00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الشمس من أول السورة ـ آخر السورة من ( ص 227 ـ 248 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء العشرون)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[227]

سُورَة الشّمس

مَكيَّة

وَعَدَدُ آيَآتِهَا خَمس عَشرَة آية

[229]

«سورة الشّمس»

محتوى السّورة

هذه السّورة هي في الواقع سورة تهذيب النفس، وتطهير القلوب من الأدران، ومعانيها تدور حول هذا الهدف، وفي مقدمتها قسم بأحد عشر مظهراً من مظاهر الخليقة وبذات الباري سبحانه، من أجل التأكيد على أن فلاح الإنسان يتوقف على تزكية نفسه، والسّورة فيها من القسم ما لم يجتمع في سورة اُخرى.

وفي المقطع الأخير من السّورة ذكر لقوم «ثمود» باعتبارهم نموذجاً من أقوام طغت وتمردت، وانحدرت ـ بسبب ترك تزكية نفسها ـ إلى هاوية الشقاء الأبدي، والعقاب الإلهي الشديد.

وهذه السّورة القصيرة ـ في الواقع ـ تكشف عن مسألة مصيرية هامّة من مسائل البشرية، وتبيّن نظام القيم في الإسلام بالنسبة إلى أفراد البشر.

فضيلة السّورة:

يكفي في تلاوة هذه السّورة أن نذكر حديثاً عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«من قرأها فكأنّما تصدّق بكلّ شيء طلعت عليه الشمس والقمر»(1)

ومن المؤكّد أنّ هذه الفضيلة الكبرى لا ينالها إلاّ من استوعب محتواها بكلّ وجوده، ووضع مهمّة تهذيب النفس نصب عينيه دائماً.

* * *

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص496.

[230]

الآيات

وَالشَّمْسِ وَضُحَـهَا(1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَـهَا(2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّـهَا(3) وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَـهَا(4) وَالْسَّمَآءِ وَمَا بَنَـهَا(5)وَالاَْرْضِ وَمَا طَحَـهَا(6) وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـهَا(10)

التّفسير

أكبر عدد من القسم القرآني تتضمّنه هذه السّورة، هو في حساب «أحد عشر»، وفي حساب آخر «سبعة» أقسام... ويبيّن أن السّورة تتعرض لموضوع خطير هام.. موضوع عظيم كعظمة السماء والأرض والشمس والقمر... موضوع حياتي مصيري.

لنبدأ أولاً بشرح ما جاء في السّورة من قَسم، لنتعرض بعد ذلك إلى الموضوع الآية الاُولى تقول: (والشمس وضحاها).

[231]

ولقد ذكرنا آنفاً أن القسم في القرآن يستهدف مقصدين:

الأوّل: بيان أهمية ما جاء القسم من أجله.

والثّاني: أهمية ما أقسم به القرآن، لأنّ القسم عادة يكون بالمهم من الاُمور من هنا تعمل هذه الأقسام على تحريك الفكر في الإنسان كي يمعن النظر في هذه الموضوعات الهامّة من عالم الخليقة، وليتخذ منها سبيلاً إلى اللّه سبحانه وتعالى.

«الشمس» ذات دور هام وبنّاء جدّاً في الموجودات الحية على ظهر البسيطة فهي إضافة إلى كونها مصدراً للنور والحرارة ـ وهما عاملان أساسيان في حياة الإنسان ـ تعتبر مصدراً لغيرهما من المظاهر الحياتية، حركة الرياح، وهطول الأمطار، ونمو النباتات، وجريان الأنهر والشلالات، بل حتى نشوء مصادر الطاقة مثل النفط والفحم الحجري... كل واحد منها يرتبط ـ بنظرة دقيقة ـ بنور الشمس.

ولو قُدر لهذا المصباح الحياتي أن ينطفيء يوماً لساد الظلام والسكوت والموت في كل مكان.

«الضحى» في الأصل انتشار نور الشمس، وهذا ما يحدث حين يرتفع قرص الشمس عن الاُفق ويغمر النور كل مكان، ثمّ يطلق على تلك البرهة من اليوم اسم «الضحى»، والقسم بالضحى لأهميته، لأنّه وقت هيمنة نور الشمس على الأرض.

والقسم الثّالث بالقمر: (والقمر إذا تلاها). وهذا التعبير ـ كما ذهب إلى ذلك جمع من المفسّرين ـ إشارة إلى القمر حين يكتمل ويكون بدراً كاملاً في ليلة الرابع عشر من كلّ شهر، ففي هذه الليلة يطل القمر من اُفق المشرق متزامناً مع غروب الشمس. فيسطع بجماله النّير ويهيمن على جوّ السماء، ولجماله وبهائه في هذه الليلة أكثر من أيّة ليلة اُخرى جاء القسم به في الآية الكريمة.

واحتمل بعضهم أن يكون في تعبير الآية إشارة إلى تبعية القمر بشكل دائم للشمس، واكتساب النور من ذلك المصدر المشعّ، غير أن عبارة (والقمر إذا تلاها) تكون في هذه الحالة قيداً توضيحياً.

[232]

وثمّة احتمالات اُخرى ذكرت في تفسير الآية لا تستحق الذكر.

والقسم الرابع بالنهار: (والنهار إذا جلّها).

و«التجلية» هي الإظهار والإبراز. واختلف المفسّرون في مرجع الضمير في «جلاّها» قال أكثرهم يعود إلى الأرض أو الدنيا، أي: قسماً بالنهار إذا أظهر الأرض بضوئه. وليس في الآيات السابقة إشارة إلى الأرض، ولكنها تتّضح من قرينة المقام.

وبعضهم قال إن الضمير يعود إلى الشمس، ويكون القسم بالنهار حين يجلّي الشمس، صحيح أنّ الشمس تُظهر النهار ولكن يمكن أن نقول مجازاً إنّ النهار يجلّي الشمس. غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

على كلّ حال، القسم بهذه الظاهرة السماوية الهامّة، يبيّن أهميتها الكبرى في حياة البشر وفي جميع الأحياء، فالنهار رمز الحركة والحياة، وكلّ الفعاليات والنشاطات ومساعي الحياة تتمّ عادة في ضوء النهار.

والقَسَم الخامس بالليل: (والليل إذا يغشاها)(1).

بالليل بكلّ ما فيه من بركة وعطاء... إذ هو يخفّف من حرارة شمس النهار، ثمّ هو مبعث راحة جميع الموجودات الحية واستقرارها، ولولا ظلام الليل لما كان هناك هدوء واستقرار، لأنّ استمرار سطوع الشمس يؤدي إلى ارتفاع في درجة الحرارة وتلف كلّ شيء، ونفس هذه المشكلة تحدث لو اختل الوضع الحالي لنظام الليل والنهار، فعلى ظهر القمر، حيث ليله يعادل اسبوعين من كرتنا الارضية ونهاره يعادل أيضاً اسبوعين، ترتفع درجة الحرارة إلى ما يقارب ثلاثمائة درجة

_______________________________________

1 ـ وفي ضمير «يغشاها» ذهب المفسّرون إلى اتجاهين، منهم من قال: إنّه يعود إلى «الأرض» لأنّ الليل يسدل استاره على الأرض. ومنهم من قال إلى «الشمس» إذ الليل يحجب وجه الشمس، والمعنى هذا مجازي طبعاً، لأنّ الليل لا يحجب الشمس حقيقة، بل يظهر بعد غروب الشمس. والواقع أنّ الضمير في الآية السابقة إن عاد إلى «الأرض» فهنا يعود إليها أيضاً. وإن عاد إلى الشمس يعود إليها هنا أيضاً.

[233]

مئوية في وسط النهار، ومعها لا يبقى موجود حي نعرفه، على قيد الحياة، وفي وسط الليل تنخفض درجة الحرارة كثيراً تحت الصفر بحيث يتجمد حتماً أي موجود حيّ لو قدّر له أن يكون هناك.

ويلاحظ أن الأفعال المذكورة في الآيات السابقة وردت بصيغة الماضي بينما وردت في هذه الآية بصيغة المضارع، ولعل هذا الاختلاف يشير إلى أنّ ظهور الليل والنهار من الحوادث التي لا تختص بزمان معين، بل تشمل الماضي والحاضر. من هنا كانت الأفعال ماضية تارة ومضارعة اُخرى لبيان عمومية هذه الحوادث في مجرى الزمان.

وفي القسمين السادس والسابع تحلّق بنا الآية إلى السماوات وخالق السماوات: (والسماء وما بناها).

أصل خلقة السماوات بما فيها من عظمة مدهشة من أعظم عجائب الخليقة.

وبناء كلّ هذه الكواكب والأجرام السماوية وما يحكمها من أنظمة أعجوبة اُخرى... وأهم من كلّ ذلك... خالق هذه السماوات.

ويلاحظ في عبارة «وما بناها» أنّ «ما» تستعمل في العربية لغير العاقل، ولا يصح استعمالها في موضع الحديث عن الباري العليم الحكيم سبحانه. ولذا ذهب بعض إلى أنّها مصدرية لا موصولة، وبذلك يكون معنى الآية الكريمة: «والسماء وبنائها» غير أنّ الآيات التالية: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، لا يدع بما لا للشك أن «ما» موصولة، وتعود إلى اللّه سبحانه خالق السماوات، وورد في مواضع اُخرى من القرآن الكريم استعمال «ما» للعاقل، كقوله سبحانه: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء).

من المفسّرين من قال إنّ «ما» استعملت هنا لتطرح مسألة المبدأ بشكل مبهم كي يستطيع البشر بالدراسة والنظر أن يتوصلوا إلى علم بالمبدأ سبحانه وحكمته، ليتبدل بعد ذلك «ما» إلى «من» أي من الشيء المجهول الذي يعبّر عنه بـ «ما» إلى

[234]

معلوم، غير أن التّفسير الأوّل أنسب.

القسم الثامن والتاسع بالأرض وخالق الأرض: (والأرض وما طحاها). بالأرض التي تحتضن حياة الإنسان وجميع الموجودات الحيّة... الارض بجميع عجائبها: بجبالها، وبحارها، وسهولها، ووديانها، وغاباتها، وعيونها، وأنهارها، ومناجمها، وذخائرها... وبكلّ ما فيها من ظواهر يكفي كلّ واحد منها لأن يكون آية من آيات اللّه ودلالة على عظمته.

وأعظم من الأرض وأسمى منها خالقها الذي «طحاها» و«الطحو» بمعنى البسط والفرش، وبمعنى الذهاب بالشيء وإبعاده أيضاً. وهنا بمعنى «البسط»، لأنّ الأرض كانت مغمورة بالماء، ثمّ غاض الماء في منخفضات الأرض، وبرزت اليابسة، وانبسطت، ويعبّر عن ذلك أيضاً بدحو الأرض، هذا أوّلاً.

وثانياً: كانت الارض في البداية على شكل مرتفعات ومنخفضات ومنحدرات شديدة غير قابلة للسكن عليها. فهطلت أمطار مستمرة سوّت بين هذه التعاريج، وتسطحت الأرض فكانت صالحة لمعيشة الإنسان وللزراعة.

يرى بعض المفسّرين أنّ في الآية إشارة عابرة إلى حركة الأرض، لأنّ من معاني «الطحو» الدفع الذي يمكن أن يكون إشارة إلى حركة الأرض الإنتقالية حول الشمس، أو إلى حركتها الوضعية حول نفسها، أو إلى الحركتين معاً.

وأخيراً القسم الحادي عشر والقسم الثّاني عشر بالنفس الإنسانية وبارئها: (ونفس وما سوّاها).

قيل إنّ المراد بالنفس هنا روح الإنسان، وقيل إنّه جسمه وروحه معاً.

ولو كان المراد من النفس الروح، «سواها» تعني إذن نظمها وعدّل قواها ابتداء من الحواس الظاهرة وحتى قوّة الإدراك، والذاكرة، والانتقال، والتخيل، والابتكار، والعشق، والإرادة، والعزم ونظائرها من الظواهر المندرجة في إطار «علم النفس».

[235]

ولو كان المراد من النفس الروح والجسم معاً، فالتسوية تشمل أيضاً ما في البدن من أنظمة وأجهزة يدرسها علم التشريح وعلم الفسلجة.

وفي القرآن الكريم وردت «نفس» بكلا المعنيين، بمعنى الروح، كقوله سبحانه في الآية (42) من سورة الزمر: (اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها...)وبمعنى الجسم، كقوله سبحانه في الآية (33) من سورة القصص:(قال ربّ إنّي قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون).

والأنسب هنا أن يكون معنى النفس هنا شاملاً للمعنيين لأن قدرة اللّه سبحانه تتجلى في الإثنين معاً.

ويلاحظ أن الآية ذكرت كلمة «نفس» نكرة وفي ذلك إشارة إلى ما في النفس من عظمة تفوق قدرة التصوّر وإلى ما يحيطها من إبهام، يجعلها موجوداً مجهولاً. وهذا ما حدا ببعض العلماء المعاصرين أن يتحدث عن الإنسان في كتابه تحت عنوان: «الإنسان ذلك المجهول».

الآية التالية تتناول أهم ظاهرة في الخليقة وتقول: (فألهمها فجورها وتقواها).

نعم، حين اكتملت خلقة الإنسان وتحقق وجوده، علّمه اللّه سبحانه الواجبات والمحظورات. وبذلك أصبح كائناً مزيجاً في خلقته من «الحمأ المسنون» و«نفخة من روح اللّه»، ومزيجاً في تعليمه من «الفجور» و«التقوى». أصبح بالتالي كائناً يستطيع أن يتسلق سلّم الكمال الإنساني ليفوق الملائكة، ومن الممكن أن ينحط لينحدر عن مستوى الأنعام ويبلغ مرحلة (بل هم أضلّ). وهذا يرتبط بالمسير الذي يختاره الإنسان عن إرادة.

«ألهمها» من الإلهام، وهو في الأصل بمعنى البلع والشرب، ثمّ استعمل في إلقاء الشيء في روع الإنسان من قِبل اللّه تعالى، وكأن الإنسان يبتلع ذلك الشيء ويتشرّبه بجميع وجوده.

[236]

وجاء بمعنى «الوحي» أيضاً. بعض المفسّرين يرى أن الفرق بين «الإلهام» و«الوحي»، هو إنّ الفرد الملهم لا يدري من أين أتى بالشيء الذي ألهم به، وفي حالة الوحي يعلم بالمصدر وبطريقة وصول الشيء إليه.

«الفجور» من مادة «فجر» وتعني ـ كما ذكرنا سابقاً ـ الشق الواسع وسمّي بياض الصبح بالفجر لأنّه يشقّ ستار الظلام. ولما كانت الذنوب تهتك ستار الدين فإنّها سمّيت بالفجور.

المقصود بالفجور في الآية طبعاً الأسباب والعوامل والطرق المؤدية إلى الذنوب.

و«التقوى» من الوقاية وهي الحفظ، وتعني أنّ يصون الإنسان نفسه من القبائح والآثام والسيئات والذنوب.

ويلزم التأكيد أنّ الآية الكريمة: (فألهمها فجورها وتقواها) لا تعني أنّ اللّه سبحانه قد أودع عوامل الفجور والتقوى في نفس الإنسان، كما تصوّر بعضهم، واستنتج من ذلك دلالة الآية الكريمة على وجود التضاد في المحتوى الداخلي للإنسان! بل تعني أنّ اللّه تعالى علّم الإنسان هاتين الحقيقتين وألهمه إيّاهما، وبيّن له طريق السلامة وطريق الشرّ، ومثل هذا المفهوم ورد في الآية (10) من سورة البلد: (وهديناه النجدين).

بعبارة اُخرى، إنّ اللّه سبحانه قد منح الإنسان قدرة التشخيص والعقل، والضمير اليقظ بحيث يستطيع أن يميّز بين «الفجور» و«التقوى» عن طريق العقل والفطرة، لذلك ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الآية تشير في الحقيقة إلى مسألة «الحسن والقبح العقليين» وقدرة الإنسان على إدراكهما.

ومن بين النعم الطائلة التي أسبغها اللّه على الإنسان تركز هذه الآية على نعمة الهام الفجور والتقوى، وإدراك الحسن والقبح، لأنها من أهم المسائل المصيرية التي تواجه حياة الإنسان.

[237]

بعد هذه الأقسام المهمّة المتتالية يخلص السياق القرآني إلى النتيجة فيقول: (قد أفلح من زكّاها).

والتزكية تعني النمو، «والزكاة» في الأصل بمعنى النمو والبركة، وورد عن علي(عليه السلام) قوله: «المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق»(1).

ثمّ استعملت الكلمة بمعنى التطهير، وقد يعود ذلك إلى أن التطهير من الآثام يؤدي إلى النمو والبركة، والآية الكريمة تحتمل المعنيين.

نعم، الفلاح لمن ربّى نفسه ونمّاها، وطهّرها من التلوّث بالخصائل الشيطانية وبالذنوب والكفر والعصيان.

والمسألة الأساسية في حياة الإنسان هي هذه «التزكية»، فإن حصلت سعد الإنسان وإلاّ شقى وكان من البائسين.

ثمّ يعرج السياق القرآني على المجموعة المخالفة فيقول: (وقد خاب من دسّاها).

«خاب»: من الخيبة، وهي فوت الطلب، كما يقول الراغب في المفردات والحرمان والخسران.

«دسّاها» من مادة «دس» وهي في الأصل بمعنى إدخال الشيء قسراً، وجاء في الآية (59) من سورة النحل قوله سبحانه: (أم يدسّه في التراب)، إشارة إلى عادة الجاهليين في وأد البنات، أي إدخالهن في التراب كرهاً وقسراً ومنه «الدسيسة» التي تقال للأعمال الخفية والضارة.

وما هي المناسبة بين معنى الدسّ، وقوله سبحانه: (وقد خاب من دسّاها).

قيل: إنّ هذا التعبير كناية عن الفسق والذنوب، فأهل التقوى والصلاح يظهرون أنفسهم، بينما المذنبون يخفونها، ويذكر أنّ العرب الكرماء جرت عادتهم

_______________________________________

1 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار، الكلمة 147.

[238]

على نصب خيامهم على المرتفعات، وإشعال النيران قربها في الليل، لتكون بادية للمارّة ليل نهار، بينما أهل البخل واللؤم يقبعون في المنخفضات كي لا يأتيهم أحد.

وقيل: إنّ المقصود اندساس المذنبين بين صفوف الصالحين.

وقيل: إنّ المذنب يدس نفسه أو هويته الإنسانية في المعاصي والذنوب.

وقيل: إنّه يخفي المعاصي والذنوب في نفسه.

والتعبير ـ على كل حال ـ كناية عن التلوث بالذنوب والمعاصي والخصائل الشيطانية، وبذلك يقع في المنطقة المقابلة للتزكية.

والآية تحتمل في مفهومها الواسع كلّ هذه المعاني.

وبهذا المعيار يتمّ تمييز الفائزين عن الفاشلين في ساحة الحياة. «تزكية النفس وتنميتها بروح التقوى وطاعة اللّه» أو «تلوثها بأنواع المعاصي والذنوب».

الإمامان الباقر والصادق(عليهما السلام) قالا في تفسير الآية الكريمة: «قد أفلح من أطاع وخاب من عصى»(1).

وعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال حين تلا الآية: «اللّهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وزكّها أنت خير من زكّاها»(2).

وهذا الحديث يدل على أن اجتياز تعاريج المسيرة الحياتية والعبور من العقبة لا يتيسّر حتى لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ بتوفيق اللّه تعالى، أي لا يتيسّر إلاّ بعزم العبد وتأييد الباري، ولذلك ورد في حديث آخر عن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير الآيتين قوله: «أفلحت نفس زكّاها اللّه وخابت نفس خيبها اللّه من كلّ خير»(3).

* * *

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص 498.

2 ـ المصدر السابق.

3 ـ الدر المنثور، ج6، ص357.

[239]

ملاحظات

1 ـ ارتباط القسم القرآني بجواب القسم

ما الإرتباط بين هذه الأقسام الأحد عشر المتتالية في السّورة، وبين الحقيقة التي جاءت الأقسام لتأكيدها؟

يظهر أنّ اللّه سبحانه وتعالى يريد أن يقول لعباده: إنّي وفرت لكم كلّ الوسائل المادية والمعنوية لسعادتكم، فبنور الشمس والقمر أضأت لكم الحياة وباركتها ونظمت لكم الليل والنهار والحركة والسكون، ومهدّت الأرض لحياتكم.

ومن جهة اُخرى، خلقت أنفسكم بكلّ الكفاءات اللازمة، ووهبتكم الضمير اليقظ، والهمتكم معرفة حسن الاُمور وقبحها، فلا ينقصكم شيء إذن لطيّ طريق السعادة، لماذا إذن ـ مع كلّ هذا ـ لا تزكون أنفسكم وتستسلمون للدسائس الشيطانية؟

2 ـ دور الشمس في عالم الحياة

الحديث عن الشمس ـ وهي مركز المنظومة الشمسية وأميرة كواكبها ـ يدور تارة حول عظمتها وهو ما تطرقنا إليه سابقاً، وتارة اُخرى حول بركاتها وآثارها، وهذا ما سنعرض له بتلخيص في النقاط التالية:

1 ـ حياة البشر وجميع الموجودات الحية الأُخرى بحاجة في الدرجة الاُولى إلى الحرارة والنور، والحاجة إلى هذين الأمرين الحياتيين تؤمنها بشكل كامل متعادل هذه الكرة العظيمة المتوهجة.

2 ـ جميع المواد الغذائية يتمّ إعدادها بوسيلة نور الشمس، حتى الأحياء في قاع البحار والمحيطات تتغذى على النباتات التي تنمو على سطح المحيطات أو في خضمّ الأمواج مستفيدة من نور الشمس ثمّ تترسب إلى القيعان.

3 ـ كل الألوان ومظاهر الجمال المشهودة في الطبيعة ترتبط بشكل من

[240]

الأشكال بنور الشمس، وهذه مسألة علمية ثابتة وخاصّة في الفيزياء.

4 ـ الأمطار التي تحيي الأرض بعد موتها تهطل من الغيوم والغيوم أبخرة متصاعدة من البحار والمحيطات نتيجة لسطوع الشمس عليها، مصادر المياه التي تتغذى من الأمطار بما فيها الأنهار والعيون والقنوات والآبار العميقة هي إذن من بركات نور الشمس.

5 ـ الرياح التي تؤدي مهمّة تلطيف الجو، وتنقّل السحب، وتلقيح النبات، ونقل الحرارة من المناطق الحارة على الكرة الأرضية إلى المناطق الباردة، ونقل البرودة من المناطق الباردة إلى الحارة، إنّما تفعل ذلك بفضل سطوع نور الشمس، وتغيير درجة الحرارة في المناطق المختلفة من المعمورة.

6 ـ مصادر الطاقة بما فيها الشلالات، والسدود العظيمة في المناطق الجبلية، مصادر النفط ومناجم الفحم كلّها ترتبط بشكل من الأشكال بالشمس، ولولاها لما وجدت هذه المصادر، ولتبدلت الحركة على وجه الأرض إلى سكون.

7 ـ بقاء نظام المنظومة الشمسية مدين للتعادل القائم بين قوى الجذب والدفع الموجودة بين كرة الشمس من جهة، والسيارات التي تدور حولها من جهة اُخرى. وبذلك تنهض الشمس بدور فعّال في حفظ هذه السيارات في مدارها.

من مجموع ما ذكرنا نفهم السبب في بدء القسم في هذه السّورة المباركة بالشمس.

وهكذا القمر ونور النهار وظلام الليل، والكرة الأرضية، لكلّ واحد منها دور هام في حياة الإنسان وغير الإنسان، ولذلك جاء القسم بها جميعاً، وأهم من كلّ ذلك الإنسان بروحه وجسمه فهو أعجب من الجميع وأشدّ غموضاً وسرّاً منها.

وسنعود إلى أهمية تهذيب النفس في نهاية السّورة

* * *

[241]

الآيات

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ(11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَـهَا(12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَـهَا(13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيهِم رَبُّهُم بِذَنْبِهِم فَسَوَّاهَا(14) وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـهَا(15)

التّفسير

عاقبة مرّة للطغاة:

عقب التحذير الذي اطلقته الآية السابقة بشأن عاقبة من ألقى بنفسه في أوحال العصيان، قدمت هذه الآيات مصداقاً تاريخياً واضحاً لهذه السنّة الإلهية، وتحدثت عن مصير قوم «ثمود» بعبارات قصيرة قاطعة ذات مدلول عميق.

«الطغوى» و«الطغيان» بمعنى واحد وهو تجاوز الحد، وفي الآية تجاوز الحدود الإلهية والعصيان أمام أوامره(1).

«قوم ثمود» من أقدم الاقوام التي سكنت منطقة جبلية بين «الحجاز» و«الشام». كانت لهم حياة رغدة مرفهة، وأرض خصبة، وقصور فخمة، غير أنّهم لم

_______________________________________

1 ـ ذكر بعض علماء اللغة أن «الطغوى» مشتقّة من مادة ناقص واوي (طغَوَ) و«الطغيان» من مادة ناقص يائي (طَغَيَ).

[242]

يؤدوا شكر هذه النعم، بل طغوا وكذبوا نبيّهم صالحاً، واستهزأوا بآيات اللّه، فكان عاقبة أمرهم أن أبيدوا بصاعقة سماوية.

ثمّ تستعرض السّورة مقطعاً بارزاً من طغيان القوم وتقول:(إذا انبعث اشقاها).

و«أشقى» ثمود، هو الذي عقر الناقة التي ظهرت باعتبارها معجزة بين القوم، وكان قتلها بمثابة إعلان حرب على النّبي صالح.

ذكر المفسّرون أنّ اسم هذا الشقي «قدار بن سالف»

وروي أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي بن أبي طالب(عليه السلام): من أشقى الأولين؟

قال: عاقر الناقة.

قال: صدقت، فمن أشقى الآخرين؟

قال: قلت لا أعلم يا رسول اللّه.

قال: الذي يضربك على هذه، وأشار إلى يافوخه(1)

في الآية التالية تفاصيل أكثر عن طغيان قوم ثمود:

(فقال لهم رسول اللّه ناقة اللّه وسقياها)

المقصود من «رسول اللّه» نبيّ قوم ثمود صالح(عليه السلام)، وعبارة «ناقة اللّه» إشارة إلى أنّ هذه الناقة لم تكن عادية، بل كانت معجزة، تثبت صدق نبوة صالح، ومن خصائصها ـ كما في الرّواية المشهورة أنّها خرجت من قلب صخرة في جبل لتكون حجة على المنكرين.

«الناقة» منصوبة بفعل محذوف، والتقدير «ذروا ناقة اللّه وسقياها»، ويستفاد من مواضع اُخرى في القرآن الكريم أنّ النّبي صالحاً(عليه السلام) كان قد أخبرهم أنّ ماء القرية يجب تقسيمه بينهم وبين الناقة، يوم لهم ويوم للناقة: (ونبئهم أنّ الماء قسمة

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص499، ووردت الرّواية باختصار في تفسير القرطبي، ج6، ص7168.

[243]

بينهم كلّ شرب محتضر)(1).

وحذّرهم من أن الإساءة إلى الناقة: (فلا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم)(2).

الآية التالية تقول: (فكذبوه فعقروها)، و«العقر» ـ على وزن كفر ـ معناه الأساس والأصل والجذر، و«عقر الناقة» قطع أساسها وإهلاكها.

وقيل: «العقر» بتر أسافل أطراف الناقة، ممّا يؤدي إلى سقوطها وهلاكها.

ويلاحظ أنّ قاتل الناقة شخص واحد أشارت إليه الآية بأشقاها، بينما نسب العقر إلى كلّ طغاة قوم ثمود: «فعقروها»، وهذا يعني أنّ كلّ هؤلاء القوم كانوا مشاركين في الجريمة، وذلك أوّلاً: لأنّ مثل هذه المؤامرات يخطط لها مجموعة ثمّ ينفذها فرد واحد أو أفراد.

وثانياً: لأنّ هذه الجريمة تمّت برضا القوم فهم شركاء في الجريمة بهذا الرضا، وعن أمير المؤمنين علي(عليه السلام)قال: «إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم اللّه بالعذاب لما عموه بالرضى، فقال سبحانه: (فعقروها فاصبحوا نادمين)»(3)

وعقب هذا التكذيب أنزل اللّه عليهم العقاب فلم يترك لهم أثراً: (فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسواها).

«دمدم» تعني أهلك، وتأتي أحياناً بمعنى عذّب وعاقب وأحياناً بمعنى سحق واستأصل، وبمعنى سخط أو أحاط(4).

و«سوّاها» من التسوية وهي تسوية الأبنية بالأرض نتيجة صيحة عظيمة وصاعقة وزلزلة، أو بمعنى إنهاء حالة هؤلاء القوم، أو تسويتهم جميعاً في العقاب

_______________________________________

1 ـ القمر، الآية 28.

2 ـ الشعراء، الآية 156.

3 ـ نهج البلاغة، الخطبة 201.

4 ـ مفردات الراغب، ولسان العرب، ومجمع البيان.

[244]

والعذاب، حتى لم يسلم أحد منهم.

ومن الممكن أيضاً الجمع بين هذه المعاني.

الضمير في «سوّاها» يعود إلى قبيلة ثمود، وقد يعود إلى مدنهم وقراهم التي سوّاها ربّ العالمين مع الارض.

وقيل إنّ الضمير يعود إلى مصدر «دمدم» أي إنّ اللّه سوّى غضبه وسخطه على القوم ليشملهم جميعاً على حدٍّ سواء، والتّفسير الأوّل أنسب.

ومن الآية نستنتج بوضوح أنّ عقاب هؤلاء القوم كان نتيجة لذنوبهم وكان متناسباً مع تلك الذنوب، وهذا عين الحكمة والعدالة.

في تاريخ الاُمم نرى غالباً بروز حالة الندم فيهم حين يرون آثار العذاب ولجوءهم إلى التوبة، أمّا قوم ثمود، فالغريب أنّهم حين رأوا علامات العذاب طفقوا يبحثون عن نبيّهم صالح ليقتلوه(1). وهذا دليل على ارتكاسهم في العصيان والطغيان أمام اللّه ورسوله. لكن اللّه نجّا صالحاً وأهلك قومه شرّ إهلاك.

وتختتم السّورة الحديث عن هؤلاء القوم بتحذير قارع لكل الذين يتجهون في نفس هذه المسيرة المنحرفة فتقول: (ولا يخاف عقباها).

كثيرون من الحكّام قادرون على انزال العقاب لكنّهم يخشون من تبعات عملهم، ويخافون ردود الفعل التي قد تحدث نتيجة فعلهم، ولذلك يكفّون عن المعاقبة. قدرتهم ـ إذن ـ محفوفة بالضعف وعلمهم ممزوج بالجهل. لا يعلمون مدى قدرتهم على مواجهة التبعات. بينما اللّه سبحانه قادر متعال، علمه محيط بكّل الاُمور وعواقبها، وقدرته على مواجهة النتائج لا يشوبها ضعف، فهو سبحانه وتعالى لا يخاف عقباها، ولذلك فإنّ مشيئته في العقاب نافذة حازمة.

فالطغاة ـ إذن ـ عليهم أن يتنبّهوا ويحذروا غضب اللّه وسخطه ونقمته.

_______________________________________

1 ـ روح البيان، ج20، ص446.

[245]

والضمير في «عقباها» يعود إلى «الدمدمة» والهلاك.

* * *

بحوث

1 ـ ملخص حديث قوم ثمود

قوم «ثمود» ـ كما ذكرنا ـ كانوا يقطنون أرضاً بين الشام ويثرب تسمى (وادي القرى)... يعبدون الأوثان... ويمارسون ألوان الآثام. بعث اللّه سبحانه فيهم «صالحاً»(عليه السلام) يدعوهم إلى طريقة الهداية والنجاة، لكنّهم أبوا إلاّ أن يعكفوا على أوثانهم ويمارسوا طغيانهم.

وعندما طلبوا من نبيّهم معجزة، أرسل اللّه إليهم «ناقة» بطريق إعجازي من قلب جبل، ولكنّهم كلفوا بامتحان يتلخص في تقسيم ماء المدينة بينهم وبين الناقة... يوم لها ويوم لهم. وفي الأثر أنّ القوم كانوا يستفيدون من لبن الناقة في يوم منعهم من الماء، لكن المعجزة لم تخفف من غلواء لجاجهم وعنادهم، فخططوا لقتل الناقة ولقتل صالح أيضاً لأنّهم رأوا فيه عقبة أمام شهواتهم وميولهم.

خطة «قتل الناقة» نفذت كما ذكرنا على يد شقي قسيّ اسمه «قدار بن سالف»، وكان ذلك في الحقيقة إعلان حرب على اللّه، لأنّهم أرادوا بقتل هذه الناقة التي كانت معجزة نبيّ اللّه صالح أن يطفئوا نور الهداية، عندئذ أنذرهم صالح أن يتمتعوا في بيوتهم بما شاؤوا من اللذات ثلاثة أيّام لينزل العذاب بعدها عليهم جميعاً. (سورة هود ـ الآية 65).

هذه الأيّام الثلاثة كانت في الواقع فرصة لإعادة النظر، وآخر مهلة للعودة والتوبة، لكنّهم أبوا إلاّ طغياناً بل ازدادوا عتوّاً، وهنا حلّ عليهم العذاب الإلهي،

[246]

وجاءت الصيحة السماوية(1) لتدك أرضهم، ولتبيدهم في دورهم: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين)(2).

تفاصيل قصّة ثمود وردت في المجلد السادس من هذا التّفسير.

2 ـ أشقى الأولين وأشقى الآخرين

جمع من علماء الشيعة والسنة منهم الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، والخطيب البغدادي، والموصلي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم باسنادهم عن عمار بن ياسر، وجابر بن سمرة، وعثمان بن صهيب، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي(عليه السلام): «يا علي! أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين قاتلك، وفي رواية: من يخضب هذه من هذا (وأشار إلى لحيته ويافوخه)»(3).

وثمّة تشابه في الواقع بين قاتل ناقة صالح، قدار بن سالف، وقاتل  أمير المؤمنين(عليه السلام)، عبد الرحمن بن ملجم المرادي. لم يكن الإثنان يحملان عداءً شخصياً، بل كان هدف الإثنين اطفاء نور اللّه والقضاء على معجزة وآية من آيات اللّه، وكما إنّ العذاب الإلهي عمّ قوم ثمود بعد حادثة الناقة، كذلك عمّ المسلمين بعد استشهاد أمير المؤمنين(عليه السلام) داهية دهماء تمثلت في التسلط الأموي المتجبّر الذي سام المسلمين سوء العذاب.

ويذكر أنّ الحاكم الحسكاني أورد روايات كثيرة مستفيضة في هذا المجال(4)

_______________________________________

1 ـ الصيحة السماوية أو الصاعقة، صوت عظيم تصحبه هزّة شديدة وحرائق، وهي بالتعبير العلمي شرارة كهربائية كبرى تحدث نتيجة تفريغ كهربائي من الغيوم المحملة بشحنات موجبة إلى الأرض ذات الشحنات السلبية.

2 ـ هود، الآية 67.

3 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، ص 587.

4 ـ شواهد التنزيل، ج2، ص335 ـ 343.

[247]

3 ـ أهمية تهذيب النفس

كلما ازداد عدد أقسام (جمع قَسَم) القرآن ازدادت أهمية الموضوع، وفي هذه السّورة المباركة أكبر عدد من الأقسام، خاصّة وأنّ القسم بالذات الإلهية المقدسة تكرر ثلاث مرات، ثمّ جاء التركيز على أن النجاح والفلاح في تزكية النفس، وأن الخيبة والخسران في ترك التزكية.

وهذه في الواقع أهم مسألة في حياة الإنسان، والقرآن الكريم إذ يطرح هذه الحقيقة إنّما يؤكّد على أنّ فلاح الإنسان لا يتوقف على الأوهام ولا على جمع المال والمتاع ونيل المنصب والمقام، ولا على أعمال أشخاص آخرين (كما هو معروف في المسيحية بشأن ارتباط فلاح الإنسان بتضحية السيد المسيح)... بل الفلاح يرتبط بتزكية النفس وتطهيرها وسمّوها في ظل الإيمان والعمل الصالح.

وشقاء الإنسان ليس أيضاً وليد قضاء وقدر وبالاجبار، ولا نتيجة مصير مرسوم، ولا بسبب فعل هذا وذاك، بل هو فقط بسبب التلوث بالذنوب والإنحراف عن مسير التقوى.

وفي الأثر أن زوج العزيز (زليخا) قالت ليوسف لما أصبح حاكم مصر:

«إنّ الحرص والشهوة تصير الملوك عبيداً، وأن الصبر والتقوى يصير العبيد ملوكاً، فقال يوسف: قال اللّه تعالى: (إنّه من يتق ويصبر فإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين)»(1).

وعنها أيضاً قالت لما رأت موكب يوسف ماراً من أمامها:

«الحمد للّه الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً»(2)

_______________________________________

1 ـ المحجة البيضاء، ج5، ص 116.

2 ـ المحجة البيضاء، ج5، ص 117.

[248]

نعم، عبادة النفس تؤدي إلى وقوع الإنسان في أغلال الرقية بينما تزكية النفس توفّر أسباب التحكم في الكون.

ما أكثر الذين وصلوا بعبوديتهم للّه تعالى درجة جعلتهم أصحاب ولاية تكوينية، ومكنتهم بإذن اللّه أن يؤثروا في حوادث هذا العالم وأن تصدر منهم الكرامات وخوارق العادات!!

إلهي! أعنّا على أنفسنا وعلى كبح جماح أهوائنا.

إلهي! لقد ألهمتنا «الفجور» و«التقوى» فوفقنا للإستفادة من هذا الإلهام.

إلهي! دسائس الشيطان خفية غامضة في نفس الإنسان، فوفقنا لمعرفتها.

آمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة الشّمس




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21402461

  • التاريخ : 19/04/2024 - 15:59

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net