• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : عاشوراء الحزن وتجدّد المصائب .

عاشوراء الحزن وتجدّد المصائب

استهلّت مجلّة (حديث الدار) غرّة أعدادها بكلمات نيّرة تفضّل بها المشرف العام لدار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم سماحة الشيخ عبد الجليل المكراني (حفظه الله تعالى)، حيث توجّه من خلالها بوصايا نافعة وبيانات هادفة خاطبت طلّاب القرآن الكريم وعموم القرّاء الكرام.

ولتعميم الفائدة، ارتأت دار السيّدة رقيّة (عليها السلام) للقرآن الكريم جَمع هذه الافتتاحيات (البالغة ١٢ افتتاحية) ووضعها بين يدي القارئ الكريم وهي على عدّة موضوعات مختلفة، والتي منها هذه الافتتاحية.

عاشوراء الحزن وتجدّد المصائب (*)

ما انتظار الدمع أن لا يستهلا *** أوما تنظر عاشوراء هلّا

هلَّ عاشورٌ فقم جدّد به *** مأتم الحزن ودع شُرباً وأكلا

كيف لا تحزن في شهر به *** أصبحت آل رسول الله قتلى

كيف ما تحزن في شهر به *** أصبحت فاطمة الزهراء فيه ثكلى

في كلّ عام يتجدّد الحزن على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم ومواليهم ومحبّيهم، بل جميع أهل السموات والأرض، فترى الشوارع والأزقّة والبيوت متّشحة بالسواد، وتری الوجوه فيها مغبرّة يخيّم عليها الحزن ويعتصرها الألم، والكل يتمنّى أن تكون له وقفة مشرّفة للطلب بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) مع إمام الهدى من آل البيت (عليهم السلام)، ذلك الوعد الإلهي الذي تنتظره جميع القلوب وتدعو إليه طلاب العدل والسلام في العالم برمّته، وهو وعد غير مكذوب ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]. وقوله تعالى: ﴿وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 6].

فما أن يمرّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) وهم يقرؤون زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، تجدهم جميعاً يدعون الله تعالى بكلمة واحدة وبقلب مفعم بالإيمان والمحبّة لأهل البيت (عليهم السلام) بوجه عام، وللإمام الحسين بوجه خاص: «وأسأله أن يبلّغني المقام المحمود الذي لكم عند الله وأن يرزقني طالب ثأركم مع إمام مهديّ ظاهر ناطق بالحقّ منكم»، [مصباح الكفعمي، ص 484].

وها هُم اليوم ينصبون المآتم ويقيمون العزاء ويعقدون المجالس والمآتم في المساجد والحسينيات، ويسيّرون المواكب في الأزقّة والشوارع، بل لا يكتفون بذلك حتى أقاموها في بيوتهم الخاصة، فالمصيبة مصيبتهم، لا فقط مصيبة النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)؛ لأنّهم أحسّوا بهذه المصيبة اليتم الحقيقيّ عن المعارف الدينية والارتباط بالله ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، فكانوا بحقٍّ أيتام آل محمّد (صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين) كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو يحثُّ علماء شيعته ممّن تعلّم القرآن الكريم وحفظ من سنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) وتفقّه بالدين أن يعلّم هؤلاء المحرومين من هذه المعارف الدينية، حيث قال (عليه السلام): «فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنّا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه، أشدّ على إبليس من ألف عابد» [الاحتجاج للطبرسي، ج۱، ص۸].

فبقتلهم الإمام الحسين (عليه السلام) قتلوا الإسلام، وبتمزيقهم لجسده الشريف بسيوفهم ورماحهم وسهامهم مزّقوا القرآن الكريم، وبحرقهم لخيامه وخيام أهل بيته أحرقوا قلوب المسلمين والمؤمنين من الجنّ والإنس أجمعين، وبسحقهم بحوافر الخيل على صدره فقد سحقوا كل القيم الإنسانية والعدالة، فلم يكتفوا بذلك حتى مالوا على أهل بيته الكرام من آل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وهم البقيّة الباقية من يوم الطف، وفيهم النسوة والأطفال الصغار، ليأخذوهم أسارى كما يأخذون أسارى الترك والديلم، مقيّدين بالحبال يسوقهم أراذل الناس ممّن نزعت من قلوبهم الرحمة والرأفة والشفقة على آل النبي (صلّى الله عليه وآله)، وهم يعلمون أن ذلك محرّم عليهم فعله، ولا يجوز لهم ولا لغيرهم ارتكابه، لكنّهم بفعلهم هذا أرادوا لأنفسهم الذلّ والهوان في الدنيا والآخرة، فهم بالصورة والشكل إنسان، ولكنّهم في الواقع والحقيقة أقبح من الشيطان.

فلمّا دخلوا فيهم بلاد الشام، ظنّ الناس أنّهم من أسارى الترك أو الديلم، فراح يخاطبهم مَن يجهل حالهم ولا يعرف مَن هُم، فقد جاء في ذلك أنّه أتي بحرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى أدخلوا مدينة دمشق من باب يقال له: باب توما، ثمّ أتي بهم حتى وقفوا على درج باب المسجد حيث يقام السبي، وإذا بشيخٍ قد أقبل حتى دنا منهم وقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح الرجال من سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم! فقال له عليّ بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ فقال: نعم قد قرأته، قال: فعرفت هذه الآية: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23]؟ قال الشيخ: قد قرأت ذلك. قال عليّ بن الحسين (رضي الله عنه): فنحن القربى يا شيخ. قال: فهل قرأت في سورة بني إسرائيل ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ [الإسراء: 26]؟ قال الشيخ: قد قرأت ذلك. فقال عليّ (رضي الله عنه): نحن القربى يا شيخ. ولكن هل قرأت هذه الآية: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: 41] قال الشيخ: قد قرأت ذلك. قال علي (عليه السلام): فنحن ذو القربى يا شيخ. ولكن هل قرأت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33] قال الشيخ: قد قرأت ذلك. قال عليّ (عليه السلام): فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية التطهير.

قال: فبقي الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تکلّمه، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهمّ إنّي تائب إليك ممّا تكلّمته ومن بغض هؤلاء القوم، اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد من الجنّ والإنس.

__________________

(*) حديث الدار (العدد الحادي عشر- محرّم الحرام 1433 هـ).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2472
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 04 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19