• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : شوّال وإشراقة العيد السعيد .

شوّال وإشراقة العيد السعيد

استهلّت مجلّة (حديث الدار) غرّة أعدادها بكلمات نيّرة تفضّل بها المشرف العام لدار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني (حفظه الله تعالى)، حيث توجّه من خلالها بوصايا نافعة وبيانات هادفة خاطبت طلّاب القرآن الكريم وعموم القرّاء الكرام.

ولتعميم الفائدة، ارتأت دار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم جَمع هذه الافتتاحيات (البالغة ١٢ افتتاحية) ووضعها بين يدي القارئ الكريم وهي على عدّة موضوعات مختلفة، والتي منها هذه الافتتاحية.

شوّال وإشراقة العيد السعيد (*)

اقتضت الحكمة الإلهية أن يقترن ألم البدن ببهجة النفس وسروها، بأن تقترن فرحة العيد السعيد بتأدية فريضتين من فرائض الله تعالى، وما أعظمهما من فريضتين على الأمة الإسلامية، وما أعظم عطايا الله تعالى وأجزلها على الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وما ينتظره في الحياة الأخرى أعظم وأكبر بكثير ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ [التوبة: 72]. فالتراحم والتواصل وإظهار المحبّة والألفة بين المؤمنين، من جهة، وتبادل التحيات والسلام وتفقّد الأهل والأحبّة، وإصلاح ذات البين من جهة ثانية، وجمع القلوب وصفاء النفوس ونقاوتها من جهة ثالثة، كلّ ذلك لأجل الفوز برضوان الله ورضاه.

فما أعظمك يا شهر شوّال وأنت ترسم البسمة على وجوه المؤمنين، وتزرع المحبّة في قلوبهم، وما أعظمك وأنت تطهّر النفوس وتشرق فيها نور المحبّة والسلام، فكلّ لحظة فيك جديدة، وكلّ طلعة فيك حميدة، فقد تزامنت طلعتك بإطلالة عام جديد على المسلمين، تسوده المحبّة وتظّله الرحمة بأنعمها الجليلة... ففي العيد تتجلّى الكثير من معاني الإسلام الاجتماعية والإنسانية، إذ القلوب تتقارب على الودّ، والناس تجتمع بعد افتراق، ويتصافون بعد كدر، ففي العيد يتمُّ التذكير بالضعفاء والفقراء في المجتمع الإسلامي، حتى تغمرهم الفرحة مضافاً إلى دخولها في كل بيت من بيوت المؤمنين، فتعمّ النعمة كلّ أسرة، وهذا هو الهدف من تشريع (زكاة الفطرة)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [ميزان الحكمة، محمد الريشهري: ٤ / ٢٨٣٧]، وعنه (صلّى الله عليه وآله): «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً» [نهج الفصاحة: ص782]، وعنه (صلّى الله عليه وآله): «نظر الرجل إلى أخيه عن شوق خير من اعتكاف سنة في مسجدي هذا» [كنز العمال: 9 / 11].

ففي العيد تمتزج العبادة بالسلوك، ويتكامل الدين والدنيا، وتتمثل تعاليم القرآن في حياة الناس، فتسمو نفوسهم وترقّ عواطفهم ويشتدّ إيمانهم، كل ذلك بفعل الدين في حياة المجتمع، فالإسلام دين عمل ودين سلوك ودين حياة لا تنفصل فيه العبادة عن العمل ولا ينعزل فيه الإيمان عن السلوك، فطوبى لمن اغتنم الفُرص فإنّها تمر مرّ السحاب، وفّقنا اللهُ وإيّاكم لصالح الأعمال.

فطوبى لمن أدام العلاقة بينه وبين ربّه من جهة، وبينه وبين إخوانه من جهة أخرى؛ لأنّ خلاف ذلك يكون سبباً لإعراض الله تعالى عن هذه القلوب، فإذا مرضت زاداها الله مرضاً إلى مرضها ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا﴾ [البقرة: 10]. فالقلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «إنّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال (صلّى الله عليه وآله): قراءة القرآن وذكر الموت» [مستدرك الوسائل: 2 / 104]. والله تعالى يعلم ما تؤول إليه هذه القلوب بعد ذلك من فعل الخير والشر، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء: 63].

فليس هناك نعمة أعظم من نعم الهداية على الإنسان، وقد أتاح الله تبارك وتعالى الفرصة للمؤمنين رأفة ورحمة بهم، حيث فتح لهم باب التوبة والاستغفار والإنابة إليه، فخاطبهم بقوله: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التحريم: 8].

__________________

(*) حديث الدار (العدد الثامن- شوّال 1432 هـ).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2466
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19