• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : اللقاءات والأخبار .
              • القسم الفرعي : لقاء مع حملة القرآن الكريم .
                    • الموضوع : وفد من الدار يزور الحكم الدولي عبد الرسول عبائي .

وفد من الدار يزور الحكم الدولي عبد الرسول عبائي

بادرت مجموعة من أعضاء دار السيّدة رقية (عليها السّلام) للقرآن الكريم بزيارةٍ للحكم الدولي والمستشار والخبير بالشؤون القرآنيّة الاُستاذ عبد الرسول عبائي، وقد أجرت معه الدار خلال هذه الزيارة حواراً حول مسيرته القرآنيّة، فأشار إلى عدّة نقاط مهمّة في خصوص الحركة القرآنيّة وتطويرها، وكان هذا الحوار:

 

الدار: اُستاذنا الكريم، هل لكم أن تطلعونا على الحركة القرآنيّة في كربلاء أيّام شبابكم، وبأي درجة ومستوى كانت؟

الاُستاذ: نعم، لقد كان للحركة القرآنيّة حضور ملموس في ذلك الوقت؛ حيث كان الناس يحضرون جلسات القرآن الكريم التي يُقيمها بعض المؤمنين، ولكن ليست بهذا الشكل الحاضر. بالمناسبة أنا من مواليد 1954م، وأتذكر أنَّ هناك مجموعةً من الشباب القرآني في مدينتي كربلاء، وكان من بينهم الاُستاذ حمّادي الجرّاح المعروف آنذاك، فكنت أقرأ عليه بعض الآيات وهو يقرأ عليَّ البعض الآخر، وهكذا أخذنا نتقدّم شيئاً فشيئاً حتّى وصلنا إلى ما هو عليه الآن.

والشيء الجميل الذي أفتخر به وأعتز هو أنّنا كنّا نعشق القرآن الكريم، وكان الهدف من وراء ذلك أسمى بكثير من تعلّم القراءة وأحكام التجويد، فأنا كنت اُراعي الأحكام في قراءة القرآن، فكنت أشعر أنّ النور لا يخرج من حنجرتي إلاّ حينما أقرأ آي الذكر الحكيم. وباعتقادي أنّ هذا النور لا يمكن أن يوجد إلاّ إذا طُبّقت أحكامُ القرآن الكريم تطبيقاً صحيحاً، فكلّما طُبّقت هذه الأحكام سيزداد هذا النور ويكون أكثر صفاءً ونقاء.

والحقيقة أنَّ لهذا النور درجاتٍ متفاوتة ما بين 30% ، 50% ، 70% ، فكلّما قرأتَ كلمات القرآن والتزمت بتطبيق أحكامه؛ كالوقف ومخارج الحروف، والمدود وسائر الأحكام الاُخرى، كلّما ازداد هذا النور وتألق أكثر.

الدار: عفواً اُستاذنا، هل لكم أن تحدّثونا عن طبيعة مشاركتكم في المسابقات القرآنيّة أيام شبابكم؟

الاُستاذ: نعم، هناك مسابقة دعت إليها إيران عام 1972 م، فلمّا جئتُ إليها أنا وصديقي حسن دهنوي الذي كان مُحبّاً للمنشاوي، فيما كنت مُحبّاً للقارئ المصري (أبو العينين) ومقلّداً لمحمود علي البنا، وكان المقرّر في الأوقاف أنّ الذي يترشّح للفوز آنذاك يُرسل إلى ألمانيا، فلمّا أردنا المشاركة قالوا لنا: لقد وصلتم متأخّرين، وعليه فلا يحقّ لكم المشاركة.

ولحُسن الحظِّ أنَّ بعض القرّاء المصريِّين أمثال: الشيخ محمّد الطوخي، والشيخ حسين، والدكتور صلاح الصاوي كانوا موجودين هناك، فطلب منّي هذا الأخير أن أقرأ بعض الآيات، فقرأت له سورة يوسف، وما أن قرأت {ألم} قال لي: يكفي. وعندها سُمح لنا بالاشتراك. ولكن بعد مشاركتنا في هذه المسابقة اعترض علينا البعض وقال: هؤلاء عرب. حينها أخرجت جنسيتي، فقال أحدهم: ماذا يعني هذا؟ وكان المعترض هو أبو مروة، وهو في السنة نفسها ذهب إلى ماليزيا، فقلنا له: نحن إيرانيّون؟ فقال رئيس الوقف لنا: لا تشتركوا هذه السنة، وأمّا في السنة القادمة فسنمتحنكم وتشاركون إن شاء الله تعالى، فوافقنا على ذلك.

وكان عندي صديق آنذاك هو الدكتور آذرشب، وهو الآن اُستاذ في إحدى الجامعات ومستشار للسيد الخامنائي (حفظه الله)، فقال لي: أتدري أنت إلى أين تتجه؟! فقلت: ماذا تعني بذلك؟! فقال: إنك ستقوّي بذلك بُنية الأوقاف ـ وكان هذا الأمر زمن الشاه ـ وهي ضد الحوزة العلميّة .

فكانت هذه الكلمات بمثابة الصعقة الكهربائيّة لي، فنحن في العراق تربية الشهيد الصدر والعلامة العسكري (قُدّس سرّهما)، وتربية كلّيّة اُصول الدين التي أنهيت فيها مرحلة البكالوريوس سنة (1969 ـ 1970م)، فأين نحن من هذا؟! ولذا تركنا هذا الأمر ورجعنا.

الدار: اُستاذنا العزيز، هل كنتم قريبين من الشهيد الصدر (قُدّس سرّه) أيام تواجدكم في هذه الكلّيّة؟

الاُستاذ: نعم، نحن كنّا شباباً يوم كان الشهيد الصدر، والشيخ الوائلي، والسيد محمّد حسين فضل الله، والشيخ عبد الهادي الفضلي، والشيخ محمد مهدي الآصفي (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين) أساتذة يدرّسوننا.

الدار: هل شاركتم بعد ذلك في ما أوعدكم به رئيس الوقف الإيراني آنذاك؟

الاُستاذ: لا لم نشارك؛ للسبب الذي ذكرته سابقاً.

الدار: هل شاركتم بعد ذلك في مسابقات قرآنيّة اُقيمت في إيران قبل قيام الثورة الإسلاميّة فيها؟

الاُستاذ: نعم، هناك مجموعة من تجّار السوق جاؤوا إلى مسجد الإمام الخميني (قُدّس سرّه) الآن، فاُقيمت فيه مسابقة قرآنيّة؛ حيث دعوا القرّاء والحفّاظ إليها، وقد شارك فيها حوالي 60 قارئاً، وفي هذه المسابقة حزت على المرتبة الاُولى، فأخذت الكأس من يد حبيب الصحّاف.

الدار: هل كان لكم اهتمام بالنغمات والصوت وحسنه؟

الاُستاذ: بالحقيقة لم أكن اُفكّر بالصوت وأثره، وأنا لا اُنكر مطلوبية حسن الصوت ومحبوبيّته وتأثيره، لكنّ الأصوات الجميلة لها درجتها ومكانتها، وليست هي الهدف الوحيد والأسمى من وراء القراءة. للأسف حينما يُؤتى بالطفل للتعلم فإنّهم يبدؤون معه بـ (السكَا، بيان، چاركا) وغير ذلك من المسمّيات للنغمات الصوتية. نعم، لقد تعلّمتها وأنا ألعن نفسي.

حينما كانت المسابقة الوطنيّة في مشهد سنة (1968 أو 1969م) قال لي (نظام زاده) رئيس منظمة الأوقاف الذي كان تحت إشراف (إمام جمران): ماذا نفعل حتّى يتأهّل قرّاؤنا إلى مسابقة ماليزيا ويحصلون على أفضل المراتب؟

قلت له: إذا أردنا أن يتفوق قرّاؤنا فعلينا أن نجعلهم يضبطوا أحكام الوقف والابتداء، وأحكام التجويد والصوت، وأمّا بالنسبة للصوت واللحن فقد منَّ به الله تعالى على (آقا خدادادي)، وعليه فادعوا بعض القرّاء المصريِّين لنستفيد من خبراتهم وتجربتهم في ذلك. حينها دعوا القارئ المعروف راغب بسيوني، وبدوري أنا دعيت القارئ القباني العربي، فقلت له: تعال واقرأ لي بعض النغمات عسى أن يستفيد منها الشباب. فبدأ يقرأ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...}.

فسُجّل له آنذاك شريط لا يزال موجوداً حتّى الآن، وقد صار عليه طلب وإقبال شديد؛ لأنّ النيّة كانت خالصة لوجه الله تعالى، (إنّما الأعمال بالنّيات)، إذ كانت نيّتنا هي: أنّ شبابنا إذا ما تفوّقوا في المسابقات الدولية فإنّهم سوف يعكسون صورة حسنة ووجهاً مشرقاً للمسلم الشيعي في الأوساط الإسلاميّة، وبالتالي فهو وجه لمدرسة الإمام الصادق (عليه السّلام).

الدار: لماذا لا تستحسن قراءة القرآن بالنغمات والمقامات؟

الاُستاذ: لأنّي لا أرى من المناسب أن تأتي بالقارئ إلى الجلسة القرآنيّة ثمَّ تطلب منه أن يقرأ بهذه النغمات، بحيث يكون لهذه النغمات دور كبير في تقييم هذا القارئ؛ من قبيل أن تطلب منه أن يقرأ بالنغمة الحجازيّة، ثمَّ تطلب منه أن ينتقل إلى السكَا ... وهكذا.

نعم، لو أردتم أنّ تعلّموا القارئ النغمات فعليكم أن تأتوا ـ مثلاً ـ بقصيدة كقصيدة السيد رضا الهنداوي ثمَّ تطبّقوا عليها هذه النغمات لا أن تطبّقوا ذلك على الآيات القرآنيّة، أو أن تأتوا بـ (السكَا) التي خرجت من إخواننا السنّة؛ كقراءةٍ لأبي العينين أو عبد الباسط لسورة الشمس ثمَّ تطبّقوها على القرآن الكريم؛ لأنّهم لا يحترزون من النغم والموسيقى، بينما نحن نحرّم هذه الاُمور ولا نجوّزها؛ لأنّها من اللغو، والقرآن يأمرنا بالإعراض عن اللغو، فكيف يمكن لنا أن ندخل مثل هذه الاُمور إلى جلسة قرآنيّة ذات قدسية تحضرها الملائكة؟!

الدار: ما هو الاُسلوب الناجع في تحفيظ الطالب وتعليمه قواعد وأحكام التجويد ونحوها حينما تكون معاملة الاُستاذ مع الطالب قائمة على عدم بيان القاعدة؟

الاُستاذ: أنا في الحقيقة كنت اُقلّد عبد الباسط، فالاُستاذ كان كثيراً ما كان يعلّمنا النغمات، وهذه فيها شيء من التحفيز، فهو يقول: أحسنت! جميل جميل! يشجعني بالنسبة للصوت والنغم، ثمَّ يقول لي: انتبه لي فأنا سأقرأ لك الآية مرّة ثانية، فإذا لم أنتبه حينها يذكرني، وعليه فالدور الأول تنبيه، والدور الثاني تفهيم. ولما كنت أنتبه فإنّه يستحسن ذلك مني ويشجعني عليه. إذاً الاستمرار في القراءة والسيطرة عليها يكون من أفضل الطرق للحفظ.

الدار: شيخنا الكريم، كم استغرق وقتكم في التعلّم آنذاك؟

الاُستاذ: بصراحة أنا اجتزت تلك المرحلة بسنة أو سنة ونصف؛ وذلك لأنّ اُستاذي قد أعطاني كتاباً حجمه صغير جداً، كان عنوانه (هداية المستفيد)، وكنت آنذاك في الصف الأول المتوسط، فكنت أقرأ فيه بتمعّن، فتعلمت القواعد والأحكام؛ كأحكام النون الساكن، والمبهم الساكن، وأحكام الراء ... إلخ، ثمَّ بعد ذلك أعطاني كتاباً آخر في النحو، وهو كتاب (الإجرومية)؛ لأتمكن من الإعراب، ومعرفة الفاعل والمفعول، والمضاف والمضاف إليه، والجملة الشرطية ... إلخ، وكان الاُستاذ يركّز تركيزاً كبيراً على ذلك.

وبعد أن وصلت إلى مرحلة الجامعة كان اُستاذي السيد حسن ـ وهو إيراني ـ يطلب مني قراءة بعض الآيات، وحينما كنت أقرأ له (بسم الله) يوقفني طويلاً، ويقول لي: لا. ولم أكن ملتفتاً لغرضه حتّى جئت إلى إيران، فعرفت حينها أنّ الكسرة عندهم لا هي كسرة ولا هي فتحة، بل بينهما.

الدار: شيخنا العزيز، ما هي نصيحتكم للأساتذة والطلاب مع وجود هذه الحركة السريعة في التعليم؟

الاُستاذ: هذه الحركة ـ والحمد لله ـ كانت موجودة في قلبي منذ أزاح الله طاغية العراق صدام، بل وقبل إزاحته. كنت أطمح بأن تكون هذه الحركة في العراق، وقد تحقق ـ ولله الحمد ـ هذا الطموح، والآن بدأ الإخوة الأعزاء يترددون على الجمهورية الإسلاميّة، وأنا بدوري وبحسب قدراتي كان لي شرف المساهمة مع إخوتنا العراقيين بالنشاطات الإيرانيّة، فاُقدّم لهم هذه الإمكانيات والطاقات الموجودة عندنا في الجمهورية الإسلاميّة.

وفي الوقت نفسه لاحظت مشاركة إخواننا من السعودية والبحرين والخليج في المسابقات التي تقيمها قناة الكوثر، فكانوا ما شاء الله. كان بودي أن تكون هناك لقاءات بين الإخوة جميعاً؛ لأنّي أعتقد أنّ هذا من الجهاد الأكبر؛ لأنّ المخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم السّلام) يتهموننا ويقولون: إنّ الشيعة عندهم قرآن يختلف عن قرآن المسلمين.

بالمناسبة: في يوم من الأيام رأيت شخصاً في مسجد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، ورأيته يقرأ القرآن مع نفسه ليراجع حفظه، ففتحت معه الحديث، فقال: نحن لا نتفق معكم ولا نستطيع الاتفاق معكم.

 فقلت له: مَن قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله فهو مسلم، فنحن مسلمين يا أخي، والأعداء يختلفون عنّا.

فبدأ يطرح إشكالاته على الشيعة، وكان من جملتها أنّه قال: حينما دخل الجيش الأمريكي إلى العراق قمتم ـ أنتم الشيعة ـ بإرسال (5) ملايين مصحفاً من مصحف فاطمة ونشرتموها في العراق. وقبلها كان يقول: صلاتنا وصلاتكم مختلفة.

فقلت له: وكيف ذلك؟

 قال: لأنّكم في نهاية صلاتكم تقولون: خان الأمين خان الأمين. وفي وقتها كان ولدي حيدر معي ومعه ابنه الصغير حسن، فقلت له: جدو حسن، تعال هنا صلِّ لعمك. قال: جدو، اُصلّي من الأول.

 قلت له: لا فقط التشهد والتسليم.

قال: الحمد لله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على وآل محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

قلت له: يا أخي، هؤلاء يضحكون عليكم، فيقولون لك: هذا رافضي، ويقولون لي: هذا تكفيري ووهابي؛ كي لا تتحدث معي ولا أتحدث معك. وأمّا مصحف فاطمة فهو تفسير للقرآن ليس إلاّ، ويا ليتني أراه!

ثمَّ قلت له: أنا أعطيك (100) دولار إن استطعت أن تحضر لي نسخة واحدة من مصحف فاطمة.

وكانت له أيضاً بعض الإشكالات الاُخرى على الشيعة قد أوهموه بها ... .

فالقصد من هذا الكلام هو التركيز على حفظ القرآن؛ لأنّنا إذا ما حفظنا القرآن فسيكون بأيدينا أقوى سلاح للقضاء على الفكر الوهابي المستشري في بعض البلدان الإسلاميّة؛ لأنّهم يشيعون على أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) بأنّهم لا يهتمون بالقرآن وحفظه.

وبحفظنا للقرآن سوف نكسر هذه الشوكة، ونكشف هذه الحيل التي يدّعونها على المذهب الحق.

لقد زرعت هذه الشوكة سنة (1987م) بعينهم حينما ذهبنا إلى الحج؛ حيث كان معي الحافظ الإيراني المعروف (برهيزكار)، فكنت مقدِّم برنامج لقافلة قرّاء الجمهورية الإسلاميّة المتكونة من (72) قارئاً، وكانت هناك جلسة تُعقد والناس تجتمع إليها بكثرة، حينها يأخذ القرّاء واحد تلو الآخر بالقراءة، وكانت أصواتهم جميلة، وكان معي (برهيزكار)، فقلت له: قم الآن لاُعرّفك بعنوان حافظ. وكان عمره آنذاك عشرين سنة.

فقال: لا، أنا غير مستعد في الوقت الحاضر، ولم اُراجع محفوظاتي منذ زمن.

قلت له: قم، هذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، صلِّ ركعتين وتوسل به. فقام وصلّى ركعتين وتوسل به، ثمَّ قال لي: أنا الآن حاضر ومستعد.

وكان الناس والمسلمون والحجّاج ملتفّين حول الجلسة، وكان عددهم حوالي (500) شخصاً، فقلت لهم: إنَّ الجمهورية الإسلاميّة لم تُخرِّج قرّاءً فقط، بل لقد خرّجت حفّاظاً للقرآن الكريم، واليوم سنعرّفكم على شاب حافظ لكلِّ القرآن.

وهكذا كلّما سألته يجيبني بجدارة، ثمَّ بدأت عليه الأسئلة من رجل مصري وكويتي وبنغلاديشي ... إلخ، وهو يجيب، ولمّا انتهت الجلسة قام أحد العلماء من الحاضرين وقال: أيّها المسلمون، هؤلاء أشراف اُمّة النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله).

ثمَّ ألقى بعدها كلمة استغرقت حوالي ربع ساعة، تكلّم فيها عن إيران والشيعة.

وفي اليوم الثاني كان معنا شخص حافظ للقرآن الكريم، وكان عمره آنذاك سبعين سنة، فقلت للحاضرين: لقد عرّفتكم يوم أمس بشاب حافظ للقرآن، واليوم اُعرفكم بشيخ عمره أكثر من سبعين سنة.

فتعجب الحاضرون جميعهم، ثم بدأ بالإجابة عن الأسئلة المطروحة عليه من قِبلهم، هذا مع عدم امتلاكه للصوت أو النغمة، ولكن ـ ولله الحمد ـ كان له استقبال مهيب بحيث قام على إثر ذلك أحدُ العلماء وألقى كلمة تأثّر بها الجمهور بأكمله.

فهذه الحركة كان لها صدىً كبير في الأوساط العالمية، وأنا أعتقد أنّها أكبر وسيلة للتبليغ.

وأتذكر أنّ الشيخ إحسان بخش إمام جمعة مدينة (رشت) كان معنا، فرأيته يبكي بكاءً شديداً ويقول: أفديك بروحي! ماذا فعلت؟! الواحد منكم يعدل (3) آلاف روحاني من الحاضرين للتبليغ.

هذا هو التبليغ المؤثّر؛ لأنّه القرآن الكريم، وخاصّة حفظه. طبعاً إنَّ القراءة لها أثر كبير، لكن بالنسبة للجالسين من المخالفين إذا ما رأوا الحفّاظ فإنّهم يقفون صاغرين ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً؛ لذلك أنا أؤكد على جانب الحفظ، هذا هو المهم.

في سنة (1987م) انتخبت ضمن البعثة الخاصة بالحج، وفي ذلك العام أخذت معي بعض الحفّاظ والقرّاء، وكان من بينهم كريم منصوري، والسيد عباس ميرداماد، وبرهيزكار، والصحّاف، فقلت لهم: لنتحرك ونذهب إلى المساجد، نصلي ونشارك في الحلقات القرآنيّة. فأول ما ذهبنا إليه هو مسجد بلال في المدينة المنورة، فجئت للشيخ وسلّمت عليه، فقلت له: تسمح لنا أن نشارك معكم؟

قال: لا مانع من ذلك. من أين أنتم ؟

قلت له: من إيران.

قال: لا بدّ أن تقرؤوا بالحفظ؛ لاعتقاده أنّ الشيعة لا يوجد عندهم حفّاظ.

فقلت له: نعم نقرأ بالحفظ.

قال: أمّا اليوم فلا، تعالوا غداً.

قلت له: حسناً بلا إشكال.

فجئنا في اليوم الثاني، ولكننا فُجئنا بأنّ الشيخ غير موجود، ووجدنا رجلاً مكانه، فقلت له: إنّ الشيخ وعدنا بالقراءة في هذا اليوم.

فقال: نعم إنَّ الشيخ مريض، ولكن اصعدوا واقرؤوا بالحفظ.

فقرأ أخونا الحافظ كريم منصوري، فادهش الحضور بعذب صوته وجمال تلاوته، ثمَّ قرأنا الواحد تلو الآخر، فلما انتهينا من ذلك أخذ الحاضرون يسأل بعضهم البعض الآخر، مستفسرين عنّا وعن انتماءاتنا ومذهبنا.

وبصراحة أنَّ هذا العمل وهذا الحضور والتعريف بالشيعة لم يكن لولا حفظ القرآن الكريم.

إذاً يجب على المعلم الذي وهبه الله تعالى هذا العلم وميّزه به أن يدرك بأنّه جبل شامخ قائم بنفسه، وأن لا يستصغر نفسه أو يُنزل قدرها وشأنها، وعليه أن يجعل نفسه مكان الطالب والمتعلم، ويتذكر تلك الأيام الخوالي التي لم يكن يعرف فيها شيئاً أو يتصور أنّه سيكون عنده اُسلوب يستطيع أن يحاكي فيه المتعلمين، ولا بدّ أن يدرك أنّ لدى الطالب بعض الصعوبات والعقبات، وعليه أن يرفعها عنه ويذلّلها له.

الدار: شيخنا الكريم، متى بدأتم بعملية التدريس؟

الاُستاذ: لقد بدأت بالتدريس سنة ( 1345 هـ ش ـ 1966 م) حينما كنت طالباً في جامعة بغداد، حيث كنت اُدرّس أطفال الروضة بعد الظهر، وقد عدّ لهم المسؤولون برنامجاً خاصاً يرتبط بآداب الطعام وآداب المصاحبة، وكانت هذه الآداب مكتوبةً بالجُمل، فكنت اُدرّسها على شكل قصص لهم؛ لأنّ المعلم لا بدّ له من طُرق خاصّة وأساليب متنوعة يتعرّف من خلالها على مكنونات المتعلمين ونفوسهم، بحيث ينمّي عندهم القابليات ويجذبهم إليه.

وبعبارة اُخرى: لا بدّ للمعلم من التنوع في العمل.

الدار: عفواً شيخنا الجليل، هل لكم أن توضّحوا لنا ماذا تعنون بالتنوع؟

الاُستاذ: صحيح إنّ الدرس هو درس قرآني، ولكن التنوع فيه مهمّ، يعني لا بدّ للمعلم أن يجعل لطلبته خلال الفصل الدراسي سفرة ترفيهيّة أو سفرتين لبعض الأماكن السياحيّة؛ لكي ينشدّوا إلى الدرس ويرغبوا فيه. وبصراحة إنَّ اُسلوب المرحوم أبي مهدي سيف سيد حسن كان كثيراً ما يعجبني؛ حيث كان يقوم بإعداد سفرات ترفيهيّة إلى النجف الأشرف أو سامراء مرة أو مرتين خلال الفصل الدراسي، وهكذا يقوم المسؤولون في طهران بزيارة الأماكن الترفيهيّة والسياحيّة، حيث البساتين الجميلة والمتنزهات الرائعة والمياه العذبة، فيذهبون إليها برفقة طلابهم ويتغدون هناك ويتنعمون بجمال الطبيعة الخلابة.

الدار: شيخنا العزيز، هل لكم أن تبيّنوا لنا أفضل الطرق والأساليب في التدريس؟

الاُستاذ: أمّا بالنسبة لطرق التدريس فأنتم ـ ما شاء الله ـ أعرف بها، فلا تحتاجون أن نبيّنها لكم أو نوصيكم بها.

الدار: شيخنا الكريم، برأيكم ما هي المشاكل التي تواجه القرّاء بشكل عام؟

الاُستاذ: نعم، هناك بعض المشاكل الفنيّة التي تعيق القرّاء أثناء التسجيل في القنوات الإعلاميّة، منها على سبيل المثال لا الحصر ضعفُ الاتصال ورداءة البثِّ والإرسال، الأمر الذي يكون سبباً في عدم وضوح الصوت ووصوله إلى المتلقي بصورة جيدة، بل يكون سبباً لعدم الدقّة في التحكيم، وعندها يُظلم القارئ بالنسبة للتجويد أو النغمة.

بصراحة: حينما كنت أستمع للقارئ أو الحافظ للقرآن من خلال هذه القنوات، كنت أكتب للقائمين عليها إذا لم يكن الصوت واضحاً، وأخبرهم بأن يجدوا حلاً لهذه المشكلة، وإن لم يستطيعوا فليأتوا بالحكم والقارئ إلى الاُستديو ويجروا هناك الاختبار أو المسابقة، لكنهم يعتذرون بقلّة الإمكانات وعدم توفّرها لديهم.

وهناك شيء آخر أود الإشارة إليه، وهو أنّ المعيار في التحكيم صار ـ وللأسف ـ على أداء النغمات، والحال إنّ الصوت بواسطة الاتصال عن طريق الهاتف مع قلّة الإمكانات الخاصّة بسماع الصوت لا يكون واضحاً، الأمر الذي يؤثر على سير التحكيم ويجعله غير دقيق، وبالتالي تهدر حقوق القارئ وتضيع، وعليه فالحكم مسؤول أمام الله تعالى ما لم يأخذ هذا الأمر بالحساب.

بصراحة: أنا بالنسبة لي أستطيع أن اُسجّل الوقف والابتداء، لكن القارئ أحياناً لا تساعده نفسه على ذلك فيضطر للوقف، لذا لا ينبغي مؤاخذته بذلك. نعم بالنسبة لأحكام التجويد ومخارج الحروف يمكن أن يؤاخذ بها إذا ما أخطأ فيها.

طريقتي هي أن أضع نفسي دائماً مكان القارئ، وهذا الأخير يرى نفسه محتاجاً إلى الوقف الاضطراري، لكنّ الاُخوة يتصورون أنّ هذا من الوقف، وهو ليس كذلك، فإذا قرأ مرّة أو مرتين فبإمكاني أن أحسب له بمقدار (20) ثانية؛ ولذا حينما أكون حَكَماً فإنّي أضع أمامي ساعة منضديّة؛ لأنّ في التحكيم مسؤولية كبيرة يجب أن نلحظ فيها جميع الجوانب، فإذا ما ظهر خطأ في الإعراب أو أيّ شيء فإنّي اُسجله ثمَّ أرسله إلى الإخوة، وهم بدورهم يقبلون ذلك.

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

في الختام يتقدّم وفد الدار بجزيل الشكر وفائق الامتنان للاُستاذ الحَكم الدولي عبد الرسول عبائي على إتاحته هذه الفرصة للتحدّث والتعرّف على شخصيته القرآنيّة، داعين له ولجميع خَدَمة القرآن الكريم مزيداً من التوفيق والسداد، إنّه ولي النعمة والتوفيق.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1574
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 09 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20