• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : تراث الإمام الكاظم (عليه السلام) * .

تراث الإمام الكاظم (عليه السلام) *

لقد ورث الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) مدرسة أبيه الصادق (عليه السلام) وحظيت منه بالتوجيه والرعاية الشاملة لتلامذته وأصحابه بالرغم من قساوة الظروف وتغيّرها خلال ثلاثة عقود ونصف من العمل العلمي الدؤوب وتربية مستمرة للنابهين من صحابته وطلاّب المعرفة من أتباعه وشيعته. وقد أثرت عن الإمام الكاظم (عليه السلام) عدة مجموعات روائية مثل: مسائل علي بن جعفر والأشعثيات، وتصدّى المعنيون بتراث أهل البيت (عليهم السلام) بجمع التراث المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام) وتنظيمه وتبويبه من مختلف المصادر وتسميته بالمسند.

وفيما يخصّ الإمام موسى (عليه السلام) نلاحظ آخر ما جمع من كلامه وما يرتبط به من نصوص قد بلغ ثلاث مجلّدات يناهز مجموعها الألف صفحة مبوّبة حسب تبويب الموسوعات الحديثية مع فارق أو أكثر. فالمقدمة تشتمل على مجموعة من النصوص التي تخص نشأة الإمام وحياته وسيرته. ثم يقسّم تراثه الحديثي إلى أبواب العقائد والأخلاق والأحكام والسيرة والتاريخ والرجال.

وفيما يخصّ مسند الإمام الكاظم (عليه السلام) إذا مررنا عليه مروراً عابراً وسريعاً أيضاً كفى ذلك لنقف على عظمة الدور الفكري والعطاء العلمي الذي قدّمه هذا الإمام العظيم إلى الأمة الإسلامية بشكل عام والى الجماعة الصالحة وطلاّب المعرفة المؤمنين بخط أهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاص، لا سيَّما إذا لاحظنا قساوة الظروف السياسية والاجتماعية التي مرّ بها الإمام موسى (عليه السلام) وأصحابه وشيعته خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً.

لقد ترجم هذا المسند (٦٣٨) شخصاً من رواة الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو رقم كبير جداً بالنسبة للمدة الزمنية التي عرفناها والظروف التي وقفنا عليها. وقد اشتمل الفهرس على عدد نصوص كل باب من أبواب المعرفة. وتتراوح هذه النصوص بين نصوص مأثورة بواسطة الإمام الكاظم (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهي تكشف عن مدى اهتمامه بسيرة وحديث جدّه (صلّى الله عليه وآله) وبين نصوص لا يسندها إلى أحد مما يمكن أن نعتبرها من تراثه الخاص كما نلاحظ ذلك في الرسالة الكبيرة التي أثرت عنه حول العقل ولعلها الرسالة الوحيدة الجامعة لما يخصّ العقل من شؤون في الكتاب والسنة وهي لوحدها تراث جامع وأثر خالد يتضمّن المنهج المعرفي القرآني والحديثي لأهل البيت (عليهم السلام).

والجزء الأول من هذا المسند قد اشتمل على الأبواب التالية: العقل والعلم (في ١٠ أبواب)، التوحيد (في ١٤ باباً)، تاريخ الأنبياء والأئمة (في ١٤ باباً)، والنبوة والإمامة (في ٢٢ باباً) والتعريف بالصحابة (في ٤١ باباً)، والتعريف برواة الإمام الكاظم (في ٦٣٨ باباً)، وأبواب الإيمان والكفر (في ٤٢ باباً)، والأخلاق والعِشرة (في ١٥٢ باباً).

كما تضمن الجزء الثاني: كتاب القرآن بأبوابه الـ (٥١ باباً)، وكتاب الدعاء (في ٥١ باباً)، والاحتجاجات (في ٨ أبواب) ومعظم كتب الفقه، فكتاب الطهارة (في٧٣ باباً)، وكتاب الصلاة (في٤١ باباً)، وكتاب الصوم (في ٢٥ باباً)، وكتاب الزكاة (في ٢٨ باباً)، وكتاب المعيشة (في ٥٩ باباً)، وكتاب السفر (في ٨ أبواب)، وكتاب الحج (في ٦٨ باباً)، وكتاب الزيارة (في ٧ أبواب)، وكتاب الجهاد (في ٥ أبواب)، وكتاب النكاح (في ٤٠ باباً)، وكتاب الطلاق (في ٣٠ باباً).

وتضمن الجزء الثالث من المسند: كتاب الأولاد (في ١٢ باباً)، وكتاب التجمّل والزينة (في ٤٣ باباً)، وكتاب الرواتب (في ١٢ باباً)، وكتاب الأطعمة (في ٦٨ باباً)، وكتاب الأشربة (في ١٣ باباً)، وكتاب العتق (في ١٢ باباً)، وكتاب الأيمان والنذور (في ٩ أبواب)، وكتاب الحدود (في ١٨ باباً)، وكتاب الدّيات (في ١٦ باباً)، وكتاب الوصية (في ١٥ باباً)، وكتاب الإرث (في ١١ باباً)، وكتاب الجنائز (في ٢٩ باباً)، وكتاب الحشر والمعاد والآداب والسنن.

إنّ هذا التنوع في أبواب المعرفة التي أثرت عنه لدليل آخر على الجانب الموسوعي في هذا التراث بالإضافة إلى وضوح التكامل في المسيرة العلمية التي بدأها أهل البيت (عليهم السلام) وسهروا على إرساء قواعدها وإشادة أصولها ومعالمها والتخطيط لإثمارها والحرص على إنجاز دورها التغييري في المجتمع الإسلامي عامة وفي الجماعة الصالحة بشكل خاص.

وإليك بعض النصوص المختارة من هذا التراث العظيم في الأبواب التالية:

أصول العلم ومراتب المعرفة:

١ ـ قال الإمام موسى بن جعفر (عليهما‌ السلام): (وجدت علم الناس في أربع، أولها: أن تعرف ربك، والثانية: أن تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة: أن تعرف ما يخرجك من دينك)(١).

٢ ـ وقال (عليه السلام): (أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به وأوجب العمل عليك ما أنت مسئول عن العمل به، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك; وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشتغلنّ بعلم ما لا يضرّك جهله، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه)(٢).

٣ ـ وقال (عليه السلام) : (فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنّا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من ألف عابد...)(٣).

مصادر المعرفة ومنهجها:

١ ـ عن سماعة، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: قلت له: أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله) ؟ أو تقولون فيه؟ قال:(بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه  (صلّى الله عليه وآله)(٤).

٢ ـ عن سماعة، عن العبد الصالح قال: سألته فقلت: إنّ أناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدّك وسمعوا منهما الحديث فربما كان شيء يبتلي به بعض أصحابنا وليس في ذلك عندهم شيء يفتيه وعندهم ما يشبهه، يسعهم أن يأخذوا بالقياس ؟ فقال:(لا، إنما هلك من كان قبلكم بالقياس)، فقلت له: لم لا يقبل ذلك ؟ فقال:(لأنه ليس من شيء إلاّ وجاء في الكتاب والسنة)(5).

٣ ـ عن موسى بن بكر، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): (من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء)(6).

٤ ـ عن عثمان بن عيسى، قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن القياس فقال:(ما لكم والقياس إنّ الله لا يسأل كيف أحلّ وكيف حرّم)(7).

٥ ـ عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام) : بما أوحد الله ؟ فقال:(يا يونس لا تكوننّ مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه  (صلّى الله عليه وآله) ضلّ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر)(8).

٦ ـ إنّ من غرر أحاديث الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في مجال العقل كمصدر معرفي أساس هو وصيّته الثمينة لهشام بن الحكم والتي سُمّيت برسالة العقل عند الإمام (عليه السلام)، وإليك نصّ الرسالة:

قال (عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: ﴿... فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(9).

يا هشام بن الحكم إنّ الله عزّ وجلّ أكمل للناس الحجج بالعقول وأفضى إليهم بالبيان ودلّهم على ربوبيته بالأدلاّء، فقال: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ... ﴾ إلى قوله : ﴿... لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(10).

يا هشام قد جعل الله عزّ وجلّ ذلك دليلاً على معرفته بأنّ لهم مدبّراً فقال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(11). وقال: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(12) وقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(13).

يا هشام ثمّ وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾(14). وقال: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾(15).

يا هشام ثمّ خوَّف الذين لا يعقلون عذابه فقال عَزَّ وجَلَّ: ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾(16).

يا هشام ثمّ بيّن أن العقل مع العلم فقال: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾(17).

يا هشام ثمّ ذمّ الذين لا يعقلون فقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾(18). وقال: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾(19). وقال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾(20).

ثمّ ذم الكثرة فقال: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (21) وقال: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (22). ﴿وأكثرهم لا يشعرون﴾(23).

يا هشام ثمّ مدح القلة فقال: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾(24) وقال: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾(25) وقال: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾(26).

يا هشام ثمّ ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر وحلاّهم بأحسن الحلية، فقال: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(27).

يا هشام إنّ الله يقول: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾(28) يعني العقل. وقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾(29) قال: الفهم والعقلَ.

يا هشام إنّ لقمان، قال لابنه: (تواضع للحق تكن أعقلَ الناس). يا بنيّ إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان وشراعها التوكل وقيمتها العقل. ودليلها العلم وسكّانها الصبر.

يا هشام لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر ودليل التفكر الصمت ولكل شيء مطيّة ومطيّة العاقل التواضع وكفى بك جهلاً، أن تركب ما نُهيت عنهُ.

يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس (في يدك) لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنها جوزة ما ضرّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة.

يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلاّ ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله. وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً وأعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.

يا هشام ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع إلاّ رفعه الله ولا يتعاظم إلاّ وضعه الله.

يا هشام إنّ لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة وأمّا الباطنة فالعقول. يا هشام إنّ العاقل، الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره.

يا هشام من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأنّما أعانَ هواه على هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله. ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه. يا هشام كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك. يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها. ورغب فيما عند ربه وكان الله آنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة. وغناه في العيلة ومعزه في غير عشيرة(30). يا هشام نصب الخلق لطاعة الله(31). ولا نجاة إلاّ بالطاعة. والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم. والتعلم بالعقل يعتقد (32) ولا علم إلاّ من عالم رباني ومعرفة العالم بالعقل.

يا هشام قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف. وكثير العمل من أهلِ الهوى والجهل مردود.

يا هشام إنّ العاقل رضي بالدّون من الدنيا مع الحكمة. ولم يرض بالدّون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم. يا هشام إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك. وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك. يا هشام إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب. وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض. يا هشام إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة لأنهم علموا أنّ الدنيا طالبة ومطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه. ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.

يا هشام من أراد الغنى بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة في الدين فليتضرّع إلى الله في مسألته بأن يُكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه ومن قنع بما يكفيه استغنى ومن لم يقنع بما يكفيه لم يُدرك الغنى أبداً.

يا هشام إنّ الله جَلَّ وعَزَّ حكى عن قوم صالحين، أنهم قالوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾(33) حين علموا أنّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها أنّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يُبصرها ويجد حقيقتها في قلبه. ولا يكون أحدٌ كذلك إلاّ من كان قوله لفعله مصدِّقاً، وسرّه لعلانيته موافقاً، لأنّ الله لم يدلّ على الباطن الخفي من العقل إلاّ بظاهر منه وناطق عنه.

يا هشام كان أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول: ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل وما تمّ عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتّى، الكفر والشر منه مأمونان(34). والرشد والخير منه مأمولان(35). وفضل ماله مبذول. وفضل قوله مكفوف. نصيبه من الدنيا القوت. ولا يشبع من العلم دهره. الذلّ أحب إليه مع الله من العزّ مع غيره. والتّواضع أحبّ إليه من الشرف. يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقل كثير المعروف من نفسه. ويرى الناس كلهم خيراً منه وأنه شرّهم في نفسه وهو تمام الأمر(36).

يا هشام من صدق لسانه زكى عمله. ومن حسنت نيته زيد في رزقه. ومن حسن برّه بإخوانه وأهله مدّ في عمره.

يا هشام لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها(37)، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.

يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا.

يا هشام لا دين لمن لا مروّة له. ولا مُرُوّة لمن لا عقل له. وأنّ أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً(38)، أما إنّ أبدانكم ليس لها ثمن إلاّ الجنة، فلا تبيعوها بغيرها...(39).

يا هشام إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: (لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهنّ فجلس فهو أحمق).

وقال الحسن بن علي (عليهما ‌السلام): (إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها) قيل: يا ابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: (الذين قصّ الله في كتابه وذكرهم، فقال: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(40). قال: هم أولوا العقول).

وقال علي بن الحسين (عليهما ‌السلام) : (مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح وأدب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العز واستثمار المال(41) تمام المروة. وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة. وكف الأذى من كمال العقل وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً).

يا هشام إن العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ولا يسأل من يخاف منعه ولا يعد مالا يقدر عليه ولا يرجو ما يعنّف برجائه(42) ولا يتقدم على ما يخاف العجز عنه.

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي أصحابه يقول: (أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمّن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم وليكن نظركم عبراً. وصمتكم فكراً. وقولكم ذكراً وطبيعتكم السخاء، فإنه لا يدخل الجنة بخيل ولا يدخل النار سخي).

يا هشام رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس وما حوى(43) والبطن وما وعى، وذكر الموت والبلى، وعلم أنّ الجنة محفوفة بالمكاره(44). والنار محفوفة بالشهوات.

يا هشام من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة. ومن كف غضبه عن الناس كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة.

يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.

يا هشام وجد في ذؤابة(45) سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : أن أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله. ومن تولّى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على نبيّه محمد (صلّى الله عليه وآله) ومن أحدث حدثاً(46)، أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً.

يا هشام أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله بعد المعرفة به الصلاة، وبرّ الوالدين، وترك الحسد والعجب والفخر.

يا هشام أصلح أيّامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو وأعدّ له الجواب، فانك موقوف ومسؤول. وخذ موعظتك من الدهر وأهله، فإن الدهر طويلة قصيرة فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك. واعقل عن الله وانظر في تصرف الدّهر وأحواله، فإن ما هو آت من الدنيا، كما ولّى منها، فاعتبر بها.

وقال علي بن الحسين (عليهما ‌السلام) : (إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها بحرها وبرّها وسهلها وجبلها عند وليّ من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ـ ثم قال  (عليه السلام): أَوَلا حرّ يدع (هذه) اللمّاظة لأهلها(47) ـ يعني الدنيا ـ فليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها بغيرها، فإنّه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس).

يا هشام إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها. وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها.

يا هشام إن المسيح  (عليه السلام) قال للحواريين: (يا عبيد السوء يهولكم طول النّخلة)(48) وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها(49). كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده(50) وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها. يا عبيد السوء نقّوا القمح وطيّبوه وأدقّوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبّه(51).

بحقّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران(52) في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه. كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.

يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة إلاّ بترك ما تحبون، فلا تنظروا بالتوبة غداً، فإن دون غد يوماً وليلةً وقضاء الله فيهما(53) يغدوا ويروح.

بحقّ أقول لكم: إن من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل همّاً ممّن عليه الدين وان أحسن القضاء، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هماً ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب. وإن صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس، يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم.

بحقّ أقول لكم: إن الناس في الحكمة رجلان: فرجلٌ أتقنها بقوله وصدّقها بفعله. ورجل أتقنها بقوله وضيّعها بسوء فعله، فشتان بينهما، فطوبى للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول.

يا عبيد السوء اتّخذوا مساجد ربّكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم. واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوىً للشهوات إن أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبّاً للدنيا. وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا. يا عبيد السوء لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة(54) ولا بالثعالب الخادعة ولا بالذئاب الغادرة ولا بالأُسُد العاتية كما تفعل بالفرائس(55) كذلك تفعلون بالناس، فريقاً تخطفون وفريقاً تخدعون وفريقاً تغدرون بهم.

بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً. كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم. وما يغني عنكم أن تنقّوا جلودكم وقلوبكم دنسة. لا تكونوا كالمنخل(56) يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة. كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغلّ في صدوركم.

يا عبيد الدنيا إنما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوّاً على الركب(57)، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر(58).

يا هشام مكتوب في الإنجيل (طوبى للمتراحمين، أولئك المرحمون يوم القيامة طوبى للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقربون يوم القيامة، طوبى للمطهّرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة، طوبى للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة).

يا هشام قلّة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت، فانّه دعة حسنة وقلّة وزر وخفّة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم، فإن بابه الصبر، وأنّ الله عَزَّ وجَلَّ يبغض الضحّاك من غير عجب والمشّاء إلى غير أرب(59) ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم، كما تستحيون من الناس في علانيتكم. واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.

يا هشام تعلم من العلم ما جهلت. وعلّم الجاهل ممّا علّمت. عظّم العالم لعلمه ودع منازعته. وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده ولكن قرّبه وعلّمه.

يا هشام إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها. وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (إن لله عباداً كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم عن المنطق وإنهم لفصحاء عقلاء، يستبقون إلى الله بالأعمال الزكيّة، لا يستكثرون له الكثير ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل، يرون في أنفسهم أنهم أشرار وأنهم لأكياس وأبرار)(60).

يا هشام الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة والبذاء من الجفاء(61) والجفاء في النار.

يا هشام المتكلّمون ثلاثة: فرابح وسالم وشاجب(62)، فأما الرابح فالذاكر لله وأمّا السالم فالساكت، وأمّا الشاجب فالذي يخوض في الباطل، إن الله حرّم الجنة على كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه. وكان أبو ذرّ ـ رضي الله عنه ـ يقول: (يا مبتغي العلم أن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك).

يا هشام بئس العبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه إذا شاهده(63) ويأكله إذا غاب عنه، إنّ أُعطي حسده وإن ابتلي خذله. إن أسرع الخير ثواباً البرّ، وأسرع الشر عقوبة البغي. وإنّ شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه. وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.

يا هشام لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً. ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.

يا هشام قال الله جَلَّ وعَزَّ: وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي في مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت الغنى في نفسه. وهمّه في آخرته. وكففت عليه (في) ضيعته(64) وضمّنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر.

يا هشام الغضب مفتاح الشر وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم إلاّ من كانت يدك عليه العليا(65) فافعل.

يا هشام عليك بالرفق، فإن الرفق يُمنٌ والخرق شُؤمٌ، إن الرفق والبرّ وحسن الخلق يعمر الدّيار ويزيد في الرزق.

يا هشام قول الله: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾(66) جرت في المؤمن والكافر والبرّ والفاجر. من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء(67).

يا هشام إن مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن وفي جوفها السمّ القاتل، يحذرها الرّجال ذوو العقول ويهوي إليها الصّبيان بأيديهم.

يا هشام اصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت(68).

يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله.

يا هشام إياك والكبر، فإنّه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبّه الله في النار على وجهه.

يا هشام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كّل يوم، فإن عمل حسناً استزاد منه وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه.

يا هشام تمثَّلت الدنيا للمسيح (عليه السلام) في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيراً، قال: فكلّ طلّقك؟ قالت: لا، بل كلا قتلتُ. قال المسيح (عليه السلام) : فويحٌ لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين.

يا هشام إن ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كله. وإنّ ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالماً بربه وإذا كان عالماً بربه أبصر دينه. وإن كان جاهلاً بربه لم يقم له دين. وكما لا يقوم الجسد إلاّ بالنفس الحيّة، فكذلك لا يقوم الدين إلاّ بالنيّة الصادقة، ولا تثبت النيّة الصادقة إلاّ بالعقل.

يا هشام إن الزّرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا(69). فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار، لأن الله جعل التواضع آلة العقل وجعل التكبّر من آله الجهل، ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف(70) برأسه شجّه(71). ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه. وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ومن تواضع لله رفعه.

يا هشام ما أقبح الفقر بعد الغنى، وأقبح الخطيئة بعد النسك، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته.

يا هشام لا خير في العيش إلا لرجلين: لمستمع واع، وعالم ناطق.

يا هشام ما قسّم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل وما بعث الله نبياً إلاّ عاقلا حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين وما أدّى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه(72).

يا هشام قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه، فإنه يلقي الحكمة. والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل).

يا هشام أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام) قل لعبادي: لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي، أولئك قطاع الطريق من عبادي، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي ومناجاتي من قلوبهم.

يا هشام من تعظّم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض. ومن تكبّر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله(73) ومن ادعى ما ليس له فهو (أ) عني لغير رشده(74).

يا هشام أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): يا داود حذّر، وأنذر أصحابك عن حبّ الشهوات، فإنّ المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عنّي.

يا هشام إياك والكبر على أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك. وكن في الدنيا كساكن دار ليست له، إنما ينتظر الرحيل.

يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة. ومشاورة العاقل الناصح يُمنٌ وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإيّاك والخلاف فإنّ في ذلك العطب(75).

يا هشام إياك ومخالطة الناس والأنس بهم إلاّ أن تجد منهم عاقلاً ومأموناً فآنس به واهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية(76). وينبغي للعاقل إذا عمل عملاً أن يستحيي من الله. وإذا تفردّ له بالنعم أن يشارك في عمله أحداً غيره(77). وإذا مرّ بك أمران لا تدري أيهما خيرٌ وأصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإن كثير الصواب في مخالفة هواك. وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة(78)

قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلاً طالباً له غير أن عقله لا يتّسع لضبط ما ألقي إليه؟

قال (عليه السلام) :فتلطّف له بالنصيحة، فإن ضاق قلبه (فـ) ـلا تعرضنّ نفسك للفتنة، واحذر ردّ المتكبرين، فإن العلم يُذِلُّ على أن يملى على من لا يفيق(79).

قلت: فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها؟

قال (عليه السلام) :فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الردّ. واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده. ولم يؤمنّ الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده. ولم يفرّح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذى فيه، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه(80) ويختار عداوة الخلق فيه.

يا هشام من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه وما أوتي عبدٌ علماً فازداد للدنيا حباً إلاّ ازداد من الله بعداً وازداد الله عليه غضباً.

يا هشام انّ العاقل اللّبيب من ترك ما لا طاقة له به، وأكثر الصواب في خلاف الهوى. ومن طال أمله ساء عمله.

يا هشام لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.

يا هشام إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس. وأمت الطمع من المخلوقين، فإن الطمع مفتاح للذل واختلاس العقل وأخلاق المروات(81). وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربّك والتوكل عليه. وجاهد نفسك لتردّها عن هواها، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك.

قال هشام: فقلت له فأَيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة؟

قال (عليه السلام) : أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرّض أعداءك عليك وهو إبليس الموكّل بوسواس القلوب فله فلتشتد عداوتك ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنّه أضعف منك ركناً في قوّته(82) وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه. إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم.

يا هشام من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به: عقل يكفيه مؤونة هواه وعلم يكفيه مؤونة جهله وغنى يكفيه مخافة الفقر.

يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها، فإن الناس فيها على أربعة أصناف: رجل متردّ معانق لهواه. ومتعلم متقرّى كلما ازداد علماً ازداد كبراً، يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحبّ أن يعظّم ويوفّر. وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به، فهو عاجزٌ أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرفـ(ـه) فهو محزون مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه(83) وأوجههم عقلاً.

يا هشام اعرف العقل وجنده، والجهل وجنده تكن من المهتدين.

قال هشام: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا.

يا هشام إن الله خلق العقل وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين(84) عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل فأقبل. فقال الله جلّ وعزّ: خلقتك خلقاً (عظيماً) وكرّمتك على جميع خلقي. ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل، فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً، فلمّا رأى الجهل ما كرّم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته و كرّمته وقوّيته وأنا ضده ولا قوّة لى به أعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال تبارك وتعالى، نعم، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي، فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين جنداً: الخير وهو وزير العقل وجعل ضدّه الشر وهو وزير الجهل.

الإيمان، الكفر. التصديق، التكذيب. الإخلاص، النفاق. الرجاء، القنوط. العدل، الجور. الرضى، السخط. الشكر، الكفران. اليأس، الطمع. التوكل، الحرص. الرأفة، الغلظة. العلم، الجهل. العفة، التهتك. الزهد، الرغبة. الرفق، الخرق. الرهبة، الجرأة. التواضع، الكبر. التؤدة، العجلة. الحلم، السفه. الصمت، الهذر. الاستسلام، الاستكبار. التسليم، التجبر. العفو، الحقد. الرحمة، القسوة. اليقين، الشك. الصبر، الجزع. الصفح، الانتقام. الغنى، الفقر. التفكّر، السهو. الحفظ، النسيان. التواصل، القطيعة. القناعة، الشره. المؤاساة، المنع. المودة، العداوة. الوفاء، الغدر. الطاعة، المعصية. الخضوع، التطاول. السلامة، البلاء. الفهم، الغباوة. المعرفة، الإنكار. المداراة، المكاشفة سلامة الغيب، المماكرة. الكتمان، الإفشاء. البرّ، العقوق. الحقيقة، التسويف. المعروف، المنكر. التقية، الإذاعة. الإصاف، الظلم. التقى، الحسد. النظافة، القذر. الحياء، القحة. القصد، الإسراف. الراحة، التعب. السهولة، الصعوبة. العافية، البلوى. القوام، المكاثرة. الحكمة، الهوى. الوقار، الخفة. السعادة، الشقاء. التوبة، الإصرار. المحافظة، التهاون. الدعاء، الاستنكاف. النشاط، الكسل. الفرح، الحزن. الألفة، الفرقة. السخاء، البخل. الخشوع، العجب. صون الحديث النميمة. الاستغفار، الاغترار. الكياسة، الحمق. يا هشام لا تُجمعُ هذه الخصال إلاّ لنبيّ أو وصيّ أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. وأما ساير ذلك من المؤمنين فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل. فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته(85).

التوحيد وأُسس التدبير الإلهي:

١ ـ عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على سيدي موسى بن جعفر (عليهما‌ السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله علّمني التوحيد فقال:(يا أبا أحمد، لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك واعلم أن الله تعالى واحد، أحدٌ، صمدٌ، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل. والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ وهو الأوّل الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً)(86).

٢ ـ عن زكريا بن عمران، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما‌ السلام)، قال:  (لا يكون شيء في السماوات ولا في الأرض إلاّ بسبع: بقضاء وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن، فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله أو ردّ على الله عزّ وجلّ)(87).

٣ ـ عن محمد بن حكيم قال: كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما ‌السلام إلى أبي:(أن الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته. فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عما سوى ذلك)(88).

٤ ـ وقال (عليه السلام): (إنّ الله تعالى لا يشبهه شيء، أي فحش أو خنى أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً)(89).

____________________

(*) أعلام الهداية - الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، بتصرّف. http://alhassanain.org.

 (١) كشف الغمة: ٢/٢٥٥.

(٢) بحار الأنوار: ٧٥ / ٣٣٦.

(٣) الاحتجاج: ١ / ٨.

(٤) الكافي: ١ / ٦٢.

(5) الاختصاص: ٢٨١.

(6) المحاسن: ١ / ٢٠٥، وبحار الأنوار: ٢ / ١٢٢.

(7) المحاسن: ١/٢١٤.

(8) أصول الكافي: ١ / ٥٦.

(9) الزمر (٣٩): ١٧ ـ ١٨.

(10) البقرة (٢): ١٦٣ ـ ١٦٤.

(11) النحل (١٦): ١٢.

(12) الزخرف (٤٣): ١ ـ ٣.

(13) الروم (٣٠): ٢٤.

(14) الأنعام (٦): ٣٢.

(15) القصص (٢٨): ٦٠.

(16) الصافات (٣٧): ١٣٧ ـ ١٣٨.

(17) العنكبوت (٢٩): ٤٣.

(18) البقرة (٢): ١٧٠.

(19) الأنفال (٨): ٢٢.

(20) لقمان (٣١): ٢٥.

(21) الأنعام (٦): ١١٦.

(22) الأنعام (٦): ٣٧.

(23) مضمون مأخوذ من آي القرآن.

(24) سبأ (٣٤): ١٣.

(25) ص (٣٨): ٢٤.

(26) هود (١١): ٤٠.

(27) البقرة (٢): ٢٦٩.

(28) ق (٥٠): ٣٧.

(29) لقمان (٣١): ١١.

(30) العَيلة: الفاقة.

(31) نصب ـ من باب ضرب على صيغة المجهول ـ بمعنى وضع أو من باب التفعيل من نصب الأمير فلاناً ولاّه منصباً.

(32) اعتقد الشيء: نقيض حله.

(33) آل عمران (٣): ٧.

(34) الكفر في الاعتقاد والشر في القول والعمل والكل ينشأ من الجهل.

(35) الرشد في الاعتقاد والخير في القول والكل ناشئ من العقل.

(36) أي ملاك الأمر وتمامه في أن يكون الإنسان كاملاً تام العقل هو كونه متصفاً بمجموعة هذه الخصال.

(37) لا تمنحوا الجهال أي لا تعطوهم ولا تعلموهم. والمنحة: العطاء.

(38) معادلاً وموازياً في الخطر أي القدر والرفعة.

(39) ههنا كلام نقله صاحب الوافي عن أستاذه (رحمهما الله) قال: وذلك لأن الأبدان في التناقص يوماً فيوماً لتوجه النفس منها إلى عالم آخر فإن كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدنيا وانقطاع حياته البدنيّة إلى الله سبحانه وإلى نعيم الجنة لكونه على منهج الهداية والاستقامة فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع الله تعالى ولهذا خلقه الله عزّ وجلّ وإن كانت شقيّة كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره إلى مقارنة الشيطان وعذاب النيران لكونه على طريق الضلالة فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية واللذات الحيوانية التي ستصير نيراناً محرقة مؤلمة وهي اليوم كامنة مستورة عن حواسّ أهل الدنيا وستبرز يوم القيامة ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾ معاملة مع الشيطان وخسر هنالك المبطلون.

(40) الزمر (٣٩): ١٢.

(41) أي استنماؤه بالكسب والتجارة.

(42) التعنيف: اللؤم والتوبيخ والتقريع. والمراد أن العاقل لا يرجو فوق ما يستحقه وما لم يستعدّه.

(43) (وما حوى) أي ما حواه الرأس من الأوهام والأفكار بأن يحفظها ولا يبديها ويمكن أن يكون المراد ما حواه الرأس من العين والأذن وسائر المشاعر بأن يحفظها عمّا يحرم عليه. (وما وعى) أي ما جمعه من الطعام والشراب بأن لا يكون من حرام. (والبلى) ـ بالكسر ـ: الاندراس والاضمحلال.

(44) هذا الكلام مشهور معروف بين الفريقين متواتر منقول عن النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم. والمحفوفة: المحيطة. والمكاره: جمع مكرهة ـ بفتح الراء وضمّها ـ : ما يكرهه الإنسان ويشق عليه. والمراد أن الجنة محفوفة بما يكره النفس من الأقوال والأفعال فتعمل بها، فمن عمل بها دخل الجنة، والنار محفوفة بلذات النفس وشهواتها، فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النار.

(45) الذؤابة من كل شيء: أعلاه. ومن السيف: علاقته. ومن السوط: طرفه. ومن الشعر: ناصيته. وعتا يعتو عتواً، وعتى يعتى عتياً بمعنى واحد أي استكبر وتجاوز الحدّ، والعتو: الطغيان والتجاوز عن الحدود والتجبّر.

(46) الحدث: الأمر الحادث الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنّة.

(47) اللمّاظة ـ بالضم ـ: بقية الطعام في الفم. وأيضاً بقية الشيء القليل. والمراد بها هنا الدنيا.

(48) يهولكم أي يفزعكم وعظم عليكم.

(49) مؤونة المراقي: شدة الارتقاء، والمرافق: المنافع وهي جمع مرفق ـ بالفتح ـ: ما انتفع به.

(50) الأمد: الغاية ومنتهى الشيء، يقال: طال عليهم الأمد أي الأجل. والنور ـ بالفتح ـ: الزهرة.

(51) الغبّ ـ بالكسر ـ: العاقبة، وأيضا بمعنى البعد.

(52) القطران ـ بفتح القاف وسكون الطاء وكسرها أو بكسر القاف وسكون الطاء ـ: سيّال دهني شبيه النفط، يتخذ بعض الأشجار كالصنوبر والأرز فيهنأ به الإبل الجربى ويسرع فيه إشعال النار. وقوله: (نتنه) أي خبت رائحته.

(53) كناية عن الموت فإنه يأتي في الغداة والرواح.

(54) الحداء ـ بالكسر ـ: جمع حدأة ـ كعنبه ـ: طائر من الجوارح وهو نوع من الغراب يخطف الأشياء والخاطفة من خطف الشيء يخطف كعلم يعلم ـ: استلبه بسرعة والغادرة: الخائنة والعاتي: الجبّار.

(55) الفريسة: ما يفترسه الأسد ونحوه.

(56) المنخل ـ بضم الميم والخاء أو بفتح الخاء ـ: ما ينخل به. والنخالة ـ بالضم ـ: ما بقي في المنخل من القشر ونحوه.

(57) جثا يجثو وجثى يجثي: جلس على ركبتيه أو قام على أطراف الأصابع. وفي بعض النسخ (حبواً) أي زحفاً على الركب من حبا يحبو وحبى يحبي: إذا مشى على أربع.

(58) الوابل: المطر الشديد الضخم القطر.

(59) المشاء: الكثير المشي. وأيضا النمام والمراد ههنا الأول. والأرب ـ بفتحتين ـ: الحاجة. وفي بعض النسخ (إلى غير أدب).

(60) الأكياس: جمع كيّس ـ كسيّد ـ الفطن، الظريف، الحسن الفهم والأدب.

(61) البذاء: الفحش. والبذي ـ على فعيل ـ: السفيه والذي أفحش في منطقه.

(62) الشاجب: الهذّاء المكثار أي كثير الهذيان وكثير الكلام. وأيضاً الهالك وهو الأنسب.

(63) أي يحسن الثناء وبالغ في مدحه إذا شاهده: ويعيبه بالسوء ويذمّه إذا غاب.

(64) الضيعة ـ بالفتح ـ: هذا من قبيل تسمية الشيء باسم ضدّه كالمفازة للصحراء التي يخاف فيها الهلاك، فالضيعة هنا يعني موطن الإنسان كما لازال يستعمل بهذا المعنى في عامّة بلاد الشام. وكففت عليه أي رزقته الكِفاف وهو في وطنه غير مسافر في طلب الرزق.

(65) اليد العليا: المعطية المتعلقة.

(66) الرحمن (٥٥): ٦٠.

(67) أي له الفضيلة بسبب ابتدائه بالإحسان، فهو أفضل منك.

(68) اغتبط: كان في مسرة وحسن حال.

(69) الصفا: الحجر الصلد الضخم.

(70) شمخ ـ من باب منع ـ: علا ورفع.

(71) أي كسره وجرحه.

(72) أي عرفه إلى حدّ التعقل.

(73) استطال عليهم: أي تفضل عليهم.

(74) عني ـ بصيغة المجهول أو المعلوم ـ بالأمر كلّف ما يشقّ عليه. وفي بعض النسخ (أعنى لغيره) أي يدخل غيره في العناء والتعب. هذا ويحتمل أن يكون الأصل (فهو لغيّ لغير رشدة) فصحّف.

(75) العطب: الهلاك.

(76) الضاري: الحيوان السبع، من ضرّ الكلب بالصيد يضرو: تعودّه وأولع به. وأيضا: تطعم بلحمه ودمه.

(77) أي إذا اختص العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النعمة بأن يعطيه منها.

(78) قال المجلسي رحمه‌ الله : كأنّ فيه حذفاً وإيصالاً أي تغلب على الحكمة أي يأخذها منك قهراً من لا يستحقها بأن يقرأ على صيغة المجهول أو على المعلوم أي تغلب على الحكمة فإنها تأبى عمّن لا يستحقها. ويحتمل أن يكون بالفاء والتاء من الإفلات بمعنى الإطلاق فإنهم يقولون: انفلت مني كلام أي صدر بغير رويّة.

(79) الإفاقة: الرجوع عن الكسر والإغماء والغفلة إلى حال الاستقامة.

(80) يترضّاه: أي يطلب رضاه.

(81) الاختلاق: الافتراء. وفي بعض النسخ (وأخلاق) والظاهر أنه جمع خلق ـ بالتحريك ـ أي البالي. والعرض: النفس والخليقة المحمودة ـ وأيضاً: ما يفتخر الإنسان من حسب وشرف.

(82) الركن: العزّ والمنعة. وأيضاً: ما يقوى به. والأمر العظيم. أي لا يكن صبره في المجاهدة أقوى منك. فإنك إذا كنت على الاستقامة في مخالفته يكون مع قوّته أضعف منك ركناً وضرراً.

(83) الأمثل: الأفضل.

(84) أي هو أول مخلوق من المنسوبين إلى الروح في مدينة بنية الإنسان المتمركزين بأمر الربّ والسلطان في مقرّ الحكومة العقلية. فهو أولّها ورأسها ثم يوجد بعده وبسببه جنداً فجنداً إلى أن يكمل للإنسان جودة العقل.

(85) بحار الأنوار: ٧٥ / ٢٩٦ ـ ٣١٩.

(86) بحار الأنوار: ٧٥/٢٩٦ ـ ٣١٩، التوحيد: ٧٦.

(87) أصول الكافي: ١ / ١٤٩ والخصال: ٣٥٩.

(88) أصول الكافي: ١ / ١٠٢.

(89) أصول الكافي: ١ / ١٠٥.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2529
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 08 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20