• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : الكتاب والقرآن نقد لأدلة التفريق ( القسم الاول) .

الكتاب والقرآن نقد لأدلة التفريق ( القسم الاول)

عبد السلام زين العابدين(1)

(الكتاب والقرآن ـ قراءة معاصرة) للدكتور المهندس محمد شحرور كتاب مثير، طبع أربع مرّات خلال سنة وثلاثة أشهر(2)، أثار ردود أفعال متعارضة بين معجب بروعته ومتعجّب منه، حتى سمّى أحدُهم كتابه النقدي (بيضة الديك)، لانه يرى المؤلف لم يقل صواباً في كل ما كتب الا في عبارة واحدة فقط، وهي العبارة الاولى من الكتاب، (فلّما تخطّاها لم يهتد الى صواب بعدها قط!!)(3).

وقد تصدّى العديد من الأساتذة والباحثين لنقد هذا الكتاب في دمشق وبيروت والقاهرة وايران:

1 ـ محمد سعيد رمضان البوطي، في مجلة (نهج الاسلام)(4)، تحت عنوان: (الخلفية اليهودية لشعار قراءة معاصرة).

2 ـ شوقي أبو خليل، في مقالته: (تقاطعات خطرة في درب القراءات المعاصرة) التي نشرت كذلك في (نهج الاسلام)(5).

3 ـ نصر حامد أبو زيد، في (مجلة الهلال)(6)، تحت عنوان: (لماذا طغت التلفيقية على كثير من مشروعات تجديد الاسلام؟)، ومقالة أخرى تحت عنوان: (المنهج النفعي في فهم النصوص الدينية)(7).

4 ـ سليم الجابي، في كتابه: (القراءة المعاصرة للدكتور محمد شحرور مجرد تنجيم ـ كذب المنجمون ولو صدقوا)!

5 ـ محمد شفيق ياسين، في ثلاث مقالات نقدية متتالية في مجلة (نهج الاسلام)(8).

6 ـ طارق زيادة، في مجلة (الناقد)، بعنوان (طرافة في التقسيم وغرابة في التأويل)(9).

7 ـ ماهر المنجّد، في كتابه: (الاشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن) ـ دراسة نقدية(10).

8 ـ منير محمد طاهر الشواف، في كتابه (تهافت القراءة المعاصرة)(11).

9 ـ يوسف الصيداوي، في كتابه: (بيضة الديك) ـ نقد لغوي لكتاب (الكتاب والقرآن)(12).

10 ـ نعيم اليافي، في مقاله في (الاسبوع الأبي) العدد 247 لعام 1991م.

11 ـ خالد عبد الرحمن العك في كتابه (الفرقان والقرآن)(13).

12 ـ صائب عبد الحميد، في مقاله: (الاسلام والقرآن في تصوّرات معاصرة ـ تفسير محمد شحرور نموذجاً، في مجلة (قضايا اسلامية)(14).

13 ـ نشأت ظبيان، في كتابها: (ذلك ردّ)(15).

14 ـ يوسف سبيتي، في مقاله: (ثلاث دعاوى في الترادف والنسخ والتطوّر)(16).

هذه هي أهم ما كُتب حول هذا الكتاب المثير (الكتاب والقرآن ـ قراءة معاصرة)، ولربّما كانت هناك مؤلفات ومقالات لم نطّلع عليها.

نظرة تقويمية سريعة للكتابات النقدّية

انّ النقد العلمي والموضوعي لكتاب (الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة) يفرض علينا ان نبتعد عن لغة الاستهزاء والاستخفاف والتسخيف التي تبنّتها بعض الكتابات النقدية، سواء كانت مقالات أو كتباً، وان كنّا نعطي بعض الحق لهؤلاء النقّاد، لما في هذا الكتاب من مفارقات عجيبة، وقراءات للنصوص غريبة.

ومن المؤسف ان يدعي المؤلف العمل على (مسح عام لخصائص اللسان العربي لأبي علي الفارسي المتمثّل بالامامين ابن جني وعبد القاهر الجرجاني... والاطلاع على آخر ما توصّلت اليه علوم اللسانيّات الحديثة من نتائج)(17)، مع أنّ كتابه مليء بالاخطاء النحوية، رغم الجهود التي بذلها استاذه المتخصص باللغة العربية (دك الباب).

الأمر الذي جعل بعض النقّاد ـ بعد أن أحصى عليه تلكم الاخطاء ـ يقول: (انّ من يريد أن يقرأ اللغة ونحوها وصرفها (قراءة معاصرة) !! لابدّ له قبل ذلك من أن يفرّق بين ماحقّه الرفع وما حقّه النصب أو الجر)(18).

وناقد آخر، صرّح قائلاً: (نحن نحترم وجهة نظر السيّد المؤلف على أنها تصورات    وافتراضات خاصّة به، ولكن لا يجوز له ان يفرض علينا هذه التصورات على أنها حقائق      علميّة ثابتة، فيُصادر بذلك المتلّقي، كما لا يجوز له أن يدّعي أنه انّما ينطلق من القرآن،            ثم لماذا يجبر آياته على التعبير عن هذه الافتراضات التي لا تستند الى دليل علمي أو برهان   عقلي؟

فهو يفترض أموراً من وحي خياله الفذ، ثم يجعلها حقائق مسلّمة يفسّر القرآن في ضوئها، من خلال تجاوز حدود اللغة وأنظمتها التعبيريّة، ودلالاتها التركيبية).

ويضيف الاستاذ المنجّد قائلاً: (انّ نصوص القرآن هي قبل كلّ شيء تشكيل لغوي له ضوابط منطقيّة وأنظمة دقيقة، وأيّ معنى يوضع لآية يجب ان يستوعبه تشكيلها اللغوي بقوانينه المعجمية والصرفية والنحوية والبلاغية.

بيد أنّ السيد المؤلف يفترض المعاني والافكار من خارج النص ويُلقيها بصيغة يقينيّة، ثم يسوق آيات القرآن زاعماً أنها تُعبّر عن اطروحاته، وبالاحرى زاعماً أنّ أطروحاته يستنبطها من القرآن... ومن هنا ينشأ انفصام حاد بين التشكيل اللغوي لهذه الآيات وبين المعاني المتوهّمة التي يفترضها، فلا ندري بعد ذلك العلاقة بين التشكيل والمعنى، لانها تنهار انهياراً فظيعاً. ثم ان مثل هذه الافتراضات التي تبتعد عن المنهج العلمي، حين لا تستند على أيّ دليل علمي أو برهان عقلي أو قرائن لفظية، تقربنا من التفكير الخرافي..)(19).

مع كتاب (الفرقان والقرآن)

ويرى ناقد ثالث أنّ القراءة المعاصرة في (الكتاب والقرآن) قد حوت (على اكثر من ثلاثة آلاف أغلوطة، قد صيغت باسلوب الحكمة المموّهة (السفسطائية) التي تقوم على المقدّمات المغلوطة، واستخراج النتائج الخاطئة..). بيد أنّ هذا الناقد الكريم لم يقدّم لنا ولو بعضاً من تلك الاغلوطات، بل اكتفى بالتعليق على ما ينقله من آراء الآخر بأنها خاطئة ومغلوطة، أو انها (تحوير قضايا العقيدة والدين تحت مظلة الفلسفة)، أو (ان السكوت عن بدع المفسدين وضلال المضلّين وتأويل المنحرفين ذُل ومهانة وخضوع واستكانة، فلابد من كشف أمرهم واظهار حقائقهم..)، أو القول بأن (جميع ابحاث كتاب (القراءة المعاصرة) قد صيغت على غير منهج اسلامي، فقد أتت متتابعة وفق اغلوطات منطقية وتوهمات فلسفية، وظنيات فرضية، وتأويلات غريبة وعجيبة...)(20).

ولم يُعط الشيخ العك في كتابه (الفرقان والقرآن) دليلاً على ما يقول، ولم يناقش فكرة واحدة من افكار الدكتور شحرور مناقشة علمية موضوعية جادّة، حتى في البحث السابع من الفصل السابع، والذي جاء تحت عنوان: (انحراف أصحاب القراءة المعاصرة للقرآن الكريم كما وردت فيما أسموه بـ (الكتاب والقرآن ـ قراءة معاصرة))، بل راح يعلّق على مقولات بتعليقات مقتضبة.

فمثلاً عندما يأتي على مقولة الدكتور شحرور بأن (القرآن الكريم هو القرآن العظيم نفسه، وهو الذي أنزل في رمضان، وليس عبارة (قرآن مجيد) هي بالضرورة (القرآن العظيم) لكنها من جنسه، وتعني جزءاً منه لا كلّه)، يعلّق الناقد قائلاً: (فهذا الزعم تتمة السفسطة الجدلية العقيمة القائمة على التوهّم والتخيل!؟)(21).

وحينما يأتي بالمقولة: (ونلاحظ انه في سورة الرعد عطف الحق على الكتاب، فهذا يعني ان  الحق شيء والكتاب شيء آخر، أو انّ الحق هو جزء من الكتاب، وليس كلّ الكتاب)، يعلّق قائلاً: (فهذا الزعم الجدلي السفساطائي المراد به اثارة القلق حول قدسيّة (الكتاب الكريم) واثارة الشبهات حول بعض قضاياه بداعي أنّ الحق ليس هو كلّ الكتاب، وليس الكتاب هو كل الحق، فالنتيجة (الباطلة) أنّ في الكتاب ما ليس بحقّ؟؟!! فأي انحراف فكري هذا الذي بلغه هذا المبلّغ في جدله الباطل!!؟).

ويبقى صاحب الكتاب يذكر (اغلوطات) صاحب (القراءة المعاصرة)، ويعددها، ويكتفي بامثال تلك التعليقات المليئة بعلامات الاستفهام والتعجّب.

الادانة والاتهام ليست نقداً

وناقد رابع، قبل أولئك النقّاد جميعاً ـ هو الدكتور البوطي ـ كتب مقالة بعنوان (الخلفيّة اليهوديّة لشعار قراءة معاصرة)(22)، وفيها (شنّ هجوماً على الكتاب معمّماً وموجزاً، مديناً ومتهّماً بالتدجيل والكذب والعبث المخزي والتماشي مع التعليمات الخفيّة لحكماء صهيون، رائياً أنّ البغية لأصحاب القراءات المعاصرة ان ينفصلوا عن الاسلام ويفصلوا المسلمين عنه)(23).

يرى الناقد ماهر المنجّد أننا (كنّا نرغب من الدكتور البوطي أن يفنّد أدلّة المؤلف وحججه، ويناقش اطروحاته التي جعلته يفتح أبواب الاتهام والادانة، لا أن يكتفي بسوق امثلة مجتزأة مغلقاً باب الحوار، بل مغفلاً اسم الكتاب والمؤلف!!)(24).

وناقد خامس(25) كان ـ كما يقول المنجّد ـ تكراراً للدكتور البوطي، بل أشد تعميماً، تاركاً نهج المناقشة العلميّة، ليكتفي باقتطاع أمثلة وأنموذجات أراد منها اثبات ما سمّاه بالتطابق التام بين كتب تحمل شعار قراءة معاصرة، لم ينس ان يكيل الاتهامات والادانات التي تجعل من الكتاب تنفيذاً لوصيّة صهيونية)(26).

دراسات نقدية جادة

بيد ان هذا لايعدم دراسات نقدية جادة حاولت أن تتوفّر على شروط النقد الموضوعي، لتناقش أفكار الدكتور شحرور بطريقة علميّة، وتحاكمها محاكمة نقديّة كشفت عن مواطن الخلل والتهافت في (القراءة المعاصرة). وحسب اطّلاعي فقد كانت دراسة الاساتذة: الصيداوي والمنجّد وعبد الحميد من أفضل ما قرأت في هذا المجال.

أولاً: كتاب (بيضة الديك)

رغم السخرية الحادّة، والنقد اللاذع، اللذين لمستهما في كتاب (بيضة الديك) للاستاذ يوسف الصيداوي بيد أنّه قد سلّط نقده ـ أولاً ـ على المنطق اللغوي عند المؤلف ومتكآته، وبيّن بلغة الدليل مدى ضعفه وهزاله وتهافته، كما ناقش ـ ثانياً ـ بعض احكامه المؤسسة على اللغة، تحت عنوان مصحف العميان، ولا سيّما في قضيّة المرأة وآية الخمر والجيوب في سورة النور التي يُفتي فيها المؤلف بجواز بروز المرأة للرجال عارية، لا يستثنى من ذلك الاّ خمسة أشياء حصراً، هي: (ما بين الثديين، وتحت الثديين، وتحت الابطين، والفرج، والآليتين)(27)، بتفسيره للجيب في قوله تعالى: (وليضربن بخمورهن على جيوبهنّ) باعتبار ان (الجيوب في المرأة لها طبقتان أو طبقتان مع خرق)(28)!.

وناقش ـ ثالثاً ـ لغة المؤلف وهو يقرأ القرآن قراءة معاصرة، وأحصى الاخطاء النحوية والصرفية وغيرها التي جاءت في الكتاب(29).

ثانياً: كتاب (الاشكالية المنهجية)

أما الناقد ماهر المنجّد فقد أثبت هو الآخر مدى التحريف في منهج (القراءة المعاصرة)، فناقش بموضوعية بعض الموضوعات المطروحة فيها، ثم اعطانا تلخيصاً في نهاية الكتاب للمنهج المطبّق في (الكتاب والقرآن)، في البنود التالية:

1 ـ تحطيم خصائص اللغة العربية وأنظمتها.

2 ـ عدم المقدرة على قراءة المعجم وفهمه، وتفسير الكلمات بغير معناها.

3 ـ مخالفة معجم المقاييس لابن فارس واهمال المعجمات الاخرى.

4 ـ مخالفة نظرية الجرجاني في النظم من خلال اجتثاث المفردة من سياقها وتجريدها من معناها الحقيقي.

6 ـ اغفال علوم الصرف والاشتقاق التي كان من أئمتها ابو علي الفارسي وابن جنّي.

7 ـ مخالفة ما ورد من الشعر الجاهلي.

8 ـ الاستخفاف بعقل القارئ وغياب المنهج العلمي الحقيقي.

9 ـ اضفاء صفة العلميّة والحقيقة على افتراضات وتصورات محضة فقدت أدلتها وبراهينها.

10 ـ الانطلاق من أفكار الماركسيّة ومبادئها واكراه آيات القرآن وقسرها على التعبير عنها.

11 ـ اتخاذ آيات القرآن غطاءً لأفكاره واطروحاته، وانهيار العلاقة بين التشكيل اللغوي للآية والمعنى الذي يوضع لها من خارجها.

12 ـ اقحام علم الرياضيات واستخدام ألفاظ العلم والتكنولوجيا لغرض الارهاب العلمي.

13 ـ بناء نظرية فقهية على اسس فاسدة ومقدّمات باطلة علمياً ومنطقياً ولغويّاً.

14 ـ وضع النتائج قبل المقدّمات، والاتيان بمقدمات واهية غير مسلّم بها ولا ملزمة منطقيّاً.

15 ـ عدم التوثيق، وانعدام المرجعية مطلقاً، وعدم مراعاة أبسط قواعد البحث العلمي)(30).

هذه النقاط الخمس عشرة يجدها قارئ كتاب (الكتاب والقرآن)، بصورة بارزة وصارخة، الى درجة يكون النقد حيالها في غاية الصعوبة، وفي منتهى المعاناة.

كل ذلك تطرح بصورة صارمة، وطريقة حاسمة قد توقع القارئ لأول وهلة بحالة من الانبهار، حتى ولو كان بمستوى الاستاذ الدكتور نعيم اليافي، حيث وقع فيما أسماه بـ (صدمة المفاجأة)(31).

ثالثاً: مقالة (الاسلام والقرآن في تصورات معاصرة)

يسجّل الاستاذ صائب عبد الحميد ملاحظة نقدية طالما حذّر صاحب (الكتاب والقرآن) الباحثين من الخضوع لسلطتها، الا وهي الوقوع في شباك (الافكار المسبّقة) التي اعتبرها من المشاكل الاساسية التي يعاني منها الفكر العربي المعاصر، مما تجعل الباحث يتحرّى التبريرات لوجهة نظره المسبّقة، مما تفقده العلمية والموضوعية، وتقوده منذ البداية نحو نتائج مطلوبة ومحددة سلفاً.

يرى الناقد عبد الحميد أنّ الدكتور شحرور كان أسير تلك (المسلّمات الموروثة) (والمواقف المسبّقة). ففي تعريفه للسنّة والموقف منها (يلاحظ أنّ مصدره الوحيد.. هو (مسلّمة) من المسلّمات الموروثة لديه، لم يكلّف نفسه عناء البحث أو السؤال عن حقيقتها، وهي: كون النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد نهى عن كتابة الحديث، وأنّ الصحابة لم يهتموا بتدوينه وانطلاقاً من هذه (المسلّمة) انطلق المؤلف بسؤالين:

1 ـ لماذا لم يأمر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بجمع كلامه مع أنه أمرهم بتدوين الوحي، وقال لهم في الوقت نفسه: ((لقد تركت فيكم ما ان اتبعتموه فلن تضلّوا أبداً: كتاب الله وسنّتي؟))

2 ـ لماذا لم يجمع الصحابة الحديث كما جمعوا الكتاب؟(32).

ثم يخرج من هذين السؤالين بنتيجة مفادها أنّ ذلك يعود لسبب واحد، وهو علمهم ـ أي النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والصحابة ـ بان جمع الحديث ليس ضرورياً، مادام الحديث يمثّل مرحلة تأريخية، وأنّ السنّة ليست عين كلام النبي صلى الله عليه وآله.

ان الباحث لم يكلّف نفسه عناء البحث أو السؤال عن هذه (المسلّمة الموروثة) لديه، وهي كون النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قد نهى عن كتابة الحديث، وأنّ الصحابة لم يهتموا بتدوينه.

يرى الناقد أنّ شحرور قد (وقع في خطأ مضاعف اذ اعتمد هذه القضية كمسلّمة اولاً، ثم وظّفها ـ ثانياً ـ لغرض كان يريده منذ البداية، وانعقد عليه ضميره سلفاً، ولأجله وضع كتابه كلّه، ألا وهو التعامل مع السنّة على انها مرحلة تأريخية ماضية لابد أن نتحرر منها بالكامل من أجل تأويل معاصر للقرآن وأحكامه). ثم يطرح الناقد سؤالين:

الأول: هل كان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يأمر حقاً بعدم كتابة أقواله؟

الثاني: هل أهمل الصحابة حقاً تدوين السنّة؟

يجيب عن السؤالين بالنفي المطلق، ويثبت بالأدلة والبراهين أنّ الواقع على خلاف ذلك، ويذكر أحاديث ووقائع تثبت أنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يؤكد تأكيداً كبيراً على كتابة حديثه وتبليغه الى الاجيال اللاحقة، وقد بادر الصحابة الى جمع الحديث حتى كتب في أوائل أيام أبي بكر (خمسمئة حديث في ليلة واحدة). (إما جعل الحجة في قرار أبي بكر ثم عمر في احراق كتب الحديث، فليس هو البحث العلمي في شيء، وانما هو من الركون إلى (مسلّمات موروثة)(33).

لقد وقع الدكتور شحرور في شباك مسلّمات خاطئة عديدة في صفحة واحدة:

المسلّمة الأولى: النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لم يأمر بجمع كلامه.

المسلّمة الثانية: الصحابة لم يجمعوا حديث النبي صلى الله عليه وآله.

المسلّمة الثالثة: ما جاء في الحديث (كتاب الله وسنّتي).

المسلّمة الرابعة: دور النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هو تحويل المطلق الى نسبي والحركة ضمن حدود الله .. وهذه هي السنّة، ليكون ما فعله النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هو الاحتمال الأول لتطبيق الإسلام في القرن السابع، وليس الوحيد والأخير.. فلا قوالب جاهزة مسبقاً، ولا توقيف لحركة التاريخ في الإسلام. هذا الشيء ـ كما يؤكد شحرور ـ الذي تفاداه النبي والصحابة ووقعنا فيه نحن، فجمّدنا التأريخ وحنّطنا أنفسنا(34).

نقد أدلّة (القراءة المعاصرة)

ان عنوان الكتاب يدل على المعنون، فقد جاء العنوان: (الكتاب والقرآن)، وجاءت كلمة (الكتاب) بخط صغير، بينما كتبت كلمة (القرآن) بخط كبير وبارز، ذلك لأن القضية الاساس التي عالجها المؤلف هي أن الكتاب غير القرآن وأن القرآن جزء من الكتاب وليس كل الكتاب، فالعلاقة بين الكتاب والقرآن عموم وخصوص مطلق، لان القرآن ـ وكما يدّعي المؤلف ـ يتضمن الآيات التي تعطي نظرية الوجود الكوني والانساني وتفسير التأريخ، وهي علوم وليست احكاماً، لذا كان القرآن كتاب النبوّة، لا الرسالة، لأنّ النبوّة علوم والرسالة احكام.

أمّا الآيات التي تحتوي على قواعد السلوك الانساني (الحلال والحرام) أي العبادات والمعاملات والاخلاق، فهي من الرسالة وليس من القرآن، لان القرآن من شؤون النبوّة بينما الرسالة من شؤون الرسول!!

والاعجاز في القرآن فحسب، أي في الآيات التي تعطي قوانين الكون المطلقة.. لأنها هي التي تصدّق الرسالة (الأحكام)!!

وينعى شحرور على العرب لأنهم اهتموا بفهم الرسالة اهتماماً شديداً وأعطوها كل وقتهم وجهدهم وجاهدوا في نشرها بين الأمم، ولكنهم لم يهتمّوا بفهم القرآن!

ولهذا يعطي مخططاً توضيحياً ليبيّن العلاقة بين الكتاب والقرآن من جهة، وبين النبوّة والرسالة من جهة اخرى:

الكتاب = النبوّة (معلومات) + الرسالة (احكام).

النبوّة = العلوم = آيات متشابهات + آيات لا محكمات ولا متشابهات.

الرسالة = الأحكام = آيات محكمات (ام الكتاب).

ويرى الدكتور شحرور أن (الراسخين في العلم) الذين يعلمون تأويل القرآن هم علماء الطبيعة والفيزياء والكيمياء والفلك واصل الانواع.. امثال دارون ونيوتن وانشتاين وغيرهم.. وليس علماء الدين والفقهاء لانهم أهل (أم الكتاب) الرسالة ولا علاقة لهم بالقرآن، لا من قريب ولا من بعيد!

من هذا المنطلق سيكون النقد على محور واحد وأساس هو: ما هي الأدلة التي يقدّمها الدكتور شحرور لتثبيت مدّعاه في افتراق الكتاب عن القرآن؟.

فاذا لم تستطع هذه الأدلة الصمود أمام النقد فمعنى ذلك أن قراءته المعاصرة ستنهار أسسها.

واذا استقرأنا الأدلة التي ذكرها صاحب كتاب (القراءة المعاصرة) نجد أن أهمها مايلي:

الدليل الأول:عطف القرآن على الكتاب دليل المغايرة!

من منطلق عدم وجود الترادف في اللغة العربية يفسّر الدكتور شحرور الآية المباركة التي تعطف الكتاب على القرآن كقوله تعالى: (الم تلك آيات الكتاب وقرآن مبين)، يجعلنا بين خيارين:

الخيار الاول: عطف المغايرة، وهذا يعني أن الكتاب غير القرآن.

الخيار الثاني: عطف الخاص على العام، فيكون القرآن جزءاً من الكتاب.

ويختار الدكتور شحرور الخيار الثاني، وبذلك يثبت أن القرآن غير الكتاب، وأنه جزء منه لا جميعه!

ان المؤلف لم يستوعب معنى عدم الترادف الذي قال به بعض أعلام اللغة، امثال ابن فارس وثعلب وغيرهما.. فتصوّر ان عدم الترادف يعني المغايرة بالذات.

ان عدم الترادف لا يعني التغاير بالذات بل هو التغاير في الصفات.

قال ابن فارس: (ويسمى الشيء الواحد بالاسماء المختلفة، نحو السيف والمهند والحسام، والذي نقوله في هذا: ان الاسم وحده هو السيف، وما بعده من الالقاب صفات)(35).

وفي مادة (فرق) يقول ابن فارس في كتابه (مقاييس اللغة):

الفاء والراء والقاف اُصيل صحيح يدل على تمييز وتزييل بين شيئين... والفرقان: كتاب الله تعالى فرق بين الحق والباطل).

هذا ما يقوله صاحب المقاييس في (الفرقان)، الذي يدعّي صاحب القراءة المعاصرة أنه أنسب المعاجم اللغوية حيث يقول: (لقد استعرضنا معاجم اللغة العربية فوجدنا أن انسبها هو معجم مقاييس اللغة لابن فارس (تلميذ ثعلب) الذي ينفي وجود الترادف في اللغة، فقد تم الاعتماد عليه بشكل أساسي دون اغفال بقيّة المعاجم)(36).

من هنا يتضح ان الاستاذ شحرور لم يستوعب كلمات المصدر الذي يعتمد عليه بشكل أساس !!، ولهذا فانه اعتبر القول بعدم الترادف يقتضي القول بتغاير الذات.

وقد سجّل هذه الملاحظة النقدية ـ كذلك ـ الاستاذ يوسف صيداوي في كتابه (بيضة الديك)، حيث يقول: (ان القراءة المعاصرة قد تسللت من معنى الترادف الى باطل لا علاقة له بالترادف من قريب ولا من بعيد. وذلك ان الأئمة الذين أنكروا الترادف، كأحمد بن يحيى (ثعلب)، وابن فارس وأبي هلال العسكري.. لم يزيدوا على ان قالوا ما معناه: ان بين المترادفات فروقاً في الصفات.

مثال ذلك ان بين الحسام والمهند، والسيف، والصارم فروقاً في الصفات، ولكنها جميعاً انما تدل على تلك الحديدة التي يكون فيها القتال. ولم يقل أحد منهم : ان الحسام غير المهند، والمهند غير السيف، والسيف غير الصارم الخ.

واما القراءة المعاصرة، فقد تسلّلت من هذا الذي أجمع عليه أولئك الائمة الى حكم مرتجل لا أصل له، فقالت: (الترادف خدعة، والمترادفان متغايران). وعليه فان الكتاب غير القرآن، ومنه فالقرآن شيء، والكتاب شيء آخر، والفرقان شيء ثالث، والذكر شيء رابع، والذي بين يديه شيء خامس، وأم الكتاب شيء سادس، وتفصيل الكتاب شيء سابع..)(37).

ويركز الاستاذ ماهر المنجّد في دراسته النقدية لكتاب (الكتاب والقرآن) على هذه المفارقة العجيبة التي وقع فيها المؤلف، فيقول: (ان واو العطف أصلاً لا تختص بعطف المتغايرات والمتباينات، وليس وجوباً أن يكون المعطوف شيئاً غير المعطوف عليه أو مخالفاً له، كما فهم المؤلف وبنى على هذا الفهم المغلوط أموراً كثيرة ونتائج خطيرة، فالاصل أن واو العطف تفيد مطلق الجمع، ولها خمسة عشر حكماً أحدهما أنها تعطف الشيء على شبيهه في المعنى)(38).

ان الخطأ قد يكون هيّناً حينما لا يبنى عليه شيء.. بيد ان مؤلف (الكتاب والقرآن) قد (بنى على هذا الفهم المغلوط أموراً كثيرة ونتائج خطيرة) بل يعتبره هو المفردة الاولى والاساس في منهجه التفسيري!!

من هذا المنطلق يتضح جيداً ان عطف (قرآن مبين) على الكتاب، لا يعني ـ بالضرورة ـ ان هناك شيئين متغايرين، أحدهما الكتاب والآخر القرآن.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مهندس مدني واستاذ التفسير في الحوزة العلمية - قم.

(2) الطبعة الاولى في أيلول عام 1990م، والطبعة الرابعة في الشهر الاول من عام

1992م.

(3) يوسف صيداوي، بيضة الديك (نقد لغوي لكتاب (الكتاب والقرآن)).

(4) نهج الاسلام، العدد 42، ك 1، 1990.

(5) نهج الاسلام العدد 43، عام 1991م.

(6) مجلة الهلال، العدد 10، عام 1991م.

(7) مجلة الهلال، العدد 3، عام 1992م.

(8) الاعداد: 46، 47، 48، لعام 1991، 1992، 1992.

(9) مجلة الناقد، العدد 45، عام 1992.

(10) دار الفكر بدمشق، عام 1994م.

(11) الشوّاف للنشر والدراسات، قبرص، عام 1993.

(12) المطبعة التعاونية ـ دمشق.

(13) الحكمة للطباعة والنشر، دمشق، الطبعة الثانية، 1996م.

(14) مجلة قضايا اسلامية، قم، العدد السابع، عام 1999م.

(15) دار قتيبة، 1992.

(16) مجلة البلاد، العدد 394، لعام 1998.

(17) الكتاب والقرآن، 44.

(18) بيضة الديك، ص210.

(19) الاشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن، 104 ـ 105.

(20) الفرقان والقرآن، 69.

(21) الفرقان والقرآن، 734.

(22) وهو المفسّر المعاصر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.

(23) الاشكالية المنهجية في الكتاب والقران، 65.

(24) المصدر تفسه.

(25) وهو الباحث الدكتور شوقي، أبو خليل.

(26) الاشكالية المنهجية، 66.

(27) الكتاب والقرآن، ص 607. والصحيح الإليتان!

(28) المصدر نفسه.

(29) بيضة الديك (نقد لغوي لكتاب (الكتاب والقرآن)، يوسف الصيداوي.

(30) الاشكالية المنهجية، 178 ـ 180.

(31) المصدر نفسه، 64.

(32) الكتاب والقرآن، 546 ـ 547.

(33) قضايا اسلامية، العدد السابع، 1400 ـ 1999م، ص 567.

(34) راجع: الكتاب والقرآن، 546 ـ 549.

(35) بيضة الديك. نقلاً عن المزهر، 1، 404.

(36) الكتاب والقرآن ،44.

(37) بيضة الديك، يوسف الصيداوي، ص62.

(38) الاشكالية المنهجية في (الكتاب والقرآن)، ماهر المنجّد، 94.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=404
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19