00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الفجر من أول السورة ـ آخر السورة من ( ص 169 ـ 200)  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء العشرون)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

سُورَة الفَجر

مَكيَّة

وَعَدَدُ آيَآتِهَا ثَلاثونَ آية

[169]

«سورة الفجر»

محتوى السّورة

كبقية السور المكيّة، فسورة الفجر ذات آيات قصار واُسلوب واضح ومصحوب بالإنذار والتحذير..

وتقدّم لنا الآيات الاُولى أقساماً نادرة في نوعها لتهديد الجبارين بالعذاب الإلهي.

وتنقل لنا بعض آياتها ما حلّ ببعض الأقوام السالفة ممن طغوا في الأرض وعاثوا فساداً (قوم عاد، ثمود وفرعون)، وجعلهم عبرة لاُولي الأبصار، ودرساً قاسياً لكلّ مَن يرى في نفسه القوّة والإقتدار من دون اللّه.

ثمّ تشير باختصار إلى الإمتحان الربّاني للإنسان، وتلومه على تقصيره في فعل الخيرات..

وفي آخر ما تتحدث عنه السّورة هو «المعاد» وما سينتظر المؤمنين ذوي النفوس المطمئنة من ثواب جزيل، وأيضاً ما سينتظر المجرمين والكافرين من عقاب شديد.

فضيلة السّورة:

روي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: «مَن قرأها في ليال عشر غفر اللّه له، ومَن

[170]

قرأها سائر الأيّام كانت له نوراً يوم القيامة»(1).

كما وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنّها سورة الحسين بن علي، مَن قرأها كان مع الحسين بن علي يوم القيامة في دوحته من الجنّة».(2)

يمكن أن يكون وصف السّورة بسورة الإمام الحسين(عليه السلام) بلحاظ أنّه أفضل مصاديق ما جاء في آخر آياتها، حيث فيما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) في تفسير الآية الأخيرة من السّورة: إنّ «النفس المطمئنة» هو الحسين بن علي(عليهما السلام).

أو قد يكون بلحاظ لـ «ليال عشر» المقسوم بها في أوّل السّورة، حيث من ضمن تفاسيرها أنّها: ليالي محرم العشرة، المتعلقة بشهادة الإمام الحسين(عليه السلام)

وعلى أيّة حال، فثوابها لمن تبصر في قراءتها وعمل على ضوءها.

* * *

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص481.

2 ـ مجمع البيان، 10، ص481.

[171]

الآيات

وَالْفَجْرِ(1) وَلَيَال عَشْر(2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3) وَالَّيلِ إِذَا يَسْرِ(4) هَلْ فِى ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْر(5)

التّفسير

والفجر..!

بدأت السّورة بخمسة أقسام:

الأوّل: (والفجر).. والثّاني: (وليال عشر).

«الفجر»: في الأصل، بمعنى الشقّ الواسع، وقيل للصبح «الفجر» لأنّ نوره يشقّ ظلمة الليل.

وكما هو معلوم فالفجر فجران، كاذب وصادق.

الفجر الكاذب: هو الخيط الأبيض الطويل الذي يظهر في السماء، ويشبّه بذنب الثعلب، تكون نقطة نهايته في الاُفق، وقسمه العريض في وسط السماء.

الفجر الصادق: هو النور الذي يبدأ من الاُفق فينتشر، وله نورانية وشفافية خاصة، كنهر من الماء الزلال يغطي اُفق الشرق ثمّ ينتشر في السماء.

[172]

ويعلن الفجر الصادق عن انتهاء الليل وابتداء النهار، وعنده يمسك الصائمون، وتصلى فريضة الصبح.

وفُسّر «الفجر» في الآية بمعناه المطلق، أي: بياض الصبح.

ولا شك فهو من آيات عظمة اللّه سبحانه وتعالى، ويمثل انعطافاً في حركة حياة الموجودات الموجودة على سطح الأرض، ومنها الإنسان، ويمثل كذلك حاكمية النور على الظلام، وعند مجيئه تشرع الكائنات الحية بالحركة والعمل، ويعلن انتهاء فترة النوم والسكون.

وقد أقسم اللّه تعالى ببداية حياة اليوم الجديد.

وفسّره بعض، بفجر أوّل يوم من محرم وبداية السنة الجديدة.

وفَسّره آخرون، بفجر يوم عيد الأضحى، لما فيه من مراسم الحج المهمّة ولإتصاله بالليالي العشرة الاُولى من ذي الحجّة.

وقيل أيضاً: إنّه فجر أوّل شهر رمضان المبارك، أو فجر يوم الجمعة.

ولكنّ مفهوم الآية أوسع من أن تحدد بمصداق من مصاديقها، فهي تضم كلّ ما ذكر.

وذهب البعض إلى أوسع ممّا ذكر حينما قالوا: هو كلّ نور يشع وسط ظلام.. وعليه، فبزوغ نور الإسلام ونور المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) في ظلام عصر الجاهلية هومن مصاديق الفجر، وكذا بزوغ نور قيام المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) في وسط ظلام العالم (كما جاء في بعض الرّوايات)(1).

ومن مصاديقه أيضاً، ثورة الحسين(عليه السلام) في كربلاء الدامية، لشقها ظلمة ظلام بني اُميّة، وتعرية نظامهم الحاكم بوجهه الحقيقي أمام النّاس.

ويكون من مصاديقه، كلّ ثورة قامت أو تقوم على الكفر والجهل والظلم على

_______________________________________

1 ـ راجع تفسير البرهان، ج4، ص457، الحديث 1.

[173]

مرّ التاريخ.

وحتى انقداح أوّل شرارة يقظة في قلوب المذنبين المظلمة تدعوهم إلى التوبة، فهو «فجر».

وممّا لا شك فيه أنّ المعاني هي توسعة لمفهوم الآية، أمّا ظاهرها فيدل على «الفجر» المعهود.

والمشهور عن «ليال عشر»: إنّهن ليالي أوّل ذي الحجّة، التي تشهد أكبر اجتماع عبادي سياسي لمسلمي العالم من كافة أقطار الأرض، (وورد هذا المعنى فيما رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم))(1).

وقيل: ليالي أوّل شهر محرم الحرام.

وقيل أيضاً: ليالي آخر شهر رمضان، لوجود ليلة القدر فيها.

والجمع بين كلّ ما ذُكر ممكن جدّاً.

وذكر في بعض الرّوايات التي تفسّر باطن القرآن: إنّ «الفجر» هو «المهدي» المنتظر» «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف».. و«ليال عشر» هم الأئمّة العشر قبله(عليهم السلام).. و«الشفع» ـ في الآية ـ هما عليّ وفاطمة(عليهما السلام).

وعلى أيّة حال، فالقسم بهذه الليالي يدّل على أهميتها الإستثنائية نسبة لبقية الليالي، وهذا هو شأن القسم(2)، ولا مانع من الجمع بين كلّ ما ذكر من معان.

ويأتي القسم الثّالث والقسم الرّابع: (والشفع والوتر).

للمفسّرين آراء كثيرة فيما أُريد بـ «الشفع والوتر» حتى ذكر بعضهم عشرين قولاً(3)، فيما ذهب آخرون لذكر (36) قولاً في ذلك(4).

_______________________________________

1 ـ تفسير أبي الفتوح الرازي، ج12، ص74.

2 ـ جاءت «ليال عشر» بصيغة النكرة للدلالة على عظمتها وأهميتها، وإلاّ فهي تنطبق على كلّ ما ذكر أعلاه.

3 ـ تفسير الفخر الرازي، ج31، ص164.

4 ـ نقل ذلك كلّ من: العلاّمة الطباطبائي في الميزان عن بعض المفسّرين في الجزء 20، ص406.. وفي كتاب روح المعاني عن كتاب التحرير والتحيير، ج30، ص120.

[174]

وأهم تلك الأقوال، ما يلي:

1 ـ مراد الآية العددان الزوجي والفردي، فيكون القسم بجميع الأعداد، تلك الأعداد التي تدور عليها وبها كلّ المحاسبات والأنظمة والمغطية لجميع عالم الوجود، وكأنّه سبحانه وتعالى يقول: قسماً بالنظم والحساب.

وحقيقة الحساب والنظم في عالم الوجود، تمثل الاُسس الواقعية التي تقوم عليها الحياة الإنسانية.

2 - المراد بـ «الشفع» المخلوقات، لوجود قرين لكلّ منها، والمراد بـ «الوتر» الباري جلّ شأنه، لعدم وجود شبيه له ولانظير.

إضافة إلى أنّ الممكنات تتركب من (ماهية) و(وجود)، وهو ما يعبّر عنه بالفلسفة بـ (الزوج التركيبي)، أمّا الوجود المطلق الخالي من الماهية فهو «اللّه» حده، (وأشارت بعض الرّوايات المنقولة عن المعصومين(عليهم السلام) إلى ذلك)(1).

3 ـ المراد بـ «الشفع والوتر» جميع المخلوقات، لأنّها من جهة بعضها زوج والبعض الآخر فرد.

4 ـ المراد بـ «الشفع والوتر»الصلاة، لأنّ بعضها زوجي والبعض الآخر فردي، (وورد هذا المعنى في بعض روايات أهل البيت(عليهم السلام) أيضاً)(2).. أو هما ركعتي الشفع وركعة الوتر في آخر صلاة الليل.

5 ـ المراد بـ «الشفع» يوم التروية (الثامن من شهر ذي الحجة، حيث يستعد الحجاج للوقوف على جبل عرفات)، و«الوتر» يوم عرفة (حيث يكون حجاج بيت للّه الحرام في عرفات.. أو «الشفع» هو يوم عيد الأضحى (العاشر من ذي الحجّة، و«الوتر» هو يوم عرفة.

_______________________________________

1 ـ روي ذلك أبو سعيد الخدري عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) راجع مجمع البيان، ج10، ص485.

2 ـ المصدر السابق.

[175]

ووردت الإشارة إلى هذا المعنى في روايات أهل البيت(عليهم السلام) أيضاً(1)

والمهم..إنّ الألف واللام في «الشفع والوتر» إن كانا للتعميم، فكلّ المعاني تجتمع فيهما، وكلّ معنى سيكون مصداق من مصاديق «الشفع» و«الوتر»، ولا داعي والحال هذه إلى حصر التّفسير بإحدى المعاني المذكورة، بل كلّ منها تطبيق على مصداق بارز.

أمّا إذا كانا للتعريف، فستكون إشارتهما إلى زوج وفرد خاصين، وفي هذه الحال سيكون تفسيران من التّفاسير المذكورة أكثر من غيرهما مناسبة وقرباً مع مراد الآية، وهما:

الأوّل: المراد بهما يومي العيد وعرفة، وهذا ما يناسب ذكر الليالي العشر الاُولى من شهر ذي الحجّة، وفيهما تؤدى أهم فقرات مناسك الحج.

الثّاني: أنّهما يشيران إلى «الصلاة»، بقرينة ذكر «الفجر»، وهو وقت السحر ووقت الدعاء والتضرع إلى اللّه عزّوجلّ.

وقد ورد هذان التّفسيران في روايات عن أئمّة أهل البيت المعصومين(عليهم السلام).

ونصل هنا، إلى القسم الخامس: (والليل إذا يسر)(2).

فما أدّق هذا التعبير وأجمله؟! فقد نسب السير إلى الليل، وذلك لأنّ «يسر» من (سرى) وهو السير ليلاً على قول الراغب في مفرداته.

وكأنّ الوصف يقول: بأنّ الليل موجود حسي، له حس وحركة، وهو يخطو في ظلمته وصولاً لنور النهار.

نعم، قسماً بالظلام السائر نحو النور، قسماً بالظلام المتحرك، لا الثابت الذي يثير الخوف والرعب في الانسان، والليل يكون ذا قيمة فيما لو كان سائراً نحو النور.

_______________________________________

1 ـ المصدر السابق.

2 ـ «يسر»: في الأصل (يسري) من (السري)، وحذفت الياء للتخفيف، ولمناسبة الآيات السابقة.

[176]

وقيل: هو ظلمة الليل التي تتحرك على سطح الكرة الأرضية، والليل نافع بحركته وتناوبه مع النهار على سطح الأرض، لينعم نصفها بالسبات والنوم، وينعم النصف الآخر بالحركة والعمل تحت نور الشمس الرائع.

اختلف المفسّرون في مراد الآية من «الليل»، هل هو مطلق الليل أم ليلة مخصوصة، فإن كانت الألف واللام للتعميم فجميع الليالي، كآية من آيات اللّه ومظهر من مظاهر الحياة المهمّة.

وإن كانت الألف واللام للتعريف، فليلة عيد الأضحى، بلحاظ الآيات السابقة، حيث يتجه حجاج بيت اللّه الحرام من (عرفات) إلى (المزدلفة) ـ المشعر الحرام ـ ويقضون ليلهم في ذلك الوادي المقدس، وعند الصبح يتجهون نحو (منى).

(وقد ورد في هذا روايات عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام))(1).

والذين حضروا مثل تلك الليلة في عرفات ومشعر، قد رأوا كيف يتحرك أكثر من مليون مسلم وهم متجهون من عرفات إلى المشعر وكأن الليل بكلّه يتحرك وتشاطره في ذلك الأرض وكذا الزمان.

وهناك يتلمس الإنسان معنى (والليل إذا يسر) بكلّ دقائقه.

وعلى أيّة حال، فالليل سواء كان بمعناه المطلق أم المحدد فهو من آيات عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وهو من الضرورات الحياتية في عالم الوجود.

فالليل يكيّف حرارة الجو، ويعم على جميع الكائنات الإستقرار والسكون بعد جهد الحركة والتنقل، وفوق هذا وذاك ففيه أفضل أوقات الدعاء والمناجات مع اللّه جّل وعلا.

وأمّا ليلة عيد الأضحى (ليلة الجمع) فهي من أعجب الليالي في ذلك الوادي

_______________________________________

1 ـ راجع تفسير نور الثقلين، ج5، ص571.

[177]

المقدس (المشعر الحرام).

وتتجسد تلك العلاقة الموجودة بين الأشياء الخمس التي أقسم بها (الفجر، ليال عشر، الشفع، الوتر، الليل إذا يسر) إذا ما اعتبرناها ضمن أيّام ذي الحجّة ومراسم الحج العظيمة.

وفي غير هذا فسيكون إشارة إلى مجموعة من حوادث عالم التكوين والتشريع المهمّة، والتي تبيّن جلال وعظمة الخالق سبحانه وتعالى.

ثمّ تأتي الآية التالية لتقول: (هل في ذلك قسم لذي حجر). «الحجر» هنا بمعنى: العقل، وفي الأصل بمعنى (المنع)، كأن يقال: حجر القاضي فلاناً، أو كأن يطلق على الغرفة (حجرة) لأنّها محل محفوظ ويمنع دخوله من قبل الآخرين، وكذلك يقال للحضن (حجر) ـ على وزن فكر ـ لحفظه وإحاطته، واُطلق على العقل (حجر) لمنعه الإنسان عن الأعمال السيئة، كما أنّ مصطلح (العقل) هو بمعنى (المنع) أيضاً، ومنه (العقال) الذي به تربط أرجل البعير ليمنعه من الحركة.

ولكن ... أين جواب القسم؟

ثمّة احتمالان، هما:

الأوّل: قوله تعالى:(إنّ ربّك لبالمرصاد).

الثّاني: جواب القسم محذوف وتدلّ عليه الآيات التالية، التي تتحدث عن عقاب الطغاة، والتقدير: (قسماً بكلّ ما قلناه لنعذبنّ الكافرين والطغاة).

* * *

[178]

الآيات

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد(6) إِرَمِ ذَاتِ الْعمَادِ(7) الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَـدِ(8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ(9) وَفرِعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ(10) الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَـدِ(11)فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ(12) فَصَبَّ عَلَيهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب(13)إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)

التّفسير

إمهال الظالمين.. والإنتقام!

بعد أن تضمّنت الآيات الاُولى خمسة أقسام حول معاقبة الطغاة، تأتي هذه الآيات لتعرض لنا نماذج من طواغيت الأرض من الذين توفرت لهم بعض سبل القوّة والقدرة، فأهوتهم أهوائهم في قاع الغرور والكفر والطغيان، وتبيّن لنا الآيات المباركة ما حلّ بهم من عاقبة أليمة، محذرة المشركين في كلّ عصر ومصر على أن يرعووا ويعودوا إلى رشدهم بعد أن يعيدوا حسابهم ويستيقظوا من غفلتهم، لأنّهم مهما تمتعوا بقوّة وقدرة فلن يصلوا لما وصل إليه الأقوام السالفة، وينبغي الإتعاظ بعاقبتهم، وإلاّ فالهلاك والعذاب الأبدي ولا غير سواه.

وتبتدأ الآيات بـ : (ألم تر كيف فعل ربّك بعاد).

[179]

المراد «بالرؤية» هنا، العلم والمعرفة لما وصلت إليه تلك الأقوام من الشهرة بحال بحيث أصبح من جاء بعدهم يعرف عنهم الشيء الكثير وكأنّه يراهم باُمّ عينيه ولذا جاء في الآية: (ألم تر).

ومع أنّ المخاطب في الآية هو النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّ الخطاب موجّه إلى الجميع.

«عاد»: هم قوم نبي اللّه هود(عليه السلام)، ويذكر المؤرخون أنّ اسم «عاد» يطلق على قبيلتين.. قبيلة كانت في الزمن الغابر البعيد، ويسميها القرآن الكريم بـ «عاد الاُولى»، كما في الآية (50) من سورة النجم، (ويحتمل أنّها كانت قبل التاريخ).

ويحددون تاريخ القبيلة الثّانية بحدود (700) سنة قبل الميلاد، وكانت تعيش في أرض الأحقاف أو اليمن.

وكان أهل عاد أقوياء البنية، طوال القامة، لذا كانوا يعتبرون من المقاتلين الأشداد، هذا بالإضافة إلى ما كانوا يتمتعون به من تقدّم مدني، وكانت مدنهم عامرة وقصورهم عالية وأراضيهم يعمها الخضار.

وقيل: إنّ «عاد» هو اسم جدّ تلك القبيلة، وكانت تسمى القبيلة بـ (عادة).

ويضيف القرآن قائلاً: (ارم ذات العماد).

اختلف المفسّرون في علام يطلق اسم «إرم». هل هو شخص أم قبيلة أم مدينة؟

ينقل الزمخشري في الكشاف عن بعضهم، قوله: إنّ عاد هو ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وسمّيت القبيلة باسم الجدّ وهو (إرم).

ويعتقد آخرون: إنّ (إرم) هم «عاد الاُولى»، و«عاد» هي القبيلة الثّانية، يقال أيضاً: إنّ «إرم» هو اسم مدينتهم.(1)

_______________________________________

1 ـ تفسير الكشّاف، ج4، ص747، وذكر ذلك أيضاً القرطبي في تفسيره، وغيره.

[180]

وما يناسب الآية التالية، أن يكون (إرم) هو اسم مدينتهم.

«عماد»: بمعنى العمود وجمعه «عُمُد» وهي على ضوء التّفسير الأوّل، تشير إلى ضخامة أجسادمهم كأعمدة البناء، وعلى ضوء التّفسير الثّاني تشير إلى عظمة أبنيتهم وعلو قصورهم وما فيها من أعمدة كبيرة.

وعلى القولين فهي: إشارة إلى قدرة وقوّة قوم عاد.(1)

ولكنّ التّفسير الثّاني (أعمدة قصورهم العظيمة) أنسب.

ولذا تقول الآية التالية:(التي لم يخلق مثلها في البلاد).

والآية تبيّن أنّ المراد بـ «إرم» المدينة وليس شخص أو قبيلة، ولعل هذه الآية هي التي دعت بعض كبار المفسّرين من اختيار هذا التّفسير، ونراه كذلك راجحاً(2).

وقد ذكر بعض المفسّرين قصّة اكتشاف مدينة «إرم» العظيمة في صحاري شبه الجزيرة العربية وصحاري عدن، وتحدثوا بتفصيل عن رونقها وبنائها العجيب، ولكنّ القصّة أقرب للخيال منها للواقع.

وعلى أيّة حال، فقوم «عاد» كانوا من أقوى القبائل في حينها، ومدنهم من أرقى المدن من الناحية المدنية، وكما أشار إليها القرآن الكريم: (التي لم يخلق مثلها في البلاد).

وثمّة قصص كثيرة عن «جنّة شداد بن عاد» في كتب التاريخ، حتى أنّها أصبحت مضرباً للأمثال لما شاع عنها بين النّاس وعلى مرّ العصور، إلاّ أنّ ما ورد بين متون كتب التاريخ لا يخرج عن إطار الأساطير التي لا واقع لها.

وتذكر الآية التالية جمع آخر من الطغاة السابقين: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد)، وصنعوا منها البيوت والقصور.

_______________________________________

1 ـ وعلى ضوء التّفسير الأوّل يكون التعبير بـ «ذات» لأنّ الطائفة والقبيلة مؤنث لفظي.

2 ـ «إرم» ممنوع من الصرف، لذا فقد نصب في حالة الجر.

[181]

«ثمود»: من أقدم الأقوام، ونبيّهم صالح(عليه السلام)، وكانوا يعيشون في (وادي القرى) بين المدينة والشام، وكانوا يعيشون حياة مرفهة، ومدنهم عامرة.

و قيل: «ثمود» اسم جدّ القبيلة، وقد سميت به(1).

«جابوا»: من (الجوبة) ـ على زنة توبة ـ وهي الأرض المقطوعة، ثمّ استعملت في قطع كلّ أرض، وجواب كلام، هو ما يقطع الهواء فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع، (أو لأنّه يقطع السؤال وينهيه).

وعلى أيّة حال، فمراد الآية: قطع أجزاء الجبال وبناء البيوت القوية، كما أشارت إلى ذلك الآية (82) من سورة الحجر ـ حول ثمود أنفسهم ـ : (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين)، والآية (149) من سورة الشعراء، والتي جاء فيها: (...بيوتاً فارهين).

وقيل: قوم ثمود أوّل من قطع الأحجار من الجبال، وصنع البيوت المحكمة في قلبها.

«واد»: في الأصل (وادي)، وهو الموضع الذي يجري فيه النهر، ومنه سمي المفرج بين الجبلين وادياً، لأنّ الماء يسيل فيه.

والمعنى الثّاني أكثر مناسبة بقرينة ما ورد في القرآن من آيات تتحدث عن هؤلاء القوم، وما ذكرناه آنفاً يظهر بأنّهم كانوا ينحتون بيوتهم في سفوح الجبال(2).

وروي: إنّ النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما وصل إلى وادي ثمود ـ شمال الجزيرة العربية ـ في طريقه إلى تبوك، قال وهو راكب على فرسه: «أسرعوا، فهي أرض ملعونة»(3).

_______________________________________

1 ـ «ثمود»: من (الثمد)، وهو الماء القليل الذي لا مادة له، والمثمود: إذا كثر عليه السؤال حتى فقد مادة ما له، ويقال أنّها كلمة أعجمية (مفردات الراغب).

2 ـ الباء في «الواد»: تعطي معنى الظرفية.

3 ـ روح البيان، ج10، ص425 (ما مضمونه).

[182]

ممّا لا شكّ فيه أنّ ثمود قوم قد وصلوا إلى أعلى درجات التمدن في زمانهم، ولكنّ ما يذكر عنهم في بعض كتب التّفسير، يبدو وكأنّه مبالغ فيه أو اسطورة، كأن يقولوا: إنّهم بنوا ألفاً وسبعمائة مدينة من الحجر!

وتتعرض الآية التالية لقوم ثالث: (وفرعون ذي الأوتاد).

أي: ألم تر ما فعل ربّك بفرعون الظالم المقتدر؟!

«أوتاد»:جمع (وتد)، وهو ما يثبّت به.

ولِمَ وصف فرعون بذي الأوتاد؟

وثمّة تفاسير مختلفة:

الأوّل: لأنّه كان يملك جنوداً وكتائباً كثيرة، وكانوا يعيشون في الخيم المثبتة بالأوتاد.

الثّاني: لما كان يستعمل من أساليب تعذيب من يغضب عليهم، حيث غالباً ما كان يدق على أيديهم وأرجلهم بأوتاد ليثبتها على الأرض، أو يضعهم على خشبة ويثبتهم بالأوتاد، أو يدخل الأوتاد في أيديهم وأرجلهم ويتركهم هكذا حتى يموتوا.

وورد هذا الكلام في رواية نقلت عن الإمام الصادق(عليه السلام)(1).

وتنقل كتب التاريخ إنّه قد عذّب زوجته «آسية» بتلك الطريقة البشعة حتى الموت، لأنّها آمنت بما جاء به موسى(عليه السلام) وصدّقت به.

الثّالث: «ذي الأوتاد»: كناية عن قدرة واستقرار الحكم.

ولا تنافي فيما بين التفاسير الثلاثة، ويمكن إدخالها جميعها في معنى الآية.

وينتقل القرآن العرض ما كانوا يقومون به من أعمال: (الذين طغوا في البلاد).. (فأكثروا فيها الفساد)

_______________________________________

1 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص571، الحديث (6)، كما نقله عن علل الشرائع.

[183]

الفساد الذي يشمل كلّ أنواع الظلم والإعتداء والإنحراف، والذي هو نتيجة طبيعية من نتائج طغيانهم، فكلّ مَن يطغى سيؤول أمره إلى الفساد لا محال.

ويذكر عقابهم الأليم وبعبارة موجزة: (فصبّ عليهم ربّك سوط عذاب)

«السوط»: هو الجلد المضفور الذي يُضرب به، وأصل السوط: خلط الشيء بعضه ببعض، وهو هنا كناية عن العذاب، العذاب الذي يخلط لحم الإنسان بدمه فيؤذيه أشدّ الإيذاء.

وجاء في كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الإمتحان: «والذي بعثه بالحقّ للتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر».(1)

«صبّ عليهم»: تستعمل في الأصل لانسكاب الماء، وهنا إشارة إلى شدّة واستمرار نزول العذاب، ويمكن أن يكون إشارة لتطهير الأرض من هؤلاء الطغاة

أمّا أنسب معاني «السوط» فهو المعروف بين النّاس به.

فعلى إيجاز الآية، لكنّها تشير إلى أنواع العذاب الذي أصابهم، فعاد اُصيبوا بريح باردة، كما تقول الآية (6) من سورة الحاقة: (وأمّا عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية)، وأُهلك قوم ثمود بصيحة سماوية عظيمة، كما جاء في الآية (5) من سورة الحاقة أيضاً: (فأمّا ثمود فأُهلكوا بالطاغية)، والآية (55) من سورة الزخرف تنقل صورة هلاك قوم فرعون: (فأغرقناهم أجمعين).

وتحذر الآية التالية كلّ مَن سار على خطو اُولئك الطواغيت: (إنّ ربّك لبالمرصاد).

«المرصاد»: من (الرصد)، وهو الإستعداد للترقب، وهو في الآية يشير إلى عدم وجود أيّ ملجأ أو مهرب من رقابة اللّه وقبضته، فمتى شاء سبحانه أخذ المذنبين بالعقاب والعذاب.

_______________________________________

1 ـ نهج البلاغة، الخطبة 16.

[184]

وبديهي، أنّ التعبير لا يعني أنّ اللّه تعالى له مكان وكمين يرصد فيه الطواغيت، بل كناية عن إحاطة القدرة الإلهية بكلّ الجبارين والطغاة والمجرمين، وسبحانه وتعالى عن التجسيم وما شابه.

وقد ورد في معنى الآية عن الإمام علي(عليه السلام) قوله: «إنّ ربك قادر على أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم»(1).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّه قال:«المرصاد قنطرة على الصراط، لا يجوزها عبد بمظلمة عبد»(2).

وهذا مصداق جلّي للآية، حيث أنّ المرصاد الإلهي لا ينحصر بيوم القيامة والصراط، بل هو تعالى بالمرصاد لكلّ ظالم حتى في هذه الدنيا، وما عذاب تلك الأقوام الآنفة الذكر إلاّ دليل واضح على هذا.

«ربّك»: إشارة إلى أنّ هذه السنّة الإلهية لم تقف عند حدّ الذين خلوا من الأقوام السالفة، بل هي سارية حتى على الظالمين من اُمّتك يا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).. وفي ذلك تسلية لقلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتطميناً لقلوب المؤمنين، فالوعد الإلهي قد أكّد على عدم انفلات الأعداء المعاندين من قبضة القدرة الإلهية أبداً أبداً، وفيه تحذير أيضاً لاُولئك الذين يؤذون النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويظلمون المؤمنين، تحذير بالكف عن ممارساتهم تلك وإلاّ سيصيبهم ما أصاب الأكثر منهم قدرة وقوّة، وعندها فسوف لن تقوم لهم قائمة إذا ما أتتهم ريح عاصفة أو صيحة مرعبة أو سيل جارف يقطع دابرهم.

روي عن النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: «أخبرني الروح الأمين أنّ اللّه لا إله غيره إذا وقف الخلائق وجميع الأولين والآخرين، أتى بجهنّم ثمّ يوضع عليها صراط أدق من الشعر وأحدُّ من السيف، عليه ثلاث قناطر... الاُولى: الأمانة

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص487.

2 ـ المصدر السابق.

[185]

والرحم، والثّانية: عليها الصلاة، والثّالثة: عليها عدل ربّ العالمين لا إله غيره، فيكلّفون الممر عليها، فتحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين جلّ ذكره، وهو قول اللّه تبارك وتعالى:(إنّ ربّك لبالمرصاد)(1).

وعن الإمام علي(عليه السلام): «ولئن أمهل اللّه الظالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد، على مجاز طريقه، وبموضع الشجى من مساغ ريقه».(2)

* * *

_______________________________________

1 ـ نور الثقلين، ج5، ص573، عن روضة الكافي الحديث 486، إقتباس.

2 ـ نهج البلاغة، الخطبة 97.

[186]

الآيات

فَأَمَّا الإِنسَـنُ إِذَا مَا ابْتَلَـهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ(15) وَأَمَّآ إِذَا مَآ ابْتَلَـهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبَّى أَهَـنَنِ(16) كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(17) وَلاّ تَحَـضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينَ(18) وَتَأكُلُونَ الْتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمَّا(19) وَتُحِبُّونَ الٌمَالَ حُبَّاً جَمَّاً(20)

التّفسير

موقف الإنسان من تحصيل النعمة وسلبها!

بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن عقاب الطغاة، وتحذيرهم وإنذارهم، تأتي هذه الآيات لتبيّن مسألة الإبتلاء والتمحيص وأثرها على الثواب والعقاب الإلهي، وتعتبر مسألة الآبتلاء من المسائل المهمّة في حياة الإنسان.

وتشرع الآيات بـ : (فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأكرمه ونعّمه فيقول ربّي أكرمن).

وكأنّه لا يدري بأنّ الابتلاء سنّة ربّانية تارة يأتي بصورة اليسر والرخاء

[187]

واُخرى بالعسر والضراء.

فلا ينبغي للإنسان أن يغتر عند الرخاء، ولا أن ييأس عندما تصيبه عسرة الضراء، ولا ينبغي له أن ينسى هدف وجوده في الحالتين، وعليه أن لا يتصور بأن الدنيا إذا ما أرخت نعمها عليه فهو قد أصبح مقرّباً من اللّه، بل لابدّ أن يفهمها جيدّاً ويؤدّي حقوقها، وإلاّ فسيفشل في الإمتحان.

ومن الجدير بالملاحظة، أنّ الآية ابتدأت بالحديث عن إكرام اللّه تعالى للإنسان «فأكرمه ونعمه»، في حين تلومه على اعتقاده بهذا الإكرام في آخرها: (فيقول ربّي أكرمن)، وذلك.. لأنّ الإكرام الأوّل هو الإكرام الطبيعي، والإكرام الثّاني بمعنى القرب عند اللّه تعالى.

(وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربّي أهانن).

فيأخذه اليأس، ويظن إنّ اللّه قد ابتعد عنه، غافلاً عن سنّة الإبتلاء في عملية التربية الربّانية لبني آدم، والتي تعتبر رمزاً للتكامل الإنساني، فمن خلال نظرة ومعايشة الإنسان للإبتلاء يرسم بيده لوحة عاقبته، فأمّا النعيم الدائم، وأمّا العقاب الخالد.

وتوضح الآيتان بأنّ حالة اليسر في الدنيا ليست دليل قرب اللّه من ذلك الإنسان، وكذا الحال بالنسبة لحالة العسر فلا تعني بُعد اللّه عن عبده، وكلّ ما في الأمر أنّ الحالتين صورتان مختلفتان للإمتحان الذي قررته الحكمة الإلهية، ليس إلاّ.

وتأتي الآية (51) من سورة فصّلت في سياق الآيتين: (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّر فذو دعاء عريض).

وكذا الآيه (9) من سورة هود: (ولئن أذقنا الإنسان منّاً رحمة منّا ثمّ نزعناها منه إنّه ليؤس كفور).

وتنبهنا الآيتان أيضاً، بأن لا نقع في خطأ التشخيص، فنحكم على فلان بأن

[188]

اللّه راضي عنه لأنّه يفعم بالنعم الإلهية، وأن فلان قد سخط عليه اللّه لأنّه محروم من نعم كثيرة، ولابدّ لنا من الرجوع إلى المعايير الثابتة عند القيام بعملية التشخيص والتقييم، فالعلم والإيمان والتقوى هي اُسس التقييم، وليس ظاهر التمتع بحالة السراء..

فما أكثر الأنبياء الذين تناوشتهم أنياب البلايا والمصائب، وما أكثر الكافرين والطغاه الذين تنعموا بمختلف ملاذ الدنيا، إنّها من سنن طبيعة الحياة الدنيا، ولكن.. أين الأنبياء من الكافرين و.. عقبى الدار؟!

فالآية إذن، تشير إلى فلسفة البلاء، وما يصيب الإنسان من محن وإحن في دنياه.

وتوجه الآيتان التاليتان نظر إلى الإنسان والأعمال التي تؤدّي بحقّ للبعد عن اللّه، وتوجب عقابه: (كلاّ) فليس الأمر كما تظنون من أنّ أموالكم دليل على قربكم من اللّه، لأنّ أعمالكم تشهد ببعدكم عنه، (بل لا تكرمون اليتيم)..(ولا تحاضون على طعام المسكين).

والملاحظ أنّ الآية لم تخص اليتيم بالإطعام بل بالإكرام، لأنّ الوضع النفسي والعاطفي لليتيم أهم بكثير من مسألة جوعه.

فلا ينبغي لليتيم أن يعيش حالة الإنكسار والذلة بفقدان أبيه، وينبغي الإعتناء به وإكرامه لسدّ الثغرة التي تسببت برحيل أبيه، وقد أولت الأحاديث الشريفة والرّوايات هذا الجانب أهمية خاصّة، وأكّدت على ضرورة رعاية وإكرام اليتيم.

فعن الإمام الصادق(عليه السلام)، إنّه قال: «ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم رحمة له إلاّ أعطاه اللّه بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة»(1).

وتقول الآية (9) من سورة الضحى: (فأمّا اليتيم فلا تقهر).

_______________________________________

1 ـ بحار الانوار، ج15، ص120 (الطبعة القديمة).

[189]

وهذه الدعوة الربّانية تقابل ما كان سائداً في عصور الجاهلية، كيف وكانوا يتعاملون مع اليتامى، ولا تنفصل جاهلية اليوم عن تلك الجاهلية، فنرى مَن لم يدخل الإيمان قلبه، كيف يتوسل بمختلف الحيل والألاعيب لسرقة أموال اليتامى، والأشد من هذا فإنّهم يتركون اليتامى جانباً بلا اهتمام ولا رعاية ليعيشوا غمّ فقدان الآباء وبأشدّ صورة!

فإكرام اليتيم لا ينحصر بحفظ أموالهم ـ كما يقول البعض ـ بل يشمل حفظ الأموال وغيرها.

«تحاضون»: من (الحض)، وهو الترغيب، فلا يكفي إطعام المسكين بل يجب على النّاس أن يتواصوا ويحث بعضهم البعض الآخر على ذلك لتعم هذه السنّة التربوية كلّ المجتمع(1).

وقد قرنت الآية (34) من سورة الحاقة عدم الإكرام بعدم الإيمان باللّه عزّوجلّ: (إنّه كان لا يؤمن باللّه العظيم ولا يحض على طعام المسكين)(2).

وتعرض الآية التالية ثالث أعمالهم القبيحة: (وتأكلون التراث أكلاً لمَاً)(3).

ممّا لا شكّ فيه أنّ الاستفادة من الميراث المشروع عمل غير مذموم، ولذا فيمكن أن يكون المذموم في الآية أحد الاُمور التالية:

الأوّل: الجمع بين حقّ الإنسان وحقّ الآخرين في الميراث، لأنّ كلمة «لمّ» بمعنى الجمع، وفسّرها الزمخشري في الكشّاف بمعنى الجمع بين الحلال والحرام.

وكانت عادة العرب في الجاهلية أن يحرموا النساء والأطفال من الإرث لاعتقادهم بأنّه نصيب المقاتلين (لأنّ أكثر أموالهم تأتيهم عن طريق السلب والإغارة).

_______________________________________

1 ـ «تخاضون»: في الأصل (تتحاضون)، وحذفت إحدى التائين للتخفيف.

2 ـ «طعام»: هو في الآية ذو معنى مصدري أي: (إطعام).

3 ـ «لمَّ»: بمعنى الجمع، وتأتي بمعنى الجمع مع الإصلاح أيضاً.

[190]

الثّاني: عدم الإنفاق من الإرث على المحرومين والفقراء من الأقرباء وغيرهم، فإن كنتم تبخلون بهذه الأموال التي وصلت إليكم بلا عناء، فأنتم أبخل فيما تكدّون في تحصيله، وهذا عيب كبير فيكم.

الثّالث: هو أكل إرث اليتامى والتجاوز على حقوق الصغار، وذلك من أقبح الذنوب، لأنّ فيه استغلال فاحش لحقّ مَن لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

والجمع بين هذه التّفاسير الثلاث ممكن(1).

ثمّ يأتي الذّم الرّابع: (وتحبّون المال حبّاً جمّاً)(2).

فأنتم.. عبدة دنيا، طالبي ثروة، عشاق مال ومتاع.. ومَن يكون بهذه الحال فمن الطبيعي أن لا يعتني في جمعه للمال، أكان من حلال أم من حرام، ومن الطبيعي أيضاً أن يتجاوز على الحقوق الشرعية المترتبة عليه، بأن لا ينفقها أو ينقص منها.. ومن الطبيعي كذلك إنّ القلب الذي امتلأ بحبّ المال والدنيا سوف لا يبقى فيه محل لذكر اللّه عزّوجلّ.

ولذا نجد القرآن الكريم بعد ذكره لمسألة امتحان الإنسان، يتعرض لأربعة اختبارات يفشل فيها المجرمين.

إكرام اليتيم.

إطعام المسكين.

أسهم الإرث.

وجمعه من طريق مشروع وغير مشروع.

وجمع المال بدون قيد أو شرط.

والملاحظ أنّ الاختبارات المذكورة إنّما تدور حول محور الأموال، للإشارة ما للمال من مطبات مهلكة، ولو تجاوزها الإنسان لسهلت عليه بقية العقبات في

_______________________________________

1 ـ «تراث»: في الأصل (وراث)، ثمّ اُبدلت الواو تاءً.

2 ـ «الجم»: بمعنى الكثير، كما جاء في (مصباح اللغة)، و(المقاييس)، و(الجمّة) الشعر المتجمع في مقدمة الرأس.

[191]

طريقه نحو التكامل والرقي والسمو.

وثمّة مَن يكون متذبذباً في الأمانة (بين أن يؤدي أو يخون)، وهكذا إنسان غالباً ما تصرعه وساوس الشيطان وترميه في جانب الخيانة.. أمّا اُولئك الصادقون في إيمانهم فهم الاُمناء حقّاً في الرعاية والإهتمام لأداء الحقوق الواجبة والمستحبة للآخرين، ولا تراهم يتهاونون بأدنى درجات التهاون، ومثلهم هو الذي يتمكن من صعود سُلم الرفعة والسمو على طريق الإيمان والتقوى.

والخلاصة: من تجاوز اختبار المال بنجاح، فهو أهلٌ للإعتماد، ومن أهل التقوى والورع، وهو خير أخ وصديق، وغالباً ما تراه صالحاً في كافة مجالات حياته والمجتمع.

ولذلك، نرى الاختبارات هنا دارت حول محور المال.

* * *

[192]

الآيات

كَلاّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكَّاً دَكَّاً(21) وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً(22) وَجِاْىء يَومَئِذ بِجَهَنَّمَ يَومَئِذ يَتَذَكَّرُ الإِنَسـنُ وَأَنَّى لَهُ الْذِّكْرَى(23) يَقُولُ يَـلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى(24) فَيَوْمَئِذ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25) وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ(26)

التّفسير

يوم لا تنفع الذكرى!

بعد أن ذمت الآيات السابقة الطغاة وعبدة الدنيا والغاصبين لحقوق الآخرين، تأتي هذه الآيات لتحذرهم وتهددهم بوجود القيامة والحساب والجزاء.

فتقول أوّلاً: «كلا» (فليس الأمر كما تعتقدون بأن لا حساب ولا جزاء، وأنّ اللّه قد أعطاكم المال تكريماً وليس امتحاناً).. (إذا دكّت الأرض دكّاً دكّاً).

«الدك»: الأرض اللينة السهلة، ثمّ استعملت في تسوية الأرض من الإرتفاعات والتعرجات، و(الدكان): المحل السوي الخالي من الارتفاعات و(الدكة): المكان السوي المهيء للجلوس.

[193]

وجاء تكرار «دكّاً» في الآية للتأكيد.

وعموماً، فالآية تشير إلى الزلازل والحوادث المرعبة التي تعلن عن نهاية الدنيا وبداية يوم القيامة، حيث تتلاشى الجبال وتستوي الأرض، كما أشارت لذلك الآيات (106 ـ 108) من سورة طه: (ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً).

وبعد أن ينتهي مرحلة القيامة الاُولى (مرحلة الدمار)، تأتي المرحلة الثّانية، حيث يعود النّاس ثانية للحياة ليحضروا في ساحة العدل الالهي: (وجاء ربّك والملك صفاً صفاً).

نعم، فسيقف الجميع في ذلك المحشر لإجراء الأمر الالهي وتحقيق العدالة الربّانية، وقد بيّنت لنا الآيات ما لعظمة ذلك اليوم، وكيف أنّ الإنسان لا سبيل له حينها إلاّ الرضوخ التام بين قبضة العدل الالهي.

(وجاء ربُّك): كناية عن حضور الأمر الالهي لمحاسبة الخلائق، أو أنّ المراد: ظهور آيات عظمة اللّه سبحانه وتعالى، أو ظهور معرفة اللّه عزّوجلّ في ذلك اليوم، بشكل بحيث لا يمكن لأيّ كان إنكاره، وكأنّ الجميع ينظرون إليه باُم أعينهم.

وبلا شك، إنّ حضور اللّه بمعناه الحقيقي المستلزم للتجسيم والتحديد بالمكان، هذا المعنى ليس هو المراد، لأنّ سبحانه وتعالى مبرّأ من الجسمية وخواص الجسمية(1).

وقد ورد هذا المعنى في كلام للإمام علي بن موسى الرضا(عليهما السلام)(2).

كما وتؤيد الآية (33) من سورة النحل هذا التّفسير بقولها: (هل ينظرون إلاّ

_______________________________________

1 ـ يقول الفخر الرازي في تفسيره: إنّ في الآية محذوف، تقديره (أمر) أو (قهر) أو (جلائل آيات) أو (ظهور ومعرفة).. وظهرت هذه التقديرات في كتب غيره من المفسّرين أيضاً، وخصوصاً التقدير الأوّل.

2 ـ راجع تفسير الميزان، ج20، ص416.

[194]

أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربّك).

(صفّاً صفّاً): إشارة إلى ورود الملائكة عرصة يوم القيامة على هيئة صفوف، ويحتمل تعلق الصفوف بكلّ السماوات.

وتقول الآية التالية: (وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى).

وما نستنبطه من الآية، إنّ جهنم قابلة للحركة، فتقرب للمجرمين، كما هو حال حركة الجنّة للمتقين: (واُزلفت الجنّة للمتقين)(1).

وثمّة مَن يعطي للآية معنىً مجازياً، ويعتبرها كناية عن ظهور الجنّة والنّار أمام أعين المحسنين والمسيئين.

ولكن، لا دليل على الأخذ بخلاف الظاهر، ومن الأفضل التعامل مع ظاهر الآية، لأنّ حقائق عالم القيامة لا يمكن فهمها وتصورها بشكل دقيق لمحدودية عالمنا أمام ذلك العالم من جهة؟ ولاختلاف القوانين والسنن التي تحكم ذلك العالم من جهة اُخرى.. ثمّ، ما المانع في تحرك كلّ من الجنّة والنّار في ذلك اليوم؟

وروي: لمّا نزلت هذه الآية، تغيّر وجه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعُرِفَ في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه ما رأوا من حاله، وانطلق بعضهم إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام) فقالوا: يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه في نبيّ اللّه، فجاء علي(عليه السلام)فاحتضنه ثمّ قال: «يا نبيّ اللّه بأبي أنت واُمي، ما الذي حدث اليوم؟».

قال: «جاء جبرائيل(عليه السلام) فأقرأني (وجيء يومئذ بجهنّم).

قال: فقلت: كيف يجاء بهم؟

قال: يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثمّ أتعرض لجهنم، فتقول: ما لي ولك يا محمّد، فقد

_______________________________________

1 ـ سورة الشعراء، الآية 90.

[195]

حرّم اللّه لحمك عليَّ، فلا يبقى أحد إلاّ قال: نفسي نفسي، وإنّ محمّداً يقول: ربِّ أُمّتي أُمّتي».(1)

نعم، فحينما يرى المذنب كلّ تلك الحوادث تهتز فرائصه ويتزلزل رعباً، فيستيقظ من غفلته ويعيش حالة الهمّ والغمّ، ويتحسر على كلّ لحظة مرّت من حياته بعدما يرى ما قدّمت يداه، ولكن. هل للحسرة حينها من فائدة؟!

وكم سيتمنى المذنب لو تسنح له الفرصة ثانية للرجوع إلى الدنيا وإصلاح ما أفسد، ولكنّه سيرى أبواب العودة مغلقة، ولا من مخرج !...

ويودّ التوبة.. وهل للتوبة من معنى بعد غلق أبوابها؟!

ويريد أن يعمل صالحاً.. ولكن أين؟ فقد طويت صحائف الأعمال، ويومها يوم حساب بلا عمل!...

وعندها.. بملأيصرخ كيانه: (يقول ياليتني قدّمت لحياتي).

وفي قولته نكتة لطيفة، فهو لا يقول قدّمت لآخرتي بل «لحياتي»، وكأنّ المعنى الحقيقي للحياة لا يتجسد إلاّ في الآخرة.

كما أشارت لهذه الآية (64) من سورة العنكبوت: (وما هذه الحياة الدنيا إلاّ لهو ولعب وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).

نعم، ففي دنياهم: يسرقون أموال اليتامى، لم يطعموا المساكين، يأخذون من الإرث أكثر ممّا يستحقون ويحبّون المال حبّاً جمّاً.

وفي اُخراهم، يقول كلّ منهم: ياليتني قدّمت لحياتي الحقيقية الباقية.. ولكنّ التمني ليس أكثر من رأس مال المفلسين.

وتشير الآية التالية إلى شدّة العذاب الإلهي: (فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد).

نعم، فمن استخدم في دنياه كلّ قدرته في ارتكاب أسوء الجرائم والذنوب،

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص483; وعنه الميزان، ج20، ص415، ومثله في تفسير الدّر المنثور.

[196]

فلا يجني في آخرته إلاّ أشد العذاب...

فيما سينعم المحسنون والصالحون في أحسن الثواب، ويخلدون بحال ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت، فاللّه «أرحم الراحمين» لمن أخلص النيّة وعمل، و«أشدّ المعاقبين» لمن تجاوز حدود هدف خلقه.

وتكمل الآية التالية تصوير شدّة العذاب: (ولا يوثق وثاقه أحد).

فوثاقه ليس كوثاق الآخرين، وعذابه كذلك، كلّ ذلك بما كسبت يداه حينما أوثق المظلومين في الدنيا بأشدّ الوثاق، ومارس معهم التعذيب بكلّ وحشية، متجرد عن كلّ ما وهبه اللّه من إنسانية.

* * *

[197]

الآيات

يَـأيَّتُهَا الْنَّفْسُ الْمُطْمَئِنَةُ(27) ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَْةً مرَّضِيَّةً(28) فادْخُلِى فِى عِبَـدِى(29) وَادْخُلِى جَنَّتِى(30)

التّفسير

الشّرف العظيم:

وتنتقل السّورة في آخر مطافها إلى تلك النفوس المطمئنة ثقة باللّه وبهدف الخلق، بالرغم من معايشتها في خضم صخب الحياة الدنيا، فتخاطبهم بكلّ لطف ولين ومحبّة، حيث تقول: (يا أيّتها النفس المطمئنة)..(ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة).. (فادخلي في عبادي).. (وادخلي جنّتي).

فهل ثمّة أجمل وألطف من هذا التعبير!...

تعبير يحكي دعوة اللّه سبحانه وتعالى لتلك النفوس المؤمنة، المخلصة، المحبّة والواثقة بوعده جلّ شأنه.. دعوتها لتعود إلى ربّها ومالكها ومصلحها الحقيقي ... .

دعوة مفعمة برضا الطرفين، رضا العاشق على معشوقه، ورضا المعشوق على عاشقه... .

[198]

وتتوج تلك النفوس الطاهرة بتاج العبودية، لتدخل في صف المقرّبين عند اللّه، ولتحصل على إذن دخول جنان الخلد، وما قوله تعالى: «جنتي» إلاّ للإشارة إلى أنّ المضيف هو اللّه جلّ جلاله... فما أروعها من دعوة! وما أعظمه وأكرمه من داع! وما أسعده من مدعو!

ويراد بالنفس هنا: الروح الإنسانية.

«المطمئنة»: إشارة إلى الإطمئنان الحاصل من الإيمان، بدلالة الآية (28) من سورة الرعد: (ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب).

ويعود اطمئنان النفس، لإطمئنانها بالوعود الإلهية من جهة، ولإطمئنانها لما اختارت من طريق..

وهي مطمئنة في الدنيا سواء أقبلت عليها أم أدبرت، ومطمئنة عند أهوال حوادث يوم القيامة الرهيبة أيضاً.

أّمّا (الرجوع إلى اللّه)، فهو ـ على قول جمع من المفسّرين ـ رجوع إلى ثوابه ورحمته..

ولكنّ الأنسب أن يقال: إنّه رجوع إليه جلّ وعلا، رجوع إلى جواره وقربه بمعناها الروحي المعنوي، وليست بمعناها المكاني والجسماني.

وثمّة سؤال يرد إلى الذهن.. متى ستكون دعوته المباركة، هل ستكون بعد مفارقة الروح البدن، أم في يوم القيامة؟؟

لو أخذنا بظاهر الآيات المباركة، فسياقها يرتبط بالقيامة، وإن كان تعبير الآية ذو شمولية.

«راضية»: لما ترى من تحقق الوعود الإلهية بالثواب والنعيم بأكثر ممّا كانت تتصور، وشمول العبد برحمة وفضل اللّه سيدخل في قلبه الرضا بكّل ما يحمل الرضا من معان وأكثر.

«مرضيّة»: لرضا اللّه تبارك وتعالى عنها.

[199]

فعبدٌ بما ذُكِرَ من أوصاف، بلا شكّ مكانه الجنّة، وذلك لأنّه عمل بكلّ ما يملك في سبيل رضوان معبوده الأحد الصمد، ووصل في عمله لمقام الرضا التام والتسليم الكامل لخالقه تبارك وتعالى، حتى نال وسام حقيقة العبودية، ودخل طائعاً وواثقاً في صف عباد اللّه الصالحين..

وقد خصّ بعض المفسّرين سبب نزول هذه الآيات في (حمزة سيد الشهداء)، ولكن بلحاظ كون السّورة مكّية، فيمكن اعتبار ذلك أحد تطبيقات (مصاديق) الآيات وليس شأناً للنزول، كما هو الحال في ما ذكرنا في أوّل السّورة بشأن الإمام الحسين(عليه السلام).

روي أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) قد سأله قائلاً: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟

قال: «لا واللّه، إنّه إذا أتاه مَلَك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت: يا وليّ اللّه، لا تجزع، فو الذي بعث محمّداً لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر، قال: ويمثل له رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذريتهم(عليهم السلام)، فيقال له: هذا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة(عليهم السلام) رفقاؤك، قال: فيفتح عينيه فينظر، فينادي روحه مناد من قبل ربّ العِزّة فيقول: «يا أيّتها النفس المطمئنة (إلى محمّد وأهل بيته) ارجعي إلى ربّك راضية (بالولاية) مرضيّة (بالثواب) فادخلي في عبادي (يعني محمّداً وأهل بيته) وادخلي جنّتي»، فما شيء أحبّ إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي»(1).

اللّهمّ! اجعل نفوسنا مطمئنة ليشملنا خطابك الكريم..

اللّهمّ! ولا ينال ذلك إلاّ بلطفك، فاغمرنا به..

_______________________________________

1 ـ الكافي، ج3، ص127، باب إنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه، الحديث 2.

[200]

اللّهمّ! مُنَّ علينا بكرمك الذي لا ينفد، واجعلنا من النفوس المطمئنة..

اللّهمّ! لا يكون الإطمئنان إلاّ بذكرك، فوفقنا إليه بفضلك..

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الفجر

* * *




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335617

  • التاريخ : 28/03/2024 - 16:26

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net