• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : الملازمة بين الحزن على سيد الشهداء (عليه السلام) وتحريك الأمة .

الملازمة بين الحزن على سيد الشهداء (عليه السلام) وتحريك الأمة

 بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

إنّ التاريخ البشري بصورة عامّة مليء بالحوادث والوقائع، لكنّه لم يشهد محطّة مهمّة من محطّاته الكثيرة مثلما شهد في محطّة كربلاء وواقعة الطفّ، فهي محطّة مضيئة ومشرقة لكل الأجيال التي جاءت بعدها، فهي تضيء للشعوب والإنسانية طريق الحقّ، وهي سبيل للخروج من ممرّات الفساد الضيقة وكهوف ودوائر الضلال والانحراف إلى بساتين الصلاح والهداية. وتلك هي الثورة الخالدة التي قادها الإمام الحسين(عليه السلام).

وبمقدار فهم المسلمين والموالين لهذه الثورة ودراستهم التاريخية التحليلية الصحيحة لها كان مستوى ارتباطهم وتفاعلهم وتأثّرهم بها.

لقد شاءت إرادة الله خلود ذكرى شهادة الحسين(عليه السلام)، ودوام بقائها وبقاء أهدافها، وفي الوقت نفسه يبقى التأثّر بالحزن والبكاء ملازماً لهذه الأهداف، لهذا ورد عدد كبير من الأحاديث في هذا المعنى؛ في فضل البكاء على الحسين (عليه السلام) وأهميّته، وكلّ ذلك من أجل استمرار ارتباط الجموع المؤمنة بقضية الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد ورد ذكر فضل البكاء على الحسين(عليه السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) تعريفاً بمكانة وعظمة ذرف الدموع على ريحانة النبيّ عند ذكره.

فعن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «كل عين باكية يوم القيامة، إلا عين بكت على مصاب الحسين فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة» [بحار الأنوار، ج 44، ص 293]. بل جاء على لسانه (صلى الله عليه وآله): «إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً» [مستدرك الوسائل 10: 318].

وعن الإمام الباقر(عليه السلام) انه قال: «ان علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار». [كامل الزيارات،‌ ص 201]

وعن الإمام الصادق(عليه السلام)، عن آبائه أنّ أبا عبدالله الحسين(عليه السلام) قال: «أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر». [كامل الزيارات،‌ ص 215]

وهذا البكاء هو مظهر من مظاهر الحزن والأسى على الإمام الحسين(عليه السلام) وكيفية شهادته وأهل بيته يوم الطفّ في فاجعة كربلاء الأليمة. إن الامام زين العابدين(عليه السلام) الذي شهد واقعة الطف ورآها بأم عينيه قد بكى‌ أكثر من ثلاثين عاماً على والده الحسين (عليه السلام) وآله وأصحابه،‌ وما وضع بين يديه طعام إلا بكى ولا شرب إلا وبكى‌ حتى قيل له في ذلك فكان يجيب ويبين عذره لسائله عن ذاك البكاء العجيب. [راجع: الخصال، ص 273]

إنّ هذا الحزن والجزع والبكاء وذرف الدموع شيء يحدث عند الإنسان الموالي لأهل البيت(عليهم السلام) حتى لو كان التطرّق لذكر مصابه(عليه السلام) في غير أيام شهر محرّم أو يوم عاشوراء، وهذا مصداق ما ورد في الروايات عنهم(عليهم السلام): «أنّ لقتل الحسين(عليه السلام) حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً» [مستدرك الوسائل 10: 318].

فأيّة عظمة حملها هذا العملاق والتأثير العظيم الذي أبكى جميع المخلوقات، وأحزن القلوب؟ هي عظمة اختصّ بها سيّد الشهداء(عليه السلام) من خالقه العظيم؛ إذ فضّله وأحبّه حتى أعزّ تلك الدموع النازلة على مصابه، فجعل ثوابها عظيماً.

ما الذي يدفعنا للبكاء على الحسين والتفاعل مع المأساة؟

إنّ البكاء والحزن على الإمام الحسين(عليه السلام) هما ظاهرتا حبّ وولاء له(عليه السلام)، فلقد أصيب(عليه السلام) بأعظم المصائب وأفدح الكوارث، كلّ ذلك من أجل الحقّ والعدالة والدفاع عن الدين والإنسانية، لذا يُعدّ إظهار الحزن عليه والتأثر بمصابه والبكاء لأجله أمر مرغوب فيه، ولاسيما إذا كان تأسّياً بالنبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) الذين بكوه قبل شهادته وبعدها.

إنّ هذا الحزن يرمز إلى التأييد لثورته المباركة على الظلم والظالمين، فهو تعبير عن استنكار الرافضين لقتله وإراقة دمه، وسخط منهم ضدّ أعداء الدين والعدل. وهو في الوقت نفسه إعراب عن الأسف على عدم الوجود والحضور آنذاك ـ يوم عاشوراء ـ والانضمام في صفوف الأنصار الذين قدّموا مهجهم وأرواحهم في سبيله.

فالحزن هو تعبير آخر عن وقفةٍ كربلائيةٍ متأخّرة عن ذلك الزمان، لكنّها تحمل نفس الموقف المناهض للحكومة الجائرة، الموقف الذي يُعيد رسم شخصية الإنسان من جديد، يجعلها تحمل الحركة الإسلامية الصحيحة التي تُنعش أبناء الأمّة بالمفاهيم الإنسانية المشبعة بالقيم والإيمان؛ والمحافظة على أهداف النهضة الحسينية.

فإنّ إظهار الحزن والبكاء يعكس آثاراً إيجابية عظيمة على نفسية الإنسان؛ لأنّ ذلك إظهار لحالة الولاء الكامنة داخل الإنسان تجاه الرمز العظيم الذي تأثّر عليه وبكى وحزن من أجله.

نعم، لا حدود لهذا الحزن؛ لأنّ حجم المصيبة كبير جدّاً لا يمكن أن يتصوّر، لذا لا يستطيع أحد أن يحدّ من كمّية هذا الحزن أو مقداره، بل الحزن يبعث في النفوس روح الحماس في تلبية تلك الصرخة التي أطلقها الإمام الحسين(عليه السلام) ضدّ الظلم؛ ليصحّح مسار الأمّة، وذلك من خلال تعلّم البشرية منه رفضه الذلّ والهوان والخضوع والانكسار.

فهو جرح دام استلهمت منه أمّة الإسلام الدروس والعبر؛ لأنّه إنّما سال دم هذا الجرح من أجل تعليم الحالة الإسلامية الصحيحة، والقيم التي جاء بها الإسلام والتي تحفظ كرامة الإنسان وتجعله حرّاً.

إنّ علّة البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) هي نتيجة ما حصل في كربلاء من فاجعة أليمة، ومصاب جلل، وأحداث مروعة، لم ولن يشهد التاريخ مثلها؛ إذ إنّ في التاريخ الكثير من القصص المروعة والفظيعة التي مارس فيها الإنسان شتى أنواع الظلم والاستخفاف بالقيم الإنسانية، لكنّ الجريمة الأبشع أن يصدر الظلم والإجرام من أناس يدّعون أنّهم مسلمون يؤمنون بالله سبحانه الذي يقول: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزال: 7ـ 8].

إنّ مَن قرأ تاريخ الأمم والشعوب وما دار فيه من معارك وحروب قاسية على مرّ الزمن لا يجد معركةً حدث فيها ما حدث في كربلاء، وما جرى فيها من جرائم إنسانية وتصفية جسدية تكشف عن صور الانسلاخ عن الإنسانية والحقد الذي طال حتى الطفل الرضيع.

ولم يقتصر الأمر على هذا الحدّ؛ بقتل الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه، بل أوغل المجرمون بالوحشية فقطعوا الرؤوس فاصلين لها عن الأبدان.

إنّ البكاء حالة عاطفية لدى الإنسان مجبول عليها، لذا تنهال دموع المرء عند سماعه وتهيج مشاعره بفاجعة الحسين(عليه السلام) حزناً على ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله). والبكاء هو في الحقيقة نوع من المواساة للنبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام).

إنّ العاطفة الصادرة من شعور الإنسان تجاه أهل بيت النبي هي عبادة وسنّة، بل حالة من اظهار حالة التعادل والمساواة الانسانية وظاهرة فطرية في مقابل قساوة القلب والغلظة وتحجر الضمير وهي اخطر الامراض النفسية المعبر عنها في الروايات بموت القلب. ولقد شاء الله عزّ وجلّ أن يُلقي مصاب وحرارة قتل الحسين في قلوب شيعته، وفي قلوب مَن عاش مأساة الحسين وتحسّس مدى عظم الجريمة التي اقترفت بحقّ أسرة أهل البيت(عليهم السلام).

هذا بالإضافة إلى أنّ الشيعة عندما يظهرون العزاء ويجددون ذكرى هذه الفجيعة الأليمة، فإنّهم أيضاً يتعلّمون منها دروساً جمّة، إذ كربلاء مدرسة تعلّم منها الأجيال والأحرار إباء الضيم والظلم، وحرية الرأي والفكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوقوف مع الحقّ والتضحية بكلّ شيء من أجله.

ثم إنّ البكاء هو عملية ارتباط بين الباكي والمبكى عليه، وهو نوع ارتباط سامٍ يجعل من الباكي أن يجدّد مصاب المبكى عليه، وهذا يُعدُّ نوعاً من التأييد لنهضته والإقرار بأهدافه بحيث يرتبط معه فكرياً ومعنوياً، بحمله الأهداف التي ضحى من أجلها ودافع عنها، وهي ـ بلا شكّ ـ أهداف إسلامية تصبّ في خدمة المسلمين.

وبتعبير آخر: إنّ هذا الارتباط هو ارتباط ثقافي اكتسبه الباكي من المبكى عليه، وحين النظر في الثقافة الحسينية نجد أنّها بما تعبّر عنه من نهج سياسي وأسلوب اجتماعي مثله أبطال كربلاء وعبّروا عنه كقيم أخلاقية، هي ثقافة تختلف عن باقي الثقافات في نشوئها وتجسيدها الواقعي وأطوارها التاريخية من الماضي إلى الحاضر.

إنّ الثقافة الحسينية لا تنطوي على بعد قومي أو تجسيد الهوية والأنا كما هي باقي الثقافات الأخرى، وإنّما هي ثقافة حرّة طليقة، خاطبت الإنسان من خلال ضميره، مخترقة وجدانه، لذا احتضنت الشعوبُ الحيّة والضمائرُ الصحيحة الحسينَ وثقافته العالمية وآمنت بهما.

إنّ شخصية الحسين(عليه السلام) عظيمة، شهدت بعظمتها جميع الطوائف المؤمنة بالحرّية، وليس الشيعة وحدهم هم الذين يعظّمون هذه الشخصية ويحترمونها فقط، فنحن نشاهد جمعاً من أتباع الديانة المسيحية كلّ عام يشاركون في إحياء ذكرى شهادة الحسين بكاءً وحزناً منهم على ما جرى في أرض كربلاء، حتى إنّ مشاهير شعرائهم أمثال (بولس سلامه) قال أروع القصائد في الحسين(عليه السلام). ولو أنصف المسلمون ما عدّوا طريقة الشيعة في إقامة العزاء في عاشوراء شيئاً مخالفاً للشرع أو العرف، ففي ذلك يقول الشيخ محمّد مهدي شمس الدين(رحمه الله): (إنّنا في المأتم الحسيني نسمع تصويراً تاريخياً لفاجعة لم يشهد لها التأريخ مثيلاً، حيث قتل فيها أشخاص مقدّسون، وارتفعوا إلى أعلى المراتب الإنسانية بذلاً وتضحية، فقتل فيها أطفال ونساء، كلّ هذا ليس من أجل أشخاصهم وإنّما من أجل عملية عطاء محض).

صلة العاطفة بإحياء ذكرى عاشوراء

لعلّ البعض يثير الجدل حول طريقة إحياء ذكرى شهادة الحسين(عليه السلام)، فقد اتّسمت مراسم إحياء عاشوراء بثورة عاطفية تضامنية مع الحسين وأسرته، وقد أثار الجدل في مشروعية هذه الشعائر وطريقتها وفي مدى تحقيقها لأهداف الذكرى، فكان هناك بعدان مهمّان في هذا الموضوع:

البعد الأول: وهو الذي يولي العاطفة درجة كبيرة من الأهمّية، بحيث يلاحظ انصهار الحدث وأهدافه في العنصر المأساوي في موقع الإثارة، الأمر الذي جعل من البعد العاطفي مسألة محورية في القضية، فلا مجال للفصل بين إثارة الذكرى لدى الناس وبين الأسلوب العاطفي.

البعد الثاني: أنّ العاطفة وإثارتها من شأنها أن يمنحا الذكرى استمراراً في الحياة من خلال تأثيرهما في الشعور، ممّا يؤصّل علاقة عاطفية بين الأمّة وأهل البيت(عليهم السلام)، وهذا من شأنه أن يحقّق خطوات إيجابية في البعد الإنساني.

ويرى أصحاب هذا البعد أنّ الاكتفاء بالمضمون الفكري لذكرى الحسين(عليه السلام) يجعل القضية جامدة كسائر القضايا التاريخية في إطار صراعات الحقّ والباطل التي مرّ عليها الزمن. بينما يمثّل الأسلوب العاطفي لوناً وأسلوباً من أساليب التربية الذي يحوّل القضية إلى قضية متّصلة بالذات، كما لو أنّها قضية من قضايا الحاضر، فإنّنا نرى أنّ الجانب الشعوري هو الذي يجعل الإنسان في حالة استنفار دائم لدعم القضايا وتحريكها في الواقع المعاصر، ومواجهة كلّ التحدّيات التي توضع ضدّها من قبل الآخرين.

ومن هنا فإنّ تجربة الواقع تؤكّد هذا الاتجاه، فإنّنا نرى مدى تأثير واقعة عاشوراء في الواقع الإسلامي، وعلى الخصوص في الواقع الإسلامي الشيعي، حيث تحتل ذكرى كربلاء الدرجة العليا التي لا تنافسها أية قضية أخرى في التأريخ الإسلامي، حتى وإن كان لها من مفردات حزينة وصلتها بشخصيات تاريخية دينية مقدّسة، لكنّ ذكرى عاشوراء تتضمّن في أسلوب الإثارة للذكرى، إضافة للأسلوب الفكري الأسلوب العاطفي، فاستحضار المأساة وألوان الجرائم المتعددة في فترة زمنية محدودة يؤجج العاطفة بشكل كبير.

إنّ من معطيات البعد العاطفي في إحياء ذكرى عاشوراء، هي أنّ هذه الطريقة جعلت الارتباط بالإمام الحسين(عليه السلام) ارتباطاً بشخصه، وإنّما تمنح استدامةً في إحياء مأتم سيد الشهداء وتشجع على أدب يحرّك الواقع بسبب ذكر آلام كربلاء.

وكذلك فقد أسّس هذا المنهج التربوي ترابطاً مع الحسين(عليه السلام) وكربلاء من خلال التوجّه لزيارة قبر الحسين(عليه السلام)، فقد أثمر الحثّ على زيارة مرقد الحسين في إحداث ظاهرة دائمة في أنّ الحسين وأهله وأصحابه قضية لا تنسى، وأنّ الأمة دائمة الالتفاف حولهم، حتى في الزيارة عن بعد؛ إذ المهمّ في المسألة هو التواصل مع خطّ الحسين(عليه السلام) سواء من قريب أم بعيد.

ومن انعكاسات المنهج العاطفي أنّ الأمّة أخذت تلعن قاتلي الحسين، ومَن آزرهم وشايعهم، بل ومَن سمع بذلك ورضي به، كما جاء في زيارة عاشوراء.

إنّ إثارة العاطفة والتعايش مع أهل البيت في البلاء جعلت الأمّة تلعن كلّ من تبلغه قضية عاشوراء في كلّ عصر ويرضى بها؛ لأنّ من يرضاه يصبح بعيداً عن الإسلام وبعيداً عن الإنسانية.

والأمر المهمّ الذي يجب التنويه والإشارة إليه  هو كيفية استذكار ذكرى عاشوراء، واستذكار أحداثها، فإنّه لابد وأن نتحرّى الدقّة في ذكر الروايات، فلا نتحدّث بشيء غريب عن واقع الحدث، أو بشيء لم يحدث، ولنجعل الدراسة التحقيقية العلمية التي تكشف عن الحقيقة هي مصدرنا في ذكر الحدث التاريخي الصحيح، لأنّ التحقيق العلمي الواسع في التاريخ والروايات من شأنه أن يمدّنا بالمعلومات الصحيحة والدقيقة والتي نص عليها الفقهاء ومراجعنا العظام.

وكذلك الأمر في طريقة ممارستنا لشعائرنا وطريقة تأديتها، فإنّه يجب أن تكون أية ممارسة تتطابق مع أهداف الحسين، والخطّ الحسيني؛ لأنّ أهداف الحسين(عليه السلام) وأهداف عاشوراء ناصعة تريد تحريك الأمّة نحو الإصلاح والسمو الفكري، وتخالف كلّ أنواع الخروج عن الفكر الأصيل، فالشهيد الذي سقط مع الإمام الحسين(عليه السلام) جاء إلى المعركة وهو على يقين بأنّ خطّ الإمام خطّ رسول الله.

إنّ أعداء الحسين(عليه السلام) أرادوا طمس معالم ثورته بكلّ الوسائل، وفي عصرنا الحاضر نرى الهجمات والتفجيرات تتوجّه لمسيرات عاشوراء؛ لأنّها تجدد إحياء الفكر الأصيل الذي يريد أعداء الإسلام طمسه وتشويهه، فهم لا يريدون التوسّع في إحياء الذكرى العاشورائية.

وثمة مسألة أخرى في غاية الأهمّية، وهي لابدّ من دراسة الأسلوب المثير للعاطفة من حيث تأثيره في ذهن الجماهير المتفاعلة، وندرس المفاهيم التي تطرح في مضمون الأشعار والكلمات التي تقرأ؛ لأنّها تتعلّق بإبقاء الذكرى الحسينية على مدى الزمن، الأمر الذي يحتّم علينا تحمّل مسؤولية ثقافية واعية.

وكذلك التأكيد على حيوية الدموع والبكاء الواعي والحزن الموجّه؛ لتكون ذكرى كربلاء ممزوجة بعنصر مأساة وعنصر الوعي، والاستلهام من الشهادة، ومحرّكة لعقولنا كما تحرّك قلوبنا، فنجد في مجالس عاشوراء كلّ جديد يغني العقول، ويؤسّس ما هو الجديد في الواقع على أساس خطّ الحسين(عليه السلام).

لابد من أن نشحن عاشوراء بدلالات جديدة على كافّة الأصعدة، على صعيد الشهادة فلا نخشى التهديد بالقتل فنتراجع عن قضايانا ونفتر في إحياء مبادئنا، علينا أن نضفي على زماننا لون عاشوراء ومفاهيم ثورة عاشوراء، فلابدّ أن نمارس حياتنا الفكرية، مستلهمين من فكر الإمام الحسين(عليه السلام)، ولابد أن نعيش في أنفسنا وفي واقعنا أجواء الشهداء من أصحاب الحسين(عليه السلام) الذي قال فيهم: «لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي».[الارشاد للشيخ المفيد،‌ ج 2، ص 91]

إنّ فوران عواطفنا لمأساة كربلاء يجب أن يخلق في داخلنا معايشة الآلام التي يمرّ بها أي إنسان هنا وهناك، وفي كلّ بلد في العالم الإسلامي وعلى المستوى الإنساني.

جعلنا الله ممّن يُحيي ذكرى عاشوراء ويذرف دموعه على مصاب سيد الشهداء(عليه السلام).

 والحمد لله رب العالمين.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2131
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28