• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : الدعاء .
                    • الموضوع : خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (8) .

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (8)

اعداد: القسم الثقافي / عباس الجعفري

قد تبين لك فيما سبق أن جميع ما يتقلب فيه الخلق من النعم الظاهرة والباطنة إنما هو ببركة الامام الحجة (عليه السلام)، وهذا من أعظم ما يوجب الدعاء له، عجل الله تعالى فرجه وسيأتي زيادة بيان لهذا المرام إن شاء الله تعالى:

أبواب نعمه علينا (عليهم السلام)

- ويدل على ذلك مضافا إلى ما أشرنا إليه، ما في البرهان [تفسير البرهان: 4 / 502] في تفسير قول الله عز وجل ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: 8] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تسأل هذه الأمة عما أنعم الله عليها برسوله، ثم بأهل بيته.

نعم أعظم النعم الإلهية وجود الإمام (عليه السلام) لأنه الأصل لسائر النعم الظاهرة والباطنة، ومن هنا قد ورد في الروايات [راجع: عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج 1، ص 127] أن جميع الناس يسألون عنه يوم القيامة.

وأما الغذاء الطيب والماء البارد ونحوهما فالله تعالى لا يسأل عنها عبده المؤمن، كما في عدة روايات، والحاصل أن كل أحد يسأل يوم القيامة، عن هذه النعمة العظيمة أعني النبي والأئمة وولايتهم (عليهم السلام) فإن كان من الشاكرين الموالين لهم كان من الفائزين، ولم يسأل عما عدا هذه النعمة، وإن كان من الكافرين المعاندين سئل عن جميع ما أنعم عليه من النعم وحوسب على دقيقها وجليلها، وهذا معنى المناقشة في الحساب، وقد يعبر عنه بسوء الحساب.

وبهذا الذي ذكرنا يجمع بين الروايات المتعارضة بظواهرها حيث إن بعضها يدل على أن الله تعالى أجل من أن يسأل عبده عما ينعم عليه من مطعمه ومشربه ونحوهما وبعضها يدل على أن في حلالها حساب.

وتوضيحه: أن وقوع الحساب يوم القيامة حق دل عليه القرآن، ولكن الناس في ذلك على أصناف.

منهم من يعفى عنه، ولا يحاسب أصلا وهذا لا ينافي الآيات الدالة على وقوع الحساب، لأنها قضايا مطلقة قابلة للتقييد والتخصيص.

ففي تفسير القمي [تفسير القمي: 2 / 694] عن الصادق (عليه السلام )، قال: كل أمة يحاسبها إمام زمانها، يعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم، وهو قوله: ﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ [الاعراف: 46] وهم الأئمة يعرفون كلا بسيماهم فيعطون أولياءهم كتبهم بأيمانهم فيمرون إلى الجنة بلا حساب، ويعطون أعداءهم كتبهم بشمالهم فيمرون إلى النار بلا حساب.

وصنف آخر هم الذين يحاسبون لكن يعفو الله ويصفح عنهم ويتجاوز عن سيئاتهم، ويحاسبهم بنحو لا يطلع عليه أحد من الخلق، أو يحاسبهم إمامهم كذلك وهم المؤمنون الذين عرفوا تلك النعمة  العظيمة، لكن صرفوا سائر ما أنعم الله عليهم أو بعضها في سخط الله تعالى، فيحاسبهم الله عز وجل لكن لا يطالبهم بقيمة نعمه عليهم بل يعفو عنهم.

- ويشهد لذلك ما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة: فقير في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فوعزتك إنك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأؤدي منه حقا أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفافا على ما علمت وقدرت بي. فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي خلوا عنه يدخل الجنة، ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها، ثم يدخل الجنة فيقول له الفقير ما حبسك؟ فيقول طول الحساب، ما زال الشيء يجيئني بعد الشيء يغفر لي، ثم أسأل عن شيء آخر حتى تغمدني عز وجل منه برحمة وألحقني بالتائبين فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفا فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي. [الأمالي للشيخ الصدوق: 216]

والصنف الثالث: من الناس هم الذين يسألون عن جميع ما أنعم عليهم قليلا كان أو كثيرا دقيقا كان أو جليلا، حتى الرطب والماء البارد وغيرهما، كما ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام). ولا يغفر لهم ولا يصفح عنهم وهم الذين لم يستجيبوا لله تعالى في أداء شكر تلك النعمة العظيمة، التي هي ولاية الإمام ووجوده (عليه السلام) قال الله عز وجل في سورة الرعد ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [الرعد: 18]. [تفسير البرهان، ج 4، ص 54]

أقول: وذلك لكفرهم بنعمة الله العظيمة التي هي السبب في قبول الحسنات.

- والصنف الرابع: هم الذين قال في حقهم سيد الساجدين عليه الصلاة والسلام في خطبة يوم الجمعة: واعلموا أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين، وإنما يحشرون إلى النار زمرا ... [الأمالي للشيخ الصدوق، ص 585].

ومن تتبع في الأخبار حق التتبع وتدبر فيها حق التدبر، أذعن بهذا التحقيق، والله تبارك وتعالى ولي التوفيق.

ثم إن لنعمه صلوات الله عليه خصوصية في زمان ظهوره، وانتشار نوره كما وردت به الأخبار:

- فمنها: ما روي عن النبي (عليه السلام) قال تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط، يرسل السماء عليهم مدرارا، ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته. [بحار الأنوار: 15 / 83]

- ومنها: ما في حديث المفضل عن الصادق (عليه السلام )، قال ثم يعود المهدي إلى الكوفة، وتمطر السماء بها جرادا من ذهب، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب، ويقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها ولجينها وجوهرها، الحديث. [بحار الأنوار: 51 / 34]

نصره للإسلام ونهيه (عليه السلام) عن المنكر وأمره بالمعروف

كل منها يقتضي الدعاء لفاعله بحكم العقل والشرع فإن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حماة الدين وحصون المسلمين، والآيات والروايات في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة.

- ففي الكافي [الكافي: 5 / 56] عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل، قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة تقام بها الفرائض، وتأمن المذاهب وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم ...

والأخبار في هذا الباب كثيرة جدا، وقد عرفت في باب شباهة مولانا الحجة بجده الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أن سعيه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما لا يماثله فيه أحد من البشر، لأنه (عليه السلام) مأمور من الله تعالى برفع جميع المنكرات عن جميع أقطار الأرض، بحيث لا يشذ عنها شاذ، ولا يبقى لفاعل منكر ملاذ ولا معاذ.

قال (عليه السلام): هذه لآل محمد المهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدين ويميت الله عز وجل به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهة الحق، حتى لا يرى أثر من الظلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولله عاقبة الأمور.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: يمكن أن يقرر رجحان الدعاء للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لأنهما الناصران لدين الله تعالى، والحافظان لحدود الله، ولأن نفس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحسان إلى المسلمين، ورعاية للدين، وهذا واضح لا سترة فيه.

والثاني: إن أول درجات النهي عن المنكر هو الإنكار القلبي، وهذا وإن كان أمرا خفيا باطنيا لكن له آثارا جلية، تظهر من الأعضاء والجوارح:

والغرض أن المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع أن يدفعه وينهى عنه أنكره بقلبه وسأل الله تعالى أن يبعث من يقدر على دفع المنكر، ودعا لمن ينهى عن المنكر ويدفعه وهذه حالة جبلية كامنة في جميع المؤمنين والمؤمنات ولما علمنا أن الدافع لكافة المنكرات وحاسم مادتها هو القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه، لزمنا أن نسأل الله عز وجل ليعجل فرجه، ويؤيده وينصره دفعا لما نشاهده ونسمعه من أصناف المنكرات، وأنواع المنهيات.

نداؤه (عليه السلام) مستنصرا من الأنام من أعظم ما يبعث على الدعاء له عقلا وشرعا

- أما نداؤه فهو قوله (عليه السلام) في التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج وغيره [الاحتجاج: 2/284] مخاطبا لعامة شيعته والمنتظرين لفرجه: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم...

وأما كونه ندائه صلوات الله وسلامه عليه باعثا موجبا للدعاء بحكم العقل فلا يحتاج إلى بيان لأن كل عاقل منصف إذا التفت إلى حال شخص له عليه حقوق كثيرة واجبة، وله إلى ذلك الشخص حوائج جمة، وبعد فهو من أشراف الناس وعظمائهم.

ثم غصب حقه، وبغي عليه فناداه بنداء وخاطبه بخطاب يدعوه إلى إعانته ونصرته، أفلا يدعوه عقله إلى إجابة هذا النداء، والمسارعة إلى متابعة صاحب هذا الدعاء؟ قل: بلى وربي خالق الأرض والسماء خصوصا إذا كان من أهل المحبة والولاء، وأما دلالة الشرع القويم إلى ذلك الصراط المستقيم، فمتكررة في الروايات وواضحة لأهل الدرايات.

- فمنها: ما في أصول الكافي [الكافي: 2 / 164] عن الصادق (عليه السلام ): إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.

أقول: فهل تسمع نداء مولاك، ومن تحتاج إليه في أولاك وأخراك؟ وهل تجيب دعوته؟ وهل تفضي حاجته؟ فإن لسان حاله ومقاله ناطق بالاستنصار، فأعينوه يا أولي الأسماع والأبصار.

أبواب ولايته لله وولايتنا له وولايته علينا (عليهم السلام)

وهي من الأمور العظيمة الباعثة للدعاء له عقلا وشرعا فهنا مقامات ثلاثة:

المقام الأول: في ولايته لله تعالى

الولاية هنا بالفتح بمعنى المحبة، فكل من يحب الله فهو وليه فجميع المؤمنين الصالحين أولياء الله عز وجل ويدل على ذلك من الآيات قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 62ـ63] بناء على كون قوله عز وجل ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ تفسيرا للأولياء.

- ومن الأخبار ما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي [الكافي: 2 / 351] بإسناده عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام ): إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصدود لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين، ونصبوا لهم، وعاندوهم، وعنفوهم في دينهم ثم يؤمر بهم إلى جهنم.

- وفيه بإسناده عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر (عليه السلام )، قال: لما أسري بالنبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي... [الكافي: 2 / 352]

إذا عرفت ذلك، فنقول: لا ريب في وجوب حب أولياء الله وحسنه، كما لا ريب في وجوب بغض أعداء الله، بل هو من ضروريات مذهبنا ويدل عليه العقل والنقل.

أما الأول: فلا يكاد يحتاج إلى البيان.

وأما الثاني: فمتواتر، لكنا نذكر رواية واحدة تيمنا:

روي بسند صحيح عن أبي جعفر الثاني عن أبيه عن جده صلوات الله عليهم، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نورا، وجعل له حصنا، وجعل له ناصرا. فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا، فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم فإنه لما أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرائيل (عليه السلام) لأهل السماء استودع الله حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة، ثم هبط بي إلى أهل الأرض، فنسبني لأهل الأرض، فاستودع الله عز وجل حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتي، فمؤمنو أمتي يحفظون وديعتي إلى يوم القيامة ألا فلو أن الرجل من أمتي عبد الله عز وجل عمره أيام الدنيا، ثم لقي الله عز وجل مبغضا لأهل بيتي وشيعتي، ما فرج الله صدره إلا عن نفاق. [الكافي: 2 / 46]

أقول: هذه الرواية فيها دلالة على وجوب ولاية أولياء الله فإذا تمهد ما ذكرنا فنقول لا ريب في أنه كلما كان الإيمان أكمل كان الحب لأهله آكد، وكلما كان المؤمن أكمل فينبغي أن يكون حبك له أشد وأكمل، لأن هذه المحبة إنما هي بسبب الرابطة الإيمانية التي تكون بين المؤمنين فبهذا التقرير يجب أن يكون حبك لإمام زمانك الذي هو أصل الإيمان وعروته وطود الولاية وذروته أشد من حبك لجميع المؤمنين، بل يكون هو (عليه السلام) أحب إليك من أبيك وبنيك، بل من ذاتك كما دل على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: 24].

- والحديث النبوي المروي في دار السلام وغيره عن العلل قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) [علل الشرائع: 140]: لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله، وتكون ذاتي أحب إليه من ذاته.

ثم إنه لا يخفى أن الحب أمر قلبي، وكيفية نفسانية إلا أن له آثارا ظاهرة وآيات باهرة بها يستدل على درجات حبك للمحبوب وشوقك إلى المطلوب:

منها: اهتمامك بالدعاء له إذا غاب واغتمامك له إذا أصيب بمصاب ألا ترى أنه إذا كان لك ولد صالح نقي بهي جميل نبيل يسرك النظر إليه فسافر سفرا لا تدري مكانه ومعانه فلا تنفك ساعة من ليلك ونهارك من فكره والدعاء له، وطلب الدعاء من المؤمنين والصالحين، هل هذا إلا لمكان المحبة وكمال المودة؟ فيا أيها المدعي حب مولاه هل يمضي عليك يوم لا تنساه؟ فأكثروا الدعاء له في الغياب واغتنموا الفرصة فإنها تمر مر السحاب.

المقام الثاني

في بيان اقتضاء ولايتنا له شدة الاهتمام في الدعاء له وهذا أمر ظاهر لا يخفى على أحد لأن الطبائع مجبولة على الدعاء للمحبوب وهذا واضح لا ينكره إلا لغوب وإنما الغرض هنا بيان لزوم تقديم الدعاء له على كل دعاء، وذلك يتضح بذكر مقدمة شريفة وهي أن أسباب الحب ثلاثة: اللذة، والنفع، والخير، وأعظم هذه الأسباب وأكملها ثالثها [لأن السببين الأولين في معرض الزوال غالبا فيزول الحب بالتبع وأما وجود مولانا ( عليه السلام ) فمنافعه دائمة ولذة المؤمن بوجوده قائمة (لمؤلفه)] بل نقول: إن السببين الأولين أيضا يرجعان إلى ذلك، والمراد منه أن يكون وجود شيء خيرا بوجه من الوجوه فإن الإنسان إذا علم وجود شيء أو شخص ذا خير أحبه طبعا وإن لم يصل إليه من خبره شيء فكلما ازداد خيرا ازداد الإنسان حبا له بحسب درجات معرفته بخيرات وجوده.

أما اللذة فأي لذة للمؤمن أعلى وأحلى من زيارة جماله والتشرف بوصاله فإن فيه من اللذات الظاهرة والباطنة ما لا أكاد أحصيها ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتأوه شوقا إلى رؤيته كما في الحديث الذي رواه النعماني في غيبته. [راجع: غيبة النعماني: 114]

وأما النفع، فقد عرفت سابقاً أن جميع المنافع إنما تصل إلى الخلق ببركات وجوده، مضافا إلى المنافع الخاصة المتوقفة على ظهوره، وانتشار نوره.

وأما خيرات وجوده فعقولنا قاصرة، وأفكارنا فاترة عن إدراكها فما أوتينا من العلم إلا قليلا. لكن لكل امرئ فهم، ولكل مؤمن سهم. فمن كانت معرفته بخيرات وجوده أتم، كان الدعاء له في نظره أهم. لأن الاهتمام في الدعاء ناشئ عن كمال المحبة والولاء، وكمال المحبة ناشئ عن كمال المعرفة، وهذا أحد الوجوه لشدة اهتمام الأئمة (عليهم السلام) في الدعاء له (عليه السلام) وسؤال تعجيل فرجه من الملك العلام.

فتحصل مما ذكرنا أن ولايتنا له تقتضي الاهتمام في الدعاء لفرجه، وكشف همه، أكثر من اهتمامنا في الدعاء لنفوسنا، وجميع ما يتعلق بنا، إن شاء الله تعالى.

المقام الثالث

في ولايته علينا، الولاية هنا بكسر الواو، بمعنى السلطنة والاستيلاء، والمراد بولايته علينا هو ما نص عليه في قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الاحزاب: 6] كما مر صريحا في الحديث الذي رويناه سابقا.

ومقتضى إذعانك بأنه أولى بك من نفسك في جميع ما يتعلق بك أن تجعله أولى منك في جميع ما تحبه لنفسك وتجعل السعي في حاجته مقدما على حاجتك.

ويحتمل أن يراد هذا المعنى من قوله (عليه السلام) في الزيارة الجامعة: ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كل أحوالي وأموري ... فولايته (عليه السلام) تقتضي أن تقدمه على نفسك في جميع الأمور، وقد مر في الحديث النبوي ما يدل على ذلك، ومن أهم ذلك الدعاء فإنه مفتاح كل خير، وسلاح كل تقي، فينبغي أن تقدمه على نفسك وعلى كل من تحبه، بالدعاء له بالفرج والعافية. وفيما ذكرنا في هذه المقامات جملة كافية ودلالة شافية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (1)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (2)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (3)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (4)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (5)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (6)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (7)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2269
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16