمان، فأوجدت تركيبات جديدة، وظهرت أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات والموجودات الاُخرى في السّماء والأرض، موجودات كلّ منها نظام خاص وآثار وخواص تختص بها، وكلّ منها آية على عظمة الله وعلمه وقدرته غير المتناهية(2).

3 ـ إنّ المراد من رتق السّماء هو أنّها لم تكن تمطر في البداية، والمراد من رتق الأرض أنّها لم تكن تنبت النبات في ذلك الزمان، إلاّ أنّ الله سبحانه فتق الإثنين، فأنزل من السّماء المطر، وأخرج من الأرض أنواع النباتات. والرّوايات المتعدّدة الواردة عن طرق أهل البيت (عليهم السلام) تشير إلى المعنى الأخير، وبعضها يشير إلى التّفسير الأوّل(3).

لا شكّ أنّ التّفسير الأخير شيء يمكن رؤيته بالعين، وكيف أنّ المطر ينزل من السّماء، وكيف تنفتق الأرض وتنمو النباتات، وهو يناسب تماماً قوله تعالى: (أو لم ير الذين كفروا) وكذلك ينسجم وقوله تعالى: (وجعلنا من الماء كلّ شيء حي).

___________________________

1 ـ الفخر الرازي، في التّفسير الكبير، وبعض المفسّرين الآخرين.

2 ـ الميزان، ذيل الآية.

3 ـ يُراجع تفسير الصافي، ونور الثقلين، ذيل الآية مورد البحث.

[ 156  ]

إلاّ أنّ التّفسيرين الأوّل والثّاني أيضاً لا يخالفان المعنى الواسع لهذه الآية، لأنّ الرؤية تأتي أحياناً بمعنى العلم. صحيح أنّ هذا العلم والوعي ليس للجميع، بل إنّ العلماء وحدهم الذين يستطيعون أن يكتسبوا العلوم حول ماضي الأرض والسّماء، وإتّصالهما ثمّ إنفصالهما، إلاّ أنّنا نعلم أنّ القرآن ليس كتاباً مختصاً بعصر وزمان معيّن، بل هو مرشد ودليل للبشر في كلّ القرون والأعصار.

من هذا يظهر أنّ له محتوى عميقاً يستفيد منه كلّ قوم وفي كلّ زمان، ولهذا نعتقد أنّه لا مانع من أن تجتمع للآية التفاسير الثلاثة، فكلّ في محلّه كامل وصحيح وقد قلنا مراراً: إنّ إستعمال لفظ واحد في أكثر من معنى ليس جائزاً فحسب، بل قد يكون أحياناً دليلا على كمال الفصاحة، وإنّ ما نقرؤه في الرّوايات من أنّ للقرآن بطوناً مختلفة يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى.

وأمّا فيما يتعلّق بإيجاد كلّ الكائنات الحيّة من الماء الذي اُشير إليه في ذيل الآية، فهناك تفسيران مشهوران:

أحدهما: إنّ حياة كلّ الكائنات الحيّة ـ سواء كانت النباتات أم الحيوانات ـ ترتبط بالماء، هذا الماء الذي كان مبدؤه ـ المطر الذي نزل من السّماء.

والآخر: إنّ الماء هنا إشارة إلى النطفة التي تتولّد منها الكائنات الحيّة عادةً.

وما يلفت النظر أنّ علماء عصرنا الحديث يعتقدون أنّ أوّل إنبثاقة للحياة وجدت في أعماق البحار، ولذلك يرون أنّ بداية الحياة من الماء. وإذا كان القرآن يعتبر خلق الإنسان من التراب، فيجب أن لا ننسى أنّ المراد من التراب هو الطين المركّب من الماء والتراب.

والجدير بالذكر أيضاً أنّه طبقاً لتحقيقات العلماء، فإنّ الماء يشكّل الجزء الأكبر من بدن الإنسان وكثير من الحيوانات، وهو في حدود 70%!

وما يورده البعض من أنّ خلق الملائكة والجنّ ليس من الماء، مع أنّها كائنات حيّة، فجوابه واضح، لأنّ المراد هو الموجودات الحيّة المحسوسة بالنسبة لنا.

[ 157  ]

وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ رجلا سأله: ما طعم الماء؟ فقال الإمام أوّلا: «سل تفقّهاً ولا تسأل تعنّتاً» ثمّ أضاف: «طعم الماء طعم الحياة! قال الله سبحانه: (وجعلنا من الماء كلّ شيء حي).

وخاصةً عندما يصل الإنسان إلى الماء السائغ بعد عطش طويل في الصيف، وفي ذلك الهواء المحرق، فإنّه حينما تدخل أوّل جرعة ماء إلى جوفه يشعر أنّ الروح قد دبّت في بدنه، وفي الواقع أراد الإمام أن يجسّد الإرتباط والعلاقة بين الحياة والماء بهذا التعبير الجميل.

وأشارت الآية التالية إلى جانب آخر من آيات التوحيد ونعم الله الكبيرة، فقالت: (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم)(1) وقلنا فيما مضى: إنّ الجبال كالدرع الذي يحمي الأرض، وهذا هو الذي يمنع ـ إلى حدّ كبير ـ من الزلازل الأرضيّة الشديدة التي تحدث نتيجة ضغط الغازات الداخلية. إضافةً إلى أنّ وضع الجبال هذا يقلّل من حركات القشرة الأرضيّة أمام ظاهرة المدّ والجزر الناشئة بواسطة القمر إلى الحدّ الأدنى.

ومن جهة أُخرى فلولا الجبال، فإنّ سطح الأرض سيكون معرّضاً للرياح القويّة دائماً، وسوف لا تستقرّ على حال أبداً، كما هي حال الصحاري المقفرة المحرقة.

ثمّ أشارت الآية إلى نعمة أُخرى، وهي أيضاً من آيات عظمة الله، فقالت: (وجعلنا فيها فجاجاً سبلا لعلّهم يهتدون).

ولو لم تكن هذه الوديان والفجاج، فإنّ سلاسل الجبال العظيمة الموجودة في المناطق المختلفة من الأرض كانت ستنفصل بعضها عن بعض بحيث ينفصل

___________________________

1 ـ «رواسي» جمع راسية أي الجبال الثابتة، ولمّا كانت هذه الجبال تتّصل جذورها، فيمكن أن تكون إشارة إلى هذا الإرتباط، وقد ثبت من الناحية العلمية أن لإتصال اُصول الجبال أثر عميق في منع الزلازل الأرضية. «وتميد» من الميد، وهو الهزّة والحركة غير الموزونة للأشياء الكبيرة.

[ 158  ]

إرتباطها تماماً، وهذا يدلّ انّ هذه الظواهر الكونيّة كلّها وفق حساب دقيق.

ولمّا كان إستقرار الأرض لا يكفي لوحده لإستقرار حياة الإنسان، بل يجب أن يكون آمناً ممّا فوقه، فإنّ الآية التالية تضيف: (وجعلنا السّماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون).

المراد من السّماء هنا ـ كما قلنا سابقاً ـ هو الجوّ الذي يحيط بالأرض دائماً، وتبلغ ضخامته مئات الكيلومترات كما توصّل إليه العلماء.

وهذه الطبقة رقيقة ظاهراً، وتتكوّن من الهواء والغازات، وهي محكمة ومنيعة إلى الحدّ الذي لا ينفذ جسم من خارجها إلى الأرض إلاّ ويفنى ويتحطّم، فهي تحفظ الكرة الأرضية من سقوط الشهب والنيازك «ليل نهار» التي تعتبر أشدّ خطراً حتّى من القذائف العسكرية.

إضافةً إلى أنّ هذا الغلاف الجوي يقوم بتصفية أشعّة الشمس التي تحتوي على أشعّة قاتلة وتمنع من نفوذ تلك الأشعة الكونية القاتلة.

أجل، إنّ هذه السّماء سقف متين منيع حفظه الله من الهدم والسقوط(1).

وتطرّقت الآية الأخيرة إلى خلق الليل والنهار والشمس والقمر، فقالت: (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كلّ في قلك يسبّحون).

* * *

بحثان

1 ـ تفسير قوله تعالى: (كلّ في فلك يسبحون)

إختلف المفسّرون في تفسير هذه الآية، أمّا ما يناسب تحقيقات علماء الفلك

___________________________

1 ـ يعتقد بعض المفسّرين أنّ الآية المذكورة تنسجم والآيات التي وردت في القرآن المجيد حول حفظ السّماء من صعود الشياطين بواسطة الشهب، مثل (وحفظاً من كلّ شيطان مارد) الصافات، 7.

إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذا التّفسير لا يناسب كلمة «سقف»، لأنّ السقف غطاء لمن تحته، لا لمن فوقه. دقّقوا ذلك.

[ 159  ]

الثابتة، فهو أنّ المراد من حركة الشمس في الآية إمّا الدوران حول نفسها، أو حركتها ضمن المنظومة الشمسيّة.

ولابدّ من الإشارة إلى أنّ كلمة (كل) يمكن أن تكون إشارة إلى الشمس والقمر، وكذلك النجوم، والتي تستفاد من كلمة «الليل».

وإحتمل بعض المفسّرين أن تكون إشارة إلى كلّ من الليل والنهار والشمس والقمر، لأنّ «الليل» ـ والذي هو الظلّ المخروطي للأرض ـ له مدار خاص، فإذا نظر إنسان ـ خارج الكرة الأرضية ـ من بعيد إليه، فسيرى أنّ هذا الظل المخروطي في حركة مستمرة حول الأرض، وسيرى نور الشمس الذي يشعّ على الأرض ويشكّل في النهار كالأسطوانة التي تنتقل دائماً حول هذه الكرة، وبناءً على هذا فإنّ لكلّ من الليل والنهار مداراً ومكاناً خاصاً به(1).

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد من حركة الشمس حركتها في إحساسنا، لأنّ كلاًّ من الشمس والقمر في دوران مستمر في نظر الناظرين من أهل الأرض ..

2 ـ السّماء سقف محكم

قلنا فيما مضى: إنّ (السّماء) وردت في القرآن بمعان مختلفة، فجاءت تارةً بمعنى الجو، أي الطبقة الضخمة من الهواء (الغلاف الغازي) الذي يحيط بالأرض، كالآية آنفة الذكر. ولا بأس أن نسمع هنا توضيحاً أكثر حول إحكام هذا السقف العظيم من لسان العلماء:

كتب (فرانك ألن) اُستاذ الفيزياء الحياتية يقول: إنّ الجو الذي يتكوّن من الغازات التي تحفظ الحياة على سطح الأرض ضخم إلى الحدّ الذي يستطيع أن يكون كالدرع الذي يحفظ الأرض من شرّ المجموعة القاتلة المتكوّنة من عشرين

___________________________

1 ـ إقتباس من الميزان. ذيل الآية.

[ 160  ]

مليون شهاب سماوي تسير بسرعة 50 كيلومتر في الثّانية لتتساقط يومياً على الأرض.

إنّ الغلاف الجوي إضافةً إلى فوائده الاُخرى، فإنّه يحفظ درجة الحرارة على سطح الأرض في حدود مناسبة تساعد على الحياة، وهو ذخيرة مهمّة جدّاً لنقل الماء والبخار من المحيطات إلى اليابسة، ولو لم يكن كذلك لكانت كلّ القارات صحاري يابسة لا يمكن الحياة فيها، وعلى هذا فيجب القول بأنّ المحيطات والغلاف الجوّي هي التي تحفظ للأرض توازنها وثباتها في مدارها.

إنّ وزن بعض هذه الشهب التي تسقط على الأرض يبلغ جزءاً من ألف من الغرام، إلاّ أنّ قوته نتيجة تلك السرعة الخارقة يعادل قوّة الأجزاء الذرية التي في القنبلة المخرّبة! وقد يكون حجم تلك الشهب بمقدار ذرّة الرمل أحياناً!

في كلّ يوم تحترق ملايين من هذه الشهب قبل وصولها إلى سطح الأرض، أو تتحوّل إلى بخار، إلاّ أنّ حجم ووزن بعض الشهب كبير إلى حدٍّ تخترق معه الغلاف الجوي وتصيب سطح الأرض.

ومن جملة الشهب التي عبرت الغلاف الغازي ووصلت إلى الأرض، هو الشهاب العظيم المعروف بـ (سيبري)، والذي أصاب الأرض سنة 1908 وكان قطره بشكل أنّه شغل مكاناً من الأرض بمقدار (40) كيلومتراً تقريباً وسبّب خسائر كبيرة.

والشهاب الآخر الذي سقط في (أريزونا) في أمريكا، والذي كان بقطر كيلومتر واحد وعمق (200) متر، أحدث عند سقوطه على الأرض حفرة عميقة فيها، وتولّدت منه شهب صغيرة كثيرة نتيجة إنفجاره شغلت مساحة كبيرة نسبيّاً من الأرض.

ويكتب (كرسي موريسن): إنّ الهواء المحيط بالأرض لو كان أقل قليلا ممّا عليه، فإنّ الأجرام السماوية والشهب الثاقبة التي ترده بمقدار عدّة ملايين شهاب

[ 161  ]

في اليوم، وتتلاشى في الفضاء الخارجي، فإنّها كانت تصل إلى الأرض دائماً وتصيبها.

إنّ هذه الأجرام الفلكيّة تتحرّك بسرعة 6 ـ 40 ميل في الثّانية! وهي تنفجر وتحترق عند إصطدامها بأي شيء، ولو كانت سرعة هذه الأجرام أقل ممّا هي عليه ـ مثلا بسرعة الطلقة ـ فإنّها كانت تسقط على الأرض جميعاً، ويتّضح مقدار تدميرها فيما لو أنّ إنساناً تعرّض لسقوط أصغر جرم من هذه الأجرام السماوية عليه، فإنّها كانت ستمزّقه إرباً إرباً وتفنيه لشدّة حرارتها، لأنّها تتحرّك بسرعة تعادل سرعة الطلقة (90) مرّة!

إنّ سمك الهواء المحيط بالأرض يبلغ مقداراً يسمح أن يمرّ من خلاله إلى الأرض المقدار اللازم من الأشعّة الكونية لنمو النباتات، ويقتل كلّ الجراثيم المضرّة في ذلك الفضاء، ويوجد الفيتامينات المفيدة(1).

* * *

___________________________

1 ـ من كتاب «سرّ خلق الإنسان»، ص34 ـ 35.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21334192

  • التاريخ : 28/03/2024 - 12:20

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net