• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .
                    • الموضوع : مظاهر هجر القرآن .

مظاهر هجر القرآن

السيد مالك الموسوي

واننا إذا نظرنا الى تلك الأوساط الاسلامية والايمانية لأحسسنا بكل وضوح بمظاهر الهجر المتنوعة، ولعل من أهمها:

اولاً:هجر القراءة والتلاوة

إن ظاهرة هجر القراءة والتلاوة من المظاهر البارزة في المجتمع الاسلامي حتى أصبح القرآن الكريم لايتلى إلا على الأموات، وحتى أن احدنا إذا سمع قائلاً يقول (الفاتحة) يتبادر الى ذهنه ان هناك ميتاً!!، وتتبادر الى انفه رائحة السدر والكافور!!.

ومع كل دعوات القرآن وصرخاته لتلاوة القرآن وترتيله ، ومع كل دعوات الرسول والائمة (ع)، فإننا لانجد آذاناً صاغية إلا عند القليل القليل من المؤمنين!!.قال تعالى : (ورتل القرآن ترتيلا) (1) وقوله (فاقرأوا ماتيسر من القرآن).

وعن رسول الله (ص): (من قرأ القرآن قبل ان يحتلم فقد اوتي الحكم صبياً) (اذا أحب احدكم ان يحدث ربه فليقرأ القرآن).

ويحذرنا الرسول الكريم من ان نعيش في يوم في عداد الغافلين، حيث يقول (من قرأ عشر آيات في ليله لم يكتب من الغافلين. ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين. ومن قرأ ثلاثمئة آية كتب من الفائزين. ومن قرأ خمسمئة آية كتب من المجتهدين)!

ومما يثير العجب والدهشة أن كثيراً من المؤمنين لايجيدون قراءة القرآن وتلاوته،  ولايميزون بين الاخفاء والإدغام.وقد يتخوف بعض المؤمنين من التلاوة لأنه لايعرف احكامها، فهذا رسول الله (ص) يقول: (اذا قرأ القاريء فأخطأ أو لحن أو كان أعجمياً كتبه الملك كما انزل)!

وترتيل القرآن من الأمور الاساسية في تكوين الشخصية الايمانية حيث تمنحها القراءة رقة وقوة معاً، رقة في المشاعر والاحاسيس، وقوة في المواقف الصعبة التي يكتنفها المصاعب والمتاعب والآلام. ولهذا جاء الأمر القرآني لرسول الله (ص).

(يا ايها المزمل قم الليل إلا قليلأً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) كل ذلك استعداداً للحمل الثقيل والمسؤولية الكبيرة (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا).

وجاء التخفيف للمؤمنين (فاقرأوا ماتيسر من القرآن علم ان سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض وآخرون يقاتلون في سبيل الله) ولكن لابد من مواصلة القراءة اليومية بقدر الامكان ولهذا (فاقرؤا ما تيسر منه).

ومن سمات المتقين الأساسية وطبيعتهم اليومية الليلية هي تحزين النفسي بالقرآن من خلال تلاوته وترتيله.

فهذا علي (ع)، يصف هذا العلاقة اليومية بأروع وصف: (أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا، يحزنون به أنفسهم، ويستشيرون به دواء دائهم)، ويضيف (ع) قائلاً: (فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلعت نفوسهم اليها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغروا اليها مسامع قلوبهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم). فأين نحن من هؤلاء؟!

إن هناك فرقاً بين أن تقرأ القرآن بترتيل وبين ان تقرأه بدون ترتيل، فإن (الترتيل يعطي لقراءتك جوا من الوحاني..هذا الجو يجعل قلبك يهتز بالكلمة فيتقبل الكلمة بطريقة تتناسب مع الانفتاح الروحي، والموسيقى ليست كلها لهواً، وشيئاً باطلاً، فإن الموسيقى الباطلة هي الموسيقى التي تثير مكامن اللهو في نفسك، وتثير مكامن الخلاعة في نفسك، والتي تجعلك تعيش في جو روحي يملا الكلمة بمعنى يعطي للكلمة جدها...فهذا شيء مستحب.ولهذا ورد في الاحاديث حرمة التغني بالقرآن).

جاء في الدر المنثور عن علي (ع) ان رسول الله (ص) سئل عن قول الله : (ورتل القرآن ترتيلا) قال : بينه تبييناً ولاتنثره نثر الرمل، ولاتهذه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، و لايكن هم أحدكم آخر السورة).

ثانياً:هجر الاستماع.

ومن المصائب التي نراها في اوساط المسلمين بل والمؤمنين هي أنهم في كلامهم ومحادثاتهم لايختلفون قبل قراءة القرآن وبعده، بل انهم يزدادون صراخاً ودوياً حينما يقرأ القرآن على مسامعهم، وكأن الله سبحانه أمر في قرآنه باللغو حين الاستماع بقوله تعالى : (واذا قريء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون)!

ان القرآن لم يقبل منا بالسماع فحسب، بل اراد منا الاستماع، وهو السماع الواعي المتدبر، وأنك اذا رأيت هذه الظاهرة السيئة جداً، ظاهرة اللغو والقرآن يتلى، لترحمت على السامعين فضلاً عن المستمعين!

ومن الغريب أنك لاترى إستنكاراً لهذه الظاهرة الغريبة المنكرة!!واكبر الظن ان هؤلاء (اللاغبين) لايعرفون قيمة الاستماع الى القرآن الكريم،  ويحسبون ذلك من الامور العادية، بينما الآية المباركة والروايات صريحة بضرورة الاستماع والانصات، وفيهما انفتاح لباب الرحمة الالهية التي تتطلع اليها قلوب المؤمنين (وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) إنها الرحمة الالهية التي تهبط على هؤلاء المنصتين المستمعين.

عن رسول الله (ص):(يدفع عن قاريء القرآن بلاء الدنيا، ويدفع عن قاريء القرآن بلاء الآخرة)وما قيمة بلاء الدنيا جنب بلاء للآخرة؟!

وعنه (ص) :(من استمع آية من القرآن خيرله من تبير ذهباً) !!وتبير اسم جبل عظيم باليمن.

وعن زرارة، قال :"سألـت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقرأ القرآن يجب على من يسمعه الانصات له والاستمـاع له؟ قـال: (نعم، إذا قريء القرآن عندك فقد وجب عليك الاستماع والانصات).

ويستعرض لنا القرآن الكريم استماع المؤمنين الصالحين بقوله: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) (3)

ويصف القرآن حالة الاجيال الايمانية على طول التأريخ حينما يستمعون الى آيات الله بقوله: (اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) (4).

ويرسم القرآن ماينبغي ان يكون عليه المؤمنين وهم يستمعون القرآن : (الله نزل احسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله)(5).

إنه الاستماع الخاشع، والعيش الكريم في اجواء القرآن، والخرور للاذقان سجداً وبكيا، وقشعريرة الجلود ثم لين الجلود والقلوب معا!فأين نحن من هؤلاء؟!

ثالثاً: هجر الحفظ.

قد يحفظ أحدنا اشعارا كثيرة لشعراء، وقد يحفظ نصوصاً كبيرة لأدباء وبلغاء، اما أن نحفظ القرآن فهذا مايندر وجوده هذه الايام حتى في أوساط المؤمنين الدارسين.ولهذا فإنك اذا سمعت أحدهم يستشهد بآية مباركة يرتبك يتلعثم، بينما ينطلق لسانه مغرداً في القصائد الشعرية.وهذه ظاهرة مرضية.

لقد كان رسول الله (ص) حريصاً على حفظ القرآن حتى انه كان يسبق جبرائيل (ع)- هكذا قيل- قبل ان يكمل المقطع القرآني النازل عليه، فجاء القرآن ليطمئنه على حفظه، وهذا نفهمه من ظاهر قوله (لاتحرك به لسانك لتعجل به.إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه)! (6).

إن لحافظ القرآن الكريم منزلة عظيمة، ومكانة مرموقة لايرقى اليها أحد، فهذا الرسول الكريم يطمئن حفظة القرآن بقوله: (من اعطاه الله حفظ كتابه فظن أن أحداً أعطي افضل مما أعطي فقد غمط أفضل النعمة)!!وعنه (ص) : (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن، كالبيت الخراب).

وعن الصادق (ع): (الحافظ للقرآن، العامل به، مع السفرة الكرام البررة)!!.

وقد يحفظ احدنا سوراً وآيات،  ويبدأ بمشروع الحفظ، ولكنه ينسى ما حفظه، ويقطع مشروعه، وفي يوم القيامة تظهر الحسرات والآهات.

يقول الصادق (ع): (من نسي سورة من القرآن مثلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة في الجنة، فإذا رآها قال:ماأنت؟!فما أحسنك؟!ليتك لي؟!فتقول :أما تعرفني؟!

أنا سورة كذا وكذا، ولو لم تنسني لرفعتك الى هذا المكان)!!

 رابعاً:هجر التدبر.

إن كل انسان مهما كان مستواه العلمي والثقافي له الحق في أن يعيش التدبر في آيات الله، متفكراً ومستلهماً، حيث ان من معجزة القرآن الكريم انه قابل للفهم من قبل جميع المستويات، حتى الامي الذي لايقرأ ولايكتب يفهم القرآن، ولكن مستويات الفهم والاستيعاب متباينة.وهذه خاصية فريدة للقرآن الكريم لايمتاز بها أي كتاب آخر على الاطلاق، وانك إذا اخذت أي كتاب آخر فأنك لا تستطيع ان تجعله في متناول الجميع إما لسهولته عند البعض أو لصعوبته عند بعض آخر.

إن كثيراً من المؤمنين يتصورون خطاً انه لايجوز تدبر القرآن إلا لمن كان يتوفر لديه شروط المفسر من معرفة دقيقة بأساليب اللغة، والبلاغة، والأصول والمنطق والفلسفة وغيرها... وقد توهم هؤلاء فحرموا انفسهم التدبر في آيات الله التي يحق لكل انسان ان يعيشها.والقرآن يصرخ فينا (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) وليس مفسر!، والقرآن ينادينا (لقد انزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون)(6)، بل ويستنكر على هؤلاء الذين لايعيشون مع القرآن حالة التفكر والتدبر بقوله (أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها)؟! (7) بل إن القرآن نزل للتدبر، بقوله (كتاب انزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب).

إن من حق كل قاريء للقرآن وسامع أن يتدبر كل حرف من حروفه، وكل مفردة من مفرداته ، وكل آية من آياته..من حقك أن تتدبر الحرف القرآني وانت تقرأ قوله تعالى على لسان ابراهيم (ع): (الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين.واذا مرضت فهو يشفين.والذي يميتني ثم يحيين)!(8) فلماذا هذا الاختلاف في حروف العطف: الواو، الفاء، ثم ؟ ولماذا يؤتى بالضمير (هو)؟ولماذا تغير السياق في (مرضت) (خلقني، يطعمني، يميتني) ولم يقل (يمرضني)؟!.والحروف في قوله تعالى : (..قال ماخطبكما؟ قالتا :لانسقي حتى يصدر الرعاع وأبونا شيخ كبير فسقى لهما، ثم تولى الى الظل فقال رب إني لما أنزلت الي من خير فقير.فجاءته إحداهما تمشي على استحياء...) (9).

فقد جاء حرف (الفاء) في قوله (فسقى لهما)، وحرف (ثم ) في قوله (ثم تولى الى الظل)، ثم جاء حرف الفاء في قوله (فقال رب)، وفي قوله (فجاءته احداهما).وكيف جاءت (تمشي على استحياء) وليس باستحياء فحسب؟!.

ومن حق كل قاريء أو سامع لقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا.إن مع العسر يسراً. فاذا فرغت فانصب) (10) أن يتدبر الاسم (مع)، فلم يقل: إن بعد العسر يسرا ولماذا هذا التأكيد (فإن مع العسر يسرا.إن مع العسر يسرا )؟ولماذا جاء (العسر) معرفة، و(اليسر) نكرة؟وكيف ينصب الانسان بعد أن يفرغ؟!

ومن حق كل قاريء ان يتدبر في سياق قوله تعالى (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ) (11) بينما نجد في آية أخرى (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه.وصاحبته واخيه) (12) فلماذا هذا الترتيب من الأخ الى الابن؟!

وفي قوله تعالى (فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا) (13) .

فما هو السر في نفي الوهن اولاً والضعف ثانياً والاستكانة ثالثاً؟! وفي قوله (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين) (14) فما هو السر في تقديم الخوف على الجوع، والجوع على نقص الاموال..؟

وما هو السر في تقديم الأموال على الأنفس في آيات الجهاد، بينما تقدم الأنفس على الاموال في آيات الشراء (وجاهدوا في سبيل الله باموالكم وانفسك) (إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم )؟!

وماهي الحكمة في الترتيت في قوله تعالى (ياايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا لعلكم تفلحون) (15)؟!

ولماذا ذكر يوسف (ع) (اليوم) في قوله (قال لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم...)(16) ؟ يقول الامام السجاد (ع): (آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتحت خزانه ينبغي لك أن تنظر مافيها).

إن في وصايا الرسول (ص) للذين يريدون ان يتدبروا القرآن، وصيتين اساسيتين :

الأولى :"لايكن هم احدكم آخر السورة".

الثانية :"إقرأوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا"!

خامساً :هجر الهم والعمل.

لم يستوعب اعداء الاسلام في عصر الرسالة، السر وراء ظاهرة (المكث) و(التنزيل) في نزول القرآن (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) (17)، حتى أنهم كانوا يتمسكون بهذه الورقة لاثبات بطلان القرآن بقولهم : (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة)؟!ولايدري هؤلاء بأنه من دون هذا التدريج في نزول القرآن خلال اكثر من عشرين عاماً، لايمكن أن تتحق رسالة القرآن في التربية والتغيير وصناعة الأمة وبنائها بناء قرآنياً سليماً، من خلال مواكبتها في عسرها ويسرها، وانكسارها وانتصارها هذا أولاً، وفي تغيير النفوس والقلوب ثانياً، وفي تثبيت الرسول القائد في ساحة المواجهة والصراع ثالثاً: (وقال الذين كفروا لولا نزل القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ونزلناه تنزيلا) (18).

(فالقرآن لم ينزل للتثقيف وتخزين المعلومات وانما نزل للعلم والعمل معاً، نزل ليقود امةً في صراعها المرير، ويوجه حركتها ويراقب مسيرتها الدامية).

جاء في كتاب الاتقان للسيوطي عن عبد الرحمن السلمي قال :حدثنا الذين كانوا يقرأون القرآن أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي (ص) عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل..

قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.

ويفسر الرسول الكريم (ص) قوله تعالى (والذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به، ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون).

يقول (ص):"حق تلاوته" يتبعونه حق اتباعه.

إن من السهل ان ترتل قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون) ولكن السعي لتطبيق هذه الآية على الأرض يحتاج مزيداً من الدموع والدماء، والقتلى والشهداء!

وإن من اليسير ان تقرأ قوله تعالى: (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) ولكن من الصعب جداً أن تشخص "اولي الامر" وتسير تحت رايتهم!

وما أيسر وأسهل قراءة الآية المباركة (ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (19) ولكن ماأصعب وأعسر تجسيدها، انها تحتاج الى امرين:الصبر الكبير والحظ العظيم (وما يلقاها إلا الذين صبروا ومايلقاها إلا ذو حظ عظيم)، والتعبير ب(يلقاها) يشعر بعسر التلقي البالغ، وتكرار (يلقاها)

يرسم لك ضخامة هذا الأمر وصعوبته.

ولهذا ينبغي ان نعرف حقيقتين قرآنيتين اساسيتين:

الأولى : إن القرآن سهل وميسر (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)؟

الثانية :إن القرآن ثقيل وعسير (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)!

وما اجمل ماقاله الشهيد سيد قطب في ضلاله : (القرآن في مبناه ليس ثقيلاً فهو ميسر للذكر، ولكنه ثقيل في ميزان الحق، ثقيل في اثره في القلب: (لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) فأنزله الله على قلب اثبت من الجبل يتلقاه..

وإن تلقي هذا الفيض من النور والمعرفة والاستيعاب، لثقيل، يحتاج الى استعداد طويل.

وإن التعامل مع الحقائق الكونية الكبرى المجردة، لثقيل، يحتاج الى استعداد طويل.

وإن الاتصال بالملأ الأعلى وبروح الوجود وأرواح الخلائق الحية والجامدة..

لثقيل يحتاج الى استعداد طويل.

وإن الاستقامة على هذا الأمر بلا تردد ولاارتياب ولاتلفت هنا أو هناك وراء الهواتف والجواذب والمعوقات، لثقيل، يحتاج الى استعداد طويل".

وماأروع ماسجله العلامة فضل الله في وحيه: (انا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) وهو القرآن الذي يحمل في داخله كل مفاهيم الرسالة وخطوطها الفكرية والعملية في الحياة، فيما يدفع به الانسان الى الالتزام في دائرة المسؤولية التي تثقل عليه من خلال تحويل الحياة في وجدانه الحركي، من ساحة للاسترخاء واللامبالاة والسكون والحرية الغارقة في بحار الشهوات، والمتخبطة في وصول الجريمة، الى ساحة للدعوة الى تصحيح الفكر واستقامة القصد ووضوح الهدف وطهارة الوسائل وتنظيم الحياة وتوجيه الانسان نحو القضايا الكبيرة...على ضوء ذلك، فإن القول الثقيل لايتمثل في الثقل المادي فيما قد توحي به الروايات التي تعبرعن الضغط الذي كان يتعرض له النبي في جسده في تأثيراته الشديدة القاسية عند نزول الوحي عليه، بل يتمثل في ثقل الأعباء الملقاة على عاتق الانسان، المسلم الذي يواجه التحديات من موقع الايمان الرسالي الذي يثبت في كل حالات الاهتزاز الروحي الذي يعمل على اسقاط الواقع من حوله".

اذن ثقل القرآن الكريم من ثقل المسؤولية الكبيرة، والاهداف الكبيرة، والهموم الكبيرة.. (ياأيها المدثر قم فأنذر.وربك فكبر.وثيابك فطهر.والرجز فأهجر.ولاتمنن تستكثر.ولربك فاصبر)!!

إنها المسؤوليات الجسام، والمهام العظام، من القيام المستمر، والانتزاع من التدثر والفراش والدفء الى سوح الجهاد والكفاح والثورة، وانها الرسالة التي تحتاج الى المزيد من البذل والعطاء، والدموع والدماء، كما وتحتاج بعد كل ذلك الى الشعور بالتقصير، ورؤية مااعطاه وبذله صغيراً وحقيراً (ولاتمنن تستكثر)!!

المصادر :

ــــــــــــــــــــــــ

1 ـ المزمل: 4.

2 ـ الاسراء : 109.

3 ـ مريم : 58.

4 ـ الزمر : 23 .

5 ـ القيامة : 16-19 .

6 ـ الانبياء: 10 .

7 ـ محمد : 24.

8 ـ الشعراء : 78-81 .

9 ـ القصص : 23-25 .

10 ـ الشرح 4 ـ 7 .

11 ـ عبس :36 .

12 ـ المعارج :12 .

13 ـ آل عمران :146 .

14 ـ البقرة :155 .

15 ـ آل عمران:200 .

16 ـ يوسف :92 .

17 ـ الكهف :106 .

18 ـ الفرقان :32 .

19 ـ فصلت :34 .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=576
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 06 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19