• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : الإمام علي (عليه ‌السلام) شهيد المحراب(*) .

الإمام علي (عليه ‌السلام) شهيد المحراب(*)

تواطأت زمر الشرّ على أن لا تبقي للحقّ راية تخفق أو يداً تطول فتصلح أو صوتاً يدوّي فيكشف زيغ وفساد الظالمين والمنحرفين، فبالأمس كان أبو سفيان يمكر ويغدر ويفجر ويخطّط لقتل النبيّ الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لوأد الرسالة الإلهية في مهدها، ولكنّ الله أبى إلاّ أن يتمّ نوره.

وها هو معاوية بن أبي سفيان يستفيد من نتائج انحراف السقيفة، ويتمّم ما بدأه أبوه سعيًا للقضاء على الرسالة الإسلامية، تعينه في ذلك قوى الجهل والضلالة والعمى، فخطّطوا لقتل ضمير الأمة الحيّ وصوت الحقّ والعدل وحامل لواء الإسلام الخالد ومحيي الشريعة المحمديّة السمحاء.

واجتمعت ضلالتهم على أن يطفئوا نور الهدى ليبقى الظلام يلفّ انحرافهم وفسادهم، فامتدّت يد الشيطان لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل، وفي ختلة وغدرة هوت بالسيف على هامة طالما استدبرت الدنيا واستقبلت بيت الله وهي ساجدة، وغادرتها منها في تلك الحال.

لقد اجتمعت عصابة ضالّة على قتل أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) لا يبعد أن كان محرّكها معاوية، واتفقوا أن يداهموا الإمام عند ذهابه لصلاة الفجر، فما كان أحد يجرؤ على مواجهة الإمام (عليه‌ السلام).

ولمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان؛ كان الإمام (عليه‌ السلام) يكثر التأمل في السماء وهو يردّد: (ما كذبت ولا كذّبت إنّها الليلة التي وعدت بها) (1) وأمضى (عليه‌ السلام) ليلته بالدعاء والمناجاة، ثمّ خرج إلى بيت الله لصلاة الصبح فجعل يوقظ الناس على عادته إلى عبادة الله فينادي: الصلاة... الصلاة.

ثمّ شرع (عليه‌ السلام) في صلاته، وبينما هو منشغل يناجي ربّه إذ هوى المجرم اللعين عبد الرحمن بن ملجم وهو يصرخ بشعار الخوارج (الحكم لله لا لك) ووقع السيف على رأسه المبارك فقدّ منه فهتف الإمام (عليه‌ السلام): (فزت وربّ الكعبة) (2).

ولمّا علت الضجّة في المسجد؛ أقبل الناس مسرعين فوجدوا الإمام (عليه‌ السلام) طريحاً في محرابه، فحملوه إلى داره وهو معصّب الرأس والناس يضجّون بالبكاء والعويل، واُلقي القبض على المجرم ابن ملجم، وأوصى الإمام (عليه‌ السلام) ولده الحسن وبنيه وأهل بيته أن يحسنوا إلى أسيرهم وقال: (النفس بالنفس، فإن أنا مُتّ فاقتلوه كما قتلني، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي) (3).

وصيّة الإمام (عليه‌ السلام) :

أوصى الإمام (عليه‌ السلام) ولديه الحسن والحسين (عليهما ‌السلام) وجميع أهل البيت بوصايا عامّة فقال:

(أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، وقولا بالحقّ واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، واعملا بما في الكتاب، ولا تأخذكما في الله لومة لائم) (4).

ولم يمهل الجرح أمير المؤمنين طويلاً لشدّته وعظيم وقعته، فقد دنا الأجل المحتوم، وكان آخر ما نطق به قوله تعالى : ﴿لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ثمّ فاضت روحه الطاهرة إلى جنّة المأوى.

دفن وتأبين الإمام (عليه‌ السلام):

نهض الإمامان الحسن والحسين (عليهما ‌السلام) بتجهيز أمير المؤمنين وما يترتّب عليهما من إجراءات الدفن من غسل وتكفين، ثمّ صلى الإمام الحسن (عليه‌ السلام) على أبيه ومعه ثلّة من أهل بيته وأصحابه، ثمّ حملوا الجثمان الطاهر إلى مثواه الأخير، فدفن في النجف قريباً من الكوفة، وتمّت كلّ الإجراءات ليلاً (5).

ثمّ وقف صعصعة بن صوحان يؤبّن الإمام (عليه‌ السلام) فقال:

هنيئاً لك يا أبا الحسن! فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمتَ على خالقك فتلقّاك الله ببشارته وحفّتك ملائكته، واستقررتَ في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره، ولحقتَ بدرجة أخيك المصطفى، وشربت بكأسه الأوفى، فأسأل الله أن يمنَّ علينا باقتفائنا أثرك، والعمل بسيرتك، والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أوليائك، فقد نلتَ ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يُدركه أحد، وجاهدت في سبيل ربّك بين يدي أخيك المصطفى حقّ جهاده، وقمت بدين الله حقّ القيام، حتى أقمتَ السنن وأبرت الفتن واستقام الإسلام وانتظم الإيمان، فعليك منّي أفضل الصلاة والسلام.

ثمّ قال : لقد شرّف الله مقامك، وكنت أقرب الناس إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) نسباً، وأوّلهم إسلاماً، وأوفاهم يقيناً، وأشدّهم قلباً، وأبذلهم لنفسه مجاهداً، وأعظمهم في الخير نصيباً، فلا حرمنا أجرك، ولا أذلّنا بعدك، فوالله لقد كانت حياتك مفاتح الخير ومغالق الشر، وإنّ يومك هذا مفتاح كلّ شر ومغلاق كلّ خير، ولو أنّ الناس قبلوا منك ؛ لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) من كتاب: أعلام الهداية - الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌ السلام)، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم ‌السلام).

(1) الصواعق المحرقة: 80، وبحار الأنوار : 42 / 230.

(2) الإمامة والسياسة: 180 أو : 135 ط بيروت و 159 ط مصر، وتأريخ دمشق : 3 / 367 ترجمة الإمام عليّ (عليه‌ السلام).

(3) مقاتل الطالبيين: 22، شرح النهج لابن أبي الحديد : 6 م 118، وبحار الأنوار : 42 / 231.

(4) تأريخ الطبري: 4 / 114 ط مؤسسة الأعلمي، راجع أيضاً نهج البلاغة : باب الكتب 47 طبعة صبحي الصالح.

(5) بحار الأنوار: 42 / 290 .

(6) بحار الأنوار: 42 / 290.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2369
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18