• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : شرح وصايا الإمام الباقر (ع) .
                    • الموضوع : حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 13 * .

حلقات في شرح وصايا الإمام الباقر (عليه السلام) - 13 *

 الأستاذ آية الله الشيخ مصباح اليزدي

بسم الله الرحمـٰن الرحيم

علاج اضطرابات الجسم والروح

منزل محفوف بالمكاره

«وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفوِيضِ، وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَامِ الْقَلْبِ، وَتَخَلَّصْ إِلَى إِجْمَامِ الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الْخَطَأ»1

يلزم هنا - من أجل إتمام بحث المحاضرة السابقة وتوضيح جملة اُخرى من حديث الإمام (سلام الله عليه) لجابر الجعفيّ - تقديم مقدّمة، وهي أنّ حياة أكثر البشر في هذه الدنيا محفوفة بالمصاعب والمكاره؛ فالقرآن الكريم يقول: «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ»2؛ أي جعلنا حياته مقرونة بالمعاناة والمتاعب.

وفقاً للرؤية المادّية فإنّه لا يوجد تفسير واضح لهذه الخصلة الدنيويّة. فالمادّيون يقولون: هذه المصاعب هي من لوازم هذه الدنيا ولا مفرّ منها ولابدّ من تحمّلها. أمّا على أساس الرؤية التوحيديّة فإنّ لهذه المكاره تفسيراً عقلانيّاً وهو أنّ هذه الحياة ومن حيث إنّها مقدّمة للحياة الاُخرويّة وإنّها الأرضيّة لظهور الطاقات الكامنة لدى البشر وامتحانهم في كلّ مرحلة من مراحلها فإنّه لابدّ من أن تكون مصحوبة باللذّات والمكاره. ومن هنا يقول القرآن الكريم: «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً»3. فإنّ ماهيّة هذا العالم - حسب الرؤية التوحيديّة - هي أنّه دار تربية وتنمية وهو يشبه إلى حدّ بعيد الحياة الجنينيّة. فلابدّ للنطفة أثناء الحياة الجنينيّة أن تبقى في رحم الاُمّ تسعة أشهر كي تنمو وتُعَدّ للولادة. وفي الحياة الدنيا تتحوّل هذه الفترة التي تستغرق تسعة أشهر إلى تسعين سنة – مثلاً - مع فارق أنّ النموّ في المراحل الجنينيّة في الرحم يكون طبيعيّاً وجبريّاً، أمّا في عالم الدنيا فالإنسان هو اللاعب الذي ينزل إلى الملعب ويتعيّن عليه أن يهيّئ نفسه للحياة الأبديّة. ومن الطبيعيّ أن تكون أجواء الامتحان محفوفة بالخيرات والشرور كي ينكشف جوهر كلّ إنسان ويتبيّن مدى استعداده لتحمّل الشدائد في سبيل مرضاة الله تعالى وغضّ الطرف عن اللذّات الأخسّ من أجل الوصول إلى كمالات أسمى.

الفارق بين وصفة الأنبياء ووصفة الماديّين للراحة والطمأنينة

إنّ التفات الإنسان العميق إلى مخاطر الدنيا وشدائدها من شأنه أن يملأ حياته بالتعاسة والمرارة؛ ذلك أنّه سيحتمل وقوع المصيبة أو الشدّة في كلّ لحظة. فالذين تشغل هذه الامور أذهانهم كثيراً مّا يصابون بشكل من أشكال التبعثر النفسيّ. وعلى أيّة حال فإنّ حياة كهذه تكون محفوفة بألوان الاضطراب والقلق إلى حدّ ذهاب الوجوديّين4 إلى القول: «إنّ الاضطراب يقوّم إنسانيّة الإنسان، وإنّ الذي لا يشعر بالاضطراب ليس بإنسان». ومن هذا المنطلق فإنّ علماء النفس يقترحون على المرء من أجل الفرار من المآسي والأمراض النفسيّة الركون إلى التغافل وعدم التفكير بتلك الاُمور والانشغال باللذّات والكلام والضحك والتسلية! هذه حصيلة الوصفة التي يصفها علماء النفس من أجل راحة الإنسان. أمّا أنبياء الله (عليهم السلام) فهم يقدّمون وصفة اُخرى. إنّهم يقولون: «من أجل طرد ما ليس في محلّه من القلق والاضطراب عليك أن تعرف ماهيّة هذا العالم. عليك أن تعلم أنّ هذا العالم ليس هو إلاّ معبراً مؤقّتاً وهو يشبه المختبر. فمصائب الدنيا وصعابها هي مقدّمة لراحة أبديّة ولذائذ لا نهاية لها يمكنك الظفر بها. فإن استطعت السيطرة على هذه المصاعب وتوظيفها على النحو الصحيح فستستطيع نيل السعادة الأبديّة. فنسبة عالم الدنيا إلى عالم الآخرة هو أقلّ من نسبة لمح البصر إلى تعمير مائة عام. أفيقلق الشخص الذي يعمّر مائة عام كيف ستمرّ عليه لحظة أو مقدار رمشة العين؟! فإن عرف المرء ماهيّة هذا العالم وأمّل نيل السعادة الأبديّة في العالم الأبديّ عبر أداء ما عليه من تكليف وكيف أنّه سيذهب إلى حيث لا وجود لأيّ شكل من أشكال النَّصَب والمعاناة؛ حيث: «لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ»5 فسوف يعدّ نفسه لتحمّل الصعوبات العابرة. فلو علم العامل أنّه إذا اجتهد في عمله من الصباح حتّى المساء فسيحصل على أضعاف الأجرة المتعارفة التي يحصل عليها العمّال، فإن أحبّ الظفر بهذه الاُجرة فستتحوّل صعوبة العمل ومعاناته عنده إلى حلاوة. فهذا أوّل الطريق الذي يرسمه الأنبياء لدفع اضطراب الإنسان وقلقه. بالطبع إنّ هذا الحلّ لا يمثّل دواء فحسب بل هو بيان لحقيقة. فمن جملة الطرق التي يتّبعها الأنبياء لعلاج أمراض البشر هي «العلاج بالحقيقة»؛ أي عندما يدرك مخاطبهم الحقيقة فإنّه لا يعود بحاجة إلى الدواء. والآن فلنضمّ المباحث المطروحة في المحاضرة الماضية إلى هذه المسألة؛ أي: بالإضافة إلى ذلك فإنّ الله تعالى يخصّ اُولئك الذين يفيدون من هدايته في حياتهم بسمات خاصّة حتّى في الحياة الدنيا.

التفويض هو أنجع وصفة للراحة

إنّ أنجع وصفة في هذا الباب هي وصفة «التفويض». وهذا ما تبيّنه الجملة الرائعة التي يبتدئ بها كتاب شرح الأمثلة من كتاب «جامع المقدّمات» حيث يقول: «أوّل العلم معرفة الجبّار وآخر العلم تفويض الأمر إليه»، وهذه أرقى نتيجة يمكن أن يحظى بها الإنسان من معرفة الله. فإذا بلغ المرء هذا المقام فسيكون أكبر همّه هو أداء ما عليه من تكليف وهو يؤمن بأنّ هناك من يرتّب على ذلك أفضل النتائج ويختار له أحسن الطرق. فهو يعلم عندما يفوّض إليه أمره أنّه إذا كان المرض أصلح له فسيمرضه وإذا كانت السلامة أفضل له فهو لا يدعه يمرض أو يبقى على مرضه.

التفويض هو أداء التكليف والاعتماد على الله في النتيجة

هل تفويض المرء أمره إلى الله يعني أن يخلي كاهله من أيّ مسؤوليّة ويصبح جليس داره؟ كلا، فكما قد أشرنا في المحاضرة السابقة فإنّ لدينا نظامين؛ أحدهما هو النظام التكوينيّ (الحقائق الخارجيّة) وهو النظام الذي ينبغي علينا تفويضه إلى الله تعالى. والنظام الآخر هو نظام التشريع الذي عيّن الله فيه ما علينا من واجبات. فمثلاً إذا رأى الله عزّ وجلّ صلاح امرئ في مرضه، فهذه حقيقة تكوينيّة ولابدّ لهذا الشخص أن يفوّض أمره فيها إلى الله ويرضى بذلك. لكنّ هذا التفويض لا يتنافى مع أداء التكليف المتمثّل بالذهاب إلى الطبيب والتداوي، والحاصل أنّه ينبغي أن يكون الأمر بالنسبة له سيّان شُفي أم لم يَشف. فإذا كان نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) قد وصف الله تعالى في ردّه على النمرود بهذا الوصف: «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفينِ»6 (ولم يقل: إذا أمرضني الله، تأدّباً بأدب العبوديّة) فلا يعني كلامه هذا أنّ إبراهيم (عليه السلام) لم يكن يذهب إلى الطبيب أو يتناول الدواء أو يعمل بأسباب الاستشفاء، بل كان يرى في كلّ مكان يداً تدير الأسباب فجاء ليهدي الناس إلى هذا الاتّجاه. فإذا عثر المرء على هذا المصباح فلن يعود للضجر والحزن معنىً عنده: «أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»7. فإنسان كهذا حتّى وإن بلغ الثمانين فسيكون كشابّ ينعم بكامل الحيويّة والراحة والطمأنينة ولا يعتريه أيّ همّ أو غمّ. والمصداق البارز لهذا العبد هو المرحوم آية الله السيّد بهاء الدينيّ (رضوان الله تعالى عليه). فهذا الرجل لم يصبه أيّ اضطراب أو ارتباك في خضمّ الحوادث العصيبة التي وقعت من أمثال انتفاضة الخامس عشر من خرداد8 واعتقال الإمام الراحل (رحمة الله عليه) وما إلى ذلك. وعلى الرغم من حبّه العظيم للإمام الراحل (رحمة الله عليه) غير أنّه لم يفقد توازنه في هذه الوقائع. كان يشعر بالاطمئنان والهدوء، وهذا نابع من اعتماده على الله تعالى وعلمه بأنّ الله عزّ وجلّ يحبّ الإمام الخمينيّ أكثر من حبّه هو له ألف مرّة وأنّه لن يدعه وحيداً. وحتّى إذا توسّل بعض الشيء فهو من باب التكليف ليس إلاّ. فالهمّ الوحيد لاولئك الذين أوكلوا امورهم إلى الله هو أداء تكليفهم على أتمّ وجه. ففي أثناء رحلة الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه) من باريس إلى إيران سأله أحدهم: «ما هو شعوركم الآن»؟ فكان ردّ الإمام: «ليس لديّ شعور خاصّ»! ومعنى كلامه هذا هو: أنّني عبد يؤدّي ما عليه من تكليف، أمّا النتيجة! فستكون كما يريد الله سبحانه. فإن وصل المرء إلى هذه الدرجة من الإيمان وفوّض أمره إلى الله بهذه الصورة فسيكون مرتاح البال قرير العين.

يقول الإمام الباقر (عليه السلام) هنا: «وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفوِيضِ»؛ أي إن أردت أن تكون مرتاح البال ومطمئنّاً تماماً ففوّض أمورك إلى الله! كما أنّه (عليه السلام) لم يقل: «تخلّص إلى راحة النفس بالتفويض» بل قال: «بِصِحَّةِ التَّفوِيضِ». ولعلّ ما أراد (عليه السلام) التنويه إليه هنا هو أنّ الإنسان قد يخدع نفسه أحياناً فلا يفوّض الأمر إلى الله حقيقة، بل يقول من باب التقاعس: لقد فوّضت الأمر إلى الله. وهذا ليس بالتفويض الصحيح، بل هو تقاعس وعدم لياقة. فالتفويض الصحيح هو أن يكون المرء قادراً على إنجاز العمل وينجزه فعلاً بدافع التكليف لكنّه – مع ذلك – يعتمد على الله تعالى ولا تكون النتيجة مهمّة بالنسبة إليه مهما كانت.

يروى أنّ نبيّ الله موسى (عليه السلام) مرض ذات يوم وعرض مرضه على الله في مناجاته، فجاءه الخطاب من الله: اذهب إلى الطبيب الفلاني وسيصف لك الدواء الكذائي فتناوله وستشفى. لكنّ موسى (عليه السلام) قام بتحضير الدواء بنفسه وتناوله فلم يشف. وعندما استفسر من ربّه عن علّة ذلك قال له الباري عزّ وجلّ: ألم آمرك أن تذهب إلى الطبيب الفلاني حتّى يصف لك هذا الدواء بنفسه؟! فإنّك لم تصغ إلى كلامي كما ينبغي. فتنظيم هذه الأسباب والعلل ينطوي على مصالح قد تعجز عقولنا عن إدراكها. فنحن موظّفون بالذهاب إلى الطبيب إذا مرضنا، أمّا الشفاء فهو بيد الله جلّ وعلا: «وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفينِ».

بالطبع إنّ التفويض هو سبيل لتهدئة الروح وإزالة ما ليس في محلّه من الاضطرابات والضجر والخوف. وهو ليس بالأمر السهل طبعاً. فشخص مثل جابر والذي اجتاز مراحل جمّة على طريق الكمال هو الذي يمكنه تفويض أمره إلى الله. إذن فالمقصود من «صحّة التفويض» هو التفويض الذي ينبع – حقيقة - من الاعتقاد بالتوحيد، وليس ذلك الذي ينشأ عن التقاعس وعدم اللياقة.

شرود الذهن أحد عوامل معاناة البدن

الحديث إلى هذا المقطع كان قد تناول راحة النفس. لكنّ بعض أنواع المعاناة وعدم الراحة ترتبط بالبدن بشكل أو بآخر. بالطبع إنّ كلّ ما يكون له طابعٌ إدراكيٌ فهو مرتبط بالروح؛ فحتّى في عمليّة «الإبصار» فإنّ الروح – في الحقيقة - هي التي تبصر وتدرك. فمن حيث إنّ العين هي عضو مادّي فليس لها إدراك، ولا يحصل فيها إلاّ تصوّرٌ عن الشيء، أمّا الإدراك فهو من فعل الروح. فإدراك الراحة، واللذّة، والمعاناة، والألم، وما إلى ذلك هي من وظائف الروح؛ فالروح هي التي تلتذّ أو تتأذّى. أمّا بعض الأمراض فإنّها تحمل صبغةً نفسيّة جسميّة (سيكوسوماتيا)9، أي تشترك فيها الروح والبدن معاً. لكنّها أحياناً تبدأ بالروح ثمّ تنعكس على الجسم، أو على العكس أحياناً اُخرى. فهناك علاقة وطيدة بين الروح والبدن. فعندما يقلق المرء من المستقبل لا يكون لهذا القلق علاقة مباشرة بالجسم ولا تظهر في أعضائه؛ ولكن هناك أنواع من الخوف والقلق لها علاقة مباشرة بجسم الإنسان. ويقال في الفرق بين هذين النوعين من القلق والاضطراب: أحدهما معاناة وإرهاق بدنيّ والآخر تعب واضطراب روحيّ. ولعلّ هذا هو السبب الذي دعى الإمام (عليه السلام) إلى القول: «وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ النَّفسِ بِصِحَّةِ التَّفوِيضِ» ثمّ أتبعه بالقول: «وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَامِ الْقَلْبِ». فالاضطرابات التي لها تأثير مباشر على الجسم سرعان ما يظهر تأثيرها؛ كأن يودّ المرء – على سبيل المثال – قول شيء لكنّه يخطئ في قوله. فإنّ لأمثال هذه الاضطرابات والاختلالات التي تظهر على البدن عواملَ هي بأيدينا ونستطيع أن نتلافاها. وإنّ من أهمّ آثار هذه الاضطرابات هو شرود الذهن وانعدام التركيز؛ فإذا أراد المطالعة تنقّل ذهنه إلى مائة مكان، وإذا وقف للصلاة تجوّل فكره في كلّ الوجود. إنّ هذه الحالة المعروفة بشرود الذهن أو تشتّت القلب لهي مصيبة كبرى، لكنّ تعوُّدَنا عليها يجعلنا لا نشعر بمدى الضرر الذي تلحقه بنا. بالطبع هذه الحالة لا تسبّب مشكلة إذا كانت ضمن الحدّ المتعارف؛ لأنّ للإنسان شؤوناً شتّى وله علاقة وارتباط بأشخاص مختلفين. لكنّها أحياناً تخرج عن الحدّ المتعارف. يقول الإمام (عليه السلام) في هذا الصدد: «إذا أردت راحة بدنك فحاول أن تركّز جيّداً وتكون حاضر الذهن».

علاج شرود الذهن بترك الذنوب

ثمّ يقول (عليه السلام): «وَتَخَلَّصْ إِلَى إِجْمَامِ الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الْخَطَأ». وإذا صحّت هذه النسخة فإنّ ما أفهمه من قوله: «قلّة الخطأ» هو «قلّة العصيان»؛ أي إذا شئت أن تكون حاضر الذهن وتمتلك التركيز المتعارف فاسع لأن تقلّل من معاصيك. فإنّ لدينا طرقاً شرعيّة ومعقولة من أجل تلبية وتأمين حاجاتنا. أمّا إذا انحرف الإنسان عن جادّة الصواب فسيواجه آلاف المنعطفات والمطبّات. فهناك مثلاً حلّ فطريّ لإشباع الغريزة الجنسيّة ألا وهو الزواج. لكنّه عندما يزيغ المرء عن المسير الصحيح فإنّه سيبتغي سبلاً اُخرى لتلبية هذه الغريزة: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ... * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْعَادُونَ»10 وإن إنساناً كهذا سيُبتلى بمختلف أشكال الاضطراب والقلق وتشتّت الذهن. فإنّ نظرة واحدة من حرام قد تشغل الذهن ليوم كامل؛ فلا يلتفت المرء إلى صلاته ولا إلى سائر أعماله. أمّا إذا صان نظره فإنّه لا يُبتلى بكلّ هذا الشرود والتشتّت في الذهن. فهذا التشتّت سببه الخروج عن الجادّة السويّة للفطرة والشرع. فإذا استطاع المرء صيانة نفسه من الوقوع في الأخطاء وارتكاب المعاصي – وليس للسعادة الحقيقيّة غير هذا السبيل – فسيكتشف أنّه سيحظى بالمزيد من الراحة والطمأنينة والتركيز وحضور الذهن، وإنّه إذا وقع يوماً في حبائل الشيطان فسوف يرى أنّه سيُبتلى بكثير من الشرود والتشتّت في الذهن إلى درجة أنّه لا يستطيع حتّى إنجاز أعماله العاديّة. فالعبثيّة في استخدام البصر واللسان والسمع تؤدّي بالإنسان إلى تشتّت ذهنه وإهدار قواه بل وقد تتسبّب في الإضرار به أيضاً. ومن هنا يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا أردت أن تريح بدنك فاسع أن تكون حاضر الذهن ومركّزاً، وإذا شئت أن تكون حاضر الذهن وتتمتّع بالتركيز فحاول أن تقلّل من أخطائك».

وفّقنا الله وإيّاكم إن شاء الله


1. تحف العقول، ص286.

2. سورة البلد، الآية 4.

3. سورة الأنبياء، الآية 35. 

4. الوجوديّون: هم المنادون بالفلسفة الوجوديّة (existentialism) وهي فلسفة معاصرة تؤكّد على حرّية الفرد ومسؤوليّته.

5. سورة فاطر، الآية 35.

6. سورة الشعراء، الآية 80.

7. سورة يونس، الآية 62.

8. هي انتفاضة «الخامس عشر من خرداد» (الخامس من حزيران) عام 1963 التي راح ضحيّتها زهاء 15 ألفاً من أفراد الشعب الإيراني والتي تعدّ نقطة تحوّل وبداية لاتّقاد جذوة كفاح هذا الشعب وانطلاقة ثورته الإسلاميّة.

9. Psychosomatic.

10. سورة «المؤمنون»، الآيات 5-7؛ وسورة المعارج، الآيات 29-31.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1939
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 05 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16