• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : عاشوراء والأربعين .
                    • الموضوع : الإمام الحسين (ع) ومصلحة الإسلام العليا .

الإمام الحسين (ع) ومصلحة الإسلام العليا

فؤاد كاظم المقدادي

‌‌‌إن‌ للحسين(عليه السلام) موقعاً رسالياً تميز به عن سائر أئمة اهل البيت(عليهم السلام)، وجعل‌ مـنه‌ رمـزاً‌ خـالداً لكل مظلوم يصحر بظلامته عبر التاريخ، وصرخة حق تدوّي في وجه الظالمين إلى يوم الديـن. وليس جزافاً قول رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) في حقه(عليه‌ السلام) إن له درجة‌ لا‌ ينالها أحـد من المخلوقين، فعن أبـي عـبد اللّه(عليه السلام) قال: «كان النبي (صلى الله عليه وإله) في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل علي أحد، فجاء‌ الحسين(عليه السلام) وهو طفل، فما ملكت معه شيئاً حتى دخل علي النبي، فدخلت أم سلمة عـلى إثره فإذا الحسين على صدره، وإذا النبي يبكي، وإذا في يده‌ شيء‌ يقلّبه. فقال النبي: يا أُم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك، فإذا صارت دماً فـقد قـتل‌ حبيبي‌، فقالت أم سلمة: يا رسول اللّه، سل اللّه أن يدفع ذلك عنه؟ قال: قد فعلت فأوحى اللّه عزوجل إلى أن له درجة لا ينالها‌ أحد‌ من المخلوقين، وأن له شيعة يشفعون فيشفَّعون، وأن المهدي من ولده، فطوبي لمن كان من أولياء الحـسين وشـيعته، هم واللّه الفائزون يوم القيامة»(1).

وهو‌ الذي‌ نزل الوحي بتسميته حسيناً، فقد‌ روي‌ أنه عندما زُفت البشري لرسول اللّه (صلى الله عليه وإله) بولادة الامام الحسين(عليه السلام)، في اليوم الثالث من شـهر شـعبان المبارك‌ في‌ السنة‌ الرابعة من الهجرة، أسرع (صلى الله عليه وإله)‌ إلى دار الزهراء(عليها السلام) فقال لأسماء بنت عمير: «يا أسماء، هاتي ابني، فحملته إليه، وقد‌ لُفّ‌ في‌ خرقة بيضاء، فاستبشر (صلى الله عليه وإله) وضـمَّه إليه وأذَّن‌ في أُذنه اليـمنى وأقـام فـي اليسرى، ثم وضعه في حِجرهِ وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي‌ وأُمي‌، ممَّ بكاؤك؟ قال (صلى الله عليه وإله): من ابني هذا. قالت‌: إنـه ولد السـاعة. قـال (صلى الله عليه وإله): يا أسماء، تقتله الفئة الباغية‌ مـن‌ بـعدي‌، لا أنالهم اللّه شفاعتي. ثم قال: يا أسماء، لا‌ تخبري‌ فاطمة فإنها حديثة عهد بولادته».

ثم قال (صلى الله عليه وإله) لعلي(عليه‌ السلام)‌: « أي شـيء سـميت ابـني؟ فأجابه علي(عليه السلام): ماكنت لاسبقك باسمه يا‌ رسول‌ اللّه. فنزل جـبرئيل(عليه السلام) على رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) حاملاً اسم الوليد‌ المبارك‌، قال لعلي(عليه السلام): سمه حسيناً»(2).

وتتوالي بيانات رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) في وصف مقام الامام الحسين(عليه السلام)، وموقعه الرفيع من الرسـالة والرسـول‌، منها‌:

عن يعلي بن مرة، قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وإله)‌: حسين مني وأنا من حـسين، احـب اللّه مـن احب حسيناً‌، حسينٌ‌ سبط من الاسباط»(3).

وعن سلمان الفارسي، قال: « سمعت رسـول‌ اللّه (صلى الله عليه وإله) يقول: الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن‌ أحبّني أحبّه اللّه، ومن أحـبّه اللّه أدخـله الجـنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني‌ أبغضه‌ اللّه، ومن أبغضه اللّه أدخله النار على وجهه»(4).

وعن‌ البـراء بـن عازب، قال: « رأيت‌ رسول‌ اللّه (صلى الله عليه وإله) حاملاً الحسين بن‌ علي‌ على عـاتقه وهـو يـقول: اللّهم إني أحبه فأحبه»(5).

وعن‌ أبي‌ جعفر(عليه السلام) قال: «كان‌ رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) إذا دخل الحسين(عليه السلام) اجتذبه إليه‌، ثم يقول لامير المؤمنين(عليه السلام): أمسكه، ثم يقع عـليه فـيقبّله‌ ويـبكي‌، فيقول: يا أبه، لم تبكي؟ فيقول‌: يا بني، اُقّبل موضع‌ السيوف‌ منك وأبكي. قال: يا أبـه، وأُقـتل؟ قال: إي‌ واللّه‌، وأبوك وأخوك وأنت. قال‌: يا أبه، فمصارعنا‌ شتي ؟ قـال: نـعم‌، يـا بني. قال: فمن يزورنا من أُمتك ؟ قال: لا‌ يزورني‌ ويزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصديقون‌ من‌ أُمـتي»(6)‌.

وعـن أبـي عبد اللّه(عليه‌ السلام) قال: «كان الحسين مع أُمه تحمله، فأخذه النبي (صلى الله عليه وإله) وقال: لعـن اللّه قاتلك، ولعن اللّه‌ سالبك‌، وأهلك‌ اللّه‌ المتوازرين عليك، وحكم‌ اللّه بيني وبين من أعان عليك. قالت فـاطمة الزهـراء: يا أبت، أي شيء‌ تقول‌ ؟ قال: يا بنتاه، ذكرت ما‌ يصيبه‌ بعدي‌ وبـعدك‌ مـن‌ الأذى‌ والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ فـي عـصبة كـأنهم نجوم السماء، يتهادون إلى القتل، وكأني أنظر إلى مـعسكرهم، وإلى مـوضع رحالهم وتربتهم. قالت‌: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف ؟ قال: موضع يقال له كربلاء، وهـي دار كرب وبلاء علينا وعلى الاُمـة، يـخرج عليهم شـرار أُمـتي، لو‌ أن أحـدهم شُفع له في السموات والارضين ما شـفّعوا فـيه، وهم المخلدون في النار. قالت: يا أبه، فيقتل؟ قال: نعم يا بـنتاه، ومـا‌ قُتل قتلته أحد كان قبله، ويـبكيه السموات والارضون، والملائكة، والوحـش، والنـباتات، والبحار، والجبال، ولو يؤذن لها مـا‌ بـقي‌ علي الارض متنفس، ويأتيه‌ قوم‌ من محبينا ليس في الارض أعلم باللّه، ولا أقوم بحقنا مـنهم، وليـس علي ظهر الارض أحد يلتفت إليـه غـيرهم، اولئك مـصابيح‌ في‌ ظلمات الجـور، وهـم‌ الشفعاء‌، وهم واردون حوضي غـداً، أعـرفهم إذا وردوا علي بسيماهم، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوَّام الارض، وبـهم يـنزل‌ الغيث‌. فقالت الزهراء(عليها السلام): يا أبـه، إنـا للّه، وبكت، فـقال لهـا: يـا بنتاه، إن أفضل أهل الجـنان هم الشهداء في الدنيا، بذلوا انفسهم‌ واموالهم‌ بأن لهم‌ الجنّة، يقاتلون في سبيل اللّه فيقتُلون ويـُقتلون وعـداً عليه حقاً، فما عند اللّه خير مـن‌ الدنـيا ومـا فـيها، قـتلة أهون من مـيتة، ومـن كتب‌ عليه‌ القتل‌، خرج إلى مضجعه، ومن لم يقتل فسوف يموت. يا فاطمة بنت محمد، أما ‌‌تحبين‌ أن تـأمرين غـداً بـأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟ أمـا تـرضين‌ أن‌ يـكون‌ ابـنك مـن حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما‌ ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه‌ ويذود عنه أعداءه؟ أما‌ تـرضين أن يكون بعلك قسيم النار ؟ يأمر النار فتطيعه، يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء. أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى‌ ما تأمرين به، وينظرون إلى بعلك قـد حـضر الخلائق وهو يخاصمهم عند اللّه؟ فما ترين اللّه صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق، وأُمرت‌ النار‌ أن تطيعه ؟. أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك، وتأسف عليه كل شيء؟ أمـا تـرضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان اللّه، ويكون‌ من‌ أتاه بمنزلة من حج إلى بيت اللّه واعتمر، ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإن بقي لم تـزل الحـفظة تدعو له ما‌ بقي‌، ولم يزل فـي حـفظ اللّه وأمنه حتى يفارق الدنيا؟ قالت: يا أبه، سلّمت، ورضيت، وتوكلت على اللّه، فمسح على قلبها ومسح عينيها‌، وقال‌: إني وبعلك وأنت وابنيك‌ في‌ مكان‌ تـقرُّ عـيناك، ويفرح قلبك »(7).

وعن ابـن عـباس قال: « لما اشتد برسول اللّه (صلى الله عليه وإله)‌ مرضه‌ الذي‌ مات فيه، ضم الحسين(عليه السلام) إلى صدره‌ يسيل‌ من عرقه عليه، وهو يجود بنفسه، ويقول: مالي وليزيد لا بارك اللّه فيه ؟ اللّهم العن‌ يـزيد‌. ثـم غُشي عليه طويلاً، وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه‌ تذرفان، ويقول: أما إنَّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي اللّه عزوجل»(8).

ومن هنا‌ ندرك‌ كيف‌ أن رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) كان يهيئ ولده الحسين(عليه السلام) لدور‌ رسـالي‌ فـريد، ويوحي بـه ويؤكده، ليحفظ له رسالته من الانحراف والضياع؛ لذا نجد أن‌ سيرة‌ سيد‌ الشهداء الامام الحسين(عليه السلام)، هي من أبـرز مصاديق وحدة الهدف في‌ تحقيق‌ وحفظ‌ مصلحة الاسلام العليا، التي اتـسمت بـها ادوار ائمـة اهل البيت(عليهم السلام)، علي‌ رغم‌ تنوّعها‌ في الطريقة وتباينها الظاهري في المواقف، وقد تمثل في سيرة الامـام ‌الحـسين(عليه السلام) مبدأ‌ حفظ‌ مصلحة الاسلام العليا في اربعة مواقف كبرى شملت عهد إمامة أبـيه (عليه السـلام) وعهد‌ إمـامة‌ أخيه‌ الحسن(عليه السلام) وعهد إمامته(عليه السلام).

1 ـ في عهد إمامة أبيه امير‌ المؤمنين(عليه‌ السلام):

وقد جـسّد الامام الحسين(عليه السلام) فيه الطاعة التامّة والامتثال الكامل‌ لأوامر‌ امامه‌ امير المؤمنين(عليه السـلام)، في الموقف من الخـلافة بـعد رسول اللّه (صلى الله عليه وإله)، وخصوصاً‌ ايام الفتنة الطخياء على عهد عثمان بن عفان، التي انتهت بقتله،‌ وكذلك‌ في‌ خوضه حروب الدفاع عن دولة الاسلام وخلافة اميرالمؤمنين(عليه السلام)، التي كان ابرزها حرب الناكثين‌ المـعروفة‌ بحرب‌ الجمل، وحرب القاسطين المعروفة بحرب صفين، وحرب المارقين المعروفة بحرب النهروان‌. وقد اشرنا إلى ذلك سابقاً عند بياننا لمواقف امير المؤمنين(عليه السلام) والامام الحسن(عليه السلام) في حفظ‌ مصلحة‌ الاسلام العليا.

2 - في عـهد إمـامة أخيه الحسن بن‌ علي(عليه‌ السلام):

كان الامام الحسين(عليه السلام)‌ ظهير‌ أخيه‌ الامام الحسن(عليه السلام) الامين وساعده الايمن في‌ مواجهة‌ الباغية معاوية بن أبي سفيان، ثم كان شريكه في دفع الفـتنة الكـبرى‌ التي‌ وقع فيها اصحابه واتباعه بسبب‌ الصلح‌، الذي‌ أملته‌ الضرورة‌ فأوقعه مع معاوية حقناً لدماء اهل‌ البيت(عليهم‌ السلام)، ودماء اصحابهم واتباعهم التي مثّلت في حينها سناء مصلحة الاسلام‌ فـي‌ بـقاء من يصدع بحق الثقلين، ويذبّ عن اهل بيت‌ النبوة‌ والعصمة، ويدفع عن الاسلام‌ غائلة‌ التحريف والتزوير. وقد أشرنا أيضاً إلى ذلك فيما سلف من ذكر المواقف‌ الكبرى‌ للإمام الحسن(عليه السلام) لحـفظ مـصلحة‌ الاسـلام‌ العليا‌.

3 ـ في عهد إمامته(عليه السـلام)‌:

وفـي هـذا العهد ضرب الامام الحسين(عليه السلام) المثل الأعلى في تجسيد روح الثبات والقدم‌ الراسخة‌ علي مبادئ الاسلام ومصلحته العليا، حيث‌ كان له‌ سلام‌ اللّه‌ عـليه مـوقفان متواليان، قد يلحظان متخالفين ظاهرياً، من الحكم الامـوي مـنذ اليوم الاول لصيرورة الامامة إليه بعد‌ استشهاد‌ أخيه الامام الحسن(عليه السلام)؛ الاول من‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌، والثاني من‌ يزيد‌ بـن مـعاوية:

أ ـ مـوقفه من معاوية بن أبي سفيان:

وله في‌ موقفه‌ هذا‌ من مـعاوية صورتان تكامليتان، كلاهما تحكيان‌ مبدأيته‌ العصماء‌ في‌ لحاظ‌ مصلحة‌ الاسلام العليا:

الصورة الاولى: التزامه(عليه السلام) بعهد أخيه الامام الحـسن(عليه السـلام)، ووفـاؤه ببنود صلح أخيه المبرم مع معاوية بن أبي سفيان؛ لاعتقاده‌ بـأنّ المـصلحة الاسلامية لا زالت في ذلك، ولان مبادئ الاسلام واحكامه تأبي عليه نقض العهود والتحلل من الوفاء بالعقود إلاّ إذا أُخلّ بشروطه أو انـتهت مـدته، لقـول‌ اللّه‌ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(9) وقوله أيضاً: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (10). فممّا رواه الكلبي والمدائني وغيرهما من اصحاب السير قالوا: «لمّا‌ مات الحسن بـن عـلي(عليهما السـلام) تحركت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلى الحسين(عليه السلام) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر‌ أنّ‌ بـينه وبين معاوية عهداً وعقداً‌ لا‌ يجوز له نقضه حتى تمضي المدّة، فإن مات معاوية نـظر فـي ذلك»(11).

الصـورة الثانية: وفيها سلك الامام الحسين(عليه السلام)‌ مسلكاً‌ تكاملياً في مقابل التزامه‌ بما‌ تمليه عـليه الحـكمة الالهية والمصلحة الاسلامية للصلح الذي عقده الامام الحسن(عليه السلام) مع معاوية والتي من ابـرزها كـشف حـقيقة هذا الاخير وحقيقة حكومة بني أمية للمسلمين، فانطلق الامام(عليه السلام)‌ من‌ نفس هذه الحكمة الالهـية والمـصلحة الاسلامية وعمل جهده لكشف هذه الحقيقة.

وهنا يتبين لنا السر في عـدم التـخالف بـين موقفه في الصورة الاولى وموقفه في هذه الصورة الثانية‌، فهما صورتان‌ لموقف تكاملي هادف يحفظ فـي الاولى حـدود الصـلح المعلنة ويسعى في الثانية لتكميل تحقيق الاهداف المنشودة لهذا‌ الصلح وذلك عن طـريق إظـهار الحق وإعلانه في وجه معاوية بن‌ أبي‌ سفيان‌، والتصدي له بالحجّة البالغة، وتعرية انحرافه عن كتاب اللّه وسـنة نـبيه (صلى الله عليه وإله)، ‌‌ودرء‌ البدع التي احدثها في الدين، واستنكار الظلم والجور الذي أوقعه عـلى صـفوة‌ الاصحاب‌ والتابعين‌ من شيعة اهل البيت(عليهم السـلام)، وسـفك دمـائهم الطاهرة خلافاً لبنود الصلح المبرم مع الامـام‌ الحـسن(عليه السلام). وممّا روي في ذلك:

1 ـ تصديه(عليه السلام)‌ لأمر معاوية وولاته وعمّاله‌ بلعن‌ امير المؤمنين(عليه السـلام) عـلى المنابر واضطهاد شيعته، وقتل مـن يـروي شيئاً مـن فـضائله، فـعن سليم بن قيس قال: «نادى مـنادي مـعاوية أن قد برئت الذمّة ممّن يروي‌ حديثاً من مناقب علي وفضل اهل بـيته، وكـان أشدّ الناس بلية اهل الكوفة، لكـثرة من بها من الشيعة، فـاستعمل زيـاد بن أبيه، وضمّ إليه العـراقين الكـوفة والبصرة‌، فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف. يقتلهم تحت كل حجر ومدر، واخـافهم، وقـطع الايدي والارجل، وصلبهم في جـذوع النـخل، وسـمل اعينهم وطردهم وشـردهم، حتى نفوا‌ عن‌ العراق فـلم يـبق بها أحد معروف مشهور؛ فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد. وكتب معاوية إلى جـميع عـمّاله في جميع الامصار أن‌ لا‌ تجيزوا لاحـد مـن شيعة عـلي واهـل بـيته شهادة، وانظروا قبلكم مـن شيعة عثمان ومحبيه ومحبي اهل بيته واهل ولايته، والذين يروون فضله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقـربوهم‌ وأكـرموهم‌، واكتبوا بمن يروي من مناقبه‌ واسـم‌ أبـيه‌ وقـبيلته، فـفعلوا حتى كثرت الرواية فـي عـثمان، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصِّلات والخلع والقطائع من العرب والموالي‌، وكثر‌ ذلك في كل مـصر، وتـنافسوا فـي الاموال‌ والدنيا‌، فليس أحد يجيء من مـصر مـن الامـصار فـيروي فـي عـثمان منقبة أو فضيلة إلاّ كتب اسمه وأُجيز، فلبثوا‌ بذلك‌ ما شاء اللّه.

ثم كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في‌ عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفـضله وسوابقه، فإن‌ ذلك‌ أحبّ‌ إلينا وأقرّ لاعيننا، وأدحض لحجّة اهل البيت وأشدّ عليهم، فقرأ‌ كلّ امير وقاض كتابه علي الناس. فأخذ الرواة في فضائل معاوية علي المنبر في كل‌ كورة‌ وكـل‌ مـسجد زوراً، وألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب، فعلّموا ذلك صبيانهم‌ كما‌ يعلمونهم‌ القرآن، حتى علّموه بناتهم ونساءهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.

وكتب‌ زياد بن أبيه إليه في حقّ الحضرميين أنهم علي دين عـلي وعـلي رأيه، فكتب‌ إليه معاوية أن اقتل كلّ من كان علي دين علي ورأيه، فقتلهم‌ ومثّل‌ بهم‌.

وكتب كتاباً آخر: « انظروا من قبلكم من شـيعة عـلي واتهمتموه‌ بحبه‌ فاقتلوه، وإن لم تقم عـليه البـينة، فاقتلوه علي التهمة والظنة والشبهة‌ تحت‌ كل حجر» حتى إن الرجل لتسقط منه كلمة فتضرب عنقه، في حين كان‌ الرجل‌ يرمى بالزندقة والكفر فلا يـتعرّض له بـمكروه بل يكرّم ويعظم، وكـان‌ الرجـل‌ من‌ الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان، لا سيما الكوفة والبصرة، حتى‌ لو‌ أن احداً منهم أراد أن يلقي سرّاً إلى من يثق به خاف‌ خادمه‌ ومملوكه، فلا يحدثه إلاّ بعد أن يأخذ عليه الايمان المـغلظة أن يـكتم عليه، حتى‌ كثرت‌ أحاديثهم الكاذبة، ونشأ عليها الصبيان.

وكان اشدّ الناس في‌ ذلك‌ القرّاء المراؤون المتصنّعون، الذين يظهرون الخشوع‌ والورع‌، فكذبوا وانتحلوا الاحاديث وولّدوها، فحظوا بذلك‌ عند‌ الولاة والقضاة وادنوا مـجالسهم، وأصـابوا الاموال والقـطائع والمنازل، حتى صارت احاديثهم‌ ورواياتهم‌ عندهم حقّاً وصدقاً، فرووها‌ وقبلوها‌ وتعلموها وعلّموها‌، وأحبّوا‌ عليها وابغضوا من ردهـا أو شك‌ فيها‌، فاجتمعت علي ذلك جماعتهم، وصارت في يد المتنسّكين والمتدينين مـنهم،‌ فـقبلوها‌ وهـم يرون أنها حق، ولو‌ علموا بطلانها وتيقّنوا أنها‌ مفتعلة‌ لأعرضوا عن روايتها ولم يدينوا‌ بها‌، ولم يبغضوا من خالفها، فـصار ‌الحـقّ في ذلك الزمان عندهم باطلاً‌، والباطل عندهم حقّاً، والكذب‌ صدقاً‌، والصدق كذباً.

فلمّا مـات الحـسن بـن‌ علي(عليه‌ السلام) ازداد البلاء والفتنة، فلم يبق للّه ولي إلاّ هو خائف على نفسه‌، أو مقتول أو طريد أو شريد‌، فلمّا كـان‌ قبل‌ موت‌ معاوية بسنتين، حجّ‌ الحسين بن علي(عليه السلام) وعبد اللّه بن جعفر وعـبد اللّه بن عباس معه. وقـد‌ جـمع‌ الحسين بن علي(عليه السلام) بني هاشم‌؛ رجالهم‌ ونساءهم‌ ومواليهم‌ وشيعتهم، مَنْ‌ حج‌ منهم ومَنْ لم يحج، ومن الانصار ممّن يعرفونه واهل بيته، ثم لم يدع احداً‌ من‌ اصحاب‌ رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) ومـن أبنائهم‌ والتابعين‌، ومن‌ الانصار‌ المعروفين‌ بالصلاح والنسك إلاّ جمعهم، فاجتمع عليه بمنى اكثر من ألف رجل عامتهم التابعون وأبناء الصحابة، والحسين(عليه السلام) في سرادقه، فقام(عليه السلام) فيهم خطيباً، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قـال: «أمـا بعد، فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أريد أن أسألكم‌ عن‌ اشياء، فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني. اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى امـصاركم وقـبائلكم من امنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإني‌ اخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون».

فما ترك الحسين(عليه السلام) شيئاً انزل اللّه‌ فيهم‌ (اهل البيت(عليهم السلام) مـن القـرآن‌ إلاّ‌ قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأمّه واهل بيته إلاّ رواه وفي كل ذلك يقول الصحابة: «اللّهم نعم، قد‌ سمعناه وشهدناه» ويقول‌ التابعون‌: «اللّهم قد حدثنا من نصدقه ونأتمنه»، حتى لم يـترك شـيئاً إلاّ قـاله، ثم قال: «أنشدكم باللّه إلاّ رجـعتم وحـدّثتم بـه من تثقون به» ثم‌ نزل‌ وتفرق الناس على ذلك(12).

2 ـ استنكاره(عليه السلام) على معاوية قتله لصفوة من صحابة رسول اللّه وتابعيهم من شيعة اهـل البـيت؛ لقـد روى صالح بن كيسان قال: «لما قَتل‌ معاوية حـجر بـن عدي وأصحابه حجّ ذلك العام، فلقي الحسين بن علي(عليه السلام) فقال: يا أبا‌ عبد اللّه، هل بلغك ما صنعنا بحجر واصحابه وأشـياعه وشـيعة‌ أبـيك؟ فقال(عليه السلام): وما صنعت بهم؟ قال: قتلناهم، وكفّناهم، وصلّينا عـليهم. فضحك ‌‌الحسين(عليه‌ السلام) ثم قال: خصمك القوم يا معاوية، لكننا لو قتلنا شيعتك‌ ما‌ كفّناهم‌ ولا صّلينا عليهم ولا قبرناهم. ولقـد بـلغني وقـيعتك في علي وقيامك ببغضنا، واعتراضك‌ بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فـارجع إلى نـفسك، ثم سلها‌ الحق عليها ولها، فإن‌ لهم تجدها اعظم عيباً فما اصغر عيبك فيك، وقد ظـلمناك يـا مـعاوية فلا توترنّ غير قوسك ولا ترمينّ غير غرضك، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قـريب، فـإنّك واللّه‌ لقد أطعت فينا رجلاً ما قدم إسلامه، ولا حدث نفاقه، ولا نظر لك، فانظر لنفسك أو دع ـ يعني عـمرو بـن العـاص ـ»(13).

وجاء في سيرة اهل‌ البيت‌ لابي علم: « إن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية، وكان عـامله عـلي المدينة، أمّا بعد، فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالاً من اهل العراق‌ ووجـوه‌ اهـل الحـجاز يختلفون إلى الحسين بن علي(عليه السلام)، وأنه لا يؤمن وثوبه، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يـريد الخـلاف يومه هذا، فاكتب إلى برأيك. فكتب‌ إليه‌ معاوية: بلغني كتابك، وفهمت ما ذكـرت فـيه مـن أمر الحسين، فإياك أن تتعرض له بشيء، واترك حسيناً ما تركك، فإنّا لا نريد أن‌ نتعرض‌ له‌ مـا وفـي ببيعتنا، ولم‌ ينازعنا‌ سلطاننا‌، فأمسك عنه ما لم يبدِ لك صفحته».

وكتب إلى الحسين(عليه السـلام): «أمـّا بـعد، فقد‌ انتهت‌ إلى أمور عنك إن كانت حقاً فإني ارغب بك‌ عنها‌، ولعمر اللّه إن من أعطى اللّه عـهده ومـيثاقه لجـدير بالوفاء، وإن أحق الناس بالوفاء من هو مثلك‌ في‌ خطرك‌ وشرفك ومنزلتك التـي انـزلك اللّه بها، فاذكر، وبعهد‌ اللّه أوفِ، فإنك متي تنكرني أنكرك، ومتي تكدني أكدك، فاتق شقّ عصا هذه الامـة، وأن‌ يردهم‌ اللّه على يديك في فتنة، فقد عرفت الناس وبلوتهم، فانظر‌ لنفسك ولديـنك ولاُمـة جدك، ولا يستخفنّك السفهاء الذين لا يوقنون».

فكتب إليـه‌ الحـسين(عليه‌ السـلام)‌ في جوابه: «أما بعد، فقد بلغني كـتابك أنـه بلغك‌ عني‌ أمور‌ أن بي عنها غني؛ زعمت أني راغب فيها، وأنا بغيرها عـنك جـدير‌، أمّا‌ مارقي اليك عني، فـإنه رقـّاه إليك المـلاّقون المشاؤون بـالنمائم، المفرقون بين الجمع‌، كذب الساعون الواشـون، مـا أردت حربك ولا خلافاً عليك. وايمُ اللّه‌ إني‌ لأخاف‌ اللّه عزّ ذكره في ترك ذلكـ، ومـا أظنّ اللّه تبارك وتعالي براض عني بـتركه‌، ولا عاذري بدون الاعتذار إليـه فـيك وفي اولئك القاسطين الملبين حزب الظـالمين، بـل‌ اولياء‌ الشيطان الرجيم.

ألست قاتل حجر بن عدي أخي كندة واصحابه الصالحين المـطيعين العـابدين‌؛ كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون المـنكر والبـدع ويـؤثرون حكم الكتاب، ولا يـخافون‌ فـي‌ اللّه‌ لومة لائم، فقتلتهم ظـلماً وعـدواناً بعد ما كنت اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة، لا‌ تأخذهم‌ بحدث كان بينك وبينهم، ولا بـإحنة تـجدها في صدرك عليهم!.

أولست قاتل عـمرو بـن الحمق صـاحب رسـول اللّه، العـبد الصالح الذي أبلته العبادة فـصفرت‌ لونه‌، ونحلت جسمه، بعد أن أمنته وأعطيته من عهود اللّه عزوجل‌ وميثاقه‌ ما لو أعطيته العُصم ففهمته لنـزلت إليـك‌ من‌ شغف‌ الجبال، ثم قتلته جـرأة عـلي اللّه‌ عـزوجل‌ واسـتخفافاً بذلك العهد؟!.

أولسـت المـدعي زياد بن سمية، المولود‌ علي فراش عبيد عبد ثقيف‌، فزعمت أنه‌ ابن أبيك؟ وقد قال رسول اللّه: «الولد للفـراش وللعـاهر الحـجر»، فتركت سنة رسول اللّه واتبعت هواك‌ بغير‌ هـدى مـن اللّه، ثـم سـلّطته‌ عـلى اهـل العراق فقطع‌ ايدي‌ المسلمين وارجلهم وسمل اعينهم، وصلبهم‌ على جذوع النخل كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك.

أولست‌ صاحب‌ الحضرميين الذين كتب إليك فيهم‌ ابن‌ سـمية‌ أنهم على دين‌ علي‌ ورأيه، فكتبت إليه‌ اقتل‌ كلّ من كان على دين علي(عليه السلام) ورأيه، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟ ودين‌ علي ـ واللّه ـ وابن علي‌ للذي‌ كان يضرب‌ عليه‌ أباك‌، وهـو أجـلسك بمجلسك‌ الذي انت فيه، ولولا ذلك لكان افضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرّحلتين اللتين بنا‌ منّ‌ اللّه عليكم فوضعهما عنكم. وقلت‌ فيما‌ تقول‌: انظر‌ نفسك ولدينك ولامة‌ محمد (صلى الله عليه وإله) واتق شقّ عصا هـذه الامـة وأن تردهم في فتنة. فلا اعرف فتنة اعظم‌ من‌ ولايتك‌ عليها، ولا اعلم نظراً لنفسي وولدي‌ وأمّة‌ جدي‌ افضل‌ من‌ جهادك‌، فإن فعلته فهو قـربة إلى اللّه عـزوجل، وإن تركته فأستغفر اللّه لذنبي واسأله تـوفيقي لارشـاد أُموري.

وقلت فيما تقول: إن أنكرك تنكرني‌، وإن أكدك تكدني. وهل رأيك إلاّ كيد الصالحين منذ خلقت؟ فكدني ما بدا لك إن شئت، فإني أرجو ألاّ يضرّني كيدك، وألاّ يكون عـلى أحـد‌ أضرّ‌ منه على نـفسك، عـلى أنك تكيد فتوقظ عدوك وتوبق نفسك، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والايمان والعهد والميثاق، فقتلتهم من غير أن يكونوا‌ قتلوا‌ إلاّ لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقّنا بما به شرفت وعـرفت، مـخافة امر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا. أو‌ ماتوا‌ قبل أن يدركوا.

أبشر‌ يا معاوية بقصاص، واستعد للحساب، واعلم أنّ للّه عزوجل كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وليس اللّه تبارك وتعالي‌ بناس‌ أخذك بالظنة وقـتلك أوليـاءه‌ بالتهمة‌، ونـفيك إياهم من دار الهجرة إلى الغربة والوحشة، واخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان، يشرب الشراب، ويلعب بالكعاب. لا أعـلمك إلاّ قد خمرت نفسك‌، وشريت دينك، وغششت رعيتك، وأخزيت أمانتك، وسمعت مـقالة السـفيه الجـاهل، وأخفت التقي الورع الحليم.

قال: فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسين(عليه السلام) قال: لقد‌ كان في‌ نفسه غضب عـلى ‌مـا كنت أشعر به، فقال ابنه يزيد، وعبد بن أبي عمير بن‌ جعفر: أجبه جـواباً شـديداً تـصغر إليه نفسه، وتذكر أباه‌ بأسوأ‌ فعله‌ وآثاره. فقال: كلاّ، أرأيتما لو أنّي أردت أن أعيب علياً محقّاً مـا عسيت أن ‌‌أقول‌؟ إن مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل وما لا يعرف الناس‌، ومتي‌ عبت رجـلاً بما لا يعرف لم يحفل بـه صـاحبه ولم يره شيئاً، وما عسيت‌ أن أعيب حسيناً وما أرى للعيب فيه موضعاً، إلاّ أني قد أردت‌ أن أكتب إليه وأتوعّده‌ وأهدده‌ وأجهله ثم رأيت ألا أفعل»(14).

3 ـ إظهاره وإعلانه لفضائل اهل البيت(عليهم السلام) وحقهم في ولاية المـسلمين، فعن موسى بن عقبة أنه قال: «لقد قيل‌ لمعاوية إنّ الناس قد رموا أبصارهم إلى الحسين(عليه السلام)، فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب، فإن فيه حصراً أو في لسانه كلالة. فقال لهم مـعاوية: قـد ظننا‌ ذلك‌ بالحسن، فلم يزل حتى عظم في اعين الناس وفضحنا، فلم يزالوا به حتى قال للحسين: يا أبا عبد اللّه لو صعدت المنبر فخطبت. فصعد الحسين(عليه السلام)‌ المنبر‌، فحمد اللّه واثنى عـليه وصـلّى على النبي (صلى الله عليه وإله)، فسمع رجلاً يقول: من هذا الذي يخطب ؟ فقال الحسين(عليه السلام): نحن حزب اللّه الغالبون‌، وعترة رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) الاقربون، واهل بيته الطيبون، وأحد الثقلين الذين جـعلنا رسـول اللّه (صلى الله عليه وإله) ثاني كتاب اللّه تبارك وتعالى، الذي فيه‌ تفصيل‌ كل‌ شيء، لا يأتيه الباطل‌ من‌ بين‌ يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره، لا يبطينا تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا فـإنّ طـاعتنا‌ مـفروضة‌، أنْ كانت بطاعة اللّه ورسوله مـقرونة. قـال‌ اللّه‌ عزوجل: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾.

وأحذرّكم الاصغاء إلى هتوف الشـيطان بـكم، فإنّه‌ لكم‌ عدوّ مبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم لا غالب لكم‌ اليوم‌ من الناس وإنّي جارٌ لكم فلما تـراءت الفـئتان نـكص على عقبيه وقال إني بريء منكم فتلقون‌ للسيوف‌ ضرباً‌ وللرمـاح ورداً وللعمد حطماً وللسهام غرضاً، ثم لا يقبل من نفس‌ إيمانها‌ لم‌ تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خـيراً»(15).

ب ـ: مـوقفه‌ مـن يزيد بن معاوية:

جسّد الامام الحسين(عليه السلام) في هذا الموقف الرسـالي‌ الفـريد‌ أحد ابرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق مصلحة الاسلام العليا في ادوار ائمة‌ اهل‌ البيت(عليهم‌ السلام)، رغـم تـنوعها وتـباينها في الطريقة والاساليب، حين نهض(عليه السلام) في وجه الفاجر‌ يزيد‌ بن مـعاوية مـسترخصاً كـل شيء في سبيل مصلحة الاسلام العليا.

إن‌ من‌ ابرز‌ مصاديق الحكمة في نهضة الامـام الحـسين(عليه السـلام) في سبيل تحقيق مصلحة الاسلام العليا هي:

1 ـ أن معاوية في تنصيبه لابنه يزيد من بـعده للخـلافة قد‌ نقض‌ عهده‌ المبرم في صلحه مع الامام الحسن(عليه السلام)، وبذلك اصبح الامـام الحـسين(عليه السـلام) أمام أمر مستحدث‌ يقتضي‌ منه‌ موقفاً يتناسب وما تمليه مصلحة الاسلام العليا.

2 ـ ان‌ تنصيب‌ يـزيد مـن قبل أبيه معاوية خليفة للمسلمين سيصبح اكبر قضية تهدد اساس العقيدة الاسلامية بـالمحق، ويـعرضها‌ للزوال، وذلك مـن خلال الانحراف الخطير الذي سيطرأ علي مسألة الحكم‌ الاسلامي‌ وخلافة رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) فإن‌ تـنصيب‌ مـثل‌ يزيد للخلافة ـ وهو المتجاهر بالفسق والفجور‌ والزنا‌ وشرب الخمور، وبتلك الطريقة التـي سـلكها مـعاوية، وهي إخراج الخلافة عن اصولها‌ حتى عن مبني الخلافة الراشدة بعد‌ رسول‌ اللّه (صلى الله عليه وإله)‌، وجـعلها وراثية في بني أمية‌ علي‌ اسس الجاهلية ومقولاتها ـ يعني على اقل تـقدير وقـوع الحكم الاسلامي في‌ خطر‌ التحوّل الجذري، والانقلاب الكلّي في‌ الحكم الالهي الذي جاء‌ به‌ رسول اللّه (صلى الله عليه وإله)‌، وما يقوم علي اساسه من عدل وقسط وصلاح، إلى عصبيات الجاهلية القبلية، وحكم‌ الطـاغوت الوراثـي الذي سيكون للهوى‌ والرأي المستبد‌ الملاك‌ التام والمقياس الفـصل‌ بـين‌ قـيامه وحاكميته على المسلمين.

3 ـ إن مشكلة الانحراف الجذري في مـسألة الخـلافة آنذاك لم تكن في إدراك‌ مجمل‌ هذه الحقيقة، فقد كان المسلمون‌ المخلصون‌ حينئذ، وعـلي‌ رأسـهم‌ كبار الصحابة والتابعين من‌ المـوالين لاهـل البيت(عليهم السـلام) ومـحبيهم، مـدركين لها ولخطورتها، إلاّ أنّ الارادة العامة للمسلمين‌ لم‌ تـكن بمستوي هذا الادراك، مما‌ دفع‌ الامام‌ الحسين(عليه‌ السلام)‌ لتحمل هذه المسؤولية‌ الكبرى‌، فـانبرى لبـذل دمه ودماء اهل بيته واصحابه لتـكون وقوداً ساخناً لالهاب تـلك الارادة الهـامدة، وتعرية‌ حقيقة‌ الجاهلية الكامنة فـي خـلافة يزيد بن معاوية‌، التي‌ استبدل‌ فيها‌ حاكمية‌ كتاب اللّه وسنة نبيه (صلى الله عليه وإله) واهـل بـيته الطاهرين(عليهم السلام)، بحاكمية الجاهلية وسـنة القـبيلة والابـاء والاجداد من بـني أمـية وأبي جهل؛ وبدأت مـنذ نـهضته وبعد‌ استشهاده(عليه السلام) مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخطّ المنحرف، ليقوم للدين عود ولتـستقيم كـلمته في العباد.

ولتصديق ذلك لابد لنا من إلقـاء نـظرة علي نـماذج مـن الوقـائع الخاصة‌ لنهضة‌ الامام الحـسين(عليه السلام) الكبرى، لنتلمس من خلالها المحتوى المبدئي في حفظ مصلحة الاسلام العليا، ورعايتها التي ضـحى الامـام الحسين(عليه السلام)بنفسه واهل بيته واصحابه مـن اجـلها، مـنها‌:

1 ـ لا بـيعة ليـزيد (شارب الخمور وقـاتل النـفس المحرمة والمعلن بالفسق):

فقد جاء في كتب التاريخ أن معاوية لما‌ هلك‌ بدمشق في منتصف رجب سـنة‌ سـتين‌ هـجرية، وكان ابنه يزيد في حوران، قام الضـحاك بـن قـيس بـتكفينه ثـم صـلى عليه ودفنه بمقابر باب الصغير، وأرسل البريد إلى يزيد‌ يعزّيه بأبيه، ويطلب‌ منه‌ الاسراع في القدوم ليأخذ بيعة مجددة من الناس (16)، فسار يزيد إلى دمشق فوصلها بعد ثـلاثة ايام من دفن معاوية، واقبل الناس عليه يهنّئونه بالخلافة ويعزونه بوفاة أبيه، فقال‌ يزيد: «...أبشروا يا اهل الشام، فإن الخير لم يزل فيكم، وستكون بيني وبين اهل العراق ملحمة، وذلك أني رأيـت فـي منامي منذ ثلاث ليال كأن بيني‌ وبين‌ اهل العراق نهراً يطّرد بالدم جرياً شديداً، وجعلت اجهد نفسي لاجوزه فلم أقدر حتى جازه بين يدي‌ عبيد اللّه بن زياد وأنا انـظر إليـه».

فصاح‌ اهل‌ الشام‌: «امض بنا حيث شئت. معك سيوفنا التي عرفها اهل العراق في صفين»، ‌‌فجزاهم‌ خيراً وفرّق فيهم أموالاً جزيلة.

وكتب إلى العـمال فـي البلدان يخبرهم‌ بهلاك‌ أبيه‌ وأقـرهم عـلى عملهم، وضم العراقيين إلى عبيد اللّه بن زياد بعد أن أشار عليه‌ بذلك سرجون مولي معاوية، وكتب إلى الوليد بن عتبة وكان على المدينة‌: «أما بعد‌، فإن مـعاوية كـان عبداً من عباد اللّه، أكـرمه واسـتخلصه ومكن له، ثم قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته. عاش بقدر ومات بأجل، وقد كان عهد إلى وأوصاني بالحذر‌ من آل أبي تراب لجرأتهم على سفك الدماء، وقد علمت يا وليد أن اللّه تبارك وتعالى مـنتقم للمـظلوم عثمان من آل أبي سفيان؛ لانهم أنصار الحق وطلاب العدل، فإذا‌ ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على اهل المدينة».

ثم أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها: « خذ الحسين وعبد اللّه بن عمر وعـبد الرحـمن بن أبـي بكر‌ وعبد‌ اللّه بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ومن أبي فاضرب عنقه، وابعث إلى برأسه »(17).

وقام العامل بـهذه المهمة، فبعث إلى الحسين(عليه السلام) وابن الزبير‌ في‌ منتصف الليل رجاء أن يـغتنم الفـرصة بـمبايعتهما قبل الناس، فوجدهما رسوله عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفان(18) في مسجد النبي (صلى الله عليه وإله)‌، فـارتاب ابن‌ الزبير‌ من‌ هذه الدعوة التي لم تكن‌ في‌ الوقت‌ الذي يجلس فيه للناس»(19).

واتـضح لابـن الزبـير ما عزم عليه الحسين من ملاقاة الوالي في ذلك الوقت، فأشار‌ عليه‌ بالترك حذار الغيلة، فعرّفه الحـسين(عليه السلام) القدرة‌ علي‌ الامتناع(20)، وصار إليه الحسين(عليه السلام) في ثلاثين(21) من مواليه واهـل بيته وشيعته شاكين السـلاح، ليـكونوا على الباب فيمنعوه‌ إذا‌ علا‌ صوته(22)، وبيده قضيب رسول اللّه (صلى الله عليه وإله)، ولما استقر المجلس بأبي عبد اللّه(عليه السلام) نعي الوليد إليه معاوية، ثم عرض عليه البيعة ليزيد‌، فقال(عليه‌ السلام): «مثلي لا يـبايع سراً، فإذا دعوت الناس‌ إلى البيعة دعوتنا معهم فكان امراً واحداً»(23).

فاقتنع الوليد بكلامه، ولكن مروان ابتدر‌ قائلاً‌: «إنْ فارقك الساعة ولم يبايع لم تقدر منه على مثلها حتى تكثر‌ القتلى‌ بينكم، ولكـن احـبس الرجل حتى يبايع أو تضرب عنقه. فقال الحسين: يابن‌ الزرقاء (24)‌، أنت تقتلني أم هو؟ كذبت وأثمت»(25).

ثم أقبل علي الوليد‌ وقال‌: «أيها الامير، إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة‌، بـنا‌ فـتح اللّه وبنا يختم، ويزيد رجل شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق‌، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أَينا أحق بالخلافة»(26)‌.

فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الاصوات، فـهجم تـسعة عشر رجلا قد انتضوا خناجرهم‌ وأخرجوا‌ الحسين(عليه السلام) إلى منزله قهراً (27)، فقال مروان للوليد: «عصيتني! فو‌ اللّه لا يمكنك علي مثلها. قال الوليد: (ويح غيرك) يا مروان! اخترت لي‌ ما‌ فيه‌ هلاك ديـني. أقـتل حـسيناً أن قال لا ابايع؟! واللّه‌ لا‌ أظن امـرأً يـحاسب بـدم الحسين إلاّ خفيف الميزان يوم القيامة(28)، ولا ينظر اللّه إليه ولا‌ يزكيه‌ وله عذاب أليم»(29).

2 ـ الخلافة محرمة علي آل‌ أبي‌ سفيان:

وفيها دلالة علي حرمة‌ الخلافة‌ علي‌ أسـاس قـبلي جـاهلي، فقد نقلت كتب‌ التاريخ‌ أن الامام الحسين(عليه السلام) بـعد أن رفـض بيعة يزيد، لقيه مروان عند‌ صباح‌ اليوم الثاني، فدار بينهما‌ كلام‌ نصح فيها‌ مروان‌ الامام(عليه‌ السلام) ببيعة يزيد، فـاسترجع الحـسين(عليه‌ السـلام)‌ وقال: « على الاسلام السلام إذا بليت الامة براع مثل يزيد‌، ولقـد سمعت جدي رسول اللّه (صلى الله عليه وإله) يقول: الخلافة‌ محرمة على آل أبي سفيان(30)‌، فإذا رأيتم معاوية على مـنبري فـابقروا بـطنه، وقد رآه اهل المدينة على‌ المنبر‌ فلم يبقروا، فابتلاهم اللّه‌ بيزيد‌ الفـاسق‌ »وطـال الحديث‌ بينهما‌ حتى انصرف مروان مغضباً(31).

3 ـ لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد‌ بن معاوية:

فقد جـاء أن مـحمّد بـن‌ الحنفية‌ قال للإمام‌ الحسين(عليه‌ السلام)‌: «يا أخي‌، أنت أحب الناس إلي وأعـزهم عـلي، ولسـت أدّخر النصيحة لاحد من الخلق إلاّ‌ لك‌، وأنت أحق بها. تنحّ‌ ببيعتك‌ عن‌ يزيد‌ بـن‌ مـعاوية وعـن الامصار‌ ما‌ استطعت، ثم ابعث برسلك إلى الناس، فإن بايعوك حمدت اللّه على ذلك، وإن‌ اجتمعوا‌ عـلى‌ غـيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا‌ عقلك‌، ولم‌ تذهب‌ مروءتك‌ ولا فضلك. وإني اخاف عليك أن تدخل مـصراً مـن هـذه الامصار فيختلف الناس بينهم، فطائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأول الاسنّة غرضاً، فإذا خـير هـذه الامة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً. فقال الحسين: «فأين اذهـب؟ قـال: تـنزل مكة، فإن اطمأنّت بك الدار وإلاّ لحقت‌ بالرمال‌ وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى آخر حتى تنظر مـا يـصير إليه أمر الناس، فإنك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حين تـستقبل الامـور اسـتقبالاً، ولا‌ تكون‌ الامور أبداً أشكل عليك منها حين تستدبرها استدباراً (32). فقال الحسين: يا أخي، لو لم يكن فـي الدنـيا مـلجأ ولا مأوي‌ لما‌ بايعت يزيد بن معاوية. فقطع‌ محمد‌ كلامه بالبكاء. فقال الحسين: يـا أخـي، جزاك اللّه خيراً. لقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا عازم على الخروج إلى مكة‌، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي‌ وبنو‌ أخـي وشـيعتي، أمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم، لا تـخفي عـني شيئاً من أمورهم»(33).

4 ـ إنما خرجت‌ لطلب‌ الاصلاح فـي أمـة جـدي محمّد (صلى الله عليه وإله):

كتب الحسين(عليه السلام)قبل خـروجه مـن المدينة وصية قال فيها: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما أوصي به‌ الحسين‌ بـن عـلي‌ إلى أخيه محمد بن الحنفية، أن الحـسين يـشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شـريك‌ له، وأن مـحمداً عـبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأن‌ الجـنة‌ حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور.

‌‌وإنـي‌ لم أخـرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خـرجت لطلب‌ الاصلاح‌ في‌ أمـة جـدي صلى اللّه عليه وآله. أريد أن آمر بـالمعروف وأنـهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بـقبول الحـق‌ فاللّه أولى بالحق، ومن‌ ردّ على هـذا أصـبر حتى يقضي اللّه بيني وبـين القـوم وهو خير الحاكمين.

وهـذه وصـيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت وإليه انيب، ثم‌ طوى الكتاب وخـتمه ودفـعه إلى أخيه محمد(34).

5 ـ ما الامام إلاّ العامل بـالكتاب والاخـذ بالقسط والدائن بـالحق والحـابس نـفسه على ذات اللّه:

فقد ذكر المـؤرخون أن‌ الحسين(عليه‌ السلام) وافته في مكة كتب اهل الكوفة، من الرجل والاثنين والثلاثة والاربعة، يـسألونه القـدوم عليهم لانهم بغير إمام، ولم يجتمعوا مـع النـعمان بـن بـشير فـي جمعة ولا‌ جماعة‌، وكـثرت لديـه الكتب، حتى ورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب، واجتمع عنده من نوب متفرقة اثنا عشر ألف كـتاب، وفـي كـل ذلك يؤكدون الطلب وهو‌ لا‌ يجيبهم. وآخر كتاب ورد عـليه مـن شـبث بـن ربـعي، وحـجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، وعزرة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن‌ عمير‌ بن‌ عطارد، وفيه: «إن‌ الناس‌ ينتظرونك‌، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل يابن رسول اللّه، فـقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار وأعشبت الارض وأورقت الاشجار‌، فاقدم‌ إذا شئت، فإنما تقدم علي جند لك‌ مجنّدة»(35).

ولما اجتمع عند الحسين ما ملا خرجين كتب إليهم كتاباً واحداً دفعه إلى هانئ بن هـانئ‌ السـَبُعي‌، وسعيد بن عبد اللّه الحنفي، وكانا آخر الرسل. وصورته: « بسم اللّه الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي إلى الملا من المؤمنين والمسلمين. أما‌ بعد‌، فإن هانئاً وسعيداً قدما علي بكتبكم، وكانا آخـر مـن‌ قدم‌ علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي قصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم أنه ليس علينا‌ إمام‌ فأقبل‌ لعل اللّه أن يجمعنا بك على الهدى والحق، وقـد بـعثت إليكم‌ أخي‌ وابن‌ عمي وثـقتي مـن أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إلى بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن‌ كتب‌ أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجي منكم على مثل ما قدمت على‌ به‌ رسـلكم، وقـرأت في كتبكم، أقدم عـليكم وشـيكاً إن شاء اللّه. فلعمري‌ ما‌ الامام إلاّ العامل بالكتاب، والاخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على‌ ذات‌ اللّه. والسلام»(36).

6 ـ رضا اللّه رضانا اهل البيت‌:

فقد ورد أن الحسين(عليه السلام) لما بلغه أن يزيد انفذ عمرو بن سعيد بن العـاص‌ فـي‌ عسكر، وأمّره على الحاج، وولاّه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك‌ بالحسين(عليه‌ السلام)‌ أينما وجد(37)، عزم على الخروج من مكة قبل إتمام الحج، واقتصر على العمرة‌ كراهية‌ أن‌ تستباح به حرمة البيت(38).

وقـبل أن يـخرج قام خـطيباً فقال‌: « الحمد للّه، وما شاء اللّه، ولا قوة إلاّ باللّه، وصلى اللّه على‌ رسوله‌. خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفـتاة، وما‌ أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف‌! وخير‌ لي مصرع أنا لاقيه. كـأني بـأوصالي‌ تـقطعها‌ عسلان الفلاة بين النواويس وكربلاء، فيملان مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً. لا‌ محيص عن يوم خطّ بالقلم‌. رضـا ‌اللّه‌ رضانا‌ اهل‌ البيت. نصبر على بلائه ويوفّينا‌ أجور‌ الصابرين. لن تشذ عن رسول اللّه لحـمته، بـل هـي مجموعة‌ له‌ في حضيرة القدس، تقرّ بهم‌ عينه وينجز بهم وعده‌. ألا ومن كان فينا بـاذلاً‌ مهجته‌ موطّناً على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء‌ اللّه‌ تـعالى»(39).

وكان‌ خروجه(عليه‌ السلام)‌ مـن مـكة لثمان‌ مضين‌ من ذي الحجة، ومعه‌ اهل بيته ومواليه وشيعته من اهل الحجاز والبصرة والكوفة، الذين انضموا إليه ايام‌ إقامته‌ بمكة، وأعطى كل واحد منهم‌ عشرة‌ دنانير وجملاً‌ يحمل‌ عليه‌ زاده(40).

7 ـ نـحن اهل بيت محمد (صلى الله عليه وإله) أولى بولاية هذا الامر:

فقد‌ جاء‌ أن الحسين(عليه السلام)بعد خروجه من مكة‌ سار‌ حتى نزل‌ في‌ شراف، وعند‌ السحر‌ أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا، وفي نصف النـهار سـمع رجلاً من اصحابه يكبر‌، فقال‌ الحسين: «لم كبرت؟ قال‌: رأيت‌ النخل‌، فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل وإنما هو أسنّة الرماح وآذان الخيل، فقال الحسين: وأنا أراه ذلك» ثم سألهم عن ملجاً يلجؤون‌ إليـه، فقالوا: « هذا ذو حسم(41) عن يسارك فهو كما تريد» فسبق إليه الحسين وضرب أبنيته. وطلع عليهم الحر الرياحي(42) مع ألف فارس، بعثه ابن‌ زياد‌ ليحبس الحسين(عليه السلام) عن الرجوع إلى المدينة أيـنما يـجده، أو يقدم به الكوفة، فلما رأى سيد الشهداء(عليه السلام) ما بالقوم من العطش، أمر اصحابه أن يسقوهم‌ ويرشفوا‌ الخيل، فسقوهم وخيولهم عن آخرهم.

وكان علي بن الطعان المحاربي مع الحر، فجاء آخـرهم وقـد أضـرّ به العطش، فقال‌ له الحسين(عليه السـلام): «أنـخ‌ الراويـة» وهي الجمل بلغة الحجاز فلم يفهم مراده فقال له: «أنخ الجمل» ولما أراد أن يشرب جعل الماء يسيل من‌ السقاء‌، فقال له ريحانة‌ الرسول‌: «اخـنث السـقاء» فـلم يدر ما يصنع لشدة العطش، فقام(عليه السلام) بـنفسه وعـطف السقاء حتى ارتوى وسقى فرسه.

ثم إن الحسين استقبلهم فحمد اللّه وأثنى عليه‌ وقال: «إنها معذرة إلى اللّه عزوجل وإليكم، وإني لم آتكم حتى اتـتني كـتبكم، وقدمت بها على رسلكم أن اقدم علينا فإنه ليس لنا إمـام، ولعل‌ اللّه‌ أن يجمعنا‌ بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم‌ ومـواثيقكم، وإن كـنتم لمـقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي‌ جئت‌ منه‌ إليكم».

فسكتوا جميعاً. وأذّن الحـجاج بـن مسروق الجعفي لصلاة الظهر، فقال الحسين ‌‌للحر‌: « أتصلي بأصحابك ؟ قال: لا، بل نصلي جميعاً بصلاتك‌ » فصلى‌ بـهم الحـسين(عليه السـلام).

وبعد أن فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد اللّه وأثنى عليه، وصلى على النـبي مـحمد (صلى الله عليه وإله) وقال: «أيها‌ الناس، إنكم إن‌ تتقوا‌ اللّه وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى للّه، ونحن أهـل بـيت مـحمد (صلى الله عليه وإله)، أولى بولاية هذا الامر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعـدوان، وإن أبـيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقنا، وكان رأيكم الان على غير ما أتتني به كتبكم، انـصرفت عـنكم. فـقال الحر: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها‌، فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خـرجين مـملوّين كتباً. قال الحر: إني لست من هؤلاء، وإني أُمرت ألاّ افارقك إذا لقيتك حتى أُقـدمك الكـوفة عـلى ابن‌ زياد‌. فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك، وأمر أصحابه بالركوب، وركبت النساء فحال بـينهم وبـين الانصراف إلى المدينة»(43).

8 ـ من رأى‌ سلطاناً‌ جائراً مستحلاً لحرام اللّه ناكثاً عهده مخالفاً لسـنة رسـول اللّه يـعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً علي اللّه أن يدخله‌ مدخله‌:

فـقد ورد أن الامـام‌ الحـسين(عليه‌ السلام)‌ خطب في اصحاب الحر في البيضة(44)، فقال بعد الحمد للّه والثناء عـليه: « أيـها الناس، إن رسول اللّه‌ قال‌: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام اللّه ناكثاً‌ عهده‌ مخالفاً لسنة رسول اللّه يعمل فـي عـباد اللّه بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً‌ على‌ اللّه‌ أن يـدخله مـدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة‌ الشيطان، وتركوا طـاعة الرحـمن، وأظـهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حـرام اللّه‌ وحرموا‌ حلاله،‌ وأنا أحقّ من غير، وقد اتتني كتبكم، وقدمت على‌ رسلكم‌ بـبيعتكم أنـكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم عـلى بـيعتكم تصيبوا رشـدكم، فـأنا الحـسين‌ بن‌ علي‌ وابن فاطمة بنت رسـول اللّه، نـفسي مع أنفسكم، وأهلي مع‌ أهليكم‌، ولكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخـلعتم بـيعتي من أعناقكم‌، فلعمري‌ ما هي لكـم بنكر، لقد فعلتموها بـأبي وأخـي وابن عمي مسلم، فالمغرور‌ مـن‌ اغـترّ بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث‌ على‌ نفسه‌، وسيغني اللّه عـنكم، والسـلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته »(45).

9 ـ إني‌ لا أرى المـوت إلاّ سـعادة، والحـياة مع الظالمين إلاّ بـرماً:

لقـد‌ كان‌ نزول الامام الحـسين(عليه السـلام) في كربلاء في الثاني من المحرم سنة إحدى وستين (46)، فجمع‌ ولده‌ وإخوته وأهل بـيته، ونـظر إليهم وبكي وقال: «اللّهم إنا عـترة‌ نـبيك‌ محمد‌، قـد أُخـرجنا وطـُردنا وأُزعجنا عن حرم جـدنا، وتعدّت بنو أمية علينا. اللّهم‌ فخذ‌ لنا‌ بحقنا، وانصرنا علي القوم الظالمين».

وأقبل على اصـحابه‌ فـقال‌: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق عـلى ألسـنتهم، يـحوطونه مـا درّت مـعائشهم، فإذا‌ مُحصّوا بـالبلاء قـلّ الديانون»(47).

ثم حمد اللّه وأثنى عليه‌ وصلى‌ على محمد وآله وقال: «أما‌ بعد‌ فقد‌ نزل بنا من الامـر مـا قـد ترون‌، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر مـعروفها، ولم يـبق مـنها إلاّ صـُبابة‌ كـصُبابة‌ الانـاء، وخسيس عيش كالمرعى‌ الوبيل‌. ألا‌ ترون‌ إلى الحقّ لا يعمل به، وإلى الباطل‌ لا‌ يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه، فإني لا أرى‌ الموت‌ إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين‌ إلاّ برماً»(48).

10 ـ لا أفلح قوم‌ اشـتروا‌ مرضاة المخلوق بسخط الخالق:

عندما بعث الحر بن يزيد الرياحي إلى ابن‌ زياد يخبره بنزول الحسين(عليه السلام)في‌ كربلاء‌، كتب ابن زياد‌ إلى الحسين(عليه السلام): «أما‌ بعد يا حسين، فقد بـلغني نـزولك كربلاء، وقد كتب إلى امير المؤمنين يزيد‌ ألاّ‌ اتوسّد الوثير ولا أشبع من الخمير‌ أو‌ ألحقك باللطيف‌ الخبير‌، أو تنزل على حكمي‌ وحكم يزيد. والسلام».

ولما قرأ الحسين(عليه السلام) الكتاب رماه من يـده‌ وقـال‌: «لا أفلح قوم اشتروا‌ مرضاة‌ المخلوق‌ بسخط‌ الخالق‌. وطالبه الرسول‌ بالجواب‌ فقال: ما له عندي جواب، لانّه حقت عليه كلمة العذاب».

وأخبر‌ الرسول‌ ابن‌ زيـاد بـما قاله أبو عبد اللّه(عليه السـلام)‌، فـاشتد‌ غضبه (49)‌ وأمر‌ عمر‌ بن سعد بالخروج إلى كربلاء لقتال الامام الحسين(عليه السلام).

11 ـ لا واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد:

عندما‌ أقبل عمر بن سعد نـحو الحـسين(عليه السلام) في ثلاثين ألفـاً، دعـا الامام الحسين(عليه السلام) براحلته فركبها، ونادي بصوت عال سمعه جلهم: «أيها الناس، اسمعوا قولي، ولا‌ تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم علي، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عـذري وصـدقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، ولم‌ يكن لكم علي سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ. ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.

ثم قال: «الحمد للّه الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء‌ وزوال‌، متصرفة بأهلها حالاً‌ بعد‌ حـال، فالمغرور من غرّته، والشقي من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فـإنها تـقطع رجـاء من ركن إليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم‌ على‌ أمر قد اسخطتم اللّه فيه عـليكم‌، وأعـرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته، فنعم الربّ ربنا وبئس العـبيد أنـتم ! أقـررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول‌ محمد (صلى الله عليه وإله)، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد اسـتحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر‌ اللّه العظيم، فتباً لكم ولما تريدون! إنا للّه وإنا‌ إليه‌ راجـعون‌. هؤلاء قوم كفروا بـعد إيـمانهم فبعداً للقوم الظالمين(50).

أيها الناس انسبوني من أنا، ‌‌ثم‌ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست‌ ابن‌ بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين باللّه، والمصدق لرسـوله بما جاء‌ من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أوليس جعفر الطيار‌ عمي؟ أولم يبلغكم‌ قول‌ رسول اللّه لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول ـ وهو الحق ـ فـو اللّه مـا تعمدت الكذب منذ علمت أن اللّه يمقت عليه أهله‌ ويضرّ به من اختلقه، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد اللّه الانصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد السـاعدي‌، وزيـد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!».

ثم قال الحسين(عليه السلام): «فإن كنتم في شـك مـن هذا القول، أفتشكون أني ابن بنت نبيكم؟ فو اللّه ما بين المشرق والمغرب ابن بنت‌ نبي‌ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص جـراحة؟ فـأخذوا لا يـكلمونه، فنادي: يا‌ شبث‌ بن‌ ربـعي، ويـا حـجار بن‌ ابجر‌، ويا قيس بن الاشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلي أن اقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنما‌ تقدم‌ عـلى جـند لك مـجنّدة؟ فقالوا: لم‌ نفعل‌.

قال: سبحان اللّه! بلي واللّه لقد فـعلتم. ثـم قال: أيها الناس إذا كرهتموني‌ فدعوني‌ أنصرف عنكم إلى مأمني من الارض، فقال له قيس‌ ابن الاشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك؟ فـإنهم لن يـروك إلاّ مـا تحب، ولن‌ يصل‌ إليك‌ منهم مكروه.

فقال الحسين(عليه السلام): أنـت أخو أخيك‌. أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا واللّه، لا‌ أُعطيهم‌ بيدي‌ إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العـبيد. عـباد اللّه، إنـي‌ عذت‌ بربي‌ وربكم أن ترجمون. أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يـؤمن بـيوم الحساب».‌

ثم‌ أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها(51).

12 ـ هيهات منّا الذلّة‌ يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون:

وخـطب الامـام الحـسين(عليه السلام) خطبته الثانية‌ فيمن‌ جاء‌ لقتاله، حيث ركب فرسه واخذ مصحفاً ونـشره عـلي رأسـه، ووقف بإزاء القوم‌ وقال‌: « يا قوم، إن بيني وبينكم كتاب اللّه وسنة جدي رسول‌ اللّه (صلى الله عليه وإله) »(52).

ثم استشهدهم على نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبي (صلى الله عليه وإله) ودرعـه وعـمامته، فأجابوه. بالتصديق، فسألهم عما أقدمهم‌ على‌ قتله‌، فقالوا: «طاعة للأمير عبيد اللّه بن زيـاد» فـقال(عليه السـلام): «تباً‌ لكم‌ أيتها‌ الجماعة وترحاً! أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً‌ لنـا‌ فـي أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم؟ فأصبحتم ألباً لاعدائكم على أوليـائكم‌، بـغير عـدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا‌ لكم‌ الويلات! تركتمونا والسيف مشيم، والجأش‌ طامن‌، والرأي لمـا يـستحصف، ولكن أسرعتم إليها‌ كطيرة‌ الدبي، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها، فـسحقاً لكـم يـا عبيد‌ الامة‌، وشذاذ الاحزاب، ونبذة‌ الكتاب‌، ومحرفي‌ الكلم‌، وعصبة الاثم، ونفثة الشيطان ومطفئي‌ السنن!‌ ويـحكم! أهـؤلاء تـعضدون، وعنا تتخاذلون؟ أجل واللّه، غدر‌ فيكم‌ قديم، وشجت عليه أصولكم، وتأزرت فروعكم، فـكنتم‌ أخـبث‌ ثمر، شجي للناظر، وأكلة‌ للغاصب.

ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين‌ السلّة والذلّة، وهيهات مـنا‌ الذلّة‌، يـأبى اللّه‌ لنا‌ ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور‌ طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، مـن أن نـؤثر طاعة اللئام‌ على‌ مصارع الكرام. ألا وإني زاحـف‌ بـهذه‌ الاسـرة على‌ قلة‌ العدد‌ وخذلان الناصر.

أما واللّه لا تـلبثون بـعدها إلاّ كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى‌، وتقلق بكم قلق المحور. عهد‌ عـهده‌ إلى أبي‌ عن‌ جدي رسول اللّه‌ (فـأجمعوا‌ أمركم وشـركاءكم ثـم لا يـكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تـنظرون). (إني توكلت‌ على‌ اللّه‌ ربي وربكم ما من دابة إلاّ هو‌ آخذ‌ بـناصيتها‌ إن‌ ربي‌ على‌ صراط مستقيم)»(53).

ثم رفـع يديه نحو السماء وقـال: «اللّهـم احبس عنهم قطر السماء، وابـعث عـليهم سنين كسني يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف‌ يسقيهم كأساً مُصبِرة، فإنهم كذبونا وخـذلونا، وأنـت ربنا عليك توكلنا وإليك المـصير(54).

واللّه لا يـدع أحـداً منهم إلاّ أنتقم لي مـنه، قـتلة بقتلة، وضربة‌ بضربة‌، وإنـه ليـنتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي»(55).

13 ـ يا أمة السوء، بئسما خلفتم محمداً في عترته:

فقد روي أن الامام الحـسين(عليه السـلام)‌ عندما‌ ودّع عياله أمرهم بالصبر ولبس الاُزر، وقـال: «اسـتعدّوا للبلاء، واعـلموا أن اللّه تـعالى حـاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شـر‌ الاعداء‌، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير‌، ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب، ويعوّضكم عن هذه البلية بـأنواع النـعم والكرامة، فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم مـا يـنقص مـن قـدركم»(56)‌.

ثـم صاح‌ بالقوم‌ بـصوت عـال: «يا أمة السوء، بئسما خلفتم محمداً في عترته! أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله، بـل يـهون عـليكم ذلك عند قتلكم أياي‌. وايم اللّه، إني لأرجو أن يـكرمني اللّه بـالشهادة، ثـم يـنتقم لي مـنكم مـن حيث لا تشعرون. فقال الحصين: وبماذا ينتقم لك منا يابن فاطمة؟ قال‌: يلقي بأسكم‌ بينكم ويسفك دماءكم، ثم يصبّ عليكم العذاب صبّاً»(57).

14 ـ اللهم احكم بيننا‌ وبين قومنا فإنهم غـرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك (صلى الله عليه وإله):

وحتى اللحظات الاخيرة التي كان الامام الحسين(عليه السلام) يجود فيها بنفسه، وهو مضمخ بدمه ‌‌على‌ ارض كربلاء، لم يغفل أبداً عن مبدأيته الرسـالية، فـكانت آهاته وآلامه‌، وهو‌ في تلك الحالة، هي تسليم لأمر اللّه، ونظرٌ إلى مستقبل الرسالة والامة، وبيان لحقيقة موقفه وموقعه من الرسالة التي حملها، والدور الذي اضطلع به‌، فمما روي أن‌ هلال‌ بن نافع قـال: «كـنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه، فو اللّه ما رأيت قتيلاً قط مضمخاً بدمه أحسن منه وجهاً، ولا أنور، ولقد شغلني نور وجهه‌ عن الفـكرة فـي قتله، فاستقي في هذه الحـال مـاء فأبوا أن يسقوه، وقال له رجل: لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها، فقال(عليه السلام): أنا‌ أرد الحامية؟ وإنما أرد على جدي رسول اللّه، وأسكن معه في داره فـي مـقعد صدق عند مليك مـقتدر، وأشـكوا إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي، فغضبوا‌ بأجمعهم‌ حتى كأن اللّه لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئاً » (58).

ولما اشتد به الحال رفع طرفه إلى السماء وقال: «اللّهم متعال المكان، عظيم‌ الجـبروت، شـديد المحال، غني عن الخلايق، عريض الكبرياء، قادر علي ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب‌ إذا‌ دُعيت، محيط بما خلقت‌، قابل‌ التوبة لمن تاب إليك، قادر عـلى مـا أردت، تدرك مـا طلبت، شكور إذا شُكرت، ذكور إذا ذُكرت‌، أدعوك‌ محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك‌ خائفاً‌، وأبكي مكروباً، وأستعين بـك ضعيفاً، وأتوكل عليك كافياً. اللّهم احكم بيننا وبين قومنا، فإنهم‌ غـرّونا‌ وخـذلونا‌ وغـدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيك، وولد حبيبك‌ محمد (صلى الله عليه وإله)، الذي اصطفيته بالرسالة، وأتمنته على الوحي، فاجعل لنا مـن ‌أمـرنا فرجاً‌ ومخرجاً‌ يا‌ أرحم الراحمين(59). صبراً على قضائك يا رب لا إله‌ سواك‌ يا غـياث المـستغيثين(60)، مـالي رب سواك ولا معبود غيرك، صبراً على حكمك يا غياث‌ من‌ لا‌ غياث له، يا دائماً لا نفاد له، يا مـحيي الموتى،‌ يا‌ قائماً‌ على كل نفس بما كسبت، احكم بيني وبينهم وأنت خـير الحاكمين»(61).

المأساوية‌ المروعة‌ لواقـعة‌ كـربلاء عنصر أساسي في تحقيق مصلحة الاسلام العليا:

لقد كان للصورة‌ المأساوية‌ التي تميزت بها واقعة الطف الدامية في كل وقائعها ومفرداتها، دور مرسوم‌ وأثر‌ بليغ‌ شاءه اللّه سبحانه لتتحقق للإمام الحسين(عليه السلام) أهـدافه الالهية من خلال نهضته الكبرى. والمتصفح‌ لكتب التاريخ التي تسرد تفاصيل واقعة الطف الاليمة سيهتز ضميره ويعتريه الحزن والالم‌ الشديد‌، بل تجري دمعته مع كل مفردة من مفردات الواقعة المأساوية، مـنذ حـركة الامام الحسين(عليه‌ السلام)‌ بأهل بيته وأصحابه من مكة المكرمة، حتى استشهاده علي أرض كربلاء‌ وسبي‌ نسائه‌ وأطفاله فيما بعد، وفي الوقت نفسه يستعر غضباً وغيضاً على الطاغية يزيد وابن زياد‌ وعـمّالهم‌ مـن‌ قتلة الامام الحسين(عليه السلام)؛ لشدة قسوتهم وظلمهم الذي لا حدّ له‌ في‌ طريقة مواجهة الامام(عليه السلام)، وقتله وقتل أهل بيته وأصحابه وسبي نساء عترة الرسول (صلى الله عليه وإله)‌ وأطفالهم.

ولقد فعلت هـذه المـأساة فعلها في تأجيج عواطف المسلمين‌، خصوصاً أهل الكوفة وغيرها في حواضر العراق‌ والحجاز‌، وخلقت الارضية الواسعة لأية مبادرة تعبوية لمواجهة‌ الخلافة‌ الاموية، وكسر هيبتها، وفضح تسترها بستار الخلافة الاسـلامية، ولهـذا نـجد‌ أن‌ مرحلة المواجهة والجهاد العـنيد لهـذا‌ الخـط‌ المنحرف قد‌ بدأت‌ منذ‌ أن بدأت النهضة الحسينية الكبرى، واشتدت‌ بعد استشهاده(عليه السلام)، وكلها تنادي بشعار الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وإله)، وهـو شـعار الامام الحسين(عليه‌ السلام) الشهير، الذي أطلقه‌ في‌ نهضته حـيث قـال: «رضا‌ اللّه‌ رضانا أهل البيت».

ولم أجد أبلغ من وصف الامام الحسن(عليه‌ السلام)‌ لمأساة الامام الحسين(عليه السلام)، فقد‌ روي‌ أبـو عـبد اللّه‌ الصادق(عليه‌ السلام) أن الحسين دخل‌ على‌ أخيه الحسن(عليهما السلام) في مرضه الذي اسـتشهد فيه، فلما رأى ما به بكى، فقال‌ له الحسن: «ما يبكيك يا أبا‌ عبد‌ اللّه؟ قال‌: أبكي لما صنع بك‌. فقال الحـسن(عليه السـلام): إن الذي يـؤتى إلي سمٌ يدس إلي فاقتل به‌ ولكن‌ لا يوم كيومك يا أبـا عـبد‌ اللّه‌، يزدلف‌ إليك‌ ثلاثون ألفاً يدّعون‌ أنهم‌ من أمّة جدنا محمد، وينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون عـلى قـتلك وسـفك دمك وانتهاك حرمتك‌ وسبي‌ ذراريك‌ ونسائك وانتهاب ثقلك، فعندها تحل ببني‌ أمـية‌ اللعـنة‌، وتـمطر‌ السماء‌ رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البـحار»(62).

ولم يـقف الاثـر التعبوي للنهضة الحسينية عند حدّ مقطعي من‌ مسيرة الامة، بل تواصل بنمو نوعي وكـمي مـطرّد عبر العصور، حتى إننا نستطيع القول: إن من أبرز الادلّة الواقعية على الاثر الدائم لهذه النـهضة الخـالدة فـي أعماق‌ المسلمين‌، وتحقيقها للهدف الشامل في تقويم المصلحة الاسلامية العليا على مستوى الرسالة والامـة جـمعاء، هو هذا الاجماع المطلق في جميع العصور على تأييدها والتفاعل مع معطياتها، والادانـة‌ المـطلقة‌ ليـزيد بن معاوية موقفاً ومنهجاً، فهذه كتب الحديث والتاريخ والسير لكل المذاهب والفرق الاسلامية تجمع عـلى ذلك، وهـذه كتب المحدثين من‌ اسلاميين‌ وغير اسلاميين، ممن تناول‌ قيام‌ الامام الحسين(عليه السـلام) ونـهضته بـالدرس والتحليل، تجمع على ذلك أيضاً، حتى لقد جاء على لسان أحدهم، وهو الزعيم الهندي المعروف (غـاندي)‌ قـوله‌: «لقـد عرف‌ الحسين‌ كيف يكون مظلوماً فينتصر».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.    البحار 44: 225، ح 5.

2.    الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى: 217. الطبري، دخائر العقبى في مناقب ذوي القربى 119. الخوارزمي، مقتل الحسين 1: 87 و 88.

3.    الفيروز آبادي، فضائل الخمسة 3: 262. صحيح الترمذي 2: 307.

4.    الطبرسي، إعلام الورى: 219.

5.    ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (ع): 171.

6.    البحار 44: 261، ح 14.

7.    البحار 44: 264 و 265، ح 22.

8.    المصدر نفسه 266، ح 24.

9.    المائدة: 1.

10. الإسراء: 34.

11. الشيخ المفيد، الإرشاد: 200.

12. راجع الاحتجاج للطبرسي 2: 295 - 296.

13. الطبرسي، الاحتجاج 2: 296 - 297.

14. الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 45. والطبرسي، الاحتجاج 2: 297 -298.

15. الطبرسي، الاحتجاج 2: 298 - 299.

16. راجع ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية 8: 145.

17. مقتل الخوارزمي 1 178 - 180 ط. النجف.

18. تاريخ ابن عساكر 4: 327.

19. تاريخ الطبري 3: 270.

20. الكامل لابن الأثير 4: 15.

21. اللهوف للسيد رضي الدين بن طاووس.

22. مقتل الخوارزمي 1: 183، الفصل 8.

23. تاريخ الطبري 3: 270.

24. في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 229، طبع ايران، والآداب السلطانية للفخري: 88، أنّ جدّة مروان كانت من البغايا، وفي كامل ابن الأثير 4: 75، أن الناس كانوا يعيّرون ولد عبد الملك بن مروان بالزرقاء بنت موهب، لأنها من المومسات ومن ذوات الرايات.

25. تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير والإرشاد وإعلام الورى.

26. مثير الأحزان لابن نما الحلّي من أعلام القرن السادس.

27. مناقب ابن شهر آشوب 2: 208.

28. تاريخ الطبري 3: 270.

29. اللهوف: 14.

30. اللهوف: 13. ومثير الأحزان: 10.

31. مقتل الخوارزمي 1: 185، الفصل 9.

32. تاريخ الطبري 3: 271، والكامل لابن الأثير 4: 7.

33. مقتل محمد بن أبي طالب، ولم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر، واعتذر العلاّمة الحلّي في أجوبة مسائل ابن مهنّا بالمرض، وفي أخذ الثار لابن نما الحلّي، ص 81، إصابته بقروح فلم يتمكّن من الخروج مع الحسين (ع).

34. مقتل العوالم: 54، ومقتل الخوارزمي 1: 188، الفصل 9.

35. ابن نما، مثير الأحزان: 11.

36. تاريخ الطبري 3: 278. والأخبار الطوال: 237.

37. المنتخب: 304، الليلة العاشرة.

38. ابن نما، مثير الأحزان: 89. وتاريخ الطبري 3: 295.

39. اللهوف: 33، وابن نما، مثير الأحزان: 20.

40. نفس المهموم: 91.

41. حسم (بضم الحاء المهملة وفتح السين بعدها ميم): جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به.

42. في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 215: الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن هرمي بن رياح يربوع، وقيل لعتاب الردف لأن الملوك يردفونه.

43. إرشاد المفيد. وابن شهرآشوب في المناقب 2: 193.

44. البيضة: ما بين واقعته إلى عذيب الهجانات، وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة.

45. تاريخ الطبري 3: 307.

46. نص عليه الطبري في تاريخه 3: 310، وابن الأثير في الكامل 4: 20، والمفيد في الإرشاد.

47. البحار 10: 198. ومقتل الخوارزمي 1: 237.

48. هذا في اللهوف، وعند الطبري في تاريخه 3: 307 أنه خطب فيهم بذي حسم، وفي العقد الفريد 2: 312، وحلية الأولياء 3: 39، وتاريخ ابن عساكر 4: 333 مثل ما في اللهوف، وفي مجمع الزوائد 9: 192، وذخائر العقبى، 149، وحلية الأولياء 2: 39، والعقد الفريد 2:312 ما يظهر منه أنه خطب بذلك يوم عاشوراء، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 209 لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه.

49. البحار 10: 189، ومقتل العوالم: 76.

50. مقتل محمد بن أبي طالب.

51. تاريخ الطبري 3: 319.

52. تذكرة الخواص: 143.

53. تاريخ ابن عساكر 4: 334. ومقتل الخوارزمي 2: 7 واللهوف: 54.

54. اللهوف: 56 ط. صيدا، ومقتل الخوارزمي 2: 7.

55. مقتل العوالم: 84.

56. جلاء العيون للمجلسي (بالفارسية).

57. مقتل العوالم: 98، ونفس المهموم: 189، ومقتل الخوارزمي 2: 34.

58. ابن نما، مثير الأحزان: 49.

59. مصباح المتهجّد والإقبال وعنهما في مزار البحار: 107، باب زيارته يوم ولادته.

60. أسرار الشهادة: 433.

61. رياض المصائب: 33.

62. أمالي الصدوق: 101، المجلس 24.

 

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2054
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28