• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس الدار التخصصية .
              • القسم الفرعي : المفاهيم القرآنية .
                    • الموضوع : مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 5- دليل الأثر على المؤثِّر .

مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 5- دليل الأثر على المؤثِّر

اعداد: القسم الثقافي في دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / السيد حكمت أسد الموسوي

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمد وآله الطاهرين.

بحثنا في الدرس الماضي موضوع (الدليل الفطري) على وجود الله تعالى، وهو أن الإنسان إذا تُرك مع ذاته فإنه يتجه إلى الله تعالى، خصوصاً حينما يواجه شدائد كبيرة أو خطر عظيم فإنه يلتفت إلى وجود قوة قاهرة تستطيع أن تخلّصه من محنته ومشكلته هذه، وصاحب هذه القوة القاهرة العظيمة هو الله تعالى.

وموضوعنا الحالي هو:

دليل الأثر على المؤثر

من الأدلة على وجود الله تعالى: دليل الأثر على المؤثر، وهذا الطريق يتمثّل في التأمّل بالدلائل الكثيرة التي وضعها الله تعالى في هذا العالم الكبير، ففي كل واحد من هذه الظواهر: الإنسان والأرض والسماء والماء والهواء، دليل على أن هناك خالقاً لها وهو الله تعالى.

قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53].

فإذا لاحظنا عظمة الكون وسعته والتعقيد الذي فيه (والانتظام في الكون)، لا يمكن فرض كونه صادراً من لا شيء، أو من الصدفة أو الطبيعة كما يقال، بل هذا دليل على كونه صادراً من وراء عقل مفكر مخطط وهو الله تعالى، وهذا ما نشاهده كل يوم في حياتنا (فلو كان صدفة لما أمكن الانتظام في كل يوم)  - ففي عظمة الكون: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر : 57].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164].

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل : 10-13]، ﴿وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ...﴾ [النحل: 65-66]

من الجزء الثلاثين

نقرأ من الجزء الثلاثين قوله تعالى (في دلالة الأثر على المؤثِّر):

﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ [النبأ: 6-16].

﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ (وأظلم) لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (وأبرز ضوء شمسها) (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (بسطها ومهدها للسكن) (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (أثبتها) (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ‏ْ(33)﴾ [النازعات]

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: 24-32].

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (الكواكب الرواجع؛ تخنس بالنهار وتبدو بالليل‏) (15) الْجَوَارِ (التي تجري في أفلاكها) الْكُنَّسِ (المتوارية) (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (أدبر ظلامه) (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (أضاء) (18)﴾ [التكوير].

 ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (الحمرة بعد الغروب) (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (ستر) (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (إذا تمّ بدراً) (18)﴾ [الانشقاق]

 ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)﴾ (المنازل التي تنتقل فيها الكواكب) [البروج] والغرض: التنبيه إلى ما في الكواكب من النظام والإتقان الدال على وجود الخالق وعظمته.

﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (الذي يطلع ليلاً) (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (شديد الضوء كأنه يثقب الظلام) (3)﴾ [الطارق]

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)﴾ [الغاشية]

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التين: 4-6].

من نهج البلاغة والصحيفة السجادية

ومن الشواهد على (دلالة الأثر على المؤثِّر) نقرأ في نهج البلاغة قوله (عليه السلام):

«ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَقَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَأَدَامَ مُرَبَّهَا وَأَعْصَفَ مَجْرَاهَا وَأَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ‏ السِّقَاءِ وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ [عَلَى‏] إِلَى آخِرِهِ وَسَاجِيَهُ [عَلَى‏] إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَلَا دِسَارٍ [يَنْتَظِمُهَا] يَنْظِمُهَا ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ وَأَجْرَى فِيهَا سِراجاً مُسْتَطِيراً وَقَمَراً مُنِيراً فِي فَلَكٍ دَائِرٍ وَسَقْفٍ سَائِرٍ وَرَقِيمٍ مَائِرٍ» [الخطبة الأولى].

وفي دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام):

«أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ: سَمَاؤُهَا وَأَرْضُهَا، وَمَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، سَاكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ، وَمُقِيمُهُ وَشَاخِصُهُ وَمَا عَلَا فِي الْهَوَاءِ، وَمَا كَنَّ تَحْتَ الثَّرَى (10) أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ يَحْوِينَا مُلْكُكَ وَسُلْطَانُكَ، وَتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ، وَنَتَقَلَّبُ فِي تَدْبِيرِكَ» [الصحيفة السجادية، الدعاء 6]

وفي دعائه (عليه السلام) إذا نظر إلى الهلال: «(1) أَيُّهَا الْخَلْقُ الْمُطِيعُ، الدَّائِبُ السَّرِيعُ، الْمُتَرَدِّدُ فِي مَنَازِلِ التَّقْدِيرِ، الْمُتَصَرِّفُ فِي فَلَكِ التَّدْبِيرِ. (2) آمَنْتُ بِمَنْ نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ، وَأَوْضَحَ بِكَ الْبُهَمَ، وَجَعَلَكَ آيَةً مِنْ آيَاتِ مُلْكِهِ، وَعَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ‏ سُلْطَانِهِ، وَامْتَهَنَكَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَالطُّلُوعِ وَالْأُفُولِ، وَالْإِنَارَةِ وَالْكُسُوفِ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنْتَ لَهُ مُطِيعٌ، وَإِلَى إِرَادَتِهِ سَرِيعٌ ...» [الدعاء 43]

الخلاصة

عند التأمّل في الموجودات (كالإنسان والأرض والسماء والماء والهواء و...) فكل واحد منها دليل على أن هناك خالقاً عظيماً لها (فلا أثر بلا مؤثِّر). قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].

وخصوصاً إذا لاحظنا عظمة هذا الكون وسعته، لا يمكن أن نفرض كونه صادراً من لا شيء، بل هذا دليل على كونه صادراً من وراء مدبِّر عظيم وهو الله تعالى، وهذا ما نشاهده كل يوم في حياتنا ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164]. ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالخُْنَّسِ* الجَْوَارِ الْكُنَّسِ * وَالَّليْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾. [التكوير]. ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلىَ الْابِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلىَ السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلىَ الجِْبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلىَ الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: 17-21].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

مختارات ميسّرة من المفاهيم القرآنية: 1- عرفان الجميل

مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 2- الهداية

مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 3- حب الاطلاع والحاجة إلى الكمال

مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 4- الدليل الفطري 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2252
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28