• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : الإمام الجواد (عليه السلام) في مواجهة التحدي .

الإمام الجواد (عليه السلام) في مواجهة التحدي

السيد جعفر مرتضى العاملي

الرقابة حذفت:

إن إلقاء نظرة فاحصة على سير الأحداث فيما بين الإمام الجواد [عليه الصلاة والسلام] من جهة، وبين الهيئة الحاكمة، وعلى رأسها الخليفة العباسي، عبد الله المأمون، ثم أخوه محمد المعتصم في فترة قصيرة بعده من جهة أخرى ـ إن نظرة كهذه ـ تعطينا مدى حرص السلطة على ضرب الإمامة، تارة عن طريق إفراغها من محتواها العلمي، الذي هو العنصر الأهم، والأساس الأعظم فيها، وأخرى عن طريق الطعن في العصمة المتمثل في محاولات الإساءة إلى سمعتها وكرامتها، وحالة الطهر والقداسة، التي لها في نفوس الناس..

ويبدو من ملاحظة النصوص: أن هذه المحاولات قد تنوعت، وتكررت. ولعل ما وصل إلينا منها لا يمثل كل الحقيقة، وإنما هو يعكس جانباً ضئيلاً، ونزراً يسيراً منها.

وللتدليل على ما نقول، نشير إلى ما قاله محمد بن الريان في هذا المجال: «احتال المأمون على أبي جعفر [عليه الصلاة والسلام] بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شيء، فلما اعتل، وأراد أن يبني عليه ابنته الخ(1)..».

نعم.. هذا ما قاله محمد بن الريان.. ولكننا إذا راجعنا النصوص التاريخية، التي ذكرت لنا ما كان يتوسل به المأمون في مقابل أبي جعفر الجواد.. فإننا نجد: أنه لا يتجاوز حدثين أو ثلاثة.. الأمر الذي يعبر ـ بوضوح ـ عن شدة الرقابة التي كان المأمون ـ السلطة ـ يقوم بها على أصحاب الأقلام لمنعهم من تسجيل الحقيقة، كل الحقيقة، للتاريخ، وللأجيال..

وعلى كل حال.. فإننا إذا اردنا إجمال تلك الوقائع والأحداث التي استطاعت أن تجتاز حواجز الرقابة، فلسوف تكون على النحو التالي:

بغداد.. السجن الكبير:

إن المأمون.. الذي كان له على كل رجل صاحب خبر(2) وكان يدس الوصائف هدية، ليطلعنه على أخبار من شاء(3).

وقد جرت ذلك مع الإمام الرضا [عليه السلام] أيضاً.. فباء بالفشل الذريع، ومني بالخيبة القاتلة كما أن الظاهر هو: أن تزويجه ابنته للإمام الرضا [عليه السلام]، ثم تزويجه ابنته الأخرى لولده الإمام الجواد [صلوات الله وسلامه عليه] فيما بعد. قد كان بعض ما يهدف إليه منه، هو ذلك(4)..

إن المأمون هذا.. لابد وأن يكون قد اطلع على تحركات الشيعة، بعد وفاة الإمام الرضا [عليه السلام]، وعلى اتصالهم بالإمام الجواد [عليه الصلاة والسلام].. وبلغه بعض أو كل ما صدر عن الإمام عليه التحية والسلام من كرامات وفضائل، ومن أجوبة على المسائل الدقيقة والصعبة رغم صغر سنه.

وإذا كان وجود الإمام [عليه الصلاة والسلام] ـ وهو بهذه السن بالذات ـ كإمام يتحمل مسؤوليته القيادية، يعتبر. بحد ذاته تحدياً للسلطة، ولجميع الفرق على اختلافها في أعظم عقائدها أثراً، وأشدها خطراً، وأكثرها حساسية ـ إذا كان كذلك ـ فإن من الطبيعي أن يحتاط المأمون للأمر، ويعد العدة لكل المفاجآت المحتملة في هذا المجال. ولأجل ذلك.. فإننا نعتقد: أن استقدام المأمون للإمام الجواد [عليه السلام] من المدينة إلى بغداد، قد كان بهدف الاحتفاظ به على مقربة منه، لأهداف عديدة، سنشير إلى جانب منها..

وكان استقدام المأمون له [عليه السلام] إلى بغداد في سنة 204ه.ق. على ما يظهر. وذلك فور وصول المأمون من خراسان. ولكن ابن طيغور يذكر: أن الإمام التقي الجواد [صلوات الله وسلامه عليه] قدم في سنة 215هـ.ق من المدينة إلى بغداد، وتسلم زوجته ام الفضل بنت المأمون، في تكريت، والمأمون في حال سفر، كما سيأتي.

ونعتقد: أن المأمون بعد أن استقدمه إلى بغداد، قد حاول إجباره على المقام فيها، وجرت له معه فيها أمور كثيرة، وهامة. وإن كنا لا ندري مدى نجاح المأمون في محاولته تلك، فإن ما بأيدينا من النصوص ليس فيه صراحة كافية في هذا المجال..

ويمكن تأييد ذلك، بملاحظة عجلة المأمون في أمر استقدامه من المدينة إليه، تماماً كاستعجال أخيه المعتصم في استقدامه إليه فور توليه للخلافة، ثم الاحتفاظ به إلى أن دس إليه السم في سنة 220هـ.ق. ويؤيد ذلك ـ أن أنه [عليه السلام] قد أقام مدة في بغداد من دون اختيار منه، قول حسين المكاري: «دخلت على أبي جعفر ببغداد، وهو على ما كان من أمره فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، وأنا أعرف مطعمه..».

[أي أنه لا يرجع إلى وطنه، والحال: أن مطعمه بالطيب واللذة، والسعة، التي أعرفها] قال: فأطرق رأسه، ثم رفعه، وقد اصفر لونه، فقال: يا حسين، خبز شعير، وملح جريش، في حرم رسول الله، أحب إلي مما تراني فيه(5)..».

ويؤيد ذلك أيضاً.. ما سيأتي من أن المأمون قد احتال على الإمام [عليه السلام] بكل حيلة، قبل أن يسلم إليه ابنته، فلم يمكنه فيه شيء. الامر الذي يعني: أن ذلك يحتاج إلى شيء من الوقت من أجل تنفيذه(6). ومهما يكن من امر.. فإن محاولة إبقاء الإمام [عليه السلام] في بغداد، بالقرب من الخليفة المأمون ـ والتي نجح فيها المأمون جزئياً على الأقل ـ لسوف تكون مفيدة جداً للمأمون، ونظام حكمه، وذلك لأن بقاءه هذا من شأنه أن يمكن للمأمون من أن يجعله [عليه الصلاة والسلام] تحت الرقابة المستمرة، ويسهل عليه رصد كل تحركاته، ومواقفه، ثم تطويقها بسرعة، إن وجد فيها أي ضرر، أو خطر يذكر..

وكذلك.. فإنه يقطع صلاته بشيعته، ويقطع صلاته به، أو يقلل منها إلى حد كبير.. حيث أن من الطبيعي أنه إذا أحيط الإمام [عليه السلام] بهالة الحكم، وأبهة الملك، فإن ذلك سيجعل الكثيرين يتهيبون الاتصال به بصورة طبيعية. وبالأخص إذا كان الكثيرون منهم لا يرغبون بتعريض أنفسهم، وعلاقاتهم بالأئمة [عليهم الصلاة والسلام] للأضواء الكاشفة من قبل السلطة..

وأيضاً.. فلربما كان يأمل في أن يتمكن من خلال محاولاته وأساليبه الإغرائية أو الإغوائية، أو الترهيبية من ان يقنع الإمام في المستقبل، بأن يكون دعاؤه له ولدولته، هذا الأمل الذي كان يراود نفسه بالنسبة لأبيه الإمام الرضا [عليه السلام] من قبل كما أوضحناه في كتابنا: الحياة السياسية للإمام الرضا [عليه السلام].

أضف إلى ذلك: أنه بإظهاره المحبة، والتبجيل، والإكرام والتعظيم للإمام [عليه السلام]، يكون قد قدمنا دليلاً لربما ينطلي على الكثيرين، يثبن به حسن نواياه تجاه الأئمة [عليهم السلام] ويبرئه إلى حد ما من دم الإمام الرضا [صلوات الله وسلامه عليه].

كما أنه يكون قد أثبت للملأ: أنه لا يرى في خطهم تناقضاً مع خطه، ولا مع موقفه، كحاكم، وكسلطان.. وكذلك.. فإنه إذا استطاع أن يجعل الإمام [عليه السلام] يعيش حياة اللذة والرفاهية، والدعة، فلربما يؤثرذلك على طموحاته وآماله [عليه السلام]، ومن ثم على مواقفه.. وأخيراً على مجمل تصوراته وأفكاره، وأسلوب حياته، بصورة أساسية وعامة. حسبما أشير إليه فيما نقل عن الحسين المكاري آنفاً.. نعم إن ذلك أو جله، لربما يكون محط نظر المأمون.. وإن كان قد فشل في تحقيق كامل آماله وأهدافه، كما سنرى..

البازي الأشهب:

يقول النص التاريخي: «لما طعن الناس في المأمون، بعد وفاة الرضا [عليه السلام] واتهموه، أراد أن يبرئ نفسه من ذلك. فلما أتى من خراسان إلى بغداد، كتاب الجواد [عليه السلام] إلى المدينة، يستدعي قدومه عليه بالإعزاز والإكرام. فلما ورد بغداد اتفق أن المأمون قبل ملاقاته له [عليه السلام] خرج إلى الصيد، فاجتاز بطرف البلد في طريقه(7)..».

وكان ذلك بعد موت الإمام [عليه السلام] بسنة، فاجتاز المأمون ـ والنص لابن شهرآشوب: «بابن الرضا [عليه السلام]، وهو بين صبيان، فهربوا سواه.

فقال: علي به.

فقال: ما لك لا هربت في جملة الصبيان؟!

فقال: ما لي ذنب فأفر منه، ولا الطريق ضيق فاوسعه عليك، سر حيث شئت.

فقال: من تكون أنت؟!

قال: أنا محمد بن علي، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب [عليهم السلام]..

فقال: ما تعرف من العلوم(8)؟!

قال: سلني عن أخبار السماوات.. فودعه، ومضى، وعلى يده باز أشهب، يطلب به الصيد..

فلما بعد عنه، نهض عن يده الباز، فنظر يمينه وشماله لم ير صيداً، والباز يثب عن يده، فأرسله، فطار يطلب الأفق، حتى غاب عن ناظره ساعة، ثم عاد إليه، وقد صاد حية(9)، فوضع الحية في بيت المطعم..

وقال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي(10).. ثم عاد، وابن الرضا في جملة الصبيان.

فقال: ما عندك من أخبار السماوات؟!

[وفي نص آخر: «ثم إنه كر راجعاً إلى داره، وترك الصيد في ذلك اليوم» فلما وصل وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة، وأبو جعفر لم ينصرف فقال له المأمون: ما في يدي؟ الخ].

فقال: نعم يا أمير المؤمنين، حدثني أبي عن آبائه، عن النبي، عن جبرائيل، عن رب العالمين، أنه قال: بين السماء والهواء بحر عجاج، يتلاطم به الأمواج، فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، يمتحن به العلماء.

فقال: صدقت، وصدق أبوك، وصدق جدك، وصدق ربك، فأركبه، ثم زوجه أم الفضل».

وفي نص آخر: «تصيدها بزاة الملوك والخلفاء، فيختبرون بها سلالة أهل النبوة» فلما سمع المأمون كلامه عجب منه وأنه قال له: أنت ابن الرضا حقاً، ومن بيت المصطفى صدقاً(11)».

هذا الحدث بين النقد والتحليل:

ونشير نحن هنا إلى الأمور التالية:

ألف: إن الظاهر هو: أن المأمون حينما سأل الإمام عن نفسه بقوله: «من تكون أنت؟» قد كان متجاهلاً لا جاهلاً، وذلك لأن الإمام الجواد [عليه السلام]، كان قد قدم إلى خراسان في سنة202ه.ق لزيارة أبيه الإمام الرضا [عليه السلام]..

قال في تاريخ بيهق: إنه عبر البحر من طريق طبس مسينا(12)، لأن طريق قومس لم يكن مسلوكاً في ذلك الوقت، وصار مسلوكاً في عهد قريب.

فجاء من ناحية بيهق ونزل في قرية «ششتمد» وذهب من هناك إلى زيارة أبيه على بن موسى الرضا سنة 202ه الخ(13)..

ومن البعيد أن لا يكون المأمون قد رآه حينئذٍ، وأبو ولي عهده، وهو أيضاً إما كان عقد له على ابنته أم الفضل او سماها له..

باء: النقد: إن هذه الرواية توحي بأن الإمام الجواد [عليه الصلاة والسلام] قد كان يلعب مع الصبيان حينئذٍ، حيث ذكرت: أنهم كانوا يلعبون، وهو واقف معهم، إلى أن مر عليهم المأمون، وذلك مما لا يمكن قبوله.. وأيضاً.. فإن البعض يعتقد: أنه [عليه السلام] كان بالمدينة إلى أن أشخصه المأمون إلى بغداد(14).

ونقول: أما بالنسبة للأمر الأول، فإن وقوفه [عليه السلام] في مكان يتفق وجود بعض الصبيان فيه، لا يعني: أنه [عليه السلام] كان يلعب معهم وإلا لصرحت الرواية بذلك ولم تكتف بالقول: إنه كان واقفاً معهم، بل ليس في الرواية: أنه [عليه السلام] قد تعمد أن يكون معهم، وفي جملتهم. فلعله كان واقفاً أمام داره، واتفق وجود الصبيان كانوا يلعبون أيضاً بل لا يبعد أن يكون قد وقف معهم ليعلمهم ويرشدهم، ويوحي إليهم بالمفاهيم الإنسانية، بحسب ما يملكونه من استعداد للفهم والتعقل. وقد نجد الكثير من الحالات التي من هذا القبيل في حياتنا الحاضرة أيضاً. وعلى كل حال.. فإن وقوفه معهم لم يكن للعب قطعاً.. كيف وقد حمل إليه علي بن حسان الواسطي إلى المدينة بعض الآلة التي للصبيان ليتحفه بها، قال علي:

«فدخلت، وسلمت. فرد علي السلام، وفي وجهه الكراهة. ولم يأمرني بالجلوس. فدنوت منه، وفرغت ما كان في كمي بين يديه. فنظر إلي نظرة مغضب، ثم رمى يميناً وشمالاً، ثم قال:

ما لهذا خلقني الله، ما أنا واللعب؟!

فاستعفيته، فعفا عني، فخرجت(15)».

كما أن صفوان الجمال، قد سأل أبا عبد الله [عليه الصلاة والسلام] عن صاحب هذا الأمر. فقال: «صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب(16)».

وأما بالنسبة للأمر الآخر.. فإن حمل المأمون له إلى بغداد، لا يعني: أنه قد التقى به من أول يوم. وقد نرى أن البعض يستقدمه الخليفة، وتمر الأيام والليالي الكثيرة، وربما الأشهر، قبل أن يتهيأ له اللقاء به، هذا بالإضافة إلى أن النص المتقدم يصرح بأن المأمون قد خرج إلى الصيد قبل أن يلتقي به [عليه السلام].

ويتأكد ما نقول هنا: إذا عرفنا: أن من جملة الأهداف الهامة التي كان يرمي إليها المأمون من استقدامه له هو أن يكون على مقربة منه، ليتهيأ له الإشراف(17) بواسطة عيونه ورقبائه على مجمل تحركاته، واتصالاته، التي يكون للمأمون حساسية خاصة تجاهها.. وقد سبق للمأمون مع الرضا [عليه الصلاة والسلام] ما يؤكد هذا المعنى، ويسير في نفس الاتجاه.

والمأمون.. هو ذلك الرجل العجيب، الذي يهتم برصد كل تحركات خصومه، أو من يرى فيهم مشروع خصوم له في وقت ما.. وقد تقدم بعض النصوص الدالة على ذلك فلا نعيد..

جيم: التحليل: في هذا الحدث إشارة عديدة هامة، إن بالنسبة لموقف التقي الجواد [عليه الصلاة والسلام].. وإن بالنسبة للخليفة المأمون.. ونحن نكتفي هنا بالإشارة والإلماح إلى ما يلي:

إن الخليفة الذي من ابسط مميزاته، هو اهتمامه بالحفاظ على أبهة الملك، وجلال السلطان.. لم يكن ليرجع عن صيده، لأمر عادي وتافه، وبهذه السرعة.. حتى أن ذلك الصبي كان لا يزال يقف مع أترابه أولئك..

بل لابد أن يكون الذي أرجعه عن مقصده، من جلائل الأمور، وعظائمها، ومما له مساس قوي بأساس الملك، ومصير النظام كله. ولاسيما إذا كان رجوعه عن مقصده بهذه الصورة المثيرة، وغير المألوفة، مصحوباً بحركات تشبه حركات الممرورين، أو المشعوذين!!، ومن أجل امتحان صبي يقف مع أترابه!!

فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن المأمون قد كان ـ في الحقيقة ـ بصدد إبطال ما يدعيه أئمة أهل البيت [عليهم الصلاة والسلام] من العصمة، ومن العلم الخاص، الذي تلقوه عن آبائهم [عليهم الصلاة والسلام]، عن النبي الأكرم [صلى الله عليه وآله]، عن الله جل وعلا..

وهو مع أنه كان قد جرب ذلك مع الإمام الرضا [عليه السلام] من قبل، وفشل في تجربته تلك.. إلا أنه ـ وهو يرى صغر سن الإمام محمد التقي الجواد [عليه السلام] ـ لعله قد استبعد كثيراً: أن يكون [صلوات الله وسلامه عليه] قد تمكن ـ وهو في هذه السن ـ مع تحصيل العلوم والمعارف اللازمة في مقام التحدي، والتي تؤهله للفلج والظفر في مقام الحجاج، والخصام..

وبعد.. فإن سؤالاً يبقى يتردد حائراً هنا، وهو: ماذا عسى كان هذا الخليفة سيفعل، له أنه لم يجد عند هذا الصبي الصغير، الجواب الكافي، والشافي على سؤال عن أمر غيبي، بكل ما لهذه الكلمة من معنى..

فهل سيقتله ـ كما صرح به النص المتقدم على لسان المأمون نفسه: «قد دنا حتف ذلك الصبي على يدي». ـ ليشتهر بين الكافة في أرجاء العالم الإسلامي بأسره: أن سبب قتله هو جرأته وعجزه عن الإجابة الصحيحة في أمر يدعي لنفسه العلم به؟ وليبطل من ثم هذا الأمر فيه، وفي ولده من بعده، وحتى في آبائه من قبل.. وذلك لأن الهدف الأول والأخير له هو تكذيب هذا الأمر فيهم.. كما ألمح إليه هو نفسه بقوله: «صدقت، وصدق أبوك وصدق جدك، وصدق ربك».. هذا الكلام الذي يتضمن اعترافاً له: بان لديه ـ حقاً ـ ذلك العلم الخاص الذي يدعيه لنفسه، وأنه تلقاه من أبيه، عن جده، عن ربه سبحانه أم أن كلمته تلك كانت نزوة عارضة، لا تعكس الرأي السياسي الهادئ والمتزن لذلك الرجل الماكر الداهية.. وأن رأيه النهائي والأخير فيه والحالة هذه هو أنه سوف يبقيه هكذا.. فارغاً من معنى الإمامة، ومن خصائصها، ليكون سنداً قوياً، وحجة دامغة، على كل من يحاول أن يدعيه ذلك له، في مختلف الظروف والأحوال، وبذلك ينتهي أمره، ويضمحل ويتلاشى أتباعه ومحبوه، بصورة طبيعية، ومن دون أي جهد، أو عناء؟. لا ندري.. ولعل الفطن الذكي والخبير بمكر المأمون وأحابيله هو الذي يدري.

الرعب القاتل:

وأخيراً.. فإننا لا نشك في أن المأمون، بعد ان جرى بينه وبين الإمام محمد التقي [عليه السلام] ما جرى في هذا اللقاء الأول معه، في قصة الباز الأشهب.. وبعد أن بهره ذلك الجواب الصاعق منه عليه التحية والسلام.. قد تجسدت أمامه خطورة الموقف، وصعق لعظم الهول، وجليل الخطب، وأدرك أنه لابد له من مواجهة هذا الأمر بجدية أعظم، ومكر أشد، إذا أراد أن يطمئن إلى مصيره ومستقبله في الحكم، ومعه بنو أبيه العباسيون.

التجربة.. المأساة:

ولقد عرفنا فيما سبق.. أن المأمون كان يهتم بجمع العلماء، وأرباب الكلام من أهل الفرق والملل، ليناظروا الإمام الرضا [عليه السلام]، على أمل ان يقطعه واحد منهم ولو في مسألة واحدة.. وقد كثرة هذه المناظرات وزادت بشكل ظاهر.. ولكن المستفيد الحقيقي منها كان هو الإمام [عليه السلام] نفسه وليس المأمون.. حتى أدرك المأمون ذلك أخيراً، فندم حيث لا ينفعه الندم، ثم اقترف جريمته النكراء بحق الإمام الرضا [عليه السلام]، حسبما هو معروف ومشهور.. والآن.. فلماذا لا يجرب هذا الأسلوب مرة أخرى مع ولده الجواد، وهو لا يزال طفلاً صغيراً، لا خبرة له بأساليب الكلام والجدل.. وإذا كان قد ألهمه الله تعالى ليجيب عن مسألة المأمون له عما صاده البازي الأشهب.. فلعلها كان رمية من غير رام، ولعل هذا الإلهام لا يتكرر.. ولعل.. ولعل.. وتجربة واحدة، لو أحكم تدبيرها، ووضعت الخطة لها بدقة وعناية، لربما تنهي هذا الأمر، وتضع حداً لجميع المشاكل المحتملة، وتقضي على مصدر كل المتاعب والأخطار، وإلى الأبد..

وإن لم تنجح هذه التجربة، بتحقيق هذا الهدف الكبير، فإن بإمكانها أن تحقق قسطاً هاماً في هذا السبيل..

وكانت التجربة التي خاضها المأمون بكل ما لديه من حنكة ودهاء، ورصد لها كل ما يملك من رصيد معنوي وسياسي، ونفذها بعناية فائقة، ودقة لا تجارى.. ولكن هل استطاع المأمون أن يؤمن حتى الحد الأدنى من النجاح في هذا المجال؟! هذا ما سوف يتضح لنا فيما يلي من صفحات..

الزواج.. المؤامرة:

إن المأمون العباسي، كان قد زوج ابنته أم الفضل من الإمام الجواد [صلوات الله وسلامه عليه]، حينما عقد لأبيه الرضا [عليه السلام] بولاية العهد بعده، حسبما صرحت به المصادر التاريخية الكثيرة(18)، أو أنه كان قد سماها آنئذٍ، على أقل تقدير(19)، وذلك من أجل تعمية مقاصده من البيعة لأبيه على الناس، ولمقاصد أخرى، أشرنا إلى جانب منها في مجال آخر(20).

ولكننا نجد: أنه حينما توفي أبوه، وكان لا يزال طفلاً، لا يتجاوز عمره الثماني سنوات، وبعد أن استقدمه هو نفسه من المدينة إلى بغداد ـ نجده ـ أنه يستجيب بيسر وسهولة لطلب بني أبيه العباسيين منه: أن لا يسلم إليه زوجته، إلا بعد امتحانه بالمسائل الصعبة، التي يلقيها عليه يحيى بن أكثم.. بل أنه هو الذي اقترح عليهم ذلك، حسب ما في أيدينا من نصوص. وتلمح بعض النصوص التاريخية إلى: أن العباسيين ما كانوا ليجرؤوا على هذا الطلب منه، لولا أنه هو الذي طرحه عليهم، وأغراهم به..

وقبل أن نمضي في تحليل هذا الحدث الفريد من نوعه، نرى أن من المناسب إيراد ملخص عنه أو على الأقل فقرات قليلة منه أولاً.. فنقول:

يقول النص التاريخي: إنه لما عزم المأمون على أن يزوج ابنته أم الفضل من ابي جعفر [عليه السلام]، قال له العباسيون:

«أتزوج ابنتك، وقرة عينك صبياً لم يتفقه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضاً من سنته؟ ـ ولأبي جعفر إذ ذاك تسع سنين ـ فلو صبرت حتى يتأدب، ويقرأ القرآن، ويعرف الحلال من الحرام؟!».

فقال المأمون: «إنه لأفقه منكم، واعلم بالله ورسوله، وسنته، وأحكامه، وأقرأ لكتاب الله منكم، وأعلم بحكمه ومتشابه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وتنزيله وتأويله منكم، فاسألوه، فإن كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم» وفي نص آخر قال لهم: «ويحكم، إني أعرف بهذا الفتى منكم.. إلى أن قال: فإن شئتم، فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله..».

وفي نص ثالث، بعد أن ذكروا: أنه صبي صغير السن، قال: «كأنكم تشكون في قولي، إن شئتم فاختبروه، أو ادعوا من يختبره، ثم بعد ذلك لوموا فيه، أو اعذروا، قالوا: وتتركنا وذلك؟

قال: نعم.

قالوا: فيكون ذلك بين يديك تترك من يسأله عن شيء من أمور الشريعة، فإن أصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين. وإن عجز عن ذلك كفينا خطبه، ولم يكن لأمير المؤمنين عذر في ذلك.

فقال لهم المأمون: «شأنكم وذاك، متى أردتم..».

ثم تذكر الروايات إطماعهم يحيى بن أكثم في هدايا، على أن يحتال على أبي جعفر بمسألة في الفقه، لا يدري ما الجواب فيها.. ثم تذكر مساءلته إياه بحضور: «خواص الدولة، واعيانها، من أمرائها، وحجابها، وقوادها»..

ثم تذكر جوابه [عليه الصلاة والسلام] بذلك الجواب الدقيق والشامل، الذي لم يكن يتوقعه أحد حتى السائل نفسه، حتى ذهل يحيى بن أكثم وارتبك، وتحير في أمره. وتقول الرواية أخيراً: إن المأمون «التفت إلى أهل بيته، الذين أنكروا تزويجه، فقال: هل فيكم من يجيب هذا الجواب؟!

قالوا: لا والله، ولا القاضي يا أمير المؤمنين، كنت أعلم به منا.

فقال: ويحكم، أما علمتم: أن أهل هذا البيت ليسوا خلقاً من هذا الخلق؟ أما علمتم: أن رسول الله [صلى الله عليه وآله] بايع الحسن والحسين، وهما صبيان، ولم يبايع غيرهما طفلين الخ».

ثم تذكر الرواية: أنه قد زوجه ابنته في نفس ذلك المجلس(21)، أما انتقالها إليه، فكان في بلدة تكريت في سنة خمس عشرة ومئتين قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر الكاتب: «خرج امير المؤمنين من الشماسية إلى البردان، يوم الخميس، صلاة الظهر، لست بقين من المحرم، سنة خمس عشرة ومئتين، وهو اليوم الرابع والعشرين من آذار. ثم سار حتى اتى تكريت. وفيها قدم محمد بن علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد بن علي، بن الحسين بن علي بن أبي طالب من المدينة، في صفر ليلة الجمعة..

فخرج من بغداد حتى لقي أمير المؤمنين بتكريت، فأجازه، وأمره أن يدخل عليه امرأته، ابنة امير المؤمنين، فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف، التي على شاطئ دجلة، فأقام بها، فلما كان أيام الحج خرج بأهله وعياله، حتى اتى مكة، ثم أتى منزله بالمدينة، فأقام به(22)..».

مع الحدث في أسلوبه وفي مضمونه السياسي:

ولقد كان المأمون يعلم بمقام الأئمة [صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين]، وأن الحق معهم ولهم دون كل من سواهم، وأنهم هم أئمة الهدى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا، وذلك بنص من الرسول الأكرم [صلى الله عليه وآله]، وبتأييد من القرآن الكريم..

وكان يعلم أيضاً أنهم [صلوات الله وسلامه عليهم] أعلم أهل الأرض، وأنهم أتقى الناس، وأعبدهم، وأكملهم، وأفضلهم..

ولكنه مع كل ذلك.. كان يجهد لإطفاء نور الحق، وطمس معالمه وآثاره، ما وجد إلى ذلك سبيلاً.. وذلك طمعاً منه بالدنيا، ورغبة في ظلها الزائل، ولذتها العاجلة.. وإذا كان يرى الآن: أن الإمام من اهل البيت [عليهم السلام] صغير السن.. وإذا كان يحتمل لديه: أنه [عليه السلام] يمكن أن لا يكون قد تمكن من تلقي العلوم والمعارف من أبيه، الذي لم يعش معه سوى فترة قصيرة جداً.. أو على الأقل هو يحتمل: أنه [عليه السلام] لم يكن في مستوى يجعله قادراً على فهم الدقائق العلمية، وحل معضلات المسائل..

ـ إذا كان كذلك ـ فإن عليه أن يقوم بتجربة ما في هذا المجال وهكذا كان.. فنجده هو نفسه يطلب من العباسيين: أن يمتحنوا أبا جعفر [عليه السلام].. ولكنه يظهر نفسه. بمظهر الواثق من أنه [عليه السلام] قادر على الإجابة على أسئلتهم رغم صغر سنه..

وهذا التظاهر منه، عدا عن أن من شأنه أن يستفز بني العباس، ويغريهم بالمزيد من الإصرار على إسقاط الإمام [عليه السلام]، وتحطيم شخصيته.. فإنه يجعله هو غير مسؤول مباشرة عن حدث كهذا، مهما كانت نتائجه.. كما أنه لو كانت النتائج على خلاف ما يرغب، يمنحه الفرصة والمبرر للاستمرار في خطته المرسومة، القاضية باحتواء الإمام، ورصد كل حركاته وسكناته.. إلى أن تحين الفرصة المناسبة لإيراد الضربة الأخيرة، في عملية التصفية الجسدية، التي يعد لها ـ إن اقتضى الامر ذلك ـ في الوقت المناسب..

هذا كله.. عدا عن أن الفرصة تكون متاحة له للنيل من شخصية الإمام، وإسقاطه عن الاعتبار باساليبه الأخرى، كما سنلمح إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى..

والمأمون.. الذي كان قد فعل بالإمام الرضا [عليه السلام] من صنوف المكر والتآمر ما فعل، حتى لقد اغتاله أخيراً بأسلوب ادنى من أن يقال فيه: إنه أسلوب جبان وعاجز، هو نفسه المأمون الذي يتعامل الآن مع الإمام الجواد [عليه السلام]، ولعله أصبح أكثر إصراراً على المضي في خططه الماكرة، الرامية لإنهاء أمر الإمامة والإمام، مادام أنه يرى فيهما خطراً جدياً، يتهدد وجوده ومستقبله في الحكم، ومعه بنو أبيه العباسيون..

ولا نجد فيما بأيدينا من نصوص ووقائع ما يبرر لنا الاعتقاد، بان المأمون قد أصبح بين عشية وضحاها تقياً ورعاً، ومعتقداً بإمامة الأئمة، ومهتماً بإظهار علومهم، ومعارفهم التي اختصهم الله تعالى بها. وأما فيما يرتبط بتزويجه ابنته أم الفضل للإمام الجواد [عليه الصلاة والسلام](1)، وإظهار المحبة والإكرام له، فليس بأكثر من تزويجه ابنته لأبيه من قبل، وإظهار المحبة والتبجيل والإكرام له، حتى لقد عهد إليه بولاية العهد بعده.. فإذا كان ذلك عن دهاءٍ ومكر، وسوء نية ـ كما ثبت بشكل قاطع ـ فليكن هذا كذلك أيضاً، مادامت الدلائل القوية، والشواهد والمبررات لاستمرار هذا المكر، وذلك الدهاء، لا تزال قائمة.

ومما يبرر لنا الاعتقاد بأن القضية المتقدمة قد كانت برمتها من كيد المأمون ومكره، «ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله» كما قد حدث ذلك فعلاً: أنه هو نفسه أيضاً: قد «قال لحيى بن أكثم: اطرح على أبي جعفر، محمد بن الرضا [عليهما السلام] مسألة تقطعه فيها..

فقال: يا أبا جعفر، ما تقول في رجل نكح امرأة على زنا، أيحل له أن يتزوجها؟ فقال [عليه السلام]: يدعها حتى يستبرئها.. إلى أن قالت الرواية: فانقطع يحيى الخ(23)..».

وهو يعني: أن المأمون نفسه قد كان بصدد العمل على أن ينقطع الإمام [عليه السلام]، ولو في مسألة واحدة كما كان دأبه مع أبيه الرضا [عليه السلام] من قبل، حسبما أوضحناه..

ومهما يكن من أمر، فلقد كانت التقديرات المأمونية، والعباسية على حد سواء، تتجه نحو الاعتقاد، ولا أقل من الاحتمال بأن طفلاً بهذه السن، حتى ولو جرى على لسانه ما جرى في قضية ما صاده البازي الأشهب، ولعلها كانت رمية من غير رام ـ لن يتمكن من الإجابة على تلك المسائل الصعبة ـ فإن من البعيد ـ بنظرهم ـ أن يكون [عليه السلام] قد تمكن من تلقي العلوم والمعارف الكافية من أبيه في الفترة الوجيزة التي عاشها معه، حيث أنها كانت فترة قصيرة جداً من جهة، وكان هو أيضاً ـ بحسب العادة ـ غير قادرٍ على استيعاب ما يلقى إليه من علوم ومعارف، حسبما هو معروف ومألوف، من جهة أخرى. فلماذا إذن.. لا يغتنمون الفرصة السانحة، لإيراد ضربتهم القاصمة، والحاسمة، والنهائية؟

وإذا طرح يحيى بن أكثم على هذا الإمام الصغير بعض مسائله الصعبة، وعجز عنها، بمحضر من الأعيان، والقواد، والحجاب وغيرهم، فلسوف يظهر للناس جميعاً: أن إمام الشيعة، وقائدهم طفل صغير، لا يعقل، ولا يعلم شيئاً، وأن ما يدعونه في أئمتهم، فإنما هو زخرف باطل، وظل زائل، لا حقيقة له، ولا واقع وراءه..

نعم.. وقد جاءت صياغة هذا الحدث بنحو طريف وملفت، يعطي المأمون الفرصة والمبرر للامتناع عن تسليم الإمام الجواد [عليه السلام] زوجته، التي كان قد عقد له عليها منذ سنوات، أولا أقل كان قد سماها له في احتفال عام، وفي حدث نادر لم يبق أحد في الدولة الإسلامية المترامية الأطراف إلا وتعجب منه، وتتبع أخباره بدقة وحساسية متناهية..

وإذا استطاع أن يجد المبرر الآن للامتناع عن تسليم هذا الرجل، ـ الذي يدين شطر هذه الأمة بإمامته ـ زوجته، فإن ذلك لسوف يشيع بين الناس، وفي جميع الأقطار، ولاسيما بملاحظة نور الحضور في ذلك الاجتماع، وأهميتهم، وسعة نفوذهم، وسيصبح حديث كل الندوات والمحافل: أن إمام الشيعة قد حرم زوجته، وهي ابنة أعظم رجل في العالم الإسلامي، يهتم الناس بكل ما يتفق له، أو معه، ويصدر عنه، وبيده كل أجهزة الإعلام والتشهير، ولسوف يبرر لهم هذا الحرمان، بأنه قد كان بسبب عيّ، وجهل هذا الإمام في أعظم ما يدعيه لنفسه، ويدعيه له كل أتباعه ومحبيه. ولكن أجوبة الإمام [عليه السلام] الجامعة والدقيقة، والقاطعة، قد قطعت الطريق على المأمون، وعلى بني أبيه، وجعلت الأمور تسير في غير صالحه، وعلى خلاف ما يريد، وبالذات في الاتجاه المضاد لرغباته وميوله.

مع محاولات فاشلة أخرى:

وقد عرفنا أن المأمون لم يقف في محاولاته للنيل من الإمامة، عن طريق إفراغها من محتواها العلمي.. عند حد ما جرى أمام رجال الدولة بين يحيى بن أكثم والإمام [عليه السلام] بإصرار من العباسيين.. بل لقد رأيناه ـ حسبما أشرنا إليه ـ يعود فيطلب من يحيى بن أكثم: أن يسأل الإمام الجواد [عليه السلام] مسألة يقطعه فيها فوجد لدى الإمام [عليه السلام] الجواب القاطع، والبرهان الساطع، وكأني به [عليه السلام] يبتسم آنئذٍ بمرارة وسخرية، ولسان حاله يقول:

إن عادت العقرب عدنا لها                             وكانت النعل لها حاضرة

وفي قضية أخرى أيضاً، يقدم فيها يحيى بن أكثم على طرح أسئلة على الإمام، فيما يرتبط بفضائل أبي بكر وعمر ـ وذلك بحضور جماعة كثيرة، وفيهم المأمون نفسه(24) ـ ونعتقد ـ أن يحيى لم يكن يعلم برضاه به، وموافقته عليه..

وطبيعي: أن الإمام [عليه السلام]، إذا قبل بتلك الكرامات والفضائل، التي تنسب إليهما، فإن شيعته وأتباعه لسوف يرتابون بالأمر، لعلمهم بأن ذلك خلاف ما عرفوه عنه وعن آبائه [عليهم السلام]، وخلاف ما ثبت لديهم في هذا المجال.. ولسوف يوقعه ذلك في تناقض صريح معهم.

وإذا أنكر تلك الفضائل وردها، فإن عامة الناس وأرباب سائر الفرق، لسوف يثورون ضده، ولعل ذلك يتم بتحريض من المأمون نفسه، من وراء الستار، وقد لا يرضيهم حينئذٍ إبعاده عن موقعه، الذي ترى السلطة نفسها مضطرة لأن تضعه فيه.. فيطالبون بما هو أشد وأعظم، وأخطر وأدهى، ليس بالنسبة لشخص التقي الجواد [عليه السلام] وحسب، وإنما بالنسبة لكل أتباعه ومحبيه في سائر الأقطار والأمصار.. ولكننا نجد الإمام [عليه السلام] قد استطاع في إجابته على تلك الأسئلة أن يحتفظ بخطه الصحيح ويعطي رأيه الصائب في الأمور التي طرحت عليه من جهة، ومن جهة أخرى فقد استطاع أن يسد الطريق أمام ظهور أي تشنج غير مسؤول، سواء على مستوى العامة من الناس، أو على مستوى أهل العلم والمعرفة، الذين يخالفونه في الرأي في هذه المسائل. بالإضافة إلى أنه لم يُبْقِ أي مجال لاستغلال غير مسؤول، من قبل من كانوا يترصدون الفرصة لذلك.. وعلى رأسهم المأمون العباسي بالذات..

حيث أنه [عليه الصلاة والسلام] قد طرح القضية بشكل علمي هادئ، قائم على الاستدلال والمنطق، الذي لم يجد أحد عنه محيصاً، مع التركيز على التهذيب في الكلمة، والرصانة في التعبير، وفي الأسلوب والسجاحة والسماحة في الأخلاق..

ملاحظات ذات مغزى:

ونلاحظ أخيراً: إننا لا نجد لهذه المناظرات العلمية، التي كان المأمون يهتم بها في عهد الرضا [عليه الصلاة والسلام] بما لا مزيد عليه، لا نجد لها أثراً فيما بعد ذلك، سوى هذه الأحداث الثلاثة التي أشرنا إليها آنفاً، وأنها قد جرت بين يحيى بن أكثم والإمام الجواد [عليه الصلاة والسلام]، بإغراء من المأمون نفسه، علناً تارة، وفي الخفاء أخرى.

وقد اختفت رغبة المأمون بجمع العلماء، وإقامة مجالس المناظرة مع الأئمة [عليهم السلام] فجأة، وبفعل ساحر، وبصورة تامة ونهائية، فسبحانه الله، مقلب القلوب والأفئدة، والمطلع على السرائر، وما تكنه الضمائر!!

نعم سبحان الله، علام الغيوب!! وستار العيوب!! وكاشف الكروب!!

قد يخدع السراب:

وبعد كل ما تقدم.. فإننا نعلم: أن قول البعض:

«لقد كان قصد المأمون من عقد مجالس المناظرة مع الإمام الرضا [عليه السلام] لزعزعة مركزه، ليهبط به بينما كان قصده من المناظرة مع الإمام أبي جعفر [عليه السلام]: أن يظهر للملأ فضله(25)..».

لا يستند إلى أساس قوي، ولا يعتمد على ركن وثيق، فإن المأمون كان هو المأمون، لم يتغير، ولم يتبدل، فلم يكن يوماً شيطاناً، ويوماً إنساناً.. بل كان أحدهما في يوميه معاً، والوقائع والأحداث التي سبقت وتلت، هي التي تثبت أيهما كان!!

ومهما يكن من امر، فقد غر ظاهر المأمون كثيرين من أرباب العلم والفضل، فتوهموا: أنه إنما كان يكرم الإمام التقي الجواد [عليه السلام] على الحقيقة، وأنه كان يعتقد بفضله، وعلمه، وأنه كان يؤده ويحبه، حتى أحله محل مهجته الخ.. على حد تعبيرهم(26).

المولود المبارك:

هذا.. ولكن رغم كل تلك المؤامرات والدسائس الرامية إلى الحط من الإمام الجواد [عليه السلام] في المناسبات المختلفة، فإن الإمام [صلوات الله وسلامه عليه] قد بقي القمة الشامخة، لم تدنسه الأهواء، ولم تنل منه العوادي. حتى ليقول النص التاريخي:

«احتال المأمون على أبي جعفر [عليه السلام] بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شيء(27)».

نعم.. لم يمكنه من شيء، وكان [عليه السلام] يزداد عظمة ونفوذاً، ويزيد أمره تجذراً ورسوخاً بشكل مرعب ومخيف للهيئة الحاكمة، التي كانت تمسك بأزمة الأمور.. وقد استطاع [عليه السلام] أن يجتاز بالإمامة والأمة ذلك المخاض العسير والمجهد، التي تعرضت له، على أحسن وأفضل ما يمكن، فركز دعائم الدين، وأقام الحجة، وأنار السبيل للمدلجين. وتجسد فيه قول أبيه الإمام المعصوم، علي بن موسى الرضا [صلوات الله وسلامه عليه] بصورة تامة وجلية:

«هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه»(28).

وعلى حسب نصٍ آخر:

«هذا المولود، الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه»(29).

كما أننا نقرأ في زيارته [عليه الصلاة والسلام]:

«هادي الأمة، ووارث الأئمة، وخازن الرحمة، وينبوع الحكمة، وقائد البركة، وعديل القرآن في الطاعة، وواحد الأوصياء في الإخلاص والعبادة. وحجتك العليا، ومثلك الأعلى، وكلمتك الحسنى، الداعي إليك، والدال عليك، الذي نصبته علماً لعبادك، ومترجماً لكتابك، وصادعاً بأمرك، وناصراً لدينك، وحجة على خلقك، ونوراً تخرق به الظلم، وقدوة تدرك بها الهداية، وشفيعاً تنال به الجنة الخ»(30).

نعم.. ولم يزل أمر الإمام [عليه السلام] يعلو، ونجمه يتألق، حتى أصبح ـ على صغر سنه ـ ممن يشار إليه بالبنان، ويقر له بالعلم والفضل المؤالف والمخالف، والعدو والصديق. ولربما تكون تلك المجالس التي كانت السلطة وراء إقامتها قد ساهمت في إظهار علمه وفضله، وانتشار صيته إلى حد بعيد.. ومن يراجع حادثة التزويج يجد الثناء العظيم عليه ـ وكان عمره آنئذٍ تسع سنين ـ حيث يذكر المأمون أيضاً: أنه «إنما اختاره لتميزه على كافة أهل الفضل علماً، ومعرفة، وحلماً، على صغر سنه». كما وأنه «لم يزل مشغولاً به، لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه، وكمال عظمته، وظهور برهانه، مع صغر سنه»(31). وقال سبط بن الجوزي: «وكان على منهاج أبيه في العلم، والتقى، والزهد، والجود(32)».

كما أن الجاحظ المعتزلي العثماني النزعة، والمنحرف عن علي [عليه السلام] وأهل بيته الأطهار، والذي كان يعيش في البصرة، والذي كان طويل الباع، وواسع الإطلاع، وقد كتب في كثير من الفنون، التي كانت شائعة في عصره، والذي كان معاصراً للإمام الجواد، ولأبنائه من بعده [عليهم السلام] ـ الجاحظ هذا ـ قد جعل الإمام الجواد [عليه الصلاة والسلام]: «من الذي يعد من قريش، أو من غيرهم، ما يعد الطالبيون في نسق واحد، كل واحد منهم: عالم زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، فمنهم خلفاء، ومنهم مرشحون: ابن ابن، ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم: الحسن بن علي، بن محمد، بن علي، بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب، ولا من العجم الخ(33)..».

وقال علي جلال الحسيني: «برز على أهل زمنه في العلم، والفضل مع صغر سنه(34) وقال محمود بن وهيب البغدادي الحنفي: «وهو الوارث لأبيه علماً وفضلاً، وأجل أخوته قدراً وكمالاً(35)» وكلمات العلماء في هذا المجال كبيرة لا مجال لتتبعها(36) وعلى كل حال.. فلقد كان [عليه السلام] مورد تقدير وعناية الخاص والعام، وبلغ من حب الناس، وشغفهم به، وتشوقهم إلى رؤية طلعته البهية، وأنواره القدسية، أنه كان إذا خرج إلى شوارع العاصمة بغداد، يتراكض الناس من هنا وهناك، ويتشرفون ويقفون لرؤيته.. الأمر الذي يعطي: أنه رؤيته [عليه السلام] تعتبر حدثاً هاماً بالنسبة إليهم.. «قال قاسم بن عبد الرحمن ـ وكان زيدياً ـ قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها، إذ رأيت الناس يتعادون، ويتشرفون، ويقفون. فقلت: ما هذا؟! فقالوا: ابن الرضا. ابن الرضا. فقلت: والله، لأنظرن. فطلع على بغل أو بغلة، فقلت الخ(37)..»

ونعرف مدى عظمة الإمام الجواد التقي [عليه الصلاة والسلام]، من شدة تعظيم عم أبيه: علي بن جعفر الصادق [عليه السلام] له. وكان علي بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب، ولا من العجم الخ(38)..».

ونعرف مدى عظمة الإمام الجواد التقي [عليه الصلاة والسلام]، من شدة تعظيم عم أبيه: علي بن جعفر الصادق [عليه السلام] له. وكان علي بن جعفر هذا من جلة العلماء، ومن المحدثين المعروفين، وقد ترجمه العسقلاني في تهذيب التهذيب، وروى عنه الترمذي(39)، ولسنا هنا في صدد استقصاء ترجمته.. فيحدثنا الحسين بن موسى بن جعفر [عليهما السلام]، قال:

«كنت عند أبي جعفر [عليه السلام] بالمدينة، وعنده علي بن جعفر، فدنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام علي بن جعفر، فقال:

يا سيدي، يبدأ بي لتكون حدة الحديد في قبلك.

قال: قلت: يهنؤك، هذا عم أبيه..

فقطع له العرق.. ثم أراد ابو جعفر [عليه السلام] النهوض. فقام علي بن جعفر، فسوى له نعليه، حتى يلبسهما»(40).

وعن محمد بن الحسن بن عمار، قال: كنت عند علي بن جعفر، بن محمد جالساً بالمدينة. وكنت أقمت عنده سنتين، أكتب عنه ما سمع من اخيه ـ يعني أبا الحسن ـ إذ دخل عليه أبو جعفر، محمد بن علي الرضا المسجد، مسجد رسول الله [صلى الله عليه وآله]. فوثب علي بن جعفر، بلا حذاء، ولا رداء، فقبل يده، وعظمه.

فقال له أبو جعفر [عليه السلام]: يا عم، اجلس رحمك الله.

فقال: يا سيدي، كيف أجلس، وأنت قائم؟ فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه، ويقولون:

أنت عم أبيه، وأنت تفعل به هذا الفعل؟

فقال: اسكتوا، إذا كان الله عز وجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة، وأهل هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟!

نعوذ بالله مما تقولون بل أنا عبد الله»(41).

وفي نص آخر عنه: إن رجلاً سأله عن أبي الحسن موسى، ثم عن الإمام الرضا [عليهما السلام] فأخبره بموتهما..

فقال: «ومن الناطق من بعده؟».

قلت: أبو جعفر، ابنه.

قال: فقال له: أنت في سنك وقدرك، وابن جعفر بن محمد؟! تقول هذا القول في هذا الغلام؟!

قال: قلت: ما أراك إلا شيطاناً.

قال: ثم اخذ بلحيته، فرفعها إلى السماء، ثم قال:

فما حيلتي إن كان الله رآه أهلاً لهذا، ولم ير هذه الشيبة لهذا أهلاً(42)».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع: البحار ج50 ص61، الكافي ج1 ص413، والمناقب لابن شهرآشوب ج4 ص396.

(2) تاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الثاني ص441 وفي هامشه عن: المسعودي ج2 ص225 وعن طبقات الأطباء ج1 ص171.

(3) تاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الثاني ص549 عن العقد الفريد ج1 ص148.

(4) راجع كتابنا: الحياة السياسية للإمام الرضا [عليه السلام] ص213و214.

(5) الخرائج والجرائح ص344 والبحار ج50 ص48.

(6) واحتمال أن كثيراً من تلك الاحتيالات على الإمام قد تم والإمام [عليه السلام] في المدينة.. بعيد في الغاية..

(7) جلاء العيون ج3 ص106 ويفهم أيضاً من الفصول المهمة لابن لاصباغ ص252 وكذلك سائر المصادر التالية: أنه لم يكن قد رآه بعد.

(8) لابد من التأمل كثيراً في مبادرة المأمون هنا إلى سؤاله عما يعرفه من العلوم، بمجرد أن أخبره باسمه ونسبه..

(9) في المصادر الأخرى: أنه صاد سمكة..

(10) لم ترد هذه العبارة في المصادر الأخرى..

(11) المناقب لابن شهرآشوب ج4 ص388و389، والبحار ج50 ص56و92. ولتراجع هذه القضية أيضاً في: كشف الغمة ج3 ص134 عن ابن طلحة، وص135 عن كتاب لم يحضر المؤلف آنئذٍ اسمه، وجلاء العيون ج3 ص107 والصواعق المحرقة ص204 ونور الأبصار ص161 والصراط المستقيم ج2 ص202 وينابيع المودة ص365 والاتحاف بحب الأشراف ص168 ـ 170 والفصول المهمة للمالكي ص252/253. والإمام الجواد لمحمد علي الدخيل ص74 عن أخبار الدول ص116.

(12) لعل الصحيح: سيفاً، أي ماداً على سيف البحر وساحله.

(13) أعيان الشيعة ج2 ص33.

(14) راجع: هامش البحار ج50 ص92.

(15) دلائل الإمامة ص212/213 والبحار ج50 ص59، وإثبات الوصية ص215..

(16) المناقب لابن شهرآشوب ج4 ص317.

(17) ويرى المحقق البحاثة الشيخ علي الأحمدي: أنه قد يكون التأخير في اللقاء يهدف إلى ضبط تحركاته، ولقاءاته مع الناس ومن أجل أن التأخير في اللقاء، والتسويف فيه، فيه استخفاف وإهانة، وذلك هو أحد أهدافهم في كثير من مواقفهم من الأئمة [عليهم السلام] كما فعله المتوكل مع الإمام الهادي [عليه السلام] حينما أشخصه إلى سامراء، حيث أنزله في دار الصعاليك.. ويكون نتيجة كلا الأمرين أيضاً شعور الإنسان في قرارة نفسه بالضعة والمهانة، الأمر الذي يضعفه في أهدافه وأغراضه.

(18) البداية والنهاية ج10 ص269 وتاريخ الطبري ط الاستقامة ج7 ص149 ومروج الذهب ج3 ص441 وعيون أخبار الرضا ج2 ص147 والبحار ج49 ص132 وتذكرة الخواص ص352 عن الصولي وغيره.

(19) أعيان الشيعة ج2 ص33.

(20) راجع كتابنا: الحياة السياسية للإمام الرضا [عليه السلام] ص209/210.

(21) راجع فيما تقدم: الاتحاف بحب الأشراف ص171/172 وتحف العقول ص451 ـ 453، والاختصاص ص98 ـ 101 والاحتجاج ج2 ص240ـ 245 وكشف الغمة ج3 ص144 والمناقب لابن شهرآشوب ج4 ص381 وجلاء العيون ج3 ص108 والصواعق المحرقة ص204 ونور الأبصار ص161 ودلائل الإمامة ص206 ـ 208 وروضة الواعظين ص238، فما بعدها، والإرشاد للمفيد ص359و360 فيما بعدها وأعلام الورى ص351 فما بعدها والبحار ج50 ص75 عن الاحتجاج، وعن تفسير القمي، والإمام محمد الجواد، لمحمد علي دخيل ص37 ـ 41 وأعيان الشيعة ج2 ص33 ـ 34. والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص253 ـ 256.

(22) بغداد ص142/143، وقد نبهني إلى وجود هذا النص بعض المحققين.

(23) وبما أننا لا نشك في أن الإمام [عليه السلام] قد كان يعلم حقيقة نوايا المأمون وأهدافه من أمور كهذه.. ويعلم أيضاً: أن هذا الرجل هو نفسه الذي ارتكب جريمة قتل أبيه الإمام الرضا [عليه السلام] بالأمس.. فإن هنا سؤالاً طرحه المحقق البحاثة الشيخ الأحمدي حفظه الله، لابد من الإجابة عليه.. والسؤال هو:

هل كان هذا الزواج بتأثير ضغط مارسه المأمون نفسه على الإمام الجواد وعلى أبيه [عليهما السلام] من قبل؟! أم أن الإمام نفسه كان يرى المصلحة في زواج كهذا. كزواج النبي [صلى الله عليه وآله] بعائشة وسواها؟!

ونقول في الجواب: لعل الشق الأول من السؤال هو الراجح.. فإن مصلحة المأمون ـ وليس الإمام [عليه السلام] ـ في زواج كهذا قد كانت ظاهرة جداً.. فراجع كتابنا الحياة السياسية للإمام الرضا [عليه السلام] ص208 ـ 219.

(24) تحف العقول ص454. ثم تذكر الرواية أسئلة الإمام ليحيى حول المرأة التي تحل لرجل ثم تحرم عليه مرات كثيرة في يوم واحد، وعدم قدرة يحيى على الإجابة على ذلك. وإحالته الإجابة على الإمام نفسه..

(25) راجع: الاحتجاج ج2 ص245 ـ 248 والبحار ج50 ص80 ـ 83.

(26) الإمام الجواد، لمحمد علي دخيل ص65.

(27) راجع الإرشاد للمفيد، وأعلام الورى، وغير ذلك من المصادر التي تقدمت لقضية الزواج ـ وراجع أيضاً أعيان الشيعة ج2 ص33 ـ36. وسيأتي ما يشير إلى ذلك في العنوان التالي، بعد الفقرات التي نقلناها من زيارته [عليه السلام] مباشرة..

(28) الكافي ج1 ص413 والمناقب لابن شهرآشوب ج4 ص396 والبحار ج50 ص61.

(29) البحار ج50 ص20 عن الخرائج والجرائح.

(30) أعلام الورى ص347 والإرشاد للمفيد ص358 والكافي ج1 ص258 والبحار ج50 ص23و35 عمن تقدم، وروضة الواعظين ص237 والصراط المستقيم ج2 ص167 وإثبات الوصية ص211.

(31) مفاتيح الجنان ص481 عن ابن طاووس في المزار، ومصابيح الجنان ص323.

(32) راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص254و253 والصواعق المحرقة ص204 ونور الأبصار ص161 وروضة الواعظين ص237 وكشف الغمة ج3 ص143و160 وأعلام الورى ص350/351 والإرشاد للمفيد، وغير ذلك مما تقدم في حديث الزواج..

(33) تذكرة الخواص ص358/359 وعنه الإمام الجواد لمحمد علي دخيل ص72.

(34) آثار الجاحظ ص235، والحياة السياسية للإمام الرضا ص403 وليراجع ما هناك من التوضيح.

(35) الإمام محمد الجواد لمحمد علي دخيل ص76 عن [كتاب] الحسين لعلي جلال ج2 ص107

(36) المصدر السابق عن جوهرة الكلام ص147.

(37) راجع على سبيل المثال الإرشاد للمفيد، وإعلام الورى، وأعيان الشيعة ج2 ص33 والفصول المهمة للمالكي ص251.

(38) البحار ج50 ص64، وكشف الغمة ج3 ص153.

(39) تهذيب التهذيب ـ ترجمة علي بن جعفر ـ ج7 ص293.

(40) البحار ج50 ص104 ورجال الكشي ص430 وقاموس الرجال ج6 ص437.

(41) البحار ج50 ص36 والكافي ج1 ص258 وقاموس الرجال ج6 ص437.

(42) إختيار معرفة الرجال [المعروف برجال الكشي] ص429، وقاموس الرجال ج6 ص436.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) من كتاب (الحياة السياسية للإمام الجواد [عليه السلام] نبذة يسيرة): ص62-92.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1778
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 05 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28