• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : رؤية قرآنية في مسار الحضارات .

رؤية قرآنية في مسار الحضارات

السيد محمود الموسوي

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155) وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[1].

نحاول من خلال التدبّر في هذه الآيات من سورة الشعراء ومزاوجتها بمثيلاتها ومكملاتها من القرآن الكريم أن نكوّن صورة عامّة لمسار الحضارات الإنسانية وكيفية التعامل مع معطياتها ومنجزاتها، لنستخلص رؤية لمجريات الأحداث الراهنة وتفاعلات الحضارة أو الثقافات المعاصرة، لتمكننا من اتخاذ موقف مبدئي مأمون في ظل التجاذبات المتنوعة والمواقف المتباينة تجاه التحولات الكبرى التي تتسع لتشمل كافة المجتمعات.

مقوِّمات النهوض الحضاري:

عند إرادة النهوض الحضاري بأمّة من الأمم إلى مدارج الكمال، يحتاج القادة والمصلحون إلى مقومات تقوّي أساس عملية النهوض وتضمن سلامة مسيرتها، والبصائر القرآنية تشير إلى عدّة مقومات من خلال عرضها لقصّة حضارة ثمود التي أرسل لها الله عز وجل نبيّه صالح (عليه السلام)، ومن تلك المقومات:

1- العلاقة الأخوية بين المصلح والمجتمع:

العلاقة بين المصلح و المجتمع لابد أن تكون علاقة قريبة ووثيقة كعلاقة الأخ بأخيه، كما أشارت الآيات في قوله تعالى ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ﴾، وكذلك نرى هذه الإشارة متكررة عند حكاية القرآن لقصص الأنبياء مع أقوامهم، ﴿أَخُوهُمْ هُودٌ﴾،﴿أَخُوهُمْ نُوحٌ﴾، ﴿أَخُوهُمْ لُوطٌ﴾، والقاعدة العامّة التي يعرضها القرآن الكريم لتبيان وتأسيس هذه الحالة هي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾، فالمصلح إنما يقوم بالإصلاح بين إخوة له وأخوة فيما بينهم، لذا ستكون عملية الإصلاح أكثر رأفة ورحمة، أمّا من جهة المجتمع المتلقي فإنّ حالة الألفة ستولّد الاطمئنان وتزيل البؤس والوحشة عنهم، نجد هذه الحقيقة عندما أراد نبي الله يوسف (عليه السلام) أن يزيل حالة البؤس والوحشة عن قلب أخيه الذي لم يكن يعرفه بعد، بقوله: ﴿ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾[2].

وعندما يحيد القادة عن هذه الخاصيّة فإنهم يستعلون ويتكبرون ويهتمون بشؤونهم الذاتية ويصبحون في معزل عن هموم المجتمع وقضاياه فضلاً عن الطريقة القاسية والخالية من روح الأخوة التي يديرون بها أمور الناس، عندئذٍ ينفضّ الناس من حولهم و تقوم الثورات والحركات المطالبة بإبعادهم وإزاحتهم عن مناصبهم، يقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾[3].

2- وضوح الرؤية وضمانة الاستمرار:

لعل أكثر الأسباب في إخفاق بعض المصلحين والذين أرادوا إحداث التغييرات في مجتمعاتهم كالحركات الإصلاحية، أنهم لم يأتوا برؤية واضحة ومبيّنة لحركتهم، لذا نراهم يتقهقرون وتقوم الظروف بإملاء شروطها ومقاصدها على مسيرتهم، لذا فمن المقومات التي تساهم في دفع عملية الإصلاح والتغيير الحضاري هي الوضوح في الرؤية منذ الانطلاق والبدء في الحركة، نرى ذلك في قول الله عز وجل: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾، فـ(رسول) تحديد المهمة التي جاء بها النبي، و(أمين) تمثل عهد الاستمرار على تلك المهمة التي جاء بها، وهي الضمانة التي يحتاجها المصلحون لمواصلة درب التغيير حتى نهاية الطريق، وللمحافظة على المبادئ التي انطلقوا منها، وهي الصفة التي جاء بها جميع الأنبياء (عليهم السلام) حيث تكرّرت ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ في قصصهم القرآنية عدّة مرات، لذا عندما أراد عفريت من الجن أن يثبت مقدرته على المجيء بعرش بلقيس، قال للنبي سليمان (عليه السلام): ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾[4]، و كذلك عندما قامت ابنة نبي الله شعيب (عليه السلام) باستئجار النبي موسى (عليه السلام) قالت معللة اختيارها هذا: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾[5]، فإن القوّة أيّاً كان جنسها (عسكرية، علمية، اقتصادية، شعبية) فإنها لا شيء إذا لم تقترن بها الأمانة.

ولتوضيح الأمر أكثر بعد توضيح المهمة التي سيقوم بها النبي وبالإضافة لضمانة الاستمرار، قد حدّد مهام الناس بقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾، تقوى الله التي هي محور حركة الأنبياء وجميع الرسالات الإلهية وتلخيص جميع التعاليم السماوية.

وقد حدّد لهم طريق أخذ تلك التعاليم والقنوات التي يتبعونها، وذلك الطريق (طاعة النبي) التي أكّد الله تعالى عليها في كثير من آياته، قال تعالى تعميماً لتلك الطاعة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾، فالآلية التي توصل أمر الله تعالى للناس هي طاعة الرسول.

-3 مبدئية الممارسة:

من المقومات المميزة للنهوض والتغيير لأي حركة إصلاحية هي أن تكون حركتها الإصلاحية ذات منطلق مبدئي إلهي، وهو إرادة الإصلاح والارتقاء بالمجتمع من أجل الله، لا من أجل المصالح والمنافع الدنيوية التي إن تحوّلت إلى ثقافة تسيّر أي حضارة فإنها تدوس على المبادئ والقيم التي تؤمن بها.. هذا ما كان واضحاً لدى الحضارات الإنسانية التي تخلّت عن المبدأ الإلهي، فقد عجزت عن الالتزام بمبدئيتها ولجأت إلى منافعها ومصالحها كأساس ومقياس للحركة وللإصلاح، لذا يقول تعالى على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

إن الله عز وجل وعد المصلحين بعدم ضياع أجرهم وقال:﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾[6]، وهذا الأجر وصفه بعدّة صفات في كتابه الكريم، ﴿أَجْرٍ كَرِيمٍ﴾، ﴿أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾، ﴿أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾، ﴿أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾، ﴿أَجْرًا حَسَنًا﴾. كل ذلك لكي لا يكون الأجر الدنيوي هو الأساس في التحرك نحو الإصلاح، لما يسببه من فساد في النظام وظلم لأكثر الناس، فالفقراء والمحتاجون لا يملكون أجراً يمكن أن يكافئوا به من يملك زمام التغيير، بينما هم أولى الناس به، ولهذا نرى في العالم الراهن من الانحياز التام للدول الغنية والتي تحتوي على المصالح، مِنْ قبل مَنْ بيدهم القوّة والثروة، على حساب من يحتاجون للتغيير والإصلاح بالفعل، لتزداد الهوّة بين الفقراء والأغنياء.

إنَّ الله تعالى جعل الأجر الكبير والكريم والعظيم عنده، لكي تحصل كل المجتمعات على الأهمية ذاتها من الإصلاح، وإنْ بدا للبعض أنَّ الأجر الدنيوي هو الأهم وهو الوسيلة للتحرّك، فإنَّ الله تعالى يؤكد ويقول: ﴿وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾[7].

ظاهرة الانبهار الحضاري:

من الثوابت الحضارية التي ترافق الحضارات في صعودها وتفوّقها هي ظاهرة الانبهار التي تستولي على المجتمعات، الانبهار بالتقدّم الذي حققته الحضارة في الدنيا، من الصناعة والقوّة والرفاه المادي، والموقف السلبي الذي يتخذه الإنسان بسبب إعجابه هذا، هو حسبانه أن ذلك يكفيه ليعيش عيشاً رغيداً مدى الحياة، وتساوره ظنون البقاء والأبدية والأمن من طوارق الليل والنهار لحضارته، مكتفياً ومتخلياً عن القوة الحقيقية التي تمنح الحياة وتهطل عليه الأمن والرفاه، وهي القوّة الإلهية لله خالق الكون.

ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة الذي يعرضها في سياق قصّة حضارة ثمود، بقوله: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾[8]، ﴿أَتُتْرَكُونَ﴾ أي أتحسبون أنكم متروكون!.

ورغم أن هذه الظاهرة هي ثابت من الثوابت الحضارية إلاّ أنها ليست في صالح الحضارات إذا ذهب هذا الانبهار بصاحبه إلى نكران الحقائق والمبادئ، وذلك عن طريق تحوّل الإنجازات من وسائل من صناعة يد الإنسان ومسخّرة لحياته، إلى أساس ومقياس يقود الإنسان ليبصر من خلاله الأشياء ويكوّن بها ثقافته، وبالتالي تبدأ مسيرة الحضارة لتتحوّل من الصعود إلى التراجع والتلاشي، شيئاً فشيئاً..

العودة إلى الحقائق

إن نبي الله صالح (عليه السلام) بعدما وصّف الحالة التي كان عليها قومه أشار إلى تأثير إنجازاتهم الدنيوية على ثقافتهم ونمط تفكيرهم، فهم يعتقدون أنهم وبما وصلوا إليه من التقدّم، و ما أوتوا من قوّة ﴿آمِنِينَ﴾، مكتفين بها عن أي شيء آخر في الحياة، فأكّد النبي (عليه السلام) لهم بعد ذلك على العودة إلى الحقائق والثقافة الخالية من شوائب الإنجاز ومتعلقات المادّة، وهي تقوى الله والتزامها من خلال طاعة الأنبياء، قال: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾.

إن الله تعالى يعطينا مجموعة من البصائر القرآنية تهدينا إلى أن مقياس الحق والصلاح والاستقامة والرشد لا تتمثل في حالة الانبهار والإعجاب والحب لما نراه مبهراً و عجيباً ومرغوباً، يقول ربنا عز وجل كحقيقة عامة: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.

ويقول تعالى: ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيث﴾، فالخبيث مفهوم لا يتغّير بتغيّر الشكل والمظهر أو بالكم والعدد، ولا يتغيّر إذا سحر أعين الناس وأعجبهم حسنه الظاهري.. لذا فإن الله تعالى ينهى عن هذه الحالة في آية أخرى إذ يقول: ﴿وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ﴾.

وحتى على مستوى البشر بالنظر إلى ثقافتهم التي ينطلقون منها يقول تعالى: ﴿وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾، ويقول عز وجل: ﴿وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ﴾.. فالآية الكريمة تدعونا للوصول إلى العمق لنبصر ماهية الثقافة المحركة لهذا المجتمع أو ذاك، لكي لا تسوقنا مشاعرنا بما زيّنت لها بهرجة الحضارات إلى نكران الحقائق الكبرى وصدّ الهدى والابتعاد عن المنعم الذي أغدق علينا تلك النعم ووفقنا للوصول إليها.

وعندما رأى النبي صالح (عليه السلام) سيادة تلك الظاهرة الخطرة في قومه، عمد إلى الإشارة إلى مصدر كل تلك الإنجازات وقال لقومه في موضع آخر من القرآن الكريم: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾، ولكنهم لم يستمعوا إليه، ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾.

لذلك نجد أن الله عز وجل ذكّر بهذه الحقيقة وأكّد على الإلتزام بها، عندما صار فتح مكة على يد رسولنا الأكرم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث مرحلة الانتصار والتقدّم لمجتمع الإسلام عند فتح مكة، نجد ذلك في سورة النصر، حيث قال تعالى: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.

استخلاصات:

لقد رسم لنا القرآن الكريم صورة واضحة لظاهرة الانبهار التي تنتاب المجتمعات، عبر عرضه لمسار الحضارات الماضية موجهاً الحديث للإنسان في كل زمان وفي كل البقاع، ونرى المشهد الراهن لواقعنا المعاصر أنه لم يحد عن تلك المعادلة التي تحدّث عنها القرآن الكريم، فالمجتمع الغربي وتبعه الكثير من أفراد المجتمعات الأخرى قد تلبّسهم الانبهار برونق الحضارة الغربية لما وصلت إليه من إنجازات صناعية وتكنولوجية، فانساقوا وراء تمظهراتها، غافلين أو متغافلين عن المحتوى القيمي والثقافي لتلك الحضارة، مقبلين عليها بكلها.

وقد أشار القرآن الكريم لذات الأدوات التي تستخدمها القوى الغربية للتأثير على الناس، منها المنجزات الصناعية التي وصلوا إليها، إضافة إلى الحالة المدنية واستخدام الوسائل الفارهة، كما أنهم يستعينون بما أشار إليه القرآن في كثير من آياته، يستعينون بالنساء والقوّة العسكرية والترف المادّي ونمط المعيشة كإغراء يجتذب الناس نحو الحضارة الغربية.

ولكن ليس ذلك هو المقياس الحقيقي للتفوّق الحضاري، وإن كان التفوّق العلمي والصناعي يعدّ ميزة ايجابية ونجاح يحتسب، إلا أنه ليس مقياساً، ولا ينبغي أن يحجب عنّا الحقائق والهدى، إنما ينبغي أن يكون ذلك معيناً لنا ومقرّباً للهدى والرشد، لأنه بفضل من الله تعالى الذي أنشأنا من الأرض واستعمرنا فيها.

المسؤولية الحضارية:

في حركة الإصلاح الحضاري لا يكفي التوجّه في العملية الإصلاحية نحو (المفسد) المباشر لعملية الإفساد فحسب، بل إن للعمل على المستوى الاجتماعي أهمية فاعلة، فهي حركة إعلامية ضاغطة على المفسدين لما يعيرونه من أهمية للرأي العام، وهي أيضاً ـ أي الحركة على المستوى الاجتماعي ـ تشكيل وعي عام مدرك للمشكلات الحضارية القائمة، لتكون لديه المقدرة على تجاوزها أو المطالبة بإصلاحها، مما يساهم في إفشال كل السياسات التي تعمل على الإفساد، وتبطل مفعول الهيمنة للمفسدين.

والخطاب في الآيات التي وجّهها نبي الله صالح (عليه السلام)، إنما هو خطاب موجّه للمجتمع، ولكنّه خطاب حضاري، أي مستوعب للقضايا الحضارية الكبرى، وذلك في قوله تعالى: ﴿..وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ..﴾.

الدخول في دائرة المفسدين:

لا يشترط في الدخول في دائرة المفسدين أن يكون الإنسان ممن يضع تلك السياسات والمخططات، بل الامتثال لها من قبله يُعدّ دخولاً فيها، وذلك لأن المفسد لا يستطيع إجراء خططه إلا إذا وجد شريحة عريضة من المجتمع تستجيب لما يرسم من مخططات، فهنالك مسؤولية حضارية ملقاة على عاتق المجتمع وعليه أن يتحملها، وهي وعي السياسات الكبرى والمخططات والأحابيل، وعدم دعمها لبلوغ أهدافها، لذلك وجّه نبي الله صالح (عليه السلام) الخطاب للناس قائلاً: ﴿وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ ناهياً عن إطاعة أمرهم، وهو المسار الذي يتبعونه لإشاعة الفساد، فإننا نرى بالرغم من أن الذي قام بجريمة عقر الناقة في قوم صالح (وهو فعل إفسادي) شخص واحد، كما في قوله تعالى: ﴿إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾، فإن الله عز وجل قد أطلق على ثمود وصف العقر، فقال عز شأنه: ﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾، وأيضاً عندما جاءهم العذاب ﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

قياس المجتمعات:

وعلى ذلك فإنما تقاس المجتمعات في مستواها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي و غيره، بنسبة الأكثرية، كما أشارت الآية الكريمة:﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إشارة إلى قوم صالح الذين عبّرت عنهم الآيات في البدء بـ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ﴾، كحكم ووصف لحالة مجتمع ثمود، فإذا كان أكثر الناس في مجتمع ما فاسدين جاز لنا أن نطلق عليه بأنه مجتمع فاسد، وإذا كان أكثرهم صالحين، جاز لنا أن نصفه بالصلاح، مع التأكيد على نقطتين في هذا المقياس:

الأولى: أن الرّاضين بفعل المفسد أو المصلح أو الممتثل لأمره إنما يصنّف من فئة المطاع، كما نهت الآية عن (طاعة أمر المفسدين) وأمرت بطاعة (الله والنبي) الذين يمثلون الإصلاح.

الثانية: وسم المجتمع بأنه يعيش ضمن حالة سلبية أو إيجابية، لا يعني احتساب المغايرين لهم معهم، بل لابد من حفظ الاستثناء وتقدير مواقفهم، فإن الله تعالى استثنى من قوم صالح المؤمنين، من العذاب وقال: ﴿وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.

ويجدر الالتفات إلى أن الآيات الشريفة في سردها لحضارة ثمود تشير إلى أن الذي يقوم بالإفساد إنما هم مجموعة صغيرة مكوّنة من تسعة أشخاص، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾، وقد ذهب سياق الآيات إلى أبعد من ذلك، فهي تحكي لنا أن تحالفاً وترابطاً منسقاً يجمع أولئك التسعة، يقول تعالى: ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾.

وهذا ما يتجسّد في واقعنا الراهن فيما نراه من هيمنة الحكومات كأفراد وجماعات قليلة على الرقع الاجتماعية الواسعة، بل ويتّضح ذلك لنا على المستوى الحضاري العام في مرحلة العولمة، من استئثار بعض الشركات الكبرى على مقدّرات العالم وهيمنتها على ثقافته وسياسته واقتصادياته وسلوكه، والتي يقدّر عددها بـ 500 شركة كبرى حول العالم تحصل على أموال هائلة تقدّر نسبتها بنصف المدخول العالمي، وينحصر عدد المؤثّرين أكثر، في السلطة التي تبعث بتوصياتها وتعليماتها المهيمنة، وهي البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبعض الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، على تفصيل لسنا بصدده.

طريق النجاة:

رغم التحديات الهائلة التي تواجه الدعاة المصلحين، إلا أنهم لا يفترون من الدعوة إلى الله والحق والصلاح، ورغم التأثير على السواد الأعظم من الناس من قبل القوى المهيمنة بثقافتها المفسدة، فإن علينا كمجتمعات أن نتحمّل مسؤوليتنا الحضارية، بأن لا نستوحش طريق الحق لقلّة سالكيه، فإن دعوة النبي صالح (عليه السلام) كما لاقت الرفض لاقت كذلك القبول وإن كان من الأقل عدداً، ولم يصدّهم انبهار الأكثرية وانسياقهم نحو ثقافة الفساد من الإقبال على الحق، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾، هذا ما ينبغي أن يرتسم في ذهنية المجتمعات، لأن إتباع ثقافة الصلاح و الإصلاح ولو كانت مع القلّة، توجب النجاة في الدنيا من مخاطر و مزالق الإفساد ووحل الفساد، وكذلك النجاة في الآخرة لتشملهم الرحمة الإلهية الواسعة، يقول ربنا عز وجل: ﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾.

الانهيار الحضاري:

لكل حضارة أجل حتمي، كما قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ ولكن كل حضارة لابد أن تعمل على إطالة عمرها بثبات قدمها على نهج الحق، وحتمية الأجل تقرّر عدم الأبدية لأي حضارة مهما بلغت من تحقيق الإنجازات والتطورات، ويمكن أن تطول المدّة حتى يأذن الله بالنهاية، كأن يندلع يوم القيامة.. وقبل ذلك تواجه الحضارات خطر الانهيار و التحطّم، حتى تلك التي أبلت بلاء حسناً، وتفوّقت على مثيلاتها، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾.

ونبي الله صالح (عليه السلام) أمر بطاعة الله و رسوله، الأمران اللذان يمثلان مسار الصلاح، للمحافظة على المكتسبات الحضارية التي لديهم، ونهاهم عن طاعة أمر المسرفين، وقال: ﴿وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾.

الإسراف الحضاري:

إنَّ العمل الذي يحقق الانهيار ويسبب الفساد في الأرض كما عبّرت الآيات، هو فعل (الإسراف) وبما أنَّها تتحدّث عن الإفساد على مستوى الأرض وهو مستوى عريض من التأثير، فإنَّ الإسراف الذي يؤثّر ذلك التأثير، لن يكون كالإسراف المتبادر على المستوى الشخصي، بل هو إسراف على المستوى الحضاري.

وعندما نتتبّع آيات الله عز وجل في كتابه العزيز، ستنكشف لنا عدّة حقائق في مجال الإسراف الحضاري، تبيّن لنا معالمه الواضحة عن طريق عرض أشكاله المختلفة، ونتبيّن معالمه المعاصرة:

- في الجانب الغذائي يقول عز وجل: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾.

- وفي جانب إدارة الإنفاق: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾.

- وفي الجانب الأخلاقي والسلوكي: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾.

- وفي جانب الحروب و الإبادة والجريمة: ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ﴾.

- وفي جانب الحكم وممارسة الظلم الشامل: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾.

وفي عرض واضح للعمليات الاقتصادية التي لا تراعي حقوق المحرومين، وتقوم بإتلاف المحاصيل والأغذية عوضاً عن توزيعها أو بيعها بثمن زهيد على الشعوب التي تعاني خطر المجاعة وألم الجوع، وهو حق من حقوقهم، كما يقول عز وجل: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾.. تعرض الآيات هذا المشهد وتحثّ على التزام العدل وإعطاء كل ذي حق حقّه، يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

فمن علامات الإسراف الحضاري الانشغال بالترف المادّي، وإساءة توزيع الثروات، وتفشّي الأمراض السلوكية، كالزنا والشذوذ الذي أصبحت له منظمات للدفاع عنه في عدّة دول وقد قامت بعض الدول بتشريع الزواج المثلي والإعتراف به كزواج اعتيادي، ومن هذا الإسراف هو الانشغال بالحروب وقتل الأبرياء، والطغيان، وعدم العدل في الحكم.. هذا هو الإسراف الذي يهدّد الحضارات بالانهيار.. وهذا ما نراه ماثلاً أمامنا في الحضارة الغربية عبر سياسة الحكومات الظالمة، واللهث وراء الكسب المادّي الجشع، وإشاعة المنكرات والفواحش، وما شابه ذلك.. فإن ما وصلت إليه هذه الحضارة من تقدّم لا يشفع لها، ولا يعطيها ضمانة الاستمرار دون الرجوع عن الانحراف وسياسة الإسراف، و الاعتراف بـ﴿ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾.. وإلاّ ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾، لذلك نهت آيات الذكر الحكيم عن اتباع سبيل المسرفين والتشبه بأعمالهم وتقليدهم في إسرافهم.

انبهار يتجاوز العقل:

رغم وضوح الرؤية واقتراب الانهيار، بل والعيش في الانهيار، فإنَّ الشيطان يضرب على العقول التي لم ترتبط بالله، فيزين الشيطان لهم سوء أعمالهم وإسرافهم، كما يزيّن للبعض المباني الفارهة، والبطر المعيشي، وامتلاك الأسلحة الفتّاكة، وشبكات التحلل والجريمة المقنّعة وغيرها.. قال تعالى ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، فلا يستوعبون الحقائق، فيجادلون، كما جادلت ثمود صالحاً (عليه السلام) و﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ وقد ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾.

الامتحان الواقعي:

الامتحان الحقيقي يتمثّل على أرض الواقع، الذي يبيّن هل أن الإنسان سار وفق القانون والسنّة الطبيعية العادلة للكون، أم أنه عاث فيها فساداً؟

فعرض الحقائق يبيّن المستوى الذي تحتله تلك الحضارة، قال النبي صالح (عليه السلام) لمحاوريه: ﴿قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾، فإن امتحان الناقة امتحان على أرض الواقع المعاش، حيث يتضح خرقه من خلال الملامسة والمعاينة، إذ وضع الله القوانين التي تحفظ التوازن بين جميع الناس وكافة الأمم، ولكي نستظهر قانون الإنصاف والعدل والأمن الاجتماعي والامتحان الحضاري، نرى أن قانون التوازن جاء في هذه الآية ليحدد الوقت (يوم معلوم)، ويقول تعالى في آية أخرى عن نعمه للخلق وخزائنه: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾، فالقدر واليوم المعلومان، متعلقان بحقوق الناس من نعم الله، كما في الآية الكريمة : ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ فالقانون هو «إعطاء الحق المعلوم، في اليوم المعلوم، بالقدر المعلوم»، وهو قانون الإنصاف والعدل وعدم الإسراف، قانون الأمن من الانهيار الحضاري.

وقد فشلت ثمود في الامتحان الواقعي وتعدّت على القدر المعلوم، قال عز وجل: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾.

بعد عرض الحقائق لابد أن تهتز الأنفسُ، وتنفضّ الكثبان من فوق العقول، ليبصر الإنسان ما قدّمت يداه، ليعيش حالة الندم ﴿فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾، ومن يلتزم الغفلة ويفضّل العيش في وحل الشهوات وانتهاج نهجها، فإن عذاب الله يكون نهايته، ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾، وذلك هو الانهيار. فأي حضارة تعبث في هذا القانون الحقوقي ستعيش حالة التفكك والتصدّع لتبدأ مشوار الانهيار.

ـــــــــــــ

الهوامش:

[1] القرآن الكريم، سورة الشعراء، آية/141، 158.

[2] القرآن الكريم، سورة يوسف، آية/ 69.

[3] القرآن الكريم، سورة آل عمران، آية/159.

[4] القرآن الكريم، سورة النمل، آية/39.

[5] القرآن الكريم، سورة القصص، آية/26.

[6] القرآن الكريم، سورة الأعراف، آية/.170

[7] القرآن الكريم، سورة يوسف، آية/57.

[8] القرآن الكريم، سورة الشعراء، آية:146/149.

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1830
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29